موسوعة قرى ومدن لبنان - ج ١

طوني مفرّج

الصليب ، وبنيت كنيسة جديدة ، جرى تدشينها في ١٩٥٨ ، أنشئ بالقرب منها مبنى للمرضى الخصوصيّين دشن ١٩٦٦.

العديد من العيادات الطبيّة والصيدليّات.

المؤسّسات الصناعيّة

أهم صناعاتها : الألبسة ، نقش الأقمشة ، السبيرتو ، الصابون ، العرق ، تكبيس الأزرار ، النجارة ، الحدادة.

مناسباتها الخاصّة

عيد مار الياس ٢٠ تموز.

معرض إنطلياس السنوي للكتاب : تقيمه الحركة الثقافيّة في البلدة ويتخلّله ندوات ومحاضرات.

من إنطلياس

خليل أبو جودة (١٩٠٤ ـ ١٩٩٣) : صحافي وسياسي من أركان الحزب الدستوري ، نائب ووزير سابق ؛ إدوار أبو جودة : مدير عام سابق لوزارة التربية وللأمن العام ؛ د. إميل أبو حبيب : طبيب جراح أعصاب صاحب سبع اختراعات في حقل اختصاصه ، رئيس" الجبهة الأرثذوكسيّة في لبنان" ؛ الشيخ راشد الخازن (م) : شيخ صلح إنطلياس ، أوّل رئيس لبلديّة لإنطلياس وتوابعها ١٨٩٨ ؛ جان داية : مربّ وصحافي وسياسي له مؤلّفات ؛ عاصي حنّا الرحباني (١٩٢٣ ـ ١٩٨٦) : شاعر وموسيقار مبدع شهير ، أسّس وأدار مع أخيه منصور المعروفين بالأخوين رحباني" الفرقة الشعبيّة اللبنانيّة" وشكلا مع فيروز الثالوث الرحباني الشهير الذي أغنى التراث والفنّ اللبنانيّن بالإبداع ، اقترن بنهاد حدّاد ١٩٥٥ التي حملت الإسم الفنّي الشهير" فيروز" الرمز اللبنانيّ في قمّة الغناء الرفيع ، ولهما زياد الرحباني : الفنّان الغنائي والموسيقي

١٢١

والمسرحي الراديكالي الشهير ، وريما الرحباني : المخرجة المسرحيّة التي تقوم حاليّا بإخراج أعمال والدتها ؛ منصور حنّا الرحباني : شاعر وموسيقار مبدع ، شقيق عاصي وشريكه ورفيق دربه في الإبداع ، أبناؤه : مروان وغدي وأسامة الرحباني وجميعهم انتهج عالم الفنّ وبات لهم أعمال تذكر ؛ الياس حنّا الرحباني : موسيقار وفنّان وكاتب ومؤلّف ومنسّق وقائد أوركسترا مبدع ومنتج موسيقي عالمي له نحو ٣٠٠ ، ٣ قطعة موسيقيّة ، من أبنائه الفنّان غسّان الياس الرحباني الذي لمع اسمه في عالم الأغنية الجديدة المبتكرة والمجدّدة ؛ د. معوّض الرمّوز : مربّ وسياسي وأديب وناشط سياسي ، أسّس وأدار ثانويّة الرموز في إنطلياس ، خاض الانتخابات النيابيّة ١٩٩٦ و ٢٠٠٠" ؛ الياس سلامة : مفتّش مركزي ؛ ميشال طعمة : نائب عام تمييزي ، ترأس عدّة محاكم ؛ قبلان سليم مكرزل (١٩١٠ ـ ١٩٩١) : حقوقي وشاعر ومربّ وإداري وكاتب ، جمع العديد من آثار مغاور إنطلياس وحافظ عليها ، له مؤلفات وأكثر من ديوان شعر ؛ سليم قبلان مكرزل : صحافيّ وأديب وشاعر ، له سبعة دواوين ، آخرها : " وجدانيّات ملوّنة" ٢٠٠٠.

١٢٢

أنفه

تلّة العرب

ANFE

TALLIT AL ـ ARAB

الموقع والخصائص

أنفه ، وتتبعها منطقة عقاريّة تعرف بتلّة العرب ، تقع في ساحل قضاء الكورة على مسافة ٧١ كلم. عن بيروت عبر جبيل ـ البترون ـ شكّا ، وعلى مسافة ١٥ كلم عن طرابلس عبر القلمون. مساحة أراضيها ٦١٣ هكتارا يحدّها شمالا البحر ، شرقا أراضي مزرعتي الحريشيّة والبريج التابعتين للقلمون ، وجنوبا حدود بديهون وتمامها شكّا ، وغربا الهري.

لاحظ الخبراء أهميّة البيئة البحريّة عند شاطئ أنفه ، وبيّنت الدراسات الأوليّة أنّ الحقول البحريّة في القاع الممتدّ من جون أنفه إلى محيط المنطقة الأثريّة فيها تتمتّع بخصائص ذات قيمة عالية ونادرة ، تجعل السلسلة الغذائيّة متوازنة في دورة الحياة البحريّة ، فتنوّع النباتات والكائنات المائيّة في ظروف طبيعيّة ملائمة من درجات الضوء والحرارة والنقاوة في وسط بحري متنوّع في تكوينه وتدرّج انحداراته وحركة تياراته ، عوامل متوفرة في بحر أنفه ، وهي تشكل بيئة صالحة لتكاثر الكائنات البحريّة وتوازن بقائها ، لذلك كانت الثروة السمكيّة في البلدة على درجة عالية من الجودة والتنوّع. هذه العوامل تجعل أنفه موقعا مثاليّا لتحويله إلى محميّة بحريّة لبنانيّة. ويقابل رأس أنفه من ناحية الشمال حقول قاعيّة غنيّة بالنباتات والكائنات التي تنتظم بها السلسلة

١٢٣

الغذائية للأسماك ، وهذا ما يشكّل نموذجا بيئيّا نادرا ، وما جعل شواطئ رأس الناطور في أنفه مصيدا ممتازا لا يزال يقصده الصيّادون وهواة اكتشاف البحر. ويتوغّل البحر عند الجهة الجنوبيّة الشرقيّة لرأس الناطور مشكّلا جونا صغيرا تصبّ فيه ساقية شتويّة ما جعل المكان يعرف باسم" النهيرة".

