القواعد النحويّة

السيد قاسم الحسيني الخراساني ومحمود الملكي الإصفهاني

القواعد النحويّة

المؤلف:

السيد قاسم الحسيني الخراساني ومحمود الملكي الإصفهاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مديرية العامة للحوزة العلمية في قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٢

نحو :

علفتها تبنا وماء باردا (١)

أي : وسقيتها.

وفي نحو «تشارك زيد وعمرو» يجب العطف لافتقاره إلى فاعلين فالأقسام حينئذ أربعة : راجح العطف وواجبه ، راجح النصب وواجبه. (٢)

__________________

(١). اختلف في تتمّته. فجعل بعض العلماء هذا الشاهد صدرا لبيت وأنّ تمامه :

حتّى شتت همّالة عيناها

وبعضهم يجعل هذا الشاهد عجزا لبيت وهو :

لمّا حططت الرّحل عنها واردا

(٢). قال ابن مالك :

وبعد ما استفهام أو كيف نصب

بفعل كون مضمر بعض العرب

والعطف إن يمكن بلا ضعف أحقّ

والنّصب مختار لدى ضعف النّسق

والنّصب إن لم يجز العطف يجب

أو اعتقد إضمار عامل تصب

١٤١

الاستثناء

الاستثناء هو الإخراج ب «إلّا» أو إحدى أخواتها لما كان داخلا في الحكم السابق عليها ، حقيقة أو حكما ، نحو : «قام القوم إلّا زيدا» و «إلّا حمارا».

حكم المستثنى ب «إلّا»

حكم المستثنى ب «إلّا» النصب إن كان الكلام تامّا موجبا ، كالمثالين المتقدّمين. والمراد بالتامّ هو ما ذكر فيه المستثنى منه.

وإن كان الكلام تامّا غير موجب ـ وهو المشتمل على النفي أو النهي أو الاستفهام ـ فإمّا أن يكون الاستثناء متّصلا أو منقطعا ؛ والمراد بالمتّصل : أن يكون المستثنى بعضا ممّا قبله ، وبالمنقطع : ألّا يكون بعضا ممّا قبله.

فإن كان متّصلا ، فالأرجح إتباع المستثنى للمستثنى منه بدل بعض عند البصريّين وعطف نسق عند الكوفيّين ، نحو قوله تعالى : «ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ».(١)

قال ابن مالك وابن هشام : «والنصب عربىّ جيّد». وقد قرىء «قليل» بالنصب أيضا.

قال النّحاس : «كلّ ما جاز فيه الإتباع جاز فيه النصب على الاستثناء ولا عكس».

وإن كان منقطعا تعيّن النصب عند جمهور العرب ، فتقول : «ما قام القوم إلّا حمارا» ، ولا يجوز الإتباع وأجازه بتو تميم. (٢)

وإذا تقدّم المستثنى على المستثنى منه وجب نصبه مطلقا ، كقول الكميت بن زيد

__________________

(١). النساء (٤) : ٦٦.

(٢). قال ابن مالك :

ما استثنت إلّا مع تمام ينتصب

وبعد نفي أو كنفي انتخب

إتباع ما اتّصل وانصب ما انقطع

وعن تميم فيه إبدال وقع

١٤٢

الأسدي :

وما لي إلّا آل أحمد شيعة

وما لي إلّا مذهب الحقّ مذهب

وبعضهم يجيز الإتباع في المسبوق بالنفي ، نحو : «ما قام إلّا زيد القوم». قال حسّان بن ثابت في يوم بدر :

فإنّهم يرجون منه شفاعة

إذا لم يكن إلّا النّبيّون شافع (١)

والمستثنى ب «إلّا» في كلام غير تامّ ، أعرب بحسب العوامل وسمّي مفرّغا ، ولا يقع ـ عند الجمهور ـ إلّا بعد نفي أو شبهه ، نحو : «ما قام إلّا زيد» و «لا تضرب إلّا زيدا».

وقال ابن حاجب بوقوعه بعد الإيجاب أيضا إذا كان فضلة وحصلت فائدة ، نحو : «قرأت إلّا يوم الجمعة». (٢)

تكرار إلّا

إذا كرّرت «إلّا» فإن كان التكرار للتوكيد ـ وذلك إذا تلت عاطفا أو تلاها اسم مماثل لما قبلها ـ ألغيت ، فالأوّل نحو : «ما جاء إلّا زيد وإلّا عمرو». والأصل : «ما جاء إلّا زيد وعمرو».

والثانى كقوله : لا تمرر بهم إلّا الفتى إلّا العلا. والأصل : «لا تمرر بهم إلّا الفتى العلا» ، ف «العلا» بدل من «الفتى».

وقد اجتمع تكرارها في البدل والعطف فى قوله :

ما لك من شيخك إلّا عمله

إلّا رسيمه وإلّا رمله (٣)

والأصل : «إلّا عمله رسيمه ورمله». ف «رسيمه» بدل من «عمله». و «رمله» معطوف على «رسيمه» وكرّرت إلّا فيهما توكيدا.

__________________

(١). قال ابن مالك :

وغير نصب سابق في النّفي قد

يأتي ولكن نصبه اختر ان ورد

(٢). قال ابن مالك :

وإن يفرّغ سابق إلّا لما

بعد يكن كما لو إلّا عدما

(٣). الرّسيم والرّمل نوعان من السير.

١٤٣

وإن كان التكرار لغير التوكيد ـ وهي التي يقصد بها ما يقصد بما قبلها من الاستثناء ، ولو اسقطت لما فهم ذلك ـ فلا يخلو إمّا أن يكون الاستثناء مفرّغا أو غير مفرّغ.

فإن كان مفرّغا تركت العامل يؤثّر في واحد من المستثنيات ـ أيّها شئت ـ ونصبت ما عدا ذلك الواحد ، نحو : «ما قام إلّا زيد إلّا عمرا إلّا بكرا».

