السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-196-3
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٧١
رماة ، فاستقبلتنا بالسهام كأنما رجل جراد ، لا يكاد يسقط لهم سهم (١). انتهى.
وعند الطبرسي : «فما راعنا إلا كتائب الرجال بأيديها السيوف ، والعمد ، والقنا ، فشدوا علينا شدة رجل واحد ، فانهزم الناس راجعين ، لا يلوي أحد على أحد ، وأخذ رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ذات اليمين» (٢).
اتهام النبي صلىاللهعليهوآله بالفرار :
وعن أبي إسحاق السبيعي قال : جاء رجل من قيس إلى البراء بن عازب ، فقال : أكنتم وليتم؟
وفي رواية : أوليت؟
وفي أخرى : أوليتم مع رسول الله «صلىاللهعليهوآله»؟
وفي أخرى : أفررتم يوم حنين يا أبا عمارة؟
فقال : أشهد على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» أنه ما ولّى.
وفي رواية : لا والله ، ما ولى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» يوم حنين دبره ، ولكنه خرج بشبان أصحابه ، وهم حسّر ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح ، فلقوا قوما رماة لا يكاد يسقط لهم سهم ، فلما لقيناهم وحملنا عليهم انهزموا ، فأقبل الناس على الغنائم ، فاستقبلونا بالسهام كأنها رجل جراد لا
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٨ و ٣١٩ وفي هامشه عن : البخاري ٧ / ٦٢٢ (٤٣١٧).
(٢) إعلام الورى ص ١٢١ و (ط مؤسسة آل البيت) ج ١ ص ٢٣٠ والبحار ج ٢١ ص ١٦٦ وقصص الأنبياء للراوندي ص ٣٤٧ وراجع : مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٨١ وشجرة طوبى ج ٢ ص ٣٠٩ والدر النظيم لابن حاتم العاملي ص ١٨٢.
يكادون يخطئون ، وأقبلوا هناك إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ورسول الله «صلىاللهعليهوآله» على بغلته البيضاء ، وأبو سفيان بن الحارث يقود به ، فنزل رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ودعا واستنفر ، وقال «صلىاللهعليهوآله» :
«أنا النبي لا كذب |
|
أنا ابن عبد المطلب |
اللهم أنزل نصرك» (١).
الكمين سبب آخر :
عن جابر بن عبد الله ، وعن أنس بن مالك : لما استقبلنا وادي حنين ، انحدرنا في واد أجوف ، خطوط ، له مضايق وشعاب ، وإنما ننحدر فيه
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٥ و ٣٢٦ عن ابن سعد ، وابن أبي شيبة ، والبيهقي ، والبخاري ، وابن مردويه ، وفي هامشه عن : البخاري ج ٧ ص ٦٢٢ (٤٣١٧) ، ومسلم ج ٣ ص ١٤٠٠ (٧٨) والبيهقي في الدلائل ج ٥ ص ١٣٤ وراجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٥ وكنز العمال ج ١٠ ص ٥٤٠ وتفسير البحر المحيط ج ٥ ص ٢٦ وراجع : صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج ٣ ص ٢٣٣ وصحيح مسلم (ط دار الفكر) ج ٥ ص ١٦٨ وراجع : سنن الترمذي ج ٣ ص ١١٧ والسّنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ١٥٥ وعمدة القاري ج ١٤ ص ٢٠٢ ومسند ابن الجعد ص ٣٦٤ والمصنف لابن أبي شيبة الكوفي ج ٦ ص ١٨١ وج ٨ ص ٥٥٠ وشرح معاني الآثار ج ٣ ص ٢٧١ وتفسير البغوي ج ٢ ص ٢٧٨ وأحكام القرآن لابن العربي ج ٢ ص ٤١٣ وتفسير الرّازي ج ١٦ ص ٢١ والدر المنثور ج ٣ ص ٢٢٥ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤ ص ١٥ وإحقاق الحق (الأصل) ص ٢٧١ وسير أعلام النبلاء ج ٨ ص ١٨٥.
انحدارا ، وفي عماية الصبح ، وقد كان القوم سبقونا إلى الوادي فمكثوا في شعابه وأجنابه ومضايقه وتهيؤا ، فو الله ، ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدوا علينا شدة رجل واحد ، وكانوا رماة (١).
