موسوعة قرى ومدن لبنان - ج ٦

طوني مفرّج

وقته شيخ الطريقة الخلوتية ببيروت ، وإليه ترجع أسرة أبي النصر اليافي المعروفة ، ولما انتقل إلى جوار ربه انتقلت مشيخة الزاوية إلى ولده الشيخ محيي الدين الذي تولى الإفتاء في بيروت ، ثمّ إلى ولده الآخر الشيخ محمّد. وقد أجاز الشيخ عمر صهره الشيخ أحمد طبّارة ١٢١٧ ه‍ / ١٧٩٢ م. وهو الجد الثالث لأسرة طبارة المعروفة بالطريقة الخلوتية ، وهي إحدى الطرق الصوفيّة التي كانت منتشرة في بيروت ، كالشاذليّة ومن أقطابها الشيخ مصطفى نجا مفتي الجمهورية اللبنانيّة ، وقد شرح هذه الطريقة في كتابه" تنوير الأفكار" ، والقادريّة ومن أقطابها الشيخ محمد المجذوب ، والرفاعيّة ومن أقطابها في بيروت الشيخ مصطفى الرفاعي.

زاوية إبن العرّاق : أقامها محمّد بن العراق الدمشقي سنة ١٥١٧ ، وقد تمّ إبرازها سنة ١٩٩٥ بعد إزالة ما أحاط بها من أبنية وحوانيت تسبّبت بطمسها لسنوات طويلة.

سور بيروت وأبوابه وأبراجه

بيروت القديمة كانت صغيرة ضيّقة الرقعة ، لا تزيد مساحتها على المليون متر مربّع ، تقوم داخل سور يبدأ من قلعتها القديمة الواقعة عند الشاطئ في الشمال الشرقيّ للمرفأ الحديث ، ويمتدّ صعودا جنوبا بشرق فيجتاز باب الدباغة وسوق سرسق إلى غرب ساحة الشهداء عند مدخل سوق أبي النصر شرقي الكاتدرائيّة المارونيّة ببضعة أمتار ، ويمتدّ غربا إلى محلّة السور بمحاذاة بناية العسيلي إلى تمثال اليازجي في الجنوب الغربيّ ، ثمّ يمتدّ شمالا إلى باب إدريس ويصل إلى ميناء الخشب ، عند المرفأ القديم. وكان سور بيروت على شكل هندسيّ اتّبعه الكنعانيّون والحثّيّون في بناء الأسوار

٦١

حول مدنهم ، ويختلف عمّا ألفه المصريّون ، إذ كان يعلوه أبراج متقاربة ، واجهاتها من الحجر ، وهذا ما جعل بعض المؤرّخين يذهبون إلى أنّ عهد السور يعود إلى عصر الكنعانيّين والحثيّين.

كانت جدران السور سميكة ومرتفعة وخالية من الثّقوب والفجوات. يبلغ ارتفاعها نحو خمسة أمتار ، وهو ارتفاع كاف لحماية المدينة والحامية من خطر تسلّق الأسوار ، أمّا سماكة جدران السور فكانت تناهز الأربعة أمتار عند القاعدة ، ثمّ تقلّ مع ارتفاع الجدران حتّى تنقص إلى ثلاثة أمتار في أعلاها. وقد لجأ الأقدمون ، لحماية هذه الجدران من النبش والهدم ، إلى إقامة أبراج فوق السور يلجأ إليها جنود الحامية ومنها كانوا يصبّون قذائفهم على المقتحمين.

الأبواب.

كان لسور بيروت ثمانية أبواب مصفّحة بالحديد هي : باب الدبّاغة ، باب السرايا ، باب أبي النصر ، باب الدركاه أو الدركة ، باب يعقوب ، باب ادريس ، باب السنطيّة ، وباب السلسة. ومن تقاليد زمن تلك الأبواب أنّ كلّا من أعيان المحلّة كان مولجا بأمر بابها ، ومكلّفا بنفقة مصباح معلّق إلى جانب الباب الخارجيّ ، ينيره عشيّة النّهار ، فيقفل الباب عند مغيب الشمس ويودع المفتاح عند متسلّم البلد حتّى الصباح. وكان حفّاظ الأبواب يحرزون شرفا بهذه المهمة. وكانت القوافل التي تفد ليلا إلى بيروت تضطر إلى الانتظار خارج المدينة حتى يفتح الباب صباحا ، وكانت الإقامة خارج سور بيروت لا تخلو من الأخطار بسبب غزوات اللصوص. خطرة. أمّا تلك الأبواب فكانت موزّعة على طول السور ، وقد اكتسبت أسماءها من صفات المواقع التي كانت تقع فيها ، وهي التالية :

٦٢

باب الدباغة : كان في ناحية الشرق الشمالية من المدينة. وسمي بذلك لأنّه على خطى قليلة من سوق الدبّاغين أو محلّة الدباغة. وكان هذا الباب أكثر أبواب المدينة ازدحاما بالمارّة ، وكان التجّار من أصحاب القوافل القادمة من البرّ يختارونه من البر لقربه من الميناء ، وتجنّبا لاجتياز أسواق بيروت الضيّقة ومنعطفاتها الملتوية. وكان عند هذه الباب مركز تحصيل ضرائب المكوس على البضائع الصادرة والواردة.

باب السرايا : أطلق عليه هذا الإسم لقربه من سرايا فخر الدين التي تهدمت سنة ١٨٨٢ م. وكان موقعه جنب بناية دعبول.

باب أبي النصر : كان على مقربة من المكان الذي كان يقوم فيه المقهى المعروف بقهوة القزاز في ساحة الشهداء لجهة كاتدرائيّة مار جرجس المارونيّة ومدخل سوق أبي النصر من ناحية ساحة الشهداء. وينسب هذا الباب ، كما السوق ، إلى المرشد الأكبر أبي الوفاء الشيخ عمر أبي النصر اليافي الذي كان السلطان عبد الحميد قد وهبه الأرض التي قامت عليها سوق أبي النصر التي سمّيت باسمه. وكان الشيخ عمر من أقطاب الطريقة الخلوتيّة البكريّة ، وهي إحدى الطرق الصوفيّة التي شاعت يومئذ وكان لها أثر بالغ في نشر الشعائر الدينيّة في بيروت.

