الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٤

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٤

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-196-3
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٧١

فإن فرار المسلمين لم يكن عن جبن ، وإنما كان بسبب مفاجأة هوازن وثقيف لهم ، حيث شدوا عليهم شدة رجل واحد ، ورموهم بالسهام حتى ما تكاد تخطئ لهم رمية ، فاحتاجوا إلى السكينة ، فأنزلها الله تعالى عليهم ..

واحتاجها أيضا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لأجل ما دخله من الحزن والإضطراب والأسف مما جرى على المسلمين ..

والدليل على أن جبنهم ليس هو السبب : أنهم رجعوا إلى ساحة القتال ، بمجرد سماعهم لنداء العباس.

ونقول :

إن ذلك لا يمكن قبوله .. وذلك لما يلي :

أولا : إن ظاهر الآيات من سورة التوبة هو : أنهم قد فروا جبنا وخوفا ، لأنهم اعتقدوا : أن كثرتهم تغني عنهم في ساحة القتال ، ولم يفكروا : بأن عليهم أن يرجعوا إلى الله ، ويعتمدوا عليه .. ولم يتذكروا ربهم الذي نصرهم في ثمانين موطنا.

ثانيا : إن الآيات المشار إليها إنما هي بصدد لومهم وتأنيبهم على فرارهم ، وتولية أدبارهم ، الأمر الذي يوجب لفاعله : أن يبوء بغضب من الله ـ كما دلت عليه الأية الشريفة : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (١).

فتولية الأدبار المحرمة في الحرب توجب الغضب الإلهي ، سواء أكان بسبب الإضطراب الناشئ من المفاجأة ، أو بسبب الجبن ..

__________________

(١) الآية ١٦ من سورة الأنفال.

٢٦١

ثالثا : إن أسف النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وحزنه على ما صدر من أصحابه ، حيث لم يعتصموا بالله ، أمر محمود ، ومحبوب لله تعالى ، ولا شأن للسكينة به ، ولا يمكن أن يكون مبغوضا ، ومع غض النظر عن ذلك ، فإنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» معصوم ، ولا يصدر منه ما يكون مبغوضا.

رابعا : إن المسلمين الذين انهزموا كان فيهم منافقون ، ومشركون ، ولا يعقل أن تنزل السكينة على هؤلاء .. لأن السكينة ليست هي مجرد السكون والثبات والطمأنينة ، ورباطة الجأش ، لأن السكينة بهذا المعنى كانت حاصلة للكافرين حين هاجموا المسلمين في المرة الأولى ، بل هي معطاة لكل شجاع باسل ..

وإنما السكينة حالة يعطيها الله سبحانه لأوليائه المؤمنين كرامة منه تعالى لهم.

وهذا ما يفسر لنا السبب في أنه سبحانه يمتن بهذه السكينة على خصوص عباده المؤمنين ، ويتفضل بها عليهم ، وعلى رسوله الكريم والعظيم «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وهذه السكينة تحتاج إلى أن يكون من تنزل عليه أهلا لتلقيها ، متصفا بالتقوى ، وطهارة القلب ، وصدق الإيمان ، وما إلى ذلك .. وهي من موجبات زيادة الإيمان كما صرحت به الآية (٤) من سورة الفتح ..

والذين ثبتوا مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هم المستحقون لهذه الكرامة الإلهية ، وأما من ارتكب جريمة الفرار من الزحف ، وباء بغضب من الله ، فلا يصح إشراكه مع أولئك المؤمنين المجاهدين في هذه الكرامة.

خامسا : وأخيرا .. إن نفس قوله تعالى :

٢٦٢

(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً ..) يدل على : أنهم غير معذورين في هزيمتهم ، لأنها تقول : إن الله قد نصرهم ، حينما كانوا معتمدين عليه ، وملتجئين إليه ، فلما اعتمدوا على كثرتهم أصيبوا بهذا البلاء العظيم ، وهو أن الأرض قد ضاقت عليهم رغم سعتها ، ثم ولوا مدبرين.

ويلاحظ : أنه تعالى وصف المواطن التي نصرهم فيها بالكثيرة ، ليظهر كفرانهم لهذه النعمة ، وأن ذلك كان عملا ظاهر السوء منهم.

المواطن الكثيرة ثمانون :

وقد روي : أن المتوكل اشتكى شكاة شديدة ، فنذر لله إن شفاه الله أن يتصدق بمال كثير ، فعوفي من علته ، فسأل أصحابه عن ذلك. إلى أن قال : فقال ابن يحيى المنجم : لو كتبت إلى ابن عمك يعني : أبا الحسن «عليه‌السلام» ، فأمر أن يكتب له فيسأله ، فكتب أبو الحسن «عليه‌السلام» :

تصدق بثمانين درهما.