قال أنس : استقلبنا من هوازن شيء ، لا والله ما رأيت مثله في ذلك الزمان قط ، من كثرة السواد ، قد ساقوا نساءهم وأبناءهم وأموالهم ثم صفوا صفوفا ، فجعلوا النساء فوق الإبل وراء صفوف الرجال ، ثم جاؤوا بالإبل والبقر والغنم ، فجعلوها وراء ذلك ، لئلا يفروا بزعمهم.
فلما رأينا ذلك السواد حسبناه رجالا كلهم.
فلما انحدرنا في الوادي ، فبينا نحن في غبش الصبح إن شعرنا إلّا بالكتائب قد خرجت علينا من مضيق الوادي وشعبه ، فحملوا حملة رجل واحد ، فانكشفت أوائل الخيل ـ خيل بني سليم ـ مولية ، وتبعهم أهل مكة ، وتبعهم الناس منهزمين ما يلوون على شيء ، وارتفع النقع فما منا أحد يبصر كفه (٢).
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٨ عن ابن إسحاق ، وأحمد ، وابن حبان ، وأبي يعلى ، والواقدي. وراجع : مسند أحمد ج ٣ ص ٣٧٦ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٧٩ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٤٧ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٦٣ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٧٩ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٨٩٣ وعيون الأثر ج ٢ ص ٢١٥ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب في الكتاب والسنة والتاريخ لمحمد الريشهري ج ١ ص ٢٥٥ وإعلام الورى ص ١٢١ والبحار ج ٢١ ص ١٦٦ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠١ وتفسير السمرقندي ج ٢ ص ٤٩.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٨ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٨١ وراجع تفسير ـ
وقال جابر : وانحاز رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ذات اليمين ، ثم قال : «أيها الناس ، هلم إلي. أيها الناس ، هلم إلي. أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبد الله».
قال : فلا شيء وحملت الإبل بعضها على بعض ، فانطلق الناس (١).
وعن أبي بشير المازني قال : لما كان يوم حنين صلينا الصبح ، ثم رجعنا على تعبئة من رسول الله «صلىاللهعليهوآله» فما شعرنا ـ وقد كاد حاجب الشمس أن يطلع ، وقد طلع ـ إلا بمقدمتنا قد كرت علينا ، قد انهزموا ، فاختلطت صفوفنا ، وانهزمنا مع المقدمة ، وأكر ، وأنا يومئذ غلام شاب ، وقد علمت أن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» متقدم ، فجعلت أقول : يا
__________________
مجمع البيان ج ٥ ص ٣٤ وتفسير الميزان ج ٩ ص ٢٣١ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ١٥١ وشرح السير الكبير للسرخسي ج ١ ص ١١٧ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٥٧٤ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ١٢ وج ٨ ص ٣٨٩ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب في الكتاب والسنة والتاريخ لمحمد الريشهري ج ١ ص ٢٥٥.
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٨ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٨٢ و ١٨٣ وراجع :
إعلام الورى ص ١٢١ والبحار ج ٢١ ص ١٦٦ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠١ ومسند أحمد ج ٣ ص ٣٧٦ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٣٥٨ والثقات لابن حبان ج ٢ ص ٦٩ وأسد الغابة ج ٤ ص ٢٨٩ وج ٥ ص ٢١٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٤٧ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٢٦٣ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٥٧٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٧٣ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٨٩٣ وعيون الأثر ج ٢ ص ٢١٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦١٨ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب في الكتاب والسنة والتاريخ لمحمد الريشهري ج ١ ص ٢٥٦.
للأنصار ، بأبي وأمي ، عن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» تولّون؟ وأكرّ في وجوه المنهزمين ، ليس لي همة إلا النظر إلى سلامة رسول الله «صلىاللهعليهوآله» (١).
عن سلمة بن الأكوع قال : غزونا مع رسول الله حنينا. فلما واجهنا العدو تقدمت فأعلو ثنية فاستقبلني رجل من المشركين فأرميه بسهم ، وتوارى عني فما دريت ما صنع.
ثم نظرت إلى القوم ، فإذا هم طلعوا من ثنية أخرى ، فالتقوا هم وأصحاب رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فولى أصحاب رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فأرجع منهزما. وعلي بردتان ، مؤتزرا بإحداهما ، مرتديا بالأخرى ، فاستطلق إزاري ، فجمعتهما جميعا.
ومررت برسول الله «صلىاللهعليهوآله» وأنا منهزم ، وهو على بغلته الشهباء ، فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «لقد رأى ابن الأكوع فزعا» (٢).
هزيمة عمر بن الخطاب :
وكان المسلمون بلغ أقصى هزيمتهم مكة ، ثم كروا بعد وتراجعوا ،
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٩ عن الواقدي.
