الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٣

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٣

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-195-5
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٦

أولا : لأن الآية المذكورة قد وردت في سورة «المؤمنون» وهي من السور المكية ، واستثني منها قوله تعالى : (حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ) ـ إلى قوله ـ (مُبْلِسُونَ) (١).

على أنهم قد ادّعو : أن عمر بن الخطاب أيضا قد وافق ربه (أو وافقه ربه) في هذا الجزء من الآية .. فراجع (٢). فأي ذلك هو الصحيح؟! وإن كنا نعتقد أنهما معا من المكذوبات!!

ثانيا : إن زيد بن ثابت ينقل : «أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أملى آيات خلق الإنسان عليه ، فقال معاذ بن جبل : فتبارك الله أحسن الخالقين ، فضحك رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فقال له معاذ : ما أضحكك يا رسول الله؟

قال : إنها ختمت : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ» (٣).

__________________

(١) الآيات ٦٥ ـ ٧٧ من سورة المؤمنون ، وراجع : الإتقان ج ١ ص ١٦ وتفسير الشوكاني ج ٣ ص ٤٩٥.

(٢) الدر المنثور ج ٥ ص ٦ و ٧ عن ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، والطيالسي ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، والطبراني وراجع :

عمدة القاري ج ٢ ص ٢٨٤ وتفسير الرازي ج ٢٣ ص ٨٦ والإتقان في علوم القرآن للسيوطي ج ١ ص ١٠١ وكنز العمال ج ١٢ ص ٥٥٤ و ٥٥٥ والجامع لأحكام القرآن ج ٢ ص ١١٢ وتفسير القرآن العظيم ج ٣ ص ٢٥٢ والإتقان في علوم القرآن للسيوطي ج ١ ص ١٠٢ وتاريخ المدينة ج ٣ ص ٨٦٥ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٢٧٠.

(٣) الدر المنثور ج ٥ ص ٧ عن ابن راهويه ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني في

٦١

ومن الواضح : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكن يملي الآية على كل من كان يكتب ، بل كان يمليها على أحد الكتاب ، أو على من حضر منهم .. فلا معنى للقول بتكرار الحادثة تارة مع معاذ بن جبل ، وأخرى مع ابن أبي سرح!!

عثمان وأخوه ، وعلي عليه‌السلام وأخته :

وقد قرأنا فيما سبق : موقف علي «عليه‌السلام» من الذين أجارتهم أخته أم هاني بنت أبي طالب ، حيث أصر على قتلهم ، ولم يرض من أخته أن تجيرهم ، حتى اشتكته إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فجاءه قبول إجارتها لهم من الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مباشرة.

ولكن عثمان ليس فقط لا يبادر إلى تنفيذ أمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في ابن أبي سرح ، بل هو يخبؤه في بيته ، ثم يأتي به إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ويبدأ في التماس الأمان له ، ويعرض عنه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مرة بعد أخرى ، ولا يرتدع ولا يتراجع.

حتى اقتنص من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الأمان له على مضض ، وبمزيد من المرارة ، بل هم ينقلون : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حتى بعد أن أعطاه الأمان قد وصفه ب «الكلب» ، وأظهر العتب على من حضره من المسلمين : كيف لا يقتلونه وهم يرون امتناعه عن إعطائه الأمان ..

__________________

الأوسط ، وابن مردويه مجمع الزوائد ج ٧ ص ٧٢ والمعجم الأوسط ج ٥ ص ٥٦ والإتقان في علوم القرآن للسيوطي ج ٢ ص ٢٧١ وفتح القدير ج ٣ ص ٤٧٩ وتفسير الآلوسي ج ١٨ ص ١٦.

٦٢

فما هذه المخالفات الظاهرة من عثمان؟

ولما ذا هذا الإصرار على كسر القرار النبوي بقتل ذلك الكلب على حد تعبير النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟

ولما ذا يريد عثمان الحياة لشخص يريد الله ورسوله له أن يقتل؟

وأي نفع للإسلام وللمسلمين من حياة من يريد الله ورسوله له ذلك؟!

كله صواب :

تقدم قول ابن أبي سرح : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يملي عليه عزيز حكيم ، فيقول ابن أبي سرح : أو عليم حكيم ، فيقول له رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : كل صواب.

