الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٤

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٤

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-196-3
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٧١

المقدمة. وإما أنها كانت هي المبادرة للفرار ، وتبعها الناس في ذلك لا يلوون على شيء (١). وبقي علي أمير المؤمنين «عليه‌السلام» وحيدا في ساحة القتال ، بالإضافة إلى نفر من بني هاشم احتوشوا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لكي يمنعوا المشركين من الوصول إليه ، وإلحاق الأذى به ..

من أجل ذلك كله نقول :

إن الأشعار المنسوبة للعباس بن مرداس إنما تهدف إلى تزوير الحقيقة ، وتبييض صفحة بني سليم ، وخالد ، ولو عن طريق إشاعة الأباطيل والأكاذيب. ولا شيء أكثر من هذا .. وبطلان هذه الإدعاءات كالنار على المنار ، وكالشمس في رابعة النهار .. وقد خاب من افترى.

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يدافع عن ذراري المشركين :

ولا ندري كيف يمكن تفسير ما ورد في بعض الروايات المتقدمة : من أن المسلمين حنقوا على المشركين ، فقتلوهم حتى أسرع القتل في ذراري المشركين ، حتى اضطر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى النداء :

«ألا لا تقتل الذرية ، ألا لا تقتل الذرية» ثلاثا (٢).

__________________

(١) راجع على سبيل المثال : البحار ج ٢١ ص ١٥٠ وتفسير القمي ج ١ ص ٢٨٧ وغير ذلك مما تقدم.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣١ عن الواقدي ، والمغازي ج ٣ ص ٩٠٥ والآحاد والمثاني ج ٢ ص ٣٧٥ وراجع : المعجم الكبير ج ١ ص ٢٨٤ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ١٥ و ١٦ وجزء أبي الطاهر ج ١ ص ٢٦.

٣٢١

غير أننا نكتفي هنا بالإلماح إلى ما يلي :

أولا : إن المشركين كانوا يعدون بالألوف ، إن لم نقل بعشرات الألوف .. ومجموع من قتل منهم كان حوالي مائة ، كما تقدم ، وسيأتي .. وأكثر قتلى المشركين قتلوا على يد علي «عليه‌السلام» ، فإنه «عليه‌السلام» بعد قتل أبي جرول قتل أربعين رجلا ، ولا ندري كم قتل قبل ذلك .. وقد كان قتل أبي جرول ـ حسبما تقدم ـ هو السبب في كسر شوكة المشركين ، وفي هزيمتهم.

ولو أردنا تصديق ما زعموه : من أن أبا طلحة قتل عشرين رجلا من المشركين ، وحصل على سلبهم ، وأضفنا إلى ذلك الأسير الذي قتله عمر بن الخطاب ، والأسير الذي قتله أم عمارة والرجل الذي زعموا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قتله .. وأضفنا إلى ذلك المرأة التي قتلها خالد ، والذراري الذين قتلوا من دون مبرر ، فلا يبقى سوى قلة قليلة جدا لا تستحق هذه المبالغات ، التي يتخيل سامعها أن المسلمين قد حصدوا مئات من المشركين في فورة حنقهم ..

وفي جميع الأحوال يبقى السؤال قائما : أين أمعن المسلمون في قتل رجال المشركين؟! وما هي حصيلة هذا الإمعان سوى ما ذكرناه؟!.

ثانيا : إذا كان المسلمون عشرة آلاف ، أو اثنا عشر ألفا ، ويقابلهم ضعف أو أضعاف عددهم من المشركين ، قيل : أربعة وعشرون ، بل ثلاثون ألفا ، فلا بد أن نتوقع سقوط عدد من القتلى يتناسب مع عدد الجيشين ، ولو بأن يقتل واحد من كل عشرة من المشركين ، وواحد من كل مائة من المسلمين ..

٣٢٢

وهذا معناه : أن تكون الحصيلة النهائية تعد بالمئات بل بالألوف. ولا سيما مع الحنق والهيجان المنسوب للمسلمين ، ومع الإسراع في القتل المنسوب إليهم في المشركين ، حتى تجاوز الرجال إلى الذرية ..

ثالثا : إن المسلمين قد حاربوا أعداءهم طيلة ثماني سنوات في عشرات الحروب ، فما معنى أن يجهل أسيد بن حضير ، وهو الرجل الذي يعظمونه وينسبون إليه المقامات والفضائل ، وهو ينافس على زعامة قبائل الأوس كلها في المدينة. كيف وما معنى أن يجهل أنه لا يحق لأحد أن يقتل ذرية ، ولا عسيفا ، ولا امرأة ، ولا شيخا؟!

