السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-196-3
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٧١
فالتقى المسلمون والمشركون ، فولى المسلمون مدبرين ، كما قال الله تعالى ، وبقي رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وحده ، فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «يا عباد الله ، أنا عبد الله ورسوله».
ونادى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» نداءين لم يخلط بينهما كلاما ، فالتفت عن يمينه ، فقال : «يا معشر الأنصار ، أنا عبد الله ورسوله».
فقالوا : «لبيك يا رسول الله ، نحن معك».
ثم التفت عن يساره ، فقال : يا معشر الأنصار ، أنا عبد الله ورسوله.
فقالوا : لبيك يا رسول الله ، نحن معك.
فهزم الله تعالى المشركين ، ولم يضرب بسيف ، ولم يطعن برمح (١).
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٥ عن ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والحاكم ، وابن مردويه ، والبيهقي ، وقال في هامشه : أخرجه أحمد ج ٣ ص ١٩٠ و ٢٧٩ وج ٥ ص ٢٨٦ وابن سعد ج ٢ ق ١ ص ١١٣ وابن أبي شيبة ج ١٤ ص ٥٣٠ و ٥٣١ والبيهقي في الدلائل ج ٥ ص ١٤١ وفي السنن ج ٦ ص ٣٠٦ والدولابي في الكنز ج ١ ص ٤٢ وانظر الدر المنثور ج ٣ ص ٢٢٤ وراجع : السيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١١ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٨ و ١٠٩ والمصنف ج ٨ ص ٥٥١ وكنز العمال ج ١٠ ص ٥٥٠ وصحيح البخاري ج ٤ ص ١٥٦٧ و (ط دار الفكر) ج ٥ ص ١٠٦ وصحيح مسلم ج ٢ ص ٧٣٥ و (ط دار الفكر) ج ٣ ص ١٠٦ والمسند المستخرج على صحيح مسلم ج ٣ ص ١٢٣ وصحيح ابن حبان ج ١١ ص ٨٨ والجمع بين الصحيحين ج ٢ ص ٤٩٤ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٧ ص ٤١٦ ومسند أحمد ج ٣ ص ٢٨٠ وعمدة القاري ج ١٧ ص ٣١١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٥٧ و (ط دار إحياء التراث العربي) ص ٤٠٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٧٥.
تراجع الأنصار ، لسماع صوت النبي صلىاللهعليهوآله :
ويقول أبو بشير المازني : إنه حين رأى المقدمة قد انهزمت ، وصار الناس ينهزمون معها : «وأكرّ في وجوه المنهزمين ، ليس لي همة إلا النظر إلى سلامة رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، حتى صرت إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وهو يصيح : «يا للأنصار».
فدنوت من دابته ، والتفت من ورائها ، وإذا الأنصار قد كروا كرة رجل واحد ، ورسول الله «صلىاللهعليهوآله» واقف على دابته في وجوه العدو.
ومضت الأنصار أمام رسول الله «صلىاللهعليهوآله» يقاتلون ، ورسول الله «صلىاللهعليهوآله» سائر معهم يفرجون العدو عنه ، حتى طردناهم فرسخا ، وتفرقوا في الشعاب ، حتى فلوا من بين أيدينا.
فرجع رسول الله «صلىاللهعليهوآله» إلى منزله وقبته ، وقد ضربت له ، والأسرى مكتفون حوله ، وإذا نفر حول قبته. وفي قبته زوجاته : أم سلمة وميمونة ، حولها النفر الذين يحرسون رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، وهم : عباد بن بشر ، وأبو نائلة ، ومحمد بن مسلمة (١).
وفي نص آخر : أنه «صلىاللهعليهوآله» نادى أصحابه ، وذمرهم : «يا أصحاب البيعة يوم الحديبية ، الله ، الله الكرة على نبيكم».
وقيل : إنه قال : «يا أنصار الله وأنصار رسوله ، يا بني الخزرج» ، وأمر العباس بن عبد المطلب فنادى في القوم بذلك ، فأقبل إليه أصحابه سراعا
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٩ و ٣٢٠ عن الواقدي.
يبتدرون (١).
ونقول :
قد تضمنت النصوص المتقدمة أمورا نشير إلى طائفة منها ، كما يلي :
المشركون خرجوا على رسول الله صلىاللهعليهوآله :
ويذكرون في تبرير هزيمتهم : أن المشركين اختبأوا في مضايق الوادي ، وشعابه ، وأجنابه ، وتهيأوا ، قالوا : «فما راعنا إلا كتائب الرجال بأيديها السيوف ، والعمد ، والقنا ، فشدوا علينا شدة رجل واحد ، فانهزم الناس راجعين ..» (٢).
ولكن الشيخ المفيد يقول : إنه بعد أن فرّ المسلمون ، وبعد نداء العباس : «وكانت ليلة ظلماء ، ورسول الله «صلىاللهعليهوآله» في الوادي ، والمشركون قد خرجوا عليه من شعاب الوادي ، وجنباته ، ومضايقه ، مصلتين سيوفهم ، وعمدهم وقسيهم» (٣).
