كتاب اللّامات

عبد الرحمن بن إسحاق الزّجّاجي

كتاب اللّامات

المؤلف:

عبد الرحمن بن إسحاق الزّجّاجي


المحقق: الدكتور مازن المبارك
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار صادر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٠٧

واعلم أنّ هذه الألف واللّام التي للتعريف قد تدخل في الكلام على ضروب :

فمنها أن تعرّف الاسم على معنى العهد ، كقولك : جاءني الرجل ، فإنّما تخاطب بهذا من بينك وبينه عهد برجل تسير إليه ، لولا ذلك لم تقل : جاءني الرجل ، ولكنت تقول : جاءني رجل وكذلك قولك : مرّ بي الغلام ، وركبت الفرس ، واشتريت الثوب ، وما أشبه ذلك ، إنما صار معرفة لإشارتك بهذه الألف واللام إلى العهد الذي بينك وبين مخاطبك فيما دخلت عليه هذه الألف واللّام (١).

/ وقد تدخل لتعريف الجنس ، وذلك أن تدخل على اسم واحد من جنس فتكون تعريفا لجميعه لا لواحد منه بعينه ، وذلك قولهم : قد كثر الدرهم والدينار في أيدي الناس ، لا يراد به تعريف درهم بعينه ، ولا دينار بعينه ، وإنما يراد به الجنس ، ومن ذلك قولك : المؤمن أفضل من الكافر ، لست تريد مؤمنا بعينه ، وإنما تريد تفضيل جنس المؤمنين على الكافرين ، ومن ذلك قولهم : الرجل أفضل من

__________________

(١) وقد فرّق النحاة بين العهد الذكري والعهد الذهني والعهد الحضوري. انظر مغني اللبيب ١ : ٥٠.

٢١

المرأة. ومنه قولهم : قد أيسر فلان فصار يشتري الفرس العتيق والغلام الفاره والخادمة الحسناء ، ولا يراد به الواحد من الجنس وإنما يراد ما كان من هذا الجنس. ومن ذلك قولهم : هذا الصيّاد شقيا ، وهذا الأسد مخوفا ، لا يراد أسد بعينه ولا صائد بعينه وإنما يراد ما كان من هذا الجنس (١).

وقد تدخل لضرب بالشبه من التعريف ، وذلك أن تدخل على نعت مخصوص مقرون بمنعوت ، ثم لا يطّرد إدخالها على من كان بتلك الصفة مطلقا إلا معلّقا بما يخرجه عن العموم والأشكال ، وذلك قولهم : المؤمن والكافر والفاسق والمنافق والفاجر وما أشبه ذلك من الصفات الشرعيّة ؛ ألا ترى أنّ اشتقاق المؤمن من التّصديق ، ولا تقع هذه الصفة معرّفة بالألف واللّام إلا على المؤمنين بالله عزّ وجلّ والنبيّ عليه السّلام وشرائعه؟ ولا تقول لمن صدّق بخبر من الأخبار أو بشيء من الأشياء وهو مخالف لهذه الشريعة : المؤمن ، مطلقا حتى تقول : مؤمن بكذا وكذا. وكذلك الكافر أصله من الستر ، كلّ من ستر شيئا

__________________

(١) كذلك فرق النحاة بين (ال) الجنسية التي لاستغراق الأفراد والتي لاستغراق خصائص الأفراد والتي لتعريف الماهية. وانظر مغني اللبيب ١ : ٥١.

٢٢

فقد كفره ، ثم صارت صفة تقع معرّفة بالألف واللّام على من خالف الإسلام ، فلا تقول لمن ستر شيئا بعينه : قد جاء الكافر ، أو رأيت الكافر ، حتى تقرنه بما يخرجه من الأشكال فتقول : قد جاءنا الكافر للثوب وما أشبه ذلك ، فأما منكورا أو موصولا بما يبيّنه فجائز استعماله ؛ ألا ترى أنّ الله عزّ وجلّ لمّا ذكره معرّفا بالألف واللّام وصله بصفة توّضحه وتبيّنه فقال عزّ وجلّ : (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ)(١) ، يعني الزرّاع ، فبان ذلك بذكر الزّرع والنبات ، ولذلك تعلّق بهذه الآية / بعض أغبياء الملحدين ممّن لا علم له بالعربيّة فقال : وكيف يعجب الزرع الكفّار دون المؤمنين؟ وذهب عليه أنّ المعنيّ بهم هم الزرّاع ؛ لأنهم به عند استحكامه وجودته أشدّ فرحا من غيرهم ، لطول معاناتهم له وكدّهم فيه وتأميلهم إيّاه. وكذلك الفاسق أصله عند جميع أهل العربيّة من قولهم : فسقت الرطبة من قشرها ، إذا خرجت منه ، ولا تطلق هذه الصفة معرّفة بالألف واللّام على كلّ

__________________

(١) الآية : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ.) الحديد ٥٧ : ٢٠.