(٢) راجع : السيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٢٨ وصحيح ابن حبان ج ١٤ ص ٤٥١ ودلائل النبوة للأصبهاني ج ٣ ص ١١٢٩ والدر المنثور ج ٣ ص ٢٢٦ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٥٨١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٧٩ وإمتاع الأسماع للمقريزي ج ٥ ص ٦٨ وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٦٩ وفتح الباري ج ٨ ص ٢٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٦ و ٣٤٨.
فأسهم لهم رسول الله «صلىاللهعليهوآله» جميعا.
وكانت أم الحارث الأنصارية آخذة بخطام جمل الحارث زوجها ، وكان يسمى المجسار ، فقالت : يا حار ، أتترك رسول الله «صلىاللهعليهوآله» والناس يولون منهزمين؟! وهي لا تفارقه.
قالت : فمر عليّ عمر بن الخطاب ، فقلت : يا عمر ، ما هذا؟
قال : أمر الله تعالى (١).
شماتة الحاقدين :
قال الصالحي الشامي :
«قال ابن إسحاق : لما انهزم الناس ، ورأى من كان مع رسول الله «صلىاللهعليهوآله» من جفاة أهل مكة الهزيمة ، تكلم منهم رجال بما في أنفسهم من الضغن.
قال أبو سفيان بن حرب ـ وكان إسلامه بعد مدخولا ـ : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر. وإن الأزلام لمعه في كنانته.
وصرخ جبلة بن الحنبل ـ وقال ابن هشام : كلدة بن الحنبل ، وأسلم بعد ذلك ، وهو مع أخيه لأمه صفوان بن أمية ، وصفوان مشرك في المدة التي جعل له رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ـ : ألا بطل السحر اليوم!!
فقال له صفوان : اسكت فض الله فاك! والله ، أن يربّني رجل من قريش أحب إلى من أن يربّني رجل من هوازن (٢).
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣١ والمغازي ج ٣ ص ٩٠٤.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٩ ، وأشار إليه اليعقوبي في تاريخه ج ٢ ص ٦٢ ـ
قال ابن عقبة : ومرّ رجل من قريش بصفوان بن أمية ، فقال : أبشر بهزيمة محمد وأصحابه ، فو الله ، لا يجبرونها أبدا.
فقال صفوان : أتبشرني بظهور الأعراب؟! فو الله ، لربّ من قريش أحب إلى من ربّ من الأعراب. وغضب صفوان لذلك.
وبعث صفوان غلاما له ، فقال : اسمع لمن الشعار.
فجاءه فقال : سمعتهم يقولون : يا بني عبد الرحمن ، يا بني عبيد الله ، يا بني عبد الله.
فقال : ظهر محمد. وكان ذلك شعارهم في الحرب (١).
وروى محمد بن عمر ، عن أبي قتادة ، قال : مضى سرعان الناس من المنهزمين ، حتى دخلوا مكة ، ساروا يوما وليلة ، يخبرون أهل مكة بهزيمة رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وعتاب بن أسيد ـ بوزن أمير ـ على مكة ، ومعه معاذ بن جبل ، فجاءهم أمر غمهم ، وسر بذلك قوم من أهل مكة
__________________
وراجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٢ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١١ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١١١ وراجع : تفسير الميزان ج ٩ ص ٢٣٥ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٤٧ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٣٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٧٤ وراج : إمتاع الأسماع ج ٢ ص ١٧ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٨٠ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٨٩٤ وعيون الأثر ج ٢ ص ٢١٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦١٩.
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٠ والمغازي ج ٣ ص ٩١٠ وراجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٢ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١١ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١١١.
وأظهروا الشماتة ، وقال قائل منهم : ترجع العرب إلى دين آبائها ، وقد قتل محمد وتفرق أصحابه.
فتكلم عتاب بن أسيد يومئذ ، فقال : إن قتل محمد ، فإن دين الله قائم. والذي يعبده محمد حي لا يموت.
فما أمسوا من ذلك اليوم حتى جاء الخبر : أن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» أوقع بهوازن ، فسر عتاب بن أسيد ، ومعاذ بن جبل ، وكبت الله تعالى من هناك ممن كان يسره خلاف ذلك.
فرجع المنهزمون إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فلحقوه بأوطاس وقد رحل منها إلى الطائف (١).