__________________
(١) الإرشاد ج ١ ص ١٤٢ والبحار ج ٢١ ص ١٦٧ وراجع ص ١٥٦ و ١٥٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٧٨ وإعلام الورى ج ١ ص ٢٣٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٢٦ وراجع : دلائل النبوة للبيهقي ج ٥ ص ١٣١ والإكتفاء ج ٢ ص ٢٤٤ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٦٦ وتاريخ الإسلام ج ٢ ص ٥٧٨.
(٢) إعلام الورى ص ١٢١ و (ط مؤسسة آل البيت) ج ١ ص ٢٣٠ والبحار ج ٢١ ص ١٦٦ وقصص الأنبياء للراوندي ص ٣٤٧ وراجع : مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٨١ وشجرة طوبى ج ٢ ص ٣٠٩ والدر النظيم لابن حاتم العاملي ص ١٨٢.
(٣) الإرشاد ج ١ ص ١٤٢ والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص ٨٤ والبحار ج ٢١ ص ١٥٦ و ١٥٧ وشجرة طوبى ج ٢ ص ٣٠٨ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٧٩.
ولعل شدة المشركين على المسلمين شدة رجل واحد ، قد أرعبت المسلمين ، فهربوا ، ثم خرج باقي المشركين على النبي «صلىاللهعليهوآله» من المضائق والشعاب ، بأيديهم العمد ، والسيوف ، والقسي.
أنا ابن العواتك :
عن سيابة بن عاصم السلمي : أن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» قال يوم حنين : «أنا ابن العواتك» (١).
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ١ ص ٣٢٣ وج ٥ ص ٣٣٦ عن الطبراني ، وفي هامشه عن :
الطبراني في الكبير ج ٧ ص ٢٠١ ، وانظر مجمع الزوائد ج ٨ ص ٢١٩ والبيهقي في الدلائل ج ٥ ص ١٣٥ وسعيد بن منصور (٢٨٤٠ و ٢٨٤١) وابن عساكر كما في التهذيب ج ١ ص ٢٨٩ وراجع : عمدة القاري ج ١٤ ص ٢٨٧ والمعجم الكبير (ط دار إحياء التراث) ج ٧ ص ١٦٩ والإستيعاب (ط دار الجيل) ج ٢ ص ٦٩١ شرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٢٦٧ عن الواقدي ، وكنز العمال ج ١١ ص ٤٤٣ وج ١٢ ص ٤٣٨ وطبقات خليفة بن خياط ص ١٠١ والجرح والتعديل ج ٤ ص ٣٢١ والثقات ج ١ ص ٢٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣ ص ١٠٧ و ١١٠ وأسد الغابة ج ٢ ص ٣٨٢ وج ٤ ص ١٨٤ وتذكرة الحفاظ ج ٣ ص ١٠٦٧ والإصابة ج ٣ ص ١٩٤ وج ٥ ص ٣٠٤ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٢٠ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٥٨٠ والوافي بالوفيات للصفدي ج ١٦ ص ٣٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٧٥ و ٣٧٦ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ١٦٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٢٢ و ٦٢٣ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ١ ص ٦٧ وج ٢ ص ٥٠٥ وتاج العروس ج ٢ ص ٩١ والتاج والإكليل ج ٣ ص ٣٩٢ والمراسيل لابن أبي حاتم ج ١ ص ٦٩ ومعجم الصحابة ج ١ ص ٣٠٢.
أو : «أنا ابن العواتك من قريش» (١).
أو : «أنا ابن العواتك من سليم» (٢).
ونقول :
العواتك من سليم ثلاث نساء من جدات رسول الله «صلى الله عليه
__________________
(١) الكافي ج ٥ ص ٥١ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٩ ص ٢٥٠ و (ط دار الإسلامية) ج ١٣ ص ٣٤٦ والبحار ج ١٩ ص ١٧١ والحدائق الناضرة ج ٢٢ ص ٣٥٧ وجواهر الكلام ج ٢٨ ص ٢٢٢ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٩ ص ١٥٧ ومستدرك سفينة البحار ج ٧ ص ٨١ وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهمالسلام» ج ٥ ص ٣٣ ومستدركات علم رجال الحديث ج ٨ ص ٥٨٥ ومجمع البحرين ج ٣ ص ١١٨.
