الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٣

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٣

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-195-5
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٦

يتعرض لأموالهم. رغم حاجة وفقر أصحابه الذين تحملوا المشقات ، وعانوا الكثير معه ، لكسر شوكة هؤلاء الطغاة والظالمين والجبارين.

٣ ـ إنه لم يستعمل نفوذه ، ولا استفاد من هيبة النصر ، ومن إطلاق سراح أرقائه لاستدراج هؤلاء الذين ينعمون بعفوه ، ويسرحون ويمرحون مستفيدين من حلمه وكرمه ـ استدراجهم ـ إلى تقديم هدايا الشكر ، والتعبير عن الإمتنان مما لا قوه لديه من عفو وكرم وسماح!

٤ ـ وحين أدى إليهم ما اقترضه كان الشعار الذي رفعه هو أن «جزاء السلف الحمد ، والأداء» ، ليكون بذلك قد أعطاهم الأمثولة في أداء الأقوياء ، وأنه لا بد أن يكون أداء مع عرفان الجميل ، ومع حمد وثناء.

٥ ـ إن هذا الأداء مع الحمد لا بد أن يقنعهم بأنه لا مطمع له بأموالهم ، وأنه لا يريد قهرهم والتعامل معهم بجبارية واستكبار ..

٦ ـ وآخر كلمة نقولها هي : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يعطيهم درسا عن كيفية تعامل القائد والرئيس مع مرؤوسيه ، وعن أنه لا بد أن يشعر بآلامهم ، ويعيش مشاكلهم ، وأن يعمل على حلها ، مهما كلفه ذلك من تضحيات.

ضفائر أربع!! أم وفرة؟! :

عن أم سلمة قالت : ضفرت رأس النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بذي الحليفة أربع ضفائر ، فلم يحلّه حتى فتح مكة ، ومقامه بمكة حتى حين أراد أن يخرج إلى حنين حلّه ، وغسلت رأسه بسدر (١).

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٨٦٨.

١٤١

وعن أم هانئ قالت : قدم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مكة وله أربع غدائر تعني ضفائر (١).

ونقول :

إن ما نعرفه عن شعر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو أنه وفرة لم يبلغ الفرق ، فكان إذا طال لم يتجاوز شحمة أذنه (٢).

فمن وصف شعره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأنه جمّة ، وهو الشعر الذي ينزل على المنكبين ، أو لمّة ، وهو الشعر الذي يتجاوز شحمة الأذنين ، فلعله أخذه من الحديث الذي ذكرناه آنفا ، من أنه قد ضفر شعره يوم الفتح أربع ضفائر.

__________________

(١) وراجع : المصنف لابن أبي شيبة ج ٦ ص ٥٧ وج ٨ ص ٥٣٦ وكنز العمال ج ٧ ص ١٦٢ والبداية والنهاية ج ٦ ص ٢٣ ومسند أحمد ج ٦ ص ٤٢٥ وسنن أبي داود ج ٢ ص ٢٨٨ وسنن الترمذي ج ٣ ص ١٥٦ وفتح الباري ج ٦ ص ٤١٦ وج ١٠ ص ٣٠٤ وتحفة الأحوذي ج ٥ ص ٣٨٩ و ٣٩٠ وعون المعبود ج ١١ ص ١٦٣ ومسند ابن راهويه ج ٥ ص ٢٣ والشمائل المحمدية للترمذي ص ٣١ والمعجم الكبير ج ٢٤ ص ٤٢٩ والطبقات لابن سعد ج ١ ص ٤٢٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٣٣ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤ ص ١٦٠ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ١١٩٩ وتاريخ بغداد ج ١٠ ص ٤٣٨.

(٢) مكارم الأخلاق ص ٧٠ وسبل الهدى والرشاد ج ٢ ص ١٧ عن ابن عساكر ، والجامع للشرايع ص ٢٩ والحدائق الناضرة ج ٥ ص ٥٥٦ والينابيع الفقهية ج ٢ ص ٦١٤ ومن لا يحضره الفقيه ج ١ ص ١٢٩ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ١ ص ٤١٧ ومناقب الإمام أمير المؤمنين ج ١ ص ١٨ والبحار ج ٧٣ ص ٨٣ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٦ ص ٦٠٣ وفتح الباري ج ٦ ص ٤١٦ ومجمع البحرين ج ٤ ص ٥٢٦.

