الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٣

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٣

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-195-5
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٦

وكان راقدا في مسجد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وتحت رأسه رداؤه ، فخرج يبول ، فجاء وقد سرق رداؤه ، فقال : من ذهب بردائي؟ وخرج في طلبه ، فوجده في يد رجل ، فرفعه إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : اقطعوا يده.

فقال : أتقطع يده من أجل ردائي يا رسول الله؟ فأنا أهبه له.

فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : ألا كان هذا قبل أن تأتيني به.

فقطعت يده (١).

__________________

للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٧٥ وج ١٧ ص ٢٥٦ وتغليق التعليق لابن حجر ج ٢ ص ٥١ وج ٤ ص ١٤٦ وكنز العمال ج ٢ ص ٣٧٠ و ٥٦٠ و ٥٦١ وج ١٠ ص ٥٠٠ وج ١٦ ص ٦٥٤ و ٦٥٦ و ٦٦٠ ولتبيان الشيخ الطوسي ج ٥ ص ١٦٤ تفسير مجمع البيان الشيخ الطبرسي ج ٤ ص ٤٩٩ وتفسير ابن أبي حاتم ج ٥ ص ١٧٣٨ وج ٦ ص ١٧٦٩ وأحكام القرآن للجصاص ج ٢ ص ٣٤ وج ٣ ص ٩٧ وتفسير السمرقندي ج ٢ ص ٨٤ وتفسير الثعلبي الثعلبي ج ٤ ص ٣٧٥ وتفسير السمعاني ج ١ ص ٤٦٩ وتفسير البغوي ج ١ ص ٤٦٩ وأحكام القرآن لابن العربي ج ١ ص ١٤٦ و ٢٠٦ والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج ٢ ص ٥٥٧ وج ٥ ص ٢٥٩ وج ١٠ ص ٢٢١ وج ١٥ ص ٢١٣ وج ٢٩ ص ٢١٨ وتفسير القرطبي ج ٥ ص ٣٠٨ وج ٨ ص ٥٨.

(١) الخصال ج ١ ص ١٩٣ والبحار ج ٧٦ ص ١٨٢ وج ١٠٠ ص ١٧٦ وسفينة البحار ج ٦ ص ٥٤٧ ومستدرك سفينة البحار ج ٧ ص ٤٨١ وقاموس الرجال ج ٥ ص ١٢٦ وراجع : الوسائل (ط دار الإسلامية) ج ١٣ ص ٢٣٩ وج ١٨ ص ٣٢٩ والمصنف الصنعاني ج ١٠ ص ٢٢٩ وتفسير نور الثقلين ج ١ ص ٦٢٧ وشرائع الإسلام ج ٤ ص ٩٥٤ ومسالك الأفهام ج ١٤ ص ٤٩٦ وجواهر الكلام ج ٤١

٤١

ويلاحظ : أن هذه السنن التي جرت فيه قد جاءت كلها على خلاف رغباته وتوجهاته.

هذا ، وقد عاش صفوان أكثر من ثلاثين سنة بعد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولم نسمع عنه أنه نصر حقا ، أو اعترض على باطل .. رغم أنها كانت فترة مليئة بالأحداث الكبيرة والخطيرة والحافلة بالتعديات على الحق وأهله ، بدءا مما جرى على أهل البيت «عليهم‌السلام» حين استشهاد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وانتهاء بما كان من معاوية ضد الإمام الحسن المجتبى «عليه‌السلام» ، ومن معه من أهل الدين والإيمان.

٣ ـ عبد العزى بن خطل :

وقد أهدر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» دم ابن خطل ، وكان اسمه عبد العزى ، وكان قد أسلم ، فسماه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عبد الله ، وهاجر إلى المدينة ، وبعثه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ساعيا ، وبعث معه رجلا من خزاعة (أو من أسلم ، أو من الروم) ، وكان يصنع له طعامه ويخدمه ، فنزلا في مجمع ـ وهو المكان الذي تجتمع الأعراب يؤدون فيه الصدقة ـ فأمره أن يصنع له طعاما ، ونام نصف النهار ، واستيقظ ،

__________________

ص ٥٠١ و ٥٥٢ وجامع المدارك ج ٧ ص ١٣٦ و ١٣٨ و ١٦٣ ومباني تكملة المنهاج ج ١ ص ٢٨٦ و ٣١٣ والدر النضود ج ٢ ص ٦٤ والمحلى ج ١١ ص ١٥٢ والكافي ج ٧ ص ٢٥١ والإستبصار ج ٤ ص ٢٥١ وتهذيب الأحكام ج ١٠ ص ١٢٣ وسنن الكبرى للنسائي ج ٤ ص ٣٢٩ ونصب الراية ج ٤ ص ١٩٩ والتفسير الصافي ج ٢ ص ٣٥.

٤٢

والخزاعي نائم ، ولم يصنع له شيئا ، فعدى عليه فضربه فقتله ، وارتد عن الإسلام ، وساق ما أخذ من الصدقة ، وهرب إلى مكة.

(زاد الواقدي قوله : فقال له أهل مكة : ما ردك إلينا؟!