وإن كان غير مفرّغ فإمّا أن تتقدّم المستثنيات على المستثنى منه أو تتأخّر.

فإن تقدّمت المستثنيات وجب نصب الجميع سواء كان الكلام موجبا أو غير موجب ، نحو : «قام إلّا زيدا إلّا عمرا إلّا بكرا القوم» و «ما قام إلّا زيدا إلّا عمرا إلّا بكرا القوم».

وإن تأخّرت المستثنيات فإن كان الكلام موجبا وجب نصب الجميع أيضا ، نحو : «قام القوم إلّا زيدا إلّا عمرا إلّا بكرا».

وإن كان غير موجب عومل واحد منها ـ أيّها شئت ـ بما كان يعامل به لو لم يتكرّر الاستثناء ونصب الباقي ، نحو ، «ما قام أحد إلّا زيد إلّا عمرا إلّا بكرا».

هذا حكم المستثنيات المكرّرة بالنظر إلى اللفظ.

أمّا بالنظر إلى المعنى فهو نوعان : ما لا يمكن استثناء بعضه من بعض ، ك «زيد وعمرو وبكر» ، وما يمكن ، نحو : «له عندى عشرة إلّا أربعة إلّا اثنين إلّا واحدا».

ففي النوع الأوّل إن كان المستثنى الأوّل داخلا ـ وذلك إذا كان مستثنى من غير موجب ـ فما بعده داخل ، نحو : «ما قام القوم إلّا زيدا إلّا عمرا إلّا بكرا» و «ما قام أحد إلّا زيد إلّا عمرا إلّا بكرا». وإن كان خارجا ـ وذلك إذا كان مستثنى من موجب ـ فما بعده خارج ، نحو : «قام القوم إلّا زيدا إلّا عمرا إلّا بكرا».

وفي النوع الثاني اختلفوا. فقيل : «الحكم كذلك ، وإنّ الجميع مستثنى من أصل العدد». وقال البصريّون والكسائي : «كلّ من الأعداد مستثنى ممّا يليه». قال ابن هشام : «وهو الصحيح ، لأنّ الحمل على الأقرب متعيّن عند التّردّد». وقيل : «المذهبان محتملان».

وعلى هذا ، فالمقرّ به في المثال ، ثلاثة على القول الأوّل ، وهو واضح ، وسبعة على القول الثاني ، فإنّك إذا استثنيت واحدا من اثنين بقي واحد فإذا استثنيته من الأربعة بقي ثلاثة وإذا اثتثنيتها من عشرة بقي سبعة. (١)

__________________

(١). قال ابن مالك :

وإن تكرّر لا لتوكيد فمع

تفريغ التّأثير بالعامل دع

١٤٤

الاستثناء بغير «إلّا»

استعمل بمعنى «إلّا» ـ في الدّلالة على الاستثناء ـ ألفاظ ، بعضها اسم وهو «غير وسوى وسوى وسواء» ، وبعضها فعل وهو «ليس ولا يكون» وبعضها ما يكون فعلا وحرفا وهو «عدا وخلا وحاشا (١)».

فالمستثنى ب «غير وسوى وسوى وسواء» مجرور لإضافتها إليه.

وتعرب «غير» بما كان يعرب به المستثنى مع «إلّا» ، فتقول : «قام القوم غير زيد» ، كما تقول : «قام القوم إلّا زيدا». وتقول : «ما قام أحد غير زيد وغير زيد» كما تقول : «ما قام أحد إلّا زيد وإلّا زيدا» وتقول : «ما قام غير زيد» كما تقول : «ما قام إلّا زيد».

وأمّا «سوى» فالمشهور فيها كسر السين والقصر ، ومن العرب من يفتح سينها ويمدّ ، ومنهم من يضمّ سينها ويقصر ، ومنهم من يكسر سينها ويمدّ. ومذهب سيبويه والجمهور أنّها لا تكون إلّا ظرفا. فإذا قلت : «قام القوم سوى زيد» ف «سوى» عندهم منصوبة على الظرفيّة. قالوا : «ولا تخرج عن النصب على الظرفيّة إلّا في الشعر ، نحو :

ولم يبق سوى العدوا

ن دنّاهم كما دانوا (٢)

واختار ابن مالك أنّها ك «غير» ، فتعامل بما تعامل به «غير» من الرفع والنصب والجرّ.

وقال الرّمّاني : «تستعمل ظرفا غالبا وك «غير» قليلا». واختاره ابن هشام.

والمستثنى ب «ليس ولا يكون» واجب النصب ، لأنّه خبرهما ، تقول : «قام القوم ليس زيدا ولا يكون زيدا». واسمهما ضمير مستتر وجوبا ، وفي مرجعه خلاف. قيل : إنّه عائد إلى مصدر الفعل المتقدّم عليها» ، وقيل : «إلى اسم فاعله» وقيل : «إلى البعض

__________________

في واحد ممّا ب «إلّا» استثني

وليس عن نصب سواه مغني

ودون تفريغ مع التّقدّم

نصب الجميع احكم به والتزم

وانصب لتأخير وجىء بواحد

منها كما لو كان دون زائد

ك «لم يفوا إلّا امرؤ إلّا عليّ»

وحكمها في القصد حكم الأوّل

(١). يقال في «حاشا» : «حاش وحشا».

(٢). «دنّاهم كما دانوا» : جزيناهم كجزائهم.

١٤٥

المفهوم من الأسم العام». فالمعنى في : «قام القوم ليس زيدا» ، «ليس هو ـ أي القيام ـ قيام زيد» أو «ليس هو ـ أي القائم ـ زيدا» أو «ليس هو ـ أي بعض القوم ـ زيدا».

وفي المستثنى ب «خلا وعدا» وجهان :

أحدهما : النصب على المفعوليّة وخلا وعدا فعلان جامدان ، نحو : «قام القوم خلا زيدا وعدا زيدا» وفاعلهما ضمير مستتر وفي مرجعه الخلاف المذكور.