ونقول :

قد لا يكون الحكم على هذه الرواية بأنها مكذوبة من الأساس صوابا ، لأن قول ابن أبي سرح : أو عليم حكيم ، ليس من الأوصاف المكذوبة على الله تعالى ، فإنه عزيز ، وعليم ، وحكيم حقا بلا ريب ، فيكون قول النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : كل صواب ، في محله .. لأن هذا وذاك مما يصح وصف تعالى الله به ..

وليس مقصوده «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : تصويب كون هذا جزءا للآية ، كصوابية كون ذاك جزءا لها.

أما بالنسبة لرواية الكافي عن أبي علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أحدهما «عليهما‌السلام» قال : سألته عن قول الله عزوجل : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى

٦٣

عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) (١). قال نزلت في ابن أبي سرح الذي كان عثمان استعمله على مصر وهو من كان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يوم فتح مكة هدر دمه وكان يكتب لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فإذا أنزل الله عزوجل : (أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). كتب : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ، فيقول له رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : دعها فإن الله عليم حكيم. وكان ابن أبي سرح يقول للمنافقين : إني لأقول من نفسي مثل ما يجيء به فما يغيّر عليّ ، فأنزل الله تبارك وتعالى فيه الذي أنزل. ـ فإن هذه الرواية ـ لا تنافي ما ذكرناه ، فإن المقصود بقوله دعها : هو أن يدع الآية التي أنزلت على ما هي عليه من دون تغيير ، فالضمير في قوله دعها يعود إلى الآية الأولى ، أي اتركها في مكانها ولا تغير فيها ، فإننا نقر أن الله عليم حكيم ولكن ليس هذا موقع كلمة عليم التي تريد أن تستبدل بها كلمة عزيز.

أما إذا كان الضمير يرجع إلى الفقرة التي يريد ابن أبي سرح أن يكتبها ، فالمقصود بقوله دعها : أي اتركها وأسقطها ، فإن هذا الموقع ليس محلا لها ، مع العلم أن الله عليم حكيم بلا ريب.

استأمن له ، ثم أتى به :

وأما ما ذكره الحلبي : من أن عثمان استأمن لابن أبي سرح ، ثم جاء به إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأعرض عنه ، فهو :

أولا : كلام متناقض. لأنه إذا كان مقصود عثمان بقوله : قد أمنته ، أنه

__________________

(١) الآية ١٤٦ من سورة الأعراف.

٦٤

أخذ له الأمان من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فلا معنى لأن يعطيه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الأمان ، ثم يعرض عنه مرة بعد أخرى.

ثم يقول : نعم ، فيبسط يده فيبايعه. ولا يصح أن يطلب عثمان له الأمان من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعد ذلك ، ويصر عليه فيه ..

ثانيا : قد صرحت رواية الواقدي : بأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إنما أعرض عنه «إرادة أن يقوم رجل فيضرب عنقه ، لأنه لم يؤمنه».

أين كان علي عليه‌السلام؟! :

وقد يسأل سائل : لما ذا لم يقم علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» ، فيقتل ابن أبي سرح ، حين كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يعرض عنه مرة بعد أخرى؟! فإنه لا شك في أن عليا «عليه‌السلام» كان أعرف الناس بمرادات رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

ويمكن أن يجاب : بأنه لم يثبت أن عليا «عليه‌السلام» كان حاضرا في ذلك المجلس ، ولكن عمر كان حاضرا جزما ، حتى زعموا : أنه كان ـ كأبي اليسر ، أو كعباد بن بشر ـ يتتبع طرف النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في كل ناحية ، رجاء أن يشير إليه ليضرب عنقه ..

كما أن عثمان الذي يصر على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأن يعطيه الأمان ، ولا يبالي بإعراض النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عنه مرة بعد أخرى. كان ينبغي أن يبادر إلى تنفيذ أمر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فيه ، لا أن يأتي شافعا له إلى حد الإلحاح ..

وملامة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لأصحابه على عدم مبادرتهم إلى

٦٥

قتله تدل على أن لزوم قتله كان على درجة من البداهة والوضوح ، بحيث صح للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يرجو مبادرتهم إليه ، ثم صح له أن يلومهم على عدم إقدامهم عليه ..

الوسطاء لابن أبي سرح :

وذكر عكرمة والحسن البصري : أن الذين سعوا لدى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليؤمن ابن أبي سرح هم : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان.

وزعموا : أنه هو الذي نزل فيه قوله تعالى (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١).

مع أنه هذه الآية قد نزلت في عمار (٢) ، أو في غيره من الذين فتنوا عن دينهم (٣).

