القواعد النحويّة

السيد قاسم الحسيني الخراساني ومحمود الملكي الإصفهاني

القواعد النحويّة

المؤلف:

السيد قاسم الحسيني الخراساني ومحمود الملكي الإصفهاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مديرية العامة للحوزة العلمية في قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٢

التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ».(١)

ثانيها : التبعيض ، نحو قوله تعالى : «لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ».(٢)

ثالثها : بيان الجنس ، نحو قوله تعالى : «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ».(٣)

رابعها : التنصيص على العموم ، وهي الزائدة ، نحو : «ما جاءني من رجل» فإنّه قبل دخولها يحتمل نفي الجنس ونفي الوحدة ولهذا يصحّ أن يقال : «بل رجلان» ويمتنع ذلك بعد دخول «من».

خامسها : توكيد العموم وهى الزائدة أيضا ، نحو «ما جاءني من أحد» فإنّ لفظة «أحد» إذا وقعت بعد النفي تفيد العموم.

ولزيادتها في النوعين ثلاثة شروط : أن يسبقها نفي أو نهي أو استفهام ب «هل» وأن يكون مجرورها نكرة وأن يكون فاعلا أو مفعولا أو مبتدأ ، نحو قوله تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ)(٤) و (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ)(٥) و «هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ». (٦)

سادسها : البدل ، نحو قوله تعالى : «أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ». (٧)

سابعها : الظرفيّة ، نحو قوله تعالى : «إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ». (٨)

ثامنها : التعليل ، نحو قوله تعالى : «مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا». (٩) وقول الفرزدق :

يغضي حياء ويغضى من مهابته

فلا يكلّم إلّا حين يبتسم. (١٠)

اللّام

اللّام تأتي على وجوه :

__________________

(١). التوبة (٩) : ١٠٨.

(٢). آل عمران (٣) : ٩٢.

(٣). الحجّ (٢٢) : ٣٠.

(٤). الأنبياء (٢١) : ٢.

(٥). الملك (٦٧) : ٣.

(٦). فاطر (٣٥) : ٣.

(٧). التوبة (٩) : ٣٨.

(٨). الجمعة (٦٢) : ٩.

(٩). نوح (٧١) : ٢٥.

(١٠). قاله الفرزدق في مدح الإمام زين العابدين عليه‌السلام وأوّل هذه القصيدة قوله :

هذا الّذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحلّ والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلّهم

هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهر العلم

١٦١

أحدها : الملك ، نحو قوله تعالى : «لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ».(١)

ثانيها : شبه الملك ويعبّر عنه بالاختصاص ، نحو : «السّرج للدّابة».

ثالثها : التعدية ، ذكره ابن مالك ومثّل له في شرح الكافية بقوله تعالى : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) ، (٢) لكنّه قال في شرح التسهيل : «إنّ اللّام فى الآية لشبه التمليك».

رابعها : التعليل ، نحو قوله تعالى : «إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ».(٣)

خامسها : التوكيد وهى الزائدة ، كقول الشاعر :

وملكت ما بين العراق ويثرب

ملكا أجار لمسلم ومعاهد (٤)

سادسها : تقوية عامل ضعف ، لكونه فرعا فى العمل ، نحو قوله تعالى : (مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ)(٥) أو متأخّرا عن المعمول ، نحو قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) ، (٦) قال هشام فى أوضح المسالك : «وليست التقوية زائدة محضة ولا معدّية محضا بل هي بينهما». (٧)

الباء

والباء على وجوه :

أوّلها : الاستعانة ، نحو : «كتبت بالقلم».

ثانيها : التعدية نحو قوله تعالى : «ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ».(٨)

ثالثها : العوض ، نحو : «بعتك هذا بهذا» ، وقوله تعالى : «وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ».(٩)

رابعها : البدل : كقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أما والله لوددت أنّ لي بكم ألف فارس من بني بني فراس بن غنم». (١٠)

__________________

(١). البقرة (٢) : ٢٨٤.

(٢). مريم (١٩) : ٥.

(٣). الإنسان (٧٦) : ٩.

(٤). «أجار» : حفظ وحمى.

(٥). البقرة (٢) : ٩١.

(٦). يوسف (١٢) : ٤٣.

(٧). أوضح المسالك : ٢ / ١٣٣

(٨). البقرة (٢) : ١٧.

(٩). يوسف (١٢) : ٢٠.

(١٠). نهج البلاغة : الخطبة ٢٥.

الفرق بين العوض والبدل أنّ في العوض مقابلة شيء بشيء بأن يدفع شيء من أحد الجانبين ويدفع من جانب آخر شيء في مقابلة ، وفي البدل اختيار أحد الشيئين على الآخر فقط من غير مقابلة من الجانبين. فتأمّل.

١٦٢

خامسها : الإلصاق ، (١) حقيقة ومجازا نحو : «أمسكت بزيد» و «مررت به».

سادسها : الظرفيّة ، نحو قوله تعالى : «نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ».(٢)

سابعها : المصاحبة ، نحو قوله تعالى : «قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ».(٣)

ثامنها : التبعيض ، نحو قوله تعالى : «عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ».(٤)

تاسعها : المجاوزة ، نحو قوله تعالى : «فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً».(٥)

عاشرها : السببيّة ، نحو قول أبي طالب عليه‌السلام في مدح النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل (٦)

 «في»

«في» تأتي على وجوه :

أحدها : الظرفيّة حقيقة كقوله تعالى : (الم ، غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ)(٧) ومجازا كقوله تعالى : «وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ».(٨)

ثانيها : المصاحبة ، نحو قوله تعالى : «فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ».(٩)

ثالثها : السببيّة ، نحو قول الصادق عليه‌السلام : «إن امرأة عذبت في هرة ربطتها حتى ماتت عطشا». (١٠)

«على»

«على» تأتي على وجوه :

أحدها : الاستعلاء ، حقيقة ، نحو قوله تعالى : (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) ، (١١) و

__________________

(١). هو اتّصال شيء بشيء.