٢٣

خارج من غشاء وغطاء وستر كان فيه. وكان قطرب (١) وحده يذهب إلى أنّ اشتقاق الفاسق من الاتساع ، وذكر أنّ العرب تقول : تفسّق الرجل في أمره ، إذا اتّسع فيه ، قال : فكأنّ الفاسق قد وسّع على نفسه من مذاهب الدّين ما يحرج (٢) فيه غيره فيضيّقه على نفسه توقيا للمآثم. ولا يجوز على هذا التأويل أيضا إطلاقه معرّفا بالألف واللّام على كلّ من توسّع في حال من الأحوال. ومن هذا النوع الطبيب والفقيه والشاعر ؛ لأنها وإن كانت صفات مشتقات فلن تطلق معرّفة بالألف واللّام إلّا مخصوصة لمن وضعت له اتفاقا.

وقد تدخل الألف واللّام للتعريف في ضرب رابع ، وهو أن تدخل على صفات شهر بها قوم حتى صارت تنوب عن أسمائهم ، ثم غلبت عليهم فعرفوا بها دون أسمائهم كقولهم : الفضل والحارث والعبّاس والقاسم وما أشبه ذلك ، هكذا كانت في الأصل نعوتا غلبت فعرف بها أصحابها ، ثم نقلت فسمّي بها بعد ذلك (٣).

__________________

(١) هو محمد بن المستنير المتوفى سنة ٢٠٦ وكان تلميذا لسيبويه. وانظر ترجمته في طبقات الزبيدي : ١٠٦ وإنباه الرواة ٣ : ٣١٩ وبغية الوعاة : ١٠٤.

(٢) حرج يحرج حرجا : ضاق.

(٣) لما كانت العلمية نفسها تعريفا فقد ذهب جمهور من النحاة إلى أن الألف واللام في الاسم العلم ليسا للتعريف ، لئلا يجتمع تعريفان ، وإنما هما للمح الأصل الذي نقل

٢٤

قال سيبويه (١) : فمن قال : حارث وعباس وفضل فهنّ عنده بمنزلة زيد وجعفر ومحمّد وبكر ، أسماء أعلام لا يجوز إدخال الألف واللّام عليها. ومن قال : الحارث والعباس والفضل ، فإنما نقلها من النعوت المشهورة فسمّى بها. فإن نادى مناد الحارث والعباس والفضل أسقط منها الألف واللّام ورجع إلى اللغة الأخرى فقال : يا حارث ، ويا عباس. وأهل الكوفة يسمّون الألف واللّام في الحارث والعباس / والفضل تبجيلا لأنها الألف واللّام الداخلة للتعريف والتّبجيل.

وقد تدخل الألف واللام للتعريف على ضرب خامس ، وذلك أن تدخلا على نعت مخصوص وقع لواحد بعينه مشتقا ، ثم لم يستعمل

__________________

عنه العلم ؛ وقد ينقل عن صفة كالحارث ، وعن مصدر كالفضل ، وعن اسم جنس غير مصدر كالنعمان. قال ابن مالك :

وبعض الاعلام عليه دخلا

للمح ما قد كان عنه نقلا

كالفضل والحارث والنعمان

فذكر ذا وحذفه سيان

وانظر شرح ابن عقيل على الألفية ١ : ٤٠.

(١) قال سيبويه : «وزعم الخليل أن الذين قالوا : الحارث والحسن والعباس ، إنما أرادوا أن يجعلوا الرجل هو الشيء بعينه ، ولم يجعلوه سمّي به ، ولكنهم جعلوه كأنه وصف له غلب عليه. ومن قال : حارث وعباس ، فهو يجريه مجرى زيد.» الكتاب ١ : ٢٦٧.

