القواعد النحويّة

السيد قاسم الحسيني الخراساني ومحمود الملكي الإصفهاني

القواعد النحويّة

المؤلف:

السيد قاسم الحسيني الخراساني ومحمود الملكي الإصفهاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مديرية العامة للحوزة العلمية في قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٢

جرّ ، نحو : «مررت بزيد». وقد يحذف حرف الجرّ وينصب المجرور حينئذ ، قال الشاعر :

تمرّون الدّيار ولم تعوجوا

كلامكم علىّ إذا حرام (١)

أي : تمرّون بالدّيار.

وقد يحذف ويبقى المجرور على حاله ، نحو :

إذا قيل أيّ الناس شرّ قبيلة

أشارت كليب بالأكفّ الأصابع (٢)

أي : إلى كليب. ومذهب الجمهور أنّه لا ينقاس حذف حرف الجرّ مع غير «أنّ» و «أن» بل يقتصر فيه على السماع ، وذهب الأخفش الأصغر (٣) إلى جواز حذف الجارّ مع غيرهما بشرط تعيّن الحرف ومكان الحذف ، نحو : «بريت القلم بالسكّين» فيجوز عنده حذف الباء ، فتقول : «بريت القلم السكّين». فإن لم يتعيّن الحرف لم يجز الحذف ، نحو : «رغبت في زيد» ، فلا يجوز حذف «في» ؛ لأنّه لا يدرى حينئذ هل التقدير «رغبت عن زيد» أو «في زيد» وكذلك إن لم يتعيّن مكان الحذف ، نحو : «اخترت القوم من بني تميم» ، فلا يجوز الحذف ، فلا تقول : «اخترت القوم بني تميم» ؛ إذ لا يدرى هل الأصل «اخترت القوم من بني تميم» أو «اخترت من القوم بني تميم».

أمّا «أنّ» و «أن» فيجوز حذف حرف الجرّ معهما قياسا بشرط أمن اللبس ، نحو قوله تعالى : (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ)(٤) أي : من أن جاءكم ونحو : «عجبت أنّك قائم» ، أي : من أنّك ؛ فإن حصل لبس لم يجز الحذف ، نحو : «رغبت في أن تقوم» و «رغبت في أنّك قائم» فلا يجوز حذف «في» لاحتمال أن يكون المحذوف «عن» فيحصل اللبس. (٥)

__________________

(١). لم تعوجوا : لم ترجعوا إليها.

(٢). الأصابع : فاعل أشارت ، وقوله «بالأكفّ» حال منه ، أي : أشارت الأصابع حالة كونها مع الأكفّ.

فالإشارة لمجموع الأصابع والأكفّ وفيه مزيد ذمّ لهذه القبيلة.

(٣). هو أبو الحسن على بن سليمان البغدادي تلميذ ثعلب والمبرّد. والأكبر هو أبو الخطّاب شيخ سيبويه والصغير هو أبو الحسن سعيد بن مسعدة تلميذ سيبويه.

(٤). الأعراف (٧) : ٦٣ و ٦٩.

(٥). أمّا قوله تعالى : «وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ». (آل عمران (٣) : ١٢٧) ، فيجوز أن يكون الحذف لصحّة التقديرين كما أجازهما بعض المفسّرين. قال الزمخشري في الكشّاف : يحتمل أن يكون التقدير : «في أن تنكحوهنّ لجمالهنّ» ، أو : «عن أن تنكحوهنّ لدمامتهنّ».

١٢١

واختلف في محلّ «أنّ» و «أن» عند حذف حرف الجرّ فقيل بالنصب وقيل بالجرّ. (١)

__________________

(١). قال ابن مالك :

علامة الفعل المعدّى أن تصل

ها غير مصدر به نحو عمل

فانصب به مفعوله إن لم ينب

عن فاعل نحو تدبّرت الكتب

وعدّ لازما بحرف جرّ

وإن حذف فالنّصب للمنجرّ

نقلا وفي أنّ وأن يطّرد

مع أمن لبس ك «عجبت أن يدوا

١٢٢

المفاعيل

المفاعيل خمسة :

١ ـ المفعول به

٢ ـ المفعول المطلق

٣ ـ المفعول له

٤ ـ المفعول فيه

٥ ـ المفعول معه

١٢٣
١٢٤

(١)

المفعول به

عرّفه ابن الحاجب في الكافية بأنّه «ما وقع عليه فعل الفاعل ، نحو : ضربت زيدا». (١) والأصل في المفعول به تأخّره عن عامله وقد يتقدّم جوازا ، نحو قوله تعالى : (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ)(٢) ووجوبا ، كما إذا كان المفعول ممّا له الصدر ، نحو قوله تعالى : (فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ)(٣) و (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) ، (٤) أو وقع عامله بعد فاء الجزاء وليس له منصوب غيره مقدّم عليها ، (٥) نحو : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)(٦) بخلاف «أمّا اليوم فاضرب زيدا».