(٢) البحار ج ١٩ ص ١٧١ و ١٧٢ والإستيعاب (ط دار الجيل) ج ٢ ص ٦٩١ والفايق في غريب الحديث ج ٢ ص ٣٣٠ والجامع الصغير ج ١ ص ٤١١ وكنز العمال ج ١١ ص ٤٠٢ و ٤٤٣ وج ١٢ ص ٤٣٤ وغوامض الأسماء المبهمة ج ٢ ص ٧٧٩ والصحاح للجوهري ج ٤ ص ١٥٩٨ والنهاية في غريب الحديث ج ٣ ص ١٧٩ وتاريخ واسط ج ١ ص ٤٣ وغوامض الأسماء المبهمة ج ٢ ص ٧٨٠ ولسان العرب ج ١٠ ص ٤٦٤ وفيض القدير ج ٣ ص ٥٠ وتاج العروس ج ١٣ ص ٦١٠ وإكمال الكمال لابن ماكولا ج ٥ ص ١٤ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣ ص ١٠٧ والأعلام للزركلي ج ٣ ص ٢٤٢ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٢٠ والفردوس بمأثور الخطاب ج ١ ص ٤٦ والفائق ج ٢ ص ٣٩٠ والروض الأنف ج ١ ص ٢٠٧ ومنح الجليل ص ٣ ص ٢٤٠ والوافي بالوفيات للصفدي ج ١٦ ص ٣٦ والدر النظيم ص ٣٤ وسبل الهدى والرشاد ج ١ ص ٣٢٣ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ١ ص ٦٧ و ١٤٤ وتهذيب اللغة ج ١ ص ١٩٧.
وآله» ، وهن :
١ ـ عاتكة بنت هلال بن فالج بن ذكوان. أم عبد مناف بن قصي.
٢ ـ عاتكة بنت مرة بن هلال ، بن فالج بن ذكوان. أم هاشم بن عبد مناف.
٣ ـ عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان. أم وهب بن عبد مناف بن زهرة ، جد النبي «صلىاللهعليهوآله» ..
فالأولى عمة الثانية ، والثانية عمة الثالثة ، وبنو سليم تفخر بهذه الولادة (١).
والعواتك من جداته «صلىاللهعليهوآله» اثنتا عشرة : ثلاث منهن من بني سليم ، واثنتان من قريش ، وكنانية ، وأسدية ، وهذلية ، وقضاعية ، وأزدية (٢).
وقال اليعقوبي : «واللاتي ولدنه من العواتك اثنتا عشرة عاتكة : عشر منهن مضريات ، وقحطانية ، وقضاعية. والمضريات : ثلاث من قريش ، وثلاث من سليم ، وعدوانيتان ، وهذلية ، وأسدية ..» (٣).
__________________
(١) راجع : لسان العرب ج ١٠ ص ٤٦٤ والأعلام للزركلي ج ٣ ص ٢٤٢ والبحار ج ١٩ ص ١٧٢ ومستدرك سفينة البحار ج ٧ ص ٨١ وفيض القدير ج ٣ ص ٥٠ والنهاية في غريب الحديث ج ٣ ص ١٨٠ وغوامض الأسماء المبهمة ج ٢ ص ٧٨٠ والحدائق الناضرة ج ٢٢ ص ٣٥٧ ومستدركات علم الرجال ج ٨ ص ٥٨٥ وسبل الهدى والرشاد ج ١ ص ٣٢٣ وراجع : الروض الأنف ج ١ ص ٢٠٦.
(٢) لسان العرب ج ١٠ ص ٤٦٤ وراجع : كتاب المحبر للبغدادي ص ٤٧ والكامل في التاريخ ج ١ ص ٥٥٦ و (ط دار صادر) ج ٢ ص ٣٤ وراجع : تاج العروس ج ٢٦ ص ٢٦٦.
(٣) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٢٠.
وذكر ابن عساكر في تاريخه عن أبي عبد الله العدوي : أن العواتك أربع عشرة وأن السلميات أربع (١) ومن أراد التوسع في البحث فليراجع.
غير أننا نقول :
لعل كلمة «من سليم» أو «من قريش» قد أضيفت إلى كلمة رسول الله «صلىاللهعليهوآله» .. حيث إن المناسب هو : أن يكون مقصوده «صلىاللهعليهوآله» جميع العواتك الاثني عشر.
إذ قد تقدم : أن الهزيمة التي جرت على المسلمين كان سببها قبيلة سليم ، ومن معها من أهل مكة في مقدمة الجيش.
بل صرحت بعض الروايات : بأن المسؤول عن ذلك هو خصوص سليم دون سواها ..
فهل يريد «صلىاللهعليهوآله» : أن يكافئ سليما على فعلتها الشنعاء تلك؟! ..
من أجل ذلك نقول :
لعله «صلىاللهعليهوآله» كان يقصد بكلمته هذه : أن يقول للناس :
أولا : إن خطأ من حضر من سليم في هذه الحرب ، لا يعني أن يلحق العار بالأبرياء من هذه القبيلة أيضا.
ثانيا : إن هذا الخطأ يجب أن لا يكون سببا في استمرار سير هذه القبيلة باتجاه واحد ، هو سبيل الإنحراف والغي ، فالذي يخطئ وينحرف يمكنه أن يرجع عن سبيل الغي إلى سبيل الخير والصلاح ولو بعد حين ..