٢٥

في جنسه ولا فيما شاركه في تلك الصفة ولا نقل [إلى غيره](١) فسمّي به وذلك نحو قولهم : الدبران (٢) ، للنّجم ، إنما سمّي بذلك لأنه دبر أي صار في دبر (٣) الكوكب التالي له ، وكذلك السّماك (٤) للنجم المعروف ، وإنما سمّي بذلك لسموكه (٥) أي ارتفاعه ، وكذلك قال سيبويه ، قال : ولا يجوز أن يقال لغيره من الأشياء المرتفعة السّماك كائنا ما كان (٦). وكذلك قولهم : ابن الصّعق ، إنما هي صفة لرجل بعينه أصابه ذلك ، ثم لم تنقل ولم يسمّ بها (٧) كما فعل بالحارث والعباس والفضل فسمّي

__________________

(١) في الأصل بياض قدر كلمة.

(٢) الدبران : خمسة كواكب من الثور.

(٣) الدبر ، بضم وبضمتين : الظهر ، ودبر الأمر : آخره.

(٤) السماكان : كوكبان نيّران ، أحدهما السماك الأعزل ، والآخر السماك الرامح.

(٥) سمك الشيء سموكا : ارتفع. وسمك الله السماء سمكا : رفعها.

(٦) قال سيبويه : «وأما الدبران والسمّاك والعيّوق وهذا النحو فانما يلزم الألف واللام من قبل أنه عندهم الشيء بعينه. فان قال قائل : أيقال لكل شيء صار خلف شيء دبران؟ ولكل شيء عاق عن شيء عيّوق؟ ولكل شيء سمك وارتفع سماك؟ فانك قائل له : لا. ولكن هذا بمنزلة العدل والعديل ؛ فالعديل ما عاد لك من الناس ، والعدل لا يكون إلا للمتاع ، ولكنهم فرقوا بين البناءين ليفصلوا بين المتاع وغيره.» الكتاب ١ : ٢٦٧.

(٧) قال سيبويه : «والصعيق في الأصل صفة تقع على كل من أصابه الصعق ولكنه غلب عليه حتى صار علما بمنزلة زيد وعمرو.» الكتاب ١ : ٢٦٧.

٢٦

بها. فهذا الفرق بين ما ذكرناه من هذا الباب وبين الحارث والعبّاس. والفرق بينه وبين الفاسق وما ذكر معهما أن ذلك يطّرد منكورا في جنسه وهذا لا يطّرد.

ومن قولهم في هذا الباب : الثّريّا (١) للكواكب المجتمعة المعروفة بعينها. وإنما هي تصغير ثروى ، وهي فعلى من الثروة ، وهي الكثرة ، ولا يطلق هذا اللفظ مصغّرا معرّفا بالألف واللّام لما كثر من الأشياء غيرها. ومن ذلك قول العرب : النجم ، إذا ذكروه هكذا معرّفا بالألف واللّام غير متّصل بشيء فإنما يريدون به الثّريّا بعينها (٢) فيقولون : غاب النّجم ، وطلع النجم (٣). هكذا يقول أكثر أهل اللّغة. وقد استعمل النّجم معرّفا لغير الثّريّا ، وقد قال الله تعالى : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى)(٤) وأراه ـ والله أعلم ـ إشارة إلى ما هوى من النجوم إلى الغروب أيّها كانت ، ويجوز أن يكون إشارة إلى ما هوى من الكواكب التي ترجم بها الشياطين.

__________________

(١) الثراء : كثرة المال. ومال ثريّ ، على وزن فعيل ، أي كثير. ومنه رجل ثروان وامرأة ثروى ، وتصغيرها ثريّا.

(٢) وفي الصحاح : الثريّا : النجم.

(٣) قال سيبويه : «وقولهم النجم صار علما للثريّا.» الكتاب ١ : ٢٦٧.

(٤) وبعدها : (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى.) النجم ٥٣ : ١ ـ ٢.

٢٧

وقد دخلت الألف واللّام للتّعريف على ضرب سادس ، وذلك دخولها على بعض الأسماء ثابتة غير منفصلة ، ولم تسمع قطّ معرّاة منها ، كدخولها على الّتي والّذي واللّذين واللّتين والّذين واللّاتي واللّائي وما أشبه ذلك ، فإنّ إجماع النحويين كلّهم على أنّ الألف واللّام / في أوائل هذه الأسماء للتّعريف (١) ، ولم تعر قطّ منها. فسيبويه يقول : أصل الذي (لذ) مثل عم وشج ، ثم دخلت عليه الألف واللّام للتعريف. والفرّاء يقول : أصل الذي (ذا) وهو إشارة إلى ما بحضرتك ، ثم نقل من الحضرة إلى الغيبة ، ودخلت عليه الألف واللّام للتعريف ، وحطّت ألفها إلى الياء ليفرّق بين الإشارة إلى الحاضر والغائب. وكذلك قولنا : الله عزّ وجلّ ، إنما أصله إله ثم دخلت عليه الألف واللّام للتعريف ، وحذفت الهمزة. وقال سيبويه : أصله لاه ، ثم دخلت عليه الألف واللّام للتّعريف (٢).