__________________

(١) الآية ١١٠ من سورة النمل. والرواية في الدر المنثور ج ٤ ص ١٣٢ و ١٣٣ عن ابن جرير ، عن عكرمة ، والحسن البصري .. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مثله ، وراجع : جامع البيان ج ١٤ ص ٢٤٠ وسنن النسائي ج ٧ ص ١٠٧ والجامع لأحكام القرآن ج ١٠ ص ١٩٢ وفتح القدير ج ٣ ص ١٩٦ و ١٩٨.

(٢) البرهان ج ٢ ص ٣٨٦ وتفسير القمي ج ١ ص ٣٩١ ومعاني القرآن للنحاس ج ٤ ص ١٠٧ و ١٠٨ وزاد المسير ج ٦ ص ١٢٠ وتفسير القرآن العظيم ج ١٠ ص ١٩٢ والتسهيل لعلوم التنزيل ج ٢ ص ١٦٢ و ١٦٣ تنوير المقياس في تفسير ابن عباس للفيروزآبادي ص ٢٣١ وفتح القدير ج ٤ ص ١٩٥ وتفسير الآلوسي ج ١٤ ص ٢٣٩ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ١ ص ٦٢١.

(٣) راجع : الدر المنثور ج ٤ ص ١٣٣ عن عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، والبيهقي ، وزاد المسير ج ٤ ص ٣٦٣ وتفسير الميزان ج ١٢ ص ٣٥٩ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ١٤.

٦٦

علما بأن ابن أبي سرح لم يهاجر.

ولم يفتن عن دينه كما جرى لعمار.

ولم يجاهد ولم يصبر.

وإنما افتتن وارتد.

هذا كله ، عدا عن أن هذا يتنافى مع ما أسلفناه ، من ادّعائهم أن عمر كان يتتبع طرف رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» علّه يشير إليه بقتله.

مات وهو ساجد :

ولا ندري ما ذا نقول في رجل يصفه هؤلاء : بأنه من النجباء ، الكرماء ، العقلاء في قريش. وكان المقدم في بني عامر ، وأنه حسن إسلامه ، وأنه مات وهو ساجد في صلاة الصبح و.. و.. الخ ..؟! مع أن حياته مليئة بما يدل دلالة واضحة على ضد ذلك ، ويكفي أن نشير إلى ما يلي :

إن عثمان ولاه مصر سنة خمس وعشرين ، وأعطاه خمس جميع ما أفاءه الله على المسلمين في فتح إفريقية (١) ، والذي بلغ من كثرته أن قالوا : إن سهم الفارس في فتح إفريقية بلغ ثلاثة آلاف مثقال ذهبا ، وسهم الراجل

__________________

(١) راجع : تاريخ مدينة دمشق ج ٢٩ ص ٢٦ و ٣٩ و ٣١٣ ومناقب أهل البيت للشيرواني ص ٣٦٢ واللنص والإجتهاد ص ٤٠٢ والغدير ج ٨ ص ٢٥٩ و ٢٧٩ وتاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٣١٢ و ٣٨٤ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٣ ص ٣١٩ و ٤٣٧ وراجع : العبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ١٢٨ و ١٢٩ والكامل في التاريخ ج ٣ ص ٨٨ و ٩١ وسير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٣٤ والبداية والنهاية ج ٧ ص ١٧٠ وفتوح مصر وأخبارها للقرشي المصري ص ٢٩٩.

٦٧

ألف مثقال (١).

وقال ابن قتيبة : إن أهل مصر جاؤوا يشكون ابن أبي سرح ، عاملهم. فكتب إليه عثمان يتهدده ، فأبى أن يقبل ما نهاه عنه عثمان ، وضرب بعض من أتاه به من قبل عثمان من أهل مصر حتى قتله ، فخرج من أهل مصر سبع مائة إلى عثمان ، ودخل معهم علي «عليه‌السلام» ، فكان مما قاله «عليه‌السلام» لعثمان : إنما يسألونك رجلا مكان رجل ، وقد ادّعوا قبله دما ، فاعزله عنهم ، واقض بينهم (٢).

عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر في قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (٣) ، قال : ذاك عمار.

وفي قوله تعالى : (وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) (٤) قال : عبد الله بن

__________________

(١) قاموس الرجال ج ٥ ص ٤٦٨ وعون المعبود ج ٧ ص ٢٤٧ والثقات ج ٢ ص ٢٤٥ وتحفة الأحوذي ج ٤ ص ٣٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٩ ص ٣٨ ـ ٤٠ وأسد الغابة ج ٣ ص ١٧٣ وسير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٣٦ والإصابة ج ٤ ص ٩٥ و ٩٦ وفتوح مصر وأخبارها ص ٣١٣ وتاريخ الإسلام ج ٣ ص ٣١٩ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ١ ص ١٢٩.

