السيّد محسن الحسيني الأميني
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: شفق للطباعة والنشر
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-485-069-1
الصفحات: ٣٣٦
وما كان من أمره وأمر الأنبياء بعده ، وأخبر عن شأن بدأ الخلق ، ولم يخبرنا. بمقدار ذلك فنقف عليه كوقوفنا عندما أخبرنا به ... إلى أن قال : فلا نحصر ما لم يحصره الله عزّوجلّ ، ولا تقبل من اليهود ما أوردته ، لنطق القرآن «يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ» (١) «لَيَكْتُمُونَ الْحقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» (٢) ونفيهم النبوّات وجحدهم ما أتوا به من الآيات ممّا أظهره الله عزّوجلّ على يدي عيسى بن مريم من المعجزات ، وعلى يدي نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآله من البراهين الباهرات والدلائل والعلامات. (٣)
قوله عليهالسلام : «وَأَقْبَلَ مِنَ الْاٰخِرَةِ الْإِطِّلٰاعُ» أي الإشراف. وفي النهاية لإبن الأثير المطّلع : مكان الإطلاع من موضع عالٍ. يقال : مطّلع هذا الجبل من مكان كذا : أي مأتاه ومصعده ومنه حديث عمر «لو أنّ لي ما في الأرض جميعاً لا فتديت به من هول المطّلع» يريد به الموقف يوم القيامة ، أوما يشرف عليه من أمر الآخرة عقيب الموت فشبّهه بالمطّلع الذي يشرف عليه من موضع عال (٤).
ويشهد لما قاله عليهالسلام : من دنّوا إطلاع الآخرة قوله تعالى : «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ» (٥) وقوله تعالى : «اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ» (٦).
قوله عليهالسلام : «وَأَظْلَمَتْ بَهْجَتُهٰا بَعْدَ إِشْرٰاقٍ» اَلبهْجَةُ : الحُسن. يقال : رجل ذوبَهْجَةٍ قاله الجوهري (٧). والمراد بعد ما كانت الدنيا مبتهجة
__________________
١ ـ النساء : ٤٦.
٢ ـ البقرة : ١٤٦.
٣ ـ مروج الذهب : ج ٢ ، ص ٢٧٩.
٤ ـ النهاية لإبن الأثير : ج ٣ ، ص ١٣٢ ـ ١٣٣.
٥ ـ القمر : ١.
٦ ـ الأنبياء : ١.
٧ ـ الصحاح : ج ١ ، ص ٣٠٠ ، مادة «بهج».
بوجود الأنبياء السابقين مشرقة مضيئة بأنوار هدايتهم ، فأظلمت بهجتها أي ذهب حسنها ونضارتها بطول زمان الفترة وتمادي مدّة الغفلة والضلالة.
قوله عليهالسلام : «وَقٰامَتْ بِأَهْلِهٰا عَلىٰ سٰاقٍ» إشارة إلى أنّ الدنيا كانت في زمان الفترة أي قبل بعثته صلىاللهعليهوآله في غاية الشدّة بأهلها من ضيق المعيشة ، والقتل والدمار وإثارة الفتن ، وتهييج الشرور والمفاسد ، وغير ذلك.
قوله عليهالسلام : «وَخَشُنَ مِنْهٰا مِهٰادٌ» المهاد : الفراش ، وكنى به عليهالسلام عن عدم الإستقرار بها ، وفقدان طيب العيش والراحة.
قوله عليهالسلام : «وَأَزِفَ مِنْهٰا قِيٰادٌ» أي قرب زمان إنقيادها إلى الفناء والزوال.
قوله عليهالسلام : «فِى انْقِطٰاعٍ مِنْ مُدَّتِهٰا» أي بانقضائها وفنائها.
قوله عليهالسلام : «وَاقْتِرٰابٍ مِنْ أَشْرٰاطِهٰا» اقتباس من قوله تعالى : «فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا» (١) أي آياتها وعلاماتها الدّالة على زوالها ، وإضافتها إلى الدنيا لأنّها تحدث في الدنيا وإن كانت هي من علامات وأشراط الساعة.
قوله عليهالسلام : «وَتَصَرُّمٍ مِنْ أَهْلِهٰا» أي الإنقطاع منهم.
