كتاب اللّامات

عبد الرحمن بن إسحاق الزّجّاجي

كتاب اللّامات

المؤلف:

عبد الرحمن بن إسحاق الزّجّاجي


المحقق: الدكتور مازن المبارك
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار صادر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٠٧

باب لام المستغاث به

ولام المستغاث من أجله

اعلم أنّ لام المستغاث به مفتوحة ، ولام المستغاث من أجله مكسورة فرقا بينهما (١) ، وهما خافضتان جميعا لما تدخلان عليه ، فلام المستغاث به كقولك : يا لزيد ويا لعمرو ، قال مهلهل (٢) :

يا لبكر أنشروا لي كليبا

يا لبكر أين أين الفرار (٣)

قالوا إنّما استغاث بهم هزءا لمّا انهزموا. ولام المستغاث من أجله [كقولك](٤) : يا لزيد لعمرو ؛ أنت مستغيث بزيد من أجل عمرو

__________________

(١) وقال ابن هشام : «إذا قيل : (يا لزيد) بفتح اللام فهو مستغاث ، فإن كسرت فهو مستغاث لأجله ، والمستغاث محذوف. فإن قيل : (يا لك) احتمل الوجهين. فإن قيل (يا لي) فكذلك عند ابن جني أجازهما في قوله :

فيا شوق ما أبقى ، ويا لي من النوى

ويا دمع ما أجرى ، ويا قلب ما أصبى

وقال ابن عصفور : الصواب أنه مستغاث لأجله ...» المغني ١ : ٢٤٢.

(٢) هو عديّ بن ربيعة ، كان من شعراء الجاهلية وأبطالها ، ولقّب بالمهلهل لأنه هلهل الشعر ورقّقه ، وهو خال امرئ القيس الشاعر ، وكليب أخوه. مات حوالي سنة ١٠٠ ق ه. وأخباره مفصلة في كتاب (المهلهل سيد ربيعة) لمحمد فريد أبي حديد.

(٣) هو من شواهد سيبويه في الكتاب ١ : ٣١٨. وانظره مع ترجمة المهلهل في الخزانة ١ : ٣٠٠.

(٤) زيادة ليست في الأصل.

٨١

ليعينك عليه / كما قال الشاعر ، هو قيس بن ذريح (١) :

تكنّفني الوشاة فأزعجوني

فيا للنّاس للواشي المطاع (٢)

وقال الآخر في المستغاث به :

فيا للناس كيف ألوم نفسي

على شيء ويكرهه ضميري (٣)

وفي الحديث أنّه لمّا طعن العلج أو العبد عمر رضي الله عنه صاح : يا لله ، يا للمسلمين. وقال آخر :

يا عجبا لهذه الفليقه

هل تذهبنّ القوباء الرّيقه (٤)

__________________

(١) هو المشهور بقيس لبنى لكثرة هيامه بها. مات سنة ٦٨ ه‍ وكان جيّد الشعر.

وديوانه مطبوع.

(٢) الديوان : ١١٨. والبيت من شواهد الكتاب ١ : ٣١٩ و ٣٢٠. والكامل : ١٠١٦. وانظر هذا البيت في جملة أبيات عينية جميلة ذكرها أبو الفرج مع مناسبتها في الأغاني ٩ : ١٩٢.

(٣) قاله عروة بن الورد (الديوان : ٣٣) والرواية فيه : كيف غلبت نفسي. وكان عروة قد سبى امرأة ثم أعتقها وتزوجها ، وبعد بضع عشرة سنة فاداه أهلها بها فخيّرها فآثرتهم عليه ، فقال قصيدة منها هذا البيت المذكور.

(٤) الفليقة : الداهية. والقوباء والقوبة والقوبة : داء يتقشّر به الجلد ، وقيل إنه يداوى بالريق. والرجز منسوب في اللسان (مادة : قوب) إلى ابن قنان ، والرواية فيه : هل تغلبنّ القوباء. وكذلك هو في الصحاح والتاج. قال في اللسان : «ويروى : يا عجبا بالتنوين على تأويل : يا قوم اعجبوا عجبا ، وإن شئت جعلته منادى منكورا.

ويروى : يا عجبا بغير تنوين ، يريد : يا عجبي ، فأبدل من الياء ألفا.» وهو في المغني ١ : ٤١١.

٨٢

الفليقة : الداهية : كأنه دعا العجب من أجل الفليقة.