__________________

(١) ومن قال منهم بأن تعريف الأسماء الموصولة بالصلة فقد عدّ (ال) فيها زائدة لازمة.

(٢) جمع الزجاجي مذاهب القول في لفظ (الله) في كتابه (اشتقاق أسماء الله تعالى) فقال : «الله عز وجل في اشتقاقه أربعة أقوال :

قال يونس بن حبيب والكسائي والفراء وقطرب والأخفش : أصله إلاه ، دخلت عليه الألف واللام للتعريف ، فقيل : الإله ، ثم حذفت الهمزة تخفيفا فاجتمعت لامان فأدغمت الأولى في الثانية فقيل : الله ، فاله فعال بمعنى مفعول كأنه مألوه أي معبود ...

٢٨

ومن نادر ما دخلت عليه الألف واللّام للتّعريف قولهم (الآن) في الإشارة إلى الوقت الحاضر ، ونحن نذكره وعلّته في الباب الذي يلي هذا الباب إن شاء الله.

__________________

وقال الخليل بن أحمد : أصل إلاه ولاه من الوله والتحيّر ، ثم أبدلت الواو همزة لانكسارها فقيل : إلاه كما قيل في وعاء : إعاء وفي وشاح إشاح ، ثم أدخلت عليه الألف واللام وحذفت الهمزة فقيل : الله. وكأن معناه على هذا المذهب أن يكون الوله من العباد إليه.

والمذهب الثالث مذهب سيبويه ، بعد أن وافق الجماعة الأولين ، قال : وجائز أن يكون أصله : لاه ، على وزن فعل ، ثم دخلت عليه الألف واللام للتعريف فقيل : الله.

والمذهب الرابع مذهب أبي عثمان المازني : كأن قولنا الله ، إنما هو اسم هكذا بالأصل موضوع لله عزّ وجلّ. وليس أصله إلاه ولا ولاه ولا لاه ... قال : والدليل على ذلك أني أرى لقول (الله) فضل مزيّة على إلاه ، وإني أعقل به ما لا أعقل بقول (إلاه).» باختصار من باب الله عز وجلّ من كتاب اشتقاق أسماء الله تعالى للزجاجي.

وفي الصحاح : أله بالفتح إلاهة أي عبد عبادة. ومنه قولنا (الله) وأصله (إلاه) على فعال ، بمعنى مفعول لأنه مألوه أي معبود ، فلما أدخلت عليه الألف واللام حذفت الهمزة تخفيفا لكثرته في الكلام. وفيه أيضا : وتقول : أله يأله ألها : أي تحيّر ، وأصله : وله يوله ولها.

وقال ابن خالويه : «سمعت أبا علي النحوي يقول : اسم الله تعالى مشتق من تألّه الخلق إليه أي فقرهم وحاجتهم إليه.» إعراب ثلاثين سورة من القرآن : ١٣. وانظر مجالس العلماء للزجاجي : ٦٩.

٢٩

باب ذكر ما يمتنع اجتماعه مع الألف واللام

اللتين للتعريف وما يمتنع ادخاله على هذه

الألف واللام وذكر معاني (الآن) وعلّة بنائه

اعلم أنّه لا يجوز اجتماع الألف واللّام والتنوين على حال من الأحوال نحو قولك : رجل وفرس وغلام ، ثم تقول : الرّجل والغلام والفرس ، فيسقط التنوين. وخطأ الجمع بينهما والعلّة في ذلك عند البصريين أنّ التنوين دخل في الأسماء فرقا بين المنصرف منها المتمكّن وبين الممتنع من الانصراف بنقله مضارعا للفعل (١) ، فإذا دخلت الألف واللّام عليه مكّنته فردّته إلى الأصل فانصرف كلّه فاستغنى عن دلالة التّنوين ، لأنه لا معنى للجمع بين دليلين على معنى واحد لا فضل لأحدهما على الآخر.