وثانيهما : الجرّ على أنّهما حرفا جرّ وهو قليل ، نحو قوله :

خلا الله لا أرجو سواك وإنّما

أعدّ عيالي شعبة من عيالكا (١)

وقوله :

أبحنا حيّهم قتلا وأسرا

عدا الشّمطاء والطّفل الصّغير (٢)

وتدخل عليهما «ما» المصدريّة فيتعيّن النّصب بهما على المشهور. تقول : «قام القوم ما خلا زيدا وما عدا زيدا». ف «ما» مصدريّة و «خلا وعدا» صلتها ، وفاعلهما ضمير مستتر وفي مرجعه الخلاف المذكور. و «زيدا» مفعول.

وأجاز الكسائيّ الجرّ بهما بعد «ما» على جعل «ما» زائدة وجعل «خلا وعدا» حرفي جرّ.

والمستثنى ب «حاشا» كالمستثنى ب «خلا» عند جماعة : تستعمل فعلا فتنصب ما بعدها وحرفا فتجرّ ما بعدها. وذهب سيبويه إلى أنّها لا تكون إلّا حرف جرّ ، وردّ بقول الفرزدق :

حاشا قريشا فإنّ الله فضّلهم

على البريّة بالإسلام والدّين

وفي دخول «ما» المصدرية عليها خلاف. (٣)

__________________

(١). شعبة : فرقة.

(٢). الشّمطاء : العجوز.

(٣). قال ابن مالك :

واستثن مجرورا ب «غير» معربا

بما لمستثنى ب «إلّا» نسبا

ول «سوى سوى سواء» اجعلا

على الأصحّ ما ل «غير» جعلا

واستثن ناصبا ب «ليس وخلا»

وب «عدا» وب «يكون» بعد لا

واجرر بسابقي يكون إن ترد

وبعد ما انصب وانجرار قد ترد

وحيث جرّا فهما حرفان

كما هما إن نصبا فعلان

وك «خلا» حاشا ولا تصحب ما

وقيل : «حاش» و «حشا» فاحفظهما

١٤٦

الحال

وهو وصف فضلة مبيّن لهيئة صاحبه ، نحو : «جاء زيد ضاحكا». (١)

المراد بالوصف ما صيغ من المصدر ليدلّ على متّصف ، كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة وأمثلة المبالغة وأفعل التفضيل. و «فضلة» يخرج الوصف الواقع عمدة ، كالمبتدأ في نحو : «أقائم الزّيدان» والخبر في نحو : «زيد قائم». وخرج بقيد «دالّ على هيئة صاحبه» التمييز المشتقّ ، نحو : «لله درّه فارسا» ، فإنّه تمييز لا حال على الصحيح ، إذ لم يقصد به الدلالة على الهيئة ، بل قصد التعجّب من فروسيّته ، وكذلك : «رأيت رجلا راكبا» ، فإنّ راكبا لم يسق للدلالة على الهيئة بل لتخصيص الرجل. (٢)

والحال منصوب ، وعامله الفعل أو شبهه أو معناه. والمراد ب «شبه الفعل» ما يعمل عمل الفعل ، وهو من صيغته ، (٣) كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة والمصدر ، والمراد ب «معنى الفعل» ما يستنبط منه معنى الفعل ، كالظرف والجارّ والمجرور واسم الإشارة وحرف النداء ، نحو : «ذا زيد قائما» و «يا ربّنا منعما».

وللحال أربعة أوصاف :

الأوّل : أن تكون منتقلة لا ثابتة ، وهو الأكثر.

وقد تجيء غير منتقلة ـ أي وصفا لازما ـ بأن كانت مؤكّدة نحو : (وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) ، (٤) أو دلّ عاملها على حدوث صاحبها ، نحو : «خلق الله الزّرّافة يديها أطول من رجليها» ، ف «يديها» بدل بعض و «أطول» حال ملازمة ، أو غير ذلك ممّا هو مقصور

__________________

(١). قال ابن مالك :

الحال وصف فضلة منتصب

مفهم «في حال» ك «فردا أذهب»

(٢). وربّ شيء يقصد لمعنى خاصّ وإن لزم منه معنى آخر.

(٣). بخلاف المعنوي ك «ذا» ، فإنّه وإن كان يعمل عمل فعله ، لكنّه ليس من صيغته.

(٤). مريم (١٩) : ٣٣.

١٤٧

على السماع ، نحو قوله تعالى : «قائِماً بِالْقِسْطِ».(١)

الثاني : أن تكون مشتقّة لا جامدة ، وهو الأكثر.

وقد تأتي جامدة ، كما لو دلّت على سعر ، نحو : «بعه مدّا بدرهم» ، أي : مسعّرا ، أو مفاعلة من الجانبين ، نحو : «بعته يدا بيد» أي : متقابضين ، أو التشبيه ، نحو : «كرّ زيد أسدا» أي : مشبها الأسد ، أو الترتيب ، نحو : «أدخلوا رجلا رجلا» ، أي : مترتّبين ، أو عدد ، نحو قوله تعالى : «فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً».(٢)

الثالث : أن تكون نكرة لا معرفة. ذهب إليه جمهور النحويّين وقالوا : «إنّ ما ورد منها معرّفا لفظا فهو منكّر معنى ، كقولهم : «جاء وحده» ، أي : منفردا».

وزعم البغداديّون ويونس إلى أنّه يجوز تعريف الحال مطلقا بلا تأويل فأجازوا : «جاء زيد الرّاكب».

وفصّل الكوفيّون فقالوا : إن تضمّنت الحال معنى الشرط صحّ تعريفها وإلّا فلا ، نحو : «زيد الرّاكب أحسن منه الماشي». ف «الرّاكب والماشي» حالان ، وصحّ تعريفهما لتأوّلهما بالشرط ، إذا التقدير : «زيد إذا ركب أحسن منه إذا مشي».