قال : لم أجد دينا خيرا من دينكم).

وكان يقول الشعر يهجو به رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وكانت له قينتان ، وكانتا فاسقتين ، فيأمرهما ابن خطل أن يغنيا بهجاء رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

وعن أنس قال : دخل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مكة يوم الفتح على رأسه المغفر ، فلما نزعه جاء رجل ، فقال : ابن خطل متعلق بأستار الكعبة.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٢٣ و ٢٢٤ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٩١ وراجع ص ١١١ وقرب الإسناد ص ٦١ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٨٥٩ و ٨٦٠ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٩٠ والمبسوط للسرخسي ج ١٠ ص ٣٩ وقرب الإسناد ص ١٣٠ والإرشاد للمفيد ج ١ ص ١٣٦ والمستجاد من الإرشاد للعلامة الحلي ص ٧٧ والبحار ج ٢١ ص ١٠٥ و ١١١ و ١٣١ ومستدرك سفينة البحار ج ٨ ص ١١٠ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ١٢١ وبغية الباحث عن زوائد مسند الحارث ص ٢١٨ ومعرفة السنن والآثار للبيهقي ج ٧ ص ٦٨ والإستذكار لابن عبد البر ج ٥ ص ٢٥ وتفسير مجمع البيان للطبرسي ج ١٠ ص ٤٧٢ وتفسير نور الثقلين ج ٥ ص ٦٩٥ وتفسير الميزان ج ٢٠ ص ٣٨٢ والإصابة ج ٨ ص ٢٧٩ وفتوح البلدان للبلاذري ج ١ ص ٤٦ والكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٢ ص ٢٥١ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٧٦ وإعلام الورى ج ١ ص ٢٢٤ وعيون الأثر ج ٢ ص ١٩٥ وسبل الهدى والرشاد الصالحي الشامي ج ٥ ص ٢٢٤.

٤٣

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «اقتلوه» (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٢٥ وقال : رواه مالك والشيخان ، وأشار المعلق في الهامش إلى البخاري ٤ / ٥٩ (١٨٤٦ ، ٤٢٨٦) ، ومسلم ٢ / ٩٨٩ (٤٥٠ / ١٣٥٧). وراجع : مغني المحتاج ج ٤ ص ٤٣ وكتاب الموطأ لمالك ج ١ ص ٤٢٣ والمحلى لابن حزم ج ١٠ ص ٤٩٨ ونيل الأوطار ج ٥ ص ٢٧ وج ٧ ص ١٩١ ومسند أحمد ج ٣ ص ١٠٩ و ١٨٦ و ٢٣١ و ٢٣٢ و ٢٤٠ وسنن الدارمي ج ٢ ص ٧٣ وصحيح البخاري ج ٢ ص ٢١٦ وج ٤ ص ٢٨ وج ٥ ص ٩٢ وصحيح مسلم ج ٤ ص ١١١ وسنن أبي داود ج ١ ص ٦٠٧ وسنن الترمذي ج ٣ ص ١١٩ وسنن النسائي ج ٥ ص ٢٠١ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٥ ص ١٧٧ وج ٦ ص ٣٢٣ وج ٧ ص ٥٩ وج ٨ ص ٢٠٥ وج ٩ ص ٢١٢ وشرح مسلم للنووي ج ٩ ص ١٣١ وعمدة القاري ج ١٠ ص ٢٠٥ وج ١٤ ص ٢٨٩ وج ١٧ ص ٢٨٢ وكتاب العلم للنسائي ص ٣٧ والمصنف لابن أبي شيبة الكوفي ج ٨ ص ٥٣٦ والشمائل المحمدية للترمذي ص ٦٤ وبغية الباحث عن زوائد مسند الحارث ص ٢١٨ والسنن الكبرى للنسائي ج ٥ ص ١٧١ ومسند أبي يعلى ج ٦ ص ٢٤٥ و ٢٤٦ وشرح معاني الآثار ج ٢ ص ٢٥٩ وج ٣ ص ٣٢٩ وصحيح ابن حبان ج ٩ ص ٣٤ و ٣٧ والمعجم الأوسط للطبراني ج ٩ ص ٢٩ ومعرفة السنن والآثار للبيهقي ج ٤ ص ١٦٩ وج ٧ ص ١٣٧ والإستذكار لابن عبد البر ج ٤ ص ٤٠٣ والتمهيد لابن عبد البر ج ٦ ص ١٥٧ و ١٥٩ وتخريج الأحاديث والآثار للزيلعي ج ٤ ص ٢١١ ونصب الراية للزيلعي ج ٣ ص ٨٧ وج ٤ ص ٢٥٥ الدراية في تخريج أحاديث الهداية لابن حجر ج ٢ ص ١١٩ وكنز العمال ج ١٠ ص ٥٢١ وأحكام القرآن لابن العربي ج ١ ص ١٥١ وتفسير القرطبي ج ٢ ص ٣٥٢ وأضواء البيان للشنقيطي ج ٤ ص ٤٩٤ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٣٩ و ١٤٠ وتاريخ بغداد للخطيب

٤٤

زاد في نص آخر قوله : إن الكعبة لا تعيذ عاصيا ، ولا تمنع من إقامة حد واجب. فقتله سعيد بن حريث ، وأبو برزة ، وقيل : قتله الزبير ، وقيل سعد بن ذؤيب ، وقيل : سعيد بن زيد.