باب الدركاه أو باب الدركة : أصل اسمه" دركاه" والكلمة تركيّة ومعناها" فندق". كان موقع هذا الباب عند الزاوية الغربيّة لشارع المعرض لجهة الجنوب. وكان أنيق البناء ، عالي الأركان ، حجارته صلدة ذات ألوان طبيعيّة مختلفة ، جلبت من أرجاء البلاد ، وقد عدّ يومئذ أجمل أبواب بيروت. وذكر مؤرّخون أنّ ابراهيم باشا المصري دخل مدينة بيروت من هذا الباب ، وشقّ طريقه إلى السرايا في موكب فخم تظلّله أقواس النصر ومعالم الزينة والقباب.

٦٣

باب يعقوب : اختلف المؤرّخون في نسبته ، فبعضهم يقول إنّ بانيه أحمد باشا الجزار حاكم عكّا ، وينسبه آخرون إلى طبيب من صيدا يدعى يعقوب أبيلا كان يسكن دارا تلاصق جداره ؛ أمّا المعلّم بطرس البستاني فينسبه قطعا إلى يعقوب الكسرواني الذي كان يملك دارا فوقه. وفي الروايات الشعبيّة أنّ يعقوب الكسرواني كان ماردا يقطع الطرق فقتل في نهر الكلب ودفن في ساحة ذلك الباب الذي نسب إليه. موقع هذا الباب كان جنوب شارع فخر الدين ، وقد بقيت قنطرته قائمة حتّى هدم مباني الأسواق مؤخّرا.

باب ادريس : كان لجهة الغرب حيث لا تزال المحلّة تعرف بباب ادريس ، وهو منسوب إلى رجل من أسرة ادريس البيروتيّة كان يملك منزلا يتّصل بجدار الباب عند مفترق طرق تلك المحلّة. وقد هدمته الشركة الفرنسيّة عند ما عهد إليها توسيع أسواق المدينة وشق طريق بيروت ـ دمشق سنة ١٨٥٩ م.

باب السنطيّه أو الصانطيّة : هو أصغر أبواب بيروت ويقع جنب مقبرة السنطيّة لذلك سمّي بها. وكلمة السنطيّة محرّفة عن TERRA SANTA اللاتينيّة ومعناها الأرض المقدّسة ، وكان الأقدمون يطلقون هذه التسمية على تلك البقعة. غير أنّ بعض الباحثين لم يوافق على هذا التعليل. وقد ذكر صالح بن يحيى اسم هذا الباب في تاريخ بيروت" برج الصنبطيّة" ، وقد اجتهد بعضهم في تفسير معنى كلمة الصنبطيّة فردّها إلى" السنبطيّة" نسبة إلى بلدة" سنباط" من دون أن يذكر موقعها.

باب السلسلة : يقع لجهة الشمال ، بين برجي الفنار والسلسلة ، وقد عرف بهذا الإسم لأنّ سلسلة حديد كانت تعترض دخول الميناء ، وكان عليها الحرّاس والأمناء يمنعون المراكب من العبور إلّا بعد الحصول على الإذن الرسميّ. وذكر المؤّخون أنّ عاصفة هو جاء قد هدمت هذا الباب سنة ١٨٤٩ م.

٦٤

الأبراج.

البرج الكشّاف : كان موقعه" مقهى الباريزيانا" ، في أوّل شارع غورو شمالا. انتقلت ملكيّته في تاريخ لبنان الحديث إلى آل تيّان وآل الكنفاني وآل النقّاش الذين بنوا في مكانه بحجارته سوق التيّان وخان الكنفاني ومقهى الزهرة الذي كان فوقه مقهى الباريزيانا. أطلق عليه هذا الإسم لأنّه كان عاليا ، ومنه ينكشف للرائي ما لا ينكشف من مكان آخر. ويبدو أنّه خرب قديما إذ لم يكن منه في عصر ابراهيم باشا المصريّ غير درجات من الصخر المنحوت. اختار الأمير فخر الدّين المعنيّ هذا البرج منتزها ، فكان يكثر من زيارته ليجلس في" منظرته" المطلّة على أراضي الساحل الخصبة ، فتؤنسه مشاهد البساتين الخضراء ، وزرقة البحر ، وبياض جبل صنّين المكلّل بالثّلج. وذكر بعض المؤرّخين أنّ بقايا درج برج المكشوف قد شوهدت عام ١٨٠٨ ، وأنّ هذا البرج كان يحاذي بستان فخر الدّين من الجهة الجنوبيّة الشرقيّة.

البرج الكبير : كان يقع شمال بستان فخر الدّين. وبحسب صاحب تاريخ بيروت صالح بن يحيى أنّ هذا البرج قد بني في أيّام السلطان الظاهر برقوق أوّل المماليك البرجيّين ١٣٨٢ ـ ١٣٩٩ على قاعدة برج من أبراج القلعة القديمة الخربة. وظنّ باحثون أنّه قد قامت في موضعه سرايا الحكومة الصغيرة التي هدمتها البلديّة سنة ١٩٥٠ ، وكان قد بناها في سنة ١٨٨٣ ـ ١٨٨٤ بشارة أفندي الدبّ ، مهندس ولاية بيروت ، بعد هدم سرايا فخر الدّين سنة ١٨٨٢.

برج الخضر : كان بالقرب من جامع الخضر في محلّة الكرنتينا ، لم نجد ذكرا لتاريخ بنائه.