١٤٢

ونظن أن بعض من يريد هؤلاء الرواة تقديم خدمات لهم من الأمويين ، أو الزبيريين ، أو من غيرهم كانوا يطيلون شعرهم ، ويجعلونه ضفائر ، فأرادوا أن لا يعاب ذلك عليهم ، فجعلو للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في هذا نصيبا ، إذ من أجل عين ألف عين تكرم.

رفع شعر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء :

وروي : أنه كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يتمشط ويرجل رأسه بالمدرى ، وترجله نساؤه ، وتتفقد نساؤه تسريحه ، إذا سرح رأسه ولحيته ، فيأخذن المشاطة ، فيقال : إن الشعر الذي في أيدي الناس من تلك المشاطات ، فأما ما حلق في عمرته وحجته فإن جبريل «عليه‌السلام» كان ينزل فيأخذه فيعرج به إلى السماء. ولربما سرح لحيته في اليوم مرتين (١).

ومن المعلوم : أن الروايات قد صرحت : بأن جسد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد رفع إلى السماء بعد استشهاده «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بثلاثة أيام (٢).

__________________

(١) مكارم الأخلاق ص ٣٣ والبحار ج ١٦ ص ٢٤٨ وج ٧٣ ص ١١٦ ومستدرك سفينة البحار ج ٥ ص ١١ وراجع : مستدرك الوسائل ج ١ ص ٤٤٣ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٦ ص ٦١٧ وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم‌السلام» ج ١ ص ١٥٥.

(٢) راجع : الرسائل العشر ص ٣١٦ والكافي ج ٤ ص ٥٦٧ ومن لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٥٧٧ وشرح أصول الكافي ج ١٢ ص ١٧٣ والوسائل (ط آل البيت) ج ١٤ ص ٣٢٣ و (ط دار الإسلامية) ج ١٠ ص ٢٥٤ ومستدرك الوسائل ج ١٠ ص ١٨٨ و ١٨٩ والمزار للمفيد ص ٢٢١ وعوالي اللآلي ج ٤ ص ٨٤ والبحار ج ١١ ص ٦٧ وج ٢٢ ص ٥٥٠ وج ٢٧ ص ٢٩٩ وج ٩٧ ص ١٣٠ وتفسير نور الثقلين ـ

١٤٣

وإذا كان دفن الشعر ، وقلامة الأظفار يستحب دفنهما ، وإذا كان جسد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سوف يرفع إلى السماء ، فمن الطبيعي أن يتولى جبرئيل رفع هذه الأمور التي تعود إلى جسده الشريف بنحو أو بآخر إلى السماء ، لتكون في نفس الموضع الذي يكون فيه جسده الشريف ، تكريما له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ورفعة شأن.

شعرات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تحترق :

ومن الواضح : أن لكل شيء من جسده «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كرامة ومقاما ، وأن له شأنا يختلف فيه عن غيره.

وقد روي : أن رجلا من ولد الأنصار أتى إلى الإمام الرضا «عليه‌السلام» بحقة فضة مقفل عليها ، وقال : لم يتحفك أحد بمثلها.

ففتحها وأخرج منها سبع شعرات ، وقال : هذا شعر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فميّز الرضا «عليه‌السلام» أربع طاقات منها ، وقال : هذا شعره ، فقبل في ظاهره دون باطنه.

ثم إن الرضا «عليه‌السلام» أخرجه من الشبهة بأن وضع الثلاثة على النار فاحترقت ثم وضع الأربعة فصارت كالذهب (١).

__________________

ج ٥ ص ١١٩ ومنتقى الجمان ج ١ ص ٣١٨ ومجمع البحرين ج ١ ص ٢٣١ وراجع : بصائر الدرجات ص ٤٦٥ وتهذيب الأحكام ج ٦ ص ١٠٦ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٢ ص ٢٥٩ والذريعة ج ١٣ ص ٢٠٦ والدر النظيم ص ٤٢٢.

(١) مناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ٤٥٨ ومدينة المعاجز ج ٧ ص ٢٣٥ و ٢٣٦ والبحار ج ٤٩ ص ٥٩ و ٦٠ ومسند الإمام الرضا للعطاردي ج ١ ص ٢٥٠ وج ٢ ص ٤٨٢.

١٤٤

وروي عن عيسى بن موسى العماني ، قال : دخل الرضا «عليه‌السلام» على المأمون فوجد فيه هما.

