القواعد النحويّة

السيد قاسم الحسيني الخراساني ومحمود الملكي الإصفهاني

القواعد النحويّة

المؤلف:

السيد قاسم الحسيني الخراساني ومحمود الملكي الإصفهاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مديرية العامة للحوزة العلمية في قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٢

حكم «لا» مع همزة الاستفهام

إذا دخلت همزة الاستفهام على «لا» النافية للجنس بقيت على ما كان لها من العمل والاتباع ، نحو :

ألا ارعواء لمن ولّت شبيبته

وآذنت بمشيب بعده هرم (١)

حذف خبر «لا» أو اسمها

إذا جهل الخبر وجب ذكره ، نحو : «لا أحد أغير من الله عزوجل» ، وإذا علم فيحذف كثيرا ، نحو قوله تعالى : (قالُوا لا ضَيْرَ)(٢) ويلتزمه التميميّون والطائيّون.

وقد يحذف اسم «لا» للعلم به ، كقولهم : «لا عليك» ، أي : «لا بأس عليك». (٣)

__________________

(١). الارعواء : الانتهاء والانكفاف والانزجار. «ولّت» : أدبرت ، والشّبيبة : الشباب ، «آذنت» : أعلمت. والمشيب : الشيخوخة ، والهرم : كبر السنّ.

قال ابن مالك :

وأعط «لا» مع همزة استفهام

ما تستحقّ دون الاستفهام

تنبيه :

قد يقصد ب «ألا» التمنّي فمذهب المازني والمبرّد بقاؤها على جميع ما كان لها من الأحكام ، كقول الشاعر :

ألا عمر ولّى مستطاع رجوعه

فيرأب ما أثأت يد الغفلات

ومذهب سيبويه والخليل أنّها تعمل في الاسم خاصّة ولا خبر لها ولا يتبع اسمها إلّا على اللفظ ولا يجوز إلغاؤها إذا تكرّرت.

وقد ترد للتنبيه فلا تعمل شيئا وتدخل على الجملة الاسميّة ، نحو قوله تعالى : «أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ». يونس (١٠) : ٦٢ ، والفعليّة ، نحو قوله تعالى : «أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ». هود (١١) : ٨.

وقد ترد للعرض والتحضيض ومعناهما الطلب ، لكن العرض طلب بلين والتحضيض طلب بحثّ. وتختصّ «ألا» هذه بالفعليّة ولا تعمل شيئا ، نحو قوله تعالى : «فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ* فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ فقال أَلا تَأْكُلُونَ». (الذّاريات (٥١) : ٢٦ و ٢٧) ، و (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) التوبة (٩) : ١٣.

(٢). الشعراء (٢٦) : ٥٠.

(٣). قال ابن مالك :

وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر

إذا المراد مع سقوطه ظهر

١٠١

(٦)

ظنّ وأخواتها

هي أفعال تدخل على المبتدأ والخبر بعد أخذها الفاعل فتنصبهما مفعولين لها. وتنقسم إلى قسمين : أفعال القلوب (١) وأفعال التصيير.

القسم الاوّل : أفعال القلوب

وهي على أربعة أقسام :

١ ـ ما يدلّ على اليقين ، وهو : «وجد» ، نحو قوله تعالى : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً) ، (٢) و «ألفى» ، نحو : (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ)(٣) و «درى» ، نحو :

دريت الوفيّ العهد يا عرو فاغتبط

فإنّ اغتباطا بالوفاء حميد (٤)

و «تعلّم» ، بمعنى «اعلم» ، نحو :

تعلّم شفاء النّفس قهر عدوّها

فبالغ بلطف في التحيّل والمكر (٥)

٢ ـ ما يدلّ على الرجحان ، وهو : «جعل» ، نحو : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) ، (٦) و «حجا» ، نحو :

__________________

(١). سميّت بذلك لقيام معانيها بالقلب. والفعل القلبي على ثلاثة أقسام : ما لا يتعدّى بنفسه ، نحو : «فكّر» وما يتعدّى لواحد ، نحو : «عرف» وما يتعدّى لاثنين وهو المراد من أفعال القلوب هنا ، نحو : «علم ، وجد ، ظنّ و...» ، وهذه الأفعال إنّما تنصب مفعولين إذا دلّت على اليقين أو الرجحان ـ كما ذكرنا في المتن ـ وإلّا فتكون متعدّية إلى واحد ، نحو : «علم» بمعنى عرف و «ظنّ» بمعنى اتّهم ، أو لازمة ، نحو : «وجد» بمعنى حزن أو غضب.

(٢). ص (٣٨) : ٤٤.

(٣). الصافّات (٣٧) : ٦٩.

(٤). «دريت» مبنيّ للمفعول والتاء مفعوله الأوّل في موضع رفع على النيابة عن الفاعل ، و «الوفي» مفعوله الثاني وهو صفة مشبهة و «العهد» بالرفع على الفاعلية وبالنصب على التشبيه بالمفعول به وبالجرّ على الإضافة ، و «عرو» منادى مرخّم بحذف التاء.

(٥). اللطف : الرّفق. والتّحيّل : أخذ الأشياء بالحيلة.

(٦). الزّخرف (٤٣) : ١٩.

١٠٢

قد كنت أحجو أبا عمرو أخا ثقة

حتّى ألمّت بنا يوما ملمّات (١)

و «عد» ، نحو :

فلا تعدد المولى شريكك في الغنى

ولكنّما المولى شريكك في العدم

و «هب» ، نحو :

فقلت : أجرني أبا مالك

وإلّا فهبني امرء هالكا (٢)

و «زعم» ، نحو :

فإن تزعمني كنت أجهل فيكم

فإنّي شريت الحلم بعدك بالجهل (٣)

٣ ـ ما يرد بالوجهين والغالب كونه لليقين وهو اثنان : «رأى» ، كقوله تعالى : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً* وَنَراهُ قَرِيباً) ، (٤) و «علم» ، كقوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ)(٥) وقوله «فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ».(٦)

٤ ـ ما يرد بالوجهين والغالب كونه للرّجحان وهو ثلاثة : «ظنّ» ، نحو قوله تعالى : «فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً * ... وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً» ،(٧) و «حسب» ، نحو : «يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ».(٨)

وقول الشاعر :

حسبت التّقى والجود خير تجارة

رباحا إذا ما المرء أصبح ثاقلا (٩)

و «خال» (١٠) نحو :

ضعيف النّكاية أعداءه

يخال الفرار يراخي الأجل (١١)

وقول الشاعر :

__________________

(١). ألمّت ، بمعنى : نزلت. والملمّات : جمع «ملمّة» ، وهي النازلة من نوازل الدهر.