٦٥

برج أبي حيدر : أصل اسمه برج أبي هدير ، وبعد تحريف الإسم إلى برج أبي حيدر أصبحت المحلّة التي كان يقوم فيها تعرف باسمه ، وكان موقعه عند الجهة الشماليّة لدار سماحة المفتي المرحوم الشيخ مصطفى نجا ، وفي مجال تعليل سبب تسميته قيل إنّه كان يسمع من هذا البرج صوت يشبه الهدير بسبب علوّه ونفوذ الريح في مخارقه ، فسمّي ببرج أبي هدير. أمّا نحن فنعتقد أنّه منسوب إلى أسرة أبي هدير الموحّدة الدرزيّة التي لا يزال منها سلالة في نيحا الشوف ، وهي من بني خميس ، تربطها صلة نسب بعائلات غيث وفرحات وزويني وورد وأبو زين وعزّام وحسام الدين ، ولأسرة أبي هدير فرع في باتر ، والرّاجح أنّ جدود هذه الأسرة كانوا من حماة الثغور في بيروت. وقد تمّ العثور مؤخّرا أثناء الحفريّات على أوان فخاريّة صغيرة الحجم في منطقة برج أبي حيدر ، يعتقد أنّها تعود إلى العهد العثماني ، إذ شقّ فيها الأتراك سراديب أرضيّة تصلها بالمناطق المجاورة يوم بنوا فيها البرج ، كما أنّ الأحجام الصغيرة تشير إلى أنّ هذه القطع كانت تستخدم لتخزين العطور ومستحضرات التجميل. وقد بنى الأتراك في المحلّة مدرسة لتعليم الفتيات الخياطة والتطريز والأعمال اليدويّة ، وتمّ هدم المدرسة ١٩٥٣ بعدما اشترت مصلحة مياه بيروت العقار وشيّدت فيه خزّانات للمياه.

برج العريس : كان موقعه غربي محلّة البسطا التحتا ، وما زالت آثاره قائمة حتّى اليوم ، وكان يتّصل بمغارة قديمة يقال إنّها نافذة إلى محلّة المزرعة ، والواضح أنّه منسوب إلى أسرة العريس البيروتيّة ذات الأصول المغربيّة ، والتي منها أحمد العريس عضو مجلس ديوان بيروت في عهد ابراهيم باشا المصري ، وأحمد بك العريس معاون مفوّض الشرطة في العهد العثماني ، وغيرهما العديد من أصحاب المراكز الحسّاسة في تاريخ بيروت.

٦٦

برج الحصن : كان في محلّة ميناء الحصن التي تسمّيها العامّة خطأ" ميناء الحسن". أمّا نسبة المحلّة فإلى هذا البرج الذي كان يعرف بالحصن.

برج دندن : منسوب إلى الأمير دندن شقيق الأمير فيّاض الذي جاء مع الأمير فخر الدّين المعنيّ عند عودته سنة ١٦١٨ من مدينة طرابلس وبلاد جبيل والبترون ، وكان هذا البرج في زمن ابراهيم باشا المصريّ أطلالا دارسة ، موقعه قرب" كركول العبد" على طريق الشام.

البرج الجديد : كان موقعه على ربوة إزاء الكنيسة الإنجيليّة في محلّة باب يعقوب جنوبيّ السرايا الكبيرة.

برج البوّاب : كان موقعه في رأس بيروت على الشاطئ. ليس من معلومات حول نسبته. نحن نعتقد أنّه منسوب إلى أسرة البوّاب البيروتيّة الأرناؤوطيّة الأصل ، والتي منها الحاج سليم البوّاب عضو لجنة تحرير الأملاك في ولاية بيروت.

برج شعبان : كان موقعه في محطّة الديك. وقد اختلف الباحثون بين قائل إنه منسوب إلى أسرة شعبان السنيّة وقائل بأنّه منسوب إلى أسرة شعبان الموحّدة الدرزيّة. نحن نميل إلى الرأي الأخير من منطلق أنّ الأسرة الموحّدة الدرزيّة كانت تقيم في بيروت قبل انتقالها إلى الشويفات ، وهي من عشيرة شعبان التي كانت تقيم في أحد أقضية حلب ، انتقل جدودها إلى بيروت في العصر العبّاسي للمحافظة على الثغور.

برج شاتيلا : كان موقعه جنوبيّ غربيّ منارة بيروت الحاليّة. وقد ذكر الرحّالة الفرنسيّ دارفيو في سنة ١٦٦٠ برجا عاليا على الشاطئ قرب المنارة ، وقال إنّ الرقيب الحارس يظلّ فيه صباح مساء ، ليعطي الإشارة عن اقتراب السفن

٦٧

إلى اليابسة. نحن نعتقد بأنّ هذا البرج منسوب إلى أسرة شاتيلا البيروتيّة التي انتقلت إلى بيروت قديما من وادي التيم مع آل الحمرا الذين نسب إليهم شارع الحمرا ، وهي الأسرة التي تنسب إليها محلّة شاتيلا في بيروت.

برج البعلبكيّة : موقعه قرب الميناء ، سمّي باسمه نسبة إلى الجنود الذين كانوا يحلّون فيه إبدالا ، يأتي كلّ بدل من بعلبك كلّ سنة للغزو في البحار والدفاع عن الثغور.

برج حمّود : موقعه كان في المنطقة المنسوبة إليه اليوم جنوبي بيروت ، وقد ذكر باحثون أنّ جدود آل حمّود في بيروت ذوو الأصول المغربيّة الأندلسيّة ، قد انتقلوا إلى بيروت والساحل اللبناني بتكليف من الخلفاء للمشاركة في حماية الثغور من الهجمات الصليبيّة ، وكان منهم قادة على ثغر بيروت ، وإليهم تنسب منطقة برج حمّود شمال بيروت.

أبنية الشهابيّين واللمعيّين

والعماديّين والتلاحقة

من آثار الأمراء الشهابيّين في بيروت : خان الملاحة ، أقامه الأمير ملحم شهاب ؛ قيسارية الأروام ، أنشأها الأمير يوسف شهاب ؛ قيساريّة الأمير منصور شهاب ؛ قيسارية الصاغة ، أنشأها الأمير علي شهاب ؛ قيسارية الأمير يونس شهاب ؛ القيسارية العتيقة ، لزوجة الأمير أحمد الشهابي وكان يقال لها أم دبّوس ولها البرج المستدير بجانب السور ؛ برج طاقة القصر ، بناه أو تملّكه الأمير منصور شهاب ؛ البرج الجديد الذي فوق طاقة القصر ، للأمير مراد إبن الأمير منصور شهاب ؛ وبالقرب منه دار للأمير علي شهاب ؛ وتحته دار للأمير حسين شهاب ؛ وتحتها دار للأمير بشير شهاب السمين متّصلة بالمدينة

٦٨

بالقرب من بابها ؛ قيسارية البارود ، بناها الأمير سليمان أبي اللمع ؛ القيسارية التي في رأس سوق العطارين ، بناها الشيخ عبد السلام العماد ؛ القيسارية التي بالقرب من القيسارية العتيقة ، بناها الشيخ شاهين تلحوق.