وفي المنطقة الأثريّة عند الشاطئ الصخريّ من أنفه محلة تعرف باسم" تحت الريح" ، هي من أهمّ الرموز البحريّة في البلدة ، وهي بالنسبة لأبنائها حديقة بحريّة عامّة يلتقون عليها لقضاء فصل الصيف في مياهها النقيّة الهادئة. ويعرف جون أنفه محليّا باسم" الصافي" ، وهو نافذة جميلة على المتوسّط أمام الطريق العامّة بين" النهيرة" و" رأس أنفه" الأثري ، شاطئه صخريّ شكله نصف دائريّ جميل التكوين ، تكثر فيه المغاور البحريّة والمساطب العريضة.

ويعيش في صخور شاطئ أنفه" ديك البحر" ، وهو سمك ملوّن مائل إلى الخضرة يقتات بالأسماك الصغيرة والحشرات ، وتنبت في هذا الشاطئ بين أجران الملّاحات عشبة" حشيشة البحر" ذات الأزهار الصفراء والأوراق القرنيّة ، وهي من أعشاب البحر التي تؤكل مكبوسة.

وتعتبر أنفه من المدن الساحليّة التي تستثمر البحر استثمارا جدّيا في كثرة عدد ملّاحاتها التي تنتج كميّات وافرة من الملح ، ويبلغ عدد الزوارق التي يملكها أبناء أنفه ما يقارب السبعين زورقا معظمها تستثمر في صيد الأسماك. أمّا إنتاج الملح في أنفه فتراث اقتصاديّ اجتماعيّ وصورة مميّزة تجسّد التفاعل مع الطبيعة ومدى ارتباط البلدة بالبحر ، وقد أطلق على الملح هنا إسم" الذهب الأبيض" ، فهو ثروة لا تنضب. ويتمّ استخراج الملح هنا بواسطة الملّاحات المعروفة ، ويتمّ تكريره في مصانع قائمة في البلدة. وتمتاز

١٢٤

هذه الحرفة بأنّها تعتمد على مورد طبيعيّ محليّ من دون التسبّب بأيّ نوع من التلوّث أو من تخريب التوازن البيئويّ. وقد جعل" الذهب الأبيض" بلدة أنفه من أغنى بلدات الكورة في تاريخها الاقتصاديّ ، فهي كانت ولا تزال منتجة الملح الأولى في لبنان. أمّا صيد السمك فلا يقل شأنا عن استخراج الملح في أنفه التي من بين أهاليها السبعة آلاف حوالى ثلاثمائة صيّاد ثابت أو موسمي ، والشارع العام في البلدة يحمل اسم" ساحة السمك" ، وتشمل الساحة خمسة مراكز عريقة في استقبال السمك من الصيّادين لبيعه من زبائن يقصدون الساحة من مناطق عديدة.

زراعات أنفه زيتون وحبوب وخضار وعنب وتين ولوز وحمضيّات ، تتغذّى بالمياه من مصدرين : نبع البركة ، ونبع الغير.

عدد سكان أنفه اليوم نحو ٠٠٠ ، ٧ نسمة من أصلهم حوالى ٤٠٠ ، ٢ ناخب ، وعدد وحداتها السكنيّة نحو ٩٠٠ وحدة.

الإسم والآثار

ذكر فريحة أنّ أنفه بلدة قديمة ورد إسمها في رسائل تل العمارنةAM BI ـ وفي النقوش الأشوريةAM ـ PA وسمّاها الكلاسيكيّون TRIARES أي مثلّث الزوايا ، وذكرها الصليبيّون NEPHIN. واعتبر فريحة أنّ معنى الإسم : الوجه ، وفي العبريةAPP تعني الأنف ، ويسمّى الوجه في الساميّات بالأنف على مبدأ تسمية الكلّ ببعضه. وقد سمّاها الإدريسي : أنف الحجر. وكان رأس المسيلحة يعرف بTHEOPROSOPON أي وجه الله ، ولا شكّ في أنّ التسمية الكلاسيكيّة هي ترجمة للإسم السامي الفينيقي PENAY ـ EL أي وجه الله ، ولا

١٢٥

يزال وجه الحجر أسما لبلدة في قضاء البترون قريبة من أنفه. ولا ندري على ماذا اعتمده الأبوان حبيقة وأرملة ليجعلا معنى إسم أنفه" شجرا كبيرا يصنع من ثمره الدبق". أمّا نحن فنعتقد مع الإدريسي أنّ اسمها منسوب إلى رأسها الحجريّ الداخل في البحر على شكل الأنف.

أمّا تلّة العرب فمنسوبة إلى عشيرة العليوت من العشائر السوريّة التي قدمت لبنان منذ زمن بعيد ، وحصلت على الجنسيّة اللبنانيّة وتوطّنت هذه التلّة فنسبت إليها.

