الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله على لسان وصيّه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

السيّد محسن الحسيني الأميني

الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله على لسان وصيّه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

المؤلف:

السيّد محسن الحسيني الأميني


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: شفق للطباعة والنشر
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-485-069-1
الصفحات: ٣٣٦

(وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ) (١)

إِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَّمَدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلِهِ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتٰابًا ،

وَلٰا يَدَّعِى نُبُوَّةً ، فَسٰاقَ النّاسَ حَتّىٰ

بَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ ، وَبَلَّغَهُمْ مَنْجٰاتَهُمْ ، فَاسْتَقٰامَتْ قَناتُهُمْ ، وَاطْمَأَنَّتْ صَفٰاتُهُمْ.

قوله عليه‌السلام : «إِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلِهِ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتٰابًا» قال الله تعالى : «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ» (٢) لم تكن العرب لتعرف القراءة والكتابة وتدوين الأحداث الإجتماعيّة والسياسيّة والتاريخيّة وغير ذلك في زمن الجاهليّة بل كان الشعر والأخبار والقصص التي تروى شفاهة هي سجل العرب وديوان معارفهم وثقافتهم التاريخيّة ، فغالبيّة الناس آنذاك لم تكن لهم كتب يدرسونها والذي كان بأيديهم من التوراة والإنجيل لم يكن هو المنزل من السماء لمكان التحريف والتغيير الذي وقع فيها كما يشهد له قوله تعالى : «وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» (٣).

قال الطبرسي في مجمع البيان : قيل : نزلت في جماعة من أحبار اليهود

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ص ٧٧ ، الخطبة ٣٣.

٢ ـ الجمعة : ٢.

٣ ـ آل عمران : ٧٨.

٤١

كتبوا بأيديهم ما ليس في كتاب الله من نعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وغيره وأضافوه إلى كتاب الله. وقيل : نزلت اليهود والنصارى حرّفوا التوراة والإنجيل وضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، وألحقوا به ما ليس منه وأسقطوا منه الدين الحنيف (١).

قوله عليه‌السلام : «وَلٰا يَدَّعِى نُبُوَّةً» لمّا شاع خبر بعثة النبيّ ، وقرب ظهوره ، سمّى قوم أبناءهم «محمّداً» طمعاً في النبوّة لما سمعوا أنّ إسم النبيّ الآتي هو «محمّد» منهم محمّد بن سفيان بن مجاشع في بني تميم ، ومحمّد الجشمي في بني سواءة ، ومحمّد الأسيدي ، ومحمّد الفقيمي ، ومحمّد بن مسلمة ، ومحمّد بن اُحيحة ، ومحمّد بن برء البكري ، ومحمّد بن حمران الجعفي ، ومحمّد بن خزاعة السلمي (٢).

بيد أن نظير ذلك قد وقع قبل ظهوره صلى‌الله‌عليه‌وآله لموسى عليه‌السلام ووقع بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله للإمام المهدي الثاني عشر من اَئمة اثنى عشر.

هذا وجماعة من الناس أتوا بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وادّعوا النبوّة كذباً منهم مسيلمة من حنيفة ، وسجاج الّتي تزوجها مسيلمة من بني يربوع ، وأسود بن كعب من عنس ، وطلحة بن خويلد من أسد بن خزيمة لكنّه رجع إلى الاسلام بعد (٣).

قوله عليه‌السلام : «فَسٰاقَ النّٰاسَ حَتّىٰ بَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ» أي قاتلهم بسيفه على الاسلام حتّى أوصلهم إليه ومكّنهم منزلتهم ومرتبتهم الّتي خلقوا لأجلها.

__________________

١ ـ مجمع البيان : ج ١ ـ ٢ ، ص ٤٦٤ ، في شأن النزول.

٢ ـ الطبقات الكبرى : ج ١ ، ص ١٣٤.

٣ ـ بهج الصباغة : ج ٢ ، ص ٢٠٩.

٤٢

قوله عليه‌السلام : «وَبَلَّغَهُمْ مَنْجٰاتَهُمْ» وهو الإسلام الذي لا خوف على سالكه ولا سلامة للمنحرف عنها.

قوله عليه‌السلام : «فَاسْتَقٰامَتْ قَنٰاتُهُمْ ، وَاطْمَأَنَّتْ صَفٰاتُهُمْ» أي استقامت أحوالهم بالإسلام بعد ما كانت متزلزلة وغير ثابتة ، لما كانوا دائماً على الحروب والغارة والقتل والنهب والسلب ، فاطمأنت أحوالهم وصفاتهم فاستقرّوا في مواطنهم آمنين.