قال في النور : والظاهر اشتراكهم فيه جميعا جمعا بين الأقوال (١).

وقال الواقدي يقال : قتله سعيد بن حريث المخزومي ، ويقال : عمار بن ياسر ، ويقال : شريك بن عبدة العجلاني ، وأثبته عندنا أبو برزة (٢).

وقيل : إن الجميع ابتدر قتله ، فكان المباشر أبو برزة (٣).

__________________

البغدادي ج ١ ص ٢٨٩ و ٤٣٢ وج ٢ ص ٥٥ وج ٨ ص ١٤٥ وج ١٠ ص ٣٤٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ٥ ص ٤١١ وج ١٩ ص ١٠٩ وج ٤٦ ص ٣٢٤ وج ٥٥ ص ٤٦ وتاريخ جرجان ص ٤٤٦ وذكر أخبار إصبهان ج ١ ص ١٥٠ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٥٤٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٣٤ وج ٦ ص ٧ وإمتاع الأسماع للمقريزي ج ٧ ص ١٥٠ وعيون الأثر ج ٢ ص ١٩٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٥٤ وج ٤ ص ٧٠٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٢٤ وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٩١ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٩٠.

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٩١ وراجع : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٨٥٩ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٦٨ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٩٠ وحديث قتل أبي برزة له رواه ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وابن المبارك ، والبلاذري وغيرهم.

(٢) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٨٥٩ وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٦٨ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٩٠.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٦٨ ومقدمة فتح الباري ص ٢٨٩ وفتح الباري ج ٤ ص ٥٢ وعمدة القاري ج ١٠ ص ٢٠٧ وراجع البداية والنهاية ج ٤ ص ٣٤١ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٧٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٦٤ وتاج العروس ج ١٤ ص ٢٠٢.

٤٥

وقال الطبرسي : استبق إليه سعيد بن حريث ، وعمار بن ياسر ، فسبق سعيد عمارا فقتله (١).

ولما دخل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى ذي طوى ، أقبل ابن خطل من أعلى مكة مدججا بالحديد ، على فرس ، وبيده قناة. فمر ببنات سعيد بن العاص ، فقال لهن : أما والله لا يدخلها محمد حتى ترين ضربا كأفواه المزاد.

قالوا : ثم خرج حتى انتهى إلى الخندمة ، فرأى خيل الله ، ورأى القتال ، فدخله رعب ، حتى ما يستمسك من الرعدة ، فرجع حتى انتهى إلى الكعبة ،

__________________

(١) مجمع البيان ج ١٠ ص ٥٥٧ و (ط مؤسسة الأعلمي) ج ١٠ ص ٤٧٢ والبحار ج ٢١ ص ١٠٥ و ١٣١ عن إعلام الورى ، والمناقب ، ونيل الأوطار ج ٨ ص ١٧٢ ومستدرك سفينة البحار ج ٨ ص ١١١ وسنن النسائي ج ٧ ص ١٠٦ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٨ ص ٢٠٥ ومجمع الزوائد للهيثمي ج ٦ ص ١٦٩ وعمدة القاري للعيني ج ١٠ ص ٢٠٧ وعون المعبود للعظيم آبادي ج ٧ ص ٢٤٨ والمصنف لابن أبي شيبة الكوفي ج ٨ ص ٥٣٦ والسنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ٣٠٢ ومسند أبي يعلى ج ٢ ص ١٠١ وشرح معاني الآثار ج ٣ ص ٣٣٠ والإستذكار لابن عبد البر ج ٤ ص ٤٠٤ والتمهيد لابن عبد البر ج ٦ ص ١٧٥ وتخريج الأحاديث والآثار للزيلعي ج ٤ ص ٢١١ وتفسير نور الثقلين ج ٥ ص ٦٩٥ وتفسير الميزان ج ٢٠ ص ٣٨٢ والدر المنثور للسيوطي ج ٣ ص ٣٠٣ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٩ ص ٣٣ وج ٤١ ص ٥٨ وأسد الغابة لابن الأثير ج ٤ ص ٥ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٥٥٢ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٤١ وإمتاع الأسماع للمقريزي ج ١٣ ص ١١٠ وإعلام الورى للطبرسي ج ١ ص ٢٢٤ والسيرة النبوية ابن كثير ج ٣ ص ٥٦٥.

٤٦

فنزل عن فرسه ، وطرح سلاحه ، وأتى البيت ، فدخل تحت أستاره ، فأخذ رجل من بني كعب سلاحه ، وأدرك فرسه عائرا ، فاستوى عليه ، ولحق برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالحجون ، وأمر «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بقتله (١).

ولنا توضيحات أو تأملات فيما تقدم ، فلاحظ ما يلي من مطالب :

تغيير الاسم إحسان وتفضل :

وأول ما يواجهنا في قصة ابن خطل هو : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» غيّر اسمه من عبد العزى إلى عبد الله.