واعلم أنّ أصل هذين اللّامين الكسر ؛ لأنهما اللّام الخافضة في قولك : لزيد ولعمرو ، وإنما فتحت لام المستغاث به فرقا بينها وبين لام المستغاث من أجله (١). وكانت لام المستغاث من أجله أولى بالكسر ولأن تبقى على بابها ، لأنّ المستغاث من أجله يجرّ إليه المستغاث ويطلب من أجله. ولم يجعل الفصل بينهما بالضّمّ لتآخي الكسرة والفتح وبعد الضمّ منهما ؛ لأنّ الضمّ أثقل الحركات ، والفتح والكسر مؤاخيان ، ولذلك اشتركا في المفعول في قولك : رأيت زيدا ، ومررت بزيد ، وكلاهما مفعول به ، وقد خفض أحدهما ونصب الآخر ، وكذلك استوى مكنّي (٢) المخفوض والمنصوب في قولك : رأيتك ، ومررت بك ، وضمّت تثنية المنصوب وجمعه إلى المخفوض في قولك : مررت بالزيدين والزيدين ، ورأيت الزيدين والزيدين (٣). ومع ذلك فإنّ هذه اللّام الخافضة قد فتحت مع المضمر

__________________

(١) ويرى بعض النحاة ومنهم المبرد وابن خروف أن لام المستغاث زائدة ، وذلك بدليل صحة إسقاطها. ويرى الكوفيون أنها بقية اسم ، وهو : آل ، فقولك : يا لزيد ، أصله : يا آل زيد. وانظر المغني ١ : ٢٤٠ و ٢٤١.

(٢) المكنيّ : الضمير. والمكنيّات بمعنى الضمائر من مصطلحات الكوفيين.

(٣) ذكروا في تعليل ضم النصب إلى الجرّ أوجها متعددة انظرها في (الإيضاح في علل النحو) ص ١٢٧ وفي (أسرار العربية) ص ٥٠.

٨٣

في قولك : هذا لك ولكما ولكم ؛ فجعل الفرق بينهما هاهنا بالفتح. فإن عطفت على المستغاث به بمستغاث به آخر كسرت لام الثاني ؛ لأنّ الفتح قد زال بضمّك إيّاه إلى الأوّل بحرف العطف ، كقولك : يا لزيد ولعمرو ، تكسر لام عمرو وإن كنت مستغيثا به لما ذكرت لك ، فأمّا قول الشاعر :

يا لعطّافنا ويا لرياح

وأبي الخزرج الفتى الوّضاح (١)

/ فإنّه فتح اللّام الثانية لأنه كرّر معها (يا) ولم يضمّ الاسم الثاني إلى الأول بحرف العطف.

واعلم أنّ لام المستغاث به عوض من الزيادة التي تقع آخر المنادى المتراخي عنك في قولك يا زيداه ويا عمراه ، ولا يجوز الجمع بينهما ، فلو قلت : يا لزيداه ، لم يجز ؛ لأن العوض والمعوّض لا يجتمعان ، ألا ترى أنه غير جائز أن تقول : الزّناديقة والفرازينة ، فتجمع بين الياء والهاء ؛ لأنهما يتعاقبان ، فإمّا أن تقول ، الزّناديق

__________________

(١) البيت من شواهد سيبويه ، وقبله :

يا لقوم من للعلى والمساعي

يا لقوم من للندى والسماح

وروايته :

يا لعطافنا ويا لرياح

وأبي الحشرج الفتى النفّاح

والنفّاح : الكثير العطاء. وقال الأعلم : ويروى : الوضّاح. الكتاب ١ : ٣١٩. والأشموني : ٤٦٢. والشاعر يرثي رجالا من قومه يذكر أسماءهم ويقول إنه لم يبق للعلى والمساعي من يقوم بها بعدهم. انظر المفصّل ١ : ١٣١.

٨٤

والفرازين ، أو : الزّنادقة والفرازنة (١) ، وكذلك لا تقول : يا للهمّ ، فتجمع بين الميم المثقلة في آخره وحرف النداء في أوله. قال سيبويه : زيدت الميم في آخره مثقلة عوضا من حرف النداء في أوله (٢) ، فلا يجوز الجمع بينهما ، ولا وصفه لأنه جرى مجرى الأصوات (٣). وأمّا قوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٤) فإنه على نداءين.

وقال الفراء أصله : يا الله أمّنا بخير ، ثمّ اختصر وجعلت الكلمتان واحدة ومنع من حرف النداء ، وربّما جاء شاذا في الشّعر ، وأنشد :

__________________

(١) الزنديق : فارسيّ معرّب. وقال أحمد بن يحيى : ليس في كلام العرب زنديق ولا فرزين. وقال سيبويه : الهاء في زنادقة وفرازنة عوض من الياء في زنديق وفرزين.

وأصله الزناديق. وانظر لسان العرب (مادة : زندق وفرزن).