فقالوا : هذا غلط ، سله من أين قال هذا؟

فكتب : قال الله لرسوله : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ) ، والمواطن التي نصر الله رسوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فيها ثمانون موطنا ، فثمانون درهما من حله مال كثير (١).

__________________

(١) الوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ٢٣ ص ٣٠٠ وراجع ص ٢٩٨ و (ط دار الإسلامية) ج ١٦ ص ١٨٧ وراجع ص ١٨٥ والبحار ج ١٠١ ص ٢٢٧ وراجع :

ص ٢١٦ وج ٥٠ ص ١٦٣ وكشف اللثام (ط ق) ج ٢ ص ٢٣٩ وجواهر الكلام ـ

٢٦٣

فليتأمل الرجل الأريب في هذه الحادثة ، فهي في نفس الوقت الذي تبدو فيه شديدة القرب إلى حد البداهة ، فإنها تبقى بعيدة المنال عن أفهام الرجال ، إلا الكمّل منهم ، الذين زقوا العلم زقا. فكانوا حفظته حقا وصدقا.

ما هو سبب هزيمة المشركين؟! :

ويبقى هنا سؤال ، وهو : أن الهزيمة هل كانت بسبب إلقاء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الحصى في وجوه المشركين ، كما هو صريح عدد من تلك الروايات ، أو كان سببها قتل علي «عليه‌السلام» أبا جرول ، كما هو صريح الرواية التي ذكرت ذلك أيضا؟! وكيف نحل هذا التناقض القائم بين الروايات؟!

ويمكن حله بأن يقال : إنه لا إشكال في أن قتل أبي جرول ، وجهاد علي «عليه‌السلام» كان هو السبب في هزيمة المشركين بصورة فعلية ..

ولكن رمي التراب في وجوه اهل الشرك ، ووصول التراب إلى أعينهم جميعا يمثل معجزة كبرى لهم ، وحجة بالغة عليهم ، إذ إن وصول التراب أو الحصى لجميعهم وهم عشرات الألوف ، برمي كف واحد منه ـ أو أكف بناء على تعدد الرمية كما تقدم في وجوه الجمع من أخبار الرمي ـ يدل بصورة قاطعة على أن هذا الأمر قد تم بتدخل وتصرف إلهي ، ولا بد أن يكون ذلك

__________________

ج ٣٥ ص ٤١٦ وراجع ص ٤١٥ وجامع المدارك ج ٥ ص ٧٩ وتفسير العياشي ج ٢ ص ٨٤ وتفسير نور الثقلين ج ٢ ص ١٩٦ و ١٩٧ وراجع : الكافي ج ٧ ص ٤٦٣ ومختلف الشيعة ج ٨ ص ١٨٧ والحدائق الناضرة ج ٢٢ ص ٤٦٥ وتهذيب الأحكام ج ٨ ص ٣٠٩ ومناقب آل أبي طالب ج ٣ وص ٥٠٦ وغوالي اللآلي ج ٢ ص ٣١٤ ومستدرك سفينة البحار ج ٩ ص ٦٦ وتفسير الميزان ج ٩ ص ٢٢٩.

٢٦٤

من موجبات رعبهم ، وخور عزائمهم ، لأنه يجعل النتائج أمامهم غير مضمونة ، ويشككهم في قدرتهم على تحقيق أي نصر ، ويجعل قدرات خصمهم الذي يواجهونه غير واضحة المعالم ، ولا بينة الأحجام.

وقد رمى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» التراب قبل ذلك على رؤوس الذين اجتمعوا حول بابه لاغتياله في ليلة الغار ، وقد أحس به جميعهم ، وكان ذلك آية لهم ، وحجة عليهم ، ولكنه لم يمنعهم من مواصلة ما كانوا قد عقدوا العزم عليه استكبارا منهم ، وعتوا.

كما أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد رمى كفا من تراب في وجوه المشركين في بدر ، تماما كما فعل في حنين ، وكان ذلك آية أيضا للمشركين ، وحجة عليهم ، ولكنهم استمروا على العناد واللجاج ، ودخلوا تلك الحرب ، وقتلوا عددا من المسلمين ، وقتل منهم أضعاف ذلك ، وكانت الهزيمة عليهم بجهاد علي «عليه‌السلام» ، وفتكات سيفه ذي الفقار. فما يجري في حنين لا يختلف عما جرى في بدر.