* * *

٤٣

(وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ) (١)

اللّٰهُمَّ اجْعَلْ شَرٰائِفَ صَلَوٰاتِكَ وَنَوٰامِىَ بَرَكٰاتِكَ عَلىٰ مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ ، الْخٰاتِمِ لِمٰا سَبَقَ ، وَالْفٰاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ ، وَالْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ ، وَالدّٰافِعِ جَيْشٰاتِ الْأَبٰاطِيلِ ، وَالدّٰامِغِ صَوْلٰاتِ الْأَضٰالِيلِ. كَمٰا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ ، قٰائِمًا بِأَمْرِكَ ، مُسْتَوْفِزًا فِى مَرْضٰاتِكَ ، غَيْرَ نٰاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ ، وَلٰا وٰاهٍ فِى عَزْمٍ ، وٰاعِياً لِوَحْيِكَ ، حاٰفِظًا لِعَهْدِكَ ، مٰاضِياً عَلىٰ نَفٰاذِ أَمْرِكَ ، حَتّىٰ أَوْرىٰ قَبَسَ الْقٰابِسِ ، وَأَضٰاءَ الطَّرِيقَ لِلْخٰابِطِ ، وَهُدِيَتْ بِهِ الْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضٰاتِ الْفِتَنِ وَالْاٰثٰامِ ، وَأَقٰامَ مُوضِحٰاتِ الْأَعْلٰامِ ، وَنَيِّرٰاتِ الْأَحْكٰامِ. فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ ، وَخٰازِنُ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ ، وَشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ ، وَبَعِيثُكَ بِالْحَقِّ ، وَرَسُولُكَ إِلَى الْخَلْقِ. اللّٰهُمَّ افْسَحْ لَهُ مَفْسَحًا فِى ظِلِّكَ ، وَاجْزِهِ مُضٰاعَفٰاتِ الْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ. اللّٰهُمَّ أَعْلِ عَلىٰ بِنٰاءِ الْبٰانِينَ بِنٰاءَهُ ، وَأَكْرِمْ لَدَيْكَ مَنْزِلَتَهُ ، وَأَتْمِمْ لَهُ نُورَهُ ، وَاجْزِهِ مِنِ ابْتِعٰاثِكَ لَهُ مَقْبُولَ الشَّهٰادَةِ مَرْضِىَّ الْمَقٰالَةِ ، ذٰا مَنْطِقٍ عَدْلٍ ، وَخُطَّةٍ فَصْلٍ. اللّٰهُمَّ اجْمَعْ بَيْنَنٰا وَبَيْنَهُ فِى يَرْدِ الْعَيْشِ وَقَرٰارِ النِّعْمَةِ ، وَمُنَى الشَّهَوٰاتِ ، وَأَهْوٰاءِ اللَّذّاٰتِ ، وَرَخٰاءِ الدَّعَةِ ، وَمُنتَهَى الطُّمَأْنِينَةِ وَتُحَفِ الْكَرٰامَةِ.

قوله عليه‌السلام : «اللّٰهُمَّ اجْعَلْ شَرٰائِفَ صَلَوٰاتِكَ وَنَوٰامِىَ بَرَكٰاتِكَ عَلىٰ مُحَمَّدٍ» أي إجعل عوالي صلواتك وزيادة بركاتك على محمّد وآل محمّد تشريفاً له صلى‌الله‌عليه‌وآله وترفيعاً لشأنه وجلالته ، وفي الحديث عن كعب بن عجرة ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : في الصّلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله اللّهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد ،

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ص ١٠١ ، الخطبة ٧٢.

٤٤

اللّهم بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد (١).

وأخرجه الخطيب البغدادي عن علي قال : قالوا : يا رسول الله كيف نصلّي عليك؟ قال : قولوا : اللّهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم (٢).

وأخرجه أحمد بن حنبل عن اُم سلمة ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لفاطمة عليه‌السلام : إيتيني بزوجك وابنيك ، فجاءت بهم ، فألقى عليهم كساءً فدكيّاً ، ثم وضع يده عليهم ، ثم قال : اللّهم إنّ هؤلاء آل محمّد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على محمّد وعلى آل محمّد إنّك حميد مجيد.

قالت اُم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي ، وقال : إنّك على خير (٣).

قوله عليه‌السلام : «عَبْدِكَ» قيل في تفسير العبد : ـ العين ـ علمه بالله ، وـ الباء ـ بعده عن الخلق ، وـ الدال ـ دنّوه من الله بلا إشارة ولا كيف ، يعني لا يحصل للعبد كمال العبوديّة إلّا إذا عرف ربّه سبحانه حقّ معرفته ، وكان قريباً منه بالقرب المعنوي ، قال الله تعالى : «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ» (٤) وكان بعيداً عن الخلق وإن كان فيهم ، أي لا يكون معهم فإنّه حينئذ يحصل له كمال العبوديّة فيدخل في

__________________

١ ـ تاريخ بغداد : ج ٦ ، ص ٢١٦ ، ح ٣٢٧٣.