(٢) قال سيبويه : «وقال الخليل : اللهمّ نداء ، والميم هاهنا بدل من يا. فهي هاهنا ـ فيما زعم الخليل ـ آخر الكلمة بمنزلة يا في أولها ، إلا أن الميم هاهنا في الكلمة ، كما أن نون المسلمين في الكلمة بنيت عليها ، فالميم في هذا الاسم حرفان أولهما مجزوم ، والهاء مرتفعة لأنه وقع عليها الإعراب.» الكتاب ١ : ٣١٠.

(٣) قال سيبويه : «وإذا ألحقت الميم لم تصف الاسم ، من قبل أنه صار مع الميم عندهم بمنزلة صوت ، كقولك : يا هناه. وأما قوله عز وجل : (اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فعلى يا.» الكتاب ١ : ٣١٠. وهو يعني أن (فاطر) أيضا منادى بيا محذوفة كأنه قال : اللهمّ يا فاطر السموات.

(٤) الآية : (قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) الزمر ٣٩ : ٤٦ وانظر المغني ٢ : ٦٦٦.

٨٥

وما عليك أن تقولي كلّما

سبّحت أو هلّلت يا اللهم ما

اردد علينا شيخنا مسلّما (١)

ولا يعتدّ البصريون بهذا الشعر ولا يرونه حجّة ، ولو كان القول على ما ذهب إليه الفرّاء لما امتنع من حرف النداء ، لأنّ تصيير الشيئين شيئا واحدا لا يمنع من دخول حرف النداء ؛ ألا ترى أنّا ننادي معدي كرب ، ورام هرمز ، وبعلبك ، وما أشبه ذلك ، وهما اسمان جعلا اسما واحدا ، وقد قرأ أبو عمرو بن العلاء : (يابن أم

__________________

(١) قال الفراء في حديثه عن قوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) من سورة آل عمران : «اللهمّ : كلمة تنصبها العرب. وقد قال بعض النحويين : إنما نصبت إذ زيدت فيها الميمان لأنها لا تنادى بيا ، كما تقول : يا زيد ، ويا عبد الله. فجعلت الميم فيها خلفا من يا.» ثم قال : «وقد أنشدني بعضهم :

وما عليك أن تقولي كلما

صليّت أو سبّحت يا اللهمّ ما

اردد علينا شيخنا مسلمّا»

قال : «ونرى أنها كانت كلمة ضمّ إليها : أمّ ؛ تريد يا الله أمّنا بخير ، فكثرت في الكلام فاختلطت. فالرفعة التي في الهاء من همزة أم لما تركت انتقلت إلى ما قبلها.» معاني القرآن ١ : ٢٠٣ وانظر حجج الكوفيين في الدفاع عمّا ذهب إليه الفراء في المسألة ٤٧ من كتاب الإنصاف. وأما الرجز المستشهد به فغير منسوب ، وهو في الخزانة ١ : ٣٥٩ والرواية فيها : وما عليك أن تقول ...

ولا حظ أن (ما) بعد قوله (اللهم) زائدة.

٨٦

لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي)(١) بالفتح على أنه بناه وجعل الكلمتين كلمة واحدة (٢) ، وهذا بيّن واضح.

__________________

(١) سورة طه ٢٠ : ٩٤.

(٢) الحكم أنه إذا أضيف المنادى إلى ياء المتكلم ـ ولم يكن معتلا ، ولا وصفا مفردا عاملا كما في مثل : مكرمي ـ جاز فيه خمسة أوجه : الأول : حذف الياء والاستغناء عنها بالكسرة ، نحو : يا عبد. والثاني : إثبات الياء ساكنة ، نحو : يا عبدي.

والثالث : قلب الياء ألفا وحذفها والاستغناء عنها بالفتحة ، نحو : يا عبد. والرابع : قلب الياء ألفا وإبقاؤها وقلب الكسرة فتحة ، نحو : يا عبدا. والخامس : إبقاء الياء وتحريكها بالفتح ، نحو : يا عبدي. وألحقوا بذلك من المضاف إلى مضاف إلى ياء المتكلم : ابن أمي وابنة أمي وابن عمّي وابنة عمي ؛ فقالوا بحذف الياء فيها مع كسر الميم أو فتحها. قال ابن مالك :

واجعل منادى صحّ ، إن يضف ل (يا)

كعبد عبدي عبد عبدا عبديا

وفتح او كسر ، وحذف ال (يا) استمر

في : يابن أمّ ، يابن عمّ ، لا مفر.

وانظر سيبويه (١ : ٣١٦ ـ ٣١٨) وشرح المفصل ٢ : ١٢ ـ ١٣.