(٢). القمر (٥٤) : ٣٤.

(٣). هود (١١) : ٤٨.

(٤). الإنسان (٧٦) : ٦.

(٥). الفرقان (٢٥) : ٥٩.

(٦). «الثّمال» : الملجأ و «الأرامل» : جمع «أرمل» وهي المرأة الّتي مات زوجها.

(٧). الروم (٣٠) : ١ ـ ٤.

(٨). البقرة (٢) : ١٧٩.

(٩). القصص (٢٨) : ٧٩.

(١٠). بحار الأنوار : ٦١ / ٢٦٧ ، ح ٢٥.

(١١). المؤمنون (٢٣) : ٢٢.

١٦٣

مجازا ، نحو : «عليّ دين».

ثانيها : الظرفيّة ، نحو قوله تعالى : «وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها».(١)

ثالثها : المجاوزة ، نحو قول الشاعر :

إذا رضيت عليّ بنو قشير

لعمر الله أعجبني رضاها

رابعها : المصاحبة ، نحو قوله تعالى : «وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ».(٢)

«عن»

«عن» تأتي على وجوه :

احدها : المجاوزة ، (٣) نحو : «رميت السّهم عن القوس».

ثانيها : البدل ، نحو قوله تعالى : «وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً».(٤)

ثالثها : الاستعلاء ، نحو قوله تعالى : «وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ».(٥)

رابعها : التعليل ، نحو قوله تعالى : «وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ».(٦)

الكاف

الكاف تأتي على وجوه :

أحدها : التشبيه ، نحو : «زيد كالأسد».

ثانيها : التعليل ، نحو قوله تعالى : (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) ، (٧) أي : لهدايته إيّاكم.

ثالثها : التوكيد وهي الزائدة ، نحو قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ، (٨) أي : ليس شيء مثله.

«إلى» و «حتّى»

معنى «إلى» و «حتّى» انتهاء الغاية زمانيّة أو مكانيّة ، نحو قوله تعالى : «مِنَ الْمَسْجِدِ

__________________

(١). القصص (٢٨) : ١٥.

(٢). البقرة (٢) : ١٧٧.

(٣). قال الدسوقي : وهي بعد شيء عن المجرور بها بسبب اتّحاد مصدر الفعل المتعدّي بها ، فمعنى «سافرت عن البلد» : بعدت عن البلد بسبب السفر.

(٤). البقرة (٢) : ٤٨.

(٥). محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤٧) : ٣٨.

(٦). هود (١١) : ٥٣.

(٧). البقرة (٢) : ١٩٨.

(٨). الشورى (٤٢) : ١١.

١٦٤

الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» ، (١) ونحو (أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ)(٢) ونحو «أكلت السّمكة حتّى رأسها» ونحو : «سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ».(٣) وإنّما يجرّ ب «حتّى» في الغالب آخر أو متّصل بآخر كما مثّلنا ، فلا يقال : «سهرت البارحة حتّى نصفها».

«كي»

معنى «كي» التعليل ومعنى الواو والتّاء القسم ومعنى مذ ومنذ ابتداء الغاية إن كان الزمان ماضيا ، نحو : «ما رأيته مذ ـ أو منذ ـ يوم الجمعة» والظرفية إن كان حاضرا ، نحو : «ما رأيته مذ ـ أو منذ ـ يومنا» وبمعنى «من» و «إلى» معا إن كان معدودا ، نحو : «ما رأيته مذ ـ أو منذ يومين».

«ربّ»

«ربّ» للتكثير كثيرا وللتقليل قليلا ، فالأوّل كقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فربّ كاسية في الدّنيا عارية في الآخرة». (٤)

والثاني كقوله :

ألا ربّ مولود وليس له أب

وذي ولد لم يلده أبوان.

يريد بذلك عيسى وآدم عليهما‌السلام. (٥)

__________________

(١). الإسراء (١٧) : ١.

(٢). البقرة (٢) : ١٨٧.

(٣). القدر (٩٧) : ٥.

(٤). صحيح البخارى : ١ / ٣٧.

(٥). وضمير «لم يلده» راجع إلى ذي ولد. وأصله «لم يلده» فسكنت الدال تشبيها بتاء «كيف» ، فالتقى ساكنان فحرّكت الدال بالفتح اتباعا للياء أو بالضمّ اتباعا للهاء. كذا في التصريح.

قال ابن مالك في بيان معاني الحروف :

بعّض وبيّن وابتدئ في الأمكنه

بمن وقد تأتي لبدء الأزمنه

وزيد في نفي وشبهه فجر

نكرة كما لباغ من مفر

للانتها حتّى ولام والى

ومن وباء يفهمان بدلا

واللّام للملك وشبهه وفي

تعدية أيضا وتعليل قفي

وزيد والظّرفيّة استبن ببا

وفي وقد يبيّنان السّببا

١٦٥

فصل : من هذه الحروف ما لفظه مشترك بين الحرفيّة والاسميّة وهو خمسة :

أحدها : الكاف ، واسميّتها مخصوصة بالضرورة عند سيبويه والمحقّقين.

وقال كثير ـ منهم الفارسي والأخفش ـ : «لا تختصّ بالضرورة» ، وجوّزوا في نحو «زيد كالأسد» أن تكون الكاف في موضع رفع و «الأسد» مخفوضا بالإضافة.

الثاني والثالث : «عن» و «على» ، ويشترط في اسميتّهما تقدّم «من» عليهما ، كقوله :

فلقد أراني للرّماح دريئة

من عن يمينى مرّة وأمامي (١)

أي : من جانب يميني.

وقوله :

غدت من عليه بعد ماتمّ ظمؤها

تصلّ وعن قيض بزيزاء مجهل (٢)

أي : غدت من فوقه.