فقال : «إنى أرى فيك هما»؟

قال [المأمون] : نعم بالباب بدوي ، وإنه قد دفع سبع شعرات يزعم أنها من لحية رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وقد طلب الجائزة ، فإن كان صادقا ومنعت الجائزة فقد بخست شرفي ، وإن كان كاذبا وأعطيته الجائزة فقد سخر بي ، وما أدرى ما أعمل به؟

فقال الرضا «عليه‌السلام» : عليّ بالشعر ، فلما رآه سمه ، وقال : «هذه أربعة من لحية رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، والباقى ليس من لحيته».

فقال المأمون : من أين قلت هذا؟

فقال : عليّ بالنار (والشعر).

فألقى الشعر في النار ، فاحترقت ثلاث شعرات ، وبقيت الأربع التى أخرجها الرضا «عليه‌السلام» لم يكن للنار عليها سبيل.

فقال المأمون : عليّ بالبدوي.

فأدخل ، فلما مثل بين يديه أمر بضرب رقبته .. فقال البدوي : ما ذنبي؟

قال : تصدق عن الشعر.

فقال : أربع من لحية رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وثلاث من لحيتى ، فتمكن الحسد في قلب المأمون (١).

__________________

(١) الثاقب في المناقب لابن حمزة الطوسي ص ٤٩٧ ومدينة المعاجز ج ٧ ص ٢٣٥ و ٢٣٦ وفرائد السمطين ج ٢ ص ٢٠٨ ح ٤٨٧ وراجع : مستدرك سفينة البحار ـ

١٤٥

جبر : الغلام المعذب :

وقالوا : إن غلاما اسمه «جبر» كان قد أسلم على يد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وكتم ذلك عن أهله فلا يدرون به ، فلما ارتد ابن أبي سرح إلى مكة أخبرهم بإسلام ذلك الغلام ، فعذبوه أشد العذاب ، حتى قال لهم الذي يريدون.

فلما فتح النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مكة جاء الغلام فشكا إليه ما لقي بسبب ابن أبي سرح.

قال : فأعطاه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ثمنه ، فاشترى نفسه فعتق ، واستغنى ، ونكح امرأة لها شرف (١).

ونقول :

إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد حل مشكلة ذلك الغلام ، بصورة أساسية من ثلاث جهات :

١ ـ أعطاه ما اشترى به نفسه من جلاديه ، الذين عذبوه أشد العذاب ، وحصل على نعمة الحرية ، وهي من أغلى الأمنيات عنده.

٢ ـ أعطاه ما أغناه ..

٣ ـ تزوج امرأة لها شرف.

__________________

ـ ج ٥ ص ٤٢١ والبحار ج ٤٩ ص ٥٩ وإثبات الهداة ج ٦ ص ١٥٤ وشرح إحقاق الحق ج ٣٣ ص ٨٤٤.

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٨٦٥ و ٨٦٦ والإصابة ج ٤ ص ٢٢٥ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ٥.

١٤٦

ولنا أن نشير أيضا إلى مايلي :

١ ـ إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يشتر ذلك الغلام من صاحبه ، بل أعطاه المال ، وكان هو اشترى نفسه منه ، فعتق بصورة تلقائية ، لأن الإنسان لا يملك نفسه.

ولو أن أحدا كان قد اشتراه ، فسيبقى بانتظار إنشاء صيغة العتق من قبل ذلك المشتري.

٢ ـ إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يأخذ ذلك الغلام من صاحبه قهرا.

٣ ـ إننا لم نستطع أن نعرف من الذي قام بتعذيب ذلك الغلام. هل هو مالكه نفسه؟ أم آخرون من سائر أهله ، أم من غيرهم من فراعنة قريش؟!

مظاهر تقوى ابن عبادة :

لما فتح «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مكة جلس عبد الرحمن بن عوف في مجلس جماعة ، منهم سعد بن عبادة ، فمرّ نسوة من قريش ، فقال سعد : قد كان يذكر لنا من نساء قريش حسن وجمال ، ما رأيناهن كذلك.

فغضب ابن عوف ، وجبه سعدا ، فشكاه إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فغضب «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حتى كان وجهه ليتوقد ، ثم قال :

«رأيتهن وقد أصبن بآبائهن ، وأبنائهن ، وإخوانهن ، وأزواجهن. خير نساء ركبن الإبل نساء قريش ، أحناه على ولد ، وأبذله لزوج ما ملكت يد» (١).

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٨٦٧.

