تاريخ مدينة دمشق - ج ٧٠

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٧٠

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٤
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

عبد الملك بن مروان على زوجته عاتكة بنت يزيد بن معاوية ، فرأى عندها امرأة بدوية أنكرها ، فقال لها : من أنت؟ قالت : أنا الوالهة الحرى ليلى الأخيليّة ، قال : أنت التي تقولين :

أريقت جفان ابن الخليع فأصبحت

حياض الندى زالت بهن المراتب

فعفاؤه (١) لهفى يطوفون حوله

كما انقضّ عرش البئر والورد عاصب

قالت : أنا التي أقول ذلك ، قال : فما أبقيت لنا؟ قالت : الذي أبقى (٢) الله لك ، قال : وما ذاك؟ قالت : نسبا قرشيا وعيشا رخيا ، وامرأة مطاعة ، قال : أفردته بالكرم ، قالت : أفردته بما انفرد به (٣) ، فقالت (٤) عاتكة : إنها قد جاءت تستعين بنا عليك في عين تسقيها وتحميها لها. ولست ليزيد إن شفّعتها في شيء من حاجاتها ، لتقديمها أعرابيا جلفا على أمير المؤمنين ، قال : فوثبت ليلى فجلست على رحلها (٥) واندفعت تقول (٦) :

ستحملني (٧) ورحلي ذات وخد (٨)

عليها بنت آباء كرام

إذا جعلت سواد الشام حينا (٩)

وغلّق دونها باب اللئام

فليس بعائد أبدا إليهم

ذوو الحاجات في غلس الظلام

أعاتك لو رأيت غداة بنا

عزاء النفس عنكم واعتزامي (١٠)

إذا لعلمت واستيقنت أنّي

مشيّعة ولم ترعي ذمام

أأجعل مثل توبة في نداه

أبا الذّبّان (١١) فوه الدهر دام

معاذ الله ما خسفت برحلي

تغذ السير للبلد التهامي

أقلت خليفة فسواه أحجي (١٢)

بإمرته وأولى باللئام

__________________

(١) في الأغاني : فعفاته.

(٢) في الأغاني : أبقاه.

(٣) في الأغاني : بما أفرده الله به.

(٤) بالأصل : قالت ، والمثبت عن «ز» ، والأغاني.

(٥) في الأغاني : فقامت على رجلها.

(٦) الأبيات في الأغاني ١١ / ٢٤٦.

(٧) بالأصل و «ز» : سيحملني ، والمثبت عن الأغاني.

(٨) الوخد : ضرب من السير.

(٩) كذا بالأصل و «ز» ، وفي الأغاني : جنبا.

(١٠) بالأصل : واعتزام ، والمثبت عن الأغاني.

(١١) أبو الذبان كنية عبد الملك بن مروان.

(١٢) في «ز» : اهجي.

٦١

لثام الملك حين تعدّ (١) كعب

ذوو الأخطار والخطط (٢) الحسام

فقيل لها : أي الكعبين عنيت؟ قالت : ما أخال كعبا ككعبي.

أخبرنا أبو الحسن علي بن محمّد في كتابه.

ح وأخبرنا أبو المعمر المبارك بن أحمد عنه.

ح وأخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو علي بن أبي جعفر ، وأبو الحسن علي بن محمّد ، قالا : أنا أبو القاسم بن بشران.

قالا : أنا أحمد بن إبراهيم ، نا محمّد بن جعفر ، حدّثني إسماعيل بن أبي هاشم الزينبي ، نا عبد الله بن أبي الليث قال (٣) :

قال عبد الملك بن مروان لليلى الأخيليّة بالله هل كان بينك وبين توبة سوء قط؟ قالت : والذي ذهب بنفسه وهو قادر على ذهاب نفسي ، ما كان بيني وبينه سوء قط ، إلّا أنه قدم من سفر فصافحته فغمز يدي ، فظننت أنه يخنع لبعض الأمر ، قال : فما معنى قوله :

وذي حاجة قلنا له لا تبح بها

فليس إليها ما حييت سبيل

لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه

وأنت لأخرى فاعلمن خليل (٤)

قالت : لا والذي ذهب بنفسه ما كلمني بسوء قط حتى فرّق بيني وبينه الموت.

قال الخرائطي : وقيل لليلى الأخيليّة : هل كان بينك وبين توبة ما يكرهه الله؟ قالت : إذا أكون منسلخة من ديني إن كنت ارتكبت عظيما ، ثم أتبعه بالكذب.

أنبأنا أبو الفرج الخطيب ، عن أبي طاهر المشرف بن علي بن الخضر المصري ، أنا أبو العباس إسماعيل بن عبد الرّحمن بن عمر بن محمّد بن النحاس قال : قرئ على أبي محمّد الحسن بن رشيق ، نا أبو بكر يموت بن المزرع ، نا أبو مسلم عبد الله بن مسلم ، حدّثني أبي قال :

__________________

(١) بالأصل : صد ، وفي «ز» : بعد ، والمثبت عن الأغاني.

(٢) بالأصل و «ز» : والجحط ، والمثبت عن الأغاني.

(٣) الخبر والشعر في الأغاني ١١ / ٢٠٧ والقصة مع الحجاج بن يوسف وليس مع عبد الملك بن مروان ، والأمالي للقالي ١ / ٨٨.

(٤) في الأغاني : وأنت لأخرى فارغ وحليل. وفي الأمالي : صاحب وحليل.

٦٢

كنت في مجلس ضم على أشراف من أشراف قريش ، فتذاكروا الخنساء وليلى الأخيليّة ثم أجمعوا على أن الأخيليّة أفصحهما ، فشهدوا كلّا للأخيلية بالفصاحة ، وأنشد بعضهم مستعجبا من فصاحتها للأخيليّة :

يا أيها السيد الملوي رأسه

لينال من أهل الحجاز بريما

لينال عمرو بن الخليع ودونه

كعب إذا لوجدته مرءوما

إنّ الخليع ورهطه من عامر

كالقلب ألبس جؤجؤا وحزيما (١)

