الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٤

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٤

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-196-3
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٧١

الفصل الثالث :

قبل أن تبدأ الحرب

٨١
٨٢

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حنين :

وقالوا : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد انتهى إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء (١) ، لعشر خلون من شوال (٢).

وكان قد سبقهم مالك بن عوف ، فأدخل جيشه بالليل في ذلك الوادي ، وفرقهم على الطرق والمداخل (٣).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٦ و ٣١٨ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠١ وإمتاع الأسماع للمقريزي ج ٢ ص ١١ وج ٨ ص ٣٨٨ و ٣٨٩ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٥٠ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٧٩.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٦ و ٣١٨ و ٣٤٦ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠١ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٥٧٤ وإمتاع الأسماع للمقريزي ج ٢ ص ١١ وج ٨ ص ٣٨٨ و ٣٨٩ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ لمحمد الريشهري ج ١ ص ٢٥٥ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٥٠ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٧٩ وفتح البارى ج ٨ ص ٢١.

(٣) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠١ وراجع : الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ٥٠ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٧٩ وشرح السير الكبير للسرخسي ج ١ ص ١١٦ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٦ عن الواقدي ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٧ و (ط دار المعرفة) ص ٦٤.

٨٣

جواسيس مالك بن عوف :

وبعث مالك بن عوف ثلاثة نفر من هوازن ينظرون إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وأصحابه ، وأمرهم أن يتفرقوا في العسكر ، فرجعوا إليه ، وقد تفرقت أوصالهم.

فقال : ويلكم ما شأنكم.

فقالوا : رأينا رجالا بيضا على خيل بلق ، فو الله ، ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى ، والله ما نقاتل أهل الأرض ، إن نقاتل إلا أهل السماوات ، وإن أطعتنا رجعت بقومك ، فإن الناس إن رأوا مثل الذي رأينا أصابهم مثل ما أصابنا.

فقال : أف لكم ، أنتم أجبن أهل العسكر ، فحبسهم عنده ، فرقا أن يشيع ذلك الرعب في العسكر.

وقال : دلوني على رجل شجاع.

فأجمعوا له على رجل ، فخرج ، ثم رجع إليه قد أصابه كنحو ما أصاب من قبله منهم.

فقال : ما رأيت؟

قال : رأيت رجالا بيضا على خيل بلق ، ما يطاق النظر إليهم ، فو الله ما تماسكت أن أصابني ما ترى. فلم يثن ذلك مالكا عن وجهه (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٦ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٥ ص ١٢٣ وعن أبي نعيم ، والواقدي ، وابن إسحاق ، وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٠ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٧ و (ط دار المعرفة) ص ٦٤ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١٠٩ وعن المغازي للواقدي ج ٣ ص ٨٩٢ و ٨٩٣.

٨٤

ونقول :

إن علينا أن ننظر إلى هذه الروايات التي تتحدث عن الإمداد بالملائكة بتروّ وأناة ، وليس لأحد ان يبادر إلى رفضها ، بل نخضعها للبحث والتحقيق ، ما دام أن مضمونها ليس من المحالات العقلية.

وفي غزوة بدر صرحت الآيات القرآنية : بأن الله تعالى قد أمدّ رسوله فيها بالملائكة.

كما أن القرآن نفسه قد صرح عن حنين أيضا بقوله : (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) (١) ، فلماذا نستغرب أمثال هذه الروايات التي تتحدث عن رؤية الناس والملائكة في ساحات القتال؟! أو نبادر إلى رفضها؟ أو إلى التشكيك فيها؟!.

ولعلك تقول : إن ظاهر الآية القرآنية هو : أن الإمداد بالجنود قد كان بعد أن ولى المسلمون مدبرين ، وهذه الرواية تتحدث عن مرحلة ما قبل بدء الحرب.

يضاف إلى ذلك : أن الآية تصرح : بأن الناس لم يروا الجنود.

والرواية تقول : بأنهم قد رأوها.

ويمكن أن يجاب :

أولا : إن رؤية الجنود المنفية في الآية الكريمة هي رؤية المؤمنين لهم ، وأما رؤية الكافرين لهم ، فلم تتحدث الآية عنها ، وقد كان المطلوب أن يرى

__________________

(١) الآية ٢٦ من سورة التوبة.