والرابع والخامس : مذ ومنذ ، ويستعملان اسمين في موضعين :

أحدهما : أن يدخلا على اسم مرفوع ، نحو : «ما رأيته مذ ـ أو منذ ـ يومان» و «ما رأيته مذ ـ أو منذ ـ يوم الجمعة» وهما حينئذ مبتدءان وما بعدهما خبر ، والتقدير : أمد انقطاع الرّؤية يومان وأوّل انقطاع الرّؤية يوم الجمعة.

وقال أكثر الكوفيّين : هما ظرفان مضافان لجملة حذف فعلها وبقى فاعلها والأصل : «مذ ـ أو منذ ـ كان يومان». (٣)

__________________

بالبا استعن وعدّ عوّض ألصق

ومثل مع ومن وعن بها انطق

على للاستعلا ومعنى في وعن

بعن تجاوزا عنى من قد فطن

وقد تجي موضع بعد وعلى

كما على موضع عن قد جعلا

شبّه بكاف وبها التّعليل قد

يعنى وزائدا لتوكيد ورد

(١). «دريئة» : الحلقة الّتي يتعلّم عليها الطعن والرمي. وهي مفعول ثان ل «أرى».

(٢). «غدت» : سارت والضمير المستتر فيه يرجع إلى «القطاة» والضمير في «عليه» راجع إلى الفرخ. و «الظّمؤ» مدّة صبرها عن الماء. «تصلّ» : تصوّت أحشاؤها من العطش. وقوله «عن قيض» عطف على قوله «من عليه» و «القيض» القشر الأعلى من البيض. و «زيزاء» : أرض غليظة. و «مجهل» : المكان الذي ليس له أعلام يهتدى بها.

(٣). قال ابن مالك :

١٦٦

الثاني : أن يدخلا على الجملة فعليّة كانت ـ وهو الغالب ـ كقول الشاعر :

ما زال مذ عقدت يداه إزاره

فسما فأدرك خمسة الأشبار

أو اسميّة ، كقول الشاعر :

ما زلت أبغي المال مذ أنا يافع

وليدا وكهلا حين شبت وأمردا

وهما حينئذ ظرفان باتّفاق.

فصل : تزاد كلمة «ما» بعد «من» و «عن» والباء ، فلا تكفّها عن عمل الجرّ ، نحو : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً)(١) و (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ)(٢) و «فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ». (٣)

وتزاد أيضا بعد الكاف و «ربّ» فتكفّهما عن العمل فيدخلان حينئذ على الجمل كقول الشاعر :

أخ ماجد لم يخزني يوم مشهد

كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه (٤)

وقول الشاعر :

ربّما أوفيت في علم

ترفعن ثوبي شمالات (٥)

وقد لا تكفّهما عن العمل ، نحو :

ربّما ضربة بسيف صقيل

بين بصرى وطعنة نجلاء (٦)

وقوله :

__________________

واستعمل اسما وكذا عن وعلى

من أجل ذا عليهما من دخلا

ومذ ومنذ اسمان حيث رفعا

أو اوليا الفعل كجئت مذدعا

وإن يجرّا فى مضيّ فكمن

هما وفى الحضور معنى فى استبن

وضمير «استعمل» راجع إلى الكاف.

(١). نوح (٧١) : ٢٥.

(٢). المؤمنون (٢٣) : ٤٠.

(٣). آل عمران (٣) : ١٥٩.

(٤). «مضارب» : جمع مضرب. ومضرب السّيف : حدّه.

(٥). «أوفيت في علم» : نزلت على جبل. و «شمالات» : جمع شمال وهي ريح تهبّ من ناحية القطب. و «ترفعن» : أصله ترفع زيدت فيه نون التأكيد الخفيفة للضرورة.

(٦). «بصرى» : بلد بالشام. واضيف «بين» إلى «بصرى» ـ مع أنّه لا يضاف إلّا إلى متعدّد ـ لاشتمالها على أماكن أو على تقدير مضاف ، أي : أماكن بصرى و «طعنة» عطف على ضربة و «نجلاء» : واسعة.

١٦٧

وننصر مولانا ونعلم أنّه

كما النّاس مجروم عليه وجارم (١)

فصل : تحذف «ربّ» ويبقى عملها بعد الفاء كثيرا ، كقول الشاعر :

فإن أهلك فذي لهب لظاه

عليّ يكاد يلتهب التهابا (٢)

أي : فربّ ذي لهب.

وبعد الواو أكثر ، نحو :

وسائلة تسائل ما لقينا

ولو شهدت أرتنا صابرينا

أي : وربّ سائلة.

وبعد «بل» قليلا ، نحو :

بل بلد ذي صعد وآكام

تخشى مراديه وهجر ذوّاب (٣)

أي : بل ربّ بلد.

وبدونهنّ أقلّ ، نحو :

رسم دار وقفت في طلله

كدت أقضي الحياة من جلله

وقد يحذف غير «ربّ» ويبقى عمله. وهو ضربان :

سماعّي ، كقول رؤبة : «خير والحمد لله» جوابا لمن قال له : «كيف أصبحت؟» ، أي : على خير.

وقياسيّ ، كقولك : «بكم درهم اشتريت ثوبك؟» أي : بكم من درهم (٤)؟

__________________

(١). قال ابن مالك :

وبعد من وعن وباء زيد ما

فلم يعق عن عمل قد علما

وزيد بعد ربّ والكاف فكف

وقد يليهما وجرّ لم يكف

(٢). شرح شواهد مغني اللبيب : ١ / ٤٦٦

(٣). شرح أبيات مغني اللبيب : ٣ / ١٨٩

(٤). قال ابن مالك :

وحذفت ربّ فجرّت بعد بل

والفا وبعد الواو شاع ذا العمل

وقد يجرّ بسوى ربّ لدى

حذف وبعضه يرى مطّردا

١٦٨

متعلّق الجارّ والمجرور

لا بدّ لحرف الجرّ من التعلّق بالفعل أو ما يشبهه أو ما أوّل بما يشبهه أو ما فيه رائحته ، فإن لم يكن شيء من هذه الأربعة موجودا قدّر ، كما سيأتي.