٨٧

باب لام الأمر

لام الأمر جازمة للفعل المستقبل للمأمور الغائب ، كذلك أصل دخولها ، كقولك : ليذهب زيد ، وليركب عمرو ، ولينطلق أخوك ، قال الله عزّ وجلّ : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ)(١) وقال : (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ)(٢) وهي كثيرة الدور في كتاب الله تعالى والشعر ومنثور الكلام. فأمّا إذا أمرت مخاطبا فإنك غير محتاج إلى اللّام ، كقولك : اذهب يا زيد ، واركب وانطلق واقعد ، / وكذلك ما أشبهه. وربّما أدخلت اللّام في هذا الفعل أيضا توكيدا فقيل : لتذهب يا زيد ، ولتركب ولتنطلق ، وعلى هذا قرئ فبذلك فلتفرحوا (٣) على الخطاب. وروي عن النبيّ صلّى

__________________

(١) سورة الطلاق ٦٥ : ٧ وقال ابن هشام : «لا فرق في اقتضاء اللام الطلبية للجزم بين كون الطلب أمرا نحو (لينفق ذو سعة) أو دعاء نحو (ليقض علينا ربك) أو التماسا ... ، وكذا لو أخرجت عن الطلب إلى غيره ..» المغني ١ : ٢٤٦.

(٢) الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ ، وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ ، وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ...) النور ٢٤ : ٥٨.

(٣) الآية : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ.) يونس ١٠ : ٥٨ وقال الفرّاء : إنه ذكر عن زيد بن ثابت أنه قرأ (فبذلك فلتفرحوا)

٨٨

الله عليه وسلّم أنه قرأ (فبذلك فلتفرحوا) بالتاء ، وقرأ أكثر القرّاء (فَلْيَفْرَحُوا) بالياء على الغيبة (١). وروي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال في بعض مغازيه لبعض أصحابه : «لتأخذوا مصافّكم» (٢) فأدخل اللّام في فعل المخاطب.

وإذا كان قبل لام الأمر واو العطف أو فاؤه جاز كسر اللّام على الأصل وإسكانها تخفيفا ؛ لأنّ الفاء والواو يتصلان بالكلمة كأنّهما منها ، ولا يمكن الوقوف على واحد منهما ، وذلك قولك : فلينطلق زيد ، ولينطلق ، وإن شئت كسرت اللّام ، وإن شئت أسكنتها ، وكذلك قرأت القرّاء (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا)(٣) بالوجهين ، والإسكان فيها

__________________

بالتاء ، أي يا أصحاب محمد. وانظر معاني القرآن ١ : ٤٦٩ وبهذه القراءة استشهد ابن هشام أيضا في المغني ١ : ٢٤٧. وقال ابن خالويه : «والاختيار عند جميع النحويين حذف اللام إذا أمرت حاضرا وإثباتها إذا أمرت غائبا.» إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم : ٤٣.

(١) قال الفراء : «وهذه قراءة العامة.» يعني الجمهور. وقال : «وكان الكسائي يعيب قولهم (فلتفرحوا) لأنه وجده قليلا فجعله عيبا ، وهو الأصل.» معاني القرآن ١ : ٤٦٩.

(٢) المصاف : ج مصفّ وهو موضع الحرب الذي تكون فيه الصفوف. والحديث مستشهد به في معاني القرآن ١ : ٤٧٠ وأسرار العربية ٣١٨ والإنصاف : ٢١٤ (ط ليدن والمغني ١ : ٢٤٧.

(٣) الآية : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ) ـ (وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.) النور ٢٤ : ٢٢.

٨٩

أكثر في الكلام ، فإذا كان قبلها (ثمّ) فإنّ الوجه كسر اللّام ؛ لأنّ (ثمّ) حرف يقوم بنفسه ، ويمكن الوقوف عليه والابتداء بما بعده ، والواو والفاء لا يمكن ذلك فيهما ، وذلك قولك ، ثمّ ليخرج زيد ، ثمّ ليركب عمرو ، والوجه كسر اللّام ، بل لا يجيز (١) البصريون غيره ، وقد أجاز بعض النحويين إسكانها مع (ثمّ) أيضا حملا على الواو والفاء ، وعلى ذلك قرأ بعض القرّاء : (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ)(٢) بالإسكان ، والكسر أجود لما ذكرت لك من العلّة (٣).

وأجمع النحويون من البصريين والكوفيين على أنّ الفعل إذا

__________________

(١) في الأصل : لا يجيزون.