(٢). أجرني : أغثني. أبا مالك : منادى حذف حرف ندائه.

(٣). الياء في «تزعميني» مفعول أوّل ، وجملة «كنت أجهل فيكم» مفعول ثان.

و «أجهل» مضارع وهو وفاعله خبر كان ، لا أفعل التفضيل. والجهل خلاف الحلم وهو الغضب.

(٤). المعارج (٧٠) : ٦ و ٧.

(٥). محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤٧) : ١٩.

(٦). الممتحنة (٦٠) : ١٠.

(٧). الإسراء (١٧) : ١٠٠ و ١٠١.

(٨). البقرة (٢) : ٢٧٣.

(٩). الرّباح : الربح. والثاقل : الميّت.

(١٠). ماضى «يخال» لا «يخول» بمعنى يتعهّد أو يتكبّر.

(١١). النّكاية : القتل والجرح.

١٠٣

دعاني الغواني عمّهنّ وخلتني

لي اسم فلا أدعى به وهو أوّل (١)

تنبيهات

الأوّل : تسدّ عن المفعولين في هذا الباب «أنّ» و «أن» وصلتهما ، نحو قوله تعالى : (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ)(٢) وقوله تعالى : «وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ».(٣) ويكثر ذلك في «زعم» ، نحو : (قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٤) و (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا)(٥) وك «زعم» «تعلّم» في خصوص «أنّ» ، نحو قول الشاعر :

فقلت : تعلّم أنّ للصّيد غرّة

وإلّا تضيّعها فإنّك قاتله (٦)

الثاني : إذا كانت «رأى» حلميّة ـ أي : للرّؤيا في المنام ـ تعدّت إلى المفعولين ، كما تتعدّى إليهما «رأى» العلميّة ، نحو قوله تعالى : (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) ، (٧) فالياء هو المفعول الأوّل و «أعصر خمرا» جملة في موضع المفعول الثاني.

الثالث : يجوز إجراء القول مجرى الظنّ (٨) فينصب المبتدأ والخبر مفعولين. وذلك بأربعة شروط :

الأوّل : أن يكون الفعل مضارعا.

الثّاني : أن يكون للمخاطب.

الثّالث : أن يكون مسبوقا باستفهام.

الرّابع : أن لا يفصل بين الاستفهام والفعل بغير ظرف ولا جارّ ومجرور ولا معمول الفعل. مثال ما اجتمعت فيه الشروط قول الشاعر :

__________________

(١). «الغواني» : جمع «الغانية» ، وهي المرأة المستغنية بجمالها عن الزينة.

(٢). المجادلة (٥٨) : ١٨.

(٣). التوبة (٩) : ١١٨.

(٤). الجمعة (٦٢) : ٦.

(٥). التغابن (٦٤) : ٧.

(٦). الغرّة : الغفلة.

(٧). يوسف (١٢) : ٣٦.

(٨). وهل يجري القول مجرى الظنّ باقيا على معناه أو لا يجري حتّى يضمّن معنى الظّنّ؟ فيه خلاف. وتظهر ثمرة الخلاف في جريان أحكام أفعال القلوب ـ كالإلغاء والتعليق ـ وعدمه فيجريان فيه على الثاني دون الأوّل.

١٠٤

متى تقول القلص الرّواسما

تحملن امّ قاسم وقاسما (١)

فلو كان الفعل غير مضارع ، نحو : «قال زيد : عمرو منطلق» أو كان مضارعا بغير تاء ، نحو : «يقول زيد : عمرو منطلق» أو لم يكن مسبوقا باستفهام نحو : «أنت تقول : عمرو منطلق» ، لم ينصب مفعولين وكذا إن كان مسبوقا باستفهام لكن فصل بينهما بغير ظرف ولا جارّ ومجرور ولا معمول له ، نحو : «أأنت تقول : زيد منطلق». فإن فصل بأحدها لم يضرّ ، نحو :

أجهّالا تقول بني لؤيّ

لعمر أبيك أم متجاهلينا (٢)

هذا ما ذهب إليه المشهور ولكن قبيلة سليم تجري القول مجرى الظنّ مطلقا ، أي سواء وجدت فيه الشروط المذكورة أم لم توجد.

الرابع : أفعال القلوب تنقسم إلى متصرّفة وغير متصرّفة.

فالمتصرّفة ما عدا «هب» و «تعلّم» فيستعمل منها الماضي ، نحو : «ظننت زيدا قائما» والمضارع ، نحو : «أظنّ زيدا قائما» والأمر ، نحو : «ظنّ زيدا قائما» واسم الفاعل ، نحو : «أنا ظانّ زيدا قائما» واسم المفعول ، نحو : «زيد مظنون أبوه قائما» ، والمصدر ، نحو : «عجبب من ظنّك زيدا قائما». وغير المتصرّف اثنان : «هب» بمعنى ظنّ و «تعلّم» بمعنى اعلم ، فيلزمان الأمر.

أحكام أفعال القلوب

الأوّل : يجب التعليق وهو إبطال العمل لفظا فقط لا محلّا وذلك في ما إذا وقع بعد الفعل «ما» النافية ، نحو قوله تعالى : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ)(٣) أو «إن» النافية ، نحو : (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً)(٤) أو «لا» النافية ، نحو : «علمت لا زيد قائم ولا عمرو». و

__________________

(١). القلص : جمع «قلوص» ، وهي الناقة الشابّة. والرّواسم : جمع راسمة ، من الرسيم ، وهو نوع من سير الإبل السريع.

(٢). المعنى : أتظنّ بني لؤيّ جهّالا أم متجاهلين؟ و «لعمر أبيك» معترض بين المعطوف والمعطوف عليه وهو مبتدأ ، خبره محذوف أي : قسمي.