١٤٧

ونقول :

إن هذه القضية إن دلت على شيء ، فإنها تدل على الأمور التالية :

١ ـ إن سعد بن عبادة الذي رشح نفسه لخلافة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولم يوكل الأمر إلى من عينه الله ورسوله ، فيكون معه ، ورهن إشارته ، وطوع أمره.

نعم ، إن سعدا هذا لا يفكر في مستقبل الإسلام في مكة ، وفي المنطقة بأسرها .. وفي كيفية حمايته ، وتقويته ، ونشره ، ولكنه يفكر في أمور تدعوه إليها شهوته ، ويزينها له هواه ، وتعبث به من خلالها شياطين الغواية والإضلال ..

ثم لم يردعه شرفه ، وموقعه ، ولا منعه دينه وتقواه ، من أن يتصفح وجوه النساء حتى لو كن محصنات ، ليتبين معالم الجمال في تلك الوجوه ، ثم يقارن بين ما يراه وما سمعه ..

٢ ـ ثم يغضب عبد الرحمن بن عوف ، ويجبه سعدا ، ولا ندري إن كان قد غضب لله ، أو أنه غضب لانتقاص سعد من جمال نساء قريش ، حمية للعشيرة ، وانسياقا مع العصبية.

٣ ـ وإذا أردنا أن نصدق أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد قال كلمته المتقدمة في هذه المناسبة بالذات ، ونحن نشك في ذلك ـ كما سنرى ـ فإننا نقول :

إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يغضب من منطق سعد .. وينتصر لنساء قريش. ولكنه انتصار الأتقياء الأبرار ، والأصفياء الأخيار ، حين يحوّل مسار المقارنة ، من مقارنة بين أمور مبتذلة وساقطة ، وشكلية ، وشهوانية ، لتصبح مقارنة بين واقع راهن. حين يقرن إلى معان سامية ، وقيم إنسانية نبيلة.

١٤٨

إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يقم وزنا لجمال الصورة ، ومثار الشهوات. بل تحدث عن كمال نساء قريش في إنسانيتهن ، من حيث أنهن قد بلغن الغاية في الحنان ، ولكن على أولادهن ، حيث يحتاج أولادهن إلى هذا الحنان الذي يغني أرواحهم ، بالعاطفة ، وبالرحمة ، لا بالقسوة الكاسرة والشريرة ..

كما أنهن يمثلن القمة في العطاء ، ولكنه ليس عطاء عشوائيا يحمل في طياته تبذير المال ، وتمزيق ثروة الزوج ، بل العطاء للزوج .. الذي يبني الأسرة ويقويها ، ويجعل المال متمركزا في الموقع القادر على تحريكه ، بحكمة ، وروية ، وبصورة مؤثرة ومنتجة للمزيد من الرخاء ، والراحة من التعب والعناء ..

لعل ثمة تزويرا :

والذي نراه : أن هذا الجواب النبوي ربما يكون قد حوّر وزوّر ليصبح في غير الاتجاه الذي انطلق فيه ..

إذ إن الصحيح هو : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد خطب أم هاني أخت علي «عليه‌السلام» ، فاعتذرت له بأنها مصابه فتركها ، وقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : خير نساء ركبن الإبل ، نساء قريش ، أحناهن على ولد في صغره ، وأرعاهن على زوج في ذات يده (١).

__________________

(١) مسند أحمد ج ٢ ص ٢٦٩ و ٢٧٥ و ٤٤٩ و ٥٠٢ وسبل الهدى والرشاد ج ١ ص ٢٢٥ وج ١١ ص ٢٣٢ و ٢٣٦ وصحيح مسلم ج ٧ ص ١٨٢ والطبقات الكبرى ج ٨ ص ١٥٢ والمعجم الأوسط ج ٤ ص ٢٨٣ و ٢٩٥ وج ٥ ص ٣٨٠ والمعجم الكبير ج ٢٤ ص ٤٣٦ و ٤٣٧ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣ ص ٢٤٣ وج ٤١ ص ٣٤١ وج ٧٠ ص ١١٥ وشرح مسلم للنووي ج ١٥ ص ٩٢ وج ١٦ ص ٨٠ ومجمع الزوائد ج ٤ ـ