قوله عليهالسلام : «وَانْفِصٰامٍ مِنْ حَلْقَتِهٰا» فصم الشيئ : كسره من غير أن يبيّن. قاله الجوهري (٢) والمراد هنا أي الإنكسار في العقائد الباطلة في زمن الفترة. أي في زمن الجاهليّة.
قوله عليهالسلام : «وَانْتِشٰارٍ مِنْ سَبَبِهٰا» السبب : كلّ شيئ يتوصّل به إلى غيره يقال له : السبب والسبب ايضاً : الحبل قاله الجوهري (٣) والمراد إنتشار حبل الإسلام.
__________________
١ ـ محمّد : ١٨.
٢ ـ الصحاح : ج ٥ ، ص ٢٠٠٢ ، مادة «فصم».
٣ ـ الصحاح : ج ١ ، ص ١٤٥ ، مادة «سبب».
قوله عليهالسلام : «وَعَفٰاءٍ مِنْ أَعْلٰامِهٰا» قال الجوهري : العفاء : الدروس والهلاك (١) والمراد إندراس العلماء والصلحاء الذين يهتدى بهم في ظلمات الجهالة.
قوله عليهالسلام : «وَتَكَشُّفٍ مِنْ عَوْرٰاتِهٰا» العورة : سوأة الإنسان وكلّ ما يستحيامنه ، قاله الجوهري (٢) أي ظهور معايبها ومساوئها التي كانت مستورة.
قوله عليهالسلام : «وَقِصَرٍ مِنْ طُولِهٰا» من الواضح أن طول الدنيا وبقائها إنّما يكون عند صلاحها باتّباع أحكام الإسلام ، إذن قصرها يكون عند فسادها وعدم تطبيق النظام الإسلامي.
قوله عليهالسلام : «جَعَلَهُ اللهُ سُبْحٰانَهُ بَلٰاغًا لِرِسٰالَتِهِ» أي أرسل الله نبيّه صلىاللهعليهوآله لعباده لتبيين شريعته وأحكامه قال الله : «لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ» (٣) وقال تعالى : «وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ» (٤).
قوله عليهالسلام : «وَكَرٰامَةً لِأُمَّتِهِ» أي أكرم الله عزّوجلّ أُمّة رسوله صلىاللهعليهوآله بجعله صلىاللهعليهوآله رسولاً لهم ، وبجعلهم أُمّة له.
قوله عليهالسلام : «وَرَبِيعًا لِأَهْلِ زَمٰانِهِ» أي أنّ وجوده صلىاللهعليهوآله لأهل زمانه كان كالربيع لهم. فكانوا يبتهجون ببهجة جماله وحسن أخلاقه كما يبتهجون بالربيع وطراوته. ولقد أجاد أبو طالب حيث قال :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه |
|
ربيع اليتامى عصمة للأرامل |
__________________
١ ـ الصحاح : ج ٦ ، ص ٢٤٣١ ، مادة «عفا».
٢ ـ الصحاح : ج ٢ ، ص ٧٥٩ ، مادة «عور».
٣ ـ النساء : ١٦٥.
٤ ـ النور : ٥٤ ، والعنكبوت : ١٨.
أخرجه الشيخ الطوسي في أماليه عن مسلم الملائي قال : جاء أعرابي إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله فقال : والله يا رسول الله ، لقد أتيناك ومالنا بعير يئط (١) ، ولا غنم تغط (٢) ، ثم أنشأ أبياتاً :
أتيناك يا خير البريّة كلّها |
|
لترحمنا ممّا لقينا من الأزْلِ (٣) |
أتيناك والعذراء يدمىٰ لبانها (٤) |
|
وقد شغلت اُم البنين عن الطفل |
وألقى بكفّيه الفتى إستكانة |
|
من الجوع ضعفاً ما يمّر ولا يحلي |
ولا شيئ ممّا يأكل الناس عندنا |
|
سوى الحنظل العاميّ (٥) والعِلهَز (٦) الفَسْل |
وليس لنا إلّا إليك فرارنا |
|
وأين فرار الناس إلّا إلى الرسول |
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله للصحابة : إنّ هذا الأعرابي يشكو قلّة المطر وقحطاً شديداً. ثم قام يجرّ رداءه حتّى صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه إلى أن قال : اللّهم إسقنا غيثاً مُغيثاً ، مريئاً ، مُرِيعاً ، غَدَقاً ، طَبَقاً ، عاجِلاً غير رائثٍ (٧). نافعاً غير ضارٍّ تملأ به الزرع ، وتنبت الزرع ، وتحيى به الأرض بعد موتها.