وهذا التغيير ، الذي يأتي من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، والمطاع أمره ، والنافذ قراره ، يعد إحسانا وتفضلا منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على ابن خطل.

يضاف ذلك إلى ما له عليه من فضل وإحسان ، بهدايته إلى الله تعالى ، ودلالته على شرائعه ، وإخراجه من الظلمات إلى النور.

وللأسماء إيحاءاتها ، وتأثيراتها على النفس ، وعلى المكانة ، والنظرة ، والسمعة ، وفي كثير من الجهات ، فتغيير الاسم من عبد العزى إلى عبد الله لا بد أن ينقل هذا الإنسان إلى أجواء تختلف عن الأجواء التي كان فيها ، ولا بد أن يتبع ذلك تبدل في المشاعر لديه ، ولدى الآخرين ، الذين يتعاملون معه ،

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٨٢٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٢٤ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٩١ و (ط دار المعرفة) ص ٣٧ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٧ ص ٢٧٦ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٣٨٧.

٤٧

وتبدل في الإيحاءات وفي الخلجات ، وفي الصور التي سوف تفرض نفسها بصورة عفوية ، وسينتقل تلقائيا إلى جو جديد ، ومحيط مختلف في ذلك كله وسواه.

الهروب إلى الأمام :

لم يكتف ابن خطل بارتكاب جريمته في حق رفيقه الذي بعثه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» معه ، وكان يخدمه ، فقتله لمجرد أنه نام ولم يصنع له الطعام الذي طلبه منه ..

بل زاد على ذلك : بأن ارتد عن الإسلام ، واستولى على ما كان في يده من أموال الصدقة ، وهرب إلى مكة ، وصار يقول الشعر في هجاء رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. ويأمر جاريتيه بأن يغنيا بهجائه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

مع أنه لو اقتصر على الجريمة الأولى ، لأمكن أن يكون له مخرج ، بأن يعفو ولي المقتول ، فيسقط القصاص. ولعل العفو يأتي من قبل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مباشرة إذا رأى المصلحة في ذلك ، فإنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ..

ولكن شدة خبث سريرة هذا الرجل ، وسوء نواياه ، قد حجب اللطف الإلهي عنه ، ووكله الله سبحانه إلى نفسه على قاعدة : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) (١).

فساقته شقوته إلى الإيغال في طريق الغي ، فقد كان من الذين يقول الله

__________________

(١) الآية ٥ من سورة الصف.

٤٨

تعالى فيهم : (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) (١).

الكعبة لا تعيذ عاصيا ولا تمنع من إقامة الحد :

ثم إننا نقول :

١ ـ إن ابن خطل قد ارتكب جرائمه في حرم الله تعالى ، فاستحق العقوبة عليها ، ولا تراعى له حرمة في ذلك ، لأنه لم يراع حرمات الله في حرم الله. ولو أنه ارتكب جرمه خارج الحرم ، ثم دخل الحرم متعوذا لكان اللازم هو التضييق عليه حتى يخرج منه ، ليؤخذ ، ويقام عليه الحد الواجب .. وذلك واضح لا يخفى.

٢ ـ إن دخول ابن خطل تحت أستار الكعبة ، يدل على معرفته بأن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يعظم بيت الله ، ولا يمكن أن يفعل أي شيء يؤدي إلى هتك حرمته ، أو المساس بقدسيته ..

وقد فاته : أن تطهير البيت من دنس الشرك والمشركين ، وكبح جماح المجرمين ، والذين تجرؤوا على حرمات الله ، في حرم الله ، وعند بيته المعظم ـ إن ذلك ـ لا يتنافى مع تعظيم البيت وتكريمه ، بل هو واجب إلهي ، وفرض إنساني وأخلاقي لا بد من تأديته على أكمل وجه وأتمه.

فليس لهؤلاء أن يتوقعوا أن يتركوا يمارسون هتك حرمة بيت الله ، ثم يتخذون من الكعبة ملاذا ومعاذا ، يمنع من التصدي لهم لإقامة حدود الله

__________________

(١) الآية ١٤٦ من سورة الأعراف.

٤٩

عليهم ، وردعهم عن معصية الله في حرم الله.

٤ ـ عبد الله بن سعد بن أبي سرح :

قال الحلبي الشافعي وابن إسحاق : «وإنما أمر بقتل عبد الله بن أبي سرح (١) ، لأنه كان أسلم قبل الفتح ، وكان يكتب لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الوحي ، وكان إذا أملى عليه : سميعا بصيرا ، كتب عليما حكيما ، وإذا أملى عليه : عليما حكيما ، كتب غفورا رحيما.

وكان يفعل مثل هذه الخيانات حتى صدر عنه أنه قال : إن محمدا لا يعلم ما يقول.

فلما ظهرت خيانته لم يستطع أن يقيم بالمدينة فارتدّ وهرب إلى مكة (٢).

وقيل : إنه لما كتب : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) إلى قوله : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ ..) تعجب من تفصيل خلق الإنسان فنطق بقوله : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (٣) قبل إملائه.

فقال له رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : اكتب ذلك ، هكذا أنزلت.