المرفأ

يقع مرفأ بيروت في الجهة الشماليّة من المدينة. إشتهر منذ القدم بأنّه من أصلح الموانئ الملائمة لرسو السفن على الشاطئ الشرقيّ للبحر الأبيض المتوسّط ، وكانت السفن ترسو قديما في داخله ، فيضع عليها أبناء بيروت" الأصقالات" وهي ألواح عريضة من الخشب ، ليستعملها المسافرون جسرا للنزول إلى البرّ ، وإنزال البضائع إلى الرصيف. أمّا السفن الكبيرة ، فكانت تقف ، في الصيف ، تجاه المدينة ، وتضطرّ في الشتاء إلى اللجوء إلى الخليج الواقع عند رأس الخضر ، أو عند مصبّ نهر بيروت للاحتماء من مهبّ الرياح. وكان يدلّ على مرفأ بيروت برجان يسمّى أحدهما برج الفنار ، يقوم على صخرة منفردة فوقها فنار ، بينما يتّصل البرج الآخر باليابسة برصيف هدمته عن آخره عاصفة هو جاء سنة ١٨٤٩ ويسمّى برج السلسلة. وكان البرجان متقابلين ، تقوم بينهما سلسلة من حديد معترضة ، فلا سبيل إلى الداخل للميناء ولا إلى الخارج منه إلّا بعد حطّها ، وكان عليها الحرّاس والأمناء ، فلا يدخل داخل ولا يخرج خارج إلّا بعلم منهم. وكانت منازل الأجانب وقناصل الدول الأوروبيّة المختلفة تقوم على الضفّة الجنوبيّة للميناء ، بينما كان إلى الغرب ميناء الخشب ، وميناء القمح ، وميناء البصل ، وميناء البطّيخ ، وما يزال يطلق ، إلى اليوم الحاضر ، على المكان الواقع خلف مصرف سوريا ولبنان ، اسم ميناء الخشب ، وميناء القمح ، وميناء البصل ، وسمّي بذلك ليدلّ على المكان الذي يباع فيه الخشب والقمح والبصل. وكانت قلعة بيروت مقرّ

٦٩

الحامية ، وقد اشتهرت بمناعتها ، وكانت تسيطر على موقع الميناء ، وتقوم في الجنوب الشرقيّ من مدخل المرفأ فوق محلّة الخارجة. وبين ١٨٨٩ و ١٨٩٤ تمّ تحديث ميناء بيروت بشكل جذريّ. وفي العام ١٩٣٤ تمّ تدشين أحواض جديدة في المرفأ. واستمرّ توسيع المرفأ وتحديثه منذ الاستقلال ، وبالرغم من الأضرار التي لحقت بأحواضه وعنابره في خلال الحرب الأهليّة ، فقد أعادت الحكومة اللبنانيّة ترميمه وتوسيعه وتحديثه ، وهو اليوم مرفق اقتصادي من الدرجة الأولى ، يشكّل ما نسبته ٧٠% إلى ٧٥% من مجمل النقاط الجمركيّة البريّة والبحريّة ، كما أنّه مصدر مهمّ للنقد النادر الذي يساهم في سد عجز الميزان التجاري.

حرج بيروت

المقصود بحرج بيروت هو غابة صنوبرها الشهيرة بصنوبر بيروت. وقد ذكر الأب لامنس عن هذه الغابة في مجلّة المشرق أنّ بعض السيّاح الغربيّين قد نسب هذه الغابة إلى الأمير فخر الدين المعني ، وأوّل من عزاها منهم إليه الكاتب الفرنسي" دارفيو" الذي كان قنصلا في صيدا وزار بيروت سنة ١٦٦٠. وأكّد لامنس على خطأ هذه المقولة وذكر أنّ هذه الغابة غاية في القدم ، وإن صحّ أنّ اسم بيروت مشتقّ من" بروتا" الكلدانية والسريانية ، ومعناه الأصلي" السرو" وربّما دلّ على الشربين والصنوبر ، فتكون غابة بيروت قديمة قدم المدينة نفسها. بل قيل إنّها كانت تحفة جماليّة سبقت ولادة بيروت وعاصرت تحوّلات لبنان. والبعض روى أنّ البيروتيّين قد عبدوا أشجار الحرج في ذاتها بعدما كانت مكرّسة على اسم الإلهة عشتروت. وفي الأساطير أنّ الغابة شهدت معارك بين الإلهين باخوس ونبتون وغيرهما. ومن الشهادات التي تدلّ على قدم هذه الغابة ، أنّ" ننّوس" ، أحد شعراء اليونان