٢ ـ تاريخ بغداد : ج ١٤ ، ص ٣٠٣ ، ح ٧٦١٤.

٣ ـ مسند أحمد : ج ٦ ، ص ٣٢٣ ، وأخرجه الحسكاني نحوه في شواهد التنزيل : ج ٢ ، ص ١١٥ ، ح ٧٤٧.

٤ ـ البقرة : ١٨٦.

٤٥

جملة من أوليائه المقرّبين قال الله سبحانه : «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» (١) وقال : «إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ» (٢) وقال : «فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ» (٣)

قوله عليه‌السلام : «وَرَسُولِكَ» قال الله تعالى : «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا» (٤) وقال أيضاً : «وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ» (٥)

قوله عليه‌السلام : «الْخٰاتِمِ لِمٰا سَبَقَ» أي لما سبق من الأنبياء والمرسلين عليهم‌السلام ، أو من الملل السابقة.

قوله عليه‌السلام : «وَالْفٰاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ» أي من أمر الجاهليّة والبلايا الموجودة في الأديان السابقة ، قال الله تعالى : «وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ» (٦).

قوله عليه‌السلام : «وَالْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ» أي أظهر الحق الذي هو خلاف الباطل ببيان الصواب قال تعالى : «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ» (٧).

قوله عليه‌السلام : «وَالدّٰافِعِ جَيْشٰاتِ الْأَبٰاطِيلِ» قال الجوهري : جاشت القدر تجيش : أي غلت (٨) أي الدافع لغليان وثوران الفتنة الّتي حصلت في زمن الجاهليّة من القتل والحرب والغارة و ....

قوله عليه‌السلام : «وَالدّٰامِغِ صَوْلٰاتِ الْأَضٰالِيلِ» قال الجوهري : دمغه دمغاً : شجّه حتّى بلغت الشجّة الدماغ (٩).

__________________

١ ـ الإسراء : ١.

٢ ـ ص~ : ٤٤.

٣ ـ النجم : ١٠.

٤ ـ الأحزاب : ٤٥.

٥ ـ المنافقون : ١.

٦ ـ الأعراف : ١٥٧.

٧ ـ الفتح : ٢٨.

٨ ـ الصحاح : ج ٣ ، ص ٩٩٩ ، مادة «جيش».

٩ ـ الصحاح : ج ٤ ، ص ١٣١٨ ، مادة «دمغ».

٤٦

وصال عليه : وثب ، والفحلان يتصاولان ، أي يتواثبان (١) والمراد أنّ التواثب على الضّلال والباطل قد اندفع بوجود النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قوله عليه‌السلام : «كَمٰا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ» أي حمل أعباء الرسالة فنهض وقام بها قويّاً.

قوله عليه‌السلام : «قٰائِمًا بِأَمْرِكَ» أي ممتثلاً بأوامره.

قوله عليه‌السلام : «مُسْتَوْفِزًا فِى مَرْضٰاتِكَ» قال الجوهري : الوفز : العجلة (٢) أي مستعجلاً في تحصيل رضاء الله عزّوجلّ من دون فتور.

قوله عليه‌السلام : «غَيْرَ نٰاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ» أي غير ممتنع عن الإقدام بالواجبات.

قوله عليه‌السلام : «وَلٰا وٰاهٍ فِى عَزْمٍ» أي ولامتهاون في العزم على الإمتثال بالواجبات ، وقد طلب منه قريش أن يصرف عن عزمه فقال : لو قدروا أن يجعلوا الشمس في يميني والقمر في يساري ما صرفت عن عزمي ، ألا ترى بأنّه أشرف اُولي العزم من الرسل.

قوله عليه‌السلام : «وٰاعِيًا لِوَحْيِكَ» أي كان صلى‌الله‌عليه‌وآله فاهماً وملتفتاً ومتوجّها بما يوحى إليه وواعياً به بدون غفلة وسهو.

قوله عليه‌السلام : «حٰافِظاً لِعَهْدِكَ» أي ملتزماً بالعهد ، قال تعالى : «رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ» (٣).

قوله عليه‌السلام : «مٰاضِياً عَلىٰ نَفٰاذِ أَمْرِكَ» أي مصّراً على العمل بالأوامر والنواهي ، وبما كلّف به صلى‌الله‌عليه‌وآله : ومن هنا لمّا استشفع قريش في ترك قطع يد

__________________

١ ـ الصحاح : ج ٥ ، ص ١٧٤٦ ، مادة «صول».

٢ ـ الصحاح : ج ٢ ، ص ٨٩٨ ، مادة «وفز».

٣ ـ الأحزاب : ٢٣.

٤٧

مخزوميّة الّتي سرقت ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتشفّع في حد من حدود الله؟ (١).

قوله عليه‌السلام : «حَتّىٰ أَوْرىٰ» من أوريت الزند : أخرجت ناره.