النصر الإلهي والإمداد بالملائكة :

عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : حدثني عدة من قومي شهدوا ذلك اليوم يقولون : «لقد رمى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تلك الرمية من الحصى ، فما منا أحد إلا يشكو القذى في عينيه. ولقد كنا نجد في صدورنا خفقانا كوقع الحصى في الطاس ، ما يهدأ ذلك الخفقان.

ولقد رأينا يومئذ رجالا بيضا ، على خيل بلق ، عليهم عمائم حمر ، قد أرخوها بين أكتافهم ، بين السماء والأرض ، كتائب ، كتائب ما يليقون شيئا ،

٢٦٥

ولا نستطيع أن نتأملهم من الرعب منهم (١).

وعن جبير بن مطعم قال : رأيت قبل هزيمة القوم ـ والناس يقتتلون ـ مثل البجاد الأسود ، أقبل من السماء حتى سقط بين القوم ، فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي ، لم أشك أنها الملائكة ، ولم يكن إلا هزيمة القوم (٢).

وعن يحيي بن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن شيوخ من قومه من الأنصار ، قالوا : رأينا يومئذ كالبجد السود هوت من السماء ركاما ، فنظرنا فإذا رمل مبثوث ، فكنا ننفضه عن ثيابنا ، فكأن نصر الله تعالى أيدنا به (٣).

__________________

(١) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٨ عن الواقدي ، وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٥ وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٤ و (ط دار المعرفة) ص ٧٥ وراجع : السيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١٠ و ١١٢ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ١٦ وج ٣ ص ٣٣٣.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٧ عن ابن إسحاق ، وابن المنذر ، وأبي نعيم ، والبيهقي ، وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٥ عن حياة الحيوان ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٤ و (ط دار المعرفة) ص ٧٥ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١٢ والدر المنثور ج ٣ ص ٢٢٥ وفتح القدير ج ٢ ص ٣٤٩ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ١٦٩ و (ط مؤسسة الأعلمي) ٣٤٩ وعيون الأثر ج ٢ ص ٢١٨ ومرقاة المفاتيح ج ٨ ص ٦٩ وزاد المعاد ج ٣ ص ٤٧٢ والإكتفاء ج ٢ ص ٢٤٤ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٥ ص ١١٨ و (ط محمد علي صبيح ـ مصر) ج ٤ ص ٨٩٨ وراجع : الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٦٤ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ١٦ وج ٣ ص ٣٣٢.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٧ عن الواقدي ، وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ١٦ وج ٣ ص ٣٣٢.

٢٦٦

وقال رجل من بني نصر بن معاوية يقال له : شجرة بن ربيعة ، للمؤمنين وهو أسير في أيديهم : أين الخيل البلق ، والرجال عليهم الثياب البيض؟ فإنما كان قتلنا بأيديهم ، وما كنا نراكم فيهم إلا كهيئة الشامة.

قالوا : تلك الملائكة (١).

عن عبد الرحمن مولى أم برثن قال : حدثني رجل كان من المشركين يوم حنين قال : لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يقوموا لنا حلب شاة أن كببناهم.

فبينما نحن نسوقهم في أدبارهم إذ التقينا بصاحب البغلة (الشهباء) ـ وفي رواية : إذ غشينا ـ فإذا هو رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فتلقتنا عنده ، وفي رواية : إذ بيننا وبينه رجال بيض حسان الوجوه ، قالوا لنا : شاهت الوجوه ، ارجعوا ، فرجعنا. وكانت إياها (يعني : الهزيمة) (٢).

__________________

(١) البحار ج ٢١ ص ١٥١ وتفسير القمي ج ١ ص ٢٨٨ والتفسير الأصفى ج ١ ص ٤٦٠ والتفسير الصافي ج ٢ ص ٣٣٢ وتفسير نور الثقلين ج ٢ ص ٢٠١ وتفسير البغوي ج ٢ ص ٢٧٩ والجامع لأحكام القرآن ج ٨ ص ١٠١ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٥ وراجع : تفسير البحر المحيط ج ٥ ص ٢٦ وتفسير الآلوسي ج ١٠ ص ٧٥ وتفسير الثعلبي ج ٥ ص ٢٤ وتفسير البغوي ج ٢ ص ٢٧٩ وراجع : الإصابة ج ٣ ص ٢٥٦ وروح المعاني ج ١٠ ص ٧٥.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٧ عن مسدد في مسنده ، والبيهقي ، وابن عساكر.

وفي هامشه عن : البداية والنهاية ج ٤ ص ٣٣٢ وعن دلائل النبوة للبيهقي ج ٥ ص ١٤٣ والبحار ج ٢١ ص ١٨١ ومجمع البيان ج ٥ ص ١٨ ـ ٢٠ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١٠ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٥

٢٦٧

وقالوا أيضا : «وانهزمت هوازن في كل وجه ، كانوا يسمعون قعقعة السلاح في الجو» (١).