(٣). الأنبياء (٢١) : ٦٥.

(٤). الإسراء (١٧) : ٥٢.

١٠٥

اشترط ابن هشام في «إن» و «لا» تقدّم قسم ملفوظ به أو مقدّر. (١)

وكذلك يعلّق الفعل إذا وقع بعده لام الابتداء ، نحو : «وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ».(٢)

أو الاستفهام ، سواء تقدّم على المفعول الأوّل ، نحو : «علمت أزيد قائم أم عمرو» أم كان المفعول اسم استفهام ، نحو : (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى)(٣) أم اضيف إلى ما فيه معنى الاستفهام ، نحو : «علمت أبو من زيد». أمّا إذا كان الاستفهام في الثاني ـ نحو : «علمت زيدا أبو من هو؟» ـ فقال ابن مالك في شرح الكافية : «فالأرجح نصب الأوّل».

وعدّ ابن مالك من المعلّقات لام القسم ، كقول الشاعر :

ولقد علمت لتأتينّ منيّتي

إنّ المنايا لا تطيش سهامها (٤)

وأبو على الفارسى «لعلّ» ، نحو قوله تعالى : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى)(٥) وبعضهم «لو» وجزم به ابن مالك في التسهيل ، نحو :

وقد علم الأقوام لو أنّ حاتما

أراد ثراء المال كان له وفر (٦)

اعلم أنّ الجملة المعلّق عنها العامل في موضع نصب ولهذا يجوز العطف عليها بالنصب ، نحو : «ظننت لزيد قائم وعمرا منطلقا».

الثاني : يجوز الإلغاء في المتصرّف من أفعال هذا الباب وهو إبطال العمل لفظا ومحلّا وذلك إذا تأخّر الفعل ، نحو : «زيد قائم ظننت» أو توسّط ، نحو : «زيد ظننت قائم». هذا ـ أي الجواز ـ مذهب الجمهور. وذهب الأخفش إلى أنّ هذا الإبطال على سبيل

__________________

قال بعضهم : ليس هذا من باب التعليق في شيء ، لأنّ شرط التعليق أنّه إذا حذف المعلّق تسلّط العامل على ما بعده فينصب مفعولين ، نحو : «ظننت ما زيد قائم» فلو حذفت «ما» لقلت : «ظننت زيدا قائما» والآية الكريمة لا يتأتّى فيها ذلك.

ولعلّه مخالف لما هو كالمجمع عليه ـ من أنّه لا يشترط في التعليق هذا الشرط ـ وتمثيل النحويّين للتعليق بالآية الكريمة وشبهها يشهد لذلك. راجع : شرح ابن عقيل (١) : ٤٣٨.

(١). أوضح المسالك (١) : ٣١٧.

(٢). البقرة (٢) : ١٠٢.

(٣). الكهف (١٨) : ١٢.

(٤). المنيّة : الموت ، وجمعه المنايا. «تطيش» : من «طاش السهم عن الغرض» ، أي : جاز ولم يصبه. والسّهام : جمع السّهم.

(٥). عبس (٨٠) : ٣.

(٦). ثراء المال : كثرة المال. الوفر : الكثير.

١٠٦

اللزوم. وعلى الجواز فإلغاء المتأخّر أولى من إعماله وفي المتوسّط خلاف ؛ قيل : «إعماله أولى» وقيل : «هما سواء». أمّا إذا تقدّم الفعل فلا يجوز الإلغاء عند البصريّين فلا يقال : «ظننت زيد قائم». وجوّزه الكوفيّون والأخفش واستدلّوا بقول الشاعر :

كذاك ادّبت حتّى صار من خلقي

أنّي وجدت ملاك الشّيمة الأدب (١)

وأوّل على تقدير لام الابتداء أو ضمير الشأن ، والتقدير على الأوّل : «لملاك الشّيمة» ، فهو من باب التعليق لا الإلغاء ؛ وعلى الثاني : «وجدته» ، أي : الشأن ، فلا إلغاء ولا تعليق. (٢)

تنبيه : يختصّ الإلغاء بأفعال هذا الباب.

أمّا التعليق ففيه خلاف. قال ابن عصفور : «لا يعلّق فعل غير علم وظنّ حتّى يضمّن معناهما». وقال ابن هشام في المغني : «لا يختصّ التعليق بباب ظنّ بل هو جائز في كلّ فعل قلبي». (٣)

وفي همع الهوامع : «الحق بالأفعال المذكورة في التعليق ـ لكن مع الاستفهام خاصّة ـ أبصر وتفكّر وسأل ونظر ، نحو قوله تعالى : «يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ».(٤)

وزاد ابن مالك ما قارب المذكورات من الأفعال التي لها تعلّق بفعل القلب ، نحو : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ) ، (٥) لأنّ «استنبأ» بمعنى «استعلم» فهي طلب للعلم. وأجاز يونس تعليق كلّ فعل غير ما ذكر ، وخرّج عليه قوله تعالى : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) ، (٦) واجيب بأنّ الضمّة بناء لا إعراب.

الثالث : يجوز بالإجماع حذف المفعولين في هذا الباب اختصارا ـ أي لدليل ـ نحو : (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) ، (٧) أي : تزعمونهم شركائي. أمّا حذفهما اقتصارا ـ أي

__________________

(١). الملاك : قوام الشيء. الشّيمة : الخلق.

(٢). فالفعل عامل على التقديرين. قال الصبّان في بيان الفرق بينهما : «إنّ الفعل على تقدير ضمير الشأن عامل في محلّ كلّ من المفعولين على حدته ـ أعني : ضمير الشأن المقدّر والجملة بعده ـ وعلى تقدير لام الابتداء عامل في محلّ الجملة السادّة مسدّ المفعولين».

(٣). مغني الأديب (٢) : ٢٥.

(٤). الذّاريات (٥١) : ١٢.

(٥). يونس (١٠) : ٥٣.

(٦). مريم (١٩) : ٦٩.

(٧). القصص (٢٨) : ٦٢.

١٠٧

لغير دليل ـ فعن سيبويه والأخفش المنع مطلقا وعن الأكثرين ـ ومنهم ابن مالك ـ الإجازة مطلقا. وعن الأعلم الجواز في أفعال الظنّ دون أفعال العلم.