لا تقربن الدّهر آل مطرّف

إن ظالما أبدا وإن مظلوما

إن سالموك فدعهم من هذه

وارقد كفى لك بالرقاد نعيما

هبلتك أمّك لو أردت بلادهم

لقيت بكارتك الحقاق قروما

وترى رباط الخيل وسط بيوتهم

وأسنّة زرقاء يخلن نجوما

ومشقّقا عنه القميص تخاله

بين البيوت من الحياء سقيما

حتى إذا برز اللواء رأيته

تحت اللواء على الخميس زعيما

لا ينبغي لك أن تبدّل عزّهم

حتى تبدّل [ذا](٢) الضباب يسوما

أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبيد الله فيما قرأ علي إسناده ، وناولني إياه ، وقال اروه عني ، أنا أبو علي محمّد بن الحسين ، أنا أبو الفرج المعافى بن زكريا القاضي (٣) ، نا محمّد بن القاسم الأنباري ، حدّثني أبي ، نا أحمد بن عبيد ، عن أبي الحسن المدائني ، عن من حدّثه عن مولى لعنبسة بن سعيد بن العاص ، قال كنت أدخل مع عنبسة إذا دخل على الحجاج فدخل يوما ودخلت إليها وليس عند الحجاج أحد غير عنبسة ، فقعدت فجيء للحجاج بطبق فيه رطب ، فأخذ الخادم منه شيئا فجاءني به ، ثم جيء بطبق آخر ، فأتاني الخادم منه بشيء ، ثم جيء بطبق آخر حتى كثر (٤) الأطباق ، وجعل لا يأتون بشيء إلّا جاءني منه بشيء حتى ظننت أن ما بين يدي أكثر مما عندهم ، ثم جاء الحاجب فقال : امرأة بالباب ، فقال الحجاج : أدخلها ، فدخلت ، فلمّا رآها الحجاج طأطأ رأسه حتى ظننت أن ذقنه قد أصاب الأرض ،

__________________

(١) الحزيم : موضع الحزام من الصدر.

(٢) زيدت عن «ز» ، لتقويم الوزن.

(٣) الخبر رواه المعافى بن زكريا الجريري في الجليس الصالح الكافي ١ / ٣٣١ وما بعدها.

(٤) في الجليس الصالح : كثرت.

٦٣

فجاءت حتى قعدت بين يديه ، فنظرت إليها ، فإذا امرأة قد أسنت ، حسنة الخلق ، ومعها جاريتان لها ، فإذا هي ليلى الأخيليّة ، فسألها الحجاج عن نسبها ، فانتسبت له ، فقال لها : يا ليلى ما أتاني بك؟ قالت : أخلاف النجوم (١) ، وقلة الغيوم ، وكلب البرد (٢) ، وشدة الجهد ، وكنت لنا بعد الله الرفد ، فقال لها : صفي لنا الفجاج (٣) ، فقالت : الفجاج مغبرّة والأرض مقشعرة (٤) ، والمبرك (٥) معتل ، وذو العيال مختل ، والمال للقلّ ، والناس مسنتون ، رحمة الله يرجون ، وأصابتنا سنون مجحفة مبلطة (٦) لم تدع لنا هبعا ولا ربعا ، ولا عاطفة ولا نافطة (٧) ، أذهبت الأموال ومزّقت الرجال ، وأهلكت العيال ، ثم قالت إنّي قلت في الأمير قولا. قال : هاتي ، وأنشأت تقول (٨) :

أحجّاج لا يقلل (٩) سلاحك إنّما ال

منايا بكفّ الله حيث يراها

أحجّاج لا تعطي العداة مناهم

ولله لا تعط العداة مناها (١٠)

إذا هبط الحجاج أرضا مريضة

تتبع أقصى دائها فشفاها

شفاها من الداء العضال الذي بها

غلام إذا هزّ القناة سقاها

سقاها فرواها بشرب سجاله

دماء رجال حيث قال حشاها

إذا سمع الحجّاج رزّ (١١) كتيبة

أعد لها قبل النزول قرها

أعدّ لها مسمومة فارسية

بأيدي رجال يحلبون صراها (١٢)

فما ولد الأبكار والعون مثله

ببحر ولا أرض يجف ثراها

__________________

(١) أخلاف النجوم تريد به امتناع المطر.

(٢) يعني شدته.

(٣) الفجاج واحده فج ، وهو كل سعة بين نشازين من الأرض.

(٤) مقشعرة أي متقبضة من المحل.

(٥) بالأصل : والمبارك ، والمثبت عن «ز» ، والجليس الصالح.

(٦) بالأصل و «ز» : مبلطحة ، والمثبت عن الجليس الصالح الكافي. والمبلطة : المقفرة ، يعني أن الناس تلتزق فيها بالبلاط والبلاط : الأرض المستوية.

(٧) بالأصل و «ز» : «حافظة ولا نافظة» والمثبت عن الجليس الصالح.

(٨) الأبيات في الجليس الصالح الكافي ١ / ٣٣٢.

(٩) بالأصل و «ز» : تقلل ، والمثبت عن الجليس الصالح.

(١٠) عجزه في الجليس الصالح :

ولا الله يعطي للعداة مناها

(١١) الرزّ : الصوت تسمعه من بعيد.

(١٢) الصرى : بقية اللبن ، والصرى : اللبن يبقى فيتغيّر طعمه.

٦٤

قال : فلما قالت هذا البيت قال الحجّاج : قاتلها الله! ما أصاب صفتي شاعر منذ دخلت العراق غيرها. ثم التفت إلى عنبسة بن سعيد ، فقال : والله إني لأعد للأمر (١) عسى ألّا يكون أبدا ، ثم التفت إليها ، فقال : حسبك ، قالت : قد قلت أكثر من هذا. قال : حسبك ويحك حسبك ، ثم قال : يا غلام اذهب بها إلى فلان فقل له : اقطع لسانها ، قال : فذهب (٢) ، فقال له : يقول لك الأمير : اقطع لسانها. قال : فأمر بإحضار الحجّام ، فالتفتت إليه ، فقالت له : ثكلتك أمك. أما سمعت ما قال؟ إنما أمرك أن تقطع لساني بالبر والصلة. فبعث إليه يستثبته ، فاستشاط الحجّاج غضبا. وهمّ بقطع لسانه ، وقال : ارددها. فلما دخلت عليه قالت : كاد ، وأمانة الله ، أيها الأمير يقطع مقولي ، ثم أنشأت تقول :

حجاج أنت الذي ما فوقه أحد

إلّا الخليفة والمستغفر الصمد

حجاج أنت شهاب الحرب إن لقحت (٣)

وأنت للناس نور في الدجى يقد

ثم أقبل الحجاج [على جلسائه](٤) فقال : أتدرون من هذه؟ قالوا : لا والله أيها الأمير ، إلّا أننا لم نر امرأة قط أفصح لسانا ، ولا أحسن محاورة ، ولا أملح وجها ، ولا أرصن شعرا منها. فقال : هذه ليلى الأخيلية التي مات توبة الخفاجي من حبها ، ثم التفت إليها فقال : أنشدينا يا ليلى بعض ما قال فيك توبة ، فقالت : نعم أيها الأمير ، هو الذي يقول :

فهل تبكين ليلى إذا مت قبلها

وقام على قبري النساء النوائح

كما لو أصاب الموت ليلى بكيتها

وجاد لها دمع من العين سافح

وأغبط من ليلى بما لا أنا له

بلى كل ما قرت به العين صالح

ولو (٥) أن ليلى الأخيلية سلمت

عليّ وفوقي تربة وصفائح

لسلمت تسليم البشاشة أو زقا

إليها صدى من جانب القبر صائح

فقال لها : زيدينا يا ليلى من شعره. فقالت : نعم ، هو الذي يقول (٦) :

__________________

(١) بالأصل و «ز» : الأمر ، والمثبت عن الجليس الصالح.