__________________

(١) قال سيبويه : «واعلم أن بعض الكلام أثقل من بعض ، فالأفعال أثقل من الأسماء ، لأن الأسماء هي الأول ، وهي أشدّ تمكنا فمن ثم لم يلحقها تنوين ولحقها الجزم والسكون.» الكتاب ١ : ٦ وقال : «فالتنوين علامة للأمكن عندهم والأخف عليهم ، وتركه علامة لما يستثقلون.» الكتاب ١ : ٧ وانظر علة دخول التنوين في الكلام في كتاب الإيضاح في علل النحو للزجاجي ص : ٩٧.

٣٠

وعلّة امتناع الجمع بين التنوين والألف واللّام عند الفرّاء والكسائيّ وأصحابهما هي أنّ التنوين لازم الأسماء فرقا بينها وبين الأفعال (١) ؛ لأنّ من الأسماء ما جاء بوزن الأفعال نحو : جعفر ، لأنه بوزن دحرج ، ونحو : جبل وجمل ، لأنّه بوزن خرج وذهب ، وكذلك ما أشبهه ، فجعل التنوين فرقا بين الأسماء والأفعال ، وألزم الأسماء لأنّها أخفّ من الأفعال / والألف واللّام لا تدخل على الأفعال لأنه لا تعتورها المعاني التي من أجلها تدخل الألف واللّام على الأسماء التي قدّمنا شرحها ، فلمّا دخلت الألف واللّام على الأسماء فارقت شبه الأفعال فاستغني عن التنوين ودلالته فأسقط.

ولا يجوز الجمع بين الإضافة والألف واللّام نحو قولك : هذا غلام زيد ، وثوب عمرو ، ودار بكر ، لو قلت : هذا الغلام زيد ، والثوب عمرو ، كان خطأ. والعلّة في امتناع اجتماع الألف واللّام والإضافة هي أنّ الألف واللّام تعرّف الاسم بالملك والاستحقاق ، ومحال جمع تعريفين مختلفين على اسم واحد. وليس في العربيّة شيء يجمع فيه بين الألف واللّام والإضافة إلّا قولهم :

__________________

(١) انظر قول الفراء هذا في كتاب الإيضاح في علل النحو : ٩٧.

٣١

هذا الحسن الوجه ، والفاره العبد ، والكثير المال ، وما يجري هذا المجرى ، وإنما جاز هاهنا الجمع بينهما لزوال العلّة التي من أجلها امتنع الجمع بينهما ؛ وذلك أنّ الإضافة في هذا الباب لم تعرّف المضاف ؛ لأنّها إضافة غير محضة وتقديرها الانفصال ؛ وشرح ذلك أنّك إذا قلت : هذا غلام وثوب ودار ، فهو نكرة ، وإذا أضفته إلى معرفة تعرّف به ، كقولك : هذا ثوب زيد ، وغلام عمرو ، وأنت إذا قلت : مررت برجل حسن الوجه ، فحسن نكرة ، ولم يتعرّف بإضافتك إياه إلى الوجه ، لأنّ الحسن في الحقيقة للوجه ، ثمّ نقل إلى الرجل ، فلذلك جاز إدخال الألف واللّام عليه للتّعريف إذ كان غير متعرّف بالإضافة فقيل : مررت بالرجل الحسن الوجه ، والكثير المال وما أشبه ذلك ، ولا نظير له في العربيّة.

واعلم أنه جائز إدخال جميع العوامل على الاسم المعرّف بالألف واللّام من رافع وناصب وخافض إلا حرف النداء ، فإنه لا يجوز إدخاله عليه ، لو قلت : يا لرجل ويا لغلام ، لم يجز. والعلّة في امتناع الجمع بينهما هي أنّ حرف النداء يعرّف المنادى بالإشارة والتّخصيص ، والألف واللام يعرّفانه بالعهد ، فلم يجز الجمع بين تعريفين مختلفين

٣٢

كما ذكرت لك في هذا الباب (١). فإن أردت نداء ما فيه الألف واللّام ، ناديته فقلت : يا أيّها الرجل ويا أيّها الغلام ، كما قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ)(٢) و (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ)(٣) وليس في العربيّة اسم / في أوله الألف واللّام دخل عليه حرف النداء إلّا قولهم : يا الله اغفر لنا ، فإنهم أدخلوا الألف واللّام وحرف النداء ، وإنما جاز ذلك لأنّ أصله إله ثمّ دخلت الألف واللّام وحذفت الهمزة فصارت الألف واللام لازمتين كالعوض من الهمزة المحذوفة ، فصارتا كأنهما من نفس الكلمة ، فلذلك دخل عليه حرف النداء (٤).