__________________
١ ـ أطيط الإبل : صوتها وحنينها.
٢ ـ الغطيط : الصوت ايضاً.
٣ ـ الأزل : القحط والجدب.
٤ ـ اللبان ـ بالكسر ـ : الرضاع.
٥ ـ الحنظل العامي : أي اليابس ، الذي اُتي عليه عام.
٦ ـ العلهز : نبت كالبردي.
٧ ـ المغيث : العام ، والمريع ، المخصب ، والغَدَق : الغزير الغامر ، وغير رائث : أي غير بطيئ.
فما ردّ يده إلى نحره حتّى أحدق السحاب بالمدينة كالإكليل ، والتقت السماء بأرواقها (١) وجاء أهل البطاح يضجّون : يا رسول الله صلىاللهعليهوآله الغرق الغرق. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : اللّهم حوالينا ولا علينا ، فانجاب السحاب عن السماء ، فضحك رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال : لله درّ أبي طالب لو كان حيّاً لقرّت عيناه ، من ينشدنا قوله؟.
فقام عمر بن خطاب ، فقال : عسى أردت يا رسول الله صلىاللهعليهوآله :
وما حملت من ناقة فوق ظهرها |
|
أبرّ وأوفى ذمة من محمّد |
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ليس هذا من قول أبي طالب ، هذا من قول حسّان بن ثابت.
فقام علي بن أبي طالب عليهالسلام ، وقال : كأنّك أردت يا رسول الله صلىاللهعليهوآله :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه |
|
ربيع اليتامى عصمة للأرامل |
تلوذبه الهلاك من آل هاشم |
|
فهم عنده في نعمة وفواضل |
كذبتم وبيت الله يُبزىٰ (٢) محمّد |
|
ولمّا نماصع (٣) دونه ونقاتل |
ونسلّمه حتّى نصرّع حوله |
|
ونذهل عن أبنائنا والحلائل |
__________________
١ ـ الأرواق : جمع روق ، وروق السحاب : سيله ، أي ألقت السماء بجميع ما فيها من المطر.
٢ ـ يبزى : أي يترك ويسلم.
٣ ـ المماصعة : أي المقاتلة والمجادلة بالسيوف.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أجل.
فقام رجل من بني كنانة ، فقال :
لك الحمد والحمد ممّن شكر |
|
سقينا بوجه النبي المطر |
دعا الله خالقه دعوة |
|
وأشخص منه إليه البصر |
فلم يك إلّا كإلقاء الرداء |
|
وأسرع حتّى أتانا الدرر |
فكان كما قاله عمّه |
|
أبوطالب ذا رواءٍ غُزر |
به الله يسقي صيوب الغمام |
|
فهذا العيان وذاك الخبر |
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا كناني بوّأك الله بكلّ بيت قلته بيتاً في الجنّة (١).
ومن أبياته رحمه الله في رسول الله صلىاللهعليهوآله أيضاً :
تلَقّوا ربيع الأبطحين محمّداً |
|
على ربوة في رأس عنقاء عيطل (٢) |
قوله عليهالسلام : «وَرِفْعَةً لِأَعْوٰانِهِ ، وَشَرَفًا لِأَنْصٰارِهِ» أي شرف الله المسلمين ، ورفع شأنهم في الدنيا والآخرة ، بمتابعتهم لرسوله ومعاونتهم له.
* * *
__________________
١ ـ أمالى الشيخ الطوسي : ص ٧٤ ـ ٧٦ ، ح ١١٠ / ١٩ ، المجلس الثالث.
٢ ـ العيطل : الطويل العنق.
(وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ) (١)
|
أَرْسَلَهُ بِالضِّيٰاءِ وَقَدَّمَهُ فِى الْإِصْطِفاءِ ، فَرَتَقَ بِهِ الْمَفٰاتِقَ ، وَسٰاوَرَ بِهِ الْمُغٰالِبَ ، وَذَلَّلَ بِهِ الصُّعُوبَةَ ، وَسَهَّلَ بِهِ الْحُزُونَةَ ، حَتّىٰ سَرَّحَ الضَّلٰالَ عَنْ يَمِينٍ وَشِمٰالٍ. |
قوله عليهالسلام : «أَرْسَلَهُ بِالضِّيٰاءِ» أي بالنور اللامع الساطع من رسول الله صلىاللهعليهوآله فهو نور يهتدى به في ظلمات الجهل ، ويقتدى بأحكامه وسننه.
ويمكن أن يكون المراد بالنور إمّا نور الإيمان ، وبه فسرّ قوله تعالى : «اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ» (٢) أي يخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.
وإمّا نور العلم ، يعني : النبوّة والرسالة الذي كان في قلب محمّد صلىاللهعليهوآله ، ويؤيّده ما ورد في كتاب التوحيد عن الصادق عليهالسلام في قوله تعالى : «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» قال : كذلك الله عزّوجلّ : «مَثَلُ نُورِهِ» قال : محمّد صلىاللهعليهوآله ، «كَمِشْكَاةٍ» قال : صدر محمّد صلىاللهعليهوآله «فِيهَا مِصْبَاحٌ» (٣) قال : فيه نور العلم ، يعني النّبوة (٤).
وإمّا نور القرآن كما في قوله تعالى : «كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ» (٥).
قوله عليهالسلام : «وَقَدَّمَهُ فِى الْإِصْطِفاءِ» الصفي : إمّا بمعنى المصطفىٰ أي
__________________
١ ـ نهج البلاغة : ص ٣٣٠ ، الخطبة ٢١٣.
٢ ـ البقرة : ٢٥٧.
٣ ـ النور : ٣٥.
٤ ـ التوحيد : ص ١٥٧ ، ح ٢ ، باب ١٥ ، تفسير قول الله عزّوجلّ : «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ....».
٥ ـ إبراهيم : ١.
المختار ومنه الصفي والصفيّة لما يختاره الرئيس لنفسه من الغنيمة ، أو بمعني الحبيب المصافي من صافاه الودّ والإخاء ، يقال : هو صفّي من بين إخواني ، ويحتمل أن يكون المراد باصطفائه تعالى له صلىاللهعليهوآله جعله صفوة خلقه وعباده ، أي قدّمه على جميع من إختاره من الأنبياء والمرسلين وفضّله عليهم حتّى صار المصطفىٰ علماً له.
وفي الحديث : إنّ الله إصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ، وإصطفىٰ من ولد إسماعيل كنانة ، وإصطفىٰ من كنانة قريشاً ، وإصطفىٰ من قريش بني هاشم ، وإصطفاني من بني هاشم (١).
قوله عليهالسلام : «فَرَتَقَ بِهِ الْمَفٰاتِقَ» الرتق : ضد الفتق ، والمفاتق : جمع مفتق وهو مصدر ، كالمضرب والمقتل ، والمراد أنّه أصلح ما فسد من اُمورنا في زمن الجاهليّة ، من قطع الأرحام ، وسفك الدماء ، وعبادة الأصنام وغير ذلك.
قوله عليهالسلام : «وَسٰاوَرَ بِهِ الْمُغٰالِبَ» أي وثب على من أراد الغلبة عليه فصار عالياً على المغالب ، وإلى هذا أشار سبحانه وتعالى : «كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ» (٢).
وفي المجمع فى ذيل هذه الآية قال : ويروى أنّ المسلمين قالوا لمّا رأوا ما يفتح الله عليهم من القرى : ليفتحنّ الله علينا الروم وفارس ، فقال المنافقون : أتظنّون أن فارس والروم كبعض القرى التي غلبتهم عليها؟ فأنزل الله هذه الآية (٣).
وكقوله تعالى «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ
__________________
١ ـ الطبقات الكبرى : ج ١ ، ص ١٨ ، ومسند أحمد بن حنبل : ج ٤ ، ص ١٠٧.
٢ ـ المجادلة : ٢١.
٣ ـ مجمع البيان : ج ٩ ـ ١٠ ، ص ٢٥٥.
عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ» (١) أي أنّ دين الإسلام هو الغالب على جميع الأديان بالأدلّة الواضحة والقهر والغلبة.