وعن يزيد بن عامر السوائي ، وكان حضر يومئذ ، فسئل عن الرعب ، فكان يأخذ الحصاة فيرمي بها في الطست ، فيطن ، فيقول : أن كنا نجد في أجوافنا مثل هذا (٢).

__________________

عن المواهب اللدنية ، وعن ابن جرير ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٠ وجامع البيان ج ١٠ ص ١٣٤ والدر المنثور ج ٣ ص ٢٢٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٤ ص ١٧٣ والمطالب العالية ج ١٧ ص ٤٨٢ والخصائص الكبرى ج ١ ص ٤٤٦ وراجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ٣٨٠ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٥٨٣ وإمتاع الأسماع ج ٣ ص ٣٣١ وج ٧ ص ٢١٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٣٠ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٣٤٦ وسمط النجوم العوالي ج ٢ ص ٢٧٦.

(١) السيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١٠ وراجع : البحار ج ٢١ ص ١٥١ وشجرة طوبى ج ٢ ص ٣٠٩ وتفسير القمي ج ١ ص ٢٨٨ والتفسير الأصفى ج ١ ص ٤٦٠ والتفسير الصافي ج ٢ ص ٣٣٢ وتفسير نور الثقلين ج ٢ ص ٢٠٠.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٨ عن عبد بن حميد ، والبيهقي ، والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١٠ وراجع : زاد المسير لابن الجوزي ج ٣ ص ٢٢٤ وإمتاع الأسماع ج ٣ ص ٣٣٢ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٣٤٧ وجامع البيان ج ١٠ ص ١٠٣ والآحاد والمثاني ج ٣ ص ١٣٦ والمطالب العالية ج ١٧ ص ٤٨٤ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٨٢ والتاريخ الكبير ج ٨ ص ٣١٦ والخصائص الكبرى ج ١ ص ٤٤٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٣٣.

٢٦٨

وعن ربيعة بن أبزى قال : حدثني نفر من قومي ، حضروا يومئذ قالوا : كمنا لهم في المضايق والشعاب ، ثم حملنا عليهم حملة ركبنا أكتافهم ، حتى انتهينا إلى صاحب بغلة شهباء ، وحوله رجال بيض حسان الوجوه ، فقالوا لنا : شاهت الوجوه ، ارجعوا.

فانهزمنا ، وركب المسلمون أكتافنا ، وكانت إياها ، وجعلنا نلتفت ، وإنا لننظر إليهم يكدوننا ، فتفرقت جماعتنا في كل وجه ، وجعلت الرعدة تستخفنا حتى لحقنا بعلياء بلادنا ، فإن كنا ليحكى عنا الكلام ما ندري به ، لما كان بنا من الرعب ، وقذف الله تعالى الإسلام في قلوبنا (١).

قالوا : «لم يبق أحد إلا امتلأت عيناه وفمه ترابا ، وسمعنا صلصلة من السماء كإمرار الحديد على الطست» (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٨.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٤ وراجع : الثاقب في المناقب لابن حمزة الطوسي ص ١١٤ ومسند أحمد ج ٥ ص ٢٨٦ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٨٢ وعمدة القاري ج ١٧ ص ٢٩٤ ومسند أبي داود الطيالسي ص ١٩٦ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٨ ص ٥٥٥ والآحاد والمثاني ج ٢ ص ١٤٣ والإستذكار لابن عبد البر ج ٢ ص ٤٩٠ والتمهيد لابن عبد البر ج ٢٢ ص ١١٣ والفايق في غريب الحديث ج ٢ ص ٢٥٨ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٣٥٨ والدر المنثور ج ٣ ص ٢٢٤ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٥٦ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٥٨٢ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٧٩ وإمتاع الأسماع ج ٥ ص ٦٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٢٩ ودلائل النبوة للإصبهاني ج ١ ص ٢٢٧ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٥ ص ١٤١ والخصائص الكبرى ج ١ ص ٤٤٥ والمنتظم ج ٣ ص ٣٣٥ وسمط النجوم العوالي ج ٢ ص ٢٧٥.

٢٦٩

وقيل : إن الملائكة نزلوا يوم حنين لتقوية قلوب المؤمنين وتشجيعهم ، ولم يباشروا القتال يومئذ ، ولم يقاتلوا إلا يوم بدر خاصة (١).

ونقول :

١ ـ إن المنهزمين حسب نص القرآن الكريم لم يروا الجنود من الملائكة : (وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها) (٢). فكل من يدّعي من المنهزمين رؤية الملائكة ، فهو ليس من المؤمنين ، كما صرحت به الرواية المتقدمة عن شيبة بن عثمان الحجبي ، التي تقول : لا يرى الملائكة إلا كافر ..