(٢) قاموس الرجال ج ٥ ص ٤٦٧ والإمامة والسياسة ج ١ ص ٣٦ و ٣٩ ودلائل الصدق ج ٣ ق ١ ص ١٤٨ عن العقد الفريد ج ٣ ص ٧٩ وتاريخ الإسلام ج ٣ ص ٤٥٨.

(٣) الآية ١٠٦ من سورة النحل.

(٤) الآية ١٠٦ من سورة النحل.

٦٨

سعد بن أبي سرح (١).

٥ ـ عبد الله بن الزبعرى :

وكان ابن الزبعرى يهجو المسلمين ، ويحرض عليهم كفار قريش وكان من شعراء العرب ، وهو الذي تمثّل يزيد «لعنه الله» بأبياته التي قالها في غزوة أحد. وذلك حين جيء إليه برأس الإمام الحسين «عليه‌السلام» وبالأسارى ، فصار ينكت ثنايا الإمام «عليه‌السلام» بقضيب كان في يده «لعنه الله».

وكان ابن الزبعرى يهجو النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أيضا ، ويعظم القول فيه ، وهو الذي ألقى الفرث والدم عليه الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وهو يصلي ، ثم جاء أبو طالب ، وسل سيفه ، فأمرّ ذلك الفرث على لحاهم وأسبلتهم (٢).

__________________

(١) قاموس الرجال ج ٥ ص ٤٦٨ وأنساب الأشراف للبلاذري ج ١ ص ١٠٦ والدر المنثور ج ٤ ص ١٣٢ عن ابن سعد ، والبرهان في تفسير القرآن ج ٤ ص ٣٨٦ ، وتفسير القمي ج ١ ص ٣٩٠ وتفسير مجمع البيان ج ٦ ص ٢٠٣ والتفسير الأصفى ج ١ ص ٦٦٤ والتفسير الصافي ج ٣ ص ١٥٧ وتفسير نور الثقلين ج ٣ ص ٨٨ و ٩٠ وتفسير مقاتل بن سليمان ج ٢ ص ٢٣٩ وتفسير السمرقندي ج ٢ ص ٢٩٣ والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج ٣ ص ٤٢٥ وتفسير البحر المحيط ج ٥ ص ٥٢٢ وتفسير الثعالبي ج ٣ ص ٤٤٤ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٩ ص ٣٦ وج ٤٣ ص ٢٣١ و ٣٧٤ و ٣٧٥ وفتح القدير ج ٣ ص ١٩٨ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ٢٥٠.

(٢) البحار ج ١٨ ص ١٨٧ ، وراجع ج ٣٥ ص ١٢٦ عن مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٥٤ ونور البراهين ج ١ ص ٤٠٤ وأبو طالب حامي الرسول وناصره ص ٢١٥ والغدير ج ٧ ص ٣٨٨ والدر النظيم ص ٢١٢ والكنى والألقاب ج ١ ص ٢٩٣ وإيمان أبي طالب للأميني ص ٨٠.

٦٩

وكان أيضا يهجو أصحاب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ويحرض المشركين على قتالهم.

ويوم الفتح سمع أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أهدر دمه ، فهرب إلى نجران وسكنها (١).

وقال أبو عمر بن عبد البر : إن حسان بن ثابت رماه وهو في نجران ببيت واحد ، فما زاد عليه :

لا تعد من رجلا أحلك بغضه

نجران في عيش أجد لئيم

فلما بلغ ذلك ابن الزبعرى قدم على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأسلم ، وحسن إسلامه (٢).

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٩٤ وحلية الأبرار ج ١ ص ١٢٠ والإستيعاب ج ٣ ص ٩٠٢ والدرر ص ٢٢٢ وكتاب التوابين ص ١١٧ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٠ ص ٧٧ وج ١٨ ص ٧ والإصابة ج ٤ ص ٧٦ والدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة ص ٤١٢ وأسد الغابة ج ٣ ص ١٥٩ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٣٩٧ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٣٩ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٥٠ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٥٣ وأعيان الشيعة ج ٤ ص ٧٨ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٨٧٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٨٥ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٥٠ و ٢٩٥.