__________________

(١). قال المحقّق الرضى رحمه‌الله : «يريد ما وقع عليه أو جرى مجرى الواقع ، ليدخل فيه المنصوب في «ما ضربت زيدا» و «أوجدت ضربا» و «أحدثت قتلا» ؛ فكأنّك أوقعت عدم الضرب على زيد ، وكأنّ الضرب كان شيئا أوقعت عليه الإيجاد. وفسّر المصنّف وقوع الفعل ب «تعلّقه بما لا يعقل إلّا به» فعلى تفسيره ينبغى أن تكون المجرورات في «مررت بزيد» و «قربت من عمرو» و «بعدت من بكر» و «سرت من البصرة إلى الكوفة» مفعولا بها ولا شكّ أنّه يقال إنّها مفعول بها لكنّها بواسطة حرف جرّ. ومطلق لفظ المفعول به لا يقع على هذه الأشياء في اصطلاحهم ، وكلامنا في المطلق. وأيضا فإنّ معنى «اشترك» في قولهم : «اشترك زيد وعمرو» لا يفهم إلّا بعد إسنادك إيّاه إلى زيد إلّا بشيء آخر وهو عمرو أو غيره وليس بمفعول في الاصطلاح. والأقرب في رسم المفعول به أن يقال : «هو ما يصحّ أن يعبّر عنه باسم مفعول غير مقيّد مصوغ من عامله المثبت أو المجعول مثبتا. فبقولنا «اسم مفعول غير مقيّد مصوغ من عامله» يخرج جميع المعمولات ، أمّا المفعول المطلق فلأنّ الضرب في قولك «ضربت ضربا» و «أحدثت ضربا» وإن كان مفعولا للمتكلّم في المثالين إلّا أنّه لا يقال في الأوّل : «إنّ ضربا مضروب» ويقال في الثاني : «إنّه محدث». وأمّا سائر المفاعيل فيطلق عليها اسم المفعول المصوغ من عامله لكن مقيّدا بحرف الجرّ ...».

شرح الكافية (١) : ١٢٧.

(٢). البقرة (٢) : ٨٧.

(٣). غافر (٤٠) : ٨١.

(٤). الإسراء (١٧) : ١١٠.

(٥). قال المحقّق الرضي رحمه‌الله : وذلك لما يجيء في حروف الشروط من أنّه لا بدّ من نائب مناب الشرط المحذوف بعد أمّا. ولو كان له منصوب آخر جاز أن تقدّم أيّهما شئت وتخلّي الآخر بعد عامله [أي : تبقيه بعد عامله ، ومعنى التخلية الترك]. شرح الكافية (١) : ١٢٨.

(٦). الضّحى (٩٣) : ٩.

١٢٥

اشتغال العامل عن المعمول

هو أن يتقدّم اسم ويتأخّر عنه فعل أو شبهه قد عمل في ضمير ذلك الاسم أو في متعلّقه (١) بحيث لو سلّط عليه هو أو مناسبه (٢) لنصبه. نحو : «زيدا ضربته» و «زيدا مررت به» و «زيدا ضربت غلامه» و «أزيدا أنت ضاربه الآن أو غدا؟».

ذكر النحويّون أنّ الاسم المتقدّم في هذا الباب على خمسة أقسام : لازم النصب ، لازم الرفع ، راجح النصب ، راجح الرفع ومستو فيه الأمران.

فيجب النصب إذا وقع الاسم بعد أداة تختصّ بالفعل ، كأدوات الشرط ، نحو : «إن زيدا أكرمته أكرمك».

ويجب الرفع إذا وقع الاسم بعد أداة تختصّ بالدخول على الجملة الاسميّة ، ك «إذا» الفجائيّة ، نحو : «خرجت فإذا زيد يضربه عمرو» ، أو وقع الفعل بعد ما له صدر الكلام ، وهو الذي لا يقع ما قبله معمولا لما بعده ، كأدوات الشرط والاستفهام و «ما» النافية ، نحو : «زيد إن لقيته فأكرمه» و «زيد هل تضربه» و «زيد ما لقيته». (٣)

ويترجّح النصب في مواضع :

أحدها : إذا وقع بعد ذلك الاسم فعل دالّ على طلب ـ كالأمر والنهي والدعاء (٤) ـ نحو : «زيدا اضربه» و «عمرا لا تضربه» و «زيدا رحمه‌الله». (٥)

__________________

(١). التعلّق يكون من وجوه كثيرة ؛ ككون الاسم مضافا إلى ذلك الضمير ، نحو : «زيدا ضربت غلامه» أو موصوفا لعامل ذلك الضمير نحو : «زيدا ضربت رجلا يحبّه» ، أو موصولا كذلك ، نحو : «زيدا ضربت الّذي يحبّه» وغير ذلك.

(٢). دخل بهذا القيد نحو : «زيدا مررت به» و «زيدا ضربت غلامه». ولا يمكن أن يكون المقدّر من لفظ المفسّر ؛ لأنّه يقتضي في الأوّل تعدّي القاصر بنفسه وفي الثاني خلاف الواقع إذ الضرب لم يقع بزيد ، فوجب أن يقدّر في الأوّل «جاوزت» وفي الثاني «أهنت» ؛ فإنّ ضرب الغلام يستلزم إهانة مولاه عادة.

(٣). لا يخفى أنّ ضابط باب الاشتغال لا يصدق على ما يجب رفعه ، لما تقدّم من قولنا «بحيث لو سلّط عليه هو أو مناسبه لنصبه». ولعلّ النحويّين ذكروا هذا القسم إفادة لتمام القسمة وإن كان ليس من الباب.

(٤). لأنّ وقوع هذه الأشياء خبرا للمبتدأ قليل في الاستعمال.

(٥). وإنّما اتّفق القرّاء السبعة على الرفع في قوله تعالى : «السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما». المائدة (٥) : ٣٨. لأنّ تقديره عند سيبويه : «ممّا يتلى عليكم حكم السّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما». ف «السّارق

١٢٦

ثانيها : إذا وقع ذلك الاسم بعد شيء يغلب أن يليه فعل ، كهمزة الاستفهام ، نحو : «أزيدا ضربته؟» ، ما لم يفصل بين الهمزة والاسم بغير ظرف وإلّا يترجّح الرفع ، نحو : «أأنت زيد تضربه؟» وك «ما» و «لا» و «إن» النافيات ، نحو : «ما زيدا رأيته». وقال ابن مالك في شرح الكافية : و «حيث» مجرّدة من «ما» ، نحو : «حيث زيدا تلقاه فأكرمه».