قوله عليه‌السلام : «قَبَسَ الْقٰابِسِ» قال الجرري : القبس : الشعلة من النار ، واقتباسُها الأخذ منها ، ومنه حديث علي عليه‌السلام «حتّى أورى قبساً لقابس» أي أظهر نوراً من الحق لطالبه ، والقابس طالب النار» (٢).

قوله عليه‌السلام : «وَأَضٰاءَ الطَّرِيقَ لِلْخٰابِطِ» الخابط : الذي يمشى في الليل بلامصباح فيتحيّر ويضّل ، وربّما تردّى في بئر أو سقط على سبع ، وهو كقولهم : يخبط فى عمياء؛ إذا ركب أمراً بجهالة ، قاله الجزري (٣) والمراد : جعل الطريق للخابط مضيئة.

قوله عليه‌السلام : «وَهُدِيَتْ بِهِ الْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضٰاتِ الْفِتَنِ وَالْاٰثٰامِ» أي هديت القلوب القاسية برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ما كانوا في زمن الجاهليّة يئدون البنات وكان شغلهم الحروب والغارات والنهب والقتل والإبادة والأسر ، وشرب الخمور وإتيان الفواحش وغير ذلك.

قوله عليه‌السلام : «وَأَقٰامَ مُوضِحٰاتِ الْأَعْلٰامِ» الموضحة : الّتي توضح للناس الأمور وتكشفها ، والأعلام : جمع علم ، وهو ما يستدلّ به على الطريق ، كالمنارة ونحوها ، والمراد : أنّ رسول الله أقام الأدلّة الواضحة على الحق التي هي كلأعلام المستدلّ بها على الطريق ، وهو القرآن المجيد.

قوله عليه‌السلام : «وَنَيِّرٰاتِ الْأَحْكٰامِ» أي الأحكام الشرعيّة والتكاليف

__________________

١ ـ صحيح مسلم : ج ٣ ، ص ١٣١٥ ، ح ١٦٨٨ / ٨ ـ ١٠ ، باب ٢. قطع السارق الشريف وغيره.

٢ ـ النهاية لإبن الأثير : ج ٤ ، ص ٤ ، مادة «قبس».

٣ ـ النهاية لإبن الأثير : ج ٢ ، ص ٨ ، مادة «خبط».

٤٨

الإلٰهيّة المنوّرة المستنبطة من الأدلّة الشرعيّة «الكتاب والسنة والعقل والإجماع».

قوله عليه‌السلام : «فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ» الأمين : فعيل من الأمانة تقدّم شرحه في الخطبة ٢٦ ، فراجع.

وفي كنز العمّال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما والله إنّي لأمين في السماء أمين في الارض (١).

وقال عمّه أبوطالب فيه :

أنت الأمين أمين الله لا كذب

والصادق القول لا لهو ولالعب

أنت الرسول رسول الله نعلمه

عليك ينزل من ذي العزّة الكتب

أقول : قوله هذا رحمه الله : أحسن دليل على إسلامه.

قوله عليه‌السلام : «وَخٰازِنُ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ» أي العلم المخزون عند الله الّذي لا يعلمه أحد إلّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال تعالى : «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ» (٢)

أخرجه الكليني في حديث : عن سدير الصيرفي قال : سمعت حمران بن أعين يسأل أبا جعفر عليه‌السلام عن قوله جل ذكره : «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا» (٣) فقال أبوجعفر عليه‌السلام : «إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ» (٤) وكان والله محمّد ممّن ارتضاه ، وأما قوله : «عالم الغيب» فإنّ الله عزّوجلّ عالم بما غاب عن خلقه فيما يقدّر من شيئ ، ويقضيه في علمه قبل أن

__________________

١ ـ كنز العمال : ج ١١ ، ص ٤١٣ ، ح ٣١٩٣٧.

٢ ـ الجن : ٢٦ ـ ٢٧.

٣ ـ الجن : ٢٦.

٤ ـ الجن : ٢٧.

٤٩

يخلقه ، وقبل أن يفضيه إلى الملائكة ، فذلك يا حمران علم موقوف عنده ، إليه فيه المشيئة ، فيقضيه إذا أراد ، ويبدو له فيه فلا يمضيه ، فأمّا العلم الذي يقدّره الله عزّوجلّ فيقضيه ويمضيه فهو العلم الذي انتهى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم إلينا (١).

وأخرجه الصدوق عن الصادق عليه‌السلام قال : من مخزون علم الله عزّوجلّ الإتمام في أربعة مواطن : حرم الله عزّوجلّ ، وحرم رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحرم أميرالمؤمنين عليه‌السلام وحرم الحسين بن علي عليهما‌السلام (٢).

قوله عليه‌السلام : «وَشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ» أي يوم القيامة فتكون شهادته صلى‌الله‌عليه‌وآله على اُمّته ، وعلى أئمّة الدين ، وعلى الحجج من لدن آدم إلى آخر الدهر ، كما يشهد له الآيات الكريمة : «وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ» (٣).