ويمتنع بالإجماع حذف أحدهما اقتصارا وأمّا اختصارا فمنعه بعضهم وأجازه الجمهور ، كقوله :

ولقد نزلت فلا تظنّي غيره

منّي بمنزلة المحبّ المكرم (١)

أي : فلا تظنّي غيره واقعا.

الرّابع : يجوز أن يكون فاعلها ومفعولها ضميرين لشيء واحد ، نحو : «علمتني منطلقا» ، بخلاف سائر الأفعال ، فلا يقال : «ضربتني» ، بل يقال : «ضربت نفسي».

القسم الثاني : أفعال التصيير

وهي تدخل على المبتدأ والخبر فتنصبهما مفعولين لها ، كأفعال القلوب ، ولكن ليس فيها معنى العلم أو الظنّ ولا يجري فيها أحكام هذه الأفعال ، كالإلغاء والتعليق. وعدّها بعضهم سبعة وهي : «صيّر» ، نحو : «صيّرت زيدا قائما» و «جعل» ، نحو قوله تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً)(٢) و «وهب» ، نحو : «وهبني الله فداك» و «تخذ» ، نحو :

تخذت غراز إثرهم دليلا

وفرّوا في الحجاز ليعجزوني (٣)

و «اتّخذ» كقوله تعالى (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً)(٤) و «ترك» ، نحو :

وربّيته حتّى إذا ما تركته

أخا القوم واستغنى عن المسح شاربه (٥)

__________________

(١). المعنى : أنت عندي بمنزلة المحبّ المكرم فلا تظنّي غير ذلك واقعا.

(٢). الفرقان (٢٥) : ٢٣.

(٣). قوله «غراز» اسم واد منع من الصرف لقصد البقعة وهو مفعول أوّل و «دليلا» مفعول ثان و «إثرهم» ـ أي : عقيبهم ـ منصوب على الظرفيّة. والضمير في «فرّوا» يرجع إلى «بني لحيان» في البيت السابق وكذا الضمير في «إثرهم». وكلمة «في» بمعنى إلى.

(٤). النساء (٤) : ١٢٥.

(٥). قوله : «واستغنى عن المسح شاربه» : كناية عن كبره واستقلاله بنفسه.

١٠٨

و «ردّ» ، كقوله تعالى : «وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً».(١)

__________________

(١). البقرة (٢) : ١٠٩.

قال ابن مالك :

انصب بفعل القلب جزئي ابتدا

أعني : رأى خال علمت وجدا

ظنّ حسبت وزعمت مع عدّ

حجا درى وجعل اللّذ كاعتقد

وهب تعلّم والتي كصيّرا

أيضا بها انصب مبتدا وخبرا

وخصّ بالتّعليق والإلغاء ما

من قبل هب والأمر هب قد ألزما

كذا تعلّم ولغير الماض من

سواهما اجعل كلّ ما له زكن

وجوّز الإلغاء لا في الابتدا

وانو ضمير الشّأن أو لام ابتدا

في موهم إلغاء ما تقدّما

والتزم التّعليق قبل نفي «ما»

و «إن» و «لا» لام ابتداء أو قسم

كذا والاستفهام ذا له انحتم

لعلم عرفان وظنّ تهمه

تعدية لواحد ملتزمه

ول «رأى» الرّؤيا انم ما لعلما

طالب مفعولين من قبل انتمى

ولا تجز هنا بلا دليل

سقوط مفعولين أو مفعول

وك «تظنّ» اجعل «تقول» إن ولي

مستفهما به ولم ينفصل

بغير ظرف أو كظرف أو عمل

وإن ببعض ذي فصلت يحتمل

واجري القول ك «ظنّ» مطلقا

عند سليم ، نحو : «قل ذا مشفقا»

١٠٩

أعلم وأرى وما ضمّن معناهما

تدخل الهمزة على «علم» و «رأى» من أفعال القلوب فيتعدّيان إلى ثلاثة مفاعيل ، لأنّهما قبل دخول الهمزة كانا يتعدّيان إلى مفعولين ، نحو : «علم زيد عمرا منطلقا» و «رأى خالد بكرا أخاك» فلمّا دخلت عليها همزة النقل زادتها مفعولا آخر وهو الذي كان فاعلا قبل دخول الهمزة ، نحو : «أعلمت زيدا عمرا منطلقا» و «أريت خالدا بكرا أخاك». ف «زيدا» و «خالدا» مفعول أوّل وهو الذي كان فاعلا قبل دخول الهمزة. (١)

ويثبت للمفعول الثاني والثالث من مفاعيل «أعلم وأرى» ما ثبت لمفعولي «علم ورأى» ، من كونهما مبتدأ وخبرا في الأصل ومن جواز الإلغاء والتعليق بالنسبة إليهما ، ومن جواز حذفهما أو حذف أحدهما. أمّا المفعول الأوّل منها فلا يجوز تعليق الفعل عنه ولا إلغاؤه. ويجوز حذفه إن دلّ عليه دليل. والأكثر على جوازه لغير دليل أيضا مع ذكر المفعولين. ويجوز حذف الثلاثة لدليل كما صرّح بذلك ابن مالك في شرح التسهيل. ويستفاد من كلام بعضهم جواز ذلك لغير دليل أيضا.

هذا ما يتعلّق ب «أعلم» و «أرى» المتعدّيين إلى مفعولين قبل دخول الهمزة ، أمّا إذا كانا قبل دخول الهمزة يتعدّيان إلى واحد ـ كما إذا كان «رأى» بمعنى أبصر و «علم» بمعنى عرف ـ فإنّهما يتعدّيان بعد الهمزة إلى مفعولين ، نحو : «أريت زيدا عمرا» و «أعلمت زيدا الحقّ».