ثالثها : إذا وقع ذلك الاسم بعد عاطف تقدّمته جملة فعليّة ـ فعلها متصرّف ـ ولم يفصل بين العاطف والاسم ، نحو : «قام زيد وعمرا أكرمته». وذلك لما فيه من عطف جملة فعليّة على مثلها وتشاكل الجملتين في العطف أولى من تخالفهما ، بخلاف نحو : «ما أحسن زيدا وعمرو أكرمته» ، لأنّ فعل التعجّب قد جرى مجرى الأسماء لجموده.

وخرج بقولنا «ولم يفصل بين العاطف والاسم» ما لو فصل بينهما نحو : «قام زيد وأمّا عمرو أكرمته» فيترجّح الرفع كما سيأتي.

ويستوي فيه الأمران إذا وقع ذلك الاسم بعد عاطف مسبوق بجملة فعليّة مخبر بها عن اسم قبلها ، نحو : «زيد قام وعمرا أكرمته» ولا ترجيح ، لأنّ في كلّ منها مشاكلة. فإن رفعت فالعطف على الاسميّة أو نصبت فعلى الفعليّة. (١) ويترجّح الرفع في غير ما ذكر لعدم موجب النصب ومرجّحه وموجب الرفع ومسوّي الأمرين وعدم التّقدير أولى من التّقدير ، نحو : «زيد ضربته». (٢)

__________________

والسّارقة» مبتدأ ومعطوف عليه ، والخبر محذوف وهو الجارّ والمجرور و «اقطعوا» جملة مستأنفة. وقال المبرّد : «الجملة الفعليّة خبر ودخلته الفاء لما في المبتدأ من معنى الشرط ، لهذا امتنع النصب لأنّ ما بعد فاء الجزاء وشبهها لا يعمل فيما بعدها».

وقال ابن بابشاذ : «يختار الرفع في العموم كالآية والنصب في الخصوص ك «زيدا اضربه».

(١). قيل : «الرفع أولى ، لسلامته من الحذف والتقدير» ، واجيب بأنّه عورض بكون الكلام المعطوف أقرب إلى الفعليّة.

(٢). قال ابن مالك :

إن مضمر اسم سابق فعلا شغل

عنه بنصب لفظه أو المحلّ

فالسّابق انصبه بفعل اضمرا

حتما موافق لما قد اظهرا

والنّصب حتم إن تلا السّابق ما

يختصّ بالفعل ك «إن» و «حيثما»

وإن تلا السّابق ما بالابتدا

يختصّ فالرّفع التزمه أبدا

١٢٧

التنازع في العمل

التنازع هو أن يتوجّه عاملان (١) ـ ليس أحدهما مؤكّدا للآخر ـ إلى معمول واحد متأخّر عنهما ، نحو : «ضربت وأكرمت زيدا» ، وقوله تعالى : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) ، (٢) و «هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ». (٣) ولا خلاف بين البصريّين والكوفيّين في جواز إعمال كلّ واحد من العاملين في ذلك الاسم ، لكن اختلفوا في الأولى منهما.

فذهب البصريّون إلى أنّ الثاني أولى لأنّه أقرب ، ولأنّه لو أعملت الأوّل في نحو : «قام وقعد زيد» لفصلت بين العامل ومعموله بأجنبيّ بلا ضرورة ولعطف على الجملة قبل تمامها وكلاهما خلاف الأصل.

وذهب الكوفيّون إلى أنّ الأوّل أولى لتقدّمه ولأنّه لو أعملت الثاني لأضمرت في العامل الأوّل فيلزم الإضمار قبل الذكر.

ثمّ إنّك إذا أعملت الأوّل أضمرت في الثاني ما يحتاج إليه ، من مرفوع ومنصوب ومجرور ، نحو : «قام وقعد أخواك» و «قام وضربتهما أخواك» و «قام ومررت بهما أخواك». وذلك لأنّ الاسم المتنازع فيه ـ وهو «أخواك» في المثال ـ في نيّة التقديم ؛ فالضمير وإن عاد على متأخّر لفظا لكنّه متقدّم رتبة. وبعضهم يجيز حذف غير المرفوع لأنّه فضلة.

وإن أعملت الثاني فإن احتاج الأوّل إلى منصوب لفظا أو محلّا ؛ فإن أوقع حذفه في

__________________

كذا إذا الفعل تلا ما لم يرد

ما قبل معمولا لما بعد وجد

واختير نصب قبل فعل ذي طلب

وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب

وبعد عاطف بلا فصل على

معمول فعل مستقرّ أوّلا

وإن تلا المعطوف فعلا مخبرا

به عن اسم فاعطفن مخيّرا

والرّفع في غير الذي مرّ رجح

فما أبيح افعل ودع ما لم يبح

وفصل مشغول بحرف جرّ

أو بإضافة كوصل يجري

وسوّ في ذا الباب وصفا ذا عمل

بالفعل إن لم يك مانع حصل

وعلقة حاصلة بتابع

كعلقة بنفس الاسم الواقع

(١). جري على الغالب لا شرط. وقد يكون المتنازع فيه أكثر من اثنين.