__________________

(١) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٩٠ و (ط دار المعرفة) ص ٣٦ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٨ ص ٢٠٥ وتفسير البغوي ج ٤ ص ٥٤٠ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٥٥٣.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٩٠ و (ط دار المعرفة) ص ٣٦ وتفسير البغوي ج ٤ ص ٥٤٠ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٩٠ وتفسير القمي ج ١ ص ٢١٠ والتفسير الصافي ج ٢ ص ١٣٩ وتفسير الميزان ج ٧ ص ٣٠٥.

(٣) الآيات ١٢ ـ ١٤ من سورة المؤمنون.

٥٠

فقال عبد الله : إن كان محمد نبيا يوحى إليه فأنا نبي يوحى إليّ ، فارتد ولحق بمكة (١) ، فقال لقريش : إني كنت أصرف محمدا كيف شئت ، كان يملي عليّ عزيز حكيم. فأقول : أو عليم حكيم ، فيقول : نعم ، كل صواب (٢). وكل ما أقوله يقول : اكتب ، هكذا نزلت.

فلما كان يوم الفتح ، وعلم بإهدار النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» دمه لجأ إلى عثمان بن عفان أخيه من الرضاعة (٣) ، فقال له : يا أخي استأمن لي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قبل أن يضرب عنقي.

فغيبه عثمان حتى هدأ الناس واطمأنوا ، فاستأمن له ، ثم أتى به إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأعرض عنه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فصار عثمان يقول : يا رسول الله ، أمنته؟ والنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يعرض عنه.

__________________

(١) راجع أيضا : الجامع لأحكام القرآن ج ٧ ص ٤٠ وفتح القدير ج ٢ ص ١٤٠ والتفسير الكبير ج ١٣ ص ٨٤ وتفسير البيضاوي ج ١ ص ٣٩١ والكشاف ج ٢ ص ٤٥ وتفسير الخازن ج ٢ ص ٣٧ وتفسير النسفي (مطبوع مع الخازن) ج ٢ ص ٣٧ وأنساب الأشراف للبلاذري ج ٥ ص ٤٩ ، وعن جامع البيان ، وعن ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وعبد بن حميد ، وأبي الشيخ ، وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٩١ وعين العبرة ص ٦٥ والغدير ج ٨ ص ٢٨١.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٩٠ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٩٠ وراجع : أنساب الأشراف للبلاذري ج ١ ص ٥٣١ و ٥٣٢ و ٣٥٨.

(٣) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٩٠ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٩١ وأسد الغابة ج ٣ ص ١٧٣ وتاريخ المدينة ج ٢ ص ٤٨١ والشفا بتعريف حقوق المصطفى ج ٢ ص ١٣٢ والنصائح الكافية ص ٢٠٧.

٥١

ثم قال : نعم.

فبسط يده فبايعه.

فلما خرج عثمان وعبد الله قال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لمن حوله : أعرضت عنه مرارا ، ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه.

وقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لعباد بن بشر ، وكان نذر إن رأى عبد الله قتله ، أي وقد أخذ بقائم السيف ، ينتظر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يشير إليه أن يقتله ، فقال له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «انتظرتك أن تفي بنذرك».

قال : يا رسول الله خفتك ، أفلا أومضت إليّ.

فقال : «إنه ليس لنبي أن يومض».

وفي رواية : «الإيماء خيانة ليس لنبي أن يومي» (١).

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٩٠ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٩٠ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٨٥٥ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٥٩ ووضوء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ج ٢ ص ٤١٧ وعين العبرة للسيد أحمد آل طاووس ص ٦٤ و ٦٧ والبحار ج ٣٢ ص ٤٣٩ وج ٨٩ ص ٣٥ والغدير ج ١٠ ص ٢١ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ١٣٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ١٢٠ و ٢١٢ ومجمع الزوائد للهيثمي ج ٦ ص ١٦٧ و ١٧٣ والمعجم الأوسط للطبراني ج ٦ ص ٣٤٣ والمعجم الكبير ج ٦ ص ٦٦ وسنن الدارقطني ج ٢ ص ٢٦٣ والدرر لابن عبد البر ص ٢١٩ وتخريج الأحاديث والآثار للزيلعي ج ٣ ص ١١٤ وتفسير القمي ج ١ ص ٢١٠ والتفسير الصافي ج ٢ ص ١٣٩ وتفسير نور الثقلين ج ١ ص ٧٤٦ وتفسير مقاتل بن سليمان ج ١ ص ٣٦٠ وجامع البيان لابن جرير الطبري ج ١٠ ص ٦٦ وتفسير البغوي ج ٤ ص ٥٤٠ والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج ٢ ص ٣٢٢ وتفسير القرطبي ج ٧ ص ٤٠ وشرح النهج للمعتزلي ج ٣ ص ٣١٨ وتفسير

٥٢

فقال رجل من الأنصار : فهلا أومأت إلي يا رسول الله.

فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : إن النبي لا ينبغي أن يكون له خائنة الأعين (١).