٢ ـ ولو شككنا في دقة النقل في رواية شيبة بن عثمان ، فإن الإستدلال يسوقنا إلى الاعتقاد بكذب دعاوى رؤية الملائكة ، لأن الله سبحانه قد ذكر : أن المنهزمين لم يروا الجنود الذين أنزلهم ، لكن ذلك لا يمنع من أن يكون خصوص المؤمنين الذين ثبتوا ، وهم علي «عليه‌السلام» ، وربما نفر من بني هاشم كانوا حول رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان الله قد أراهم تلك الجنود لكي يربط على قلوبهم ، ويقويهم ، كما قاله في مجمع البيان.

كما أنه سبحانه قد أرى جيوش المشركين تلك الجنود أيضا ، لكي يلقي في قلوبهم الرعب ..

__________________

(١) البحار ج ٢١ ص ١٤٧ ومجمع البيان ج ٥ ص ١٧ و ١٨ و (ط مؤسسة الأعلمي) ج ٣٢ و ٣٣ وشجرة طوبى ج ٢ ص ٣٠٩ وراجع : تفسير السمرقندي ج ٢ ص ١٠ وتفسير السمعاني ج ٢ ص ٢٥٢ وتفسير البغوي ج ٢ ص ٢٨١ وتفسير أبي السعود ج ٤ ص ٥٦ وتفسير الآلوسي ج ٤ ص ٤٧ وج ١٠ ص ٧٥ وروح المعاني ج ١٠ ص ٧٥.

(٢) الآية ٢٦ من سورة التوبة.

٢٧٠

وتكون النتيجة : أن أيا من المنهزمين عن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، إذا رأى أولئك الجنود ، فلا بد أن يكون من مشركي مكة الذين التحقوا بجيش المسلمين ، إما لقتل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، أو للغارة على الغنائم ، أو ترصدا لظهور غلبة المشركين لينحازوا إليهم ، ويحاربوا معهم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» والمسلمين.

٣ ـ قد أظهرت الروايات المتقدمة : مدى الرعب الذي حصل للمشركين لمجرد رؤيتهم لتلك الجنود.

٤ ـ قد يقال : إن بعض تلك النصوص قد بينت : أن المشركين كانوا يرون المسلمين بين تلك الجنود بمثابة الشامة ، وهذا يدل على كثرة الجنود في أعينهم.

غير أننا نقول :

بل ذلك يدل : على أن الذين ثبتوا من المؤمنين هم المقصودون ، وهؤلاء ـ كما تقدم ـ بضعة أفراد لا يبلغون العشرة. فإذا أضيف إليهم بضعة آلاف من الملائكة ، فمن الطبيعي أن يصبح مثلهم مثل الشامة ، حسبما ذكره ذلك الرجل.

ومما يدل على ذلك أيضا :

١ ـ الروايات المتقدمة ، التي تقول : «ركبنا أكتافهم حتى انتهينا إلى صاحب بغلة شهباء ، وحوله رجال بيض حسان الوجوه ، فقالوا لنا : شاهت الوجوه ، ارجعوا. فانهزمنا» (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٨.

٢٧١

فالملائكة إنما كانوا حول رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لا حول سائر الجيش الذي انهزم ..

٢ ـ قول شيوخ ثقيف الذين شهدوا ذلك : «ما زال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في طلبنا ـ فيما نرى ـ ونحن مولون ، حتى إن الرجل ليدخل منا حصن الطائف ، وإنه ليظن أنه على أثره» (١).

فتراه يتحدث عن خصوص رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأنه هو الذي كان في أثرهم ، وكان رعبهم منه.

٣ ـ وأوضح من ذلك رواية عبد الرحمن مولى أم برثن عن رجل من المشركين قال : «فبينما نحن نسوقهم (أي المسلمين) في أدبارهم إذ التقينا بصاحب البغلة (الشهباء) ـ وفي رواية : إذ غشينا ـ فإذا هو رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فتلقتنا عنده ـ وفي رواية : إذ بيننا وبينه ـ رجال بيض حسان الوجوه قالوا لنا : شاهت الوجوه ، ارجعوا ، فرجعنا. وكانت إياها» (٢) (أي : الهزيمة).

من أجل ذلك نقول :

إن الإمداد بالملائكة إنما كان لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولمن ثبت معه ، وهم أفراد قليلون حسبما بيناه أكثر من مرة.

٤ ـ وبذلك يتبين : أن تعبيرات بعض المنهزمين من هوازن ومن معها ،

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٨.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٧ عن مسدد في مسنده ، والبيهقي ، وابن عساكر.