__________________
(١) تاريخ مدينة دمشق ج ٣ ص ١١٠ وكنز العمال ج ١٢ ص ٤٣٥.
وقد كان في بني سليم أناس صالحون في السابق ، إلى حد أن ثلاث جدات لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» كنّ منها ، وقد نشأن في بيوت عز وخير .. فما المانع من أن تعود سليم إلى انتهاج طريق الهدى ، والفلاح والنجاح؟! ..
ثالثا : إنه لا بد لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» من العمل على ترميم سمعة القبائل التي تبتلى بخطأ بعينه ، حتى لا تسقط في مهاوي الخزي والعار ، فإن ذلك من شأنه أن يحدث خللا في البنية الإجتماعية ، وأن تنشأ عنه تداعيات كبيرة وخطيرة ..
لذلك نلاحظ : أنه ينسب نفسه إلى العواتك ، ويقول للناس : إن عليهم أن لا يتمادوا في الطعن في هذه القبيلة أو تلك ، ما دام أن له «صلىاللهعليهوآله» رحما فيها ، وفي كثير من تلك القبائل ، مثل : سليم ، وكنانة ، وأسد ، وهذيل ، وقضاعة ، والأزد.
ونضيف نحن هنا أمرا رابعا : وهو أن راوي هذه الرواية وهو سيابة بن عاصم. كان من بني سليم ، فقد يكون ذلك من أسباب الشبهة في صحة هذه الإضافة ، وهي كلمة «من بني سليم» ، من حيث إن من الممكن أن يكون قد أراد بروايته هذه جرّ النار إلى قرصه ، ودفع العار عن بني جنسه .. فلا بأس بالبحث عن طريق آخر لهذه الرواية لا يكون فيه تهمة من هذا القبيل.
يا أصحاب سورة البقرة :
وعن المراد بقوله «صلىاللهعليهوآله» : يا أصحاب سورة البقرة ، نقول :
إن هذه السورة هي أول سورة نزلت في المدينة ، فلعل هذا النداء يرمي إلى تذكيرهم ببعض آياتها التي تقول : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) (١) ، وتقول : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ) (٢).
وتقول : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) (٣).
كما أن هذه السورة تضمنت أيضا : حديثا عن المؤمنين الذين يؤمنون بالغيب ، ويوقنون بالآخرة ، وسائر العقائد ، وحديث المنافقين ، وعن مختلف قضايا التشريع ، وحقائق الدين.
غير أننا نقول :
لعل القول بأن المراد التذكير بقوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) هو الأنسب بقوله : يا أهل بيعة الشجرة ، ويا أصحاب السمرة.
وبقوله : ذكّرهم بالعهد.
وقوله : إلى أين تفرون؟ أذكروا العهد الذي عاهدتم.
وقوله : يا أصحاب البيعة يوم الحديبية .. ونحو ذلك ..
فإن مثل هذا كله يدل على : أن المقصود هو : إلزامهم بعهدهم ، ليكون ذلك حافزا لهم على العودة إلى ساحات الجهاد.
كما أنه يتضمن قدرا من التهديد بأن الله تعالى سوف يعاملهم بالمثل ،
__________________
(١) الآية ٤٠ من سورة البقرة.
(٢) الآية ٢٤٩ من سورة البقرة.
(٣) الآية ٢٠٨ من سورة البقرة.
وهذا ما لا يمكنهم تحمله والرضا به لأنفسهم.
فأسمع أولهم وآخرهم :
وحين نادى النبي «صلىاللهعليهوآله» الفارين : أين ما عاهدتم الله عليه؟! أسمع أولهم وآخرهم ، ليقيم الله عليهم الحجة بذلك. لأنها معجزة تثبت صدق هذا النبيّ العظيم «صلىاللهعليهوآله» من جهة. وتذكرهم بما يحفزهم للثبات والتصدي من جهة أخرى ، فلم يعد يمكن لأي منهم أن يقول : إن الخوف أنساني كل شيء ، ولو أنني التفت لهذه الأمور في تلك اللحظات لكان لي موقف آخر.
عاهدوا الله ورسوله :
والذي يراجع النص الذي أورده الشيخ المفيد «رحمهالله» ، يلاحظ : أنه «صلىاللهعليهوآله» لم يقل : اذكروا العهد الذي عاهدتموني عليه ، بل قال :
اذكروا العهد الذي عاهدتم عليه رسول الله .. فيكون بذلك قد تجنب الإيحاء بأن الأمر يرتبط به كشخص ، وأثار في الأذهان صورة عن ارتباط الموضوع بالله تعالى ، حين ذكروا : أن العهد كان معه بما أنه رسول الله ، لا بما له من صفة شخصية.