(٢). الكهف (١٨) : ٩٦.

(٣). الحاقّة (٦٩) : ١٩.

١٢٨

لبس أو كان العامل من بابي «كان» أو «ظنّ» وجب إضمار المعمول مؤخّرا ، نحو : «استعنت واستعان عليّ زيد به» و «كنت وكان زيد صديقا إيّاه» و «ظنّني وظننت زيدا قائما إيّاه». وقيل في باب ظنّ وكان : «يضمر مقدّما» ، وقيل : «يظهر» ، وقيل : «يحذف» ، واختاره ابن هشام ؛ لأنّه حذف لدليل. وإن كان العامل من غير بابي كان وظنّ وجب حذف المنصوب نحو : «ضربت وضربني زيد» و «مررت ومرّ بي زيد» ، وإن احتاج إلى مرفوع أضمرته على وفق الظاهر ، فقلت : «قاما وقعدا أخواك» ؛ ف «أخواك» تنازع فيه «قام» و «قعد» فاعمل «قعد» واضمر في «قام» الفاعل مطابقا للظاهر ولم يبال بالإضمار قبل الذّكر هنا للحاجة إليه كما في «ربّه رجلا زيد». ولا يجوز ترك الإضمار فلا تقول : «قام وقعد أخواك» لأنّ تركه يؤدّي إلى حذف الفاعل والفاعل لا يحذف. هذا مذهب البصريين.

وأجاز الكسائي ذلك بناء على مذهبه من جواز حذف الفاعل.

ونقل الرّضي رحمه‌الله عن الفرّاء جواز توجّه العاملين معا إلى المتنازع فيما إذا اتّفقا في طلب المرفوع (١) فيكون الاسم الواحد فاعلا للفعلين ، نحو : «قام وقعد أخواك» ، وجوّز أيضا أن تأتي بفاعل الأوّل ضميرا بعد المتنازع ، نحو : «قام وقعد أخواك هما» ، أمّا إذا طلب الثاني للمفعوليّة مع طلب الأوّل للفاعليّة ، فتعيّن عنده الإتيان بالضمير بعد المتنازع ، نحو : «ضربني وأكرمت زيدا هو». (٢)

مسألة : إذا احتاج العامل المهمل إلى ضمير وكان ذلك الضمير خبرا في الأصل عمّا لا يطابق المفسّر وهو المتنازع فيه ، كما لو كان مثنّى والضمير خبرا عن مفرد ، نحو : «أظنّ ويظنّاني زيدا وعمرا أخوين» ، ف «زيدا» مفعول أوّل ل «أظنّ» و «عمرا» عطف عليه و «أخوين» مفعول ثان ل «أظنّ» والياء مفعول أوّل ل «يظنّان» فيحتاج إلى مفعول ثان ، فلو أتيت به ضميرا مفردا فقلت : «أظنّ ويظنّاني إيّاه زيدا وعمرا أخوين»

__________________

(١). الظاهر أنّ مثله اتّفاقهما في طلب المنصوب كما يدلّ عليه عبارة همع الهوامع حيث قال : «وقال الفرّاء : كلاهما يعملان فيه إن اتّفقا في الإعراب المطلوب». وكيف كان ، اختلف كلام النحويين في ما ذهب إليه الفرّاء. راجع : همع الهوامع (٢) : ١٠٩ ، حاشية الصبّان (٢) : ١٠٣ ، البهجة المرضيّة : ١٧٤ ، شرح ابن عقيل (١) : ٥٥٠.

(٢). شرح الكافية للمحقّق الرضي رحمه‌الله (١) : ٧٩.

١٢٩

لكان مطابقا للياء غير مطابق لما يعود إليه وهو «أخوين» ولو أتيت به ضميرا مثنّى فقلت : «أظنّ ويظنّاني إيّاهما زيدا وعمرا أخوين» لطابقه ولم يطابق الياء الذي هو خبر عنه فتعيّن الإظهار فتقول : «أظنّ ويظنّاني أخا زيدا وعمرا أخوين». فتخرج المسألة حينئذ من باب التنازع ؛ لأنّ كلّا من العاملين قد عمل في ظاهر. (١)

تنبيهات

الأوّل : قد يكون العاملان المتنازعان فعلين ، ويشترط فيهما أن يكونا متصرّفين ، كقوله تعالى : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) ، (٢) وقد يكونان اسمين ويشترط فيهما أن يكونا مشبّهين للفعل في العمل ، كقول الشاعر : «عهدت مغيثا مغنيا من أجرته». (٣)

ف «من» اسم موصول تنازعه كلّ من مغيث ومغن ، وقد يكونان مختلفين ، كقوله تعالى : «هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ».(٤)

الثاني : قد علم ممّا ذكر أنّ التنازع لا يقع بين حرفين ولا بين حرف وغيره ولا بين

__________________

(١). قال ابن مالك :

إن عاملان اقتضيا في اسم عمل

قبل فللواحد منهما العمل

والثّاني أولى عند أهل البصره

واختار عكسا غيرهم ذا أسره

وأعمل المهمل في ضمير ما

تنازعاه والتزم ما التزما

ك «يحسنان ويسيء ابناكا

وقد بغى واعتديا عبداكا»

ولا تجىء مع أوّل قد اهملا

بمضمر لغير رفع اوهلا

بل حذفه الزم إن يكن غير خبر

وأخّرنه إن يكن هو الخبر

وأظهر ان يكن ضمير خبرا

لغير ما يطابق المفسّرا

نحو أظنّ ويظنّاني أخا

زيدا وعمرا أخوين في الرّخا

(٢). الكهف (١٨) : ٩٦.