ونقول :
لقد حفلت تلك الروايات بمزاعم لا مجال لقبولها ، ونحن نذكر ذلك فيما يلي من مطالب :
شبان لا خبرة لهم بالحرب :
زعموا : أن الذين تقدموا جيش المسلمين في حنين كانوا شبانا من أهل مكة ، ولا خبرة لهم بالحرب ، وأنه ليس عليهم سلاح ، أو كثير سلاح.
ونقول :
أولا : لا ندري من أين عرف هؤلاء الذين يسمونهم بأهل المغازي : أن
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٠ والمغازي ج ٣ ص ٩١٠ وراجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٢ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١١ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١١١.
الذين تقدموا المسلمين في وادي حنين كانوا شبانا.
وكانوا لا خبرة لهم بالحرب.
وكان غالبهم من أهل مكة.
فإن كان أهل المغازي قد عرفوا ذلك من النصوص ، فأين ذهبت تلك النصوص يا ترى؟! سوى ما روي عن البراء بن عازب ، وهو ما لم يؤيده أي نص سواه من أي صحابي آخر فيما نعلم ، وهذا يثير الشبهة في أن يكون موضوعا على لسان البراء لحاجة في النفس ، كما سنرى.
وإن كان أرباب المغازي قد علموا ذلك بالمشاهدة ، فهم إنما عاشوا في أزمنة متأخرة على ذلك الزمان.
وإن كانوا قد عرفوا ذلك بالاجتهاد ، فليدلونا على العناصر التي أنتجت لهم هذه الحقائق ، والدقائق ، والتوصيفات.
ثانيا : إن النبي «صلىاللهعليهوآله» هو الذي كان يكتّب الكتائب ، وينظم الجيش ، ويضع هؤلاء في المقدمة ، وأولئك في القلب ، وفريقا ثالثا في الجناح الأيسر ، أو الأيمن ، أو الساقة ، وما إلى ذلك.
فما معنى : أن يقول أهل المغازي : «تقدمهم كثير ممن لا خبرة له الخ ..»؟!
فإن تقدمهم : إن كان بمبادرة واقتراح منهم ، ومن دون رضا رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فذلك ما لا يرضاه نبي الإسلام ، ولا يوافق عليه ولا يقرّه.
وإن كان برضا وبتقديم ، وقرار منه «صلىاللهعليهوآله» ، فلا بد من السؤال عن سبب هذا الإختيار ، وعن سبب عدم تزويدهم بالسلاح الكافي ، أو عدم أمرهم بالتزود منه.
فهل كان «صلىاللهعليهوآله» يريد : أن تحل الهزيمة بجيشه ، فمهّد
مقدماتها؟! أم أنه كان لا يعرف أن الذين اختارهم هم بهذا المستوى المتدني؟ وأنهم لم يكونوا أهلا لما اختارهم له؟ وقد أخطأ في اختياره ، فذلك يعني الطعن في حكمته ، بل في نبوته «صلىاللهعليهوآله» ، وهو ما لا يرضاه أحد من المسلمين.
مع أنه قد كان بالإمكان أن يسأل عنهم من له معرفة بهم.
وكان على العارفين بهم أن يبادروا إلى تقديم النصيحة له ، وتعريفه بهم ، ولو لم يطلب منه ذلك.
ثالثا : إن الروايات الأخرى تصرح : بأن أول الخيل ، وهي خيل بني سليم هي التي انكشفت أولا ، وتبعهم أهل مكة ، فما هي الحقيقة إذن؟ ولماذا تناقض الروايات في منح وسام الهزيمة لهذا تارة ، ولذاك اخرى ، بل وللرسول ثالثة ، كما تقدم؟!
روائح كريهة لمؤامرة أخرى :
إننا نقرأ في أخبار غزوة حنين نصوصا تتحدث عن محاولات بذلت لاغتيال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، ومنها محاولة شيبة ، ومحاولة النضير بن الحارث بن كلدة ، وستأتيان ..
غير أن الأمر لا ينحصر بذلك. إذ يمكن للباحث الأريب أن يلمح في الأفق ما يشير إلى أنه قد كان لأهل مكة دور رئيسي في الهزيمة ، كما أن بني سليم قد وافقوهم على ذلك.
وقد كان يمكن للمراقب أن يتوقع المؤامرة من أهل مكة ، إلا أن ما فعله بنو سليم لا بد أنه أشد إيلاما وأقوى مرارة في القلب ، لأن خيانتهم
تكون من الداخل ، أما خيانة أولئك فإنما هي من أناس لا يزالون على شركهم ، وعلى بغضهم وعداوتهم ..