(٢) قال تعالى : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ. ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ.) الحج ٢٢ : ٢٧ ـ ٢٩. والتفث : أصله الوسخ ، ويراد به هنا الشعر والظفر ، وقضاء التفث : حلق الشعر وتقليم الظفر والاغتسال.

(٣) قال ابن هشام : «وأما اللام العاملة للجزم فهي اللام الموضوعة للطلب ، وحركتها الكسر ، وسليم تفتحها ، وإسكانها بعد الفاء والواو أكثر من تحريكها نحو : (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي) ، وقد تسكن بعد ثم نحو : (ثُمَّ لْيَقْضُوا) في قراءة الكوفيين وقالون والبزي ، وفي ذلك ردّ على من قال : إنه خاص بالشعر ..» المغني ١ : ٢٤٥ و ٢٤٦.

٩٠

دخلت عليه هذه اللّام كان مجزوما بها ، لغائب كان أو لحاضر ، كقولك : ليذهب زيد ، ولتركب يا عمرو. ثم اختلفوا في فعل الأمر للمخاطب إذا كان بغير اللّام كقولك : اذهب يا زيد ، واركب يا عمرو. فقال الكوفيون كلّهم : هو مجزوم أيضا بإضمار اللّام ؛ لأنّ أصل الأمر أن يكون باللّام ، ولكن كثر في الكلام فحذفت اللّام منه وأضمرت ، لأنّ من شأن العرب تخفيف ما يكثر في كلامهم وحذفه / لا سيّما إذا عرف موقعه ولم يقع فيه لبس ، فتقدير قولهم اذهب يا زيد : لتذهب يا زيد ، هذا أصله ، ثمّ حذف وأضمرت اللّام ، فهو عندهم مجزوم بإضمار اللّام (١). وأجمع البصريون على أنّ هذا الفعل إذا كان بغير اللّام فهو غير معرب (٢) ؛ قولك : اذهب يا زيد ، واركب ، وانطلق ، وما أشبه ذلك. ودليلهم على أنه غير

__________________

(١) قال الفراء : «إلا أن العرب حذفت اللام من فعل المأمور المواجه لكثرة الأمر خاصّة في كلامهم ؛ فحذفوا اللام كما حذفوا التاء من الفعل. وأنت تعلم أن الجازم أو الناصب لا يقعان إلا على الفعل الذي أوّله الياء والتاء والنون والألف ، فلما حذفت التاء ذهبت باللام ، وأحدثت الألف ـ (يعني همزة الوصل) ـ في قولك : اضرب وافرح ؛ لأن الضاد ساكنة فلم يستقم أن يستأنف بحرف ساكن ، فأدخلوا ألفا خفيفة يقع بها الابتداء كما قال (ادّاركوا) و (اثّاقلتم).» معاني القرآن ١ : ٤٦٩ وهو يعني أن (اضرب) أصلها : (لتضرب).

(٢) يريدون أنه مبنيّ على السكون.

٩١

معرب أنه لا بدّ للمعرب من عامل يدخل عليه فيعربه ، لأنّ الشيء لا يعرب نفسه ، فكما أنه لا يجوز أن يكون مرفوع ولا منصوب ولا مخفوض بغير رافع ولا ناصب ولا خافض ، فكذلك لا يكون مجزوم بغير جازم ، وليس في قولك : اذهب واركب وما أشبه ذلك جازم يجزمه ، وفي قولك : ليذهب زيد وليركب ، جازم وهي اللّام (١).

قالوا : وأمّا ما ذهب إليه الكوفيون من إضمار اللّام فخطأ ؛ وذلك أنّ إعراب الأفعال محمول على إعراب الأسماء ، وعوامل الأفعال باتفاق من الجميع أضعف من عوامل الأسماء ، وأضعف إعراب الأسماء الخفض ، لأنه لا يتصرّف المخفوض تصرف المرفوع والمنصوب ؛ لأنّ الخافض لا يفارق مخفوضه كما يفارق الرافع

__________________

(١) وقال البصريون أيضا إن أصل البناء للأفعال ، وأصل البناء أن يكون على سكون. وما أعرب من الأفعال أو بني على فتح فلشبه ما وقع بينه وبين الأسماء ، ولا مشابهة بوجه من الوجوه بين فعل الأمر والأسماء ، ولذلك بقي فعل الأمر مبنيا على أصله.

كما قالوا إن الإجماع على أن ما كان على وزن فعال من أسماء الأفعال كنزال وحذار .. مبنيّ لأنة ناب عن فعل الأمر ، فلو لم يكن الأمر مبنيا لما بني ما ناب منابه. وانظر في تفصيل الخلاف بين الفريقين كتاب أسرار العربية : ٣١٧ وما بعدها ، والمسألة ٧٢ من كتاب الإنصاف.