وفي الحديث عن إبن عبّاس : اجتمع قريش في الحجر ، فتعاقدوا باللات والعزّى ومناة لو رأينا محمّداً لقمنا مقام رجل واحد ، ولنقتلنّه ، فدخلت فاطمة عليهاالسلام على النبيّ صلىاللهعليهوآله باكية ، وحكت مقالتهم ، فقال : يا بنيّة أدني وضوءاً ، فتوضأ وخرج إلى المسجد ، فلمّا رأوه قالوا : ها هوذا ، وخفضت رؤوسهم ، وسقطت أذقانهم في صدورهم ، فلم يصل إليه منهم ، فأخذ النبيّ صلىاللهعليهوآله قبضة من التراب فحصبهم بها وقال : شاهت الوجوه ، فما أصاب رجلاً منهم إلّا قتل يوم بدر (٢).
قوله عليهالسلام : «وَذَلَّلَ بِهِ الصُّعُوبَةَ». أي ذلّل صعوبة الجاهليّة والسنن الماضية ، قال الله تعالى : «وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ» (٣).
قوله عليهالسلام : «وَسَهَّلَ بِهِ الْحُزُونَةَ» الحزونة ضد السهولة ، أي سهّل طريق الحق بالهداية والإرشادات الحكيمة والنصائح الكثيرة.
قوله عليهالسلام : «حَتّىٰ سَرَّحَ الضَّلٰالَ عَنْ يَمِينٍ وَشِمٰالٍ». أي أزال الضلال رأساً ، قال الله : «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ» (٤).
* * *
__________________
١ ـ التوبة : ٣٣ ، والفتح : ٢٨ ، والصف : ٩.
٢ ـ المناقب لإبن شهراشوب : ج ١ ، ص ٧١.
٣ ـ الأعراف : ١٥٧.
٤ ـ الجمعة : ٢.
(وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ) (١)
|
أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَسَيِّدُ عِبٰادِهِ ، كُلَّمٰا نَسَخَ اللهُ الْخَلْقَ فِرْقَتَيْنِ جَعَلَهُ فِى خَيْرِهِمٰا ، لَمْ يُسْهِمْ فِيهِ عٰاهِرٌ ، وَلٰا ضَرَبَ فِيهِ فٰاجِرٌ. |
قوله عليهالسلام : «وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» محمّد علم منقول من الصفة التي معناها كثير الخصال المحمودة ، وهذا الإسم الشريف الواقع علماً عليه صلىاللهعليهوآله وهو أعظم أسمائه وأشهرها كأنّه حمد مرّة بعد مرّة أخرى (٢).
وقال الجوهري : المحمّد : الذي كثرت خصاله المحمودة (٣).
وفي لسان العرب : محمّد وأحمد من أسماء سيّدنا المصطفى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقد سمّيت محمّداً وأحمداً (٤).
وقال الزبيدي : وقد سمّت العرب أحمداً ومحمّداً وهما من أشرف أسمائه صلىاللهعليهوآله ولم يعرف من تسمّى قبله صلىاللهعليهوآله بأحمد ، إلّا ما حكي أنّ الخضر عليهالسلام كان إسمه كذلك (٥).
وقال إبن فارس : سمّي نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآله محمّداً : لكثرة خصاله المحمودة (٦). يعنى ألْهَمَ تعالى أهله صلىاللهعليهوآله تسميته بذلك لما علم من خصاله الحميدة.
__________________
١ ـ نهج البلاغة : ص ٣٣٠ ، الخطبة ٢١٤.
٢ ـ تاج العروس : ج ٨ ، ص ٣٩ ـ ٤٠ ، مادة «حمد».
٣ ـ الصحاح : ج ٢ ، ص ٤٦٦ ، مادة «حمد».
٤ ـ لسان العرب : ج ٣ ، ص ١٥٧ ، مادة «حمد».
٥ ـ تاج العروس : ج ٨ ، ص ٤٠ ، مادة «حمد».
٦ ـ مجمل اللّغة : ج ١ ، ص ٢٥٠ ، ومعجم مقاييس اللّغة : ج ٢ ، ص ١٠٠.
وقال الطريحي : ومحمّد إسم رسول الله صلىاللهعليهوآله في القرآن ، سمّى به لأنّ الله وملائكته وجميع أنبيائه ورسله وجميع أُممهم يحمدونه ويصلّون عليه.