وهذه هي وصية رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لكل بعوثه ، وفيها يقول : «لا تقتلوا شيخا فانيا ، ولا صبيا ، ولا امرأة» (١).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء (ط ج) ج ٩ ص ٦٣ و ٦٥ وتذكرة الفقهاء (ط ق) ج ١ ص ٤١٢ ومنتهى المطلب (ط ق) ج ٢ ص ٩٠٨ و ٩١١ و ٩١٢ والتحفة السنية (مخطوط) ص ١٩٩ ورياض المسائل ج ٧ ص ٥٠٢ و ٥٠٧ وجواهر الكلام ج ٢١ ص ٦٦ و ٧٣ والمغني لابن قدامه ج ١٠ ص ٥٤٢ والشرح الكبير لابن قدامه ج ١٠ ص ٣٩٩ والمحلى لابن حزم ج ٧ ص ٢٩٧ وبداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد ج ١ ص ٣٠٨ ونيل الأوطار ج ٨ ص ٧٢ و ٧٣ وفقه السنة ج ٢ ص ٦٤١ والمحاسن للبرقي ج ٢ ص ٣٥٥ والكافي ج ٥ ص ٢٧ و ٣٠ وتهذيب الأحكام ج ٦ ص ١٣٨ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٥ ص ٥٨ و (ط دار الإسلامية) ج ١١ ص ٤٣ والبحار ج ١٩ ص ١٧٧ وج ٩٧ ص ٢٥ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٣ ص ١١٧ و ١٤٨ ومستدرك سفينة البحار ج ٥ ص ٣٢ ومستدرك سفينة البحار ج ١٠ ص ٣٤٥ وميزان الحكمة ج ١ ص ٥٦٥ و ٥٦٦ وسنن أبي داود ج ١ ص ٥٨٨ وعمدة القاري ج ١٤ ص ٢٦١ وعون المعبود ـ

٣٢٣

بل إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أرسل إلى خالد يقول له : «لا تقتل ذرية ولا عسيفا» (١). وهم وإن لم يصرحوا باسم الغزوة التي أرسل إليه فيها هذا الأمر ، لكنها إما حنين ، وإما الفتح بلا شك ، لأن الرواية صرحت : بأنه قتلها بعد ما جرى على المقدمة التي كانت بقيادته ما جرى.

ومن المعلوم : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يجعله على مقدمته بعد حنين.

__________________

ج ٧ ص ١٩٦ و ٢٣٧ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٧ ص ٦٥٤ ومعرفة السنن والآثار ج ٧ ص ٣١ والإستذكار لابن عبد البر ج ٥ ص ٣٢ و ٣٣ والتمهيد لابن عبد البر ج ٢٤ ص ٢٣٣ ونصب الراية للزيلعي ج ٤ ص ٢٣٥ والدراية في تخريج أحاديث الهداية لابن حجر ج ٢ ص ١١٦ وكنز العمال ج ٤ ص ٣٨٢ وفيض القدير ج ٢ ص ٧٦ وتفسير نور الثقلين ج ٢ ص ١٨٨ والدر المنثور ج ١ ص ٢٠٥ وتهذيب الكمال للمزي ج ٨ ص ١٥١ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٧ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٣٥.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣٥ عن أحمد ، وأبي داود ، وفي هامشه عن أحمد ج ٣ ص ٤٨٨ و (ط دار صادر) ج ٤ ص ١٧٨ وعن أبي داود في الجهاد ج ٢ ص ٥٠ وعن المعجم الكبير للطبراني ج ٥ ص ٧٠ و (ط دار إحياء التراث العربي) ج ٤ ص ١١ ومعاني الآثار ج ٣ ص ٢٢٢ وسنن ابن ماجة (٢٨٤٢) ومستدرك الحاكم ج ٢ ص ١٢٢ وراجع : سبل السلام ج ٤ ص ٤٩ وفتح الباري ج ٦ ص ١٠٣ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٢٠١ وج ٦ ص ١٣٢ والسنن الكبرى للنسائي ج ٥ ص ١٨٧ وصحيح ابن حبان ج ١١ ص ١١٢ والتمهيد لابن عبد البر ج ١٦ ص ١٤١ وكنز العمال ج ٤ ص ٤٣٣ و ٤٨٢ ولسان الميزان ج ٤ ص ٢٠٢ والنهاية في غريب الحديث ج ٢ ص ١٥٧ ولسان العرب ج ٤ ص ٣٠٤ وج ١٤ ص ٢٨٦ وتاج العروس ج ٦ ص ٤٣٦.

٣٢٤

فما معنى أن يسأل أسيد بن حضير هذا السؤال إلا إذا كان يرى أن في أوامر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ما يكون خطأ وغير معقول؟!