فالأوّل نحو : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) والثاني نحو : («غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ».)(١) والثالث نحو : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) ، (٢) فالجارّ يتعلّق ب «إله» لتاوّله ب «معبود» ، والرابع نحو : «زيد حاتم في بلدكم» ، ف «في» متعلّق ب «حاتم» لكونه بمعنى «جواد».

ومثال التعلّق بالمحذوف قوله تعالى : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) ، (٣) بتقدير : «وأرسلنا» ، ولم يتقدّم ذكر الإرسال ، لكن ذكر النبيّ والمرسل إليهم يدلّ على ذلك.

والظرف كالجارّ والمجرور فيما ذكرنا.

ويستثنى من قولنا «لا بدّ لحرف الجرّ من متعلّق» امور :

منها : الحرف الزائد ، ك «من» في قوله تعالى : «هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ».(٤)

ومنها : «ربّ» في نحو : «ربّ رجل صالح لقيته» أو «لقيت» ، لأنّ مجرورها مفعول في الثاني ومبتدأ في الأوّل أو مفعول على حدّ «زيدا ضربته».

ومنها : كاف التشبيه ، نحو : «زيدا كالأسد».

ومنها : حرف الاستثناء ، وهو «خلا ، عدا وحاشا».

__________________

(١). الحمد (١) : ٧.

(٢). الزخرف (٤٣) : ٨٤.

(٣). هود (١١) : ٦١.

(٤). فاطر (٣٥) : ٣.

١٦٩

الإضافة

الإضافة نسبة اسم إلى آخر مع كون الثاني مجرورا ويسمّى الأوّل مضافا والثاني مضافا إليه.

واختلف في الجارّ للمضاف إليه ، فالجمهور على أنّه المضاف ، وقيل : إنّه الإضافة». وقيل : «إنّه حرف جرّ

مقدّر وهو «في» إذا كان الثاني ظرفا للأوّل ، نحو قوله تعالى : (مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) ، (١) و «من» إذا كان المضاف بعض المضاف إليه وصحّ الإخبار به عن المضاف ، نحو : «خاتم فضة» واللّام في غير ذلك : نحو : «غلام زيد». (٢)

ثمّ أنّه إذا اريد إضافة اسم إلى آخر حذف ما في المضاف من تنوين أو نون تلي علامة الإعراب ـ وهي نون التثنية والجمع وملحقاتهما ـ نحو قولك : «هذا ثوب زيد» وقوله تعالى (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ)(٣) و «الْمُقِيمِي الصَّلاةِ». (٤)

أقسام الإضافة

تنقسم الإضافة إلى قسمين : معنويّة ولفظيّة.

المعنويّة : ألّا يكون المضاف صفة مضافة إلى معمولها. فهي على ضربين : إمّا ألّا يكون المضاف صفة ، نحو : «غلام زيد» ، أو يكون صفة غير مضافة إلى معمولها ، نحو : «قاضى البلد». وتسمّى معنويّة لأنّها تفيد أمرا معنويّا وهو تعريف المضاف إن كان

__________________

(١). سبأ (٣٤) : ٣٣.

(٢). يستفاد من كلام جماعة من النحويّين أنّ الإضافة ـ لفظيّة أو معنوية ـ تكون بمعنى «في» أو «من» أو اللّام. وصرّح المحقّق الرضي رحمه‌الله بأنّ الإضافة اللفظيّة ليست بتقدير حرف الجرّ ولذا قال : «وفي العامل في المضاف إليه اللفظي إشكال إن قلنا : إنّ العامل هو الحرف المقدّر إذ لا حرف فيه مقدّر. راجع : شرح الكافية : ١ / ٢٧٢.

(٣). المسد (١١١) : ١.

(٤). الحجّ (٢٢) : ٣٥.

١٧٠

المضاف إليه معرفة ك «غلام زيد» (١) وتخصيصه إن كان نكرة ك «غلام امرأة».

واللفظيّة : أن يكون المضاف صفة مضافة إلى معمولها ، نحو : «ضارب زيد». والمضاف في هذه الإضافة لا ينفكّ عن تنكيره سواء اضيف إلى معرفة أو نكرة ولذلك وصف به النكرة ك (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ)(٢) ونصب على الحال ك (ثانِيَ عِطْفِهِ)(٣) ودخل عليه ربّ نحو : «ربّ راجينا عظيم الأمل».

وتسمّى لفظيّة لأنّها أفادت تخفيف اللفظ بحذف التنوين والنون. (٤)

وصل «أل» بالمضاف

يجوز دخول «أل» على المضاف في الإضافة اللفظيّة وذلك في خمس مسائل :

__________________

(١). إن قلت : «يمكن أن يكون لزيد غلمان كثيرة ، فكيف يكون الإضافة في «غلام زيد» توجب التعريف؟».

قال المحقّق الرضي رحمه‌الله : «لا بدّ من الإشارة إلى غلام من بين غلمانه له مزيد خصوصيّة بزيد إمّا بكونه أعظم غلمانه أو أشهر بكونه غلاما له دون غيره أو يكون غلاما معهودا بينك وبين المخاطب. وبالجملة بحيث يرجع إطلاق اللفظ إليه دون سائر الغلمان وكذا كان نحو «ابن الزبير» و «ابن عباس» قبل العلمية.