٨٥

الكافرون كثرتهم ، ليضعفوا عن الحرب ..

ثانيا : إن الملائكة الذين كانوا جنودا ، ومقاتلين ، إنما نزلوا بعد الهزيمة ، وذلك لا يمنع من وجود الملائكة مع المسلمين قبل بدء الحرب ، لأجل مهمات أخرى غير القتال ، وغير الجندية ، كأن يكون المقصود تكثير المسلمين ، وإلقاء الرعب في نفوس المشركين ..

ثالثا : إن وجود الملائكة مع المسلمين ، ثم فرار هؤلاء المسلمين من الحرب ، دليل على أن النصر الذي حصل بعد ذلك لم يكن من صنع هؤلاء الهاربين ، بل هو من صنع خصوص المؤمنين الحقيقيين ، الذين حين أصبحوا وحيدين في ساحة المعركة ، أنزل الله جنوده ليكونوا معهم ، بدلا عن أولئك الهاربين.

ومعنى ذلك : أن المقصود : ب «المؤمنين» في قوله تعالى : (عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) ، هو : خصوص علي «عليه‌السلام» ، الذي كان يقاتل المشركين وحده ، وقد يشمل الخطاب أيضا بعض بني هاشم ، الذين كانوا حول النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأنزل الله جنودا ليكونوا معه ، لم يرها أولئك الهاربون ، فإنها قد نزلت بعد هروبهم ، وحين غيبتهم عن ساحة القتال ..

وبعد .. فإن ما جرى لهؤلاء الذين أرسلهم مالك بن عوف لاستكشاف معسكر المسلمين ، قد تضمن إقامة الحجة على مالك بن عوف ، ومن معه ، من حيث دلالة ذلك على : أن هذا النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مسدد ومؤيد بالغيب ، وليس في أمره شبهة ولا ريب ..

ويتأكد هذا المعنى لهم حين يرون : أن نصره ليس بالبشر. فإن البشر

٨٦

يهربون ، ويبقى وحده مع أخيه ، وينزل الله جنودا لم يرها المنهزمون ، ويؤيده الله بالنصر ، وظهور الأمر ، هو ومن معه من المؤمنين ، حتى لو كان رجلا واحدا صابرا مجاهدا ، وهو علي بن أبي طالب «عليه‌السلام».

للأعداء خطتهم :

ومن الطبيعي : أن يكون للأعداء خطتهم لمواجهة المسلمين ، لا سيما إذا كانوا هم الذين خططوا ومهدوا ، وجمعوا الناس للحرب ، وحين لا بد للمسلمين من الدفاع عن أنفسهم فلا بد من أن تكون لهم خطة يعتمدونها في ذلك ، غير أننا قبل الدخول في التفاصيل لا بد من الإشارة إلى ما أعدوه وهيأوه لهذه الحرب ، التي علقوا عليها آمالهم وربطوا بها مصيرهم ، فنقول :

تعداد جيش المسلمين :

قال جماعة من أئمة المغازي : خرج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في اثني عشر ألفا من المسلمين ، عشرة آلاف من المدينة ، وألفين من أهل مكة (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٣ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٠ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٦٢ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٥٠ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٧ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١٠٨ وراجع : الدرر لابن عبد البر ص ٢٢٥ والجامع لأحكام القرآن ج ٨ ص ٩٧ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٤٦ وإمتاع الأسماع ج ٨ ص ٣٨٨ والثقات لابن حبان ج ٢ ص ٦٦ وتخريج الأحاديث والآثار ج ٢ ص ٦٢ وتفسير جوامع الجامع ج ٢ ص ٥٥ وتفسير غريب القرآن للطريحي ص ٥٣٧ وتفسير السمرقندي ج ٢ ص ٤٨ وتفسير البغوي ج ٢ ص ٢٧٧ وتفسير البيضاوي ج ٣ ـ

٨٧

وعن محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي قال : كان مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أربعة آلاف من الأنصار ، وألف من جهينة. وألف من مزينة. وألف من أسلم. وألف من غفار ، وألف من أشجع ، وألف من المهاجرين وغيرهم ، فكان معه عشرة آلاف ، وخرج باثني عشر ألفا (١).