فإن قال قائل : فإنّ الّذي والّتي وتثنيتهما وجمعهما لا تفارقه الألف واللّام ولا تنفصل منه ، فهل (٥) يجوز على هذا أن نناديه فنقول : يا الّذي في الدار ، ويا الّذي قام؟ قلنا : ذلك غير جائز. والفرق بينهما هو أنّ الألف واللّام في الله عزّ وجلّ عوض من الهمزة

__________________

(١) يعني ما سبق في ص ٣١.

(٢) سورة النساء ٤ : ١.

(٣) تتمتها : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً.) الأحزاب ٣٣ : ١.

(٤) شرح الزجاجي هذه العلة في باب (الله عز وجل) من كتابه «اشتقاق أسماء الله تعالى» المخطوط.

(٥) في الأصل : فهو.

٣٣

المحذوفة كما ذكرنا ، وليستا في الذي وبابه عوضا من محذوف ، فصارتا في الله عزّ وجلّ كأنهما من نفس الكلمة إذ كانتا عوضا من حرف أصليّ (١). وقد غلط بعض الشعراء فأدخلها على الّذي لمّا رأى الألف واللّام لا تفارقانه فقال :

فيا الغلامان اللّذان فرّا

إيّاكما أن تكسبانا شرّا (٢)

وقال آخر :

من اجلك يا الّتي تيّمت قلبي

وأنت بخيلة بالودّ عنّي (٣)

__________________

(١) قال الزجاجي : «وليست الألف واللام في (الله) كالألف واللام في (الذي) ، وإن كانت الألف واللام لا يفارقان (الذي) ؛ لأن (الذي) لم يحذف منه شيء فتكون الألف واللام عوضا منه ، فلذلك لم يدخل حرف النداء على (الذي) ، ولأن (الذي) نعت واقع على كل منعوت ؛ تقول : رأيت الرجل الذي في الدار ، والثوب الذي عندك ، ...» باب (الله عز وجل) من كتاب اشتقاق أسماء الله تعالى.

(٢) لم يعرف له قائل. وروى الزجاجي في كتابه اشتقاق أسماه الله تعالى أن المبرد كان يخطّئ القائل ويقول : لو قال : فيا غلامان ، لاستقام وزن البيت. وهو في الإنصاف (المسألة : ٤٦) : إيا كما أن تكسباني. وهو أيضا في شرح المفصل ٢ : ٩ وفي الخزانة ١ : ٣٥٨.

(٣) لم يعرف قائله. وهو من شواهد سيبويه ١ : ٣١٠. وفي الإنصاف ، المسألة : ٤٦ والرواية فيه : فديتك يا التي ... ، وفي شرح المفصّل ٢ : ٨ ، والخزانة ١ : ٣٥٨ والرواية فيها : بالوصل عني. وروى الزجاجي البيت في كتابه اشتقاق أسماء الله تعالى ، ثم قال : ذكر أبو العباس المبرد رحمه الله أنه غلط من قائله ، ولا يقبل لمخالفته الجماعة

٣٤

وكان المبرد يردّ هذا ويقول هو غلط من قائله أو ناقله ، لأنه لو قيل :

فيا غلامان اللذان فرّا

 ....

لاستقام البيت وصحّ اللفظ به ، ولم تدع ضرورة إلى إدخال الألف واللّام (١). وهذه الأبيات من رواية الكوفيين ، ولم يروها البصريون ، وسبيلها في الشذوذ سبيل إدخال بعضهم الألف واللّام على الفعل كما أنشد أبو زيد وغيره من البصريين والكوفيين :

يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا

إلى ربّنا صوت الحمار اليجدّع (٢)

__________________

والقياس. وقال السيرافي : «كان أبو العباس لا يجيز يا التي ، ويطعن على البيت ، وسيبويه غير متهم فيما رواه. ومن أصحابنا من يقول : إن قوله : يا التي تيمت قلبي ، على الحذف ، كأنه قال : يا أيتها التي تيمت قلبي ، فحذف وأقام النعت مقام المنعوت.» هامش الكتاب ١ : ٣١٠.

(١) انظر الحاشية ٢ من الصفحة السابقة.