وفي هامشه عن : البداية والنهاية ج ٤ ص ٣٣٢ وعن دلائل النبوة للبيهقي ج ٥ ص ١٤٣ والبحار ج ٢١ ص ١٨١ ومجمع البيان ج ٥ ص ١٨ ـ ٢٠.

٢٧٢

بأن المسلمين كانوا يلاحقونهم ويكدّونهم ونحو ذلك ، إنما يقصد بها خصوص النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وعلي «عليه‌السلام» وبعض بني هاشم ، ومعهم جنود الله التي لم يرها المنهزمون عن نبيهم.

ولعل إطلاق التعبير الموهم لإرادة جميع الجيش ، هو إما لأجل التضليل من راو مغرض ، أو أنهم قصدوا بالمسلمين كل أولئك الذين دخلهم الرعب منهم ، بما فيهم الملائكة.

انهزام المشركين :

قالوا : لما نادى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الأنصار كروا راجعين ، فجعلوا يقولون : يا بني عبد الرحمن ، يا بني عبد الله ، يا بني عبيد الله ، يا خيل الله.

وكان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد سمى خيله خيل الله ، وجعل شعار المهاجرين : بني عبد الرحمن ، وجعل شعار الأوس : بني عبيد الله ، وشعار الخزرج : بني عبد الله (١).

وقالوا أيضا : إن سعد بن عبادة جعل يصيح يومئذ : يا للخزرج ثلاثا ، وأسيد بن الحضير يصيح : يا للأوس ـ ثلاثا ـ فثابوا من كل ناحية كأنهم النحل تأوى إلى يعسوبها.

قال أهل المغازي : فحنق المسلمون على المشركين ، فقتلوهم حتى أسرع القتل في ذراري المشركين.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣١ عن الواقدي ، وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ١٥ وراجع : البحار ج ١٩ ص ٣٣٥ وراجع : الدرر لابن عبد البر ص ٢١٩ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٨٦٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٦٢.

٢٧٣

فبلغ ذلك رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال : «ما بال أقوام بلغ بهم القتل حتى بلغ الذرية! ألا لا تقتل الذرية ، ألا لا تقتل الذرية» ، ثلاثا.

فقال أسيد بن الحضير : يا رسول الله ، أليس إنما هم أولاد المشركين؟

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «أليس خياركم أولاد المشركين! كل نسمة تولد على الفطرة ، حتى يعرب عنها لسانها ، فأبواها يهودانها أو ينصرانها» (١).

وفي نص آخر : «لما اجتمع عند النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» زهاء مائة رجل ، وشرعوا في القتال لم تلبث هوازن مقدار حلب شاة ، أو حلب ناقة إلا انهزموا» (٢).

وقال شيوخ ثقيف : ما زال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في طلبنا ،

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣١ عن الواقدي ، والمغازي للواقدي ج ٣ ص ٩٠٥ وراجع : السيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١٢ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٢ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ١٥ وراجع : مسند أحمد ج ٣ ص ٤٣٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ٧٧ و ١٣٠ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٣١٦ والآحاد والمثاني ج ٢ ص ٣٧٦ والمعجم الكبير ج ١ ص ٢٨٤ و ٢٨٥ وكنز العمال ج ٤ ص ٣٨٢ و ٣٩٥ وتفسير القرآن العظيم ج ٣ ص ٤٤٢ ومجمع البيان ج ٩ ص ١١٣ و (ط دار الفكر) ص ١٥١ وتاريخ بغداد ج ٨ ص ٤٨١ وتفسير الثعلبي ج ٧ ص ٣٠٢ والأحاديث المختارة ج ٤ ص ٢٤٨ وراجع : نيل الأوطار ج ٨ ص ٧٢ والسنن الكبرى للنسائي ج ٥ ص ١٨٤ وصحيح ابن حبان ج ١ ص ٣٤١ والتمهيد لابن عبد البر ج ١٨ ص ٦٨ وجزء أبي الطاهر ج ١ ص ٢٦ وحلية الأولياء ج ٨ ص ٢٦٣ والإستيعاب ج ١ ص ٩٠.

(٢) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٥ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣١.

٢٧٤

فيما نرى ، ونحن مولون ، حتى إن الرجل منا ليدخل حصن الطائف ، وإنه ليظن أنه على أثره ، من رعب الهزيمة (١).

قال أنس بن مالك : كان في المشركين رجل يحمل علينا فيدقنا ويحطمنا ، فلما رأى ذلك رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نزل ، فهزمهم الله تعالى ، فولوا ، فقام رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين رأى الفتح ، فجعل يجاء بهم أسارى رجل رجل ، فيبايعونه على الإسلام.