وعلى قول عروة ، والزهري ، وابن عقبة : يكون جميع الجيش الذين سار بهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أربعة عشر ألفا ، لأنهم قالوا : إنه قدم مكة باثني عشر ألفا ، وأضيف إليهم ألفان من الطلقاء (٢).

وقال ابن الجوزي : كانوا اثنى عشر ألفا قاله قتادة ، وابن زيد ، وابن إسحاق ، والواقدي (٣).

__________________

ص ١٣٧ والدر المنثور ج ٣ ص ٢٢٤ وراجع : تفسير الثعلبي ج ٥ ص ٢٢ وفتح القدير ج ٢ ص ٣٤٨ والكامل لابن عدي ج ١ ص ٢٧٢ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٧٩ و ٢٨٢.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٣ عن أبي الشيخ ، والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١٠٨ وتفسير الميزان ج ٩ ص ٢٣٤ والدر المنثور ج ٣ ص ٢٢٥.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٤ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٧١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦١٥ وراجع : معاني القرآن للنحاس ج ٣ ص ١٩٤.

(٣) زاد المسير ج ٣ ص ٢٨١ وراجع : التبيان للشيخ الطوسي ج ٥ ص ١٩٧ وجامع البيان للطبري ج ١٠ ص ١٢٨ و ١٣٠ و ١٣٣ ومجمع البيان للطبرسي ج ٥ ص ٣٢ وتفسير الرازي ج ١٦ ص ٢١ والجامع لأحكام القرآن ج ٨ ص ١٠٠ و ٢٨٠ وتفسير الآلوسي ج ٩ ص ١٨٠ وج ١٠ ص ٧٣ والبداية والنهاية ج ٦ ص ٦٧ وتفسير ابن زمين ج ٢ ص ١٩٩ ومجمع البحرين ج ١ ص ٥٩٠ وتاج العروس ج ٧ ص ٢١٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٧٤ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٥٧٤ وتحفة الأحوذي ـ

٨٨

وقال عطاء : «كانوا ستة عشرة ألفا» (١).

وقال الكلبي : «كانوا عشرة آلاف» (٢).

وقال الطبرسي : «كانوا اثني عشر ألفا ، وقيل : عشرة آلاف (٣).

وقيل : ثمانية آلاف والأول أصح» (٤).

__________________

ج ٥ ص ١٣٩ وعون المعبود ج ٧ ص ١٩٤ والتسهيل لعلوم التنزيل ج ٢ ص ٧٣ وتفسير البحر المحيط ج ٤ ص ٤٦٩ ولباب النقول للسيوطي (ط دار إحياء التراث) ص ١١٦ و (ط دار الكتب العلمية) ص ١٠٣ وتفسير أبو السعود ج ٤ ص ١٢ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٥ ص ١٠٦ وتفسير ابن أبي حاتم ج ٦ ص ١٧٧٣ وتفسير البيضاوي ج ٣ ص ٩٥ وتخريج الأحاديث والآثار ج ٢ ص ٦٣ وتفسير النسفي ج ٢ ص ٨٤ والفتح السماوي للمناوي ج ٢ ص ٦٧٣ وتفسير جوامع الجامع ج ٢ ص ١٢ وتفسير السمعاني ج ٢ ص ٢٩٨ وشرح السير الكبير ج ١ ص ٦٨ ومعجم قبائل العرب ج ٢ ص ١٢٣٢.

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٠ وراجع : زاد المسير ج ٣ ص ٢٨١ وفتح القدير ج ٢ ص ٣٤٨ وتفسير الرازي ج ١٦ ص ٢١ والجامع لأحكام القرآن ج ٨ ص ١٠٠ وتفسير الآلوسي ج ١٠ ص ٧٣ وتفسير البغوي ج ٢ ص ٢٧٧.

(٢) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٠ وزاد المسير ج ٣ ص ٢٨١ وتفسير الرازي ج ١٦ ص ٢١ والجامع لأحكام القرآن ج ٨ ص ١٠٠ وتفسير البغوي ج ٢ ص ٢٧٧ وتفسير الثعلبي ج ٥ ص ٢٢.