(٢) البيت لذي الخرق الطهوي ، يريد تشبيه قائل الفحش بالحمار الذي تقطع أذناه فينهق. وهو في المغني ١ : ٥٠ وفيه أن دخول (ال) هنا خاص بالشعر خلافا للأخفش وابن مالك ، وانظره في شرح شواهد المغني ١ : ١٦٢ وفي الخزانة ١ : ١٤ ـ ١٦ والعيني ١ : ٤٦٧. وفي الإنصاف : المسألة ١٦ والمسألة ٤٣ والمسألة ٧١ وفيها أن الألف واللام قد تقام مقام الذي لكثرة الاستعمال طلبا للتخفيف. وذكر ابن الأنباري أمثلة على ذلك منها قوله :

يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا

إلى ربنا صوت الحمار اليجدّع

٣٥

أراد : الذي يجدّع ، فأدخل الألف واللّام على الفعل. وهو في الشذوذ شبيه أيضا بقول من جمع بين الألف واللّام والإضافة فقال :

وبالقوم الرّسول الله منهم

لهم ذلّ القبائل من معدّ (١)

ومثل هذا غلط وخطأ لا يعبأ به ، وإنما حكيناه ليتجنّب ، ولئلا يتوهّم متوهّم أنه أصل يعمل عليه ، أو أنّا لم نعرفه ، أو أغفلناه ، ليكون هذا الكتاب / مستوعبا لأحكام اللّامات كلّها إن شاء الله.

ومن نادر ما دخلت عليه الألف واللّام للتّعريف قولهم (الآن) ؛ وذلك أنه مبنيّ وفيه الألف واللّام ، وسبيل المبنيّ إذا أضيف أو دخلته الألف واللام أن يتمكّن ويرجع إلى التعريف (٢) كما قالوا : خرجت أمس ، وما رأيتك منذ أمس ؛ فبنوه على الكسر ، فإذا أدخلوا الألف واللّام أو أضافوه عرّفوه. وليس في العربيّة مبنيّ

__________________

ويستخرج اليربوع من نافقائه

ومن جحره ذي الشيحة اليتقصّع

قال : أراد الذي يجدّع والذي يتقصّع. وجاء في التاج (مادة : جدع) أن أبا بكر ابن السراج قال : لما احتاج الشاعر إلى رفع القافية قلب الاسم فعلا ، وهو من أقبح ضرورات الشعر.

(١) هذا البيت من شواهد المغني ١ : ٤٩ والرواية فيه : لهم دانت رقاب بني معدّ.

وانظره في شرح الشواهد ١ : ١٦١ ، والعيني ١ : ٤٧٧ ، وابن عقيل ١ : ٨٤ ، والأشموني : ٨٣.

(٢) هكذا في الأصل ، وهي مكررة غير مرة كما ترى ، ولعله يريد ما يستتبع هذا التعريف من الإعراب ، لتصحّ مقابلته بالبناء.

٣٦

تدخل عليه الألف واللّام إلا عرّف ، إلّا الشيء في حال التنكير ؛ فإن الشيء في حال التنكير لم تمكّنه الألف واللّام ، لأن التنكير يخفّف الأشياء ويمكّنها فإذا وجب لها البناء فيه لم يمكّنها غيره ، وذلك نحو العدد ما بين أحد عشر إلى التسعة عشر ، فإنه مبنيّ إلّا اثني عشر ، فإن أدخلت عليه الألف واللّام لم يتعرّف أيضا فقلت : جاءني الخمسة عشر رجلا ، ومررت بالخمسة عشر رجلا ، لهذه العلّة التي ذكرتها لك.

فأمّا (الآن) فإنّك تقول : أنت من الآن تفعل كذا وكذا ، وأنت إلى الآن مقيم ، فتبنيه على الفتح كما ذكرت لك. وللنحويين في بنائه ثلاثة أقوال (١) :

قال أبو العباس المبرّد : إنما بني لأنه كان من شأن الأسماء أن يعرّفها كونها أعلاما نحو : زيد وعمرو ، أو مشارا إليها مبهمات فتعرّفها الإشارة

__________________

(١) البصريون والكوفيون جميعا على بناء (الآن) وإنما خلافهم في علّة البناء ؛ إذ ذهب جمهور البصريين إلى أنه بني لشبهه باسم الإشارة أو لتضمّنه معنى الحرف. وذهب الكوفيون إلى أنه مبني لأنه فعل ماض من آن يئين بمعنى حان ، ودخلت عليه الألف واللام وبقي الفعل على بنائه. وانظر تفصيل خلافهم في الإنصاف ، المسألة : ٧١.