الرابع : أن تكون نفس صاحبها في المعنى فوقوعها مصدرا على خلاف الأصل ، وقد جاء المصدر حالا بقلّة في المعارف ، نحو : «جاء زيد وحده» أي : منفردا ، وبكثرة في النكرات ، نحو : «طلع زيد بغتة» ، أي : باغتا. (٣)

__________________

(١). آل عمران (٣) : ١٨.

(٢). الأعراف (٧) : ١٤٢.

(٣). هذا مذهب سيبويه والجمهور. وذهب الأخفش والمبرّد إلى أنّ «بغتة» منصوب على المصدريّة والعامل فيها محذوف ، والتقدير : «طلع زيد يبغت بغتة». ف «يبغت» عندهما هو الحال لا «بغتة».

وذهب الكوفيّون إلى أنّها منصوبة على المصدريّة لكنّ الناصب لها عندهم الفعل المذكور ـ وهو طلع ـ لتأويله بفعل من لفظ المصدر. والتقدير «بغت زيد بغتة».

قال ابن مالك :

 وكونه منتقلا مشتقّا

يغلب لكن ليس مستحقّا

ويكثر الجمود في سعر وفي

مبدي تأوّل بلا تكلّف

ك «بعه مدّا بكذا» ، «يدا بيد»

و «كرّ زيد أسدا» أي كأسد

والحال إن عرّف ، لفظا فاعتقد

تنكيره معنى ك «وحدك اجتهد»

ومصدر منكّر حالا يقع

بكثرة ك «بغتة زيد طلع»

١٤٨

وحقّ صاحب الحال أن يكون معرفة ولا ينكّر في الغالب إلّا عند وجود مسوّغ ، نحو : «في الدّار قائما رجل» (١) وقول الشاعر :

نجّيت يا ربّ نوحا واستجبت له

في فلك ماخر في اليمّ مشحونا

ف «مشحونا» حال من «فلك» النكرة ، والمسوّغ توصيفه بقوله «ماخر». (٢) وقوله تعالى : «فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ».(٣)

ف «سواء» حال من «أربعة» والمسوّغ تخصّصها بالإضافة. وقوله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) ، (٤) ف «لها كتاب» جملة في موضع الحال من «قرية» وصحّ مجيء الحال من النكرة لتقدّم النفي عليها. وغير ذلك.

واحترزنا بقولنا «في الغالب» ممّا ورد فيه صاحب الحال نكرة من غير مسوّغ ، فأجاز سيبويه : «فيها رجل قائما». (٥)

تقديم الحال على صاحبها

مذهب جمهور النحويّين أنّه لا يجوز تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف أصليّ فلا تقول في «مررت بهند جالسة» : «مررت جالسة بهند». (٦)

وذهب جماعة ـ كابن مالك ـ إلى الجواز ـ لورود السماع بذلك ، نحو قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) ، (٧) حيث وقع «كافّة» حالا من «الناس».

__________________

(١). ف «قائما» حال من «رجل» وهو نكرة. قال جماعة من النحويّين : «المسوّغ تقديم الحال على صاحبه النكرة». والحقّ ـ كما ذكرنا في باب المبتدأ والخبر عن ابن هشام ـ أنّ المسوّغ هو كون الخبر جارّا ومجرورا.

(٢). «ماخر» : اسم فاعل من «مخر السّفينة» إذا جرت تشقّ الماء مع صوت. و «مشحونا» اسم مفعول من «شحن السّفينة» أي : ملأها.

(٣). فصّلت (٤١) : ١٠.

(٤). الحجر (١٥) : ٤.

(٥). قال ابن مالك :

ولم ينكّر غالبا ذو الحال إن

لم يتأخّر أو يخصّص أو يبن

من بعد نفي أو مضاهيه ك «لا

يبغ امرؤ على امرىء مستسهلا»

(٦). ولا خلاف في أنّ صاحب الحال إن كان مجرورا بحرف جرّ زائد جاز تقديم الحال عليه وتأخيره عنه ا فيصّح أن تقول : «ما جاء من أحد راكبا» وأن تقول : «ما جاء راكبا من أحد».

(٧). سبأ (٣٤) : ٢٨.

١٤٩

وأجاب المانعون بأنّ «كافّة» حال من الكاف في «أرسلناك» والتاء للمبالغة لا للتأنيث. (١)

وأمّا تقديم الحال على صاحبها المرفوع والمنصوب فجائز ، نحو : «جاء ضاحكا زيد» و «رأيت ضاحكة هندا». وتقديم الحال على صاحبها المحصور واجب ، ك «ما جاء راكبا إلّا زيد» ، وتقديمها عليه وهي محصورة ممتنع. قال الله تعالى : «وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ».(٢)

مجيء الحال من المضاف إليه

لا يجوز مجيء الحال من المضاف إليه إلّا إذا كان المضاف ممّا يصّح عمله في الحال كاسم الفاعل والمصدر ونحوهما ممّا تضمّن معنى الفعل كقوله تعالى : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) ، (٣) أو كان المضاف جزء من المضاف إليه أو مثل جزئه فى صحّة الاستغناء بالمضاف إليه عنه.

فالأوّل كقوله تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً) ، (٤) ف «إخوانا» حال من الضمير في «صدورهم» والصدور جزء من المضاف إليه.

والثاني كقوله تعالى : «ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً».(٥) ف «حنيفا» حال من «إبراهيم» والملّة كالجزء من المضاف إليه ، إذ يصحّ الاستغناء بالمضاف إليها عنها.