هذا أصل وضعها ثمّ قد يقال : «جائني غلام زيد» من غير إشارة إلى واحد معين وذلك كما أنّ ذا اللّام في أصل الوضع لواحد معيّن ثمّ قد يستعمل بلا إشارة إلى معيّن كما في قوله : «ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني» وذلك على خلاف وضعه فلا تظنن من إطلاق قولهم في مثل «غلام زيد» : أنّه بمعنى اللّام أنّ معناه ومعنى «غلام لزيد» سواء بل معنى «غلام زيد» واحد من غلمانه غير معيّن ومعنى «غلام زيد» الغلام المعيّن من غلمانه ـ إذا كان له غلمان جماعة ـ أو ذلك الغلام المعلوم لزيد إن لم يكن له إلّا واحد. شرح الكافية للمحقّق الرضي رحمه‌الله : ١ / ٢٧٤

(٢). المائدة (٥) : ٩٥.

(٣). الحجّ (٢٢) : ٩.

(٤). قال ابن مالك :

نونا تلى الإعراب أو تنوينا

ممّا تضيف احذف كطور سينا

والثّاني اجرر وانو من أو فى إذا

لم يصلح إلّا ذاك واللّام خذا

لما سوى ذينك واخصص أوّلا

أو أعطه التّعريف بالّذى تلا

وأن يشابه المضاف يفعل

وصفا فعن تنكيره لا يعزل

كربّ راجينا عظيم الأمل

مروّع القلب قليل الحيل

وذى الإضافة اسمها لفظيّه

وتلك محضة ومعنويّة

١٧١

إحداها : أن يكون المضاف إليه ب «ال» ، كقول الفرزدق :

أبأنا بهم قتلى وما في دمائها

شفاء وهنّ الشّافيات الحوائم (١)

الثانية : أن يكون المضاف إليه مضافا لما فيه «أل» ، نحو : «زيد الضارب رأس الجاني».

الثالثة : أن يكون المضاف إليه مضافا إلى ضمير يرجع إلى ما فيه «أل» ، نحو : «مررت بالضارب الرّجل والشاتمه». ومنع المبّرد هذه.

وجوّز الفرّاء إضافة الوصف المحلّى ب «أل» إلى المعارف كلّها ، ك «الضارب زيد» و «الضارب هذا» بخلاف «الضارب رجل».

الرابعة : أن يكون المضاف مثّنى ، نحو : «مررت بالضّاربي زيد».

الخامسة : أن يكون المضاف جمع المذكّر السالم ، نحو : «هولاء الضّاربو زيد».

كسب التأنيث من المضاف إليه وعكسه (٢)

قد يكتسب المضاف المذكّر من المضاف إليه المؤنث التأنيث وبالعكس ، بشرط جواز الاستغناء عنه بالمضاف إليه ، كقول الشاعر :

وتشرق بالقول الذي قد أذعته

كما شرقت صدر القناة من الدّم

فأنّث «شرقت» مع أنّه مسند إلى مذكّر وهو «الصدر» لأنّه اكتسب التأنيث من القناة.

وقول الشاعر :

إنارة العقل مكسوف بطوع الهوى

وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا

فذكّر «مكسوف» ـ مع أنّه خبر عن مؤنث وهو «إنارة» ـ لأنّها اكتسبت التذكير من

__________________

(١). «أبأنا» : قتلنا والضمير في «بها» و «هنّ» للسيوف وفي «دمائها» للقتلى ، و «الحوائم» : العطاش التي تحوم حول الماء ، جمع حائمة من الحوم وهو الطواف حول الماء وغيره. و «الشافيات» : جمع شافية اسم فاعل من الشفاء والمعنى : قتلنا بالسّيوف وليس في دماء القتلى التي تهريقها السيوف شفاء وإنّما السيوف هي الشافيات لأنّها آلة السفك ولولاها ما حصل السفك.

(٢). قال ابن مالك :

ووصل أل بذا المضاف مغتفر

إن وصلت بالثّان كالجعد الشّعر

أو بالّذي له أضيف الثّاني

كزيد الضّارب رأس الجاني

وكونها فى الوصف كاف إن وقع

مثنّى أو جمعا سبيله اتّبع

١٧٢

إضافتها إلى العقل. فإن لم يصلح المضاف للحذف والاستغناء بالمضاف إليه عنه لم يجز التأنيث ، فلا تقول : «قامت غلام هند» ولا «قام امرأة زيد» لعدم صلاحيّة المضاف فيهما للاستغناء عنه بالمضاف إليه. (١)

فصل : ذهب البصريّون إلى أنّه لا يضاف اسم لمرادفه ولا موصوف إلى صفته ولا صفته إلى موصوفها ، لأنّ المضاف يتعرّف أو يتخصّص بالمضاف إليه والشيء لا يتعرّف إلّا بغيره. ومن ثمّ أوّلوا ما أوهم ذلك. فمن الأوّل قولهم : «جاءني سعيد كرز» ، وتأويله أن يراد بالأوّل المسمّى وبالثاني الاسم ، فكأنّه قال : «جاءني مسمّى كرز» أي : مسمّى هذا الاسم.

ومن الثاني قولهم : «مسجد الجامع» وتأويله أن يقدّر موصوف ، أي : «مسجد المكان الجامع» ، ومن الثالث قولهم : «جرد قطيفة» وتأويله أن يقدّر موصوف أيضا وإضافة الصفة إلى جنسها ، أي : «شيء جرد من جنس القطيفة». (٢)

وذهب الكوفيّون إلى جواز الإضافة في جميع ذلك من غير تأويل.

ممتنع الإضافة وواجب الإضافة

الغالب على الأسماء أن تكون صالحة للإضافة والإفراد ، وبعض الأسماء يمتنع إضافته كالمضمرات والإشارات والموصولات وأسماء الشرط والاستفهام سوى «أيّ» في الثلاثة.

ومنها ما هو واجب الإضافة إلى مفرد أو جملة.

فالأوّل نوعان :

أحدهما : ما يلزم الإضافة معنى دون لفظ ، نحو : «كلّ» و «بعض» و «أيّ» ، نحو : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)(٣) و (فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ)(٤) و «أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى». (٥)

__________________

(١). قال ابن مالك :

وربّما أكسب ثان أوّلا

تأنيثا إن كان لحذف موهلا

(٢). قال ابن مالك :

ولا يضاف اسم لما به اتّحد

معنى وأوّل موهما إذا ورد

(٣). يس (٣٦) : ٤٠.