(٣) الإرشاد للمفيد ج ١ ص ١٤٠ والبحار ج ٢١ ص ١٥٥ وراجع : التبيان للشيخ الطوسي ج ٥ ص ١٩.

(٤) مجمع البيان ج ٥ ص ١٧ و ١٨ والبحار ج ٢١ ص ١٤٧ وراجع : التبيان للشيخ الطوسي ج ٥ ص ١٩٧ وتفسير الآلوسي ج ١٠ ص ٧٣.

٨٩

عدد جيش الأعداء :

الحديث المتقدم عن ابن أبي حدرد يصرح : بأن مالك بن عوف قال لأصحابه : «ثم تكون الحملة منكم ، واكسروا جفون سيوفكم ، فتلقونه بعشرين ألف سيف مكسورة الجفون» (١).

وقيل : كانوا ثلاثين ألفا (٢).

وقال ابن شهر آشوب عن أمير المؤمنين «عليه‌السلام» : «وقف «عليه‌السلام» في وسط أربعة وعشرين ألفا ، ضارب سيف ، إلى أن ظهر المدد من السماء» (٣).

بل سيأتي : أن جيش المشركين كان أضعاف عدد جيش المسلمين.

وذلك يدل أولا : على عدم صحة ما زعمه بعضهم : من أن جيش الأعداء كان أربعة آلاف مقاتل فقط (٤).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٣ عن الواقدي ، والمغازي للواقدي ج ٣ ص ٨٩٣ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١٠٩.

(٢) السيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١٠٧ وتفسير الثعالبي ج ٣ ص ١٧٢ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٨٢.

(٣) مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٣٥٥ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ لمحمد الريشهري ج ٩ ص ٣٤١ وحلية الأبرار ج ٢ ص ٤٢٩ والبحار ج ٤١ ص ٦٦.

(٤) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٩٩ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١٠٩ وتخريج الأحاديث والآثار للزيلعي ج ٢ ص ٦٢ وتفسير ابن زمين ج ٢ ص ١٩٩ وتفسير السمعاني ج ٢ ص ٢٩٨ وتفسير الثقفي ج ٢ ص ٨٤ وتفسير ـ

٩٠

ولعل المراد : أن عدد بني سعد ، وثقيف كان أربعة آلاف (١).

ثانيا : إن آلافا من المقاتلين قد التحقوا بجيش هوازن بعد كلام مالك بن عوف الآنف الذكر.

كلمات حول عدد الجيشين :

اعتاد المسلمون في مختلف حروبهم مع أعدائهم أن يكونوا أقل عددا ، وأضعف عدة من جيش الأعداء ، ويكون هذا التفاوت بحد لا يسمح ـ بحسب طبيعة الأمور ـ بتحقيق نصر مهما كان نوعه لهذه القلة على تلك الكثرة ..

ولكن الله تبارك وتعالى كان يمنح المسلمين النصر ، والمجد ، والفخر أبد الدهر ، ويعود أعداؤهم بالذل والخزي ، والألم والقهر.

ولكن الأمر في غزوة حنين قد جاء على خلاف التوقعات ، فعدد المقاتلين من المسلمين قد تضاعف عدة مرات عما كان عليه في أكثر الحروب السابقة ..

كما أن هذا الجيش نفسه قد دخل مكة ، وهي أعظم مواقع الخلاف على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وعلى المسلمين ، دون أن يجرؤ أحد من عتاة الشرك على مواجهة مهما كان نوعها. وبذلك يكون قد سجل أعظم انتصار له ، من حيث إنه أسقط بذلك عنفوان الشرك ، واستلب من المشركين القرار من المنطقة بأسرها ، بصورة تامة ونهائية ، وإلى الأبد.

ثم يواجه هذا الجيش الكبير ، والمنتصر ، والذي أدخل تحسينات كبيرة على

__________________

مقاتل ج ٢ ص ٤٢ وتفسير السمرقندي ج ٢ ص ٤٩ وتفسير الثعلبي ج ٥ ص ٢٢ وتفسير البغوي ج ٢ ص ٢٧٨ والجامع لأحكام القرآن ج ٨ ص ٩٧.