فإن لم يكن المضاف ممّا يصحّ أن يعمل في الحال ولا هو جزء من المضاف إليه ولا مثل جزئه ، لم يجز أن يجيء الحال منه ، فلا تقول : «جاء غلام هند ضاحكة» خلافا للفارسي. (٦)

__________________

(١). قال ابن مالك :

وسبق حال ما بحرف جرّ قد

أبوا ، ولا أمنعه فقد ورد

(٢). الأنعام (٦) : ٤٨.

(٣). يونس (١٠) : ٤.

(٤). الحجر (١٥) : ٤٧.

(٥). النّحل (١٦) : ١٢٣.

(٦). قال ابن مالك :

ولا تجز حالا من المضاف له

إلّا إذا اقتضى المضاف عمله

أو كان جزء ما له اضيفا

أو مثل جزئه فلا تحيفا

١٥٠

تقديم الحال على عاملها

للحال مع عاملها ثلاث حالات :

إحداها : أن يجوز فيها أن تتأخّر عنه وأن تتقدّم ، وذلك فيما إذا كان العامل فعلا متصرّفا ك «جاء زيد راكبا» أو صفة تشبه الفعل المتصرّف ، (١) نحو : «مسرعا زيد ذاهب».

الثانية : أن تتقدّم عليه وجوبا ، كما إذا كان لها صدر الكلام ، نحو : «كيف جاء زيد؟».

الثالثة : أن تتأخّر عنه وجوبا ، وذلك في ستّ مسائل : وهي أن يكون العامل فعلا جامدا ، نحو : «ما أحسنه مقبلا» ، أو صفة تشبه الفعل الجامد ـ وهو اسم التفضيل ـ نحو : «هذا أفصح الناس خطيبا» ، أو مصدرا مقدّرا بالفعل وحرف مصدري ، نحو : «أعجبني اعتكاف أخيك صائما» ، (٢) أو اسم فعل نحو : «نزال مسرعا» ، أو لفظا مضمّنا معنى الفعل دون حروفه ، (٣) نحو قوله تعالى : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً) ، (٤) أو عاملا آخر عرض له مانع نحو : «لأصبر محتسبا» و «لأعتكفنّ صائما» ، فإنّ ما بعد لام الابتداء ولام القسم لا يتقدّم عليهما. ويستثنى من أفعل التفضيل ما كان عاملا في حالين لاسمين متّحدي المعنى أو مختلفين وأحدهما مفضّل على الآخر ، فإنّه يجب تقديم حال الفاضل ، نحو : «هذا بسرا أطيب منه رطبا» وقولك : «زيد مفردا أنفع من عمرو معانا». هذا مذهب الجمهور.

وزعم السيرافي أنّهما خبران منصوبان ب «كان» المحذوفة والتقدير : «هذا إذا كان بسرا أطيب منه إذا كان رطبا» و «زيد إذا كان مفردا أنفع من عمرو إذا كان معانا». ولا يجوز تقديم هذين الحالين على أفعل التفضيل ولا تأخيرهما عنه فلا تقول : «هذا بسرا رطبا أطيب منه» ولا «زيد مفردا معانا أنفع من عمرو». (٥)

__________________

(١). المراد بالصّفة ما تضمّن معنى الفعل وحروفه ، وقبل التأنيث والتثنية والجمع كاسم الفاعل واسم المفعول والصّفة المشبهة.

(٢). والوجه فيه أنّ معمول المصدر المقدّر من «أن» والفعل لا يتقدّم عليه.

(٣). كأسماء الإشارة وحروف التمنّي والتشبيه. وندر تقديمها على عاملها الظرف ، نحو : «زيد قائما عندك» ، أو الجارّ والمجرور ، نحو : «سعيد مستقرّا في الدار». وأجازه الأخفش قياسا.

(٤). النمل (٢٧) : ٥٢.

(٥). قال ابن مالك :

والحال إن ينصب بفعل صرّفا

أو صفة أشبهت المصرّفا

١٥١

تعدّد الحال وصاحبها

يجوز تعدّد الحال ، لمفرد وغير مفرد.

فالأوّل نحو : «جاء زيد راكبا ضاحكا» ، والثاني نحو : «لقيت هندا ماشيا راكبة».

فعند ظهور المعنى يردّ كلّ حال إلى ما يليق به ، وعند عدم ظهوره يجعل أوّل الحالين لثاني الاسمين وثانيهما لأوّل الاسمين ، عند الجمهور ، ففي قولك : «لقيت زيدا ماشيا راكبا» ، يكون «ماشيا» حالا من زيد و «راكبا» حالا من التاء. وذهب قوم إلى عكسه. (١)

الحال المؤكّدة والمؤسّسة

تنقسم الحال إلى نوعين : مؤسّسة ، وهي الّتي لا يستفاد معناها بدونها ، ك «جاء زيد راكبا» ، ومؤكّدة وهي التي يستفاد معناها بدونها ، وهي على ثلاثة أقسام :

١ ـ ما أكدّت عاملها ، لفظا ومعنى ، نحو قوله تعالى : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) ، (٢) أو معنى فقط ، نحو قوله تعالى : «وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ».(٣)

٢ ـ ما أكدّت صاحبها ، نحو : «لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً».(٤)

٣ ـ ما أكدّت مضمون جملة معقودة من اسمين معرفتين جامدين نحو «زيد أبوك عطوفا». ولا يجوز تقديم هذه الحال على هذه الجملة ، ولا توسّطها بين المبتدأ والخبر ، وهي معمولة لمحذوف وجوبا تقديره «أحقّه» ونحوه. (٥)

__________________

فجائز تقديمه ك «مسرعا

ذا راحل» و «مخلصا زيد دعا»

وعامل ضمّن معنى الفعل لا

حروفه مؤخّرا لن يعملا

ك «تلك ليت وكأنّ» وندر

نحو «سعيد مستقرّا في هجر»

ونحو «زيد مفردا أنفع من

عمرو معانا» مستجاز لن يهن

 (١). قال ابن مالك :

والحال قد يجيء ذا تعدّد

لمفرد فاعلم وغير مفرد

(٢). النساء (٤) : ٧٩.