وفي تفسير القمي ذيل هذه الآية : فرسول الله شهيد على الأئمة ، وهم شهداء على الناس (٤).

وقوله تعالى : «وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا» (٥).

أخرجه القمي في تفسيره (٦) والكليني في الكافي (٧) والعياشي عن الباقر عليه‌السلام قال : نحن الاُمّة الوسط ، ونحن شهداء الله على خلقه وحججه في أرضه وسمائه (٨).

__________________

١ ـ الكافي : ج ١ ، ص ٢٥٦ ، ح ١ ، باب نادر فيه ذكر الغيب.

٢ ـ الخصال : ص ٢٥٢ ، ح ١٢٣ ، باب من مخزون علم الله عزّوجلّ الإتمام في أربعة مواطن.

٣ ـ النحل : ٨٩.

٤ ـ تفسير القمي : ج ١ ، ص ٣٨٨.

٥ ـ البقرة : ١٤٣.

٦ ـ تفسير القمي : ج ١ ، ص ٣٨٨.

٧ ـ الكافي : ج ١ ، ص ١٩١ ، ح ٤.

٨ ـ تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٦٢ ، ح ١١٠.

٥٠

وأخرجه الحسكاني عن أميرالمومنين عليه‌السلام قال : إيّانا عني بقوله : «لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ» (١) فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شاهد علينا ، ونحن شهداء الله على خلقه ، وحجّته في أرضه ، ونحن الذين قال الله : «وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا» (٢) (٣).

وقوله تعالى : «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا» (٤).

قال الطبرسي في تفسير هذه الآية : إنّ الله يستشهد يوم القيامة كلّ نبيّ على اُمّته فيشهد لهم وعليهم ، ويستشهد نبيّنا على اُمّته (٥).

وفي الكافي : قال : أبو عبدالله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذيل هذه الآية إنّها نزلت في اُمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله خاصة في كلّ قرن منهم إمام منّا شاهد عليهم ، ومحمّد شاهد علينا (٦).

وفي بصائر الدرجات عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام قال : إنّ الله طهّرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه وحجّته في أرضه ، وجعلنا مع القرآن ، وجعل القرآن معنا لا نفارقه ولا يفارقنا (٧).

فمعنى «كونهم شهيداً» : أنّ الأئمّة عليهم‌السلام يشهدون على الأنبياء بأنّ الله أرسلهم ، ويشهدون للأنبياء بأنّهم بلّغوا رسالات ربّهم ، ويشهدون لمن أجابهم وأطاعهم بإجابته وإطاعته ، وعلى من خالفهم وعصاهم بمخالفته وعصيانه ، ويشهدون على محمّد بأن الله أرسله مبشّراً ونذيراً ،

__________________

١ ـ البقرة : ١٤٣.

٢ ـ البقرة : ١٤٣.

٣ ـ شواهد التنزيل : ج ١ ، ص ١١٩ ، ح ١٢٩.

٤ ـ النساء : ٤١.

٥ ـ مجمع البيان : ج ٣ ـ ٤ ، ص ٤٩.

٦ ـ الكافي : ج ١ ، ص ١٩٠ ، ح ١ ، باب في أنّ الأئمة شهداء الله عزّوجلّ على خلقه.

٧ ـ بصائر الدرجات : ص ١٠٣ ، ح ٦ ، باب ١٣. في أنّ الأئمة عليهم‌السلام أنّهم شهداء لله في خلقه.

٥١

ويشهدون له أنّه بلّغ ما أمر بتبليغه وعلى أمّته ولهم كذلك ، ويشهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم بما حملهم من أمر الخلافة ولهم بما أدّوا ما حمّلوا.

وفي تفسير النيسابوري : روي أنّ الأُمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء عليهم‌السلام فيطالب الله تعالى الأنبياء بالبينّة عليه على أنّهم قد بلّغوا ، وهو أعلم للحجّة على الجاحدين وزيادة لخزيهم ، فيؤتى باُمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فيشهدون. فيقول الأُمم : من أين عرفتم؟ فيقولون : عرفنا ذلك بإخبار الله تعالى في كتابه الناطق على لسان نبيّه الصادق ، فيؤتى عند ذلك بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ويُسئل عن أُمّته فيزكّيهم ويشهد بعدالتهم ، وذلك قوله تعالى : «وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا» (١) ومن الحكمة في ذلك ، تمييز أُمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله في الفضل عن ساير الأُمم حيث يبادرون إلى تصديق الله وتصديق الأنبياء والإيمان بهم جميعاً ، فهم بالنسبة إلى غيرهم كالعدل بالنسبة إلى الفاسق فلذلك تقبل شهادتهم على الأُمم ولا تقبل شهادة الأُمم عليهم (٢).