(١) راجع : السيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١٠٧.

٩١

تجهيزاته ، وأصبح أفضل حالا ، حتى من الناحية المادية .. جيشا للمشركين أكثر منه عددا ، ولكنه لم يكن يظن أنه قادر على الصمود في وجهه ، حتى قال بعض الناس في جيش المسلمين : «لن نغلب اليوم من قلة» أو نحو ذلك ..

ولكن النتائج قد جاءت على عكس توقعات جيش المسلمين ، فإنه قد خسر المعركة ، ويفر من وجه أعدائه ، وينحصر الصراع بين جيش يعد بعشرات الألوف ، وبين شخص واحد ، يتمكن من تحويل الهزيمة العظمى لأصحابه إلى نصر مؤزر على جيش جرار منتصر قبل لحظات ، ويحوّل ذلك الشخص الواحد الرجال والنساء إلى أسرى ، ويستولي على كل ما جاؤوا به من شاء ونعم وأموال .. وهذه هي المفارقة الحقيقية والمدهشة حقا!!

ألف : جيش الأعداء :

فيما يرتبط بالتعبئة والخطة الحربية لجيش الأعداء يذكر المؤرخون : أنه لما كان ثلثا الليل عمد مالك بن عوف إلى أصحابه فعبأهم في وادي حنين ، وهو واد أجوف ذو خطوط ، وذو شعاب ومضايق. وفرق الناس فيها. وأوعز إليهم أن يحملوا على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وأصحابه حملة واحدة (١).

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر «عليه‌السلام» : أنه لما مضى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نحو هوازن ، وأصبح منها على مسيرة بعض ليلة ،

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٦ عن الواقدي ، والطبقات الكبرى ج ٢ ص ١٥٠ وشرح السير الكبير للسرخسي ج ١ ص ١١٦ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٧٩.

٩٢

«.. قال مالك بن عوف لقومه : ليصيّر كل رجل منكم أهله وماله خلف ظهره ، واكسروا جفون سيوفكم ، واكمنوا في شعاب هذا الوادي ، وفي الشجر ، فإذا كان في غبش الصبح ، فاحملوا حملة رجل واحد ، وهدّوا القوم ، فإن محمدا لم يلق أحدا يحسن الحرب» (١).

ب : جيش المسلمين :

وقالوا : «وعبأ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أصحابه وصفهم صفوفا في السحر ، ووضع الألوية والرايات في أهلها ، ولبس درعين ، والمغفر ، والبيضة. وركب بغلته البيضاء ، واستقبل الصفوف ، وطاف عليها بعضها خلف بعض ، ينحدرون ، فحضهم على القتال ، وبشّرهم بالفتح إن صدقوا وصبروا.

وقدم خالد بن الوليد في بني سليم وأهل مكة ، وجعل ميمنة وميسرة وقلبا ، كان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فيه (٢).

أما مالك بن عوف ، فصف الخيل ثم الرجالة المقاتلة ، ثم صفت النساء

__________________

(١) تفسير القمي ج ١ ص ٢٨٧ والبحار ج ٢١ ص ١٤٩ و ١٥٠ عنه ، وشجرة طوبى ج ٢ ص ٣٠٨ وتفسير مجمع البيان ج ٥ ص ٣٤ والتفسير الصافي ج ٢ ص ٣٣١ وتفسير نور الثقلين ج ٢ ص ١٩٩ وتفسير الميزان ج ٩ ص ٢٣١.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٦ و ٣١٧ عن الواقدي وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠١ وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٧ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١٠٩ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٥٠ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٧٩.

٩٣

على الإبل ، ثم صفت الإبل ، ثم البقر.

ثم قال للناس : إذا رأيتموهم (أو إذا رأيتموني شددت) شدوا عليهم شدة رجل واحد (١).

وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر «عليه‌السلام» : «فلما صلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الغداة انحدر في وادي حنين. وهو واد له انحدار بعيد ، وكانت بنو سليم على مقدمته ، فخرج عليهم كتائب هوازن من كل ناحية ، فانهزمت بنو سليم ، وانهزم من وراءهم» (٢).