١٤٩

__________________

ـ ص ٢٧١ وصحيفة همام بن منبه ص ٤٣ والمصنف للصنعاني ج ١١ ص ٣٠٣ ومسند الحميدي ج ٢ ص ٤٥٢ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٧ ص ٥٤٧ والآحاد والمثاني ج ٥ ص ٤٥٩ وكتاب السنة لابن أبي عاصم ص ٦٢٥ و ٦٢٦ والسنن الكبرى للنسائي ج ٥ ص ٣٥٣ و ٣٥٤ ومسند أبي يعلى ج ١٢ ص ٢٥ وصحيح ابن حبان ج ١٤ ص ١٦٣ و ١٦٤ و ١٦٥ ومسند الشاميين ج ٢ ص ١٢٨ ج ٣ ص ٢٤ وج ٤ ص ١٦٦ و ٢٧٥ والجامع الصغير ج ١ ص ٦٢٩ وكنز العمال ج ١٢ ص ١٤٥ و ١٤٦ وتفسير القرآن للصنعاني ج ١ ص ١٢١ وجامع البيان ج ٣ ص ٣٥٧ و ٣٥٨ وتفسير القرآن العظيم ج ١ ص ٣٧٠ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٣ والإصابة ج ٨ ص ١٩٧ و ٤٨٥ والمنتخب من ذيل المذيل ص ١١٠ والبداية والنهاية ج ٢ ص ٧١ وج ٥ ص ٣٢٢ وقصص الأنبياء لابن كثير ج ٢ ص ٣٧٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٥٩٦ ولسان العرب ج ١٤ ص ٢٠٣ وفقه السنة ج ٢ ص ٢١ وعيون أخبار الرضا ج ١ ص ٦٧ والنوادر للراوندي ص ١٧٧ وجامع أحاديث الشيعة ج ٢٠ ص ٤٨ وصحيح البخاري ج ٤ ص ١٣٩ وج ٦ ص ١٢٠ و ١٩٣ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٧ ص ٢٩٣ وعمدة القاري ج ١٦ ص ٢٦ وج ٢٠ ص ٧٨ وج ٢١ ص ٢٢ والديباج على مسلم ج ٥ ص ٣٣١ وصحيفة همام بن منبه ص ٤٣ وتغليق التعليق ج ٤ ص ٣٥ و ٤٨٢ وفيض القدير ج ٣ ص ٦٥٦ وتفسير ابن أبي حاتم ج ٢ ص ٦٤٧ والمحرر الوجيز في تفسير القرآن العزيز ج ١ ص ٤٣٣ وتفسير الآلوسي ج ٣ ص ١٥٥ وإمتاع السماع ج ٦ ص ١٠٢ وقصص الأنبياء لابن كثير ج ٢ ص ٣٧٦.

١٥٠

الفصل الثالث :

تشريعات وأحكام

١٥١
١٥٢

الولد للفراش :

عن عائشة قالت : كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد أن يقبض عبد الرحمن ابن وليدة زمعة ، وقال عتبة : إنه ابني.

فلما قدم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مكة في الفتح رأى سعد الغلام فعرفه بالشبه ، فاحتضنة إليه وقال : ابن أخي ورب الكعبة.

فأقبل به إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وأقبل معه عبد بن زمعة ، فقال سعد بن أبي وقاص : هذا ابن أخي عهد إلي أنه ابنه.

فقال عبد بن زمعة : يا رسول الله ، هذا أخي ، هذا ابن زمعة ولد على فراشه ، فنظر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى ابن وليدة زمعة ، فإذا هو أشبه الناس بعتبة بن أبي وقاص ، فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «هو» ، أي الولد «لك ، هو أخوك يا عبد بن زمعة ، من أجل أنه ولد على فراشه ، الولد للفراش ، وللعاهر الحجر ، واحتجبي منه يا سودة ، لما رأى من شبه عتبة بن أبي وقاص بالولد» (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٥٨ و ٢٥٩ عن البخاري ، وفي هامشه عن : البخاري ج ٥ ص ٣٧١ (٢٧٤٥) وصحيح مسلم ج ٢ ص ١٠٨٠ (٣٦ / ١٤٥٧) وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٤ و (ط دار المعرفة) ص ٥٩ وسنن الدارمي

١٥٣

فلم يرها حتى لقي الله.

وفي بعض الروايات : احتجبي منه يا سودة ، فليس لك بأخ (١).

ونقول :

أولا : إن مجرد وجود شبه بين طفل وبين شخص ، لا يعني أن يكون لذلك الشخص شأن وعلاقة مباضعة توجب انتساب ذلك الطفل إليه ، فقد يكون للشبه بعض الأسباب الوراثية ، أو التخيلية في حالات معينة ، التي ليس منها العلاقة الجنسية بالأم.