__________________

البحر المحيط ج ٤ ص ١٨٣ و ١٨٤ والبرهان للزركشي ج ١ ص ٢٠٠ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٤١ والثقات لابن حبان ج ٢ ص ٥٢ وج ٣ ص ٢١٤ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٩ ص ٢٢ و ٢٣ و ٢٥ و ٢٩ و ٣٢ و ٣٥ وأسد الغابة ج ٣ ص ١٧٤ وتهذيب الكمال للمزي ج ١١ ص ١١٤ وسير أعلام النبلاء للذهبي ج ٣ ص ٣٣ والإصابة ج ٤ ص ٥٤٠ والأنساب للسمعاني ج ٣ ص ٢٤٣ وفتوح البلدان للبلاذري ج ١ ص ٢٦٢ والكامل في التاريخ ج ٣ ص ٨٨ ووفيات الأعيان لابن خلكان ج ٧ ص ٢١٤ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٣ ص ٥٢٩ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٤٠ و ٣٤٢ وج ٥ ص ٣٧٢ والعبر وديوان المبتدأ والخبر لابن خلدون ج ٢ ق ١ ص ١٢٨ وج ٢ ق ٢ ص ٤٤ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٧٦ و ٤٨٠ وج ٧ ص ٣٨٨ ووقعة صفين للمنقري ص ١٦١ السيرة والنبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٦٣ و ٥٦٦ وج ٤ ص ٦٨٩.

(١) راجع ما تقدم في : سنن أبي داود ج ٤ ص ١٢٨ وفتح القدير ج ٢ ص ١٤١ وأنساب الأشراف ج ٥ ص ٤٩ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٠٠ وأسد الغابة ج ٣ ص ١٧٣ والإصابة ج ٣ ص ٣١٧ والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ١ ص ٣٨١ و (ط دار الجيل) ج ٣ ص ٩١٨ والجامع لأحكام القرآن ج ٧ ص ٤٠ وتذكرة الفقهاء (ط ق) ج ٢ ص ٥٦٦ وكشف اللثام (ط ج) ج ٧ ص ٣٥ و (ط ق) ج ٢ ص ١١ والمجموع للنووي ج ١٦ ص ١٤٣ ونيل الأوطار ج ٨ ص ٨٥ والبحار ج ١٦ ص ٣٨٨ ومناقب أهل البيت «عليهم‌السلام» للشيرواني ص ٣٦٢ والغدير ج ٨ ص ٢٨٠ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٨ ص ٢٠٥ والدرر لابن عبد البر ص ٢١٩ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٨ ص ١٣ وتفسير الميزان ج ١٧ ص ٣٢٢ والدر المنثور ج ٥ ص ٣٤٩ وفتح القدير للشوكاني ج ٤ ص ٤٨٧.

٥٣

وقيل : إنه أسلم وبايع والنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بمرّ الظهران ، وصار يستحيي من مقابلته ، فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لعثمان : أما بايعته وأمنته؟

قال : بلى ، ولكن يذكر جرمه القديم فيستحيي منك.

قال : «الإسلام يجبّ ما قبله». وأخبره عثمان بذلك ، ومع ذلك فصار إذا جاء جماعة للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يجيء معهم ، ولا يجيء إليه منفردا (١).

قال الواقدي : «قالوا : كان عبد الله بن سعد بن أبي سرح يكتب لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الوحي ، فربما أملى عليه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (سَمِيعٌ عَلِيمٌ) فيكتب عليم حكيم ، فيقرأ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فيقول : كذلك الله ، ويقره.

وافتتن وقال : ما يدري محمد ما يقول. إني لأكتب له ما شئت. هذا الذي كتبت يوحى إلي كما يوحى إلى محمد. وخرج هاربا من المدينة إلى مكة مرتدا ، فأهدر «صلى‌الله‌عليه‌وآله» دمه يوم الفتح» (٢).

وعند الواقدي : أنه طلب من عثمان أن يحتبسه في مكان مّا ، ثم يذهب إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليكلمه فيه ، لأنه لو رآه لقتله ، لأن جرمه

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٩٠ و (ط دار المعرفة) ص ٣٧ وراجع : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٨٥٦ و ٨٥٧ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٩١.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٢٤ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٨١ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٩١ وراجع : شرح النهج للمعتزلي ج ١٨ ص ١٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٩ ص ٣٥.

٥٤

أعظم جرم ، فأصر عليه عثمان أن ينطلق معه.

فلم يرع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلا بعثمان آخذ بيد ابن أبي سرح واقفين بين يديه ، فكلمه فيه ، فأعرض عنه. «وجعل عثمان كلما أعرض عنه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بوجهه استقبله ، فيعيد عليه هذا الكلام.

فإنما أعرض النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عنه إرادة أن يقوم رجل فيضرب عنقه ، لأنه لم يؤمنه.

فلما رأى أن لا يقدم أحد ، وعثمان قد أكب على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يقبل رأسه ، وهو يقول : يا رسول الله ، تبايعه فداك أبي وأمي».

فقال : نعم.

ثم التفت إلى أصحابه ، فقال : ما منعكم أن يقوم رجل منكم إلى هذا الكلب فيقتله؟! أو قال : الفاسق.

فقال عباد بن بشر : ألا أومأت إليّ يا رسول الله؟ فوالذي بعثك بالحق إني لأتبع طرفك من كل ناحية ، رجاء أن تشير إليّ فأضرب عنقه.