(٣). هذا عجز بيت من الطويل ، وصدره :

فأين إلى أين النّجاة ببغلتي

وقوله : «عهدت» مبني للمفعول ، أي : عهدك الناس على هذه الصفة ، أي : علموك على هذه الصفة. و «أجرته» ، بمعنى : كنت له جارا.

(٤). الحاقّة (٦٩) : ١٩.

١٣٠

فعلين جامدين ولا بين اسمين غير عاملين ولا بين فعل متصرّف وآخر جامد ، أو فعل متصرّف واسم غير عامل ، ولا في معمول متقدّم ، نحو : «أيّهم ضربت وأكرمت؟» خلافا لبعضهم ولا في معمول متوسّط نحو : «ضربت زيدا وأكرمت» ، خلافا للفارسي ولا في نحو : «فهيهات هيهات العقيق ومن به». (١)

لأنّ الطالب للمعمول إنّما هو الأوّل وأمّا الثاني فلم يؤت به للإسناد بل لمجرد التقوية ، فلا فاعل له ، خلافا للفارسي وللجرجاني ، ولا في نحو : «أتاك أتاك اللّاحقون احبس احبس». (٢)

فليس كلّ واحد من «أتاك أتاك» موجّها إلى «اللّاحقون» ، إذ لو توجّه كلّ واحد إليه فلو أعمل الثاني لقال : «أتوك أتاك اللاحقون» ولو أعمل الأوّل لقال : «أتاك أتوك اللاحقون» ، بل المتوجّه إليه منهما الأوّل والثاني تأكيد له.

الثالث : يشترط في العاملين ـ سوى ما ذكر ـ شرط آخر وهو أن يكون بينهما ارتباط ، فلا يجوز أن تقول : «قام قعد أخوك».

__________________

(١). هذا صدر بيت من الطويل ، وعجزه : وهيهات خلّ بالعقيق نواصله

والعقيق اسم موضع ، والخلّ : الخليل.

(٢). هذا صدر بيت من الطويل ، وعجزه :

فلم أتّخذ إلّا فناءك موئلا

والموئل : اسم مكان من قولهم : «وأل إليه يئل» ـ مثل «وعد يعد» ـ إذا لجأ إليه. والفناء : ساحة الدار.

١٣١

(٢)

المفعول المطلق (١)

هو المصدر الفضلة المؤكّد لعامله أو المبيّن لنوعه أو عدده ، نحو : «ضربت ضربا أو ضرب الأمير (٢) أو ضربتين». وعامله إمّا مصدر مثله ، نحو قوله تعالى : (فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً)(٣) أو فعل ، نحو : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً)(٤) أو وصف ، نحو : «وَالصَّافَّاتِ صَفًّا».(٥)

والمؤكّد لا يثنّى ولا يجمع باتّفاق لأنّه بمنزلة تكرّر الفعل ، والفعل لا يثنّى ولا يجمع. أمّا المبيّن للعدد فلا خلاف في جواز تثنيته وجمعه ، نحو : «ضربت ضربتين وضربات». واختلف في المبيّن للنوع ، فالمشهور الجواز إذا اختلفت أنواعه ، نحو : «سرت سيري زيد الحسن والقبيح». واستظهروا من كلام سيبويه أنّه لا يجوز تثنيته ولا جمعه قياسا ، بل يقتصر فيه على السماع. (٦)

وينوب عن المصدر ـ في الانتصاب على المفعول المطلق ـ ما يدلّ عليه ، ك «كلّ وبعض» مضافين إلى مصدر ، نحو قوله تعالى : (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ)(٧) و «ضربته بعض الضرب» وكذا وصفه ، نحو : «سرت أحسن السير» والدالّ على نوع منه ، نحو : «رجع

__________________

(١). سمّي به لصحّة إطلاق صيغة المفعول عليه من غير تقييده بالباء أو «في» أو «مع» أو اللام بخلاف سائر المفاعيل.

(٢). ومن ذلك «ضربت ضربا شديدا» و «جلست جلسة أو جلسة حسنة».

(٣). الإسراء (١٧) : ٦٣.

(٤). النساء (٤) : ١٦٤.

(٥). الصافّات (٣٧) : ١.

(٦). قال ابن مالك :

المصدر اسم ما سوى الزّمان من

مدلولي الفعل ك «أمن» من «أمن»

بمثله أو فعل أو وصف نصب

وكونه اصلا لهذين انتخب

توكيدا أو نوعا يبيّن أو عدد

ك «سرت سيرتين سير ذي رشد»

وما لتوكيد فوحّد أبدا

وثنّ واجمع غيره وأفردا

(٧). الإسراء (١٧) : ٢٩.

١٣٢

القهقرى» أو على عدده ، نحو : (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً)(١) أو آلته ، نحو : «ضربته سوطا» أو ضميره ، نحو قوله تعالى : (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ)(٢) وإشارة إليه ، نحو : «ضربته ذلك الضرب». (٣)

حذف عامل المصدر

يجوز حذف عامل المصدر إذا كان مبيّنا للنّوع أو العدد ، كأن يقال : «ما جلست» فتقول : «بلى ، جلوسا طويلا» أو «بلى ، جلستين».