ولنترك أسيد بن حضير ، لنسأل عن غيره من المسلمين الحانقين الذين فتكوا بالذرية ، فنسأل أيضا : لماذا عصوا أوامر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وتوجيهاته لهم ، وهي لم تزل تتلى على مسامعهم ، عند إرسال كل سرية أو بعث؟!

رابعا : إن الإسراع في قتل الذرية معناه : أنهم قد انتقلوا من ساحة المعركة ، إلى موضع وجودها ، إذ إن الذرية لا تكون في ساحة القتال ، بل تجعل مع النساء بعيدا عن موضع الخطر ، لكي لا ينالها مكروه في حالات الكر والفر ..

وهذا يشير إلى أنهم إنما فعلوا بالذرية ذلك في حال لم تكن هوازن قادرة على التفكير بهم ، والدفع عنهم. وليس ذلك إلا حال فرارها من سيف علي «عليه‌السلام» ، ومن جند الله تعالى ، فشغلها ذلك عن التفكير بأي شيء آخر ، فاغتنم المسلمون الفارّون الفرصة للفتك بذرية المشركين في نفس هذه اللحظات ..

وهذه رذيلة ، وليست فضيلة ، وهي تدل على منتهى العجز والخوار ، وليست دليل بسالة وشجاعة.

خامسا : إن ما نسبوه إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من أنه قال لأسيد بن حضير : «أليس خياركم أولاد المشركين» ، يبقى هو الآخر موضع ريب وشك.

ولعل الصحيح ، هو : أنه قال له : أليس تقولون (أو أليس تزعمون) أن

٣٢٥

خياركم الخ ..

أو لا بد من حمل كلامه على أنه أجراه وفق ما يعتقده ابن حضير ، ومن تابعه حيث يوهمون أنفسهم بأنهم خيار الناس ، فهو سؤال تقريري أجراه على ظاهر الحال منه ..

وإلا ، فالحقيقة هي : أن خيار الناس هم أولاد الموحدين وهم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وأهل بيته الطاهرون .. ثم يأتي الناس بعدهم على مراتبهم.

وأخيرا نقول :

أولا : قد اتضح : أن ظواهر الأمور تعطي : بأن بعض الناس ، العاجزين ، وغير الملتزمين بأوامر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وتوجيهاته ، قد بادروا إلى قتل الذرية ، فنهاهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

ويدل على ذلك : نفس قول رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «ما بال أقوام بلغ بهم القتل حتى بلغ الذرية»؟! ..

ثانيا : إن نفس كلمات النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أيضا تشير إلى أن ما يفعله هؤلاء في الذرية كان بدافع الحقد وشهوة القتل ، ولذلك قال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لهم : «بلغ بهم القتل حتى بلغ الذرية ..» أي إن حب وشهوة القتل نفسه قد ساقهم إلى هذا الحد غير المعقول ولا المقبول ..

وهذا في حد نفسه رذيلة لا بد من التنزه عنها ، بل هو مرض لا بد من علاجه ، وتخليص النفوس منه ..

الوفاء بالنذر .. والعصمة :

وأما الحديث عن نذر قتل ذلك الرجل الذي تاب إلى الله ، وعدم قبول

٣٢٦

النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» البيعة منه حتى يفي ذلك الناذر بنذره ، فهو غير مقبول ، بل غير معقول ..

أولا : لأن ذلك الرجل إذا كان قد أقلع عما كان عليه ، وتاب إلى الله ، فكيف يسمح النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بقتله ، وهل يحق له أن يفرط فيه بعد توبته .. أولم يصرح القرآن بأن الله تعالى (هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) (١) ، وقال تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ) (٢).

ثانيا : هل يصح الإمساك عن مبايعة رجل جاء تائبا إلى الله تعالى ، واخذه بما سلف منه؟!

ثالثا : هل يصح نذر ذلك الرجل في أمر كهذا؟!. وهل يجب عليه أن يفي به ، بعد أن كان أمر الأسرى لا يعود إليه ، بل هو بيد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!

والمفروض : أن ذلك قد نذر قتله بعد أسره لا قبله. وليس لأحد أن ينذر في حق الأسرى ، أي شيء من دون إذنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعد أن أصبحوا في عهدة النبي ، وصار أمرهم إليه «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وهل هذا إلا مثل أن ينذر أحد أن يتصدق بمال غيره ، أو أن يعتق عبد جاره ، أو أن يطلق زوجة أخيه؟!. وما إلى ذلك ..

اجزروهم جزرا :

وزعموا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أمر المسلمين بقتل من قدروا

__________________

(١) الآية ٢٥ من سورة الشورى.