وقد صرحت النصوص المتقدمة بالمؤامرة من أهل مكة ، فقد تقدم قولهم : يقال : إن الطلقاء قال بعضهم لبعض : أخذلوه فهذا وقته ، فانهزموا أول من انهزم ، وتبعهم الناس.
وعند ذلك قال أبو قتادة لعمر : ما شأن الناس؟
قال : أمر الله (١).
ومما يدل على تواطؤ بني سليم معهم ، وعلى دورهم في إلحاق الهزيمة بالمسلمين ، وتعاطفهم مع هوازن ، قولهم : «لما هزم الله تعالى هوازن اتبعهم المسلمون يقتلوهم. فنادت بنو سليم بينها : ارفعوا عن بني أمكم القتل.
فرفعوا الرماح ، وكفوا عن القتل.
وأم سليم بكمة ابنة مرة ، أخت تميم بن مرة ، فلما رأى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» الذي صنعوا قال : اللهم عليك ببني بكمة ، ولا يشعرون أن لهم أما يقال لها : بكمة ـ أما في قومي ، فوضعوا السلاح وضعا ، وأما عن
__________________
(١) السيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١٠٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٨ و (ط دار المعرفة) ص ٦٥ والآحاد والمثاني ج ٣ ص ٤٣٥ والمنتقى من السنن المسندة ص ٢٧٠ وشرح معاني الآثار ج ٣ ص ٢٢٦ وصحيح ابن حبان ج ١١ ص ١٣١ و ١٦٨ ومعرفة السنن والآثار للبيهقي ج ٥ ص ١١٧ والإستذكار ج ٥ ص ٥٩ والتمهيد ج ٢٣ ص ٢٤٢ ونصب الراية ج ٤ ص ٢٩٥ وتاريخ مدينة دمشق ج ٦٧ ص ١٤٧ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٥٨٤ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٧٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٢٣.
قومهم فرفعوا رفعا.
وأمر رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بطلب القوم» (١).
وذلك يدل على خيانة صريحة من قبل بني سليم حتى بعد عودة جيش المسلمين ، وهزيمة الكافرين .. فهل تراهم يقتلون بني أمهم حينما كانوا في مقدمة الجيش في بداية الحرب؟!
أقصى هزيمتهم مكة :
وقد ذكر كثير من اهل المغازي أيضا : أن المسلمين حين انهزموا بلغ أقصى هزيمتهم مكة ، ثم كروا بعد ..
ونقول :
أولا : إن كان بين حنين ، وبين مكة ثلاث ليال ، أو بضعة عشر ميلا ، وقد سار الناس في هزيمتهم يوما وليلة حتى بلغوا قلة كما تقدم. فمتى كروا ورجعوا إلى ساحة المعركة ، وأوقعوا بالمشركين الهزيمة؟!
وهل بقي النبي «صلىاللهعليهوآله» يحارب هو وعلي «عليهالسلام» ، وبضعة رجال من بني هاشم يحيطون به «صلىاللهعليهوآله»؟! طيلة هذه المدة؟ وإذا كانوا قد انسحبوا ، فهل عاد المسلمون إلى هوازن وهزموها بدون رسول الله «صلىاللهعليهوآله» أو معه؟!
وإن كان النبي «صلىاللهعليهوآله» وعلي «عليهالسلام» ومن معهما بقوا يحاربون ، فهل بقوا يحاربون عدوهم الذي يعد بعشرات الألوف أياما؟!
__________________
(١) المغازي للواقدي ج ٣ ص ٩١٢ و ٩١٣.
وكيف كانوا يصلّون ، ويأكلون ، ويشربون؟!
وإذا حلّ الليل عليهم ، كيف كانوا يتحاجزون ، ويتحارسون إلى الصباح؟!
وكيف؟! وكيف؟!
ثانيا : ومما يوضح ذلك : قول أبي قتادة تارة : «مضى سرعان الناس من المنهزمين حتى دخلوا مكة ، ساروا يوما وليلة».
ثم قوله : إنه قد بلغ أهل مكة خبر إيقاع النبي «صلىاللهعليهوآله» بهوازن مساء نفس ذلك اليوم (١).
وهذا يدل على : أن الله قد نصر نبيه في غياب المنهزمين عن ساحة المعركة.
وسيأتي المزيد من دلائل ذلك إن شاء الله تعالى ..
ثالثا : قال أبو قتادة : «فرجع المنهزمون إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فلحقوه بأوطاس ، وقد رحل منها إلى الطائف» (٢).