قوله عليه‌السلام : «وَبَعِيثُكَ بِالْحَقِّ» أي مبعوثك وهو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الخلق حق لا إنكار فيه ، قال تعالى : «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» (٣).

قوله عليه‌السلام : «وَرَسُولُكَ إِلَى الْخَلْقِ» قال تعالى : «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا» (٤).

__________________

١ ـ البقرة : ١٤٣.

٢ ـ تفسير النيسابوري في هامش ، تفسير الطبري ج ٢ ، ص ١٢ وأنوار التنزيل : ج ١ ، ص ٨٧ ، مع اختلاف يسير في بعض العبارة.

٣ ـ المائدة : ٦٧.

٤ ـ سبأ : ٢٨.

٥٢

قوله عليه‌السلام : «اللّٰهُمَّ افْسَحْ لَهُ مَفْسَحًا فِى ظِلِّكَ» أي اللهّم أوسع له من لطفك وجودك مكاناً متّسعاً في حظيرة القدس. قال تعالى : «وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ * وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ» (١).

قال الطبرسي في ذيل هذه الآية وفي الخبر إنّ في الجنّة شجرة يسير الراكب في ظلّها مائة سنة لا يقطعها ، إقرؤوا إن شئتم «وظلّ ممدود» (٢).

وقال ايضاً : روي إن أوقات الجنّة كغدوات الصيف لا يكون فيه حرّ ولا برد (٣).

وفي الكافي عن الباقر عليه‌السلام عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث يصف فيه أهل الجنّة ، قال : ويتنعّمون في جنّاتهم في ظلّ ممدود ، في مثل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وأطيب من ذلك (٤).

قوله عليه‌السلام : «وَاجْزِهِ مُضٰاعَفٰاتِ الْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ» أي ضاعف له من الخير بفضلك وجودك قال الله : «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» (٥).

قوله عليه‌السلام : «اللّٰهُمَّ أَعْلِ عَلىٰ بِنٰاءِ الْبٰانِينَ بِنٰاءَهُ» أي اللّهم اجعل ما بناه صلى‌الله‌عليه‌وآله من الشريعة والهداية في الدين أعلى ممّا بنوه سائر الأنبياء من الشرائع في الدين ، قال تعالى : «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» (٦).

__________________

١ ـ الواقعة : ٢٧ ـ ٣٠.

٢ ـ مجمع البيان : ج ٩ ـ ١٠ ، ص ٢١٨.

٣ ـ مجمع البيان : ج ٩ ـ ١٠ ، ص ٢١٨.

٤ ـ الكافي : ج ٨ ، ص ٩٩ ، حديث الجنان والنوق.

٥ ـ الكوثر : ١ ـ ٣.

٦ ـ الصف : ٩.

٥٣

أخرجه الترمذي : عن اُبي بن كعب : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : مثلي في النبيين كمثل رجل بنى داراً فأحسنها وأكملها وجمّلها وترك منها موضع لبنة ، فجعل الناس يطوفون بالبناء ويعجبون منه ، ويقولون : لوتمّ موضع تلك اللبنة ، وأنا في النبيين بموضع تلك اللبنة (١).

قوله عليه‌السلام : «وَأَكْرِمْ لَدَيْكَ مَنْزِلَتَهُ» أي إجعل اللّهم منزلته عندك في أعلى عليين وابعثه مقاماً محموداً يغبطه به الأوّلون والآخرون.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث أنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر (٢).

وفي خبر آخر : وبيدى لواء الحمد ولا فخرّ (٣).

قوله عليه‌السلام : «وَأَتْمِمْ لَهُ نُورَهُ» أي أكمل له نوره يوم القيامة بحيث يطفىء بذلك سائر الأنوار. وإليه الإشارة في قوله تعالى : «يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (٤).

وقال إبن أبي الحديد : وقد روى أنّه تطفأ سائر الأنوار إلّا نور محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم يعطى المخلصون من أصحابه أنواراً يسيرة يبصرون بها مواطىء الأقدام ، فيدعون إلى الله تعالى بزيادة تلك الأنوار وإتمامها. ثم إنّ الله تعالى يتم نور محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فيستطيل حتّى يملأ اَلآفاق ، فذلك هو إتمام نوره صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥).

قوله عليه‌السلام : «وَاجْزِهِ مِنِ ابْتِعٰاثِكَ لَهُ مَقْبُولَ الشَّهٰادَةِ مَرْضِىَّ الْمَقٰالَةِ»

__________________

١ ـ سنن الترمذي : ج ٥ ، ص ٥٤٧ ، ح ٣٦١٣.

٢ ـ سنن الترمذي : ج ٥ ، ص ٥٤٨ ، ح ٣٦١٦.

٣ ـ سنن الترمذي : ج ٥ ، ص ٥٤٨ ، ح ٣٦١٥.