وهذان المفعولان حكمهما حكم مفعولي «كسا» و «أعطى» في جواز حذفهما أو أحدهما لدليل أو لغير دليل ، تقول : «فلان يعطي الدنانير» من غير ذكر المعطى له ، و

__________________

(١). هذا هو شأن الهمزة وهو أنّها تصيّر ما كان فاعلا مفعولا ، فإن كان الفعل قبل دخولها لازما صار بعد دخولها متعدّيا إلى واحد ، نحو : «خرج زيد وأخرجت زيدا» ، وإن كان متعدّيا إلى واحد صار بعد دخولها متعدّيا إلى اثنين ، نحو : «لبس زيد جبّة وألبست زيدا جبّة» ، وإن كان متعدّيا إلى اثنين صار متعدّيا إلى ثلاثة ، كما تقدّم في «أعلم» و «أرى».

١١٠

«فلان يعطي الفقير» ، من غير ذكر المعطى ، وتقول : «فلان يعطي» من غير ذكر المعطى والمعطى له ، إذ يستفاد من مثله فائدة. وهكذا تفعل في «أعلم» و «أرى» ، إذا كانا متعدّيين إلى المفعولين.

والثاني منهما كالمفعول الثاني من مفعولي «كسا» و «أعطى» في كونه غير الأوّل ، نحو : «أريت زيدا الهلال» ، فالهلال غير زيد كما أنّ الجبّة غيره في نحو : «كسوت ـ أو أعطيت ـ زيدا جبّة» ، وفي امتناع إلغائه. واستثنى بعضهم التعليق فيه وإن لم يجز في ثاني مفعولي «كسا» و «أعطى» ، ومثّل له بقوله تعالى : «رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى».(١)

قد يقال : يصحّ كون «كيف» اسما معربا مجرّدا من الاستفهام ، هي المفعول الثاني مضافة إلى الفعل بعدها على حدّ (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) ، (٢) أي : «أرني كيفيّة إحياءك».

وألحق جماعة من النحويين ب «أعلم» و «أرى» في التّعدية إلى ثلاثة : «أنبأ ونبأ وأخبر وخبّر وحدّث». (٣) تقول : «أنبأت زيدا عمرا فاضلا» ، بمعنى : أعلمته ، (٤) وكذلك تفعل في البواقي. (٥)

__________________

(١). البقرة (٢) : ٢٦٠.

(٢). المائدة (٥) : ١١٩.

(٣). قال ابن مالك في شرح التسهيل : «إنّ أولى من ذلك ـ يعني : من نصب نبّأ وأخواته الثلاثة ـ أن يحمل المفعول الثاني منها على نزع الخافض والثالث على الحال». وعلى هذا تكون هذه الأفعال الخمسة متعديّة إلى واحد.

(٤). الكثير في الأمثلة الواردة في الكتب النحويّة أن تكون فيها تلك الأفعال الخمسة مبنيّة للمجهول وأن يقع أوّل المفاعيل الثلاثة نائب فاعل ويبقى الثاني والثالث مفعولين ، نحو :

وانبئت قيسا ولم أبله

كما زعموا خير أهل اليمن

حتّى قال ابن الخبّاز : «لم أظفر بفعل متعدّ لثلاثة إلّا وهو مبنيّ للمفعول».

(٥). قال ابن مالك :

إلى ثلاثة رأى وعلما

عدّوا إذا صارا أرى وأعلما

وما لمفعولي علمت مطلقا

للثّان والثّالث أيضا حقّقا

وإن تعدّيا لواحد بلا

همز فلاثنين به توصّلا

والثّان منهما كثاني اثني كسا

فهو به في كلّ حكم ذو اتّسا

وكأرى السابق نبّأ أخبرا

حدّث أنبأ كذاك خبّرا

١١١

قال ابن هشام : (١) وإنّما أصل هذه الخمسة أن تتعدّى لاثنين ؛ إلى الأوّل بنفسها وإلى الثاني بالباء أو عن ، نحو قوله تعالى : (أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ)(٢) و (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ)(٣) و «نَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ». (٤) وقد يحذف الحرف ، نحو : «مَنْ أَنْبَأَكَ هذا». (٥)

__________________

(١). شرح شذور الذهب : ٣٧٦.

(٢). البقرة (٢) : ٣٣.

(٣). الأنعام (٦) : ١٤٣.

(٤). الحجر (١٥) : ٥١.

(٥). التّحريم (٦٦) : ٣.

١١٢

الفاعل

عرّفه ابن الحاجب في الكافية بأنّه «اسم اسند إليه الفعل أو شبهه وقدّم عليه على جهة قيامه به».

فالاسم يشمل الصّريح والمؤوّل به ، قال الله تعالى : «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ». (١)

والمراد بشبه الفعل كلّ ما يعمل عمل الفعل ، كاسم الفاعل والصفة المشبهة وغيرهما.

واحترز ب «قدّم عليه» من المبتدأ نحو : «زيد» في «زيد قام» حيث إنّه ممّا اسند إليه الفعل ـ لأنّ الإسناد إلى ضمير شيء إسناد إليه في الحقيقة ـ لكنّه مؤخّر عنه.

إن قلت : «المبتدأ في قولك «قائم زيد» يدخل في حدّ الفاعل ؛ لأنّ المسند قدّم عليه».

فأجيب بأنّ المسند مؤخّر تقديرا وتقديمه كلا تقديم.

وقد يقال : «المراد تقديمه عليه وجوبا ، فلا يرد النقض».

وخرج بقوله «على جهة قيامه به» النائب عن الفاعل ؛ فإنّه وإن صدق عليه أنّه اسم اسند إليه الفعل أو شبهه وقدّم عليه لكنّه ليس على جهة قيامه به بل على جهة وقوعه عليه. (٢)

أحكام الفاعل

للفاعل أحكام :

الأوّل : الرفع ، وقد يجرّ ، كما إذا اضيف إليه المصدر ، نحو قوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)(٣) أو دخل عليه حرف جرّ زائد ، نحو : «أَنْ تَقُولُوا ما

__________________

(١). الحديد (٥٧) : ١٦.

(٢). قال ابن مالك :

الفاعل الّذي كمرفوعي أتى

زيد منيرا وجهه نعم الفتى

(٣). البقرة (٢) : ٢٥١.

١١٣

جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ» (١) ونحو : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) ، (٢) والفاعل في ذلك مرفوع محلّا.