فقال رجل من أصحاب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : إن عليّ نذرا لئن جيء بالرجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا لأضربن عنقه.

فسكت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وجيء بالرجل ، فلما رأى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : يا نبي الله ، تبت إلى الله.

فأمسك رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن مبايعته ليوفي الآخذ بنذره ، وجعل ينظر إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليأمره بقتله ، وهاب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فلما رأى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الرجل لا يصنع شيئا بايعه ، فقال : يا رسول الله ، نذري؟

قال : «لم أمسك عنه إلا لتوفي بنذرك».

فقال : يا رسول الله ، ألا أو مأت إليّ؟

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «إنه ليس لنبي أن يوميء»

وفي رواية : ألا أو مضت إلى؟

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٨ و ٣٣١ و ٣٣٢ عن الواقدي.

٢٧٥

فقال : إنه ليس لنبي أن يومض (١).

قالوا : وهزم الله تعالى أعداءه من كل ناحية ، واتبعهم المسلمون يقتلونهم ، وغنّمهم الله تعالى نساءهم ، وذراريهم ، وأموالهم.

وفرّ مالك بن عوف حتى بلغ حصن الطائف. هو وأناس من أشراف قومه ، وأسلم عند ذلك ناس كثير من أهل مكة رأوا نصر الله تعالى رسوله وإعزاز دينه (٢).

ولما هزم الله تعالى المشركين من أهل حنين ، وأمكن رسول الله «صلى

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣٢ عن أحمد ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٢١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٧٥ ومسند أحمد ج ٣ ص ١٥١ وسنن أبي داود ج ٢ ص ٧٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج ١٠ ص ٨٥ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٦٧ و ١٦٨ وراجع : المعجم الوسط ج ٦ ص ٣٤٣ وتخريج الأحاديث والآثار ج ٣ ص ١١٤ وشرح مشكل الآثار ج ١١ ص ٤١١ ومعتصر المختصر ج ١ ص ٢٦٠ وراجع : إمتاع الأسماع ج ١٣ ص ١١١ والمطالب العالية ج ١٧ ص ٤٥٥ وكنز العمال ج ١٠ ص ٢٢٤ و ٥١٩ وجامع البيان ج ١٠ ص ٦٦ وتفسير ابن أبي حاتم ج ٥ ص ١٧٣٨ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٤١ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٩ ص ٢٩ وتلخيص الحبير ج ٣ ص ١٣٠ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٣٧ والأحاديث المختارة ج ٧ ص ٢٤٤.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣٢ وإعلام الورى ص ١٢٢ و ١٢٣ و (ط مؤسسة آل البيت) ج ١ ص ٢٣٢ والبحار ج ٢١ ص ١٦٧ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٥٧٨ و ٥٧٩ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٧٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٢٧ وشجرة طوبى ج ٢ ص ٣١٠ وقصص الأنبياء للراوندي ص ٣٤٨ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٥ ص ١٣٢ والإكتفاء ج ٢ ص ٢٤٤.

٢٧٦

الله عليه وآله» منهم ، قالت امرأة من المسلمين :

قد غلبت خيل الله خيل اللات

والله أحقّ بالثّبات

ويروى : وخيله أحقّ بالثبات.

زاد محمد بن عمر :

إن لنا ماء حنين فخلوه

إن تشربوا منه فلن تعلوه

هذا رسول الله لن تغلوه

ورجع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من جهة المشركين بعد انهزامهم إلى العسكر ، وأمر أن يقتل كل من قدر عليه ، وثاب من انهزم من المسلمين (١).

روي : بسند رجاله ثقات عن أنس : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال يوم حنين : «اجزروهم جزرا» أو «جزوهم جزا» ، وأومأ بيده إلى الحلق (٢).

قال المفيد «رحمه‌الله» وغيره : ثم التأم المسلمون وصفوا للعدو ، فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «اللهم إنك أذقت أول قريش نكالا ، فأذق آخرها نوالا».

وتجالد المسلمون والمشركون ، فلما رآهم النبي عليه وآله السلام قام في ركابي سرجه حتى أشرف على جماعتهم ، وقال : «الآن حمي الوطيس :

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣٢ عن ابن إسحاق ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٢ وتفسير السمرقندي ج ٢ ص ٤٩ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ١٣.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣٢ ، ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٨١ كلاهما عن البزار ، والأحاديث المختارة ج ٥ ص ٢٠٣.

٢٧٧

أنا النبي لا كذب

أنا ابن عبد المطلب

فما كان بأسرع من أن ولى القوم أدبارهم ، وجيء بالأسرى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مكتفين (١).