فالمنهزمون لم يحضروا النصر ، ولم يروه ، ولا رأوا الرسول «صلىاللهعليهوآله» بعد هزيمتهم في حنين أبدا.
متى كانت الهزيمة؟! :
إننا نلاحظ : أن ثمة اضطرابا في بيان ظروف الهزيمة ، فبينما نجد الساعين على إعذار قريش ، وخالد ، وبني سليم ، وسائر المنهزمين يدّعون :
أن الذين كانوا في المقدمة كانوا شبانا ، ليس معهم سلاح ، أو كثير سلاح ،
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٠ والمغازي للواقدي ج ٣ ص ٩١٠.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٠ والمغازي للواقدي ج ٣ ص ٩١٠.
ولا خبرة لهم في الحرب ، وكانوا من أهل مكة.
ثم يزعمون : أنهم هاجموا المشركين ، فانهزم المشركون ، فأقبل الناس على الغنائم ، فعاد المشركون إلى مهاجمتهم ، وحلت بهم الهزيمة.
نجد في مقابل ذلك : أن سائر الروايات تقول :
إن المشركين كمنوا لهم في الشعاب والمضائق ، وكان المسلمون ينحدرون في الوادي ، فخرجوا عليهم فجأة. وكانت خيل بني سليم أول المنهزمين ، وتبعهم أهل مكة ، ثم تبعهم الناس.
ونحن نرى : أن هذه الإدعاءات وتلك مختلقة ومكذوبة.
والحقيقة هي : أن الذين انهزموا قد انهزموا من دون مبرر ، ولذلك استحقوا التأنيب الإلهي ، واعتبرهم الله ورسوله عصاة .. وكان لا بد لهم من التوبة.
وأما الإنتصار ، على هوازن فقد كان بيد أمير المؤمنين «عليهالسلام» والملائكة معه ، ولعل بعض الأنصار من أهل المدينة قد عادوا قبل غيرهم إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بعد أن احسوا ببعض الأمن. فلا داعي لكل هذه التهويلات والتأويلات المختلقة ، أو المبالغ فيها ، والتي تهدف إلى التبرير ، ولو بالتزوير.
ويدل على ما نقول :
ما وري عن أبي عبد الرحمن بن يزيد الفهري ـ يقال : اسمه كرز ـ قال : كنت مع رسول الله «صلىاللهعليهوآله» في حنين في يوم قائظ شديد الحر ، فنزلنا تحت ظلال السمر ، فلما زالت الشمس لبست لامتي ، وركبت فرسي ، فأتيت رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وهو في فسطاطه ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله ورحمته. الرواح قد حان ، الرواح يا رسول الله.
قال : «أجل».
ثم قال رسول الله : «يا بلال»!
فثار من تحت سمرة كأن ظله طائر ، فقال : لبيك وسعديك ، وأنا فداؤك.
قال : «أسرج لي فرسي».
فأتاه بسرج دفتاه من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر ، فركب فرسه ، ثم سرنا يومنا ، فلقينا العدو ، وتشامت الخيلان ، فقاتلناهم ، فولى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى. فجعل رسول الله الخ .. (١).
ولا نجد في هذا النص ما يوجب الإشكال سوى التعبير بكلمة : «الفرس» ، فإن النبي «صلىاللهعليهوآله» كان في حنين يركب بغلة لا فرسا كما هو معلوم.
أسباب الهزيمة عند عمر بن الخطاب :
والتفسير الذي له دلالاته وغاياته هو تفسير عمر بن الخطاب للهزيمة. فقد قال بعض من حضر تلك الوقعة :
«وانهزم المسلمون ، فانهزمت معهم ، فإذا بعمر بن الخطاب ، فقلت له : ما شأن الناس؟!
قال : أمر الله.
ثم تراجع الناس إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ..» (٢).
كما أن أم الحارث الأنصارية قالت لعمر بن الخطاب حين مر عليها : يا
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٣ و ٣٢٤ عن ابن سعد ، وابن أبي شيبة ، واحمد ، وأبي داود ، والبغوي في معجمه ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي برجال ثقات.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣١ والمغازي ج ٣ ص ٩٠٤.
عمر ، ما هذا؟!
قال : أمر الله تعالى (١).
ونقول :
إن لنا على هذا النص العديد من الملاحظات ، نذكر منها :
١ ـ إن هذا الذي انهزم مع الجماعة ، لم يرض أن ينسب لنفسه المشاركة في الهزيمة ، فلم يقل : انهزم الناس وانهزمت معهم.