ونقول :

إننا نسجل هنا الأمور التالية :

تعليق النصر على الصدق والصبر :

وقد وعد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أصحابه بالنصر بشرطين :

أحدهما : الصدق ، فتصدق أفعالهم أقوالهم ، وتتطابق مع ظاهر حالهم ، فإنك لو سألت أي واحد منهم عن حاله ، لأكد لك : أنه مستعد لبذل كل غال ونفيس من أجل هذا الدين ، وأنه مشتاق للشهادة إلى درجة التلهف لها.

__________________

(١) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٦ و (ط دار المعرفة) ص ٦٣ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١٠٨.

(٢) تفسير القمي ج ١ ص ٢٨٧ والبحار ج ٢١ ص ١٤٩ عنه ، وشجرة طوبى ج ٢ ص ٣٠٧ والتفسير الأصفى ج ١ ص ٤٥٩ وتفسير مجمع البيان ج ٥ ص ٣٤ والتفسير الصافي ج ٢ ص ٣٣١ وتفسير نور الثقلين ج ٢ ص ١٩٩ وتفسير الميزان ج ٩ ص ٢٣١.

٩٤

ولكن لطالما ظهر : أن هذه الإدعاءات مبالغ فيها ، وأن مطابقة الأفعال للأقوال تكاد لا تتحقق إلا لدى أقل القليل منهم ، فإن الأغراض لدى أكثرهم لم تكن هي الشهادة والدفاع عن الدين بقدر ما كانت هي الحصول على حطام الدنيا ، سواء في ذلك الغنائم ، أو السبايا ، أو المقامات ، أو ما إلى ذلك ..

الثاني : أن ثمة أناسا صالحين وصادقين في مقاصدهم ، وفي اندفاعهم لنصرة الدين وأهله. ولكن حين ينتهي الأمر إلى مواجهة البلايا ، والرزايا ، وحين تعضهم الحرب بنابها ، وتعصر قلوبهم الآلام والمصائب ، وتواجههم المتاعب والنوائب ، فإنهم يضعفون ، ويتراجعون ، ويصير همهم تخليص أنفسهم مما هم فيه .. لأنهم لا يصبرون على ما أصابهم ، ولا يحتسبون ثواب ذلك عند الله ..

العرب تباغت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وروي بسند صحيح عن أبي عبد الله «عليه‌السلام» أنه قال : ما مرّ بالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يوم كان أشد عليه من يوم حنين ، وذلك أن العرب تباغت عليه (١).

فهذه الرواية تشير إلى أمر هام ، وهو : بغي العرب مجتمعين على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في خصوص حنين.

ولعل فهم هذه الرواية سيكون صعبا للوهلة الأولى ، لأن المفروض : أنه

__________________

(١) البحار ج ٢١ ص ١٨٠ وعن علل الشرايع ص ١٥٨ و (ط المكتبة الحيدرية) ج ٢ ص ٤٦٢.

٩٥

«صلى‌الله‌عليه‌وآله» قدم بعشرة آلاف مقاتل أو أكثر إلى مكة ، وتمكن من فتحها.

ثم خرج أهل مكة معه إلى حنين ، عن بكرة أبيهم.

وقد كان هؤلاء من العرب .. فلم يكن في جميع حروبه السابقة أحسن حالا ـ من حيث سعة تأييد العرب له ـ منه في حرب حنين ..

فما هو المقصود إذن من قول الإمام الصادق «عليه‌السلام» : أن العرب تباغت على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حنين؟! وأن ذلك هو السبب في شدة حرب حنين عليه «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

بل هو «عليه‌السلام» يقر : بأنه ما مرّ بالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يوم أشد عليه من حنين!!

ولعل الجواب عن ذلك هو : أن القضية في حنين كانت أكبر وأخطر مما نتصوره ، فهوازن قد جمعت كما يقول زعيمها مالك بن عوف : عشرين ألف سيف .. بل في بعض الروايات : أنهم كانوا أربعة وعشرين ألفا ، أو كانوا ثلاثين ألفا حسبما تقدم.