(٢) الإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ٢ ص ٣٠٩ و (ط دار الجيل) ج ٣ ص ٩٠٢ وأسد العابة ج ٣ ص ١٥٩ و ١٦٠ والإصابة ج ٤ ص ٧٦ والإعلام ج ٤ ص ٨٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٥٣ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٣٩٧ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٨٧٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٨٥ والبحار ج ٢١ ص ١٠٦ وراجع : تفسير مجمع البيان ج ١٠ ص ٤٧٢.

٧٠

وقال الصالحي الشامي وغيره :

فأرسل حسان بن ثابت أبياتا يريد بها ابن الزبعري :

لا تعد من رجلا أحلك بغضه

نجران في عيش أحذ لئيم

بليت قناتك في الحروب فألفيت

خوارة خوفاء ذات وصوم

غضب الإله على الزبعرى وابنه

وعذاب سوء في الحياء مقيم (١).

وذكر ابن إسحاق البيت الأول فقط.

فلما جاء ابن الزبعرى شعر حسان ، خرج إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وهو جالس في أصحابه ، فلما نظر إليه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : «هذا ابن الزبعرى ، ومعه وجه فيه نور الإسلام».

فلما وقف على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : السلام عليك يا رسول الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك عبده ورسوله ، الحمد الله الذي هداني للإسلام ، لقد عاديتك ، وأجلبت عليك ، وركبت الفرس والبعير ، ومشيت على قدمي في عداوتك ، ثم هربت منك إلى نجران ، وأنا أريد أن لا أقر بالإسلام أبدا ، ثم أرادني الله منه بخير ، وألقاه في قلبي ، وحببه إلي. وذكرت ما كنت فيه من الضلالة ، واتباع ما لا ينبغي ، من حجر يذبح له

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٥٠ و ٢٥١ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٨٤٧ و ٨٤٨ ، والإصابة ج ٢ ص ٣٠٨ وكتاب التوابين ص ١١٧ وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٣٩ وراجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ٣٥٣ وإمتاع السماع ج ١٣ ص ٣٨٧ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٨٧٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٨٥ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٨ ص ٧.

٧١

ويعبد ، لا يدري من عبده ، ولا من لا يعبده.

قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «الحمد لله الذي هداك للإسلام ، إن الإسلام يجب ما كان قبله» (١).

وقال عبد الله حين أسلم :

يا رسول المليك إن لساني

راتق ما فتقت إذ أنا بور

إذ أباري الشيطان في سنن الغي

ومن مال ميله مثبور

آمن اللحم والعظام لربي

ثم قلبي الشهيد أنت النذير

إنني عنك زاجر ثم حيا

من لؤي وكلهم مغرور (٢)

وقال عبد الله أيضا حين أسلم :

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٥١ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٨٤٨ ، وراجع :

أنساب الأشراف ج ١ ص ٣٦٢ وكتاب التوابين ص ١١٨ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٨ ص ٨ وإمتاع الأسماع ج ١٣ ص ٣٨٨.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٥٠ و ٢٥١ ، وراجع : البحار ج ٢١ ص ١٠٦ ، عن مجمع البيان ج ١٠ ص ٥٥٧ و (ط مؤسسة الأعلمي) ص ٧٣٤ وج ٦ ص ٧٦ وج ٧ ص ٢٨٤ وج ٩ ص ١٩٠ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٥٣ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٨٧٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٨٥ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٤٤ وفتح الباري ج ٨ ص ٤٤٦ والتبيان للطوسي ج ٨ ص ٤١٧ ونور الثقلين ج ٥ ص ٦٩٦ وجامع البيان ج ١٣ ص ٢٨٧ وج ١٨ ص ٢٥٣ وتفسير القرطبي ج ١٣ ص ١١ وتفسير القرآن العظيم ج ٣ ص ٢٠٨ و ٣٢٤ و ٣٦٧ وأسد الغابة ج ٣ ص ٣٦٠ والإصابة ج ٤ ص ٧٦ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٣٩ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٥٠.