(٢) قوله : قال : فذهب ، سقط من الجليس الصالح.

(٣) أي هاجت بعد سكون.

(٤) قوله : على جلسائه ، سقط من الأصل ، واستدرك عن «ز» ، والجليس الصالح.

(٥) الأبيات الثلاثة التالية في الأغاني ١١ / ٢٤٤ والشعر والشعراء ١ / ٤٤٦.

(٦) الأبيات في الجليس الصالح ١ / ٣٣٤ والأغاني ١١ / ٢٠٨.

٦٥

حمامة بطن الواديين ترنمي

سقاك من الغرّ الغوادي مطيرها

أبيني لنا لا زال ريشك (١) ناعما

ولا زلت في خضراء وغضّ نضيرها (٢)

وأشرف بالقوز اليفاع (٣) لعلني

أرى نار ليلى أو يراني بصيرها

وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت

فقد رابني منها الغداة سفورها

يقول رجال لا يضيرك (٤) نأيها

بلى كل ما شف النفوس يضيرها

بلى قد يضير العين أن تكثر البكا

ويمنع منها نومها وسرورها

وقد زعمت ليلى بأني فاجر

لنفسي تقاها أو عليها فجورها

فقال لها الحجّاج : يا ليلى ما الذي رابه من سفورك؟ قالت : أيها الأمير كان يلم بي كثيرا ، فأرسل إلي يوما : إني آتيك ، ففطن الحي ، فأرصدوا له ، فلما أتاني سفرت فعلم أن ذلك لشرّ ، فلم يزد على التسليم والرجوع ، فقال : لله درك فهل رأيت منه شيئا تكرهينه؟ قالت : لا والله الذي أسأله أن يصلحك ، غير أنه قال لي مرة قولا ظننت أنه قد خضع لبعض الأمر ، فأنشأت أقول :

وذي حاجة قلنا له لا تبح بها

فليس إليها ما حييت سبيل

لنا صاحب لا نبتغي أن نخونه

وأنت لأخرى صاحب وخليل

فلا والذي أسأله أن يصلحك ما رأيت منه شيئا حتى فرّق الموت بيني وبينه. قال : ثم مه قالت : ثم لم يلبث أن خرج في غزاة له فأوصى ابن عمه : إذا أتيت الحاضر من بني عبادة فناد بأعلى صوتك :

عفا الله عنها هل أبيتنّ ليلة

من الدّهر لا يسري إليّ خيالها

فخرجت (٥) وأنا أقول :

وعنه عفا ربّي وأحسن حاله

فعزّ علينا حاجة لا ينالها

قال : ثم مه ، قال : ثم لم يلبث أن مات ، فأتى نعيّه قال : فأنشدينا بعض مراثيك فيه ، فأنشدته :

__________________

(١) بالأصل و «ز» : عيشك ، والمثبت عن الأغاني والجليس الصالح.

(٢) في الأغاني : دان بريرها.

(٣) بالأصل : «بالعون اليقاع» وفي «ز» : «بالفوز اليفاع» والمثبت عن الجليس الصالح. والقوز : الكثيب من الرمل.

(٤) بالأصل و «ز» : يضرك ، والمثبت عن الجليس الصالح.

(٥) كذا بالأصل و «ز» ، وفي الجليس الصالح : فخرج.

٦٦

لتبك العذارى من خفاجة نسوة

بماء شئون العبرة المتحدر

قال لها : فأنشدينا :

كأنّ فتى الفتيان توبة لم ينخ

قلائص يفحصن الحصا بالكراكر (١)

فأنشدته ، فلما فرغت من القصيدة قال : محصن الفقعسي وكان من جلساء الحجاج من هذا الذي تقول هذه هذا فيه ، فو الله إنّي لأظنها كاذبة ، فنظرت إليه ، ثم قالت : والله أيهذا الأمير ، إن هذا القائل لو رأى توبة لسرّه ألّا يكون في داره عذراء إلّا هي حامل منه ، فقال له الحجاج : هذا وأبيك الجواب ، وقد كنت عنه غنيا ، ثم قال لها : سلي يا ليلى تعطي. قالت : أعط فمثلك أعطى وأحسن ، قال : لك عشرون. قالت : زد ، فأكثر [فمثلك زاد فأكثر](٢) ، قال : لك أربعون ، قالت : زد ، فمثلك زاد فأفضل ، قال : ستون ، قالت : زد فمثلك زاد فأكمل ، قال : لك ثمانون ، قالت : زد فمثلك زاد فتمم قال : لك مائة ، واعلمي يا ليلى أنها غنم ، قالت : معاذ الله أيها الأمير ، أنت أجود جودا ، وأمجد مجدا ، وأورى زندا من أن تجعلها أعنزا (٣) ، قال : فما هي ويحك يا ليلى؟ قالت : مائة ناقة برعاتها ، فأمر لها بها ، ثم قال : ألك حاجة بعدها؟ قالت : تدفع إلى النابغة الجعدي في قيد. قال : قد فعلت ، وقد كانت تهجوه ويهجوها فبلغ النابغة ذلك فخرج هاربا عائذا بعبد الملك بن مروان ، فاتبعته إلى الشام ، فهرب إلى قتيبة بن مسلم (٤) بخراسان ، فاتبعته على البريد بكتاب الحجاج إلى قتيبة ، فماتت بقومس (٥) ، ويقال : بحلوان (٦).

قال القاضي أبو الفرج (٧) : قول ليلى الأخيليّة : وأصابتنا سنون مجحفة مبلطة. المجحفة التي قد جهدتهم وأصارتهم إلى اختلال أحوالهم ، والنقص البين في وفرهم وأموالهم قال الشاعر :

__________________

(١) الكراكر جمع كركرة ، وهي رحى زور البعير أو صدره.

(٢) الزيادة عن «ز».

(٣) كذا بالأصل و «ز» ، وفي الجليس الصالح : غنما.

(٤) كان قتيبة بن مسلم الباهلي عامل الحجاج على الري ثم على خراسان.

(٥) قومس : كورة واسعة في ذيل جبال طبرستان ، وقصبتها دامغان (انظر معجم البلدان).

(٦) حلوان : بلدة في آخر حدود السواد مما يلي الجبال من بغداد (معجم البلدان).

(٧) الجليس الصالح الكافي ١ / ٣٤٠ وما بعدها.