وذكر عن إبن الأعرابي : أنّ لله تعالى ألف إسم وللنبي صلىاللهعليهوآله ألف إسم ، ومن أحسنها محمّد ومحمود وأحمد.
وأحمد : إسم نبيّنا صلىاللهعليهوآله في الإنجيل لحسن ثناء الله عليه في الكتاب بما حمد من أفعاله (١).
وورد في أخبار كثيرة من طرق أهل البيت عليهمالسلام عنه صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «سمّاني الله من فوق عرشه ، وشقّ لي إسماً من أسمائه فسمّاني محمّداً وهو محمود» ، وجعل إسمي في القرآن محمّداً ، فأنا محمود في جميع أهل قيامة في فصل القضاء ، لا يشفع أحد غيري ، وسمّاني في الإنجيل : أحمد ، فأنا محمود في أهل السماء (٢).
وأخرج البخاري في تاريخه الصغير : من طريق علي بن زيد ، قال : كان أبو طالب يقول :
وَشقّ مِنْ إسمِهِ ليُجلّهُ |
|
فذوالعَرشِ مَحمُودٌ وَهذا محمّد (٣) |
قال القسطاني في المواهب : وقد سماّه الله تعالى بهذا الإسم قبل الخلق بألفي عام ، كما ورد من حديث أنس بن مالك من طريق أبي نعيم في مناجاة موسى عليهالسلام (٤).
__________________
١ ـ مجمع البحرين : ج ٣ ، ص ٤٠ ، مادة «حمد».
٢ ـ الخصال : ص ٤٢٥ ، ح ١ ، باب العشر أسماء النبيّ صلىاللهعليهوآله ، معاني الأخبار : ص ٥٠ ، ح ١ ، باب معاني أسماء النبيّ صلىاللهعليهوآله.
٣ ـ شرح المواهب : ج ٣ ، ص ١٥٥. نقلاً عنه.
٤ ـ شرح المواهب : ج ٣ ، ص ١٥٦.
قال إبن قتبية : ومن أعلام نبوّته صلىاللهعليهوآله إنّه لم يسمّ أحد قبله بإسمه محمّد ، صيانة من الله بهذا الإسم كما فعل بيحيى إذ «لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا» (١).
وذلك أنّه تعالى سماّه في الكتب المتقدّمة وبشّر به الأنبياء ، فلو جعل إسمه مشتركاً فيه لوقعت الشبهة ، إلّا أنّه لمّا قرب زمانه وبشّر أهل الكتاب بقربه سمّى قوم أولادهم بذلك رجاء أن يكون هو ، ولكن «اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ» (٢) (٣).
وهو أبو القاسم محمّد بن عبد الله بن عبد المطلّب ، خاتم النبيين ، وسيّد المرسلين ، حملت به أُمّه في أيّام التشريق في شعب أبي طالب عند الجمرة الوسطى ليلة الجمعة ، وهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة ، ولد صلىاللهعليهوآله بمكة يوم الجمعة عند طلوع الشّمس السابع عشر من شهر ربيع الأوّل عام الفيل وفاقاً لما عليه جمهور الشيعة.
وعند جمهور العامة : أنّه ولد يوم الإثنين من ربيع الأوّل.
ومات أبوه عبد الله بن عبد المطّلب ، وهو إبن شهرين أو سبعة أشهر ، ولمّا بلغ أربعاً أو ستّاً من السنين ماتت أُمّه ، وعاش في حجر جدّه عبد المطّلب ثماني سنين وشهرين وعشرة أيّام.
فتوفّي عبد المطّلب ووليه عمّه أبو طالب عليهالسلام وذهب به إلى الشام بعد ماتمّ له اثنتا عشرة سنة وشهران وعشرة أيّام ، ورجع من بصرى وخرج إلى الشام مرّة أخرى مع ميسرة غلام خديجة في تجارة لها قبل أن يتزوّجها ، ثم تزوّجها بعد ما بلغ خمساً وعشرين ، وبقيت معه ثمانية عشرة سنة.
ولمّا بلغ خمساً وثلاثين شهد بنيان الكعبة ، فلمّا بلغ أربعين سنة بعثه
__________________
١ ـ مريم : ٧.