عرفت أنفه نشاطا للشعوب التي تعاقبت على الشاطئ اللبنانيّ منذ أقدم الأزمنة وفي مختلف مراحل التاريخ ، وقد تركت تلك الشعوب آثارا لها على شاطئ البلدة كالكهوف والمعابد والصهاريج والدهاليز والأدراج والأبراج ومعاصر الزيت والخمر والمخازن والممرّات والخنادق المحفورة في الصخر. وإنّ كثرة المعاصر وانتشار الجرار الخزفيّة وبقايا الأواني المتنوعة في أشكالها المختلفة في بحر أنفه وبرّها تدلّ على أنّ رأس أنفه وامتداداته البريّة شمالا وجنوبا كانت مركزا صناعيّا تجاريّا ، وتدلّ تحصيناته على أنّه كان أيضا مقرّا للسلطة وحصنا لها.

لا شكّ في أنّ أنفه كانت مقرّا للفينيقيّين مارسوا فيه صناعة السفن وصيد الأسماك والإبحار. والثابت من خلال الآثار أنّها كانت مقرّا للرومان والبيزنطيّين حتّى الفتح العربيّ ، ثمّ أصبحت مقرّا للصليبيّين في حقبة من المراحل التاريخيّة. والدليل على كلّ ذلك الكنائس العديدة التي بناها البيزنطيّون والصليبيّون والتي تهدّم قسم كبير منها ولم يبق قائما منها سوى ثلاث هي : كنيسة سيّدة الريح وكنيسة مار سمعان البيزنطيّتان ، وكنيسة القدّيسة كاترينا الصليبيّة. فقد سقطت حلبا وأنفه والبترون بيد" برتراند"

١٢٦

الصليبيّ بعد طرابلس مباشرة التي سقطت سنة ١١٠٨ بيد" وليم جوردان" ، وحكمت أنفه عائلة رينوار ثمّ انتزعها منها كونت مالطا الجنوي. وقد بنى الصليبيّون حصنا في أنفه كمركز مراقبة وحماية. وفي الحقبة الصليبيّة استوطن أنفه وعموم الكورة عائلات أرثذوكسيّة. وتحدثّت المصادر التاريخيّة عن أنّ موارنة بشرّي ومسيحيّي الكورة ومعظمهم من الملكيّين الأرثذوكس ، تعاونوا مع القوّات التركمانيّة بقيادة" بزواش" عندما انطلق هذا الأخير بقوّاته من دمشق إلى طرابلس سنة ١١٣٧ ، وهزم جيش الكونتيّة على مقربة من قلعة الحجّاج حيث قتل" بونس" الصليبيّ سيّد طرابلس ، فانتقم منهم ولده" ريموند الثاني" إذ هاجم المناطق الجبليّة القريبة من طرابلس واعتقل عددا كبيرا من المسيحيّين موارنة وملكيّين مع زوجاتهم وأطفالهم ، ونقلهم مقيّدين بالسلاسل إلى طرابلس حيث أنزل بهم مختلف أنواع التعذيب حتّى الموت ، على مرأى من أهالي المدينة.

في العهود المملوكيّة التي تلت العهد الصليبي تعرّضت المنطقة للكثير من التهجير والتدمير ، ولم يعد الاستقرار النسبيّ إليها إلّا بعد الفتح العثمانيّ.

عملت العائلات التي سكنت أنفه في زراعة الأرض وفي صيد الأسماك واستخراج الملح منذ توطّنها فيها ، ومنذ أوائل القرن العشرين هاجر بعض أبنائها إلى بلدان الانتشار حيث حقّقوا نجاحات باهرة. والمقيمون منهم اتّجهوا بأكثريّتهم نحو تحصيل العلوم العالية ، وقد تقدّمت أنفه بشكل لافت ، وقد أعطت أجيالا من كبار رجال الدين وأصحاب المهن الحرّة والاختصاصات العالية ورجال الأعمال البارزين وكبار الموظّفين والسياسيّين ، وفيها عدد كبير من المحال التجاريّة المتنوّعة الأصناف ، ومن المؤسّسات السياحيّة البحريّة الناجحة ، إضافة إلى كامل التجهيزات المدنيّة والاجتماعيّة.

١٢٧

عائلاتها

روم أرثذوكس : الأرمني. الياس. أنجول. تادرس. التامر. توما. جبّور.

جرجس. جريج. جوهر. حبيب. خبّاز. خوري. داغر. دريق. دعبول. دمعة.

زريق. زعرور. زعيتر. سابا. ساسين. سركيس. سكاف. سلّوم. سليمان.

الشامي. شحادة. شخاشيري. شهدا. صليبا. الضيعة. طنّوس. عازار. عبد المسيح. عبّود. العتيق. العدو. عسّاف. العشّي. علاغة. عودة. العور.

عوض. عويجان. عيسى. فارس. فرح. فلّاح. فوز. كرم. الكيك. لبكي.

متري. مزرعاني. معتوق. المغاربي. مكاري. موسى ـ موسى الخوري.

ناصح. نجم. نجمة. نخّول. نعمة. نقولا. النمر. نوفل. ياسمين. يوسف.

سنّة : الآغا. (ومنها أسرة علي وعلي آغا). درويش. الزين. طرّاف. علاوة.

العليوت. العثمان. قاسم. اللهيب. ماضي. معتوق.

أقليّات : دمعة. عويجان.

موارنة : ضومط ـ ضوميط. قيروع.

البنية التجهيزيّة

المؤسّسات الروحيّة كننيستان رعائيّتان أرثذوكسيّتان على اسم القدّيس جاورجيوس.

كنيسة القدّيسة كاترينا : كنيسة رعائيّة أرثذوكسيّة أثريّة من العهد الصليبي.

كنيسة سيّدة الريح : كنيسة رعائيّة أرثذوكسيّة أثريّة بيزنطيّة.

كنيسة مار سمعان : رعائيّة أرثذوكسيّة أثريّة في منطقة رأس القلعة.