ويقال : قال هذا أبو اليسر (أو أبو البشير).

ويقال : عمر بن الخطاب.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : إني لا أقتل بالإشارة ، أو إن النبي لا تكون له خائنة الأعين (١).

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٨٥٥ وراجع : نيل الأوطار ج ٨ ص ٨٥ ومناقب أهل البيت للشيرواني ص ٣٦٢ والغدير ج ٨ ص ٢٨٠ وسنن أبي داود ج ١ ص ٦٠٧ وج ٢ ص ٣٢٩ وسنن النسائي ج ٧ ص ١٠٦ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٤٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٧ ص ٤٠ ومجمع الزوائد للهيثمي ج ٦ ص ١٦٩

٥٥

قال الصالحي الشامي وغيره : وحسن إسلامه بعد ذلك ، وولاه عمر بعض أعماله ، ثم ولاه عثمان ، ومات وهو ساجد في صلاة الصبح ، أو بعد انقضائها ، وكان أحد النجباء ، الكرماء ، العقلاء من قريش ، وكان فارس بني عامر بن لؤي المقدم فيهم (١).

__________________

وفتح الباري ج ٦ ص ١١٢ وج ١١ ص ٨ وعون المعبود ج ٧ ص ٢٤٩ وج ١٢ ص ٩ والسنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ٣٠٣ ومسند أبي يعلى ج ٢ ص ١٠٢ وشرح معاني الآثار ج ٣ ص ٣٣٠ والإستيعاب ج ٣ ص ٩١٨ والتمهيد لابن عبد البر ج ٦ ص ١٧٦ وتخريج الأحاديث والآثار للزيلعي ج ٣ ص ١١٤ وج ٤ ص ٢١٢ وكنز العمال ج ١٠ ص ٥١٨ وتفسير الميزان ج ١٧ ص ٣٢٢ وأحكام القرآن للجصاص ج ٣ ص ٤٧٢ وزاد المسير ج ٦ ص ٢٠٢ وتفسير القرطبي ج ٧ ص ٤٠ وج ١٥ ص ٣٠٣ وتفسير الثعالبي ج ٥ ص ١١٠ والدر المنثور ج ٥ ص ٣٤٩ وفتح القدير ج ٤ ص ٤٨٧ وتفسير الآلوسي ج ١١ ص ١٧٤ وشرح السير الكبير للسرخسي ج ٢ ص ٥٠٤ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٩ ص ٣٤ وأسد الغابة ج ٣ ص ١٧٣ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٤٩ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٥٥٣ والوافي بالوفيات ج ١٧ ص ١٠١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٤٠ و ٣٤٢ والعبر وديوان المبتدأ والخبر لابن خلدون ج ٢ ق ٢ ص ٤٤ وإمتاع الأسماع للمقريزي ج ١٣ ص ١١١ وعيون الأثر ج ٢ ص ١٩٥ والسيرة النبوية ج ٣ ص ٥٦٣ و ٥٦٦ وسبل الهدى والرشاد ج ١٠ ص ٤١٨ وج ١١ ص ٣٨٧.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٢٤ المغازي للواقدي ج ٢ ص ٨٥٥ و ٨٥٦ وأنساب الأشراف ج ١ ص ٣٥٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٤٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٦٣.

٥٦

ابن أبي سرح أعظم إجراما :

إن من يراجع حديث الذين أهدر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» دمهم يلاحظ : أن النبي رغم إصداره هذا القرار الحازم الحاسم بقتل هؤلاء سرعان ما يعفو عنهم ، ويعطيهم الأمان بمجرد أن يطلب ذلك منه ، ولا سيما بعد أن كسرت شوكتهم ، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت ..

غير أن من بين جميع هؤلاء يوجد استثناء واحد ، كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حريصا على إنفاذ الأمر بقتله أكثر من سائرهم ، لو لا تدخل عثمان بن عفان ، وعدم التفات من حضر من المسلمين إلى ما كان ينبغي لهم أن يفعلوه لحظة مجيء ابن أبي سرح إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في ظل حماية عثمان له ..

فما هو السر لتلك السهولة في العفو والسماح هناك ، والرغبة في إجراء الأمر هنا؟!

إن الإجابة على هذا السؤال ، وإن كانت تحتاج إلى مزيد من البسط والبيان ، لكننا سنكتفي بالإلماح إلى بعض النقاط التي تفتح نافذة يستطيع الباحث عن الحقيقة أن يطل منها على الأسباب والمعطيات لكلا موقفيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فنقول :

إن الذي اقتضى إهدار دم هؤلاء هو جرائم وفظائع ارتكبوها ، في حق الدين والإنسانية ، لصد الناس عن الحق ، وزعزعة أركانه ، وتقويض بنيانه .. لكن جرائمهم هذه تختلف فيما بينها ، فهناك جرائم رغم بشاعتها ، وفظاعتها ، تبقى محصورة في نطاقها الخاص ، بل ربما يكون الزمن قد تجاوزها ، بعد أن ضرب الإسلام بجرانه ، وبعد ثبات ورسوخ قواعده وأركانه ..