(٣). البقرة (٢) : ٦٠.

(٤). يونس (١٠) : ٩٩.

(٥). قال ابن مالك :

وعامل الحال بها قد اكّدا

في نحو «لا تعث في الأرض مفسدا

وإن تؤكّد جملة فمضمر

عاملها ولفظها يؤخّر

١٥٢

الجملة الحاليّة

تقع الحال اسما مفردا كما مضى ، وظرفا مختصّا نحو «رأيت الهلال بين السّحاب» ، وجارّا ومجرورا كذلك ، نحو : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) ، (١) والمراد من الاختصاص فيهما أن يكون كلّ من المجرور وما اضيف إليه الظرف صالحا للابتداء به. ويتعلّقان ب «مستقرّ» أو «استقرّ» محذوفين وجوبا ، وتقع جملة بشرط كونها خبريّة غير مصدّرة بدليل الاستقبال مرتبطة بصاحبها إمّا بالواو والضمير ، نحو قوله تعالى : (خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ) ، (٢) أو بالضمير فقط ، نحو : (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) ، (٣) أي : متعادين ، أو بالواو فقط ، نحو : «لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ».(٤) وتجب الواو في موضعين :

أحدهما : عند فقد الضمير ، نحو : «جاء زيد وما طلعت الشّمس».

والثاني : قبل «قد» داخلة على مضارع مثبت ، نحو : «لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ».(٥)

وتمتنع الواو في سبع صور :

إحداها : الواقعة بعد عاطف حالا على حال ، نحو قوله تعالى : «فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ».(٦)

الثانية : المؤكّدة لمضمون الجملة قبلها ، نحو قوله تعالى : «ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ».(٧)

الثالثة : الماضي التالي «إلّا» ، نحو قوله تعالى : «وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ».(٨) هذا مذهب جماعة وذهب بعضهم إلى جواز اقترانه بالواو.

الرابعة : الماضي المتلوّ ب «أو» ، نحو «لأضربنّه ذهب أو مكث».

الخامسة : المضارع المنفي ب «لا» ، نحو : «وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ».(٩)

السادسة : المضارع المنفي ب «ما» ، كقوله :

__________________

(١). القصص (٢٨) : ٧٩.

(٢). البقرة (٢) : ٢٤٣.

(٣). البقرة (٢) : ٣٦.

(٤). يوسف (١٢) : ١٤.

(٥). الصفّ (٦١) : ٥.

(٦). الأعراف (٧) : ٤.

(٧). البقرة (٢) : ٢.

(٨). الحجر (١٥) : ١١.

(٩). المائدة (٥) : ٨٤.

١٥٣

عهدتك ما تصبو وفيك شبيبة

فما لك بعد الشّيب صبّا متيّما (١)

السابعة : المضارع المثبت المجرّد من «قد» ، كقوله تعالى : «وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ».(٢) أمّا نحو قوله :

فلمّا خشيت أظافيرهم

نجوت وأرهنهم مالكا (٣)

ف «أرهنهم» خبر لمبتدأ محذوف ، أي : وأنا أرهنهم مالكا.

تنبيه : مذهب البصريّين ـ إلّا الأخفش ـ لزوم «قد» ـ ظاهرة أو مقدّرة ـ مع الماضي المثبت مطلقا. وذهب الكوفيّون والأخفش إلى لزومها مع الحال المرتبطة بالواو فقط وجواز إثباتها وحذفها في المرتبطة بالضمير وحده أو بهما معا. (٤)

حذف عامل الحال

قد يحذف عامل الحال :

جوازا ، لدليل حاليّ ، كقولك للقادم من الحجّ : «مأجورا» أى : رجعت ، أو مقالي نحو قوله تعالى : «أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أن لن نَجْمَعَ عِظامَهُ* بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ». (٥) أي : بلى نجمعها قادرين.

ووجوبا قياسا في أربع صور :

إحداها : الحال السادّة مسدّ الخبر ، نحو : «ضربي زيدا قائما». والأصل : «حاصل إذا

__________________

(١). «عهدتك» : علمتك. «ما تصبو» : لا تميل إلى الجهل. الشبيبة : الفتاء وهو من سنّ البلوغ إلى الثلاثين تقريبا. والصبّ : وصف من الصبابة وهي رقّة الهوى والعشق. و «متيّما» : اسم مفعول من تيّمه العشق ، إذا ذلّله وعبّده.

(٢). المدّثّر (٧٤) : ٦.

(٣). أي : لمّا خفت سيوفهم نجوت وأبقيت في أيديهم مالكا.

(٤). قال ابن مالك :

وموضع الحال تجيء جمله

ك «جاء زيد وهو ناو رحله»

وذات بدء بمضارع ثبت

حوت ضميرا ومن الواو خلت

وذات واو بعدها انو مبتدا

له المضارع اجعلنّ مسندا

وجملة الحال سوى ما قدّما

بواو أو بمضمر أو بهما

(٥). القيامة (٧٥) : ٣ و ٤.

١٥٤

كان قائما».

الثانية : الحال المؤكّدة لمضمون جملة قبلها ، نحو : «زيد أبوك عطوفا». والأصل : «أحقّه».

الثالثة : الحال الّتي يبيّن بها ازدياد أو نقص بتدريج ، نحو : «تصدّق بدينار فصاعدا» ، و «اشتره بدينار فسافلا».

الرابعة : الحال التي ذكرت لتوبيخ ، نحو : «أقاعدا وقد قام الناس؟» ، أي : «أتوجد؟».