(٤). البقرة (٢) : ٢٥٣.

(٥). الإسراء (١٧) : ١١٠.

١٧٣

والثاني : ما يلزم الإضافة لفظا ومعنى وهو ثلاثة أنواع : ما يضاف للظّاهر والمضمر ، نحو : «كلا» و «كلتا» و «عند» وغيرها.

وما يختصّ بالظاهر ، ك «اولي» و «أولات» و «ذي» و «ذات» ، نحو قوله تعالى : (نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ) ، (١)(وَأُولاتُ الْأَحْمالِ) ، (٢)(وَذَا النُّونِ)(٣) و (ذاتَ بَهْجَةٍ)(٤) وما يختصّ بالمضمر وهو نوعان : ما يضاف لكلّ مضمر وهو «وحد» ، نحو قوله تعالى : (إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ) ، (٥) وما يختصّ بضمير المخاطب وهي «لبّيك» بمعنى إقامة على إجابتك بعد إقامة و «سعديك» بمعنى إسعادا لك بعد إسعاد و «دواليك» بمعنى تداولا بعد تداول.

وشذّ إضافة «لبّي» إلى ضمير الغائب ، ومنه قوله : «لقلت لبّيه لمن يدعوني».

وإلى الظاهر في نحو قوله :

دعوت لما نابني مسورا

فلبّي فلبّي يدي مسور

والثاني (أي : ما هو واجب الإضافة إلى الجملة) على قسمين :

أحدهما : ما يضاف إلى الجملة الاسمية والفعليّة وهو «إذ» و «حيث» ، نحو قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ)(٦) و (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً)(٧) و «جلست حيث جلس زيد» و «حيث زيد جالس» وشذّ اضافة حيث إلى المفرد ، كقوله :

أما ترى حيث سهيل طالعا

نجما يضيء كالشّهاب لامعا

وقد يحذف ما أضيفت إليه «إذ» للعلم به ، فيجاء بالتنوين عوضا منه ، كقوله تعالى : (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) ، (٨) أي : يوم إذ غلبت الروم.

وثانيهما : ما يختصّ بالجمل الفعليّة وهو «إذا» نحو قوله تعالى : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) ، (٩) وأجاز الكوفيّون والأخفش وقوع المبتدأ بعدها. (١٠)

__________________

(١). النمل (٢٧) : ٣٣.

(٢). الطلاق (٦٥) : ٤.

(٣). الأنبياء (٢١) : ٨٧.

(٤). النمل (٢٧) : ٦٠.

(٥). غافر (٤٠) : ١٢.

(٦). الأنفال (٨) : ٢٦.

(٧). الأعراف (٧) : ٨٦.

(٨). الروم (٣٠) : ٤.

(٩). الطلاق (٦٥) : ١.

(١٠). قال ابن مالك :

وبعض الأسماء يضاف أبدا

وبعض ذا قد يأت لفظا مفردا

وبعض ما يضاف حتما امتنع

إيلاؤه اسما ظاهرا حيث وقع

كوحد لبّى ودوا لي سعدي

وشذّ إيلاء يدى للبّى

١٧٤

مشبه «إذ» و «إذا»

ما كان بمنزلة «إذ» ـ في كونه ظرفا ماضيا غير محدود ـ يجوز إضافته إلى ما تضاف إليه «إذ» من الجمل الاسميّة والفعليّة ، وذلك نحو : «حين ووقت وزمان ويوم» ـ إذا اريد بها الماضي ـ فتقول : «جئتك حين جاء زيد» و «حين زيد جاء». وكذلك الباقي.

وما كان بمنزلة «إذا» ـ في كونه ظرفا مستقبلا غير محدود ـ يجوز إضافته إلى الجملة الفعليّة فقط ، فتقول : «أجيئك حين يجيء زيد».

والمحدود منهما لا يضاف إلى الجملة بل يضاف إلى المفرد ، نحو : «شهر كذا وحول كذا».

فصل : ويجوز في مشبه «إذ» و «إذا» الإعراب على الأصل في الأسماء ، والبناء حملا عليهما ، فإن كان ما وليه فعلا مبنيّا فالبناء أرجح عند البصريين للتناسب ، وقد روي بالوجهين قوله :

على حين عاتبت المشيب على الصّبا

وقلت ألمّا أصح والشّيب وازع

وإن كان فعلا معربا أو جملة اسميّة ، فالإعراب أرجح عند الكوفيّين وواجب عند البصريين. (١)

فصل : من الأسماء الملازمة للإضافة لفظا ومعنى «كلا» و «كلتا» ولا يضافان إلّا إلى معرفة دالّة على اثنين بلفظ واحد ، نحو : «جاءني كلا الرّجلين وكلتا المرأتين». ولذلك لا يجوز «كلا رجلين» و «كلا زيد» و «كلا زيد وعمرو». (٢)

__________________

(١). قال ابن مالك :

وألزموا إضافة إلى الجمل

حيث وإذ وإن ينوّن يحتمل

إفراد إذ وما كإذ معنى كإذ

أضف جوازا نحو حين جانبذ

وابن أو أعرب ما كإذ قد أجريا

واختر بنامتلوّ فعل بنيا

وقبل فعل معرب أو مبتدا

أعرب ومن بنى فلن يفنّدا

وألزموا إذا إضافة إلى

جمل الأفعال كهن إذا اعتلى

(٢). قال ابن مالك :

لمفهم اثنين معرّف بلا

تفرّق اضيف كلتا وكلا

١٧٥

فصل : من الأسماء الملازمة للإضافة «أيّ» وهي صفة وموصولة واستفهاميّة وشرطيّة.