كنيسة سيّدة الخرايب : رعائيّة أرثذوكسيّة كنيسة أثريّة.

دير مار مخايل للروم الأرثذوكس : أثري بيزنطي.

١٢٨

مزارات : الأربعين شهيدا ، ومار عبدا ، ومار أنطونيوس ، ومار قوزما ودمليانوس ، جميعها لطائفة الروم الأرثذوكس.

دير سيّدة الناطور : كتب الإرشمندريت قيس صادق في كتابه عن الدير أنّ أصله بيزنطيّ من القرن السادس ، وقد سمّي هذا الدير على إسم الكهف الذي في أسفله شبه المغمور بمياه البحر ، أي" كهف الناطور" ، وهنالك أكثر من تفسير أسطوريّ لهذه التسمية. ومع مجيء الصليبيّين ، قام حول الدير الصغير ، والكهف القديم ، الدير الحاليّ المحتفظ إلى اليوم بأبّهة حجارته ، وعقوده وأقواسه ومراميه ، وكان بمثابة برج بحريّ يساند قلعة البلمند القريبة ، وتقول وثيقة فرنسيّة أنّه جدّد عام ١١١٥ على يد الرهبان" السيسترسيان" ، وحفل بالحياة الرهبانيّة التي ظلّت مزدهرة طوال عهد الصليبيّين ، وبعد رحيلهم ، وسقوط طرابلس في قبضة قلاوون ١٢٨٩ ، أصبح هذا الدير ، بحسب الوثيقة ، يخصّ الأرثذوكس ، بحجّة الإرث ، لأنّ الدير اللاتينيّ حلّ ، أيّام الصليبيّين ، محلّ الدير البيزنطيّ القديم. ويتحدّث المرجع نفسه عن كنيسة الدير ذات الإيقونسطاس الخشب المحفور ، وخشبيّات أخرى محفوظة بعناية. بعد تسلّم الأرثذوكس الدير ، استمرّت فيه الحياة الرهبانيّة لأنّه لم يتعرّض للتخريب على غرار دير البلمند. فكثرت مع الوقت وقفيّاته وهباته ، واتّسعت شهرته ، وأنشئ فيه جناح خاصّ لاستقبال الزوّار والضيوف والغرباء ، مع اسطبلات للخيول والدواب ، وتكرّست للدير حرمة ، لدى أبناء الجوار ، يؤمّونه زوّارا رافعين الصلوات ومقدّمين النذور. وظلّ الدير يواجه ببنيته الحجارة الصلبة عوادي الزمن ، حتّى تعرّض إبّان الحرب العالميّة الأولى لقصف من بارجة روسيّة ظنّ قائدها أنّ جنودا أتراكا يتحصّنون فيه ، وبقيت إلى الآن فجوة كبيرة مفتوحة على البحر ، من الجهة الشماليّة ، فوق الدير القديم ، من آثار ذلك القصف. وفي مجلّة" النعمة" أنّ الإرشمندريت باسيليوس الدبس كان

١٢٩

آخر من ورد ذكره من رؤساء الدير ، إذ عين بعدها مطرانا على أبرشيّة عكّار. مذذاك قطنه فلّاحون جاؤوا إليه من الجوار. ومع حلول العام ١٩٧٣ ، إستأذنت المتوحّدة الأخت كاترين الجمل متروبوليت طرابلس والكورة الياس قربان الإقامة في الدير ، وكان أشبه بخربة عندما حلّت فيه. وفي سنة ١٩٧٦ تعرّض الدير للقصف وطاولته ألسنة النيران ، فغادرت الأخت كاترين إلى فرنسا ثلاثة أعوام ، عادت بعدها إليه ، وأهّلته ، وعام ١٩٧٧ أنشأت مطرانيّة طرابلس فيه مدرسة" واحة الفرح" للمتخلّفين عقليّا بإدارة لولو رويهب. وفي ١٩٨٨ تم قشط حيطان الكنيسة فبان رونقها بعلّوها الشامخ وسقفها المقوّس. وسنة ١٩٩٠ تمّ ترميم المدخل الذي تزيّنه بوّابة كبيرة يعتقد أنّها من عام ١٧٢٧. وفي ١٩٩٢ استقدم بلاط من حلب رصفت به الباحة ، وقرميد من فرنسا زيّن سطح الكنيسة. وفي ١٩٩٣ وضعت فوق القبّة القديمة قبّة جديدة قدّمت هديّة من حلب ، وفي ١٩٩٧ ـ ١٩٩٩ قام الأخ الروسيّ جان باتيست والأخ الفرنسيّ أمبراوز بتزيين الكنيسة بالرسوم والإيقونات. وفي حرم الدير مقرّ لجمعيّة" واحة الفرح" للمتخلّفين جسديّا ، يتلقّى فيها الطلّاب التدريبات وأساليب التعليم ، والأشغال اليدويّة. ولهذه الجمعيّة مشاغل موجودة في حرم دير سيّدة بكفتين. (الوصف لإبراهيم طعمة ، جريدة" الأنوار" ، عدد ١٣ تمّوز ١٩٩٨)

المؤسّسات التربويّة

تكميليّة رسميّة للبنات ؛ تكميليّة جبران مكاري الرسميّة للصبيان ؛ مدرسة مهنيّة صدر مرسوم بإنشائها وستنفّذ بتمويل من القروض العربيّة.

المؤسّسات الإداريّة

مجلس اختياري : مختارها الرسمي كان جرجي جبر صليبا الذي توفّي ١٩٩١ ، فتسلّم مكانه بالتعيين بطرس نخّول الذي توفّي هو الآخر ، فكلّف

١٣٠

مختار برغون المجاورة لأنفه بشؤون أنفه الإختياريّة حتّى موعد الانتخابات سنة ١٩٩٨ التي جاء بنتيجتها مختارا كلّ من فاروق إميل خبّاز ، وتوفيق خليل عيسى.