ولكنه حين ظهرت معجزته لهم ، ورأوا شاهد نبوته عيانا ، حيث رأوا وجهه في الظلمات ، فأضاء كأنه القمر ليلة البدر ، عاد فذكّرهم بالعهد ، ولكنه ربطه بالله مباشرة ، ولم يعد ثمة من حاجة إلى تحديد دوره في هذا الأمر. فإن المعجزة قد حددت ذلك ، وعرفتهم برسوليته «صلىاللهعليهوآله» ، ولا بد أن ينتهي كل شيء إليه تبارك وتعالى ..
دعاء النبي صلىاللهعليهوآله بعد فرار أصحابه :
وعن دعاء النبي «صلىاللهعليهوآله» بعد فرار أصحابه عنه نقول :
إنه «صلىاللهعليهوآله» ذكر فقرات ثلاثا ، هي :
١ ـ اللهم لك الحمد.
٢ ـ وإليك المشتكى.
٣ ـ وأنت المستعان.
وفي سياق بيان ذلك نقول :
ألف : إنه «صلىاللهعليهوآله» يريد أن يعرّف كل أحد انه حتى حين يفر عنه جميع من معه ، ويبقى وحده في مواجهة عشرات الألوف من أعدائه ، الساعين إلى سفك دمه ، فإن ذلك لا ينقص من نعم الله عليه ، بل ذلك يؤكد أن لا أحد يستحق الحمد سواه تبارك وتعالى ؛ لأنه وحده المنعم المتفضل ..
بل إن فرارهم عن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» لا بد أن يفهم على أنه بمثابة التفريط بنعمة الله تعالى عليهم ، لا أنه إضرار برسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، أو إنقاص من النعم الواصلة إليه ، ولذلك قال «صلىاللهعليهوآله» : اللهم لك الحمد.
ب : وإذا فرط هؤلاء الناس بنعم الله ، وتخلوا عن واجبهم الإلهي ، واستحقوا الإبعاد عن ساحة رحمته ، ولطفه جل وعلا.
وإذا كان الله تعالى ـ وحده ـ هو المنعم الواهب ، والمتفضل .. فإن أحدا لا يستطيع أن ينفعهم بشيء. ولا أن يصلح ما أفسدوه ، ويبني ما هدموه إلا هو تبارك وتعالى ..
وهذا يعني : أن الشكوى لغير الله لا تثمر شيئا ، بل هي ليست بشكوى ، لأن غير الله لا يستطيع أن يدفع ، ولا أن يمنع .. والإنسان العاقل لا يعبث ولا يلعب. بل إن الشكوى لغير الله ـ والحالة هذه ـ تمثل نكرانا لفضله تبارك وتعالى ، وهذه خطيئة لا يمكن أن تصدر من المعصوم. ولذلك قال «صلىاللهعليهوآله» : وإليك المشتكى.
ج : وإذا كان الله تعالى وحده هو القادر ، والقاهر ، والحكيم ، والعليم ، والرؤوف الرحيم ، والمعطي والمانع. وإذا كانت المخلوقات كلها تستمد منه ، وتفتقر إليه. فلا معنى للإستعانة بسواه. لأن ذلك من السفه الذي لا يصدر عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أيضا. ولذلك قال «صلىاللهعليهوآله» : وأنت المستعان.
د : وإذا كانت هذه هي العقيدة الراسخة بالله تبارك وتعالى ، وهي خلاصة نظرة الإنسان إلى الكون وما فيه ، وإلى الحياة بكل مظاهرها ..
وإذا تمحض في الإخلاص والصدق في هذا الدعاء المرتكز إلى ذلك الإيمان الراسخ ، فسوف يتحقق بعمق وصدق مفهوم قوله تعالى : (ادْعُونِي). ويكون لا بد من الإستجابة لمن يدعوه تعالى ولا يدعو غيره .. ويرجوه ولا يرجو غيره ..
ولا بد بعد هذا أن ننتظر تحقق المعجزات ، وقد تحققت في حنين فعلا ، كما تحققت لموسى «عليهالسلام» من قبل ، وشاهد تحقق المعجزات في حنين : أن الله تعالى قد هزم عشرات الألوف بسيف علي «عليهالسلام» وحده. بعد أن أمد الله رسوله «صلىاللهعليهوآله» والمؤمنين بجنود لم يروها ، تماما كما حصل في حرب بدر العظمى ..
إن تهلك هذه العصابة لا تعبد :
وكما جرى في حرب بدر جرى في حرب حنين ، فقد قال «صلىاللهعليهوآله» في كلتا الواقعتين : اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد ، وإن شئت أن لا تعبد ، لا تعبد.
ونقول :
أولا : لا شك في أن المقصود ب «هذه العصابة» هو عصابة أهل الإيمان ، الذين يدافعون عن دينهم وعن نبيهم ، وعلي «عليهالسلام» أولهم ، وعلى رأسهم ..