٤ ـ التحريم : ٨.

٥ ـ شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد : ج ٦ ، ص ١٤٢.

٥٤

سأل عليه‌السلام ربّه أن يجزي نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله من بعثته إيّاه الشهادة المقبولة عنده والشفاعة المقبولة لديه.

قوله عليه‌السلام : «ذا مَنْطِقٍ عَدْلٍ ، وَخُطَّةٍ فَصْلٍ» أي صاحب نطق عادل ومنهج فصل ، وعن الكاظم عليه‌السلام كان ليهودي دنانير على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فتقاضاه ، فقال له : ما عندي ما اعطيك. فقال : إنّي لا اُفارقك حتّى تقضيني. فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذن أجلس معك. فجلس معه حتّى صلّى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة ، والغداة ، وكان أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يتهدّدونه ويتوّعدونه ، فنظر إليهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ما الذي تصنعون به؟.

فقالوا : يهودي يحبسك. فقال : لم يبعثني ربّي بأن أظلم معاهداً ولا ٧ غيره. فلمّا علا النهار ، قال اليهودي : أشهد أن لا إلٰه إلّا الله ، وأنّك رسوله ، وشطر مالي في سبيل الله ، ما فعلت الذي فعلت إلّا لأنظر إلى نعتك في التوراة ، فإني قرأت فيها : محمّد بن عبدالله مولده بمكة ومهاجره بطيبة ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخّاب ، ولا متزيّن بالفحش وقول الخنا (١).

قوله عليه‌السلام : «اللّٰهُمَّ اجْمَعْ بَيْنَنٰا وَبَيْنَهُ» في الآخرة.

قوله عليه‌السلام : «فِى بَرْدِ الْعَيْشِ» الذي لا كلفة ولا تكليف فيه.

قوله عليه‌السلام : «وَقَرٰارِ النِّعْمَةِ» أي تكون النعمة باقية ومستمرّة من دون زوال.

قوله عليه‌السلام : «وَمُنَى الشَّهَوٰاتِ ، وَأَهْوٰاءِ اللَّذّاٰتِ» في الجنان العالية

__________________

١ ـ الاُمالى الشيخ الصدوق : ص ٣٧٦ ، ح ٦ ، المجلس ٧١.

٥٥

وقال تعالى : «وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ» (١).

قوله عليه‌السلام : «وَرَخٰاءِ الدَّعَةِ» أي الراحة. قال تعالى : «جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ» (٢).

قوله عليه‌السلام : «وَمُنتَهَى الطُّمَأْنِينَةِ» أي من دون التشويش واضطراب القلب.

قوله عليه‌السلام : «وَتُحَفِ الْكَرٰامَةِ» المعدّة لأهل اليقين من أولياء الله المقربين. ممّا لا عين رأت ولا اُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

* * *

٥٦

(وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ) (١)

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلِهِ

عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَرْسَلَهُ لِإِنْفٰاذِ أَمْرِهِ ،

وَإِنْهٰاءِ عُذْرِهِ ، وَتَقْدِيمِ نُذُرِهِ.

قوله عليه‌السلام : «وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِٰهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَرْسَلَهُ لِإِنْفٰاذِ أَمْرِهِ» كما قال تعالى : «يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي» (٢).

قوله عليه‌السلام : «وَإِنْهٰاءِ عُذْرِهِ» أي بلاغ عذره ، ومن هنا يخاطب الكفار بقوله تعالى : «لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ» (٣).

قوله عليه‌السلام : «وَتَقْدِيمِ نُذُرِهِ» اُمر النبيّ بحمل الرسالة وتبليغ كلمة الله ، والدعوة إلى توحيده وعبادته ، وإصلاح البشريّة ، وإنقاذها من الظلم والكفر والفساد والخرافة ، بقوله تعالى : «قُمْ فَأَنذِرْ» (٤). فانطلق مستجيباً لأمر الله ، يبشّر بالإسلام ، ويدعو إلى سبيل ربّه فكان أوّل من دعاه وطلب منه التصديق به زوجه خديجة بنت خويلد رضي الله عنه وإبن عمّه علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

هكذا بدأت الدعوة إلى الإسلام بدايتها الاُولى عن خفية وخوف ، واستمرّت ثلاث سنوات إلى أن قال تعالى : «فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ» (٥). تتحدّث هذه الآية عن بدء المرحلة العلنيّة والأمر بالإنتقال إليها إنّها توضّح لنا جانباً من ظروف الدعوة إلى الإسلام والعقبات وأساليب المواجهة ، فهي تتحدّث عن تعهّد الله بنصرة نبيّه

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ص ١٠٧ ، الخطبة ٨٣.

٢ ـ الأعراف : ٧٩.

٣ ـ التوبة : ٦٦.