مجلس بلدي أسّس سنة ١٩٠٦ برئاسة مدير الناحية ، وكان قوامه : نائب رئيس جبران المكاري ، وأعضاء : عوض طنّوس ، نخلة موسى ، نعمة مخايل نعمة ، قسطنطين ابراهيم ، والياس عودة. أمّا المجلس المنتخب سنة ١٩٦٣ فلم يعمّر نتيجة خلافات نشأت بين فريقيه السياسيّين ، فكانت نتيجته انسحاب أحدهما الأمر الذي جعل المجلس منحلا ، فتسلّم أمور البلديّة قائمقام الكورة عن طريق الوصاية منذ منتصف الستّينات. وبموجب قانون سنة ١٩٩٧ أصبح عدد أعضاء المجلس البلدي عشرة أعضاء. وبنتيجة انتخابات ١٩٩٨ جاء مجلس بلدي قوامه : مكارم نبيل مكاري رئيسا ، ووفاء نقولا نائبا للرئيس ، والأعضاء : فؤاد ابراهيم جريج ، إيلي جميل تادروس ، المحامي كابي فؤاد دعبول ، الصيدلي نزيه توفيق جريج ، رافع الياس عسّاف ، خليل جرجي عيسى ، وسيم عزيز سابا ، المهندس إسحق كرم الياس ، عدنان علي حلاوة ، المهندس ميشال جو ساسين ، كابي بشير الخوري ، أديب نقولا فارس ، نيازي فؤاد صليبا.

محكمة أميون ؛ درك شكّا.

البنية التحتيّة والخدماتيّة

مياه الشفة من ينابيع الغار والغير والبركة عبر شبكة عامّة. في طور الإنشاء خزّان ينفذه مجلس الإنماء والإعمار.

الكهرباء من قاديشا.

هاتف إلكتروني من سنترال شكّا ؛ مكتب بريد.

١٣١

الجمعيّات الأهليّة

نادي لاس ساليناس الرياضي ؛ جمعيّة الإنطلاق الرياضي ؛ نادي الطليعة ؛ جمعيّة كشّاف الجرّاح ؛ حركة الشبيبة الأرثذوكسيّة ؛ جمعيّة" المنار الثفافيّة الرياضيّة الخيريّة" ؛ جمعيّة" واحة الفرح" للمتخلّفين جسديّا ؛ جمعيّة وقف رعيّة أنفه.

المؤسّسات الإستشفائيّة

مستوصف رعيّة أنفه المجّانّي بإشراف البلديّة بالإشتراك مع جمعيّة الإنطلاق الرياضي.

المؤسّسات الصناعيّة والانتاجيّة والتجاريّة

ملّاحات بحريّة لاستخراج الملح وعدّة مصانع لتحميضه وتكريره ؛ أسطول صغير لصيد الأسماك ؛ بضعة مصانع خفيفة تتعاطى صناعة الأجبان والألبان وصناعة المفروشات ؛ فيها عدد كبير من المحال التجاريّة المتنوّعة الأصناف.

معالمها الأثريّة

إضافة إلى كنائس أنفه الأثريّة هناك : بقايا معاصر صغيرة للزيت والخمر.

وطريق منحوتة في الصخر تمتدّ من تلّة مار أنطونيوس حتّى منطقة النهيرة قرب دير النّاطور ، وصولا إلى منطقة الحريشة. ويرجّح أنّ هذه الطريق كانت تستخدم منذ زمن الفينيقيّين لنقل إنتاج الحريشة من الزيت والخمر إلى ميناء أنفه ؛ مغاور وكهوف تشكّل واجهة صخريّة مطلّة على البحر ، أشكالها توحي بأنّ جماعات بشريّة موغلة في القدم استخدمتها. وقد أحدثت الزلازل في قسم منها تشقّقات وانهيارات. ولهذه المغاور أسماء أبرزها : مغارة الدرزيّة أمام مجمّع" مارينا ديل سول" ؛ مغارة الراعي قرب ساقية النهيرة ؛ مغارة الحمام أمام مجمّع" لاس ساليناس" ؛ مغارة عبّود في تلّة مار أنطونيوس ؛

١٣٢

مغاور مار أنطونيوس في المكان عينه ؛ مغاور مار يوحنّا في تلّة مار يوحنّا ؛ مغاور نبع البركة في تلّة البركة ؛ مغاور التّين في تلّة العين ؛ مغاور التلّة في تلّة نبع الغير ؛ مغارة العشّاق في تلّة مار جرجس ؛ كهف المدافن في منطقة المدافن.

وفي المكان المعروف بالخندق ، وهو رأس يمتدّ في البحر وأحد الرؤوس المعروفة على الخريطة اللبنانيّة ، ثلاثة خنادق تتوسّطه كانت مقالع استخدم الفينيقيّون أكبرها حوضا جافّا لصناعة السفن. يبلغ طول الخندق خمسين مترا وعرضه عشرين مترا وارتفاع عشرين ، وهو يشكّل نوعا من ترعة تصل المياه بالمياه من وسط الرأس الحجري الذي نقش بالمطرقة والإزميل. وقد تكون أهداف إنشاء هذا الخندق جعل المكان صالحا لبناء السفن ، ولكي تحيط المياه بقلعة معروفة اليوم بقلعة بنت الملك.