أمّا الصفة ـ والمراد بها ما كان صفة للنكرة أو حالا من معرفة ـ فلا تضاف إلّا إلى نكرة ، نحو : «مررت برجل أيّ رجل» و «مررت بزيد أيّ فتى».

وأمّا الموصولة فلا تضاف ـ عند الأكثر ـ إلّا إلى معرفة ، فتقول : «يعجبني أيّهم قائم» وقال ابن عصفور : إنّها تضاف إلى نكرة أيضا ولكنّه قليل ، نحو : «يعجبني أيّ رجلين قاما».

وأمّا الشرطية والاستفهامية فتضافان إلى المعرفة والنكرة ، نحو قوله تعالى : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ)(١) و «فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ». (٢)

ثمّ إنّ «أيّ» في الأوّل ـ كما علمت ـ لا تضاف إلى المعرفة مطلقا ، أمّا في الثلاثة الأخيرة فتضاف إلى المعرفة إذا كانت مثنّاة نحو قوله تعالى : (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ)(٣) أو مجموعة ، كقوله تعالى : (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)(٤) ولا تضاف إليها مفردة إلّا إذا تكرّرتها ، نحو : «أيّي وأيّك فارس الأحزاب».

أو قصدت الأجزاء ، كقولك : «أيّ زيد أحسن؟» أي : أىّ أجزاء زيد أحسن؟» ولذلك يجاب بالأجزاء فيقال : عينه أو أنفه.

واعلم أنّ «أيّ» إن كان صفة فهي ملازمة للإضافة لفظا ومعنى كما تقدّم.

وإن كانت استفهاميّة أو شرطيّة أو موصولة فهي ملازمة للإضافة معنى لا لفظا ، نحو : «أيّ رجل عندك؟» و «أيّ عندك؟» و «أيّ رجل تضرب أضرب».

و «أيّا تضرب أضرب» و «يعجبني أيّهم عندك» و «أيّ عندك». (٥)

__________________

(١). القصص (٢٨) : ٢٨.

(٢). الأعراف (٧) : ١٨٥.

(٣). الأنعام (٦) : ٨١.

(٤). الملك (٦٧) : ٢.

(٥). قال ابن مالك :

ولا تضف لمفرد معرّف

أيّا وإن كرّرتها فأضف

أو تنو الأجزا واخصصن بالمعرفه

موصولة أيّا وبالعكس الصّفه

وإن تكن شرطا أو استفهاما

فمطلقا كمّل بها الكلاما

١٧٦

فصل : من الأسماء الملازمة للإضافة «لدن» وهو ظرف لابتداء غاية زمان أو مكان مبنيّ إلّا في لغة قيس. ولا تخرج عن الظرفيّة إلّا بجرّها ب «من» ـ وهو كثير فيها ـ كقوله تعالى : «وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً».(١)

وإذا وقع «غدوة» بعد «لدن» يجوز القطع عن الإضافة ونصب «غدوة» على التمييز أو التشبيه بالمفعول به أو إضمار كان واسمها ، والتقدير : «لدن كانت الساعة غدوة».

وحكى الكوفيّون رفعها على إضمار «كان» تامّة والتقدير : لدن كانت غدوة. لكنّ القياس والغالب في الاستعمال هو الجرّ. ويعطف على «غدوة» المنصوبة بالجرّ مراعاة للأصل. وجوّز الأخفش النصب عطفا على اللفظ فتقول : «لدن غدوة وعشيّة وعشيّة».

ويجوز إضافتها إلى الجملة كقوله :

لزمنا لدن سالمتمونا وفاقكم

فلا يك منكم للخلاف جنوح (٢)

ومنها «مع» :

وهو اسم لمكان الاجتماع نحو : «جلس زيد مع عمرو» أو وقته نحو : «جاء زيد مع بكر» وهو معرب إلّا في لغة ربيعة فيبنى على السكون ، ومنه قوله :

فريشى منكم وهواى معكم

وإن كانت زيارتكم لماما (٣)

ولا ينفكّ عن الإضافة إلّا إذا وقع حالا بمعنى «جميع» كقوله :

بكت عيني اليسرى فلمّا زجرتها عن الجهل بعد الحلم أسكبتا معا (٤)

ومنها «غير» ونظائرها من حيث الإعراب والبناء :

وهي : قبل وبعد وحسب ـ بمعنى لا غير (٥) ـ وأوّل ودون واسماء الجهات الستّ ـ

__________________

(١). الكهف (١٨) : ٦٥.

(٢). قال ابن مالك :

وألزموا اضافة لدن فجر

ونصب غدوة بها عنهم ندر

(٣). «الريش» : اللباس الفاخر أو المال ، «لماما» : وقتا بعد وقت.

(٤). قال ابن مالك :

ومع مع فيها قليل ونقل

فتح وكسر لسكون يتّصل

(٥). أمّا «حسب» بمعنى «كاف» فلا ينفكّ عن الإضافة.

١٧٧

ك «يمين» و «شمال» و «وراء» و «أمام» و «فوق» و «تحت» ـ وعل. ولها أربعة أحوال : تبنى في حالة منها وتعرب في بقيّتها. فتعرب إذا اضيفت لفظا ، نحو : «أصبت درهما لا غيره» أو حذف المضاف إليه ونوي اللفظ والمعني وتبقى في هذه الحالة كالمضاف لفظا فلا تنوّن ، كقوله :

ومن قبل نادى كلّ مولى قرابة

فما عطفت مولى عليه العواطف

أو حذف المضاف إليه ولم ينو لفظه ولا معناه ، فتكون نكرة وتنوّن ، كقوله :

فساغ لي الشّراب وكنت قبلا

أكاد أغصّ بالماء الحميم

وتبنى على الضمّ إذا حذف ما تضاف إليه ونوي معناه دون لفظه ، كقوله تعالى : «لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ».(١)

وحكى أبو علي الفارسي : «ابدأ بذا من أوّل» بضمّ اللّام ، على البناء لنية المضاف إليه معنى ، والفتح على الإعراب لعدم نيّة المضاف إليه لفظا ومعنى ، وإعرابها إعراب ما لا ينصرف للوصف ووزن الفعل ، والكسر على نيّة المضاف إليه لفظا ومعنى.