أمّا المؤكّد فزعم ابن مالك أنّه لا يحذف عامله لأنّه يقصد به تقوية عامله وتقرير معناه ، والحذف مناف لذلك. ونقضه ابنه بدر الدين بمجيئه في نحو : «سقيا ورعيا». (٤)

ويجب حذف عامل المصدر سماعا نحو : «سبحان الله». (٥)

وقياسا في مواضع :

الأوّل : ما وقع تفصيلا لعاقبة ما قبله ، نحو قوله تعالى : (فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) ، (٦) والتقدير : «فإمّا تمنّون منّا بعد وإمّا تفدون فداء».

الثاني : إذا كان المصدر مكرّرا أو محصورا فيه أو مستفهما عنه وعامله خبر عن اسم

__________________

(١). النّور (٢٤) : ٤.

(٢). المائدة (٥) : ١١٥.

(٣). قال ابن مالك :

وقد ينوب عنه ما عليه دلّ

ك «جدّ كلّ الجدّ وافرح الجذل

(٤). زعم ابن عقيل أنّ جميع الأمثلة التي ذكرها بدر الدّين ليس من المؤكّد بل المصدر فيها نائب مناب العامل دالّ على ما يدلّ عليه فهو عوض منه ، ويدلّ على ذلك عدم جواز الجمع بينهما ولا شيء من المؤكّدات يمتنع الجمع بينه وبين المؤكّد. انتهى ملخّصا. وهو كما ترى.

(٥). مثّل جماعة من النحويّين للحذف السماعيّ بنحو : «سقيا ورعيا وحمدا وشكرا» لكن يرى المحقّق الرضي رحمه‌الله أنّ هذه المصادر وأمثالها إن لم يأت بعدها ما يبيّنها ويعيّن ما تعلّقت به من فاعل أو مفعول إمّا بحرف جرّ أو بإضافة المصدر إليه فليست ممّا يجب حذف فعله بل يجوز ، نحو : «سقاك الله سقيا». وفي نهج البلاغة (الخطبة ١٨٢): «نحمده على عظيم إحسانه ونيّر برهانه ونوامي فضله وامتنانه حمدا يكون لحقّه أداء». وأمّا ما بيّن فاعله بالإضافة ، نحو : «صبغة الله» أو بيّن مفعوله بالإضافة نحو : «سبحان الله» أو بيّن فاعله بحرف الجرّ ، نحو : «بؤسا لك» أي : شدّة ، أو بيّن مفعوله بحرف الجرّ ، نحو «شكرا لك» ، فيجب حذف الفعل في جميع هذا قياسا. والمراد بالقياس أن يكون هناك ضابط كلّي يحذف الفعل حيث حصل ذلك الضابط وهو هاهنا ما ذكرنا من ذكر الفاعل والمفعول بعد المصدر مضافا إليه أو بحرف الجرّ ... شرح الكافية (١) : ١١٦.

(٦). محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤٧) : ٤.

١٣٣

عين ، نحو : «أنت سيرا سيرا» و «ما أنت إلّا سيرا» و «إنّما أنت سيرا» و «أأنت سيرا».

الثالث : أن يكون المصدر مؤكّدا لنفسه أو لغيره ، فالأوّل هو الواقع بعد جملة لا تحتمل غيره ، نحو : «له عليّ ألف درهم اعترافا» ، ف «اعترافا» مصدر منصوب بفعل محذوف وجوبا والتقدير : «اعترفت اعترافا» ويسمّى مؤكّدا لنفسه ، لأنّه مؤكّد للجملة قبله وهي نفس المصدر بمعنى أنّها لا تحتمل سواه. والثاني هو الواقع بعد جملة تحتمل معناه وتحتمل غيره ، فتصير بذكره نصّا فيه ، نحو : «زيد ابني حقّا». ف «حقّا» مصدر منصوب بفعل محذوف وجوبا ، والتقدير : «احقّه حقّا» ، وسمّي مؤكّدا لغيره ، لأنّ الجملة قبله تصلح له ولغيره ، لأنّ قولك «زيد ابني» يحتمل أن يكون حقيقة وأن يكون مجازا على معنى أنت بمنزلة ابني ، فلمّا قال «حقّا» صارت الجملة نصّا في أنّ المراد البنوّة حقيقة. فالجملة غير هذا المصدر لفظا ومعنى.

الرابع : إذا قصد بالمصدر التشبيه بعد جملة مشتملة على اسم بمعناه وصاحبه ، نحو : «مررت به فإذا له صوت صوت حمار» والتقدير : «يصوّت صوت حمار» ، بخلاف الواقع بعد مفرد ، نحو : «صوته صوت حمار» والواقع بعد جملة لم تشتمل على ما ذكر ، نحو : «هذا بكاء بكاء الثّكلى».

الخامس : ما وقع بصيغة التثنية مع الإضافة للدّلالة على التكرير والتكثير نحو : «لبّيك» و «سعديك» لمن يناديك. وأصل «لبّيك» : «ألبّ لك إلبابين» ، أي : اقيم لخدمتك وامتثال أمرك إقامة كثيرة متتالية ، فحذف الفعل واقيم المصدر مقامه وحذف زوائده وردّ إلى الثلاثي ثمّ حذف حرف الجرّ واضيف المصدر إليه. ويجوز أن يكون من «لبّ بالمكان» بمعنى «ألبّ» فلا يكون محذوف الزوائد. و «سعديك» مثل «لبّيك» ، أي : «اسعدك إسعادين». (١)

__________________

(١). قال ابن مالك :

وحذف عامل المؤكّد امتنع

وفي سواه لدليل متّسع

والحذف حتم مع آت بدلا

من فعله ك «ندلا» اللّذ ك «اندلا»

وما لتفصيل ك «إمّا منّا»