أمّا القلعة المجاورة للخندق فهي مجموعة أبنية كانت قائمة على رأس يمتدّ في البحر نحوا من ٥٠٠ متر ، فيه جدار ما زال قائما حتّى اليوم يرتفع حوالي خمسة أمتار ، لم تؤثر فيه الأمواج المتلاطمة عند أسفله. وأبرز ما يلاحظ في البناء متانة وصلابة الطين المستعمل في جدرانه التي لم تؤثر فيها الأزمنة الطويلة. والمرجّح أنّ هذا الأثر هو فينيقي. ويلاحظ أنّ جدران الخندق بنيت بشكل يصل بها إلى إرتفاع القلعة ، وفي وسط الخندق عمود حجري ضخم يبدو أنه كان في ما مضى ركيزة لجسر يصل القلعة بالمياه. ولا تزال القلعة تضمّ عشرات من النواويس والغرف المنحوتة في الصخر أو المبنيّة ، والسلالم الحجريّة المنقوشة من البحر إلى أعلى الرأس الذي كانت تقوم عليه القلعة والمؤدّي إلى أبنية صخريّة ما زال بعضها قائما حتّى اليوم. كما تضمّ القلعة آثارا لمعاصر العنب القديمة ؛ والمنطقة المحيطة بالقلعة غنيّة

١٣٣

جدا بالآثار وقد كشف الأهلون عند قيامهم بحفريّات خاصة عددا من النواويس والآبار المختلفة.

مؤسّسات سياحيّة

منتجعان بحريّان ؛ مسابح رأس القلعة الشعبيّة.

مناسباتها الخاصّة عيد إنتقال السيّدة العذراء ١٥ آب ؛ عيد ماريوحنّا ٧ تمّوز ؛ عيد مار جرجس في ٢٣ نيسان حيث تقام مهرجانات فولكلوريّة ؛ مهرجان رياضي سنوي ؛ تشترك أنفه في مهرجانات الكورة في عيد الزيتون فتقدّم سيّارات تمثّل مشاهد ريفيّة وتحمل منتوجات البلدة.

من أنفه

توفيق جريج : قاض ؛ جبر جوهر (١٨٧٩ ـ ١٩٥٣) : صحافي ، انخرط في الحركات النضاليّة المطالبة بالاستقلال ما عرّضه للملاحقة فهاجر إلى البرازيل ، عاد إلى لبنان وأسّس مجلّة" العيون" ١٩٢٧ ، وجريدة" الأخبار" ١٩٣٢ ، و" الرائد" في طرابلس ١٩٣٤ ؛ الأب رومانوس جوهر (١٩١٤ ـ ١٩٩١) : درس اللاهوت في موسكو ، سيم ١٩٤٠ ، أرشمندريت ١٩٥٨ ، أصدر" الرائد" التي أسّسها جبر جوهر في طرابلس ١٩٣٤ ؛ عادل جبرائيل دريق : مهندس ورجل أعمال وسياسي ، ولد ١٩١٢ ، أحد مساهمي شركة الكات ورئيس مهندسيها ومديرها العام ، مستشار سياسي لإميل البستاني ، له خدمات إنسانيّة ونربويّة ، أمين" جمعيّة المنار الثقافيّة الرياضيّة والخيريّة في أنفة" ١٩٣٢ ؛ كبريال عادل دريق : متعهّد أعمال إنشائيّة وناشط إجتماعي ، من روّاد الحركة الرياضيّة في الشمال ، عضو فخري في منظّمة فرسان مالطا ،

١٣٤

قدّم مساعدات لطلّاب المدارس والجامعات ، له خدمات اجتماعيّة ، وله خطب ومقالات ؛ فؤاد دعبول : صحافيّ ، تولّى مهمّات عدّة في جريدة" الأنوار" قبل تعيينه مديرا للتحرير ١٩٨٠ ، عضو المجلس الوطنيّ للإعلام ١٩٩٩ ؛ د. إيلان دمعة صعب : عالمة اجتماع وأستاذة جامعيّة ، ولدت ١٩٥٦ ، دكتوراه في العلوم الاجتماعيّة ، أستاذة في معهد العلوم الاجتماعيّة ، لها أبحاث ومؤلّفات ، عقيلة د. أديب صعب ؛ د. شذا شخاشيري : عميدة كلّيّة الآداب في جامعة القاهرة ؛ إدوار شخاشيري : عضو المجمع العلميّ العربيّ في القاهرة. د. أندريه أمين العدو : إقتصادي ودبلوماسي ، قنصل فخري لجمهوريّة ألبانيا ؛ المتروبوليت الياس عودة : مجاز في الفلسفة واللاهوت ، مفكّر ومصلح إجتماعي ، مطران بيروت وتوابعها ١٩٨٠ ، مجاهر بالحقّ من دون خشية ؛ وهيب عودة : شاعر وأديب ؛ جبران حنّا مكاري (١٨٦٧ ـ ١٩٥٠) : صحافي وناشط إجتماعي ، أنشأ مدرسة" المساواة الوطنيّة" ثمّ وهبها للحكومة ١٩٥٠ ، نائب مدير الناحية ورئيس بلديّة أنفه ١٩٠٦ ، أصدر" النهضة" ١٩١٣ بمعاونة د. جورج سابا وسليم غنطوس ؛ فريد نبيل مكاري : مهندس وإداري وسياسي ، نائب ١٩٩٢ و ١٩٩٦ ، و ٢٠٠٠ ، وزير الإعلام ١٩٩٥ ـ ١٩٩٦ ؛ د. جاك مكاري : باحث في أمراض السرطان.