٢ ـ الأنعام : ١٢٤.
٣ ـ شرح المواهب : ج ٣ ص ١٥٨ ، نقلاً عن إبن القتيبة.
الله رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً يوم الإثنين في السابع والعشرين من رجب فما من شجر وحجر إلّا سلّم عليه قائلاً : السلام عليك يا رسول الله ، وفرض عليه التبليغ وقراءة القرآن.
ولمّا تمّت له إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر اُسري به «ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ» (١) وفرض عليه خمس الصلوات.
ولمّا بلغ ثلاثاً وخمسين هاجر إلى المدينة يوم الإثنين لثمان خلون من شهر ربيع الأوّل ، ودخلها ضحى يوم الإثنين ، واُذن له في الجهاد في السنة الثانية لمن إبتدأه في غير الأشهر الحرم ، ثم اُبيح له إبتداؤهم فيها أيضاً ، وفيها وجب صوم شهر رمضان ، واختلفوا في الزّكاة هل فرضت قبله أو بعده؟ وفي فرض الحجّ هل كان في الخامسة أو السادسة؟ وفي السنة الخامسة : كانت بيعة الرضوان ، وفي الثامنة : فتح مكّة. وقال تعالى : «إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا» (٢).
وفي العاشرة كانت حجّة الوداع ، وكانت وقفة عرفة فيها يوم الجمعة بالإجماع ، ولم يحجّ بعد الهجرة إلّا إيّاها وقبلها لم يضبط ، واعتمر أربعاً ، وكانت غزواته سبعاً وعشرين ، وسراياه ستّاً وخمسين ، وقيل : غير ذلك.
وتزوّج إحدى وعشرين إمرأة ، وطلّق ستّاً ، وماتت عنده خمس ، وتُوفي صلىاللهعليهوآله عن تسع.
وأولاده ستّة ذكران وهما : القاسم وإبراهيم ، وأربع بنات : وهنّ فاطمة عليهاالسلام ، وزينب ، ورقيّة ، واُم كلثوم ، وكلّهم من خديجة عليهاالسلام ، إلّا إبراهيم فإنّه من مارية القبطيّة ، هذا هو المتّفق عليه ، واختلف فيما سوى هٰؤلاء.
ولمّا بلغ صلىاللهعليهوآله ثلاثاً وستّين ، وقيل : خمساً وستّين إختاره الرفيق الأعلى
__________________
١ ـ النجم : ٨ ـ ٩.
٢ ـ النصر : ١ ـ ٢.
يوم الإثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة.
وقيل : لثنتي عشرة خلت من أوّل ربيعي السنة المذكورة ، ودفن ليلة الثلاثاء أو الأربعاء في حجرته التي قبض فيها صلوات الله وسلامه عليه.
فأمّا كونه صلىاللهعليهوآله عبد الله فيشهد له آيات من القرآن الكريم كقوله تعالى : «هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ» (١) ، وفي قوله : «تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا» (٢) وفي قوله : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا» (٣).
وأمّا أنّه صلىاللهعليهوآله رسوله فيشهد له قوله تعالى : «مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ» (٤) وقوله : «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ» (٥) وقوله : «مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ» (٦).
قوله عليهالسلام : «وَسَيِّدُ عِبٰادِهِ» لا خلاف في ذلك بل هذا هو المجمع عليه بين المسلمين ، ويشهد له قوله صلىاللهعليهوآله : أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر (٧).
وفي حديث آخر : قال : النبيّ صلىاللهعليهوآله اُدعوا لي سيّد العرب عليّاً ، فقالت عائشة : ألست سيّد العرب؟ فقال صلىاللهعليهوآله : أنا سيّد البشر ، وعلي سيّد العرب (٨).
وأخرجه الشيخ الصدوق ، عن موسى بن جعفر عليهالسلام ، عن آبائه عليهمالسلام ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أنا سيّد من خلق الله ، وأنا خير من جبرئيل
__________________
١ ـ الحديد : ٩.
٢ ـ الفرقان : ١.
٣ ـ الكهف : ١.
٤ ـ الفتح : ٢٩.
٥ ـ آل عمران : ١٤٤.
٦ ـ الأحزاب : ٤٠.