٩٢

والناصب المنصوب والمرفوع. وكذلك أجمعوا على أنّه لا يجوز إضمار الخافض لضعفه ، والجزم في الأفعال ـ باتّفاق من الجميع ـ نظير الخفض في الأسماء ، فهو أضعف من الخفض على الأصول المتّفق عليها. فلمّا كان إضمار الخافض في الأسماء غير جائز ، كان إضمار الجازم في الأفعال الذي هو أضعف من الخافض أشدّ امتناعا. قالوا : فلذلك لم يجز إضمار لام الأمر على ما ادّعى الكوفيون. قالوا : ومن الدليل القاطع على أنّ اللّام غير مضمرة ، وأنه ليس كما ذهبوا إليه أنّ اللّام لو كانت مضمرة لما تغيّر بناء الفعل ؛ لأنّ إضمار العوامل لا يوجب تغيّر بناء المعمول فيه ، لأنّ إضماره بمنزلة إظهاره ، ألا ترى أنّ قوله تعالى : (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ)(١) تقديره : هو النار ، فليس إضمار / الرافع بمغيّر بناء المرفوع ، وكذلك قوله تعالى : (وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً)(٢) إنّما تقديره : ويعذّب الظّالمين أعدّ لهم عذابا أليما ، ومثله في كتاب الله وكلام العرب

__________________

(١) الآية : (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.) الحج ٢٢ : ٧٢ ، واستشهد ابن هشام بهذه الآية على حذف المبتدأ في المغني ٢ : ٦٩٨.

(٢) الآية : (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ ، وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً.) الانسان ٧٦ : ٣١ وانظر المغني ٢ : ٤٩٧.

٩٣

كثير. فليس إضمار العوامل بموجب تغيير بناء المعمول فيه ، فلو كان تقدير : اذهب يا زيد ، واركب : لتذهب ولتركب ، كان سبيله إذا أضمرت اللّام أن يبقى الفعل على بنائه فيقال : تذهب يا زيد ، وتركب يا عمرو ، وهذا لازم لهم لا زيادة عليه. ومن الدّليل على صحته أنّ الشاعر قد يضطّر إلى حذف اللّام من فعل المأمور المخاطب في لغة من يقول : يا زيد لتذهب ، فيحذفها ويضمرها ويترك الفعل على بنائه ، وعلى ذلك قول الشاعر ، أنشد : سيبويه وغيره :

محمد تفد نفسك كلّ نفس

إذا ما خفت من أمر تبالا (١)

فأضمر اللّام وترك الفعل على بنائه كما يوجبه القياس.

__________________

(١) التبال : الوبال. والشاهد في البيت إضمار لام الأمر في (تفد) مع بقاء عملها ، وعلى هذا استشهد به ابن هشام في المغني ١ : ٢٤٧ وجعل حذف هذه اللام مختصا بالشعر (المغني ٢ : ٧١٣) وقيل : إما أن الأصل (تفدي) وحذفت الياء للضرورة الشعرية ، وإما أن اللام نفسها حذفت للضرورة (أسرار العربية : ٣٢١) وانظر في هذين القولين أيضا : الكتاب (١ : ٤٠٨) ففيه أن اللام يجوز حذفها في الشعر مع بقاء عملها ، والإنصاف (المسألة : ٧٢) وفيه أن الياء محذوفة للضرورة ، وأن (تفدي) خبر يراد به الدعاء كقولهم : يرحمك الله ، وأن حذف الياء والاجتزاء بالكسرة كثير في شعرهم.

والبيت منسوب لحسّان وللأعشى ، وليس في ديوانيهما. ونسبه ابن هشام في شرح الشذور : ٢١١ لأبي طالب عمّ النبي. وانظر الأشموني : ٥٧٥ والخزانة ٣ : ٣٢٩.

٩٤

باب لام المضمر

لام المضمر هي اللّام الخافضة للأسماء في خبر إنّ أو غيره ، كقولك : هذا لك ، ولكما ، ولكم ، ولهم ، وله ، وما أشبه ذلك ، كما قال تعالى : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)(١) و (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)(٢).

وهي مفتوحة مع جميع المضمرات إلّا مع ضمير الواحد إذا أخبر عن نفسه ، كقولك : لي غلام ، ولي ثوب ؛ وإنّما انكسرت مع الياء هاهنا ، لأنّ من شأن الإضافة أن تكسر ما قبلها إلّا أن يكون حرف مدّ ولين كقولك : هذا ثوبي وغلامي ، ورأيت ثوبي وغلامي ، ومررت بثوبي وغلامي ، يكون على حال واحدة كما ترى.