بل قال : «انهزم الناس ، فانهزمت معهم» ، فاستعمل الفاء ، بدلا عن الواو ، وكأنه يريد الإيحاء : بأنه لم يكن يريد هذا الأمر ، ولا شارك فيه ، بل هم الذين انهزموا ، فتبعهم. لأنهم قد اضطروا إلى ذلك ..
٢ ـ إن كلام عمر يشير : إلى أن الناس لا ذنب لهم في هذه الهزيمة ، لأن الله تعالى هو الذي فعل ذلك بهم ، فإن كان ثمة من اعتراض ، فلا بد أن يوجه إليه تعالى ، لا على المنهزمين.
وبذلك يكون قد برّأ نفسه من عار الهزيمة ، وسلم تبعاتها ..
٣ ـ لم يقدم عمر دليلا على ما يدّعيه من أن امر الله هو السبب فيما حصل .. إلا أن من الواضح : أنه اعتمد على عقيدة الجبر الإلهي ، وقد قلنا اكثر من مرة : أن هذه العقيدة من بقايا عقائد المشركين ، والظاهر أنهم أخذوها من اليهود ، فراجع كتابنا : أهل البيت «عليهمالسلام» في آية
__________________
(١) السيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٢٤ وراجع ص ٦٢٣ عن البخاري ، وبقية الجماعة ، وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣٦ وتفسير القمي ج ١ ص ٢٨٧ والبحار ج ٢١ ص ١٥٠ والمغازي للواقدي ج ٣ ص ٩٠٤.
التطهير. والحياة السياسية للإمام الحسن «عليهالسلام».
الإفتراء على رسول الله صلىاللهعليهوآله :
ثم إن رواية أبي إسحاق السبيعي ، عن سؤال رجل للبراء بن عازب : «أوليتم مع رسول الله»؟!
ثم قول البراء : أشهد على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» أنه ما ولى.
أو قال : لا والله ، ما ولى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» يوم حنين دبره ـ إن هذه الرواية ـ تفيد : أنهم قد أشاعوا : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» نفسه قد فرّ أيضا يوم حنين.
ويؤيد ذلك : عودة البراء بن عازب ، للتأكيد على شجاعة رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بقوله : «وكنا إذا احمر البأس نتقي برسول الله «صلىاللهعليهوآله». وإن الشجاع منا الذي يحاذيه» (١).
ولعل هذا الإفتراء الصريح على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، يستبطن
__________________
(١) راجع : إمتاع الأسماع ج ٢ ص ٢٠٩ وكنز العمال ج ١٠ ص ٥٤٠ وج ١٢ ص ٣٤٧ وتفسير البغوي ج ٢ ص ٢٧٨ والجامع لأحكام القرآن ج ٨ ص ١٠١ وج ١٠ ص ٢٠ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٦ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٦ الجمع بين الصحيحين ج ١ ص ٥٢٣ ومسند أبي عوانة ج ٤ ص ٢٨١ ومشكاة المصابيح ج ٣ ص ١٦٥٠ والمنتقى من منهاج الإعتدال ج ١ ص ٥٢٠ ومنهاج السنة ج ٨ ص ١٣٠ وميزان الحكمة ج ٣ ص ٢٢٥١ وج ٤ ص ٣٢٢٤ وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٦٨ وشرح مسلم للنووي ج ١٢ ص ١٢٠ وفتح الباري ج ٨ ص ٢٥ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٧ ص ٥٧٨ وج ٨ ص ٥٥٠
الحكم عليه : بأنه ـ والعياذ بالله من التفوه بالكفر ـ قد باء بغضب من الله ، وفقا لقوله تعالى : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (١).
قال دحلان : «وقد أجمعت الصحابة : أنه «صلىاللهعليهوآله» ما انهزم مع من انهزم ، بل صار يقدم في وجه العدو. بل ما انهزم في موطن قط ، وانعقد الإجماع على ذلك.
وقال القاضي أبو عبد الله بن المرابط : من قال : إن النبي «صلىاللهعليهوآله» هزم يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل لأنه ينتقصه (٢).
ولعل الذي دعاهم إلى ذلك هو : أن يخففوا من وطأة الإشكال على الصحابة ، الذين يحبونهم ، وقد ولوا مدبرين في حنين ، والرسول يدعوهم في أخراهم ، فلا يستجيبون له ، بل إن بعضهم بلغ في هزيمته إلى مكة نفسها.