وذكر ابن مالك «عل» في عداد نظائر «غير» وهي كلمة توافق «فوق» في معناها وفي بنائها على الضمّ إذا كانت معرفة كقوله :

ولقد سددت عليك كلّ ثنيّة

وأتيت نحو بني كليب من عل

أي : من فوقهم. وفي إعرابها إذا كانت نكرة ، كقوله :

مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا

كجلمود صخر حطّه السّيل من عل

أي : من شيء عال.

قال ابن هشام :

وظاهر ذكر ابن مالك لها في عداد هذه الألفاظ أنّها يجوز إضافتها وقد صرّح الجوهري بذلك ، فقال : يقال : «أتيته من عل الدّار». وقال جماعة ـ منهم ابن أبي الربيع ـ إنّ «عل» تخالف «فوق» في أمرين : أنّها لا تستعمل إلّا مجرورة ب «من» وأنّها لا تستعمل مضافة وهو الحقّ». (٢)

__________________

(١). الروم (٣٠) : ٤.

(٢). راجع : أوضح المسالك : ٢ / ٢٢٢.

١٧٨

حذف المضاف أو المضاف إليه

يحذف المضاف لقيام قرينة تدلّ عليه ويقام المضاف إليه مقامه فيعرب بإعرابه ، كقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) ، (١) أي : نكاحهنّ.

وقد يحذف ويبقى المضاف إليه على جرّه ، وشرط ذلك في الغالب أن يكون المحذوف معطوفا على مضاف بمعناه ، كقوله :

أكلّ امرىء تحسبين امرأ

ونار توقّد باللّيل نارا

أي : كلّ نار.

ومن غير الغالب قراءة بعضهم : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) ، (٢) بجرّ الآخرة. والتقدير : «والله يريد باقي الآخرة».

ويحذف المضاف إليه ويبقى المضاف كحاله لو كان مضافا ، فلا ينوّن ولا تردّ إليه النون لو كان مثنى أو مجموعا. وأكثر ما يكون ذلك إذا عطف على المضاف اسم مضاف إلى مثل المحذوف من الاسم الأوّل ، كقولهم : «قطع الله يد ورجل من قالها». أي : «يد من قالها» وقد يأتي ذلك من غير عطف ، كقول الشاعر :

ومن قبل نادى كلّ مولى قرابة

فما عطفت مولى عليه العواطف

والتقدير : «ومن قبل ذلك». (٣)

__________________

قال ابن مالك :

واضمم بناء غيرا إن عدمت ما

له اضيف ناويا ما عدما

قبل كغير بعد حسب أوّل

ودون والجهات أيضا وعل

وأعربوا نصبا إذا ما نكّرا

قبلا وما من بعده قد ذكرا

(١). النساء (٤) : ٢٣.

(٢). الأنفال (٨) : ٦٧.

(٣). قال ابن مالك :

وما يلى المضاف يأتي خلفا

عنه فى الإعراب إذا ما حذفا

وربّما جرّوا الّذى أبقوا كما

قد كان قبل حذف ما تقدّما

لكن بشرط أن يكون ما حذف

مماثلا لما عليه قد عطف

ويحذف الثّانى فيبقى الأوّل

كحاله إذا به يتّصل

بشرط عطف وإضافة إلى

مثل الّذى له أضفت الأوّلا

١٧٩

الفصل بين المضاف والمضاف إليه

ذهب البصريّون إلى أنّه لا يجوز الفصل بين المضاف والمضاف إليه إلّا في الشعر.

وذهب الكوفيّون إلى أنّه يجوز في السعة الفصل بينهما في ثلاثة مواضع :

إحداها : أن يكون المضاف مصدرا والمضاف إليه فاعله ، والفاصل إمّا مفعوله كقراءة عامر : «وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ».(١) وإمّا ظرفه ، كقول بعضهم : «ترك يوما نفسك وهواها سعي لها في رداها».

الثانية : أن يكون المضاف وصفا والمضاف إليه إمّا مفعوله الأوّل والفاصل مفعوله الثاني ، كقوله تعالى : (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) ، (٢) في قراءة بعضهم بنصب «وعد» وجرّ «رسل» ، أو ظرفه ، كقول الشاعر :

فرشني بخير لا أكونن ومدحتي

كناحت يوما صخرة بعسيل (٣)

الثالثة : أن يكون الفاصل قسما ، كقولك : «هذا غلام والله زيد».

والفصل بغير ما ذكر مخصوص بالضرورة ، كقول الشاعر :

كأنّ برذون أبا عصام

زيد حمار دقّ باللّجام

أي : كأنّ برذون زيد يا أبا عصام. (٤)

المضاف إلى ياء المتكلّم

يجب كسر آخر المضاف إلى ياء المتكلّم إلّا أن يكون منقوصا أو مقصورا أو مثنّى أو

__________________

(١). الأنعام (٦) : ١٣٧.

وقرأ الباقون : «كَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ». مجمع البيان : ٨ / ١٨٩.

(٢). إبراهيم (١٤) : ٤٧.

(٣). «رشني» : أمر من «راش» ومعناه : أصلح حالي. «ناحت» : اسم فاعل من «نحتّ الصخرة» إذا سوّيته وحفرته. «عسيل» : مكنسة العطّار الّتي يجمع بها العطر. وهي كناية عن كون سعيه ممّا لا فائدة فيه مع حصول التّعب.

(٤). قال ابن مالك :

فصل مضاف شبه فعل ما نصب

مفعولا أو ظرفا أجز ولم يعب

فصل يمين واضطرارا وجدا

بأجنبىّ أو بنعت أو ندا

١٨٠