٦٧

لو قد نزلت بهم تريد قراهم

منعوك من جهد ومن إجحاف

والمبلطة على نحو هذا المعنى ، وهي التي فرقت جماعتهم ، وشتّتت (١) شملهم ، ومزّقتهم للقحط الذي لا مقام معه ، والجدب الذي لا صبر عليه ، وقد حدثنا المظفر بن يحيى الشّرابي (٢) ، نا أحمد بن محمّد بن بشر المرثدي (٣) ، أخبرني أبو إسحاق طلحة بن عبد الله البلخي (٤) ، قال : وأخبرني أحمد بن إبراهيم قال : قال القريطي ، والوالبي (٥) الإبلاط : غاية الجهد والحاجة ، يقال : قد أبلط الرجل ، والسنة المبلطة التي قد أكلت كلّ شيء فلم تدع شيئا. وقولها : لم تدع لنا هبعا ولا ربعا ، الربع من الإبل الذي يأتي في أول النتاج ، والهبع الذي يأتي في آخره قال الشاعر :

لا وجد ثكلى كما وجدت ولا

أم عجول أضلها ربع

وقال الأعشى (٦) :

تلوي بعذق (٧) خضاب كلما خطرت

عن فرج معقومة لم تتبع ربعا (٨)

ويقال له : ربعي ، قال الشاعر :

إن بنيّ صبية صيفيون

أفلح من كان له ربعيون (٩)

وقال آخر :

إذ هي أحوى من الربعي خاذلة (١٠)

والعين بالإثمد الحاري مكحول

وروي أن دراهم أصحاب الكهف كانت كأخفاف الربع ، ويروى أن يونس عليه‌السلام

__________________

(١) بالأصل و «ز» : وشتت ، والمثبت عن الجليس الصالح.

(٢) بالأصل : الشرائي ، والمثبت عن «ز» ، وليست اللفظة في الجليس الصالح.

(٣) بدون إعجام بالأصل ، وفي «ز» : المرثدي ، والمريدي ، وفي المطبوعة : المزيدي ، والمثبت عن الجليس الصالح.

(٤) كذا بالأصل و «ز» ، وفي الجليس الصالح : الطلحي.

(٥) بالأصل و «ز») الوالي ، والمثبت عن الجليس الصالح وفيه : القرمطي الوالبي.

(٦) البيت في ديوان الأعشى ص ١٠٧.

(٧) بالأصل و «ز» : «بعقد حصاف» والمثبت عن الديوان والجليس الصالح.

(٨) والعذق : قنو النخلة. والخضاب : النخلة الكثيرة الحمل. والمعقومة الناقة التي لم تلد.

(٩) الشطران في تاج العروس (ربع) ونسبهما لسعد بن مالك بن ضبيعة.

(١٠) في الجليس الصالح : حاجبه.

٦٨

لما حمل النبوة تفسّخ تحتها كما يتفسخ الربع تحت الحمل الثقيل.

وقولها : ولا عاطفة ، تريد الواحدة من الضأن ، ولا نافطة : الواحدة من المعز. يقال : نفطت العنز وعفطت الضائنة. وهما منهما كالامتخاط والاستنثار من الناس ، فكأنها قالت : لم تدع عنزا ولا ضأنا ، ومثل هذا قولهم : ما له سبد ولا لبد. يريدون : شاة ولا ناقة. وقد يقال للصوف لبد. والسبد : الشعر ، ونظير هذا قولهم : لم يبق له ثاغية ولا راغية. أي شاة ولا بعير ، والثغاء صوت الغنم ، والرغاء صوت الإبل ، ومن الرغاء قول الشاعر :

رغا فوقهم سقب السماء فداحص

بشكته (١) لم يستلب وسليب (٢)

يعني سقب ناقة صالح ، ومثله قولهم (٣) :

فلما رأى الرحمن أن ليس منهم

رشيد ولا ناه أخاه عن الغدر

وصب عليهم تغلب ابنة وائل

فكان عليهم مثل راغية البكر

ومن السّبد قول الشاعر :

أما الفقير الذي كانت حلوبته

وفق العيال فلم يترك له سبد (٤)

وفي الطير ، طائر يقال له : السبد لوفور ريشه.

وقولها : فما ولد الابكار والعون مثله. العون جمع عوان وهي بين الكبيرة والصغيرة ، قال الله تعالى في صفة بقرة بني إسرائيل (إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ)(٥) ، ويقال : حرب عوان إذا لم تكن مبتدأة ، وحاجة عوان إذا لم تكن بكر الحاج ، قال الشاعر (٦) :

قعودا لدى الأبواب طالب حاجة

عوان من الحاجات أو حاجة بكرا

ومما نستحسنه لبعض المحدثين في معاتبته بعض ذوي الخيانة من الاخوان (٧) :

وكنت أخي بإخاء الزمان

فلما انقضى صرت حربا عوانا

__________________

(١) بالأصل و «ز» : يسكنه ، والمثبت عن الجليس الصالح.

(٢) البيت في تاج العروس (دحص) ونسبه إلى علقمة بن عبدة.

(٣) في الجليس الصالح : ومثله قول الشاعر.

(٤) البيت في تاج العروس (فقر) ونسبه للراعي يمدح عبد الملك بن مروان.

(٥) سورة البقرة ، الآية : ٦٨.

(٦) الشاعر هو الفرزدق ، والبيت في ديوانه ١ / ١٨٨ ط بيروت.

(٧) نسب البيتان بحواشي الجليس الصالح إلى إبراهيم بن العباس الصولي يقولهما في محمد بن عبد الملك الزيات.

٦٩

وكنت أعدك للنائبات

فها أنا أطلب منك الأمانا

ونظير هذا قول الآخر :

أيا مولاي صرت قذى لعيني

وسترا بين جفني والمنام

وكنت من الحوادث لي عياذا (١)

فصرت مع الحوادث في نظام

وكنت من المصائب لي عزاء

فصرت من المصيبات العظام (٢)

وقال آخر (٣) :

نعم الزمان زماني

الشأن في الخلّان

يا من رماني لما

رأى الزمان رماني

ومن ذخرت لنفسي

فعاد ذخر الزمان

لو قيل [لي](٤) خذ أمانا

من أعظم الحدثان

لما أخذت أمانا

إلّا من الإخوان

وقال ابن الرومي :

تخذتكم ظهرا وعونا لتدفعوا

نبال العدى عني فصرتم نصالها

وقد كنت أرجو منكم خير صاحب

على حين خذلان اليمين شمالها

فإن أنتم لم تحفظوا لمودتي

فكونوا كفافا لا عليها ولا لها

قفوا موقف المعذور عني بمعزل

وخلوا نبالي والعدى ونبالها

ومما يضارع هذا النوع بعض المضارعة قول ابن الرومي :

عدوك من صديقك مستفاد

فلا تستكثرن من الصحاب

فإن الداء أكثر ما تراه

يكون من الطعام أو الشراب

وأعجبه هذا المعنى فردده ، وقال :

عدوك من صديقك مستفاد

فلا تستكثرن من الصديق

فإن الداء أكثر ما تراه

يكون من المسوغ في الحلوق

__________________

(١) في الجليس الصالح : ملاذا.