الثاني : وجوب تأخير الفاعل عن رافعه نحو : «قام الزيدان» و «زيد قائم غلاماه» و «قام زيد» ولا يجوز تقديمه على رافعه ، فلا تقول : «الزيدان قام» ولا «زيد غلاماه قائم» ولا «زيد قام» على أن يكون «زيد» فاعلا مقدّما. هذا ما ذهب إليه البصريّون. وذهب الكوفيّون إلى جواز التقديم في ذلك كلّه.

وتظهر فائدة الخلاف في غير صورة الإفراد ؛ فتقول على مذهب الكوفيّين : «الزيدان قام» و «الزيدون قام» ؛ وعلى مذهب البصريّين يجب أن تقول : «الزيدان قاما» و «الزيدون قاموا» فتأتي بألف وواو في الفعل ويكونان هما الفاعلين.

الثالث : عدم جواز حذفه وحده (٣) على ما ذهب إليه الجمهور. وأجاز الكسائي حذفه تمسّكا بنحو قوله تعالى : (كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ)(٤) وحديث «لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» ، (٥) وردّ بأنّ الفاعل مستتر لا محذوف ؛ ففي «بلغت» ضمير راجع إلى «الروح» المعلومة من السياق وفي «يشرب» ضمير يعود إلى «الشارب» الذي دلّ عليه الفعل.

__________________

(١). (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). المائدة (٥) : ١٩.

(٢). النساء (٤) : ٧٩.

(٣). أمّا حذفه مع رافعه فيجوز لدليل ، نحو : «نعم» في جواب من قال : «هل قام زيد؟». واستثنى بعض النّحاة من عدم جواز حذف الفاعل مواضع ، منها :

أ. باب النائب عن الفاعل ، نحو : «ضرب بكر».

ب. الاستثناء المفرّغ ، نحو : «ما قام إلّا زيد».

ج. فاعل فعل الجماعة المؤكّدة بالنون ، نحو : «اضربنّ».

د. فاعل المصدر ، نحو : «سقيا ورعيا».

وغير ذلك. وفي المقام بحث. راجع لتحقيق البحث : التصريح على التوضيح وحاشية الصبّان على شرح الاشموني. وكذا يجوز حذف الفعل وحده إذا دلّ عليه دليل ، كما إذا قيل لك : «من قرأ؟» فتقول : «زيد». والتقدير : «قرأ زيد». وإلى هذا أشار ابن مالك بقوله :

ويرفع الفاعل فعل أضمرا

كمثل «زيد» في جواب «من قرا».

(٤). القيامة (٧٥) : ٢٦.

(٥). من لا يحضره الفقيه (٤) : ٢٢.

١١٤

الرابع : وجوب تجريد عامله من علامة التثنية والجمع ، إذا اسند إلى ظاهر مثنّى أو مجموع ، تقول : «قام الزيدان» و «قام الزيدون» و «قامت الهندات» كما تقول : «قام زيد». هذه هي اللّغة المشهورة. ومذهب طائفة من العرب أنّ الفعل إذا اسند إلى ظاهر مثنّى أو مجموع ، يجوز إلحاق علامة التثنية أو الجمع به. فتقول : «قاما الزيدان» و «قاموا الزيدون» و «قمن الهندات» ، فتكون الالف والواو والنون حروفا تدلّ على التثنية والجمع ، كما كانت التاء في «قامت هند» حرفا تدلّ على التأنيث عند جميع العرب. والاسم الذي بعد الفعل المذكور مرفوع به ، كما ارتفعت «هند» ب «قامت». (١)

الخامس : تأنيث العامل إذا كان الفاعل مؤنّثا. وذلك على وجهين : واجب وجائز.

أ. يجب تأنيث العامل في موضعين :

أحدهما : أن يسند إلى ضمير متّصل راجع إلى مؤنّث حقيقي أو مجازي ، نحو : «هند قامت» و «الشمس طلعت». فإن كان الضمير منفصلا لا يؤنّث العامل ، نحو : «هند ما قام إلّا هي».

الثاني : أن يسند إلى ظاهر متّصل حقيقيّ التأنيث ، نحو : «قامت هند».

ب. يجوز تأنيث العامل وعدمه في أربعة مواضع :

أحدها : أن يسند إلى ظاهر مجازي التأنيث ، نحو : «طلع الشّمس» و «طلعت الشّمس».

ثانيها : أن يسند إلى ظاهر حقيقي التأنيث منفصل من العامل بغير «إلّا» ، نحو : «جاءت اليوم هند» و «جاء اليوم هند» والتأنيث أكثر. أمّا إذا كان الفاصل «إلّا» فلم يجز التأنيث عند الجمهور ، سواء كان المؤنث حقيقيّا أم مجازيّا ، فتقول : «ما قام إلّا هند» و «ما طلع إلّا الشمس». (٢) وذهب ابن مالك إلى جواز التأنيث على قلّة وخصّه الجمهور بالشعر.

__________________

(١). ويعبّر عن هذه اللغة بلغة «أكلوني البراغيث». وحمل عليه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يتعاقبون فيكم ملائكة باللّيل وملائكة بالنّهار». (المجموع ، لمحيي الّدين النووي : ١٥ / ٤٠).

ومن النحويين من يحمل ما ورد من ذلك على أنّه خبر مقدّم ومبتدأ مؤخّر. ومنهم من يحمله على إبدال الظاهر من المضمر.

(٢). واستدلّ عليه بأنّ العامل مسند في المعنى إلى مذكّر ؛ فقولنا «ما قام إلّا هند» يقدّر ب «ما قام أحد إلّا هند».

١١٥

ثالثها : أن يسند إلى جمع تكسير ، نحو : «قام الرجال وقامت الرجال» و «قام الهنود وقامت الهنود» أو اسم جمع ، نحو : «جاء قوم وجاءت قوم» و «جاء نسوة وجاءت نسوة» أو اسم جنس (١) نحو : «أورق الشّجر وأورقت الشّجر». فالتّأنيث لتأوّله بالجماعة والتّذكير لتأوّله بالجمع.