٧٢

منع الرقاد بلابل وهموم

والليل معتلج الرواق بهيم

مما أتاني أن أحمد لامني

فيه فبت كأنني محموم

يا خير من حملت على أوصالها

عيرانة سرح اليدين غشوم

إني لمعتذر إليك من الذي

أسديت إذ أنا في الضلال أهيم

أيام تأمرني بأغوى خطة

سهم وتأمرني بها مخزوم

وأمد أسباب الردى ويقودنى

أمر الوشاة وأمرهم مشؤم

فاليوم آمن بالنبي محمد

قلبي ومخطئ هذه محروم

مضت العداوة فانقضت أسبابها

ودعت أواصر بيننا وحلوم

فاغفر فدى لك والداي كلاهما

زللي فإنك راحم مرحوم

وعليك من علم المليك علامة

نور أغر وخاتم مختوم

أعطاك بعد محبة برهانه

شرفا وبرهان الإله عظيم

ولقد شهدت بأن دينك صادق

حق وأنك في العباد جسيم

والله يشهد أن أحمد مصطفى

مستقبل في الصالحين كريم

قرم علا بنيانه من هاشم

فرع تمكن في الذرى وأروم (١)

ونقول :

إننا لا نناقش في أن يكون ابن الزبعرى وسواه يمدحون رسول الله «صلى

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٥٠ ـ ٢٥٢ وكتاب التوابين ص ١٢٠ وتفسير القرطبي ج ٦ ص ٤٠٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٥٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٨٦.

٧٣

الله عليه وآله» بمثل هذه المدائح ، أو بما هو أجل وأعظم منها ولكننا نشك كثيرا في صحة ما يدّعى : من أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أشار إلى وجود نور الإسلام في وجه هؤلاء الذين قضوا عمرهم في حرب هذا الدين ، ولم يسلموا إلا بعد أن فقدوا كل أمل بالإنتصار عليه ، وبعد أن أهدر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» دمهم ، ولم يعودوا يأمنون على حياتهم ، حتى من أقرب الناس إليهم.

فإن الاستسلام للأمر الواقع ، أو التظاهر بالإسلام شيء ، والإسلام الصادق وظهور نوره في الوجه شيء آخر ..

٦ ـ الحويرث بن نقيدر :

قالوا : كان الحويرث بن نقيدر يؤذى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وقد نخس بزينب بنت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لما هاجرت إلى المدينة ، فأهدر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» دمه.

فبينما هو في منزله قد أغلق عليه بابه ، سأل عنه على بن أبي طالب «عليه‌السلام» ، فقيل : هو بالبادية.

فأخبر الحويرث أنه يطلب ، فتنحى علي «عليه‌السلام» عن بابه ، فخرج الحويرث يريد أن يهرب من بيت إلى آخر ، فتلقاه علي «عليه‌السلام» ، فضرب عنقه (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٢٤ وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٨١ و ٩١ و (ط دار المعرفة) ص ٣٨ ، والبحار ج ٢١ ص ١٣١ ، والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٨٥٧ ، وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٩٢ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٨ ص ١٣ وإمتاع ألسماع ج ١ ص ٣٩٩ والإرشاد ج ١ ص ١٣٦ والمستجاد من الإرشاد ـ

٧٤

وقالوا أيضا : كان العباس بن عبد المطلب حمل فاطمة ، وأم كلثوم بنتي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من مكة يريد بهما المدينة ، فنخس بهما الحويرث ، فرمى بهما الأرض (١).

وكان (يؤذي) يعظم القول في رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وينشد الهجاء فيه ، ويكثر أذاه وهو بمكة (٢).

__________________

ص ٧٨ وفتوح البلدان ج ١ ص ٤٦ وسنن الدارقطني ج ٢ ص ٢٦٣ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢ ص ٣٢ وتهذيب الكمال ج ١١ ص ١١٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٣٦ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٥٠ وعيون الأثر ج ٢ ص ١٩٥ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٤١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٦٤ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٤٤ وكشف الغمة ج ١ ص ٢١٨ ونهج الحق وكشف الصدق ص ٢٥٠.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٢٥ عن ابن هشام ، وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٩١ و (ط دار المعرفة) ص ٣٨ ، وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٩٢ ، عن الإكتفاء ، والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٨٦٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٤١ والسيرة لابن كثير ج ٣ ص ٥٦٤ وتخريج الأحاديث والآثار ج ٣ ص ٤٥١.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٢٥ ، عن البلاذري ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٩١ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٥٠ وتاريخ الإسلام ج ٤ ص ١٨٤ والإرشاد ج ١ ص ١٣٦ وعيون الأثر ج ٢ ص ١٩٥ وإحقاق الحق (الأصل) ص ٢٠٦ وشرح إحقاق الحق ج ٣٢ ص ٣٠٦ وتخريج الأحاديث والآثار ج ٣ ص ٤٥٢ والدرر لابن عبد البر ص ٢٢٠ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٨ ص ١٣ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٤٤ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٤٠٩ وكشف الغمة ج ١ ص ٢١٨ ونهج الحق وكشف الصدق ص ٢٥٠.