ثم إن الذين كانوا مع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من أهل مكة ، قد جاؤوا نظارا لا يرجعون إلى دين ، أو طمعا بالغنائم ، حتى لو كانت من المسلمين ..

كما أن قسما منهم ، لم يكونوا ينزعجون لو كانت الصدمة لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وسنرى أيضا : أن قسما من المقاتلين كانوا من المنافقين. ومن المؤلفة قلوبهم ، وممن عبّروا عن رغبتهم بأن تدور الدائرة على أهل الإيمان .. وحين

٩٦

حلت الهزيمة بالمسلمين أظهروا فرحتهم ، وحملوا خبر ذلك كبشارة للناس في مختلف الأنحاء.

وقد أظهرت النصوص : أكثر من محاولة اغتيال لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في نفس لحظة فرار المسلمين كما سنرى إن ذلك كله وسواه وكذلك فرار جميع من كان مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يؤكد : أن الأمر لم يكن طبيعيا ، بل قد يروق للبعض أن يفهم : أن ثمة تفاهما ضمنيا بين هوازن ، وبين كثير من الزعماء المشبوهين ، الذين كانوا بين أهل الإسلام؟!.

وأن تدبيرهم الذكي ، والخفي ؛ هو الذي جر المسلمين إلى تلك الهزيمة النكراء ، التي كان يراد لها أن تنتهي بقتل النبي الأعظم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، إما اغتيالا ، أو في زحمة المعركة.

ولعل هذا التدبير التآمري قد تضمن فرار فريق في مقدمة الجيش ، ليفر بعده الجيش كله ، ويبقى «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ليتمكنوا من قتله في تلك الحال. إن ذلك هو ما سوف نستنطق له الدلائل والشواهد فيما يأتي من مطالب وفصول ، وعليه نتوكل ، ومنه نسأل التوفيق والتسديد ، إنه خير مأمول ، وأكرم مسؤول ..

هل ظاهر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بدرعين؟! :

إن ما ذكرته رواياتهم : من أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد ظاهر بدرعين ، ولبس البيضة والمغفر. والدرعان ، هما : ذات الفضول ، والسغدية وهي درع

٩٧

داود ، التي لبسها حين قتل جالوت (١) مما لا يمكن قبوله.

فأولا : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكن ليلبس درعين. في حين أن كثيرين من أصحابه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يجدون درعا واحدة يتقون بها سلاح الأعداء ..

بل إننا لا نظن : أنه يرضى بأصل لبس الدرع ، إذا كان في أصحابه من هو حاسر ، بل هو يؤثر بها من لا يجد درعا ليلبسها ، فإنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليس فقط لا يرضى إلا أن يسوي نفسه بأضعف أصحابه ، بل هو يبادر إلى الإيثار على نفسه ، قبل أن يطلبه من غيره.

ثانيا : إن من يركب البغلة ـ لا الفرس ـ وينزل عنها حين فرار الناس من حوله ، ويقتحم جموع الأعداء ، لا يلبس درعين.

ثالثا : إن عليا «عليه‌السلام» كان يبرز إلى أعدائه في درع لا ظهر لها (٢) ،

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٧ و (ط دار المعرفة) ص ٦٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٧ ص ٣٦٨.

(٢) راجع : البحار ج ٤٢ ص ٥٨ وج ٤١ ص ٦٧ عن مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٢٩٦ ـ ٢٩٨ والتبيان في شرح الديوان [أي ديوان المتنبي (ط الحلبي بمصر) ج ٣ ص ٣١٢] ومعالم الفتن لسعيد أيوب عن مروج الذهب ج ٢ ص ٢٤٠ وعن كنز العمال ج ١١ ص ٣٤٧ وعن عيون الأخبار لابن قتيبة ج ١ ص ١٣٠ و ١٣١ وشرح النهج لابن أبي الحديد ج ٢٠ ص ٢٨٠ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ لمحمد الريشهري ج ٩ ص ٤٢٨ و ٤٢٩ وشرح إحقاق الحق ج ٨ ص ٣٢٥ وج ١٨ ص ٧٨ و ٧٩ وج ٣١ ص ٥٦٩ والنهاية في غريب الحديث ج ٤ ص ٣ ولسان العرب ج ١ ـ

٩٨

فإذا سئل عن ذلك ، يقول : إذا مكنت عدوي من ظهري ، فلا أبقى الله عليه إن أبقى علي (١).