(٢) الآية ٨٢ من سورة طه.

٣٢٧

عليه من المشركين ، وأنه قال لهم : اجزروهم جزرا ، وأومأ بيده إلى الحلق (١).

وهو كلام مكذوب على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بلا ريب ، فإن المطلوب إذا كان ذلك ، فلماذا لم يقتلهم حين قدر عليهم ، وأسرهم؟!

يضاف إلى ذلك : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إنما يريد بحربه لهم دفع شرهم ، وإبطال كيدهم ، وإيقافهم عند حدهم ، ثم هدايتهم إلى الحق. ولا يريد أن يتشفى منهم ، لأنه لم يكن يحقد عليهم ؛ بل كانت نفسه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تذهب حسرات على الضالين والمشركين ، وقد خاطبه الله تعالى بقوله : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) (٢) ، وقوله : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) (٣) ، وكان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يقول : «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون» (٤). حتى وهم يقاتلونه ،

__________________

(١) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣٢ عن ابن إسحاق ، والبزار ، وفي هامشه عن : مجمع الزوائد ج ٦ ص ١٨٢.

(٢) الآية ٨ من سورة فاطر.

(٣) الآية ٦ من سورة الكهف.

(٤) البحار ج ١١ ص ٢٩٨ وج ٢٠ ص ٢١ و ٩٦ و ١١٧ وج ٢١ ص ١١٩ وج ٣٥ ص ١٧٧ وشجرة طوبى ج ٢ ص ٢٠٤ وسنن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» للطباطبائي ص ٤١٣ والخرائج والجرائح ج ١ ص ١٦٤ والتحفة السنية (مخطوط) ص ٥٢ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٦٦ واثنا عشر رسالة للمحقق الداماد ج ٨ ص ٢٦ وتأويل مختلف الحديث ص ١٥٠ وتفسير مجمع البيان ج ٤ ص ٢٧٩ وتفسير الميزان ج ٦ ص ٦٠ وجامع البيان ج ٢٢ ص ١٩٢ ومعاني القرآن ج ٥ ص ٤٨٧ وزاد المسير ج ٦ ص ٢٦٨ وتفسير القرآن العظيم ج ٣ ص ٥٧٥ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٩٨ وج ٣ ص ٩٤ وتفسير الثعالبي ج ٢ ـ

٣٢٨

ويحاولون سفك دمه.

إيمان أهل مكة .. لظهور القوة :

وقد صرحت الروايات المتقدمة : بأن نتائج حرب حنين ، قد دعت الكثيرين من المكيين إلى الدخول في الإسلام. قالوا :

«وأسلم عند ذلك ناس كثير من أهل مكة ، حين رأوا نصر الله تعالى رسوله ، وإعزاز دينه» (١).

ولسنا بحاجة إلى بذل أي جهد في توضيح حقيقة : أن إسلام هؤلاء الناس من أهل مكة ، لم يكن لأجل انصياعهم لما تحكم به عقولهم ، وتقودهم إليه فطرتهم ، ولا كان ذلك حبا بالحق ، والتذاذا بالهدى ، وبخوعا وانقيادا لما تفرضه المعجزة القاهرة ، والبراهين الظاهرة.

ولكن إسلامهم كان انصياعا للقوة واستجابة لإغراءاتها ، وتأثرا

__________________

ص ١٠٤ وفتح القدير ج ٢ ص ٦١ وتاريخ مدينة دمشق ج ٦٢ ص ٢٤٧ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٣٠١ ص ٦٨٣ والشفا بتعريف حقوق المصطفى ج ١ ص ١٠٥ وإعلام الورى بأعلام الهدى ج ١ ص ١٧٩ وعصمة الأنبياء ص ٧٨ وعيون الأثر ج ٢ ص ٤٢١ وسبل الهدى والرشاد ج ١ ص ٤٨١ وج ٧ ص ٢١ و ٢٢ وقصص الأنبياء للجزائري ص ٨٣.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣٢ وإعلام الورى ص ١٢٢ و ١٢٣ والبحار ج ٢١ ص ٦٧ وعن البداية والنهاية ج ٤ ص ٣٧٨ وعن السيرة النبوية ج ٣ ص ٦٢٧ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٥ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١٢ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٤ وراجع المصادر المتقدمة.

٣٢٩

باقتضاءاتها ، فقد رأوا نصر الله رسوله ، وإعزازه دينه ، ويعتبرون أن أمرا من هذا القبيل يعنيهم ، ولا بد لهم من البحث عنه ، والحصول عليه ، لأنه يمثل مظهرا من مظاهر الحياة الدنيا ، وربما يكون من أقوى السبل إليها ، والحياة الدنيا هي محط أنظارهم ، ومهوى أفئدتهم ..