٥٧

كما أن بعضها الآخر قد يكون بنفسه سببا لنفرة الناس من فاعله ، لأنه يجرح العاطفة الإنسانية ، ويصدم الروح ، وتتقزز منه النفس.

ومن ذلك : إقدام هند بنت عتبة على استخراج كبد الحمزة ، والتشفي بقطع أطرافه «عليه‌السلام» ، وجعلها قلادة تتزين بها.

كما أن بعضها الآخر البشعة والقاسية ، قد يرتبط في أذهان الناس بشخص ما ، فيكون بنظره حقا له.

كما أن بعض تلك الجرائم يمكن تجاوزه والعفو عنه ، لمصلحة أقوى منه تقتضي ذلك. ولعلهم يرون أن قضية هبار بن الأسور مع زينب من هذا القبيل.

بل وكذلك الحال بالنسبة لأولئك الذين هجوا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، أو تغنوا بهجائه ، سعيا منهم في توهين أمره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وصد الناس عن الإيمان به ..

ولكن الحال بعد انتصار الإسلام في مكة قد تغير ، وأصبح بالإمكان تجاوز هذه السلبية ، بسبب قوة الإسلام ، التي قد تفرض على نفس هؤلاء السعي إلى جبر ذلك الكسر ، ومدح الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بما هو فيه.

وليظهر للناس مدى التزوير والتضليل الذي كانوا يمارسونه لصدهم عن الحق ، وإضعاف أمر نبي الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في القلوب والنفوس.

وتبقى جريمة عبد الله بن سعد بن أبي سرح هي الأشد خطرا ، والأبعد والأقوى أثرا ، من حيث إنها تستهدف النبوة في الصميم ، وتثير شبهة لا يقوى الإنسان العادي على دفعها ، ولا على التخلص من آثارها ..

٥٨

وهي شبهة لا يحدها زمن ، ولا تنتهي عند جيل من الناس .. بل هي تسري عبر الأجيال إلى آخر الزمان .. حيث إن هذا الرجل قد زعم : أنه يستطيع أن ينزل قرآنا مثل الذي أنزل على محمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وزعم أيضا : أنه كان يغيّر في الآيات ، ويكتب سميعا بصيرا ، بدل حكيما عليما مثلا ، ولا يلتفت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى فعله هذا ، بل كان يرضى بفعله أحيانا ، ولا يفرق بين ما نزل عليه ، وبين ما كتبه ابن أبي سرح من عند نفسه ..

وهذه شبهة هائلة ، وخبيثة ، وسيئة الأثر ، لأن الإنسان العادي لا يملك سبيلا إلى دفعها ، أو التخلص من الآثار التي تتركها في روحه ووجدانه ، إذا ثار لديه احتمال أن يكون ثمة من يقدر على مجارات القرآن ، ويغير في كلماته من عند نفسه ، ولا شك في أن هذا يؤثر في يقينه ، وفي صحة إيمانه. ويجعله فريسة سهلة لأصحاب الأهواء ، وطلاب اللبانات ، وما أكثرهم!!.

بين الحياء ، وظن السوء :

وقالوا : إن ابن أبي سرح لم يكن يأتي إلى مجلس النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فأخبروا النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بذلك.

وزعموا : أنه لا يأتيه حياء ، فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : الإسلام يجب ما قبله ، وأخبروه بذلك. ومع ذلك ، فإنه صار يأتي إليه مع الجماعات ، ولا يأتيه منفردا ..

٥٩

ونقول :

إن اتهام ابن أبي سرح بالحياء لا يمكن أن يكون مرضيا ولا مقبولا ، فإن تاريخه يشهد بخلاف ذلك.

ولعل الصحيح هو : أنه كان لا يأتي النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خشية من أن يقتل عنده ، وبإيماءة منه إلى بعض أصحابه ، لأنه يظن أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إنسان غادر لا يؤمن جانبه. أي أنه يقيس النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على نفسه ..

ويكفي أن نذكر : أنه يقتل حامل رسالة عثمان إليه ، فإنه حين جعله عثمان عاملا له على مصر ، وشكاه المصريون. أرسل عثمان إليه كتابا ينهاه فيه عما شكاه المصريون من أجله ، فأبى أن يقبل ما نهاه عنه عثمان ، وضرب بعض من أتاه به من قبل عثمان من أهل مصر حتى قتله .. فكان ذلك من أسباب خروج المصريين إلى عثمان .. وتطورت الأمور حتى قتل عثمان (١).

تبارك الله أحسن الخالقين :

وعن قولهم : إنه وافق ما أنزل الله ، حين قال : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ).

نقول :

إنه غير صحيح.

__________________

(١) الإمامة والسياسة (تحقيق طه محمد الزيني) ج ١ ص ٣٩ و ٥٥ والثقات لابن حبان ج ٢ ص ٢٥٦ وقاموس الرجال ج ٥ ص ٤٦٧ والغدير ج ٩ ص ٨٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٩ ص ٤١٦ وتاريخ المدينة لابن أبي شبة ج ٤ ص ١١٥٨.

٦٠