١٣٥

إهدن

DIN

الموقع والخصائص

إهدن ، وهي مركز قضاء زغرتا صيفا ، تقع على متوسط ارتفاع ٥٠٠ ، ١ م. عن سطح البحر ، وعلى مسافة ١٢٤ كلم عن بيروت عبر : طرابلس ـ زغرتا ـ سبعل ـ أيطو ؛ أو شكّا ـ حدث الجبّه ـ بشرّي ـ كفرصغاب. وتتّصل ببعلبك عن طريق ظهر القضيب ـ الأرز ـ بشرّي ـ كفرصغاب. تتوسّط الجبل الذي يمتدّ من جبال كسروان في الجنوب إلى جبل العلويّين في الشمال ، ومن جبل المكمل والقرنة السوداء شرقا ، إلى البحر المتوسط غربا. وتعتبر من أجمل مصايف شمال لبنان. ويبلغ مجمل مساحة أراضيها ٣٧٠ ، ٢ هكتارا.

حرج إهدن بقعة حرجيّة تعتبر الأكبر في لبنان ، إذ تبلغ مساحتها ثلاثة كلم ٢؟؟؟ ونصف ، تتدرّج في ارتفاعها عن سطح البحر من ٧٠٠ ، ١ إلى ٢٠٠٠ م. عند سفوح القرنة السوداء ، ويحتوي هذا الحرج على ٣٥ نوعا من الأشجار الحرجيّة من الأرز والشوح المعتبر آخر موطن جنوبيّ لنموّها في نصف الكرة الأرضيّة الشماليّ ، و ٥٧ نوعا من النباتات المتوطّنة ، و ٣٠ نوعا من النباتات المزهرة التي يحمل مصطلحها العلميّ إسم" لبنان" ، وقد تمّ إعلان حرج إهدن محميّة سنة ١٩٩٦ بتمويل من الصندوق الدوليّ للبيئة.

فيها ينابيع عديدة عذبة المياه أخصّها : نبع مار سركيس ، ونبع الدواليب ، وعين الفرنج ، ونبع جوعيت. وتنمو فيها زراعات أهمّها التفّاح

١٣٦

والإجّاص والجوز والكرز وسواها من الأشجار المثمرة إضافة إلى الخضار الموسميّة.

منازلها متعدّدة الأطرزة ومعظمها متقن. عدد سكّانها يناهز ال ٠٠٠ ، ٣٢ نسمة من أصلهم حوالى ٥٠٠ ، ١٧ ناخب. وفيها عدد كبير من المؤسّسات التجاريّة والسياحيّة والفندقيّة.

منذ منتصف القرن العشرين ونموّ إهدن ينتعش بشكل واضح ، فبالإضافة إلى الدور الفخمة والمنازل الجميلة التي طلعت فيها ، أصبحت اليوم مكتملة التجهيز المدنيّ والسياحيّ والتربويّ والإداريّ والاقتصاديّ ، ومن شأن مطالعة تعداد الوارد أدناه تحت عنوان البنية التجهيزيّة أن يبيّن المدى الواسع الذي بلغته إهدن اليوم في تقدّمها. أضف إلى هذا ما أصبح يتميّز به المجتمع الإهدنيّ من مستوى عال في نسبة عدد المتعلّمين وفي مستوى المراكز المرموقة التي يحتلّها العديد من أبنائها في لبنان والخارج.

الإسم والآثار

جاء في مخطوط قديم أنّ إهدن كانت تعرف قديما باسم" تلاسار" أي جنّة الدائرة. وفسّر باحثون أنّ معنى إسمها" جنّة" من دون إعطاء التعليل. وردّ آخرون الإسم إلى" عدن" على اعتبار أنّ تلك الجنّة كانت في إهدن. أمّا فريحة فمال" إلى اعتبار إسم إهدن مشتقّا من جذر" أدن" السامي المشترك الذي منه أدون أي أدونيس ـ والسين لاحقة إغريقية ـ ، ويفيد هذا الجذر عن القوّة والثبات والسكون ، ويقابله في العربية" هدن" التي تعني السكون والإستقرار ، ومن معانيها أيضا" الخصب". وكلمةEDEN معناها القاعدة والأسّ ، ومن الجبل سفحه ، فيكون معنى الإسم : سفح الجبل وقاعدته ، وهذا

١٣٧

ينطبق على مركز إهدن الرابضة عند السفح. ويرى فريحة أن ردّ الإسم إلى جنّة" عدن" ، محاولة وطنيّة لجعل فردوس عدن في الوادي المقدس ، وفي هذا تكلف ظاهر.

بينما ذكر بعض مفسّري الكتاب المقدّس ، من دون التأكيد ، أنّ أرض إهدن كانت محلّ سكن آدم بعد خروجه من الفردوس الأرضي حينما طرده منه الرب الإله ، وأنّه قد توطّنت فيها قبيلة من أولاد سام بن نوح و" صارت محلّا شهيرا". وقد تمسّك المؤرّخ العلّامة البطريرك الدويهي بالرأي القائل بأنّ إهدن كانت عدن المعروفة بالفردوس ، وكتب في هذا الموضوع مجلّدا ما زال محفوظا في مكتبة الفاتيكان ، بيّن فيه أنّ إهدن هي الفردوس ، وقد استند في رأيه هذا على ما جاء على لسان حزقيّال النبي من" أنّ جنّة الله هي بالقرب من أرز الرّب". وحذا حذو الدويهي علماء مستشرقون ، أمّا الذي تمسّك بهذا الرأي أكثر من سواه فهو العالم الإنكليزي دافيد أوركوارت. بينما اعتبر الأب مرتين المؤرخ اليسوعي أنّه من حيث معنى كلمة عدن في اللغات الساميّة يدلّ على النعيم ، فلا عجب أن يلقّب به كثير من الأمكنة ، علما بأنّ حسن موقع إهدن يشكّل داعيا لتسميتها ب" عدن" بالنظر لجمال موقعها وفرط بهجته في أيّام الربيع.