(٢) سقط البيت من «ز».

(٣) نسبت بحواشي الجليس الصالح لإبراهيم بن العباس الصولي.

(٤) سقطت من الأصل و «ز» ، واستدركت عن الجليس الصالح.

٧٠

وهذا باب إن استقصيناه طال جدا وتجاوز بنا حدّ المجلس الواحد من مجالس كتابنا. ولم نبن هذا الكتاب على استيفاء أبواب أنواعه وإنما جعلناه موشحا ممتزجا بمنزلة الحدائق المشتملة على أنواع مختلفة ، يقع الأنس بمشاهدتها ، والالتذاذ بجناها ، والانتفاع بثمرتها.

وقول توبة : وأشرف بالقوز اليفاع (١). القوز الواحد من أقواز الرمل ، وهو ما على وأشرف منه ، وكذلك اليفاع ما ارتفع. ويقال : أيفع الغلام فهو يافع إذا ارتفع ، وهو من نادر أبواب (٢) العربية ، لأنه جاء على أفعل فهو فاعل وله أخوات معدودة : أورف الظل فهو وارف ، وأورس الرمث (٣) فهو وارس. وقد قال النابغة (٤) :

كليني لهمّ يا أميمة ناصب

وليل أقاسيه بطيء الكواكب

بمعنى منصب. كما قال في كلمة أخرى :

تعنّاك همّ من أميمة (٥) منصب

وقوله :

أرى نار ليلى أو يراني بصيرها

أي مبصرها (٦) ، والعرب تقول : ليل نائم ، وسرّ كاتم ، أي منوم ومكتوم ، قال جرير (٧) :

لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى

ونمت وما ليل المطي بنائم

ومثل هذا كثير.

أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبيد الله ، أنا أبو محمّد الجوهري ، أنا أبو عبيد الله المرزباني ، حدّثني أبو علي الحسن بن علي بن المرزبان النحوي ، قال : قرأ علينا محمّد بن العباس اليزيدي قال : قرأت هذه الأبيات على عمي الفضل بن محمّد ، وذكر أنّه قرأها على أبي (٨) المنهال عيينة بن المنهال ، وهي تأليفه ، فذكرها ثم قال وأنشدني ـ يعني ابن داحة ـ لليلى الأخيلية :

__________________

(١) في الأصل : البقاع ، والمثبت عن «ز» ، والجليس الصالح.

(٢) بالأصل و «ز» : أنواع ، والمثبت عن الجليس الصالح.

(٣) بالأصل و «ز» : الظل ، والمثبت عن الجليس الصالح.

(٤) ديوان النابغة الذبياني ص ٥٤.

(٥) في الجليس الصالح : أمية.

(٦) في الجليس الصالح : أي يراني المبصر بها.

(٧) ديوان جرير ص ٤١٩ (ط. بيروت).

(٨) تحرفت بالأصل إلى : بن ، والمثبت عن «ز».

٧١

لعمرك ما بالموت عار على الفتى

إذا ما الفتى لاقى الحمام كريما

قرأت بخط أبي الحسن رشأ بن نظيف ، وأنبأنيه أبو القاسم العلوي ، وأبو الوحش المقرئ عنه. أنا أبو الفتح إبراهيم بن علي بن إبراهيم البغدادي ، نا أبو بكر محمّد بن يحيى الصولي ، أنشدنا ثعلب قال : أنشدنا عبد الله بن شبيب لليلى الأخيلية (١) :

لعمرك ما بالموت عار على الفتى

إذا لم تصبه في الحياة المعاير (٢)

وما أحد حيا وإن كان سالما

بأخلد ممن (٣) غيبته المقابر

ومن كان مما أحدث (٤) الدهر جازعا

فلا بد يوما أن يرى وهو صابر

وليس لذي عيش عن الموت مذهب (٥)

وليس على الأيام والدهر غابر (٦)

فلا الحي مما يحدث الدهر معتب

ولا الميت إن لم يصبر الحي ناشر

وكل شباب أو جديد إلى البلى

وكل امرئ يوما إلى الله صائر

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النقور ، أنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن موسى بن القاسم بن الصلت ، نا أبو بكر محمّد بن القاسم بن بشار إملاء ، نا أحمد ابن محمّد الأسدي ، نا الرياشي عباس بن الفرج قال :

أنشدنا الأصمعي لليلى الأخيلية ترثي عثمان بن عفّان ، وقد أنشدناها أيضا أحمد بن يحيى :

أبعد عثمان ترجو الخير أمته

وكان آمن من يمشي على ساق

خليفة الله أعطاهم وخولهم

ما كان من ذهب محض وأوراق

فلا تكذب بوعد الله واتّقه

ولا توكل على شيء بإشفاق

ولا تقولن لشيء سوف أفعله

قد قدر الله ما كل امرئ لاقي

أخبرنا أبو العز السلمي مناولة وإذنا وقرأ عليّ إسناده ، أنا أبو علي الجازري (٧) أنا

__________________

(١) الأبيات في الأغاني ١١ / ٢٣٤ و ٢٤١ والتعازي والمراثي للمبرد ص ٧٣.

(٢) بالأصل : المقابر ، والمثبت عن «ز» ، والأغاني والتعازي.

(٣) بالأصل : من ، والمثبت عن «ز» ، والأغاني.

(٤) الأغاني : يحدث ، وفي «ز» : أحدثه. وفي التعازي : يحدث.

(٥) في الأغاني : مقصر.

(٦) بالأصل و «ز» : عاير ، والمثبت عن الأغاني.

(٧) تحرفت بالأصل و «ز» إلى : الحاردي ، والصواب ما أثبت قياسا على سند مماثل.

٧٢

المعافى بن زكريا القاضي قال (١) :

فمما رويناه في وفاة ليلى الأخيلية ما حدّثناه محمّد بن أحمد بن أبي الثلج ، نا حسين بن فهم ، حدّثني محمّد بن يحيى الأزدي ، عن العتبي ، قال : قال توبة بن الحميّر :

ولو أن ليلى الأخيلية سلمت

عليّ وفوقي جندل وصفائح

لسلمت تسليم البشاشة أو زقا

إليها صدى من جانب القبر صائح

وأغبط من ليلى بما لا أناله

بلى كل ما قرت به العين صالح

قال :

فلما قتل توبة بن الحميّر وأتى بعد مقتله دهر اجتاز زوج ليلى الأخيلية ، وهي معه ، على قبر توبة ، فقال لها : يا ليلى ، هذا قبر توبة الذي يقول :

لسلمت تسليم البشاشة أو زقا

إليها صدى من جانب القبر صائح

ناديه حتى (٢) يجيبك كما زعم. قالت : أذهب عنك ، فأبى وألح. وحلف عليها أن تناديه ، قال : فاستعبرت ثم نادت. يا توبة! قال : ويزقو ثعلب كان إلى جانب القبر فخرج يصيح. ونفرت ناقة ليلى فسقطت عنها ، فارتاعت لذلك. قال : واحتملها زوجها فذهب بها ، وكان ذلك سبب منيتها ، عاشت أياما ثم ماتت.