فإن كان قبلها ألف لم يمكن كسرها لأنّ الحركة في الألف غير سائغة ، فتترك الألف على حالها وتفتح ياء الإضافة كقولك : هذان غلاماي ، وهذا (٣) فتاي ، ورأيت فتاي ، ومررت بفتاي ورحاي ،

__________________

(١) الكافرون ١٠٩ : ٦.

(٢) الآية : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ.) فصلت ٤١ : ٨ وقال تعالى : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ. وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ. فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) الانشقاق ٨٤ ٢٥.

(٣) في الأصل : وهذان.

٩٥

كما قال الله جلّ وعزّ : (هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها)(١).

ومن العرب من يقلب الألف / ياء فيدغم فيقول : هذه عصيّ ورحيّ ، ومنه قول بعض الصحابة : وضعوا اللجّ (٢) على قفيّ. قال أبو ذؤيب (٣) :

سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم

ففقدتهم ولكلّ جنب مصرع (٤)

__________________

(١) قال تعالى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى. قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى.) طه ٢٠ : ١٧ ـ ١٨.

(٢) اللجّ : السيف. وفي حديث طلحة بن عبيد أنهم أدخلوني الحش ، وقرّبوا فوضعوا اللجّ على قفيّ. قال ابن سيده : أظن أن السيف إنما سمي لجّا في هذا الحديث وحده. وقال الأصمعي : نرى أن الملج اسم يسمّى به السيف ، كما قالوا الصمصامة وذو الفقار ونحوه ، قال : وفيه شبه بلجة البحر في هوله. ويقال : اللج السيف بلغة طيّء. وقال شمر ، قال بعضهم : اللج السيف بلغة هذيل وطوائف من اليمن. (التاج ، مادة : لحج) والحش ، مثلثة : المخرج ، والمتوضّأ ؛ سمي به لأنهم كانوا يقضون فيه حوائجهم ، والجمع : حشوش.

(٣) هو خالد بن خويلد ، شاعر فحل من مخضرمي الجاهلية والاسلام ، أسلم وشارك في الفتوح ومات في عهد عثمان.

(٤) أعنقوا : أسرعوا. والبيت في ديوان الهذليين (١ : ٢) من عينيّة أبي ذؤيب المشهورة :

أمن المنون وريبها تتوجع

والدهر ليس بمعتب من يجزع

ورواية الديوان : فتخرّموا ولكل جنب مصرع. وانظر شرح المفصّل ٣ : ٣٣ والأشموني : ٣٣١.

٩٦

فإن قال قائل : فإذا كانت لام المضمر هذه التي ذكرتها هي اللّام الخافضة بمعنى الملك والاستحقاق في الخبر وغيره ، فلم فتحت مع المضمر وكسرت مع الظاهر ، فقيل : هذا غلام لزيد ، وهذا غلام لك وما أشبه ذلك؟

فالجواب في ذلك أنّ أصل هذه اللّام الفتح ؛ لأنّ أصل هذه الحروف الّتي جاءت على حرف واحد للمعاني الفتح ، نحو : السين الدالّة على الاستقبال ، وواو العطف ، وفائه ، والواو والتاء في القسم ، والواو بمعنى ربّ ، ولام الابتداء ، وما أشبه ذلك ، وإنما يكسر منها ما يكسر فصلا بين مشتبهين ، أو يكون ما يجيء منها مكسورا نزرا يسيرا عند ما جاء منها مفتوحا. ومن الدّليل أيضا على أنّ أصل لام الخفض الفتح ، وأنّها فتحت مع المضمر على أصلها أنك تقدر على إضمار كلّ مظهر ، ولست تقدر على إظهار كلّ مضمر على معناه نحو المضمر في نعم وبئس ، وباب كان وإنّ وفي ربّه رجلا ، والمضمر في قولك : زيد قام ، وما أشبه ذلك ؛ فتحت اللّام الخافضة مع المضمر على أصلها ، وكسرت مع الظاهر فرقا بينها وبين لام التوكيد ، لأنّك لو فتحتها مع الظاهر أشبهت لام التوكيد ، ألا ترى أنك لو قلت ٩. كتاب اللّامات / اللامات (٩)

٩٧

ـ وأنت تريد الإضافة ـ : إنّ هذا لزيد ، لم يعلم هل قصدت إلى إضافة المشار إليه إلى زيد ، أو إلى الإخبار بأنّ المشار إليه زيد؟