٧٥

ونقول :

أولا : إن العباس بن عبد المطلب لم يحمل فاطمة ولا سواها من بنات رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من مكة إلى المدينة ، بل كان علي «عليه‌السلام» هو الحامل للفواطم من مكة يوم الهجرة.

ثانيا : إن أم كلثوم لم تكن بنتا لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، بل كانت ربيبة زوجته من قبل أختها على ما يظهر .. فراجع كتابنا : «بنات النبي أم ربائبه» ، وكتابنا : «القول الصائب في إثبات الربائب».

ثالثا : لعل الصحيح هو الرواية التي تقول : إن هذا الرجل كان هو وهبار ، وقد نخسا ربيبة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فسقطت ، وأسقطت ، حسبما تقدم (١).

أسلوب استدراجي :

وقد لوحظ : أن الإمام أمير المؤمنين «عليه‌السلام» ، لم يهاجم ذلك الرجل في بيته. ولعل سبب ذلك :

أولا : أنه لم يرد أن يفهم بعض قاصري النظر : أنه «عليه‌السلام» قد

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٩٢ ، وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٢٤ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٨١ و ٩١ ، والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٨٥٧ ، والبحار ج ٢١ ص ١٣١ ونيل الأوطار ج ٨ ص ٧٥ وفتح الباري ج ٦ ص ١٠٤ ونصب الراية ج ٤ ص ٢٦٣ والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج ٢ ص ١٢٠ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٢٤٧ ومقدمة فتح الباري ص ٢٨٨ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٠ ص ٥٢٦ والإصابة ج ٥ ص ٥١ والأنساب ج ٤ ص ٥٧٣ وإمتاع الأسماع ج ٥ ص ٣٤٧ و ٣٤٨.

٧٦

نقض قول رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : من أغلق بابه فهو آمن ، ثم أن يتخذ المغرضون ذلك ذريعة للتشنيع على الإسلام وأهله ، واتهام علي «عليه‌السلام» بعدم احترام قرار النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله». ثم اتهام النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأنه قد شارك في ذلك ، من حيث إنه لم يعترض على علي «عليه‌السلام» فيما فعله ، ولا اتخذ إجراء ضده.

مع أن من البديهي : أن النداء بالأمان لمن أغلق باب داره لا يشمل الذين أهدر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» دمهم ..

ثانيا : قد يكون «عليه‌السلام» أراد أن يتجنب إلحاق أي أذى بالآخرين الذين قد يكونون في ذلك البيت ، ولو بمقدار إثارة جو من الرهبة والخوف لديهم ..

فاتجه صلوت الله وسلامه عليه إلى أسلوب استدراجي ، أخرج ذلك المجرم إلى الشارع ، وأجرى فيه أوامر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. فقد سأل عنه بنحو أوصل إليه الخبر ، بأن ثمة من يبحث عنه ، إذ إن من الطبيعي أن يكون بيت الرجل أول هدف للبحث وهو المنطلق ، فيفتش البيت أولا ، ويسأل عنه ساكنيه ، ثم يسأل عنه جيرانه ، وربما بعض أهل عشيرته ، وأصدقائه. ثم يواصل البحث وفق المعطيات التي توفرت لديه ، بسبب هذه الأسئلة الإستقصائية ..

فلما سأل عنه علي «عليه‌السلام» بادر المطلوب إلى الإبتعاد عن هذه النقطة الحساسة ، والمقصودة والمرصودة ، ليكون أكثر أمنا. وأكثر قدرة على الحركة في الإتجاهات المختلفة فإن ابتعاده عن موطن الخطر. يمكّنه من أن يتدبر أمره ، وفق ما يتوفر له من معطيات ..

٧٧

فكان علي «عليه‌السلام» له بالمرصاد .. وأنزل فيه ما يستحقه من جزاء ..

٧ ـ هبار بن الأسود :

كان هبار بن الأسود شديد الأذى للمسلمين ، وعرض لزينب بنت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لما هاجرت فنخس بها ، أو ضربها بالرمح ، فسقطت عن راحلتها ، فأسقطت ، ولم يزل ذلك المرض بها حتى ماتت (١) ، فلما كان يوم الفتح ، وبلغه أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أهدر دمه ، أعلن بالإسلام ، فقبله منه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وعفا عنه (٢).