وسماعا في غير ذلك ، نحو : «هنيئا لك» أي : «ثبت لك الخير هنيئا» ، أو «أهنأك هنيئا». (١)

حذف الحال

الأصل في الحال أن تكون جائزة الحذف وقد يعرض لها ما يمنع منه ، ككونها جوابا ، نحو : «راكبا» ، لمن قال : «كيف جئت؟» أو مقصودا حصرها نحو : «لم أعده إلّا حرضا» ، (٢) أو نائبة عن خبر ، نحو : «ضربي زيدا قائما» ، أو منهيّا عنها ، كقوله تعالى : «لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى».(٣)

__________________

(١). قال ابن مالك :

والحال قد يحذف ما فيها عمل

وبعض ما يحذف ذكره ، حظل

(٢). «حرضا» : أي مشرفا على الهلاك.

(٣). النساء (٤) : ٤٣.

١٥٥

التمييز (١)

هو كلّ اسم نكرة متضمّن معنى «من» لبيان ما قبله من إبهام ذات أو نسبة نحو : «عندى شبر أرضا» و «طاب زيد نفسا».

وخرج بقيد «متضمّن معنى من» الحال ؛ فإنّها متضّمنة معنى «في» ، وخرج بقيد «لبيان ما قبله» اسم «لا» التي لنفي الجنس ؛ فإنّه متضمّن معنى «من» وليس فيه بيان لما قبله ، نحو : «لا رجل قائم» فإنّ التقدير : «لا من رجل قائم» ، وخرج أيضا نحو «ذنبا» من قول الشاعر :

أستغفر الله ذنبا لست محصيه

ربّ العباد إليه الوجه والعمل

وقد يأتي التمييز غير مبيّن فيعدّ مؤكّدا ، نحو : «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً».(٢)

وقد يأتي بلفظ المعرفة فيعتقد تنكيره معنى ، نحو قول الشاعر :

رأيتك لمّا أن عرفت وجوهنا

صددت وطبت النّفس يا قيس عن عمرو

والذّات المبهمة ـ التي يفسّرها التمييز ـ أربعة أنواع :

أحدها : العدد ، نحو : «إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً».(٣)

والثاني : المقدار ، وهو إمّا مساحة ، ك «عندي شبر أرضا» ، أو كيل ك «لي قفيز برّا» ، أو وزن ك «اشتريت منوين عسلا».

والثالث : ما يشبه المقدار ، نحو قوله تعالى : «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ».(٤)

والرّابع : ما كان فرعا للتمييز ، نحو : «هذا خاتم حديدا» ، فإنّ الخاتم فرع الحديد.

__________________

(١). هو والمميّز والمبيّن والتّبيين والتّفسير والمفسّر بمعنى.

(٢). التوبة (٩) : ٣٦.

(٣). يوسف (١٢) : ٤.

(٤). الزّلزلة (٩٩) : ٧ و ٨.

١٥٦

والنسبة المبهمة نوعان : نسبة الفعل للفاعل ، نحو : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) ، (١) ونسبته للمفعول ، نحو قوله تعالى : «وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً».(٢)

وحكم التمييز النصب. والناصب لمبيّن الذّات هي ، ولمبيّن النسبة هو العامل الذي قبله من فعل أو شبهه.

ولك في التمييز المبيّن لإبهام الذّات أن تجرّه بالإضافة ، نحو : «عندى شبر أرض» و «قفيز برّ» و «منوا عسل» ؛ إلّا إذا كان المبيّن عددا ، ك «عشرين درهما» أو مضافا إلى غير التمييز ، نحو : «فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً».(٣)

والتمييز الواقع بعد أفعل التفضيل إن كان فاعلا في المعنى وجب نصبه ، وإن لم يكن كذلك وجب جرّه بالإضافة. وعلامة ما هو فاعل فى المعنى أن يصلح جعله فاعلا بعد جعل أفعل التفضيل فعلا نحو : «أنت أعلى منزلا وأكثر مالا» ، ف «منزلا ومالا» يجب نصبهما ، إذ يصحّ جعلهما فاعلين بعد جعل أفعل التفضيل فعلا ، فتقول : «أنت علا منزلك وكثر مالك».

ومثال ما ليس بفاعل في المعنى «زيد أفضل رجل وهند أفضل امرأة» ، فيجب جرّه بالإضافة ، إلّا إذا أضيف «أفعل» إلى غيره ؛ فإنّه ينصب حينئذ ، نحو «أنت أفضل الناس رجلا».

ويقع التمييز بعد كلّ ما دلّ على تعجّب ، نحو : «ما أحسن زيدا رجلا» ، و «لله درّك عالما» ، و «أكرم بزيد أبا» وقوله تعالى : «كَفى بِاللهِ شَهِيداً».(٤)

ويجوز جرّ التمييز ب «من» ، نحو : «عندى شبر من أرض» و «قفيز من برّ» و «منوان من عسل» ، إلّا إذا كان عددا ، نحو «عندى عشرون درهما» أو كان محوّلا عن الفاعل صناعة نحو «طاب زيد نفسا» ـ إذ أصله : «طابت نفس زيد» ـ أو محوّلا عن مضاف ، نحو : «زيد أكثر مالا» ـ إذ أصله : «مال زيد أكثر» ـ أو محوّلا عن مفعول ، نحو : «غرست الأرض شجرا» ، إذ أصله : «غرست شجر الأرض».

__________________

(١). مريم (١٩) : ٤.

(٢). القمر (٥٤) : ١٢.

(٣). آل عمران (٣) : ٩١.

(٤). النساء (٤) : ٧٩.

١٥٧

تقديم التمييز على عامله

ذهب سيبويه إلى أنّه لا يجوز تقديم التمييز على عامله (١) سواء كان متصرّفا أو غير متصرّف ، فلا تقول : «نفسا طاب زيد» ولا «عندى درهما عشرون».

وأجاز الكسائي والمازني والمبرّد تقديمه على عامله المتصرّف ، فتقول : «نفسا طاب زيد». فإن كان العامل غير متصرّف فقد منعوا التقديم سواء كان فعلا ، نحو : «ما أحسن زيدا رجلا» ، أو غيره ، نحو : «عندي عشرون درهما».