علي عليه‌السلام يقتل ذا الخمار :

وقالوا : لما انهزمت هوازن كانت راياتهم مع ذي الخمار ، فلما قتله علي «عليه‌السلام» أخذها عثمان بن عبد الله بن ربيعة ، فقاتل بها حتى قتل (٢).

ونقول :

١ ـ سيأتي أنه «عليه‌السلام» هو الذي قتل أبا جرول ، حيث كان يتقدم باللواء في أثر المنهزمين من المسلمين ، وهوازن تتبعه. فأوقف قتله حركتهم ، وحفظ بذلك ارواحا كثيرة كانت ستزهق على أيدي المشركين ..

واللافت هنا : هو أن عامة من ذكر قتل عثمان بن عبد الله بن ربيعة قد ذكر : أنه أخذ الراية بعد قتل ذي الخمار ، ولكن لا يقولون من الذي قتل ذا الخمار هذا. فراجع (٣).

__________________

(١) الإرشاد ج ١ ص ١٤٢ و ١٤٣ و ١٤٤ والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص ٨٦ والبحار ج ٤١ ص ٩٤ وج ٢١ ص ١٥٧ عن مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٦٠٤ ـ ٦٠٦ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٨٠.

(٢) البحار ج ٤١ ص ٩٦ عن مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٦٠٦ و (ط المكتبة الحيدرية) ج ٢ ص ٣٣٣ عن محمد بن إسحاق.

(٣) راجع على سبيل المثال : تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٦ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٤٩ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٨٩٩ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ـ

٢٧٨

فلماذا هذا التعتيم على الحقيقة يا ترى؟! وما الداعي للتلاعب بالنصوص ، بالنسبة لذي الخمار تارة ، ولأبي جرول أخرى على الذي سوف نذكره فيما يأتي؟!

٢ ـ إنهم لم يذكروا لنا أيضا : من الذي قتل عثمان بن عبد الله؟ ونكاد نطمئن إلى أن قاتله علي «عليه‌السلام» ..

بل نحن نشك : في ان يكون المسلمون قد قتلوا أحدا من المشركين في هذه الحرب كلها ، باستثناء قتل بعض الأسرى ، وطائفة من الذرية كما سيأتي .. لأن الأدلة التي ذكرناها فيما سبق وربما يأتي شيء من ذلك أيضا ، كلها تدل على : أن أحدا لم يقاتل في حرب حنين سوى علي «عليه‌السلام» ، بل رجعت راجعة المسلمين فوجدوا الأسرى مكتفين عند رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

هزيمة المشركين بقتل أبي جرول :

عن البراء بن عازب قال : كان رجل على جمل له أحمر ، بيده راية سوداء ، على رمح طويل ، أمام هوازن ، وهوازن خلفه. إذا أدرك طعن برمحه ، وإن فاته الناس ، رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه. فبينما هو كذلك إذ هوى له علي بن أبي طالب ، ورجل من الأنصار يريدانه ، فأتاه علي بن أبي طالب من خلفه ، فضرب عرقوبي الجمل ، فوقع على عجزه ، ووثب الأنصاري على الرجل ، فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه ، فانجعف عن رحله.

واجتلد الناس ، فو الله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى

__________________

ص ٣٣٤ والإكتفاء للكلاعي ج ٢ ص ٢٤٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٨٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٣٥.

٢٧٩

وجدوا الأسرى مكتفين عند رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

ونقول :

١ ـ قال اليعقوبي : «ومضى علي بن أبي طالب إلى صاحب راية هوازن فقتله ، وكانت الهزيمة» (٢).

٢ ـ لعل هذا النص قد تعرض للتحريف ، والتصرف والتزييف كما تعودناه في كثير من المواضع ، من قبل شانئي علي «عليه‌السلام» .. إذ قد روى الآخرون حادثة قتل أبي جرول ، مصرحين ، بأن الذي قتله هو علي «عليه‌السلام» وحده ..

وقال الشيخ المفيد «رحمه‌الله» : وإذا فاته الناس دفع لمن وراءه ، وجعل يقتلهم وهو يرتجز :

أنا أبو جرول لا براح

حتى نبيح القوم أو نباح

قال : فصمد له أمير المؤمنين «عليه‌السلام» ، فضرب عجز بعيره ، فصرعه ، ثم ضربه فقطره ، ثم قال :

قد علم القوم لدى الصباح

أني لدى الهيجاء ذو نصاح

فكانت هزيمة المشركين بقتل أبي جرول.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٩ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٢ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١١ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١١١ و (ط دار المعرفة) ص ٦٩ ومصادر كثيرة تقدمت.

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٦٣.

٢٨٠