وعن ابن عباس قال : والله ما رأيت رجلا أطرح لنفسه في متلف من علي ، ولقد كنت أراه يخرج حاسر الرأس إلى الرجل الدارع فيقتله (٢).

فلم يكن «عليه‌السلام» يظاهر بين درعين .. مع أنه كان يقذف بنفسه في أتون المعركة ، في متن توقدها ، وأوج ضرامها.

فهل نصدق على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أنه قد ظاهر بدرعين في حرب حنين؟!

__________________

ص ٦٥٨ والفايق في غريب الحديث للزمخشري ج ٣ ص ٦٣ ومجمع البحرين ج ٣ ص ٤٤٥ وتاج العروس ج ٢ ص ٣٠٣ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٣٤٠.

(١) المستطرف ج ١ ص ١٩٩ ط القاهرة ، وتاج العروس (ط القاهرة) ج ٨ ص ١٥٠ والموفقيات ص ٣٤٣ وترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق ج ٣ ص ٨٦٣ وج ٤٢ ص ٣٤٠ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ لمحمد الريشهري ج ٩ ص ٤٢٩ وشرح إحقاق الحق ج ٨ ص ٣٢٥ وج ١٨ ص ٧٩ وج ٣٢ ص ٣٣٩.

(٢) الرياض النضرة (ط الخانخي بمصر) ص ٢٢٥ وذخائر العقبى (ط مكتبة القدسي بالقاهرة) ص ٩٨ و ٩٩ وأرجح المطالب (ط لاهور) ص ١٧٨ والمناقب لابن المغازلي وعن وسيلة المآل ، وراجع : جواهر المطالب لابن الدمشقي ج ١ ص ٢٦٦ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ لمحمد الريشهري ج ٦ ص ١٤٢ وج ٩ ص ٤٢٨ وشرح إحقاق الحق ج ٣ ص ٣٢٤ وج ١٨ ص ٨٠ وج ٣٢ ص ٥١٦.

٩٩

بنو سليم .. وأهل مكة ، وخالد :

وقد جعل «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مقدمته بني سليم ، وجماعة أهل مكة بقيادة خالد. وقد أثار اهتمامنا هنا أمران :

الأول : الكتلة العشائرية.

الثاني : دور بني سليم في هزيمة المسلمين.

وفي إشارة موجزة إلى هذين الأمرين نقول :

١ ـ الكتلة العشائرية :

قد ظهر : أن مقدمة جيش المسلمين في حنين كانت مؤلفة من كتلتين عشائريتين هما : بنو سليم .. وأهل مكة .. وأن قيادة هذه المقدمة قد أسندت إلى أحد أهل مكة ، الذي عرف بتاريخه القتالي الحافل بالتعديات ، والمخالفات ، وهو خالد بن الوليد ..

وكنا قد ذكرنا في بعض فصول الجزء الأول من هذا الكتاب : أنه وإن كان الإسلام يحارب العصبيات القبلية والعشائرية ، ولكنه كان أيضا يسعى لتغيير منطلقات العلاقة بين أفراد تلك العشائر ، والقبائل ، وبجعلها منطلقات إنسانية ، وإيمانية ، تتخذ من القبيلة وسيلة للتلاحم ، والتعاضد والتعاون على الصالح العام ، ودفع الشرور ، وإشاعة الخير والصلاح ..

ومن الواضح : أن جعل أبناء القبيلة الواحدة في موقع قتالي واحد ، من شأنه أن يرفع من مستوى التعاون على دفع العدو من جهة ، ويمكّن من حفظ بعضهم البعض من جهة أخرى ، حيث إن من يجد من نفسه بعضا من قوة ، لا بد أن يذب عن أخيه ، ويجد الدافع لمضاعفة جهده في هذا السبيل ،

١٠٠