وأما شمولها للذين ولوا الأدبار ، ولم يفوا بعهدهم ، بما فيهم المشركون. وقد صرحوا : بأنهم ثمانون رجلا ، بما فيهم المنافقون وما أكثرهم. يضم إليهم أصحاب المطامع والأهواء .. نعم .. أما شمول هؤلاء فذلك غير ظاهر .. فإن الإسلام إنما كان يقوم على النبي «صلىاللهعليهوآله» وعلي «عليهالسلام» ، فإن هلكا فلا إسلام بعد ذلك ، ولا عبادة لله تعالى.
وأما المنهزمون ، فإن فرارهم الذي هو بمثابة هلاك وبوار دورهم ، وانعدام تأثيرهم ـ فلم يمنع من استمرار عبادة الله تبارك وتعالى.
ثانيا : إنه «صلىاللهعليهوآله» قد علق استمرار عبادة الله تعالى على مشيئة الله تبارك وتعالى.
ومن الواضح : أن وجوب شكر المنعم ، وعبادة الله ، والطاعة له حكم عقلي ، لا مجال للتخلف عنه. وهذا معناه : أن المقصود بكلامه هذا «صلىاللهعليهوآله» ، ليس هو إسقاط هذا الوجوب ، بل المراد : أن تزول عبادة الله تعالى بزوال المؤمنين ، وهلاكهم.
هزيمة الأعراب أم هزيمة قريش والقادة؟! :
وتحاول بعض النصوص : أن تلطف العبارات ، وتخفف من حدة قبح الهزيمة ، بطريقة ذكية ، حين تنسب الهزيمة إلى الأعراب ، لكي يفهم الناس أن قريشا ، وأهل مكة ، والمهاجرين لم يكونوا مع المنهزمين .. وإن كان معهم منهم أحد ، فإنما هم أفراد قليلون ، جرفهم السيل البشري للأعراب ربما من غير اختيار منهم.
وهذا ولا شك خيانة للحق والحقيقة ، لما يستبطنه من تزوير وتضليل ، ولا نريد أن نقول أكثر من ذلك.
هل كانت الهزيمة ليلا؟! :
تقدم : أن المسلمين انهزموا عن النبي «صلىاللهعليهوآله» في ليلة ظلماء ، وأن وجهه «صلىاللهعليهوآله» أضاء للناس كالقمر ليلة البدر.
ولكن قد يقال : إن ذلك مما يصعب القبول به ، إذا أخذنا بالرواية التي تقول : فلما تراءت الفئتان حمل المشركون على المسلمين حملة رجل واحد ، فانهزموا .. لأن ترائي الفئتين يكون في النهار عادة ..
ويمكن أن يجاب عن ذلك : بأن المقصود بترائي الفئتين : هو مواجهة كل منهما للأخرى ، ولو بوصول طلائع الفريقين إلى موقع ترى فيه طرفا من الفريق الآخر. وهذا يحصل ليلا كما يحصل نهارا.
وليس المقصود : الرؤية المباشرة نهارا ..
ويؤيد ما نقول : قولهم أيضا في نصوص أخرى سبقت : إنه «صلىاللهعليهوآله» صار يسأل عن أبي سفيان بن الحارث ، وسأل أيضا عن الأنصار
الذين حضروا بعد الهزيمة إلى ساحة القتال .. إذ لعله «صلىاللهعليهوآله» احتاج إلى السؤال عنهم بسبب حيلولة الظلام بينه وبينهم ، فلا يراهم ..
ويمكن الرد على ذلك : بأنه ربما يكون قد سأل عنهم لأنه يريد تعريف الناس بهم ، والجهر باسمهم ، وبيان حالهم .. حتى وإن كان قد عرفهم بالرؤية المباشرة ، أو بالعلم الخاص ، الذي اختصه الله تعالى به.
نداء النبي صلىاللهعليهوآله أم نداء العباس؟! :
قد ظهر من سياق رواية المفيد : أن الناس لم يصغوا إلى نداء العباس ، بل مروا على وجوههم في هزيمتهم.
فلما ناداهم النبي «صلىاللهعليهوآله» : «أين ما عاهدتم الله عليه»؟ لم يسمعها رجل إلا رمى بنفسه إلى الأرض ، فانحدروا إلى حيث كانوا من الوادي ، حتى لحقوا بالعدو ، فقاتلوه (١).
فلا يصح قولهم ـ حسبما تقدم وما سيأتي ـ : إن عودة الأنصار كانت لسماعهم نداء العباس (٢).
__________________
(١) البحار ج ٢١ ص ١٦٧ وراجع ص ١٥٦ و ١٥٧ والإرشاد ج ١ ص ١٤٢ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٧٩ وكشف الغمة ج ١ ص ٢٢٢ وكشف اليقين ص ١٤٤
(٢) راجع على سبيل المثال : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٣ ومجمع البيان ج ٥ ص ١٧ و ١٨ والمعجم الكبير للطبراني ج ٧ ص ٢٩٩ والثقات ج ٢ ص ٦٩ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٤٨ وعيون الأثر ج ٢ ص ٢١٨ وزاد المعاد ج ٣ ص ٤٧١ والإكتفاء ج ٢ ص ٢٤٣ والدرر لابن عبد البر ص ٢٢٦ والسيرة النبوية لابن هشام (ط دار الجيل) ج ٥ ص ١١٣ وكتاب التوابين لابن قدامة ج ١
غير أن لنا تحفظا على قوله «لحقوا بالعدو فقاتلوه» إذ إن الدلائل والشواهد تشير إلى أنهم لم يقاتلوهم ، كما سيأتي.