ويؤيد ما نقول ، ما سيأتي : من أن بعضهم يحاول إبعاد التهمة عن عمر في أمر الهزيمة ، وأنه مرّ عليه ، ولم يكن مع المنهزمين.
لا عذر لأحد في الهزيمة :
ثم إن من يقرأ نصوص الهزيمة يلاحظ : أن ثمة حرصا على التهويل والتعظيم لأمر الأعداء ، وأنهم كانوا رماة ، لا يكاد يسقط لهم سهم ، وأنهم قد
__________________
(١) الآية ١٦ من سورة الأنفال.
(٢) إمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٣٧٨ والشفا بتعريف حقوق المصطفى ج ٢ ص ٢١٩ وسبل الهدى والرشاد ج ٧ ص ٤٧ وج ١٢ ص ٤٥ وراجع : السيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١١.
شدّوا على المسلمين شدّة رجل واحد ، وأنهم استقبلوا المسلمين بما لم يروا مثله في ذلك الزمان ، من كثرة السواد ، وأنهم قد كمنوا في المضائق والشعاب ، ثم فاجؤوهم.
وأن المسلمين في المقدمة كانوا شبانا ، ولا سلاح ، ولا خبرات حربية لديهم ، إلى غير ذلك مما تقدم.
والمقصود من كل هذا التهويل هو : تبرير الهزيمة ، والتخفيف من ذنب المنهزمين.
ولكننا نجد في المقابل : أن الله سبحانه وتعالى ينعى عليهم هزيمتهم ، ويؤنبهم عليها ، ويعاقبهم بأن ينزل سكينته على رسوله «صلىاللهعليهوآله» وعلى المؤمنين الذين ثبتوا في ساحة الجهاد دونهم .. ثم هو يعرّض بهم تعريضا خطيرا ، حين يلوح لهم : بأنه يستثنيهم من صفة الإيمان.
إنه تعالى يقول لهم : إن السبب فيما جرى ليس هو تلك الأكاذيب التي يسطرونها للناس ، ليخدعوهم بها. بل هي الإعجاب بكثرتهم ، وأنها لم تغن عنهم شيئا ، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت. ثم بعد هذا كله ، ولوا مدبرين ..
ويدل على عدم صحة كل هذه الدعاوى : أن النصر قد تحقق على يد علي «عليهالسلام» وحده ، حين ثبت في ساحة الجهادن وكان هناك أفراد قليلون من بني هاشم ، أحاطوا برسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، وقد أنزل الله سكينته عليهم وعلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله».
فلو أن الناس فعلوا فعل علي «عليهالسلام» لم تحصل هزيمة توجب غضب الله تبارك وتعالى.
ويتأكد ما قلناه : إذا كان المنهزمون قد عادوا إلى أوطاس ، حين توجه النبي «صلىاللهعليهوآله» إلى ثقيف كما سنرى.
الكمائن ليست هي السبب :
وزعمت الروايات المشبوهة : أن الكمين في المضايق والشعاب كان هو السبب في الهزيمة ، وليس ذلك صحيحا. بل هو المؤامرة ، مضافة إلى الخور والجبن .. وإلا ، فإن الفريقين قد التقوا في ساحة القتال ، واصطف الجيشان.
بل لقد زعموا : «أنهم لما تلاقوا اقتتلوا قتالا شديدا فانهزم المشركون ، وجلوا عن الذراري ، ثم نادوا : يا حماة السوء ، اذكروا الفضائح ، فتراجعوا وانكشف المسلمون وانهزموا» (١).
وقد قرأنا وسنقرأ إن شاء الله شواهد كثيرة أخرى على ما نقول ..
العصبيات .. والدين :
وغني عن القول : أن الإسلام قد جاء بإبطال العصبيات القبلية ، وغيرها مما يلتقي معها في المضمون والنتيجة .. وقد اعتبرها «صلىاللهعليهوآله» دعوة منتنة لا يجوز الإقتراب منها ، فضلا عن تبنيها.
ولكن صفوان بن أمية يعتبر : أن رب قريش أحب إليه من رب الأعراب ، فماذا سيكون موقفه حين يقول له رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : إن رب قريش والأعراب سواء أكانوا من هوازن ، أو من غيرها ، واحد؟!
__________________
(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٢ وتفسير أبي السعود ج ٤ ص ٥٥ وتفسير مقاتل بن سليمان ج ٢ ص ٤٢ وتفسير الثعلبي ج ٥ ص ٢٢ وتفسير البغوي ج ٢ ص ٢٧٨.