واختلفوا في (ال) الداخلة على (الآن) فقال قوم إنها للتعريف ، وذهب آخرون إلى أنها زائدة لازمة. قال ابن مالك :

وقد تزاد لازما كاللّات

والآن والذين ثم اللّاتي.

٣٧

نحو : هذا وذاك وبابه ، أو مضمرات أو مضافات إلى معارف أو نكرات نحو : رجل وفرس ، ثم يعرّف بالألف واللام ، فلما وقع (الآن) في أول أحواله معرّفا بالألف واللام فارق بابه فبني (١).

وقال آخرون من البصريين : إنما بني (الآن) لأنه أشير به إلى الوقت الحاضر لا إلى عهد متقدّم (٢) ، فضارع (هذا) فبني لمضارعته ما لا يعرّف ؛ لأنك إذا قلت : أنت الآن تفعل ، فإنما تريد أنت في هذا الوقت.

وقال الفراء والكسائيّ : إنما هو محكيّ ، وأصله من آن الشيء يئين بمعنى حان يحين. وفيه ثلاث لغات ؛ يقال : آن لك أن تفعل كذا وكذا. وأنى لك أن تفعل كذا وكذا يأني لك ، كما قال الله عزّ وجلّ : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ)(٣).

__________________

(١) انظر التفصيل في الإنصاف المسألة : ٧١ وابن يعيش ٤ : ١٠٣ والأشموني ١ : ٥٧ و ١٧٥.

(٢) يريدون أن قولك (الآن) يعني : هذا الوقت. ودخول الألف واللام هنا على خلاف بابهما ؛ إذ يدخلان لتعريف الجنس ، أو تعريف العهد ، أو يدخلان على ما غلب عليه نعته كالعباس والحارث ... أما هنا فقد دخلا على ما يشبه اسم الإشارة.

(٣) تتمة الآية : (وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ.) الحديد ٥٧ : ١٦.

٣٨

والثالثة أن تقول : أنال لك أن تفعل كذا وكذا ، بزيادة اللّام. قالوا فدخلت الألف واللّام على اللغة الأولى فقيل : الآن فاعلم ، فترك على فتحه ، كما روي في الأثر أنه نهي عن قيل وقال ، ويحكى مفتوحا / على لفظ الفعل الماضي (١) ، وبعضهم يردّه على قيل وقال ، فيجعلهما اسمين ويعربهما. وللفراء فيه قول انفرد به ، قال : يجوز أن يكون محلّى ترك على فتحه. وهذا ليس بشيء لأنه لا يمتنع من تأثير العوامل فيه إلا أن يكون مبنيا فيرجع إلى ما قال القوم. وأصل (الآن) عند جماعة البصريين وعند الفراء في أحد قوليه (أوان) حذفت الألف التي بعد الواو فانقلبت الواو ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها فقيل (آن) ، ويجمع أوان على آونة كما قيل زمان وأزمنة.

__________________

(١) يرى الكوفيون أن بقاء بناء الفعل (آن) بعد دخول الألف واللام عليه شبيه ببقائه في (قيل وقال) بعد دخول حرف الجرّ عليهما فيما روي من أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن قيل وقال. وردّ البصريون على ذلك بأنه محمول على الحكاية.

٣٩

باب في تبيين وجوه دخول الألف واللام

على الأسماء المشتقّة من الأفعال.

اعلم أنّها تدخل على ثلاثة أوجه :

أحدها أن تكون بتأويل الّذي ، فتحتاج إلى صلة وعائد ، وتجري في ذلك مجرى الذي ، كقول القائل : ضرب زيد عمرا ، فقيل له : أخبر عن زيد ، فقال : الضارب عمرا زيد. ففي الضارب مضمر يعود على الألف واللّام اللذين بمعنى الذي ، وأنت لم تذكر الذي ، وإنما ذكرت ما يدلّ عليه فجئت بالعائد / لذلك.

والوجه الثاني أن تدخل لتعريف هذه الأسماء المشتقّة من الأفعال ، لا بتأويل الذي ، ولكن كما تعرّف أسماء الأجناس نحو : الرجل والفرس ، فتقول : الضارب والقائم ، تريد به التعريف لا معنى الذي. قال أبو عثمان المازنيّ (١) : والدليل على صحّة هذا التأويل أنك تقول : نعم الضارب ، ونعم القائم ، وغير جائز أن تقول : نعم الّذي عندك ؛ لأنّ نعم وبئس لا يدخلان على الّذي وأخواتها ، ودخولهما على

__________________

(١) تقدمت ترجمته في ص : ١٩.

٤٠