٧٠

الذين إشتهروا في القرن الرابع للمسيح ، كتب ثماني واربعين قصيدة وصف بها أخبار الإله باخوس ، وفي قصيدته الثانية والأربعين قد كرّر مرارا ذكر غابة صنوبر بيروت ، فقال : إنّ الإله باخوس ضاع مع آلهة الاولمب في قلب تلك الغابة الكثيفة. وقال جورج يزبك في محاضرة القاها في بيروت سنة ١٩٢٣ : قد نسب البعض تحريج تلك الغابة لفخر الدين ، ونسبها غيرهم لإبراهيم باشا قائد المصريين ، مع أنّها وجدت قديما في أيّام الصليبيّين والعرب والرومان. ولم تسلم الغابة من ضربات التّاريخ ونكباته. فمؤرّخ الحروب الصليبيّة" غاليدموس" أورد أنّ الصليبيّين لمّا حاصروا بيروت أوائل القرن الثّاني عشر ، أعدموا الصنوبرات العملاقة بمناشيرهم وصنعوا من أخشابها أدوات للحرب. ويعود لتلك الغابة الفضل بصدّ الرمال عن المدينة في أدوار حياتها المجيدة. وهذا ما دعا القوم للمحافظة عليها وتجديدها في كلّ تلك العهود ... أمّا الكاتب والجغرافي الشهير المعروف بالشريف الإدريسي المتوفي سنة ٥٧٥ ه‍ / ١١٨٠ م. فقد وصف غابة بيروت في القرن الثاني عشر في كتابه" نزهة المشتاق في أخبار الآفاق" بيروت بأنّ لها غيضة من أشجار الصنوبر سعتها إثنا عشر ميلا في التكسير تتصل إلى تحت لبنان. وجاء في كتاب معاصره غليلموس الصوري أنّ الصليبيّين لمّا حاولوا محاصرة مدينة بيروت عمدوا إلى هذه الغابة فقطعوا منها الأخشاب اللّازمة لتجهيز المجانيق وادوات الحرب. وروى صاحب تاريخ بيروت صالح بن يحيى أنّ الأمير الكبير يلبغا العمري تقدّم في سنة ٧٦٧ ه‍ / ١٣٦٧ م. إلى الأمير بيدمر الخوارزمي بالتوجه إلى بيروت ليعمّر من غابتها مراكب كثيرة. كما رأى غابة بيروت بعد صالح بن يحيى أحد الزوّار الألمان سنة ١٤١١ وذكر أنّ مساحتها كانت نحو ميلين ، ومن شأن هذا أنّ يدلّ على أنّ الغابة كانت قد صغرت كثيرا غير أنّها كانت لا تزال معروفة إلى ذلك العهد. ذلك

٧١

أنّ الأتراك قد استخدموا أشجارها وقودا لتسيير القطارات. وذكرت دراسات أنّ مساحة الحرج كانت ١٢ ميلا مربّعا ، فتراجعت سنة ١٦٣٢ إلى ميل واحد. وقد يكون فخر الدين قد سعى إلى صيانتها وتوسيعها فنسب خطأ إليه أمر غرسها من الأساس ، ذلك أنّ المرحلة الأكثر اخضرارا في تاريخ الغابة كانت مع هذا الأمير الذي خصّها بعنايته بعدما قرّر جعل بيروت مقرّا لإدارته ، وانتدب لتشجيرها وتحسينها أحد المهندسين الإيطاليّين لتكون منتزها جميلا. وقد وصف الشاعر الفرنسي لامرتين غابة صنوبر بيروت بقوله : رأيت من هذه الغابة منظرا يبهر النظر ويخلب اللّب. فإنّ جذورها تبلغ بين ستّين وثمانين قدما ، وهي تحلّق في الجوّ منتصبة فتمدّ ، من عل ، أفنانها الباسقة ، وتظلّل بظلّها الوارف ذلك السهل بسعته. وترى بين الجذور فسحة من الرمل الناعم تمرّ في وسطه السابلة وتتجارى فيه خيل الرهان ... وكل هذه المشاهد البهيّة يحفّ بها في الأفق بقاع مخصبة ويشرف عليها جبل لبنان ذو القمم البهية الشاهقة ، يزيّن منعطفه عدد وافر من القرى والضياع الجميلة المنظر. وترى مع ذلك للشمس نورا ساطعا يروق العين ويمكنها من رؤية أدقّ محاسن لبنان ... فلعمر الحق أنّ هذه الغابة أجمل وابدع ما وقعت عليه أبصاري في حياتي جمعاء. لكنّ هذا الحرج دفع غاليا ضريبة الحرب الذي عصفت بلبنان في الربع الأخير من القرن العشرين ، إذ قطعت منه أشجار عمرها أكثر من مائتي عام ، وإبّان الإجتياح الإسرائيلي طاوله القصف الجوّي والبرّي وأصاب أشجاره بخسائر فادحة بلغت نحو تسعين في المئة بحسب تقرير دائرة الحدائق في بيروت. أمّا اليوم فالاخضرار عاد إليه بعدما عزّز بشتول جديدة نصبت إلى جانب شقيقاتها الشامخات ، وتتوسّط الحرج واحة مزروعة نخيلا إضافة إلى مساحات من النّباتات المتنوّعة. وحتّى مطلع ١٩٩٩ أصبح الحرج يضمّ ٤٠ ألف شجرة صنوبر تتوزّع على مساحة ٣٠٠

٧٢

ألف م ٢. وقد ساهمت فرنسا في إعادة تأهيل الحرج وتشجيره وزرعت أوّل شجرة في حرمه سنة ١٩٩٣. وقد أصبح حرج بيروت أشهر منتزه عند ما بنى الوالي العثماني عزمي بك" طوق الحديقة" في الحرب العالميّة الأولى ، وهو عبارة عن" كازينو" عرف مع الإنتداب الفرنسي سنة ١٩١٨ ب" قصر الصنوبر".

قصر الصنوبر

تعود ملكية" قصر الصنوبر" في الأساس إلى المجلس البلدي لمدينة بيروت ، وفي مطلع القرن العشرين ، استثمر ألفرد سرسق الأرض التي شيّد عليها القصر مدة خمسين سنة بموجب اتّفاق تمّ بينه وبين أمين بيهم رئيس بلدية بيروت آنذاك ، على أن تعود ملكيّته بعد مضيّ المدّة المتفق عليها إلى البلديّة ، وعليه ، أعطي سرسق رخصة البناء الممهورة بتوقيع عزمي بك ممثّل السلطنة العثمانيّة ، وكان الهدف أساسا من إنشاء هذا القصر أن يكون ملتقى سياحيّا قريبا من ميدان سباق الخيل. وبعد سقوط الحكم العثماني وقيام الإنتداب الفرنسي تحوّل القصر مركزا لقيادة الإنتداب ، وقد قطنه المندوب السامي الأوّل الجنرال غورو وأعلن منه دولة لبنان الكبير في الأوّل من أيلول ١٩٢٠ ، وفي شتاء السنة نفسها ، استكملت فرنسا غابة الصنوبر المحاذية لمدّة خمسة وأربعين عاما. وفي ١٩٦٧ اتّفق لبنان وفرنسا على أن تمتلك فرنسا الغابة لقاء التخلّي عن أراض تمتلكها في محلة الكرنتينا ، وقد أصرّ الفرنسيون على حيازة ملكية قصر الصنوبر لجملة أسباب منها : ـ أنه يمثّل لفرنسا اعتبارات خاصّة متعلّقة بمسار الإنتداب تاريخيّا. ـ إنّ إدارة البلاد الواقعة تحت الإنتداب تمّت في أروقته وفي غرفه الكثيرة. ـ أنّه استضاف الجنرال غورو ، أوّل المندوبين السامين وشارل دي مارتيل آخرهم.