ومن ذلك ما حدثناه محمّد بن القاسم الأنباري ، حدّثني أبي ، حدّثني أبو العباس الأزدي قال :

خرج زوج ليلى الأخيلية بليلى ، فمرّا على قبر توبة بن الحميّر ، فقال لها : يا ليلى ، هذا الذي يقول فيك :

ولو أن ليلى الأخيلية سلمت

عليّ وفوقي تربة وصفائح

لسلمت تسليم البشاشة أو زقا

إليها صدى من جانب القبر صائح

فقال : أنت طالق إن لم تسلمي عليه ، حتى أنظر ما يرد عليك ، فقالت : وما دعاك إلى عظام قد رمّت؟ قال : هو ما سمعت. فدنت منه ، فقالت : السلام عليك يا توبة. فتى الفتيان ، وسيد الشبان ، قال : وكانت قطاة قد عششت في جانب القبر ، فلما سمعت الصوت نفرت ،

__________________

(١) رواه المعافى بن زكريا القاضي في الجليس الصالح الكافي ١ / ٣٣٧ وما بعدها.

(٢) بالأصل و «ز» ، والمطبوعة : كي ، والمثبت عن الجليس الصالح.

٧٣

فخرجت تقول : قطا قطا ، فلما سمعت ناقة ليلى الصوت نفرت بليلى ، فسقطت ، واندقت عنقها ، فدفنت إلى جانبه.

ومن أعجب (١) ما روي لنا في هذه القصة ما حدّثناه أبي ، نا أبو أحمد الختلي ، أنا عمر ابن محمّد بن الحكم النسائي ، حدّثني إبراهيم بن زيد النيسابوري. أن ليلى الأخيلية بعد موت توبة تزوجت ، ثم إن زوجها بعد ذلك مرّ بقبر توبة وليلى معه. فقال لها : يا ليلى ، هل تعرفين هذا القبر؟ فقالت : لا ، قال : هذا قبر توبة. فسلمي عليه. فقالت : امض لشأنك. فما تريد من توبة وقد بليت عظامه؟ قال : أريد تكذيبه ، أليس هو الذي يقول :

ولو أن ليلى الأخيلية سلمت

عليّ ودوني تربة وصفائح

لسلمت تسليم البشاشة أو زقا

إليها صدى من جانب القبر صائح

فو الله لا برحت ، أو تسلمي عليه. فقالت : السلام عليك يا توبة ، رحمك الله. وبارك لك فيما صرت إليه. فإذا طائر قد خرج من القبر حتى ضرب صدرها فشهقت شهقة ، فماتت.

فدفنت إلى جانب قبره. فنبتت على قبره شجرة ، وعلى قبرها شجرة فطالتا فالتفتا.

وذكر أحمد بن يحيى البلاذري. حدّثني المدائني :

أن ليلى (٢) الأخيلية أتت الحجاج بن يوسف ، فوصلها ، وسألته أن يكتب لها إلى عامله إلى الري ، فلما صارت بساوة ماتت فدفنت هناك.

٩٤٢٥ ـ ليلى بنت هانئ بن الأسود الكندية الجونية

زوج النعمان بن بشير ، وأم ابنتيه حميدة وعمرة ، امرأة شاعرة.

حكى أبو زيد عمر بن شبة عن عبيد الله بن محمّد العيشي عن أبيه أنها التي قالت حين تزوج الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة ابنتها حميدة (٣) :

نكحت المديني إذ جاءني

فيا لك من نكحة غاوية

كهول دمشق وشبّانها

أحبّ إليّ من الجالية

__________________

(١) القصة في الجليس الصالح ١ / ٣٣٩ ـ ٣٤٠.

(٢) بالأصل : ليلة ، والمثبت عن «ز».

(٣) تقدمت الأبيات في هذا الجزء في ترجمة عمرة بنت النعمان ونسبت لعمرة ، وهي في الأغاني ٩ / ٢٢٧ ونسبت لحميدة بنت النعمان.

٧٤

صنان لهم كصنان التيوس

أعيا على المسك والغالية

وذكر أبو زيد عن غير ابن عائشة أن حميدة هي التي قالت هذه الأبيات (١).

٩٤٢٦ ـ ليلى الخولانية الدارانية

زوج بلال بن رباح مؤذن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لها ذكر.

أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني ، نا عبد العزيز الكتاني ، أنا أبو الحسن علي بن محمّد بن طوق الطبراني ، أنا عبد الجبار بن عبد الله بن محمّد الخولاني ، قال (٢) : أخبرهم أحمد بن سليمان بن أيوب قراءة عليه ، نا يزيد بن محمّد ، نا أبو مسهر (٣) ، نا سعيد ، عن ابن رويم يعني عروة قال : كانت امرأة بلال ليلى الخولانية.

قال أبو علي الخولاني : والصحيح أنها هند الخولانية.

حرف الميم

[مريم](٤)

٩٤٢٧ ـ مريم بنت عمران بن ماتان بن المعازر (٥) بن اليود بن أجبن

ابن صادوق [بن عيازور](٦) بن الياقيم بن أيبود بن زربائيل بن شالتان

ابن يوحينا بن برستيا بن أمون بن ميشا بن حزقيا بن أجاز بن يوثام

ابن عزريا بن بورام بن يوسافاط بن أسا بن إيبا بن رخيعم

ابن سليمان بن داود عليه‌السلام (٧)

الصدّيقة أم عيسى ، كانت بالربوة ، ويقال : إن قبرها بالنيرب ، ولم يصح.

أخبرنا أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، أنا أبو بكر الخطيب ، أنا أبو الحسن بن

__________________

(١) وهذا ما جاء في الأغاني.

(٢) الخبر في تاريخ داريا للقاضي أبو علي الخولاني ص ٥٢ ـ ٥٣.

(٣) قوله : «نا أبو مسهر» سقط من تاريخ داريا.

(٤) زيادة عن «ز».

(٥) كذا بالأصل و «ز» ، وفي المختصر لابن منظور : اليعازر.

(٦) ما بين معكوفتين سقط من الأصل ، وزيد عن «ز».

(٧) انظر أخبارها في تاريخ الطبري (الفهارس) ، والبداية والنهاية (الفهارس) والكامل لابن الأثير (الفهارس).

٧٥

رزقويه (١) ، أنا أحمد بن سندي (٢) ، نا الحسن بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى العطار ، أنا إسحاق بن بشر ، أنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن في قوله (إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ)(٣) قال : إلى أرض مستوية ذات أنهار وأشجار يعني به أرض دمشق.

أخبرنا أبو غالب الماوردي ، أنا أبو الفضل بن خيرون.