وقد يكون العامل متصرّفا ويمتنع تقديم التمييز عليه عند الجميع وذلك نحو : «كفى بزيد رجلا» ، فلا يجوز تقديم «رجلا» على «كفى» وإن كان فعلا متصرّفا ، لأنّه بمعنى فعل غير متصرف وهو فعل التعجّب فقولك : «كفى بزيد رجلا» بمعنى : «ما أكفاه رجلا!». (٢)

__________________

(١). وأمّا توسّط التمييز بين العامل ومعموله ـ نحو : «طاب نفسا زيد» ـ فنقل بعضهم الإجماع على جوازه.

(٢). قال ابن مالك :

اسم بمعنى من مبين نكره

ينصب تمييزا بما قد فسّره

ك «شبر أرضا وقفيز برّا

ومنوين عسلا وتمرا»

وبعد ذي وشبهها اجرره إذا

أضفتها ك «مدّ حنطة غذا»

والنّصب بعد ما اضيف وجبا

إن كان مثل «ملء الأرض ذهبا»

والفاعل المعنى انصبن ب «أفعلا»

مفضّلا ك «أنت أعلى منزلا»

واجرر ب «من» إن شئت غير ذي العدد

والفاعل المعنى ك «طب نفسا تفد»

وعامل التّمييز قدّم مطلقا

والفعل ذو التّصريف نزرا سبقا

١٥٨

حروف الجرّ

هي عشرون حرفا ، ثلاثة منها مضت في الاستثناء وهي : خلا ، عدا وحاشا ؛ وثلاثة شاذّة وهي : كي ، لعلّ ومتى.

فأمّا «كي» فتجرّ ثلاثة :

أحدها : «ما» الاستفهاميّة ، نحو : «كيمه» في السؤال عن علّة الشيء وكثيرا ما يقولون : «لمه». (١)

الثاني : «ما» المصدريّة مع صلتها ، كقول الشاعر :

إذا أنت لم تنفع فضرّ فإنّما

يراد الفتى كيما يضرّ وينفع

قاله الأخفش. وقيل : «ما» كافّة ل «كي» ، عن عملها الجرّ.

الثالث : «أن» المصدريّة مع صلتها ، نحو : «جئت كي أكرم زيدا» إذا قدّرت «أن» بعدها. قال ابن هشام : والأولى أن تقدّر «كي» مصدريّة فتقدّر اللّام قبلها بدليل كثرة ظهورها معها ، نحو : «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ».(٢)

وأمّا «لعلّ» فالجرّ بها لغة عقيل ، ومنه قوله :

فقلت : ادع اخرى وارفع الصوت دعوة

لعلّ أبي المغوار منك قريب

وأمّا «متى» فالجرّ بها لغة هذيل ، يقولون : «أخرجها متى كمّه» ، أي : من كمّه.

والأربعة عشر الباقية قسمان : سبعة تجرّ الظاهر والمضمر وهي : من ، إلى ، عن ، على ، في والباء واللّام. وسبعة تختصّ بالظاهر وتنقسم إلى أربعة أقسام :

__________________

(١). ف «ما» استفهاميّة مجرورة ب «كي» وحذفت ألفها وجوبا لدخول حرف الجرّ عليها وجيء بهاء السكت وقفا حفظا للفتحة الدالّة على الألف المحذوفة. وهكذا يفعل مع سائر حروف الجرّ الداخلة على «ما» الاستفهاميّة.

(٢). الحديد (٥٧) : ٢٣.

١٥٩

أحدها : ما لا يختصّ بظاهر بعينه وهو : حتّى والكاف (١) والواو.

الثاني : ما يختصّ بالزّمان ، نحو : مذ ومنذ ، نحو : «ما رأيته مذ يومنا» أو «منذ يوم الجمعة».

الثالث : ما يختصّ بالنكرات وهو «ربّ» ، نحو : «ربّ رجل عالم لقيت» ؛ وقد تدخل على ضمير غيبة ملازم للإفراد والتذكير ، مفسّر بتمييز بعده مطابق للمعنى ، فيقال : «ربّه رجلا» و «ربّه رجلين» و... قال الشاعر :

ربّه فتية دعوت إلى ما

يورث المجد دائبا فأجابوا. (٢)

هذا مذهب البصريّين. وحكى الكوفيّون جواز مطابقته لفظا ، نحو : «ربّها امرأة» و «ربّهما رجلين» و...

الرابع : ما يختصّ ب «الله» و «ربّ» مضافا للكعبة أو لياء المتكلّم ، وهو التاء ، نحو : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ)(٣) و «تربّ الكعبة لأفعلنّ» و «تربّي لأفعلنّ». (٤)

معانى حروف الجرّ

«من»

«من» تأتى لوجوه :

أحدها : ابتداء الغاية المكانيّة ، نحو قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى)(٥) والزّمانيّة ، كقوله تعالى : «لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى

__________________

(١). وقد تدخل الكاف على الضمير للضرورة كقول الشاعر : «وإن يك إنسا ما كها الإنس يفعل» و «ما» نافية والضمير في «كها» يرجع إلى الفعلة الّتى فعل.

(٢). فتية : جمع «فتى» ودائبا بمعنى دائما.

(٣). الأنبياء (٢١) : ٥٧.

(٤). قال ابن مالك :

هاك حروف الجرّ وهي من إلى

حتّى خلا حاشا عدا في عن على

مذ منذ ربّ اللّام كى واو وتا

والكاف والبا ولعلّ ومتى

بالظّاهر اخصص منذ مذ وحتّى

والكاف والواو وربّ والتّا

واخصص بمذ ومنذ وقتا وبربّ

منكّرا والتّاء لله وربّ

وما رووا من نحو ربّه فتى

نزر كذا كها ونحوه أتى

(٥). الإسراء (١٧) : ١.

١٦٠