٧٣

ومع توالي الأيّام أصبح" قصر الصنوبر" مخصّصا لإقامة السفير الفرنسي ، وعند نشوب الحرب الداخليّة عام ١٩٧٥ تعرّض القصر للعديد من القذائف التي دمّرت جوانب عدّة منه ، الأمر الذي حدا بالسفير إلى مغادرته. ثمّ استقرّت فيه قيادة المراقبين الفرنسيّين. ويشار هنا ، إلى أن الدولة الفرنسية قدّمت قطعة كبيرة من الأرض أنشئت عليها سوق شعبية في محلة المزرعة ، ممّا جعل المنطقة مزدهرة تجاريا. وتصف ريما زهار حالة القصر اليوم ، بأنّه إلى جهته الخارجيّة الشرقيّة مساحة مغطّاة بالعشب قبالة درج المدخل ، توزّعت فيها أحواض كبيرة من الزهور ، وخصّصت للإستقبالات الكبرى. وإلى الغرب مسبح وملعب لكرة المضرب ومساحة مخصّصة للمشي تحميها أشجار صنوبر وأوكاليبتوس ، وإلى جانبها المباني الملحقة المخصّصة للحرس والخدم والتي تحوي مرائب سيارات ومراكز للتفتيش ، وقد بدت عصريّة بأجهزتها وصحونها اللاقطة. وتفصل عن الخارج بوابة سوداء كبيرة مزخرفة بأسلوب شرقيّ نقش عليها نجوم من ذهب مختلفة الأحجام ، وعلى جانبي البوّابة وفي وسطها أربعة أعمدة مزينة. أمّا هندسة القصر من الداخل فتشكّل نموذجا في فنّ العمارة العثمانيّة القديمة. وهو يمتدّ على مساحة حوالى ١٣ هكتارا ، بدءا بالسور الخارجي المرمّم بكامله مرورا بالحديقة وصولا إلى الغرف والممرّات الداخليّة التي يحمل تصميمها أبعادا فنيّة جماليّة. المبنى بطبقتيه تزيّنه الحجارة الصفراء ، وهناك تسع درجات عريضة تؤدّي إلى ممرّ خارجي ، حوله قناطر اتّكأت على أعمدة كلّلتها زخرفة شرقيّة. واللمسات الشاعريّة على الواجهة الخارجيّة لا تكتمل إلّا ببعض نقوش وكتابات منها : " أقلّ الناس قيمة أقلّهم علما"." إعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا" ، " ربّ أخ لك لم تلده أمك" ، " المرء يصونه قلبه ولسانه". ويتألّف المدخل من قنطرة عالية وباب خشبيّ ضخم مزخرف باسلوب عربيّ طوله ١٥ مترا وعرض كل دفّة منه

٧٤

متران ونصف المتر. وقد عاد إلى مكانه بعدما أخفي في الحرب نظرا إلى قيمته الفنّية والتراثيّة. وإلى جانب دفّته اليسرى لوحة رخام تخلّد إعلان لبنان الكبير. وقريبا ترتفع إلى جانب الدفّة اليمنى لوحة كبيرة صوّر فيها الفنّان فيليب موراني الجنرال غورو على مدخل القصر ، يحوطه رجال دين وسياسة لبنانيون ، يوم إعلان دولة لبنان الكبير. وإلى يمين رواق الإستقبال الواسع ، الصالون الكبير بأعمدته وسقفه المزخرف بالجفصين. فيه مدفأة شرقيّة كبيرة تزيّنها فسيفساء وحجارة ورخام. وعلى مقربة ، غرفة طعام واسعة. وفي الناحية المقابلة صالونان ، جنوبي عثماني ، أتت الحرب على قسم كبير من الثاني وتمّ ترميمه فعاد نسخة لما كان عليه ، ولا تخطئ العين مكتب السفير وغرفة طعام غير رسميّة. أمّا الدرج الضخم في الرواق الرئيس فيفضي إلى باحة في الطبقة الثانية. في الجهة الشمالية ، إزدانت غرف الرسميّين والضيوف بما يليق بعراقة المكان. وجنوبا ، جناح السفير وعائلته مع صالون وغرفة طعام ومطبخ صغير. وفي الناحية نفسها غرفة كبيرة ومكتب. وتنفتح الطبقة الثانية على شرفات رمّمت بكاملها تطلّ على أحياء العاصمة. أمّا سطح المبنى المكلّل بالحجارة ، فاستقبل أخيرا أجهزة تقنيّة متنوّعة وزّعت بعناية ودقّة لئلّا تشذّ عن الطابع العام. مطابخ القصر ما زالت في مكانها الأصليّ تحت المبنى ، تفاديا لانتشار روائح الطهو في الأرجاء. وثمّة مصعد خاصّ تصل بواسطته الأطباق إلى غرفة الطعام الرئيسيّة في الطبقة الأرضيّة. وإلى جانب المطابخ ، مستودع وغرفتا مؤونة وغسيل. أثاث القصر أنيق ، تزيّنه ثريّات ومدلّيات وقطع أنقذت في الحرب ووزّعت مجدّدا بذوق وعناية. اللّافت فيها تلبيسات خشب عربيّة استقدمت من سوريا وركّبها في الماضي محمد منير خيّاط ، إضافة إلى تلبيسات تركيّة ـ عربيّة موزّعة في الطبقة الثانية تعود إلى ١٧٢٩. خشبيات الصالون غير منقوشة لكنّها عربيّة