عامله يحذف حيث عنّا

كذا مكرّر وذو حصر ورد

نائب فعل لاسم عين استند

ومنه ما يدعونه مؤكّدا

لنفسه أو غيره فالمبتدا

نحو «له عليّ ألف عرفا»

والثّان ك «ابني أنت حقّا صرفا»

كذاك ذو التّشبيه بعد جمله

ك «لي بكا بكاء ذات عضله

١٣٤

(٣)

المفعول له (١)

عرّف بأنّه مصدر فعل لأجله مضمون عامله ، نحو : «ضربت زيدا تأديبا» و «قعدت عن الحرب جبنا». واشترط المتأخّرون مشاركته مع عامله في الوقت والفاعل (٢) فلا يجوز عندهم «تأهّبت السّفر» و «جئتك محبّتك إيّاي» ، ولم يشترط ذلك سيبويه ولا أحد من المتأخّرين.

فإن لم يكن ما قصد به التعليل مصدرا أو لم يشارك مع عامله وقتا وفاعلا ـ عند من اشترطهما ـ تعيّن جرّه بحرف من حروف التعليل ، (٣) نحو : «سرى زيد للماء» و «إنّ امرأة دخلت النّار في هرّة حبستها» و «تأهّبت للسّفر» و «جئتك لمحبّتك إيّاي».

ولا يجب النصب مع استكمال الشروط ، بل يجوز الجرّ بالحرف أيضا ، نحو : «ضربت زيدا للتأديب» وذلك على ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يكون مجرّدا من «ال» والإضافة. والنصب فيه أكثر وأوجبه الجزولي.

ثانيها : أن يكون محلّى ب «أل». وهو عكس الأوّل فالأكثر فيها الجرّ وقلّ نصبه.

__________________

(١). ويسمّى المفعول لأجله ومن أجله أيضا.

(٢). معنى تشاركهما في الفاعل أن يقوما بشيء واحد كقيام الضرب والتأديب في «ضربته تأديبا» بالمتكلّم ؛ وتشاركهما في الزمان بأن يقع الحدث في بعض زمان المصدر ، ك «جئتك طمعا» و «قعدت عن الحرب جبنا» أو يكون أوّل زمان الحدث آخر زمان المصدر ، نحو : «حبستك خوفا من فرارك» أو بالعكس نحو : «جئتك إصلاحا لحالك». قاله المحقّق الرضي رحمه‌الله شرح الكافية (١) : ١٥٣.

(٣). وحينئذ لا يسمّى مفعولا له ، لأنّهم لا يطلقون المفعول له إلّا على المنصوب بتقدير اللّام.

١٣٥

ثالثها : أن يكون مضافا ، ويستوي فيه الأمران. (١)

__________________

(١). قال ابن مالك :

ينصب مفعولا له المصدر إن

أبان تعليلا ك «جد شكرا ودن»

وهو بما يعمل فيه متّحد

وقتا وفاعلا وإن شرط فقد

فاجرره باللام وليس يمتنع

مع الشّروط ك «لزهد ذا قنع»

وقلّ أن يصحبه المجرّد

والعكس في مصحوب ال وأنشدوا

لا أقعد الجبن عن الهيجاء

ولو توالت زمر الأعداء

١٣٦

(٤)

المفعول فيه

وهو المسمّى ظرفا.

عرّفه ابن مالك بأنّه زمان أو مكان ضمّن «في» باطّراد. (١) واحترز بقوله «ضمّن» من نحو : «يوم الجمعة يوم مبارك» ، (٢) وبقوله «باطّراد» من نحو : «دخلت البيت» ؛ فإنّ «البيت» يتضمّن «في» ولكن تضمّنه ليس مطّردا ؛ لأنّ اسم المكان المختصّ لا يجوز حذف «في» معه ، كما سيأتي. فليس النصب على الظرفيّة بل يكون على المفعول به بعد التوسّع بإسقاط الخافض. هذا مذهب ابن مالك والفارسي.

وقيل : «النصب على المفعول به حقيقة وأنّ نحو : «دخل» متعدّ بنفسه» ، وهو مذهب الأخفش.

وقيل : «النصب على الظرفيّة تشبيها له بالمكان المبهم» ، ونسبه الشلوبين إلى الجمهور.

وحكم المفعول فيه النصب. والناصب له ما وقع فيه وهو المصدر نحو : «عجبت من ضربك زيدا يوم الجمعة» أو الفعل ، نحو : «ضربت زيدا أمام الأمير» أو الوصف ، نحو : «أنا ضارب زيدا عندك». والناصب له إمّا مذكور كما مثّل ، أو محذوف جوازا ، نحو : «يوم الجمعة» و «فرسخين» في جواب «متى جئت؟» و «كم سرت؟». أو وجوبا كما إذا وقع الظرف صفة ، نحو : «مررت برجل عندك» ، أو صلة ، نحو : «جاء الذي عندك» أو حالا ،

__________________

(١). قال ابن مالك :

الظّرف وقت أو مكان ضمّنا

في باطّراد ك «هنا امكث أزمنا»

(٢). أمّا نحو «المسجد» في «دخلت في المسجد» فليس بمفعول فيه ، لأنّهم لا يطلقون المفعول فيه إلّا على المنصوب بتقدير «في».

١٣٧

نحو : «مررت بزيد عندك» ، أو خبرا في الحال أو في الأصل ، نحو : «زيد عندك» و «ظننت زيدا عندك».

ثمّ إنّ ما دلّ على الزمان قابل للانتصاب على الظرفيّة مبهما (١) كان ، نحو : «سرت مدّة» أو مختصّا ، نحو : «سرت يوم الجمعة».