فالإنتصار ، والإعزاز كانا السبب الأقوى لإظهارهم الإسلام ، وهذه هي نظرة الضعفاء قليل الحظ في العلم والثقافة والمعرفة ، والمفلسين من القيم والمثل ، والبعيدين عن التفاعل الروحي مع الأحداث ، والفاقدين لتوهج المشاعر ، ولحياة العواطف .. فانحسر دور هذه المؤثرات ، لتتفرد الأهواء والغرائز بمسار الإنسان ، وبمصيره ، دونما وازع من ضمير ، أو رادع من وجدان.

قتل دريد بن الصمة :

قالوا : لما هزم الله تعالى هوازن ، أتوا للطائف ، ومعهم مالك بن عوف ، وعسكر بعضهم بأوطاس ، وتوجه بعضهم نحو نخلة ، بنو عيرة من ثقيف.

فبعث رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خيلا تتبع من سلك نخلة ولم تتبع من سلك الثنايا.

وأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة ، من بني سليم ، دريد بن الصمة ، فأخذ بخطام جمله ، وهو يظن أنه امرأة ، وذلك أنه في شجار له ، فإذا هو رجل ، فأناخ به وهو شيخ كبير ، ابن ستين ومائة سنة ، فإذا هو دريد ، ولا يعرفه الغلام.

فقال له دريد : ما تريد؟

٣٣٠

قال : أقتلك.

قال : وما تريد إلى المرتعش الكبير الفاني؟

قال الفتى : ما أريد إلا ذاك.

قال له دريد : من أنت؟

قال : أنا ربيعة بن رفيع السلمي.

قال : فضربه ، فلم يغن شيئا.

فقال دريد : بئس ما سلحتك أمك ، خذ سيفي من وراء الرحل في الشجار ، فاضرب به ، وارفع عن العظم ، واخفض عن الدماغ ، فإني كذلك كنت أقتل الرجال ، ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة ، فربّ يوم قد منعت فيه نساءك.

فزعمت بنو سليم : أن ربيعة لما ضربه فوقع ، تكشف للموت ، فإذا عجانه وبطون فخذيه مثل القرطاس من ركوب الخيل.

فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه ، قالت : والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثا في غداة واحدة ، وجز ناصية أبيك.

فقال الفتى : لم أشعر (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣٣ و ٣٣٤ عن ابن إسحاق ، والواقدي ، وغيرهما.

والمغازي للواقدي ج ٣ ص ٩١٤ و ٩١٥ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٢ و (ط دار المعرفة) ص ٧٢ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٧ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١٢ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٥١ والإستيعاب ج ٢ ص ٤٩١ وتاريخ مدينة دمشق ج ١٧ ص ٢٣٧ و ٢٣٨ و ٢٤٢ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٦٤ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٨٦ وأعيان الشيعة ج ١ ـ

٣٣١

مالك بن عوف يفرّ إلى ثقيف :

وقالوا أيضا : ووقف مالك بن عوف على ثنية من الثنايا ، وشبان أصحابه ، فقال : قفوا حتى يمضي ضعفاؤكم ، وتلتئم إخوانكم. فبصر بهم الزبير بن العوام ، فحمل عليهم حتى أهبطهم من الثنية ، وهرب مالك بن عوف ، فتحصن في قصر بلية. ويقال : دخل حصن ثقيف (١).

ونقول :

إننا نلاحظ على ما تقدم :

١ ـ قال اليعقوبي : «وقتل دريد بن الصمة ، فأعظم الناس ذلك. فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : إلى النار وبئس المصير ، إمام من أئمة الكفر ، إن لم يكن يعين بيده ، فإنه يعين برأيه ، قتله رجل من بني سليم» (٢).

وهذا دليل واضح على أن قتل دريد بن الصمة كان عملا صائبا ، ومحمودا ، فإن هذا الشيخ مع كبر سنه قد حرص على إطفاء نور الله ، وأصرّ على محاربة الأنبياء ، وخذلان الحق ، ونصرة الباطل ، فهل هناك من هو أسوأ

__________________

ص ٢٨٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٤٠ وأسد الغابة ج ٢ ص ١٦٧ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٥٨٩ والوافي بالوفيات ج ١٤ ص ٩ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩٠١ والإكتفاء ج ٢ ص ٢٤٦ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ٩٢.

(١) راجع : تاريخ مدينة دمشق ج ٥٦ ص ٤٨٦ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣٤ والإكتفاء ج ٢ ص ٢٤٨ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٥٢ وعيون الأثر ج ٢ ص ٢١٩.

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٦٣.

٣٣٢

من هذا ..