وزعموا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : «إن لقيتم هبارا هذا فأحرقوه ، ثم قال : إنما يعذب بالنار رب النار ، إن ظفرتم به فاقطعوا يده ورجله ، ثم اقتلوه. فلم يوجد يوم الفتح ، ثم أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه (٣).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٢٥ ، وراجع : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٨٥٧ ونصب الراية ج ٤ ص ٢٦٣ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٢٤٧ ومستدرك الحاكم ج ٤ ص ٤٤ والإستيعاب ج ٤ ص ١٨٥٤ وقاموس الرجال ج ١٢ ص ٢٦٦ والمنتخب من ذيل المذيل ص ٢ وأعيان الشيعة ج ٧ ص ١٤١ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ١٩٤ وعيون ألثر ج ٢ ص ١٩٦ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٣٨.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٢٥ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٩١ وفتح الباري ج ٨ ص ٩ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ٢٣٢.

(٣) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٩١ و ٩٢ و (ط دار المعرفة) ص ٣٩ وراجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ٩٣ والإستيعاب ج ٤ ص ١٥٣٦ وتخريج الأحاديث والآثار ج ٣ ص ٤٥٢ وأسد الغابة ج ٥ ص ٥٣ والوافي بالوفيات ج ٢٧ ص ١٣٨ وعيون الأثر ج ٢ ص ١٩٦.

٧٨

ويذكر : أنه لما أسلم ، وقدم المدينة مهاجرا جعلوا يسبونه ، فذكر ذلك للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال : «سب من سبك» فانتهوا عنه.

وهذا السياق يدل على : أنه أسلم قبل أن يذهب إلى المدينة.

وفي لفظ : ولما رجع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى المدينة جاء هبار رافعا صوته ، وقال : يا محمد ، أنا جئت مقرا بالإسلام ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله. واعتذر إليه. أي قال له بعد أن وقف عليه : السلام عليك يا نبي الله ، لقد هربت منك في البلاد ، فأردت اللحوق بالأعاجم ، ثم ذكرت عائدتك وفضلك في صفحك عمن جهل عليك ، وكنا يا نبي الله أهل شرك فهدانا الله بك ، وأنقذنا بك من الهلكة ، فاصفح عن جهلي ، وعما كان مني ، فإني مقر بسوء فعلي.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : يا هبار ، عفوت عنك ، وقد أحسن الله إليك حيث هداك إلى الإسلام ، والإسلام يجب ما قبله.

وقوله : «مهاجرا» فيه ، إنه لا هجرة بعد فتح مكة.

إلا أن يقال : هي مجاز عن مجرد الإنتقال عن محل إلى آخر (١).

غير أننا نقول :

قال الواقدي : بينا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» جالس بالمدينة في أصحابه ، إذ طلع هبار بن الأسود ـ وكان لسنا ـ فقال : يا محمد ، سبّ من سبّك ، إني جئت مقرا بالإسلام ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٩٢ و (ط دار المعرفة) ص ٣٩ والقصة ذكرها الواقدي في مغازيه ج ٢ ص ٨٥٨ و ٨٥٩ وراجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ٩٣.

٧٩

له ، وأن محمدا عبده ورسوله الخ ..

فقبل منه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فخرجت سلمى مولاة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقالت : لا أنعم الله بك عينا ، أنت الذي فعلت وفعلت.

فقال : إن الإسلام محا ذلك.

ونهى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن سبه والتعرض له (١).

ثم ذكر الواقدي وغيره ، عن جبير بن مطعم : إن هبارا أسلم بعد منصرف النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من الجعرّانة ، حين فرغ «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من حنين حيث طلع عليه ، وهو جالس في مسجده ، فأراد بعضهم القيام إليه ، فأشار إليه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن اجلس ، فأسلم هبار واعتذر إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقبل منه.

وعن الزبير بن العوام : «ما رأيت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ذكر هبارا قط إلا تغيّظ عليه ، ولا رأيت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعث سرية قط إلا قال : إن ظفرتم بهبار فاقطعوا يديه ورجليه ، ثم اضربوا عنقه.

فو الله ، لقد كنت أطلبه وأسأل عنه ، والله يعلم لو ظفرت به قبل أن يأتي إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لقتلته.

ثم طلع على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وأنا عنده جالس ، فجعل يعتذر إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ويقول : سبّ يا محمد من سبّك

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٨٥٧ وشرح النهج ج ١٤ ص ١٩٤ وج ١٨ ص ١٤ وقاموس الرجال ج ١٠ ص ٤٩٨ وج ١٢ ص ٢٨٧ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ٢٣٨.

٨٠