الأنصار .. وخصوصا الخزرج :
قد صرحت رواية عثمان بن شيبة : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» طلب من العباس : أن ينادي المهاجرين والأنصار.
ولكن الغريب في الأمر : أن المهاجرين لم يستجيبوا للنداء أبدا ، وإنما استجاب الأنصار فقط ، كما ذكرته رواية القمي وغيره (١) ، ورواية عثمان بن أبي شيبة نفسها ، بل لقد صرحت رواية الطبرسي بالقول : «تبادرت الأنصار خاصة» (٢).
ونص آخر يذكر : أنه «صلىاللهعليهوآله» طلب منه أن ينادي خصوص الأنصار.
بل لقد ذكرت رواية أبي بشير المازني : أنه «صلىاللهعليهوآله» كان يصيح : يا للأنصار ، وإذ بهم كروا كرة رجل واحد ، ومضت الأنصار أمامه
__________________
ص ١١٤ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٣ ص ٢٥٧ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٦٥ و ٦٦ والبحار ج ٢١ ص ١٤٧ و ١٥١ وتفسير القمي ج ١ وغير ذلك كثير جدا.
(١) تفسير القمي ج ١ ص ٢٨٧ و ٢٨٨ والبحار ج ٢١ ص ١٥١ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣١ والمغازي للواقدي ج ٣ ص ٩٠٤ وراجع المصادر في الهامش السابق.
(٢) مجمع البيان ج ٥ ص ١٧ و ١٨ والبحار ج ٢١ ص ١٤٧.
«صلىاللهعليهوآله» يقاتلون حتى طردوا العدو ، فلماذا خص نداءه بالأنصار ، ولم يذكر المهاجرين؟
أليس لأنه كان قد يئس من نصرهم؟!
وتقدم عن أنس : أنه لما بقي النبي «صلىاللهعليهوآله» وحده ، نادى «صلىاللهعليهوآله» نداءين لم يخلط بينهما كلاما ، فالتفت عن يمينه ، وقال :
يا معشر الأنصار ، أنا عبد الله ورسوله ، فقالوا : لبيك يا رسول الله ، نحن معك ، فهزم الله تعالى المشركين الخ ..
وعن سعيد بن جبير : فيومئذ سمى الله تعالى الأنصار مؤمنين ، قال : (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (١)» (٢).
بل صرحت رواية عثمان بن شيبة (٣) : بأنه لما اجتمع حول النبي «صلىاللهعليهوآله» مائة ، وكانت الدعوة في الأنصار : يا معشر الأنصار. ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج.
بل روي : أنه «صلىاللهعليهوآله» قال : يا أنصار رسول الله! يا بني الخزرج!!
وذلك يدل على عدم صحة ما ذكرته رواية ابن مسعود ، من أنه بعد أن
__________________
(١) الآية ٢٦ من سورة التوبة.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٧ عن ابن أبي حاتم ، وفي هامشه عن الدر المنثور ج ٣ ص ٢٢٣ وراجع : الدر المنثور ج ٤ ص ١٦٢ و (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٢٢٥ وجمع البيان ج ١٠ ص ١٠٣ و (ط دار الفكر) ص ١٣٣ وتفسير ابن أبي حاتم ج ٣ ص ٧٥٢ وج ٦ ص ١٧٧٤ وفتح القدير ج ٢ ص ٣٤٩.
(٣) راجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٥.
ضرب وجوه المشركين بكف من تراب ، أمره بأن يهتف : يا للمهاجرين والأنصار ، فهتف بهم ، فجاؤوا وسيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب.
فإن الصحيح هو : أن الذين جاؤوا ولبوا النداء هم خصوص الأنصار ولا سيما الخزرج. بل الخزرج منهم فقط.
الحب والحنان في الأنصار :
ويتجلى حب الأنصار لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» في تعبيرات الروايات ، كقول العباس : «والله ، لكأنما عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقرة على أولادها» (١).