فلو أنه بعد أن بلغ من الكبر عتيا .. ندم على ما فرط منه طيلة حياته الحافلة بالظلم والعدوان وقتل الناس .. كما اعترف به آنفا ، واعتزل في بيته على أقل تقدير ، ونصح من يأخذ عنه ، ويسمع منه بالعمل بما يحفظ لهم كرامتهم ، ويؤكد المعاني الإنسانية النبيلة فيهم ، لكان خيرا له ولهم ..

ولكنه بالرغم من ظهور عدم طاعة مالك له ، أصر على البقاء الذليل معه في ذلك الجمع. آملا أن يتمكن من عمل أي شيء ضد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ومن معه من المؤمنين. مع اعترافه لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، بأنه ليس كسائر الناس شمما وكرما ..

ومع اعترافه أيضا : أنه قد أظهر لمالك بن عوف ولغيره بأنه على معرفة تامة بما كان يجري في المنطقة من تحولات .. مما يعني : أنه يفعل ما يفعل عن سابق علم وتصميم ، وهذا يزيد في وضوح سوء نيته ، وخبث طويته ، وهو لا يستحق أي نوع من أنواع الرأفة والتسامح.

٣ ـ لقد أحسن هذا الشاب فيما أجاب به أمه حين عتبت عليه لعدم تكرّمه على ابن الصمة بالعفو عنه ، حيث أوضح لها : أنه لم يكن ليتكرم بما يوجب غضب الله ورسوله .. فقد قال لها : ما كنت لأتكرم عن رضا الله ورسوله (١).

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٢ و (ط دار المعرفة) ص ٧٢ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١٢ والإصابة ج ٢ ص ٤٦٤ و (ط دار الكتب العلمية) ص ٣٨٧.

٣٣٣

وهذا يدل : على أنه قد قتله عن معرفة تامة باستحقاقه للقتل ، ولم يكن ذلك عن رغبة في سفك دماء الناس ، كما ربما توحي به رواية قتله التي ذكرها الصالحي الشامي وغيره ..

٤ ـ قيل : إن قاتل دريد هو : الزبير بن العوام ، وقيل : هو عبد الله بن قنيع (أو قبيع) (١). والحديث المتقدم لا مجال لتطبيقه على الزبير ، كما هو ظاهر ..

٥ ـ إن سياق حديث قتل ابن الصمة قد يوحي : بأن دريدا كانت له أعمال صالحة تشير إلى أنه كان يملك درجة من النبل ، وكرم الطباع ، وصالح السجايا ، من حيث إنه كان يعتق النساء ، ويطلق الأسرى ، بعد أن يجز ناصيتهم ..

ولكن الحقيقة هي : أن ذلك لا يكفي لإثبات أن عتقه للنساء ، وإطلاقه للأسارى قد كان بدافع إنساني ، يستحق معه بعض التكريم ، والتعظيم ، أو يوجب التعامل معه بشيء من التسامح .. إذ لعله كان يفعل ذلك للحصول على ما هو أفضل من ذلك ، في الموقع المناسب .. أو لأجل الحصول على السمعة في الدنيا .. أو ما إلى ذلك.

ويؤيد ما نقول :

أنه كان يهتم بسفك دماء الناس ، وله شهرة واسعة في ذلك .. فمن كان

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٢ و (ط دار المعرفة) ص ٧٢ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٧ وراجع : والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١٢ والدرر لابن عبد البر ص ٢٢٧ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩٠٢ وفتح الباري ج ٨ ص ٣٤ وعمدة القاري ج ١٧ ص ٣٠٢ وأسد الغابة ج ٣ ص ٢٤٤ والإصابة ج ٤ ص ٢١.

٣٣٤

كذلك ، كيف نتوقع أن يكون عتقه للنساء بدافع إنساني يستحق معه العفو؟

ولو فرض أنه يستحق العفو لإطلاق سراح النساء ، فهل يستحق العفو بالنسبة للأبرياء الذين قتلهم في كل تاريخه الطويل؟!

٦ ـ وأما الحديث عن عجانه وبطون فخذيه وأنها كانت كالقرطاس من ركوب الخيل ، فهو كلام فارغ ، لا يعدو كونه مبالغات دأب عليها الناس في مثل هذه الأحوال ، رغبة منهم في تهجين الأمور. وإلا ، فإن الإنسان لو ركب الخيل عشرات السنين ، فلا يتحول عجانه وباطن فخذيه إلى هذه الحالة.

نعم ، ربما يكون كبر سنه وضعف بدنه قد أوجد حالة من الترهل والإسترخاء .. وذلك يحصل لكل من طعن في السن ، فكيف إذا بلغ مائة وعشرين ، أو مائة وستين ، أو حوالي مائتي سنة؟!