فإن قال قائل : فإنّ الإعراب ينبىء عن ذلك ، لأنك كنت تقول في الإضافة : إنّ هذا لزيد ، بالخفض ، فإذا لم ترد الإضافة كنت تقول : إنّ هذا لزيد ، بالرفع. قيل له : الإعراب يسقط في الوقف فيسقط الدّليل ، فجعل الفرق باللّام لئلّا يزول في وصل ولا وقف ، فكان أبين دلالة مما يدلّ في حال ويسقط في حال. / فأما المضمر فلا لبس فيه في مثل هذه الحال ؛ لأنّ علامة المضمر المخفوض غير علامة المضمر المرفوع ؛ فأنت تقول إذا أردت الإضافة : إنّ هذا لك ، ولكما ، ولكم. وإذا لم ترد الإضافة وأردت أنّ المشار إليه هو المخاطب أو غيره ، وأنّ الثاني هو الأول ، قلت : إنّ هذا لأنت. فلم يقع فيه لبس ، فبقيت اللّام على أصلها مفتوحة ، وهذا بيّن واضح.

٩٨

باب اللام الداخلة في النفي

بين المضاف والمضاف اليه

اعلم أنّ اللام إذا دخلت بين المضاف والمضاف إليه فصلته منه لفظا ، وعاقبت التنوين ، وزالت الإضافة ولم يتعرّف المضاف بالمضاف إليه ، ولم يتنكّر به ؛ لأنّ اللّام قد حجزت بينهما ، وذلك قولك : هذا غلام لزيد ، وهذا ثوب لزيد ، وهذا الغلام لرجل ، وهذا الثوب لصاحب لنا. وهذا قياس مطّرد فيها ، وقد ذكرناها فيما مضى بعلّتها (١) ، إلّا أنه قد تدخل هذه اللّام في النفي بين المضاف والمضاف إليه غير مغيّرة حكم الإضافة ، ولا مزيلة معناها ، ولا حاذفة للتنوين ، وذلك قول العرب : لا أبالك ، ولا غلامي لزيد ، ولا يدي لك بها ، وما أشبه ذلك. قال سيبويه : أدخلوا اللّام هاهنا بين المضاف والمضاف إليه مشدّدة معنى الإضافة ومؤكّدة له. قال : والدّليل على أنّ هذا الكلام مضاف إلى ما بعد اللّام ، وأنّ اللّام لم تغيّر معنى الإضافة قولهم : لا أبا لك ، لأنّ هذه الألف إنما ثبتت في الأب في حال النصب إذا كان مضافا ، كقولك : رأيت أباك ، ولو لم يكن مضافا إلى

__________________

(١) وذلك في باب لام الملك ص : ٤٨.

٩٩

ما بعد اللام (١) لم تثبت فيه الألف ، وكذلك قولهم : لا غلامي لك ، إنما حذفت منه نون الاثنين لتقدير إضافته إلى الكاف ، ولو لا ذلك لثبتت النون ؛ لأنّ نون الاثنين إنما تحذف للإضافة. وكذلك قولهم : لا يدي لك ، إنما حذفت النون لتقدير الإضافة (٢).

فإن قال قائل : فلم جاز ألّا تفصل هذه اللّام بين المضاف والمضاف إليه في هذا الموضع وقد فصلت بينهما في سائر الكلام؟ قيل له : إنّما جاز ذلك في النفي لكثرته في الكلام / وهم ممّا يغيّرون الشيء عن حال نظائره إذا كثر في الكلام ، وكذلك تزاد هذه اللّام بين المضاف والمضاف إليه في النداء أيضا لكثرته في الكلام. قال سيبويه : فزيادة هذه اللّام بين المضاف والمضاف إليه في النفي والنداء بمنزلة تكرير الاسم وتقدير

__________________

(١) في الأصل : إلى ما بعد الكاف.

(٢) قال سيبويه : «اعلم أن التنوين يقع من المنفي في هذا الموضع إذا قلت : لا غلام لك ، كما يقع من المضاف إلى اسم ، وذلك إذا قلت : لا مثل زيد. والدليل على ذلك قول العرب : لا أبا لك ، ولا غلامي لك ، ولا مسلمي لك. وزعم الخليل أن النون إنما ذهبت للاضافة ، ولذلك ألحقت الألف التي لا تكون إلا في الإضافة. وإنما كان ذلك من قبل أن العرب قد تقول : لا أباك ، في معنى : لا أبا لك ؛ فعلموا أنهم لو لم يجيئوا باللام لكان التنوين ساقطا كسقوطه في : لا مثل زيد ، فلما جاؤوا بلام الإضافة تركوا الاسم على حاله قبل أن تجيء اللام إذ كان المعنى واحدا.» الكتاب ١ : ٣٤٥ ـ ٣٤٦.

١٠٠