٧٥

صرف ، وعمرها قرنان بحسب خبراء اطّلعوا عليها في نيسان ١٩٧٤. ويوم استقدمت هذه المجموعات عند تشييد القصر ، تولّت" مؤسسة جبران طرزي" ترميمها ، ونفّذت ، بناء على طلب آل سرسق ، قطعا أخرى من الخشب ، مثل باب المدخل وبعض الأثاث. وفي ١٤ تمّوز ١٩٩٦ ، أقيم حفل استقبال كبير في حديقة القصر بمناسبة زيارة الرئيس شيراك للبنان بعدما إزدانت واجهته المدمّرة ، وكانت يومها قيد الترميم ، بالأعلام الفرنسيّة واللبنانيّة ...." قصر الصنوبر" عاد اليوم إلى الحياة واستقبل الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي دشّنه بعد إعادة ترميمه. وعاد مقرّا للسفير الفرنسي في لبنان ، وكان أوّل من سكنه بعد الترميم السفير دانيال جوانو.

قصور تراثيّة في بيروت

قصر المخيّش في زقاق البلاط : يقع في منطقة غنيّة ببيوت مماثلة وصفتها دراسة رفعها مهندسون إلى المديريّة العامّة للتنظيم المدني بأنّها نموذج مصغّر عن بيروت القديمة ، ترتدي مبانيها التراثيّة قيمة معماريّة وتاريخيّة كبيرة. يطلّ هذا القصر على ثلاثة شوارع : خليل سركيس ، يوسف الأسير ، وسعيد الشرتوني. بدأ بتشييده أمين باشا المخيش سنة ١٨٨٠ ، على عقار تبلغ مساحته ٢٠٠ ، ١ م ٢ ، وتطلّب إتمامه عشر سنوات. يتألّف من طبقتين ، مساحة الواحدة ٥٠٠ م ٢ ، وتحوطه حديقة كبيرة تتوسّطها بركة رخام ونافورة ماء. أوائل الحرب بدأ أصحابه بترميمه من الداخل واستمرّت الورشة عشرين عاما. ولا يزال بعض أحفاد أمين باشا المخيّش يسكنون في الطبقة العلويّة للمبنى. التخطيط الجديد لمدينة بيروت يطاول الواجهتين الغربيّة والجنوبيّة من القصر ، أي الزاوية المطلّة على شارعي الشرتوني ـ سركيس. لكنّ المؤسّسة الوطنيّة للتراث أكّدت أنهّا ، وبالتعاون مع البلديّات والجمعيّات

٧٦

التراثيّة ، عازمة على رفع الضرر الذي تتسببّ به المشاريع العمرانيّة الجديدة عن المباني والمجموعات التراثيّة.

قصر إبراهيم سرسق : شيّد قصر إبراهيم وليندا سرسق في شارع سرسق خلال العهد العثماني ، ووضع على لائحة الجرد العام للمباني التاريخيّة ١٩٨٣. أثاثه من عهد الإنتداب ، تحفه تجمع بين الطرازين العثماني والإيطالي ، وجداريّاته عثمانيّة. ومن الإنتهاكات التي ارتكبت بحق القصر ما فعلته بلديّة بيروت قبل نحو ثلاثين عاما عند ما هدمت قناطر الجهة الشماليّة لتوسيع الطريق ، واستعاضت عنها بقناطر إسمنت. وتمّ مؤخّرا ترميم القرميد والجهة الجنوبيّة على أن يستكمل تأهيل الشرفات لاحقا. وقد أصدر مجلس شورى الدولة قرارا يقضي بإلغاء صفة التصنيف عن العقار الذي يقوم عليه القصر ، رغم قرار صادر سابقا عن رئاسة مجلس الوزراء رقم ١٢ / ٩٧ يقضي بتجميد هدم نحو ٥٠٠ مبنى تراثي في بيروت ، بينها قصر إبراهيم وليندا سرسق. رئيسة" جمعيّة حماية المواقع الطبيعيّة والمباني القديمة في لبنان" (أبساد) الليدي إيفون سرسق طالبت الدولة بأن تعيد للقصر اعمدته الخارجيّة المزخرفة التي هدمتها بلديّة بيروت في أربعينات القرن العشرين لتوسيع الطريق.

قصر السكريني ـ أنجلوبولو في القنطاري : بنى هذا القصر أواسط القرن التاسع عشر يواكيم نجّار ، ثمّ ملكه من طريق الشراء رجل يوناني من آل السكريني ، كان قنصلا لسبع دول في بيروت ، في مقدّمها الدانمارك. عرف هذا القصر المجد إذ كان أحد أبرز الصالونات السياسيّة والدبلوماسيّة في بيروت أربعينات وخمسينات القرن العشرين. أنجب القنصل السكريني ابنة تزوّجها جان أنجلوبولو الذي ورث عن السكريني منصب قنصليّة الدانمارك

٧٧

في الشرق ، فيما ورثت زوجته القصر الذي أصبح مقرّا رسميّا للقنصليّة. الزوجان مهاجران. والقصر يسكنه حرّاسه.

قصر آل الخوري في البطركيّة : يعود قصر آل الخوري في طرازه المعماري الفريد إلى أسلوب مستحدث في أواسط القرن التاسع عشر ، شيّده سنة ١٨٦٠ بشارة أنطوان الخوري (ت ١٩١٢) وسكنه آل مفرّج وهو اليوم ملك آلان سيرج الخوري. واجهة القصر المرتفعة على قناطر وأعمدة رخاميّة بدأت تنهار قبل إخلائه من المهجّرين بحجّة الحفاظ على السلامة العامّة ، وذلك بعد أن صدر عن محافظ بيروت قرار بهدم القصر ، رغم أنّ وزارة الثقافة كانت أدرجته على لائحة جرد المباني التراثيّة والأثريّة في لبنان.