أوسمة للزبير بن العوام :

قالوا : وخرج مالك بن عوف عند الهزيمة ، فوقف في فوارس من قومه على ثنية من الطريق ، وقال لأصحابه : قفوا حتى تمضي ضعفاؤكم ، وتلحق أخراكم ، فوقف هنالك حتى مرّ من كان لحق بهم من منهزمة الناس.

قال ابن هشام : وبلغني : أن خيلا طلعت ومالك وأصحابه على الثنية ، فقال لأصحابه : ماذا ترون؟

قالوا : نرى أقواما عارضي رماحهم ، أغفالا على خيلهم.

قال : هؤلاء الأوس والخزرج ، فلا بأس عليكم منهم ، فلما انتهوا إلى أصل الثنية ، سلكوا طريق بني سليم.

٣٣٥

فقال لأصحابه : ما ذا ترون؟

قالوا : نرى قوما واضعي رماحهم بين آذان خيلهم ، طويلة بوادّهم.

قال : هؤلاء بنو سليم ، ولا بأس عليكم منهم ، فلما سلموا سلكوا بطن الوادي.

ثم اطلع فارس ، فقال لأصحابه : ماذا ترون؟

قالوا : نرى فارسا طويل البادّ ، واضعا رمحه على عاتقه ، عاصبا رأسه بملاءة حمراء.

قال : هذا الزبير بن العوام ، وأحلف باللآت والعزى ليخالطنكم فاثنوا له.

فلما انتهى الزبير إلى أصل الثنية أبصر القوم ، فصمد لهم فلم يزل يطاعنهم حتى أزاحهم عنها (١).

ونقول :

إننا نشك في صحة هذه الأقاويل ..

أولا : لأن النصوص قد صرحت : بأن مالك بن عوف حين فرّ في حنين ، قد بلغ في فراره إلى حصن الطائف ، وكان الذعر قد بلغ بالمشركين المنهزمين حدا جعلهم يشعرون وكأن عدوهم يدخل على أثرهم إلى حصن الطائف (٢).

ولم يكن المنهزمون قادرين على انتظار أحد من الناس ، لا من ضعفتهم ،

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٨ والمغازي للواقدي ج ٣ ص ٩١٦ و ٩١٧ والإكتفاء ج ٢ ص ٢٤٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٨٥ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩٠٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٣٨.

(٢) راجع : المغازي للواقدي ج ٣ ص ٩٠٨ و ٩٠٦ وغير ذلك مما تقدم.

٣٣٦

ولا من غيرهم حتى يلحق بهم ، ولا ليجرؤا على الوقوف على ثنية ، ويراقبوا كتائب المسلمين وهي تلاحقهم ، ويميزوا بين هذه وتلك ..

وكان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أرسل الخيل لتلاحقهم كما يقولون ، فلم يكونوا ليجدوا الفرصة ليصعدوا على ثنية ولا على غيرها (١).

ثانيا : إن المسلمين كما تقدم : لم يعودوا إلى القتال ، بل عادوا فوجدوا أسرى المشركين مكتفين عند رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فهم لم يلاحقوا المنهزمين ..

أو على الأقل : إن النصوص غير قادره على إثبات ذلك ..

ثالثا : هل كان الزبير وحده في تلك البيداء؟! ولماذا كان وحده؟! وإذا كانت لديه هذه الشجاعة ، والروحية ، والمقدرة ، فلماذا هرب مع الهاربين .. واستحق العقاب الإلهي ، مع من عوقب وطولب ، وليم وأنّب؟!

كما أننا لا بد أن نسأل : كيف انتهت المناوشات بينه وبين الذين على الثنية ، فهل قتلهم أم قتلوه ، أو هزمهم أو هزموه ، أو انصرف عنهم ، وانصرفوا عنه؟!

وهل لحق به أحد فعاونه عليهم ، أم بقي وحده بينهم؟! أم أن مقصوده هو مجرد إزاحتهم عن الثنية ثم لا شغل له بهم؟!

رابعا : إن عرض الرماح على الخيل معناه : الإعراض عن الحرب ، أو الإستهتار بالعدو ، لأن معنى عرضها هو : وضعها على العرض ، قال الشاعر :

جاء شقيق عارضا رمحه

إن بني عمك فيهم رماح

فلماذا يعرض الأوس والخزرج رماحهم ، فإن كان ذلك استهتارا

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٣ ص ٩١٤.

٣٣٧

بالعدو ، فلماذا هربوا منه قبل قليل؟!. وإن كان إعراضا عن الحرب ، فالمفروض : أنهم يطاردون المنهزمين في كل اتجاه ، ولا بد أنهم يستعملون تلك الرماح في تلك المطاردة.