وأمّا ما دلّ على المكان فلا ينصب على الظّرفية إلّا في ثلاثة مواضع :

منها : المبهم ، (٢) نحو الجهات السّتّ ، وهي : فوق وتحت وخلف وأمام ويمين ويسار وما أشبهها ك «جانب» و «ناحية». فإن كان المكان مختصّا لم يصحّ نصبه على الظّرفية ووجب جرّه ب «في» ، نحو : «دخلت في المسجد».

ومنها : المقادير ، (٣) نحو : ميل وفرسخ وبريد.

ومنها : ما صيغ من المصدر للدّلالة على المكان بشرط أن يكون عامله من لفظه ، نحو : «جلست مجلس زيد». فلو كان عامله من غير لفظه تعيّن جرّه ، نحو : «جلست في مرمى زيد». أمّا نحو : «هو منّي مزجر الكلب» فشاذّ لا يقاس عليه ، إذ التقدير «هو منّي مستقرّ في مزجر الكلب». (٤)

الظّرف المتصرّف وغير المتصرف

المتصرّف : ما استعمل ظرفا وغير ظرف ك «يوم» و «مكان». فإنّ كلّ واحد منهما يستعمل ظرفا ، نحو : «سرت يوما» و «جلست مكانا» وغير ظرف ، كأن يكون مبتدأ أو

__________________

(١). وهو ما دلّ على زمن غير مقدّر ك «حين» و «وقت» ويقابله المختصّ ، نحو : «يوم» و «شهر» و «سنة».

(٢). وهو ما افتقر إلى غيره في بيان صورة مسمّاه ويقابله المختصّ.

(٣). اختلف النحاة في المقادير ؛ أهي من المبهم أم لا؟ فالشلوبين على الثاني وهو الحقّ ، لأنّها معلومة المقدار ، والفارسي وغيره على الأوّل ، وقال أبو حيّان : «الصحيح أنّها شبيهة بالمبهم».

(٤). قال ابن مالك :

فانصبه بالواقع فيه مظهرا

كان والّا فانوه مقدّرا

وكلّ وقت قابل ذاك وما

يقبله المكان الّا مبهما

نحو الجهات والمقادير وما

صيغ من الفعل ك «مرمى» من «رمى»

وشرط كون ذا مقيسا أن يقع

ظرفا لما في أصله معه اجتمع

١٣٨

خبرا أو فاعلا أو مفعولا أو مضافا إليه ، نحو : «يوم الجمعة يوم مبارك» و «أعجبني اليوم» و «أحببت يوم قدومك» و «سرت نصف اليوم».

غير المتصرّف : ما لا يستعمل إلّا ظرفا ، ك «قطّ» و «عوض» ، تقول : «ما فعلته قطّ» و «لا أفعله عوض» ، أو شبه ظرف ، وهو ما لا يخرج عن الظّرفية إلّا بدخول «من» عليه ، نحو : «جلست عندك» و «خرجت من عند زيد». (١)

ما ينوب عن الظّرف

قد ينوب المصدر عن ظرف المكان ، كقولك : «جلست قرب زيد» ، أي : مكان قرب زيد ، فحذف المضاف واقيم المضاف إليه مقامه فأعرب بإعرابه وهو النّصب على الظّرفيّة.

ويكثر ذلك في ظرف الزّمان ، نحو : «انتظرته صلاة العصر» أي وقت صلاة العصر. (٢)

__________________

(١). قال ابن مالك :

وما يرى ظرفا وغير ظرف

فذاك ذو تصرّف في العرف

وغير ذي التّصرّف الّذي لزم

ظرفيّة أو شبهها من الكلم

(٢). قال ابن مالك :

وقد ينوب عن مكان مصدر

وذاك في ظرف الزّمان يكثر

١٣٩

(٥)

المفعول معه

هو اسم يقع بعد واو بمعنى «مع» تالية لجملة ذات فعل أو اسم فيه معناه وحروفه ، نحو : «سرت والطّريق» و «أنا سائر والنّيل». أمّا نحو : «ما أنت وزيدا؟» و «كيف أنت وقصعة من ثريد؟» فالجواب أنّ أكثرهم يرفع بالعطف ، والّذين نصبوا قدّروا الضمير فاعلا لمحذوف لا مبتدأ ، والأصل : «ما تكون؟» و «كيف تصنع؟» فلمّا حذف الفعل وحده انفصل الضمير. (١)

حالات الاسم الواقع بعد الواو

الاسم الواقع بعد الواو إمّا أن يمكن عطفه أو لا. فإن أمكن عطفه فإمّا أن يكون بضعف أو بلا ضعف.

فإن أمكن عطفه بلا ضعف فهو أحقّ من النصب ، لأنّ الأصل في الواو العطف ، نحو : «كنت أنا وزيد كالأخوين».

وإن أمكن العطف بضعف ، فالنّصب على المعيّة أولى من العطف لسلامته من الضّعف ، نحو : «سرت وزيدا» ، لضعف العطف على المضمر المرفوع المتّصل بلا فاصل. وإن لم يمكن عطفه تعيّن النصب إمّا على المعيّة ، نحو : «ما لك وزيدا» لأنّ العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجارّ ممتنع عند الجمهور ، أو على إضمار عامل ،

__________________

(١). قال ابن مالك :

ينصب تالى الواو مفعولا معه

في نحو «سيري والطّريق مسرعه»

بما من الفعل وشبهه سبق

ذا النّصب لا بالواو في القول الأحقّ

١٤٠