ح وأخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنا ثابت بن بندار.

قالا : أنا أبو القاسم الأزهري ، أنا عبيد الله بن أحمد بن يعقوب ، أنا العباس بن العباس الجوهري ، أنا صالح بن أحمد ، حدّثني أبي.

ح وقرأت على أبي غالب بن البنا ، عن أبي الفتح بن المحاملي ، أنا أبو الحسن الدار قطني ، نا محمّد بن أحمد بن الصواف ، نا عبد الله بن أحمد ، حدّثني أبي ، نا حجاج ، عن ابن جريج قال : حدثت عن عكرمة أن اسم أمّ مريم حنّة.

قرأت على أبي محمّد بن حمزة ، عن أبي نصر بن ماكولا ، قال (٤) : أما حنة : حنة اسم أم مريم.

أخبرنا أبو بكر بن المزرفي (٥) ، نا أبو الحسين بن المهتدي ، أنا عيسى بن علي ، أنا عبد الله بن محمّد ، نا داود بن عمرو ، نا شريك ، عن سالم يعني ابن عجلان ، عن سعيد في قوله : (إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً)(٦) قال : للعبادة لا يشغله عنها.

أخبرنا أبو علي الحسن بن المظفر بن الحسن بن السبط ، أنا أبي أبو سعد (٧) ، أنا أحمد ابن إبراهيم بن فراس ، أنا محمّد بن إبراهيم بن عبد الله الدّيبلي ، نا أبو عبيد الله المخزومي قال :

قال سفيان في قوله تعالى : (إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) قال : قالت : يخدم

__________________

(١) تحرفت بالأصل و «ز» إلى : زرقويه.

(٢) بالأصل و «ز» : سيدي ، تصحيف.

(٣) سورة المؤمنون ، الآية : ٥٠.

(٤) الاكمال لابن ماكولا ٢ / ٣٢٦.

(٥) بالأصل : المرزقي ، وفي «ز» : المزرقي.

(٦) سورة آل عمران ، الآية : ٣٥.

(٧) بالأصل و «ز» : أبو علي ، تصحيف.

٧٦

الكنيسة سنة ، فلما وضعت جارية. قالوا : كيف تخدم الكنيسة امرأة ، وهي تحيض ، فألقوا الأقلام التي كانوا يكتبون بها الوحي ، فاستهموا بالأقلام أيّهم يكفل مريم ، فخرج سهم زكريا ، وكانت خالتها (١) عنده ، فكان عيسى ويحيى ابني خالة ، وكانوا من بني إسرائيل.

أخبرنا أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة السلمي ، نا أبو بكر الخطيب ، أنا محمّد بن أحمد ، أنا أحمد بن سندي (٢) بن الحسن ، نا إسماعيل بن عيسى (٣) ، أنا إسحاق بن بشر قال : وأنا جويبر ومقاتل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله الله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ)(٤) واختار من الناس لرسالته آدم (وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ) وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط (وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ)(٥) يعني اختارهم للنبوة والرسالة على عالمي ذلك الزمان ، فهم (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) فكل هؤلاء من ذرية آدم ، ثم من ذرية نوح ، ثم من ذرية إبراهيم قوله تعالى : (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ) بن ماتان (٦) ، واسمها حنة بنت واقود (٧) وهي أم مريم (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) وذلك أن أم مريم حنة كانت جلست عن الولد والمحيض ، فبينا هي ذات يوم في ظل شجرة ، إذ نظرت إلى طير يزقّ فرخا له ، فتحركت نفسها للولد فدعت الله أن يهب لها ولدا فحاضت من ساعتها ، فلمّا طهرت أتاها زوجها فلمّا أيقنت بالولد قالت : لئن نجاني الله ووضعت ما في بطني لأجعلنه محررا وبنو ماتان (٨) من ملوك بني إسرائيل من نسل داود ، والمحرر لا يعمل للدنيا ، [ولا يتزوج](٩) ويتفرّغ لعمل الآخرة ويعبد الله ويكون في خدمة الكنيسة ، ولم يكن يحرر في ذلك الزمان إلا الغلمان فقالت لزوجها : ليس جنس من جنس الأنبياء إلّا وفيهم محرر غيرنا ، وإني جعلت ما في بطني نذيرة. تقول : قد نذرت أن أجعله لله فهو المحرر ؛ فقال زوجها : أرأيت إن كان

__________________

(١) كذا بالأصل و «ز» هنا. وجاء في البداية والنهاية ٢ / ٦٩ أن زكريا أن يستبد بها دونهم من أجل أن زوجته أختها أو خالتها على القولين ، إلى أن يقول : أن الخالة بمنزلة الأم.

(٢) بالأصل و «ز» : سيدي ، تصحيف.

(٣) أقحم بعدها بالأصل : «أنا إسحاق بن عيسى» والمثبت يوافق ما جاء في «ز» ، والمطبوعة.

(٤) سورة آل عمران ، الآية : ٣٣.

(٥) سورة آل عمران ، الآية : ٣٤.

(٦) بالأصل : ماثان ، والمثبت عن «ز».

(٧) بالأصل : وافود ، والمثبت عن «ز» ، والبداية والنهاية : فاقود.

(٨) بالأصل : ماثان.

(٩) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن «ز».

٧٧

الذي في بطنك أنثى؟ والأنثى عورة ، كيف تصنعين؟ فاغتمّت لذلك ، فقالت عند ذلك حنة أم مريم : (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(١) ، يعني تقبل مني ما نذرت لك ، فاستجب لي بأن تنجيني من هذا سالمة بعد الإجابة. فلما وضعتها قالت (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) وقد كنت إلهي نذرت لك ما في بطني إن نجيتني ، فنجيتني (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) والأنثى عورة ثم قالت : (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ) وكذلك كان اسمها عند الله (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها) يعني عيسى (مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) يعني الملعون فاستجاب الله لها فلم يقربها الشيطان ولا ذريتها عيسى.

قال ابن عباس قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كل ولد ابن آدم ينال منه الشيطان ، يطعنه حتى يقع بالأرض باصبعه ، ولها يستهل ، إلّا ما كان من مريم بنت عمران وابنها عيسى لم يصل إبليس إليهما».