خامسا : ما معنى تسليم سليم على الواقفين على الثنية ، هل عرفوا : أن الذين على الثنية هم مالك بن عوف ، وأصحابه؟! فلماذا سلموا عليهم ، وتركوهم ، ولم يناجزوهم القتال؟!

وإن كانوا قد ظنوا أنهم من أصحابهم ، فلماذا تركوهم أيضا لم يدعوهم إلى النزول إلى ساحات القتال؟!

أو على الأقل : لماذا لم يسألوهم عن حالهم ، وعن سبب وقوفهم على الثنية؟!

فإن حال هؤلاء الواقفين مريب على جميع الأحوال ..

من استشهد بحنين :

قال اليعقوبي : «وكان جميع من استشهد أربعة نفر» (١).

ذكروا : أن الذين استشهدوا من المسلمين في حرب حنين كانوا خمسة رجال فقط ، وهم :

١ ـ أيمن بن عبيد الله بن زيد الخزرجي ، وابن أم أيمن.

٢ ـ وسراقة بن الحارث الأنصاري.

٣ ـ ورقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان.

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٦٣ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١٢.

٣٣٨

٤ ـ وأبو عامر الأشعري أصيب بأوطاس ، كما سيأتي.

٥ ـ ويزيد بن زمعة بن الأسود ، جمح به فرس يقال له : الجناح ، فقتل.

واستحر القتل من ثقيف في بني مالك ، فقتل منهم سبعون رجلا تحت رايتهم ، فيهم عثمان بن عبد الله بن الحارث.

وكانت رايتهم مع ذي الخمار ، فلما قتل أخذها عثمان بن عبد الله ، فقاتل حتى قتل. ولما بلغ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قتله ، قال : «أبعده الله ، فإنه كان يبغض قريشا» (١).

قتلى المشركين :

قال دحلان : «قتل من المشركين وقت الحرب أكثر من سبعين. قيل : وفي الإنهزام أكثر من ثلاثمائة» (٢).

ونقول :

لو صح هذا لوجب أن تكون الهزيمة قد وقعت أولا على المشركين ، فلماذا انهزم المسلمون إذن ..

ومن جهة أخرى : فقد روي عن عبد الله بن الحارث ، عن أبيه قال : قتل

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣٤ وفي هامشه عن المصادر التالية : عبد الرزاق (١٩٩٠٤) وابن أبي عاصم ج ٢ ص ٦٣٨ وابن سعد ج ٥ ص ٣٨٠ ، وابن أبي شيبة ج ١٢ ص ١٧٣ والعقيلي في الضعفاء ج ٤ ص ٣٥٠ وراجع : ج ٢ ص ٣٥٠ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٨٣ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٨٩٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٣٥.

(٢) السيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١٢.

٣٣٩

من أهل الطائف يوم حنين مثل من قتل يوم بدر (١).

وتقدم : أن عليا «عليه‌السلام» قد قتل بعد أبي جرول أربعين رجلا (٢) ، أما من قتلهم «عليه‌السلام» قبل ذلك ، فالله أعلم بعدتهم. كما أن مجموع من قتلهم علي «عليه‌السلام» في حنين ، لم يذكره لنا التاريخ ، ولا تحدثت عنه الروايات.

وكان مجموع من قتل من المشركين مائة رجل (٣).

وبعد أن انهزمت هوازن استمر القتل في ثقيف في بني مالك منهم ، فقتل منهم سبعون رجلا تحت رايتهم ، التي كانت أولا مع ذي الخمار ، فقتل. فأخذها عثمان بن عبد الله بن ربيعة ، فقتل أيضا.

بغض قريش :

بالنسبة لقول رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أبعده الله ، فإنه كان يبغض قريشا (٤) ، نقول :

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣٤ عن البيهقي ، وراجع : المستدرك للحاكم ج ٢ ص ١٢١ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٥٨٢ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٨٠ وإمتاع الأسماع ج ٥ ص ٧٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٣٠ والتاريخ الكبير ج ٧ ص ١٩ ونعجيل المنفعة ج ١ ص ٣٢٥ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٥ ص ١٤٢.

(٢) الإرشاد ج ١ ص ١٤٢ ـ ١٤٤ والبحار ج ٤١ ص ٩٤ عن مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٦٠٤ ـ ٦٠٦.

(٣) البحار ج ٢١ ص ١٨١ ومجمع البيان ج ٥ ص ١٨ ـ ٢٠.

(٤) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٦ عن الإكتفاء ، وراجع المصادر المتقدمة.

٣٤٠