أمّا الجمع السالم فقال ابن هشام ـ وفاقا لسيبويه وجمهور البصريين ـ : «إنّ سلامة نظم الواحد في جمعي التصحيح أوجبت التذكير في نحو : «قام الزيدون» والتأنيث في نحو : «قامت الهندات» ، خلافا للكوفيين فيهما وللفارسي في المؤنث». (٢)

رابعها : أن يكون العامل «نعم» أو أخواتها واسند إلى مؤنث ، نحو : «نعم المرأة هند» و «نعمت المرأة هند». (٣)

السادس : الأصل في الفاعل أن يتقدّم على المفعول به. ويجب البقاء على هذا الأصل فيما إذا كان الفاعل ضميرا غير محصور ، نحو : «ضربت زيدا» ؛ أو خيف التباس أحدهما بالآخر كما إذا خفي الإعراب فيهما ولم توجد قرينة تبيّن الفاعل من المفعول به ، نحو : «ضرب موسى عيسى» فيجب كون «موسى» فاعلا و «عيسى» مفعولا.

فإذا وجدت قرينة تبيّن الفاعل من المفعول جاز تقديم المفعول وتأخيره ، فتقول : «أكل الكمّثرى يحيى» و «أكل يحيى الكمّثرى» ويجب الخروج عن ذلك الأصل فيما إذا اتّصل بالفاعل ضمير المفعول ، نحو قوله تعالى : «وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ».(٤) أو كان المفعول ضميرا متّصلا والفاعل اسما ظاهرا ، نحو : «ضربني زيد».

ويجب تأخير المحصور ب «إنّما» إجماعا فاعلا كان أو مفعولا ، نحو :

«إنّما ضرب عمرا زيد» أي : لا ضارب له غيره وقد يكون لزيد مضروب آخر ، و «إنّما ضرب زيد عمرا» أي : لا مضروب له غيره وقد يكون لعمرو ضارب آخر.

__________________

(١). راجع لتحقيق معنى اسم الجمع واسم الجنس : شرح الكافية للمحقّق الرضي رحمه‌الله (٢) : ١٧٧ و ١٧٨.

(٢). قال الشاطبي : «ومحلّ الخلاف إذا لم يحصل تغيير فيهما أمّا ما تغيّر منهما ـ كبنين وبنات ـ فيجوز فيه الوجهان اتّفاقا.

(٣). وإنّما جاز التذكير لأنّ الفاعل في باب «نعم» مقصود به الجنس ولفظ الجنس مذكّر ويجوز التأنيث على مقتضى الظاهر.

(٤). البقرة (٢) : ١٢٤.

١١٦

وأمّا المحصور ب «إلّا» ففيه ثلاثة مذاهب :

أحدها ـ وهو مذهب أكثر البصريّين والفرّاء وابن الأنبارى ـ : أنّه إن كان فاعلا امتنع تقديمه ، فلا يجوز «ما ضرب إلّا زيد عمرا» وإن كان مفعولا جاز تقديمه ، نحو : «ما ضرب إلّا عمرا زيد».

الثانى ـ وهو مذهب الكسائي ـ : أنّه يجوز تقديم المحصور ب «إلّا» فاعلا كان أو مفعولا.

الثالث ـ وهو مذهب بعض البصريّين ـ : أنّه لا يجوز تقديم المحصور ب «إلّا» فاعلا كان أو مفعولا.

تنبيه : شاع في لسان العرب تقديم المفعول المشتمل على ضمير يرجع إلى الفاعل المتأخّر ، نحو : «خاف ربّه زيد» ، وإنّما جاز ذلك ـ وإن كان فيه عود الضمير على متأخّر لفظا ـ لأنّ الفاعل متقدّم رتبة. (١)

__________________

(١). قال ابن مالك :

وبعد فعل فاعل فإن ظهر

فهو وإلّا فضمير استتر

وجرّد الفعل إذا ما اسندا

لاثنين أو جمع ك «فاز الشّهدا»

وقد يقال سعدا وسعدوا

والفعل للظّاهر بعد مسند

ويرفع الفاعل فعل اضمرا

كمثل «زيد» في جواب من قرا

وتاء تأنيث تلي الماضي إذا

كان لانثى ك «أبت هند الأذى»

وإنّما تلزم فعل مضمر

متّصل أو مفهم ذات حر

وقد يبيح الفصل ترك التاء في

نحو «أتى القاضي بنت الواقف»

والحذف مع فصل بإلّا فضّلا

ك «ما زكا إلّا فتاة ابن العلا»

والحذف قد يأتي بلا فصل ومع

ضمير ذي المجاز في شعر وقع

والتّاء مع جمع سوى السالم من

مذكّر كالتّاء مع إحدى اللّبن

والحذف في نعم الفتاة استحسنوا

لأنّ قصد الجنس فيه بيّن

والأصل في الفاعل أن يتّصلا

والأصل في المفعول أن ينفصلا

وقد يجاء بخلاف الأصل

وقد يجى المفعول قبل الفعل

وأخّر المفعول إن لبس حذر

أو اضمر الفاعل غير منحصر

وما بإلّا أو بإنّما انحصر

أخّر وقد يسبق إن قصد ظهر

١١٧

النائب عن الفاعل (١)

قد يحذف الفاعل (٢) فينوب عنه ـ في أحكامه ـ أربعة أشياء :

١ ـ المفعول به ، نحو قوله تعالى : «وَقُضِيَ الْأَمْرُ».(٣)

وإذا كان الفعل متعديّا إلى مفعولين وكان من باب «أعطى» فالجمهور على جواز نيابة المفعول الثاني إذا امن اللّبس ، نحو : «أعطي درهم زيدا». وحكي عن بعضهم منع إقامة الثاني مطلقا وعن بعض آخر المنع إن كان نكرة والأوّل معرفة.

وإذا كان من باب «ظنّ» أو كان متعدّيا إلى ثلاثة مفاعيل فالّذي اشتهر عند النحويين امتناع إقامة الثاني. وذهب جماعة إلى الجواز إذا امن اللّبس ولم يكن جملة ولا ظرفا ، كقولك في : «جعل الله ليلة القدر خيرا من ألف شهر» : «جعل خير من ألف شهر ليلة القدر». أمّا الثالث من المتعدّي إلى ثلاثة مفاعيل فنقل ابن هشام الخضراوي الاتّفاق على منع إقامته ، وليس كذلك ، ففي المخترع جوازه عن بعضهم.