قال ابن عباس : لما وضعتها خشيت حنة أم مريم أن لا تقبل الأنثى محررا فلفتها في الخرقة ، ووضعتها في بيت المقدس عند القراء ، فتساهم القراء عليها لأنها كانت بنت إمامهم ـ وكان إمام القراء من ولد هارون ـ أيهم يأخذها ، فقال زكريا ـ وهو رأس الأحبار ـ أنا أخذها وأنا أحقّهم بها ، خالتها عندي يعني أم يحيى. فقال القراء (٢) : وإن كان في القوم من هو أفقر إليها منك ولو تركت لأحق الناس بها تركت لأبيها (٣) ولكنها محررة غير أنا نتساهم عليها ، فمن خرج سهمه فهو أحقّ بها ، فقرعوا ثلاث مرات بأقلامهم التي كانوا (٤) يكتبون بها الوحي أيهم يكفل مريم ـ يعني أيهم يقبضها ـ فقرعهم زكريا وكانت قرعة أقلامهم أنهم جمعوها في موضع ثم غطوها ، فقالوا لبعض خدم بيت المقدس من الغلمان الذين لم يبلغوا الحلم (٥). فقالوا لغلام : أدخل يدك فأخرج قلما منها. فأدخل يده ، فأخرج قلم زكريا فقالوا : لا نرضى ، ولكن نلقي الأقلام في الماء ، فمن خرج قلمه في جرية الماء ثم ارتفع فهو يكفلها. قال : فألقوا أقلامهم في نهر الأردن [فارتفع قلم زكريا](٦) في جرية الماء فقالوا : نقترع الثالثة فمن

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية : ٣٥.

(٢) بالأصل : الفراء ، تصحيف ، والمثبت عن «ز».

(٣) بالأصل : لأيتها ، والمثبت عن «ز».

(٤) سقطت من المطبوعة.

(٥) في الأصل : «الحكم» والمثبت عن «ز» ، وفي البداية والنهاية : الحنث.

(٦) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن «ز» للإيضاح.

٧٨

جرى قلمه مع الماء فهو يكفلها. فألقوا أقلامهم فجرى قلم زكريا مع الماء ، وارتفعت أقلامهم في جرية الماء ، وقبضها عند ذلك زكريا ، فذلك قوله : (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا)(١) يعني وقبضها ثم قال : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) يعني وربّاها تربية حسنة في عبادة وطاعة لربها ، حتى ترعرعت وبنى لها زكريا محرابا في بيت المقدس ، وجعل بابه في وسط الحائط ، لا يصعد إليها إلّا بسلم ، وكان استأجر لها ظئرا (٢) فلمّا تم لها حولان طعمت وتحركت ، فكان يغلق عليها الباب ، والمفتاح معه ، لا يأمن عليه أحدا ، لا يأتيها بما يصلحها غيره حتى بلغت.

أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنا أبو الحسن بن أبي الحديد ، أنا جدي أبو بكر ، أنا محمّد بن يوسف بن بشر ، نا محمّد بن حماد ، أنا عبد الرزّاق ، أنا معمر ، عن قتادة.

في قوله تبارك وتعالى : (إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) قال : نذرت ولدها للكنيسة (فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ : رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) وإنما كانوا يحررون الغلمان قالت : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ ، وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ)(٣).

أخبرنا أبو القاسم الشيباني ، أنا أبو علي التميمي ، أنا أحمد بن جعفر ، نا عبد الله بن أحمد ، حدّثني أبي (٤) ، نا عبد الأعلى ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من مولود يولد إلّا نخسه الشيطان ، فيستهل صارخا من نسخة الشيطان إلّا ابن مريم وأمه» ثم قال أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) [١٣٧٨٥].

قال (٥) : وحدّثنا عبد الرزّاق ، نا معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما من مولود إلّا الشيطان يمسه حين يولد ، فيستهل صارخا من مسة الشيطان إياه ، إلّا مريم وابنها» ثم يقول أبو هريرة : واقرءوا إن شئتم (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ)» [١٣٧٨٦].

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية : ٣٧.

(٢) الظئر : المرضع لولد غيرها في الناس ، والظئر : هي المرأة الأجنبية تحضن ولد غيرها.

(٣) سورة آل عمران ، الآية : ٣٦.

(٤) رواه أحمد في مسنده ٣ / ١٤ رقم ٧١٨٥ طبعة دار الفكر.

(٥) القائل : أحمد بن حنبل ، والحديث في مسنده ٣ / ١٠٧ رقم ٧٧١٢.

٧٩

قال (١) : ونا إسماعيل بن عمر ، نا ابن أبي ذئب ، عن عجلان مولى المشمعلّ عن أبي هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «كل مولود من بني آدم يمسه الشيطان بإصبعه ، إلّا مريم ابنة عمران وابنها عيسى» (٢) [١٣٧٨٧].

أخبرنا أبو الوفاء عبد الواحد بن حمد بن عبد الواحد ، أنا أبو طاهر بن محمود ، أنا أبو بكر بن المقرئ ، نا محمّد بن الحسن بن قتيبة ، نا حرملة بن يحيى ، أنا عبد الله بن وهب ، أنا عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري أنّ أبا يونس مولى أبي هريرة حدّثه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «كلّ بني آدم يمسّه الشيطان يوم ولدته أمه إلّا مريم وابنها عيسى» [١٣٧٨٨].

أخبرنا أبو القاسم الشحامي ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو أحمد محمّد بن [محمّد بن](٣) إسحاق الصفار ، نا أحمد بن محمّد بن نصر اللباد ، نا عمرو بن طلحة ، نا أسباط بن نصر ، عن السّدّي ، عن أبي مالك ، وأبي صالح ، عن ابن عباس.

وعن مرة عن عبد الله بن مسعود ، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فذكر التفسير وقال في قصة مريم عليها‌السلام : إنّ الذين كانوا يكتبون التوراة إذا جاءوا إليهم بإنسان يحررونه اقترعوا عليه أيهم يأخذه فيعلّمه ، وكان زكريا أفضلهم يومئذ ، وكان بينهم ، وكانت أخت مريم تحته ، فلما أتوا بها قال لهم زكريا : أنا أحقكم بها تحتي أختها (٤) ، فأبوا فخرجوا إلى نهر الأردن ، فألقوا أقلامهم التي كانوا يكتبون بها ، أيهم يقوم قلمه فيكفلها ، فجرت الأقلام ، وقام قلم زكريا على قرنته (٥) كأنّه في طين ، فأخذ الجارية.

قال : وأنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا عبد الرّحمن بن الحسن القاضي ، نا إبراهيم بن الحسين (٦) ، نا آدم بن أبي إياس ، نا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) قال : ساهمهم بقلمه فسهمهم ، يعني فكفلها ، وفي قوله (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ

__________________

(١) يعني أحمد بن حنبل ، والحديث في مسنده ٣ / ١٣٧ رقم ٧٨٨٤.

(٢) زيد في المسند : عليهما‌السلام.

(٣) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن «ز».

(٤) من قوله : فلما ... إلى هنا مكرر بالأصل ، والمثبت يوافق «ز».

(٥) صورتها بالأصل و «ز» : «مرسه» وفي المطبوعة : جريته ، والمثبت «قرنته» عن مختصر ابن منظور والقرنة : الطرف الشاخص من كل شيء ، يقال : قرنة الجبل ، وقرنة النصل.

(٦) بالأصل : الحسن ، والمثبت عن «ز».

٨٠