٤ ـ المدثر : ٢.

٥ ـ الحجر : ٩٤.

٥٧

والدفاع عنه وتثبيته له. كما تكشف عن حبّ الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لرسالته وتعلّقه بها ، وضيق صدره ممّا يخشاه عليها من مقاومة المشركين والمستهزئين به.

بيد أن هذا الإنذار كان يختص بالبداية إلى عشيرته الاُقربين قال تعالى : «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» (١) ، ثم إتّسع الإنذار وشمل جميع الناس وقال تعالى : «أَنذِرِ النَّاسَ» (٢). وقال : «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» (٣). فكانت المفاجأة التاريخيّة الكبرى ، والعمل الإعلامي المذهل الذي ملأ نوادي قريش وأحاديث العرب وإجتماعاتها ، فلفّت الأنظار إلىٰ تلك الدعوة واستقطب الإهتمام والرأي العام باتّجاه هذه الإنطلاقة التوحيديّة الرائدة.

* * *

__________________

١ ـ الشعراء : ٢١٤.

٢ ـ إبراهيم : ٤٤.

٣ ـ الرعد : ٧.

٥٨

(وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ) (١)

وَعَمَّرَ فِيكُمْ نَبِيَّهُ أَزْمٰانًا ، حَتّىٰ أَكْمَلَ لَهُ وَلَكُمْ فِيمٰا أَنْزَلَ مِنْ كِتٰابِهِ دِينَهُ الَّذِى رَضِىَ لِنَفْسِهِ ، وَأَنْهىٰ إِلَيْكُمْ عَلىٰ لِسٰانِهِ مَحٰابَّهُ مِنَ الْأَعْمٰالِ وَمَكٰارِهَهُ ، وَنَوٰاهِيَهُ وَأَوامِرَهُ ، فَأَلْقىٰ إِلَيْكُمُ الْمَعْذِرَةَ ، وَاتَّخَذَ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ ، وَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ، وَأَنْذَرَكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذٰابٍ شَدِيدٍ.

قوله عليه‌السلام : «وَعَمَّرَ فِيكُمْ نَبِيَّهُ أَزْمٰاناً» ولد صلى‌الله‌عليه‌وآله في عام الفيل بعد قدوم أصحاب الفيل مكة بخمسين يوماً ، ومن مولده إلى يوم مبعثه أربعون سنة ، أي بعد بنيان الكعبة بخمس سنين ، وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة بعد مبعثه ، وأخفى أمره ثلاث سنين ، وأنزل عليه بمكة من القرآن اثنين وثمانين سورة ، ونزل تمام بعضها بالمدينة ، وهاجر عشراً ، وقبض هو إبن ثلاث وستّين سنة.

قوله عليه‌السلام : «حَتّىٰ أَكْمَلَ لَهُ وَلَكُمْ فِيمٰا أَنْزَلَ مِنْ كِتٰابِهِ دِينَهُ الَّذِى رَضِىَ لِنَفْسِهِ» كقوله تعالى : «أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا» (٢).

وفي المناقب لإبن شهراشوب : المجمع عليه : أنّ الثامن عشر من ذي الحجّة كان يوم غدير خم فأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله منادياً فنادىٰ الصّلاة جامعة وقال : من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : الله ورسوله ، فقال : اللّهم اشهد ، ثم أخذ بيد علي عليه‌السلام فقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله.

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ص ١١٧ ، الخطبة ٨٦.

٢ ـ المائدة : ٣.

٥٩

ويؤكد ذلك أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام استشهد به يوم الدار حيث عدّد فضائله ، فقال : أفيكم من قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت مولاه فعليّ مولاه؟. فقالوا : لا ، فاعترفوا بذلك ، وهم جمهور الصحابة.

وقال حسان بن ثابت :

ينادينهم يوم الغدير نبيّهم

بخم واسمع بالنبيّ منادياً

يقول : فمن مولاكم ووليّكم؟

فقالوا : ولم يبدوا هناك التعاديا

إلٰهك مولانا وأنت ولينا

ولا تجدّن منّا لك اليوم عاصيا

فقال له : قم يا علي فإنّني

رضيتك من بعدي إماماً وهادياً

فمن كنت مولاه فهذا وليّه

فكونوا له أنصار صدق موالياً

هناك دعا اللّهم وال وليّه

وكن للذي عادى عليّاً معاديا (١)

أخرجه السيد هاشم البحراني : عن كتاب المناقب الفاخرة للشريف الرضي بإسناده عن محمّد بن إسحاق ، عن أبي جعفر ، عن جدّه عليهم‌السلام قال : لمّا إنصرف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من حجّة الوداع نزل أرضاً يقال لها : ضجنان ، فنزلت «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ

__________________

١ ـ المناقب لإبن شهراشوب : ج ٣ ، ص ٢٧ ـ ٢٨.

٦٠