٢ ـ الظرف ، بشرط أن يكون متصرّفا مختصّا ، (٤) نحو : «صيم يوم الجمعة» ، و «جلس أمام الأمير» ، بخلاف غير المتصرّف ، نحو : «عند» و «إذا» وبخلاف غير المختصّ ، نحو :

__________________

(١). وهو الذي يعبّر عنه ب «مفعول ما لم يسمّ فاعله». قال ابن هشام : «والتعبير بالنائب عن الفاعل أولى لوجهين :

أحدهما : أنّ النائب عن الفاعل يكون مفعولا وغيره كما سيأتي.

والثاني : أنّ المنصوب في قولك «اعطي زيد دينارا» يصدق عليه أنّه مفعول للفعل الذي لم يسمّ فاعله وليس مقصودا لهم». شرح شذور الذهب : ١٥٩.

(٢). وهذا الحذف يكون لغرض لفظيّ كالإيجاز أو معنوي كالعلم به والجهل والإبهام والتعظيم والتحقير و...

(٣). البقرة (٢) : ٢١٠.

(٤). الظرف المتصرّف هو ما يفارق النصب على الظرفيّة والجرّ ب «من». والمختصّ هو ما خصّص بشيء من أنواع الاختصاص ، كالإضافة والصفة والعلميّة.

١١٨

«يوم» و «مكان». هذا ما ذهب إليه الجمهور. وأجاز الأخفش «جلس عندك». (١)

٣ ـ الجارّ والمجرور ، بشرط ألّا يكون الجارّ علّة (٢) وأن يكون المجرور معرفة أو نحوها ، نحو : «سير بزيد».

٤ ـ المصدر ، بشرط أن يكون متصرّفا (٣) لغير التوكيد ، نحو قوله تعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ)(٤) بخلاف غير المتصرّف ، نحو : «معاذ الله» وبخلاف المؤكّد ، فلا يقال : «ضرب ضرب» في «ضربت ضربا». (٥)

وهل يجوز نيابة غير المفعول به مع وجوده؟

ذهب البصريّون ـ إلّا الأخفش ـ إلى المنع ، وذهب الأخفش إلى الجواز فيما إذا تقدّم غير المفعول به ، نحو : «ضرب ضرب شديد زيدا» ، والكوفيّون إلى الجواز مطلقا.

تنبيه : حكم المفعول القائم مقام الفاعل حكم الفاعل فكما أنّه لا يرفع الفعل إلّا فاعلا واحدا ، كذلك لا يرفع إلّا مفعولا واحدا ؛ فلو كان للفعل معمولان فأكثر أقمت واحدا منها مقام الفاعل ونصبت الباقي. (٦)

__________________

(١). بالنصب على الظرفيّة ويكون حينئذ في محلّ رفع فليست الدّال مضموما كما توهّم ؛ إذ الأخفش لا يقول بخروجه عن ملازمة الظرفيّة وإنّما الخلاف في نيابته عن الفاعل وعدمها فالأخفش جوّز نيابة الظرف غير المتصرّف مع بقائه على النصب. صرّح به الدماميني.

(٢). قال الصبّان : «لأنّه مبنيّ على سؤال مقدّر فكأنّه من جملة اخرى وبهذا يعلّل منع نيابة المفعول لأجله والحال والتمييز».

(٣). المصدر المتصرّف هو ما يفارق النصب على المصدريّة.

(٤). الحاقّة (٦٩) : ١٣.

(٥). علّله المحقّق الرضي رحمه‌الله باستغناء «ضرب» عن «ضرب» ، لدلالته على الضرب. ويجب أن يكون النائب عن الفاعل كالفاعل في إفادة ما لم يفده الفعل.

(٦). قال ابن مالك :

ينوب مفعول به عن فاعل

فيما له كنل خير نائل

وقابل من ظرف أو من مصدر

أو حرف جرّ بنيابة حري

ولا ينوب بعض هذي إن وجد

في اللفظ مفعول به وقد يرد

وباتّفاق قد ينوب الثّان من

باب كسا فيما التباسه امن

في باب ظنّ وأرى المنع اشتهر

ولا أرى منعا إذا إذا القصد ظهر

وما سوى النّائب ممّا علّقا

بالرّافع النّصب له محقّقا

١١٩

تعدّي الفعل ولزومه

الفعل التامّ (١) على قسمين : متعدّ ولازم.

المتعدّي : هو الفعل الذي يصل إلى مفعوله بغير حرف جرّ ، وذكروا له علامتين :

الأوّل : أن يتّصل به ضمير راجع إلى غير مصدره ، نحو : «عمل» فإنّك تقول : «الخير عملته» ، بخلاف ضمير المصدر فإنّه يتّصل بالمتعدّي واللازم ، نحو : «الضرب ضربته زيدا» و «القيام قمته».

الثاني : أن يبنى منه اسم مفعول تامّ ، ك «ضرب» فإنّك تقول : «مضروب». والمراد بالتمام الاستغناء عن حرف جرّ ؛ فلو صيغ منه اسم مفعول مفتقر إلى حرف جرّ فهو لازم ، نحو : «غضبت على عمرو» ، فهو مغضوب عليه.

وحكم الفعل المتعدّى أن ينصب مفعوله إن لم ينب عن فاعله ، نحو : «تدبّرت الكتب» ، فإن ناب عنه وجب رفعه كما مرّ.

والفعل المتعدّى ـ كما تقدّم ـ على ثلاثة أقسام :

أ. ما يتعدّى إلى مفعول واحد ، ك «ضرب».

ب. ما يتعدّى إلى مفعولين ، وهي قسمان :

أحدهما : ما كان أصل المفعولين فيه المبتدأ والخبر ، ك «ظنّ» وأخواتها.

والثاني ما ليس أصلهما ذلك ، ك «أعطى» و «كسا».

الثالث : ما يتعدّى إلى ثلاثة مفاعيل ، ك «أعلم» و «أرى» ، قال تعالى : «إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ».(٢)

اللازم : وهو الفعل الذي لا مفعول له ، نحو : «قام زيد» أو يصل إلى مفعوله بحرف

__________________

(١). خرج به غير التامّ ، نحو «كان» وأخواتها ، فهي لا يوصف بتعدّ ولا لزوم.

(٢). الأنفال (٨) : ٤٣.

١٢٠