ثانيا : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يتفوه بما يعده الشارع قذفا ،

__________________

ج ٢ ص ١٥٣ وسبل السلام ج ٣ ص ٢١١ ومسند أحمد (ط دار صادر) ج ٦ ص ١٢٩ وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج ٣ ص ٣٩ وج ٥ ص ٩٦ وج ٨ ص ١٢ وصحيح مسلم (ط دار الفكر) ج ٤ ص ١٧١ وسنن النسائي ج ٦ ص ١٨٠ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ٨٦ و ٨٧ ج ١٠ ص ١٥٠ و ٢٦٦ وعمدة القاري للعيني ج ١١ ص ١٦٧ و ١٦٨ وج ١٢ ص ٣٢ وج ١٧ ص ٢٩٠ وفتح الباري ج ٨ ص ١٩ وج ١٢ ص ٢٧ ومسند الشاميين ج ٤ ص ١٩٢ ومعرفة السنن والآثار ج ٤ ص ٤٧٩ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٦٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٠٠ ومسند أبي داود الطيالسي ص ٢٠٤ والسنن الكبرى للنسائي ج ٣ ص ٣٧٨ وكنز العمال ج ٦ ص ٢٠٠.

(١) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٤ و (ط دار المعرفة) ص ٥٩ و ٣٧٨ وسنن النسائي ج ٦ ص ١٨١ وفتح الباري ج ١٢ ص ٣١ وشرح سنن النسائي للسيوطي ج ٦ ص ١٨١ وحاشية السندي ج ٦ ص ١٨٠ و ١٨١ والسنن الكبرى للنسائي ج ٣ ص ٣٧٩ وسنن الدارقطني ج ٤ ص ١٥٦ ومسند أحمد ج ٤ ص ٥ والمصنف للصنعاني ج ٧ ص ٤٤٣ وكنز العمال ج ١١ ص ٨ و ٨٥.

١٥٤

ولا سيما بعد أن حكم بأن الولد للفراش ، وللعاهر الحجر ، فالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يحكم على خلاف ما حكم به الشارع ، فما معنى أن ينسب إليه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أنه قال لسودة : «فليس لك بأخ»؟!

الصلاة في مكة ، والصلاة في بيت المقدس :

عن جابر : أن رجلا قال للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يوم الفتح : إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «صل ههنا».

فسأله ، فقال : «صل ههنا».

فسأله ، فقال : شأنك إذن (١).

__________________

(١) راجع : سبل الهدى والرشاد الصالحي الشامي ج ٥ ص ٢٥٩ والمجموع للنووي ج ٨ ص ٤٧٣ والمغني لابن قدامه ج ١١ ص ٣٥٢ والشرح الكبير لابن قدامه ج ١١ ص ٣٦٥ وكشاف القناع للبهوتي ج ٢ ص ٤١٠ والمحلى لابن حزم ج ٨ ص ١٩ و ٢٠ وسبل السلام ج ٤ ص ١١٤ ونيل الأوطار للشوكاني ج ٩ ص ١٥٢ ومسند أاحمد ج ٣ ص ٣٦٣ وسنن الدارمي ج ٢ ص ١٨٤ وسنن أبي داود ج ٢ ص ١٠٢ والمستدرك للحاكم ج ٤ ص ٣٠٤ و ٣٠٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج ١٠ ص ٨٢ وفتح الباري ج ٣ ص ٥٣ وعمدة القاري ج ٧ ص ٢٥٣ ومنتخب مسند عبد بن حميد ص ٣١٠ ومسند أبي يعلى ج ٤ ص ٨٨ وشرح معاني الآثار ج ٣ ص ١٢٥ ومعرفة السنن والآثار للبيهقي وج ٧ ص ٣٤٨ والإستذكار لابن عبد البر ج ٥ ص ١٧٠ وأضواء البيان للشنقيطي ج ٥ ص ٢٥٣ والكامل لابن عدي ج ٢ ص ٤٥ وميزان الإعتدال للذهبي ج ١ ص ٣٤٢ ولسان الميزان لابن حجر ج ٢ ص ٤٥.

١٥٥

وفي رواية عن بعض الصحابة ، فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «والذي بعث محمدا بالحق ، لو صليت ههنا لقضى عنك ذلك كل صلاة في بيت المقدس» (١).