الأسواق القديمة

كان في وسط بيروت ، قبل هدمه لإعادة إعماره ، حوالى ٤٠ سوقا تحمل أسماء منسوبة إمّا إلى نوع البضائع التي كانت تختصّ بها ، أو إلى العائلة التي كانت تملكها ، أو إلى شكلها الجغرافي ، أمّا تلك الأسواق فهي أسواق : أبي النصر ، الأرمن ، الإفرنج ، أياس أو البركة ، البازركان ، البالة ، البرغوت ، البياطرة ، البيض أو الدجاج ، التجّار ، الجميل ، الجوخ ، الجوهرجيّة أو الصاغة أو الصيّاغين ، الحدّادين ، الخرّاطين ، الخضار ، الخمامير ، الخيّاطين ، الدلّالين ، الرصيف ، سرسق أو القماش ، السمك ، سيّور ، الصّاغة أو الصيّاغين أو الذهب ، العتق أو العتقي أو الأنتيكا ، المومسات وتحمل اسما أكثر تداولا ، الطويلة ، العطّارين ، الفشخة ، القزاز ، القطايف ، القطن ، الكندرجيّة أو السكّافين أو الأحذية أو الصرامي ، اللحّامين ، المنجّدين ، النجّارين ، النحاسين أو النحاس ، النرابيج ، النوريّة ، الوقيّة.

٧٨

سوق أياس : شيّد مباني هذه السوق الأثريّة الثري البيروتي الدمشقي الأصل الشيخ محمّد سعيد أياس فحملت اسم عائلته. كانت السوق مخصّصة للمشاة فلا تدخلها السيّارات ، وكانت محلّاتها مخصّصة لبائعي الأقمشة ولوازم الخيّاطين. إشتهرت في وسط سوق أياس" بركة العنتبلي" التي كانت تبيع السحلب والجلّاب والليموناضة المميّزة. ومن هذه السوق كانت تتفرّع مداخل إلى سوق الطويلة عن طريق سلالم حجريّة ، ومخارج إلى سوق الجوخ عن طريق سلالم حجريّة أيضا.

سوق البرغوت : تقع سوق البرغوت في شارع فوش ، في وسط بيروت ، هذا الشارع الذي عاد ينبض مجدّدا بعد غياب طويل ، إذ نظّم فيه مهرجان سوق البرغوت التي جمعت أصنافا عديدة من القطع الأثريّة القديمة والجديدة ، من أثاث ، وتحف ، وثريّات ، ومنحوتات ، وسجّاد ، وفخّاريات ، ونقود ، وفضيّات ، وأوان قديمة. تسمية سوق البرغوت تعود إلى القرش المثقوب الذي كان متداولا أيّام العثمانيّين. فالقرويّون كانوا يقصدون أسواق بيروت ويشترون بهذه بهذه القروش الكثير من حاجياتهم مطلقين عليه إسم" البرغوت" ، ولا علاقة للإسم بحشرة البرغوت.

سوق الجميل : موقعها بموازاة سوق الطويلة ، مؤلّفة من طريق رئيسي وزواريب تتفرّع عنها. حملت اسمها من احتوائها على كلّ ما يختص بالمرأة البورجوازيّة. يحدّها من الشرق شارع ويغان ، من الجنوب شارع اللنبي ، ومن الغرب شارع البطريرك الحويّك ، ومن الشمال جادّة الفرنسيّين. عرفت هذه السوق تغييرا جوهريّا من سوق تقليديّة قديمة إلى سوق ذات طابع أنيق لاتّصالها بالمرفأ والشركات الأوروبيّة ، ما ادّى إلى إغراقها ببضائع ومنتوجات أوروبيّة ، وجعل لها شهرة منذ ما بعد الحرب العالميّة الأولى.

٧٩

سوق الجوخ أو شارع فخري بك :شارع فخري بك يربط شارع طرابلس بشارع اللنبي. إشتهرت سوق الجوخ بتجارة الأقمشة الرجّاليّة وخياطة البدلات الإفرنجيّة. أكثر مبانيها مكسوّة بالحجارة الصخريّة المشابهة لنوع الحجر الغربي ، وتغلب على أبواب المحلّات القباب والقناطر. بالقرب منها تقع مكاتب استيراد وتصدير ، ومصارف وشركات بواخر. وفي نهايتها من الطرف الشمالي كان يقع خان أنطوان بك الذي كان مجمّعا من المكاتب ذات الطبقتين ، العلويّة وهي مكاتب قناصل الدول الأجنبيّة التي لها سفارات في اسطمبول ، والأرضيّة وهي مزارب لعربات القناصل والدواب.

سوق الروشة الشعبيّة : هذه السوق نشأت حديثا خلال الحرب الأهليّة لذلك لم تذكر بين الأسواق القديمة أعلاه ، إكتسبت اسمها من منطقة تمركزها في الروشة ، قامت بديلا عن الأسواق التي عرفت عصر بيروت الذهبي. استمرّت سوق الروشة قائمة بين ١٩٧٦ و ١٩٨٢. وشكّل رصيف منطقة الروشة معرضا شعبيّا لمختلف السلع في محلّات لا تتعدّى مساحة أكبرها العشرة أمتار. وحقّقت السوق مبيعات ضاهت بها أهمّ الأسواق التجاريّة في بيروت ، حتّى غدا الاستثمار في" أكشاك" الروشة فرصة مثلى للتجّار وبعض رجال المال. ونتيجة الوضع غير القانوني للسوق ، نشأ تجمّع تجّار سوق الروشة الذي أنشأ بدوره أوّل تعاونيّة ماليّة عقاريّة من نوعها تولّت شراء عقار في منطقة بئر حسن لبناء سوق جديدة. وتمكّن صغار التجّار في الروشة من استبدال أكشاكهم بمحلّات في مجمّع تجاريّ راق ، بات يشكّل اليوم أبرز نقاط التقاء الطرقات والمداخل الرئيسيّة الجنوبيّة للعاصمة.

سوق سرسق : وهي تعرف أيضا بالسوق القديم ، نسبت إلى آل سرسق الذين تملّكوا أراضيها ، كانت ذات مساحة كبيرة تقلّصت آخر العهد العثماني بعدما

٨٠