إعتمد الباحثون في تاريخ إهدن على مخطوط قديم العهد يقال إنّ أحد الإهدنيّين قد خطّه في القرن الثالث عشر وحمله في صدره عندما تشتّت الأهلون على أثر النكبة التي حلّت بهم على أيدي المماليك في أوائل صيف ١٢٨٣. وفي أوائل القرن التاسع عشر عثر الخوري جرجس يمّين الإهدني على المخطوط في منزل أحد كهنة بشرّي ، وهو مكتوب على جلد شحيم قديم ، فنسخ نصّه واحتفظ به. وانتقل المخطوط بعد وفاة الخوري يمّين إلى ولده

١٣٨

رومانوس يمّين ثم إلى المونسنيور بولس سعادة ومنه إلى أحفاده. ولكنّ الزمن طمس قسما كبيرا منه وأشكلت قراءة القسم الآخر. وفي صيف ١٩٠٤ حضر إلى إهدن الخوري يوحنّا مارون فرح السبعلي ليقوم برياضة روحيّة لكهنة إهدن ، فنسخ في أثناء وجوده المخطوط واحتفظ بالنسخة في مكتبة المرسلين اللبنانيّين.

ممّا جاء في نصّ هذا المخطوط أنّه" في سنة ٢٥٠٠ للخليقة خرّبت إهدن بسبب توجّه أهلها لمحاربة الإسرائليّين مع أهل جبل فلسطين وتوطّنوا هناك. وبقيت خراب لحدّ سنة ٢٩٣٩ إلى أن أتى إليها الملك هذر عازار السرياني وجدّد بناها وعمل قائمة (نصب) لأهلها المعروف بلبنان أي إله الثلج ، وذلك على شير مخروق فوق جبل عالي شماليها (باب الهوا). وكانوا يسجدون له جميع سكان قمم لبنان ، وصارت أشهر محلّات لبنان. وفي سنة ٣٢٥٢ للخليقة ملكها سنحاريب ملك الأشوريّين (٧٠٥ ـ ٦٨٠ ق. م.) وحرقها بالنار وقتل أهلها بالسيف ، وقلب صنم لبنان الذي فوقها بواسطة قائده رفسافة السرياني. وبقيت خراب لسنة ٣٦٥٤. وقد جدّد بناها قايد جيش الإسكندر العظيم ثالاقوس (سلوقوس نيكاتور ٣٥٥ ـ ٢٨٠ ق. م.) ووضع فيها سكّان من مكدونية وبقي أهلها يتكلّمون باللغة اليونانيّة مدة سنين عديدة ، وبنى فيها هيكل لناحية الشرق شاهق عظيم ووضعوا به صنم الشمس كما أنّه باقي للآن تاريخ منقوش على صخر بحائط مار ماما في إهدن رقم سنة ٤٩٤ لإبتداء مملكة مكدونية. وفي سنة ٣٩٨٠ حاصرها بومبايوس (بومبيوس POMPEIUS ١٠٦ ـ ٤٨ ق. م.) بعد إنتهاء الإسكندر العظيم (الإسكندر المقدوني ت ٣٢٣ ق. م.) وخرّبها وقتل أهلها بالسيف. ثمّ بعد خمسين سنة جدّدوا بناها وسكنوها السريان واعتنق أهلها الدين المسيحي من الرسل الأطهار واستمرّوا على ذلك

١٣٩

إلى الآن. ولم يعد يصير فيها حوادث إلّا حين ذهاب أهلها لمحاربة قوّاد الملك مريق ومريقان" (معركة الموارنة ضد موريق وموريقيان في موضوع أميون ٦٩٤ م.).

خارج ما جاء في هذا المخطوط ، فإنّ بعض الباحثين يؤكّد على أنّ الرومان الموسورين قد اتّخذوا لهم مقرّات صيفيّة في الجبال التي ظهرت فيها آثار تنبئ بذلك مثل قرطبا والعاقورة وتنورين وإهدن. ويقول سمعان خازن في تأريخه لإهدن" إنّ الإهدنيّين كانوا أوّل من اعتنق المسيحيّة ، ودكّوا هياكل الوثنيّة ، ورفعوا على أنقاضها الكنائس والمعابد. وأوّل كنيسة شادها المواطنون كنيسة على اسم مار ماما الشهيد (+ ٢٧٤) ، وكنيسة مار جرجس القديمة". ويؤكّد مؤرّخو السريان على أنّه" عندما اعتنق الإهدنيّون الدين القويم كانت إهدن مأهولة بالسريان. وقد اعتاد السريان تسمية البيعة الواحدة بأسماء متعدّدة ، لذلك سمّيت بيعة إهدن بإسم" مار أبحاي" وهو القدّيس الذي ولد في ماردين وعاش في عهد ثئودوسيوس الكبير (٣٧٩ ـ ٣٩٥) علاوة على اسم العذراء مريم واسم مارجرجس ، لذا لا مجال للإرتياب في أنّها بيعة سريانيّة بحتة ، لأنّ مار ابحاي لا أثر لذكره إلّا في كلندار السريان دون سائر الكلندارات البيعيّة شرقا وغربا".

لا تترك الآثار الباقية في إهدن أيّ مجال للشكّ في أنّها قد عرفت وجودا صليبيّا. من تلك الآثار حصن في رأس جبلها تقوم على أنقاضه كنيسة سيّدة الحصن اليوم ، بناه الصليبيّون لتأمين المرور والمراقبة وأعمال الحماية. وقد هدم هذا الحصن بحسب المدوّنات" عساكر المماليك التي اجتاحت المنطقة سنة ١٢٨٣ إثر مهاجمة الصليبيّين طرابلس سنة ١٢٦٤ في عهد الملك المملوكي الظاهر يوم اعتصم الإهدنيّون في القلعة التي في وسطها إلى أن

١٤٠