وفي رواية عن الأرقم : أنه جاء إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فسلم عليه ، فقال : أين تريد؟

قال : أردت يا رسول الله ههنا وأشار بيده إلى حد المقدس.

قال : ما يخرجك إليه ، أتجارة؟!

قال : قلت : لا ، ولكن أردت الصلاة فيه.

قال : فالصلاة ههنا ، وأومأ بيده إلى مكة ، خير من ألف صلاة ، وأومأ بيده إلى الشام (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد وج ٩ ص ١٠٣ وج ٥ ص ٢٥٩ عن أبي داود ، والحاكم ، وأشار في هامشه إلى : مسند أحمد ج ٣ ص ٣٦٣ وأبي داود (٣٣٠٥) ، والبيهقي ج ١٠ ص ٨٢ والدارمي ج ٢ ص ١٨٥ والطحاوي في المعاني ج ٣ ص ١١٥ والبخاري في التاريخ ج ٦ ص ١٧٠ والحاكم ج ٤ ص ٣٠٤.

وراجع : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٨٦٦ وتذكرة الفقهاء (ط ق) ج ١ ص ٢٨٨ والشرح الكبير لابن قدامه ج ٣ ص ١٢٩ وج ١١ ص ٣٦٦ وسنن أبي داود ج ٢ ص ١٠٢ وأضواء البيان ج ٥ ص ٢٥٣ ونيل الأوطار ج ٩ ص ١٥٣ ومسند أحمد ج ٥ ص ٣٧٣ وكنز العمال ج ١٢ ص ٢١١ و ٢٥٧ وج ١٤ ص ١١٦ والمغني ج ١١ ص ٣٥٢.

(٢) راجع : مجمع الزوائد ج ٤ ص ٥ واللمع في أسباب ورود الحديث للسيوطي ص ٥٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٩ ص ٢٦٨ نيل الأوطار ج ٩ ص ١٥٤ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٥٠٤ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٤٧٩ والمعجم

١٥٦

وقالت ميمونة ، زوج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : يا رسول الله ، إني جعلت على نفسي ، إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس.

فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : لا تقدرين على ذلك ، يحول بينك وبينه الروم.

فقالت : آتي بخفير ، يقبل ويدبر.

فقال : لا تقدرين على ذلك ، ولكن ابعثي بزيت يستصبح لك به فيه ، فكأنك أتيته.

فكانت ميمونة تبعث إلى بيت المقدس كل سنة بمال يشترى به زيت ، يستصبح به في بيت المقدس ، حتى ماتت فأوصت بذلك (١).

ونقول :

١ ـ إننا لا ننكر أن لبيت المقدس فضلا وقيمة ، فإن فيه محاريب الأنبياء ، وباب حطة ، وغير ذلك ، والصلاة فيه تعدل ألف صلاة (٢). وهو من

__________________

الكبير ج ١ ص ٣٠٧ وكنز العمال ج ١٤ ص ١٣٨ وأسد الغابة ج ١ ص ٦٠ والسيرة ج ٢ ص ٢١ وعمدة القاري ج ٧ ص ٢٥٥ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٣٦٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٦٧٢.

(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٨٦٦ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه ج ١ ص ١٥٢ وراجع ص ١٤٨ وثواب الأعمال ص ١٢٨ والمحاسن ج ١ ص ٥٥ والبحار ج ٩٩ ص ٢٧٠ عنهما ، وعن تهذيب الأحكام ج ٣ ص ٥٣ والجامع للشرايع ص ١٠٣ ومنتهى المطلب (ط ق) ج ١ ص ٣٨٦ ونهاية الحكام ج ١ ص ٣٥٣ وكشف اللثام (ط ج) ج ٣ ص ٣٢٠ و (ط ق) ج ١ ص ٢٠١ والينابيع الفقهية ج ٤ ص ٨٨٨ والمبسوط للسرخسي ج ٣ ص ١٣٢

١٥٧

قصور الجنة (١).

غير أننا نقول :

لما ذا ينذر هؤلاء لبيت المقدس ، ولا ينذرون للكعبة المشرفة ، فإنها أشرف وأفضل من بيت المقدس؟!

٢ ـ لما ذا لا يقبل ذلك الرجل ما يامره به رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من الإستعاضة عن الصلاة في بيت المقدس بالصلاة في مكة المكرمة ، والكعبة الشريفة؟!