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٣ و ٣٥٠ وج ١١ ص ١٠٢ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ١١١ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٩ و (ط دار المعرفة) ص ٦٦ وذخائر العقبى ص ١٩٨ ومسند أحمد ج ١ ص ٢٠٧ وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٦٧ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٣٢٨ وشرح مسلم للنووي ج ١٢ ص ١١٥ وفتح الباري ج ٨ ص ٢٥ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٣٨٠ ومسند الحميدي ج ١ ص ٢١٩ والآحاد والمثاني ج ١ ص ٢٧٣ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ١٩٧ وصحيح ابن حبان ج ١٥ ص ٥٢٤ والمعجم الكبير للطبراني ج ٧ ص ٢٩٩ وكتاب التوابين لابن قدامة ص ١١٥ ورياض الصالحين للنووي ص ٧١٥ وتفسير ابن أبي حاتم ج ٦ ص ١٧٧٣ وتفسير الثعلبي ج ٥ ص ٢٣ وتفسير البغوي ج ٢ ص ٢٧٨ وتفسير القرطبي ج ٨ ص ٩٨ والدر المنثور ج ٣ ص ٢٢٤ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤ ص ١٧ و ١٩ وتهذيب الكمال ج ٢٤ ص ١٣٤ وتاريخ الإسلام ج ٢ ص ٥٨٠ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٧٨ وإمتاع الأسماع ج ٥ ص ٦٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٢٧ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٨٤.
وقولهم : «ما شبهت عطفة الأنصار على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» إلا عطفة الإبل على أولادها» (١).
وفي نص آخر : فثابوا من كل ناحية ، كأنهم النحل تأوي إلى يعسوبها (٢).
وحين يكون المحارب محبا لقائده ، فإنه وإن فرّ حين تفاجئه هجمة قوية ، ولكن محبته تبقيه على مقربة ممن يحب ، وتدفعه لأن يبذل محاولة لمعرفة ما جرى عليه ، ثم العودة إليه بمجرد أن تلوح له بارقة أمل عن حياته ونجاته ..
وأما غير المحب ، فلا يرده عن هزيمته شيء ، ولا يفكر بأحد.
ولعل هذا كان شأن المهاجرين وكان ذاك شأن الأنصار ، وخصوصا الخزرج منهم ، ولذلك نادى النبي «صلىاللهعليهوآله» الأنصار ، فكانوا هم الذين استجابوا ، وعادوا إليه.
وجه النبي صلىاللهعليهوآله كالقمر :
وقد ذكرت رواية الإرشاد المتقدمة : أنه لما انهزم المسلمون عن النبي «صلى
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٣ عن البيهقي ، وأبي القاسم البغوي ، وفي هامشه عن المعجم الكبير للطبراني ج ٧ ص ٣٥٨ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ٣٥١ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٣ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ١١١ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٩ و (ط دار المعرفة) ص ٦٦ وفتوح الشام للواقدي ج ١ ص ٢٠٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٣ ص ٢٥٧ والخصائص الكبرى للسيوطي (ط دار الكتب العلمية) ج ١ ص ٤٤٩.
(٢) راجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٥ وراجع : الإكتفاء ج ٣ ص ٥٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٣ ص ٥٨.
الله عليه وآله» التفت إليهم ببعض وجهه ، فأضاء لهم كأنه القمر ليلة البدر.
ونقول :
إن هذا النور المتدفق من وجه الرسول «صلىاللهعليهوآله» بحيث يراه الناس ، والمفروض : أن هذا الأمر يحصل في الليل .. لا بد أن يعطي الدلالة لأهل الإيمان على أن عليهم أن يكونوا أعمق إيمانا ، وأشد يقينا مما هم عليه ..
ولا بد أن يدفعهم ذلك إلى إعادة النظر في فرارهم المزري هذا ، ويؤكد لهم أن ذلك معناه : خسران الدنيا والآخرة ، إذ لا يمكن أن يوفقهم الله لحياة سعيدة في الدنيا ، بعد أن تركوا نبيهم لتتناهبه سيوف أعدائه ، وأعدائهم ..
بل المتوقع لهم هو : الخذلان الدائم ، والعار ، والخزي المقيم .. وفي الآخرة ينتظر هم عذاب أليم.
كما أن الحجة تتم على الأعداء ، الذين أظهر الله لهم نور النبوة ، في الليلة الظلماء ، فلماذا ، وعلام يحاربون الأنبياء ، ويسعون لقتلهم ، وإسقاط دعوتهم؟ وما هو المبرر لطاعة ساداتهم وكبرائهم في أمر خطير كهذا؟!
وهل يمكن لأولئك السادات أن يحموهم من غضب الله تعالى ، أو أن يكونوا بديلا لهم عن عونه ولطفه ورعايته؟!
ثم إن ذلك يحدد مركز الرسول «صلىاللهعليهوآله» للأعداء ، فإذا منعهم الله من الوصول إليه رغم كثرتهم وقوتهم ، فذلك معجزة أخرى لهم ، تيسر لهم الإيمان ، وتقودهم إلى التسليم والبخوع لنبوته «صلىاللهعليهوآله» ، حين تتهيأ الظروف لإسلامهم ، بعد أن تضع الحرب أوزارها ، ولا يكون إسلامهم ـ والحالة هذه ـ قهرا وجبرا ، وبلا حجة ودليل ..
كما أن المنهزمين لا يمكن أن يعتذروا عن إمعانهم في هزيمتهم : بأنهم لم