بل إن ميمونة ، وهي زوجة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تناقش هي الأخرى في صدقية ما أخبرها به النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وتلتمس المخارج والسبل للتغلب على ما وضعه أمامها من موانع ، ولو بأن تأتي بخفير ، يقبل ويدبر ، ويستطيع أن يوفر لها القدرة على إسقاط ممانعة الروم لها من الوصول إلى بيت المقدس ، كما أخبرها به رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

ثم هي لا يقر لها قرار حتى اقترح عليها البديل ، الذي يكون لبيت المقدس فيه نصيب وموقع ، وهو أن ترسل بزيت يستصبح به في بيت

__________________

وسبل السلام ج ٢ ص ٢١٦ ونيل الأوطار ج ٩ ص ١٥٤ والمحاسن ج ١ ص ٥٥ ودعائم الإسلام ج ١ ص ١٤٨ ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ٤٣٠ والبحار ج ٨٠ ص ٣٨٠ وجامع أحاديث الشيعة ج ٤ ص ٥٦١ ومعجم البلدان ج ٥ ص ١٦٦ وسبل الهدى والرشاد ج ٣ ص ١٠٨.

(١) البحار ج ٩٦ ص ٢٤٠ و ٣٨٠ وج ٩٩ ص ٢٧٠ عن الأمالي للشيخ الطوسي ج ١ ص ٣٧٩ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ٣ ص ٥٤٥ والإمالي للطوسي ص ٣٦٩ وجامع أحاديث الشيعة ج ٤ ص ٥١٠ و ٥٦١ وتاريخ الكوفة للبراقي ص ٦٧.

١٥٨

المقدس ، فهدأت ورضيت.

٣ ـ إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يقل لميمونة : إن نذرها باطل ، ولا قال لها : إني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فأنا أمنعك من السفر إلى بيت المقدس من هذا المنطلق.

كما أنه لم يقل لها : إنني زوجك ، وأنا أنهاك عن هذا السفر. وبذلك ينحل نذرك.

ولم يقل لها : إن ثمة أخطارا جساما تواجهك في سفرك ، فهو سفر غير راجح ، ولا مرضي ، ولا مستساغ.

بل هو قد ذكر لها : أن هناك مانعا لها من الوفاء بنذرها ، وهو حيلولة الروم بينها وبين الوصول إلى بيت المقدس.

وهذا أمر لا يقبل التأويل ، ولا يسوغ لها ، ولا لغيرها أن تذهب بها الأوهام والظنون في مذاهب مختلفة ، التي قد يوجب بعضها الإخلال بالواجب الديني ، أو الإعتقادي.

ضرب شارب خمر :

وعن عبد الرحمن بن الأزهر قال : رأيت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ـ عام الفتح ـ وأنا غلام شاب ، ينزل عند منزل خالد بن الوليد ، وأتي بشارب فأمرهم ، فضربوه بما في أيديهم ، فمنهم من ضرب بالسوط ، وبالنعل ، وبالعصا. وحثا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (عليه) التراب (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٥٨ عن ابن أبي شيبة ، ودلائل النبوة للبيهقي ج ٨ ص ٣١٩ ومسند أحمد ج ٤ ص ٨٨ و ٣٥٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٤ ص ١٨٤

١٥٩

لا شفاعة في حد :

وعن عائشة : أن امرأة سرقت في عهد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في غزوة الفتح ، فقالوا : من يكلم فيها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟

فقيل : ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد ، حبّ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟

ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعون به إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فلما كلمه أسامة فيها تلوّن وجه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال : «أتكلمني»؟

وفي لفظ : «أتشفع في حد من حدود الله»؟!

قال أسامة : يا رسول الله ، استغفر لي.

فلما كان العشي قام رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خطيبا فأثنى على الله تعالى بما هو أهله ، ثم قال : «أما بعد ، فإنما أهلك الناس».

وفي لفظ : «هلك بنو إسرائيل».

وفي لفظ : «الذين من قبلكم» : أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف.

وفي لفظ : «الوضيع قطعوه».

وفي لفظ : «أقاموا عليه الحد» ، والذي نفسي بيده ، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».

__________________

وتهذيب الكمال ج ١٦ ص ٥١٥ وسنن أبي داود ج ٢ ص ٣٦٢ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٨ ص ٣٢٠ وكنز العمال ج ٥ ص ٤٩٢ وتاريخ المدينة ج ٢ ص ٧٣١.

١٦٠