٧ ـ مسند أحمد : ج ١ ، ص ٢٨١ ، وأخرجه الترمذي في سننه : ج ٥ ، ص ٢٨٨ ، ح ٣١٤٨.
٨ ـ شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد : ج ١١ ، ص ٦٦.
وميكائيل وحملة العرش ، وجميع الملائكة الله المقربين ، وأنبياء الله المرسلين ، وأنا صاحب الشفاعة والحوض الشريف ، وأنا وعلي عليهالسلام أبوا هذه الأُمّة ، من عرفنا فقد عرف الله ، ومن أنكرنا فقد أنكر الله عزّوجلّ (١) الحديث.
وفي الكافي بإسناده عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : سئل رسول الله صلىاللهعليهوآله بأيّ شيئ سبقت ولد آدم؟ قال : إنّني أوّل من أقرّ بربّي ، إن الله أخذ ميثاق النبيّين «وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ» (٢) فكنت أوّل من أجاب (٣).
قوله عليهالسلام : «كُلَّمٰا نَسَخَ اللهُ الْخَلْقَ فِرْقَتَيْنِ جَعَلَهُ فِى خَيْرِهِمٰا» قال الشيخ الصدوق : إعتقادنا في آباء النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّهم مسلمون من آدم عليهالسلام إلى أبيه عبدالله (٤).
وأخرجه الترمذي عن واثلة بن الأسقع ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إنّ الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة ، واصطفى من بني كنانة قريشاً ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم (٥).
وقال إبن أبي الحديد : قوله صلىاللهعليهوآله : ما افترقت فرقتان منذ نسل آدم ولده إلّا كنت في خيرهما (٦).
__________________
١ ـ إكمال الدين وإتمام النعمة : ص ٢٦١ ، ح ٧.
٢ ـ الأعراف : ١٧٢.
٣ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ١٢ ، ح ٣ ، ونحوه : ح ١ ، فراجع.
٤ ـ الإعتقادات : ٤٥.
٥ ـ سنن الترمذي : ج ٥ ، ص ٥٤٤ ، كتاب المناقب : ٥٠ ، ح ٣٦٠٥ ، وأخرجه إبن سعد في الطبقات الكبرىٰ : ج ١ ، ص ١٧ ـ ١٨.
٦ ـ نهج البلاغة لإبن أبي الحديد : ج ١١ ، ص ٦٧.
اُخرجه الترمذي : عن عبّاس بن عبد المطلب في حديث ، قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : إنّ الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم ، من خير فرقهم ، وخير الفريقين ، ثم تخيّر القبائل فجعلني من خير قبيلة ، ثم تخيّر البيوت فجعلني من خير بيوتهم ، فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً (١).
قوله عليهالسلام : «لَمْ يُسْهِمْ فِيهِ عٰاهِرٌ» قال الجوهري : القَهْر : الزنا ، وكذلك القَهَر مثل نَهْر ونَهَر (٢) أي لم يكن في نسبه الشريف رجلاً زانياً.
قوله عليهالسلام : «وَلٰا ضَرَبَ فِيهِ فٰاجِرٌ» أي لم يكن في نسبه رجلاً فاجراً ، قال الشيخ الصدوق ، قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : أخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم عليهالسلام (٣).
وأخرجه المتّقي الهندي : عن إبن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : خرجت من لدن آدم من نكاح غير سفاح (٤).
وأخرجه عن علي عليهالسلام قال النبيّ صلىاللهعليهوآله خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولّدني أبي واُمّي ، لم يصبني من سفاح الجاهليّة شيئ (٥).
وأخرجه أيضاً عن عائشة ، قالت : قال صلىاللهعليهوآله : خرجت من نكاح غير سفاح (٦).
__________________
١ ـ سنن الترمذي : ج ٥ ، ص ٥٤٥ ، كتاب المناقب : ٥٠ ، ح ٣٦٠٧ و ٣٦٠٨.
٢ ـ الصحاح : ج ٢ ، ص ٧٦٢.
٣ ـ الإعتقادات : ٤٥.
٤ ـ كنز العمّال : ج ١١ ، ص ٤٠٢ ، ح ٣١٨٧٠ ، وأخرجه إبن سعد في الطبقات الكبرىٰ : ج ١ ، ص ٥١.
٥ ـ كنز العمّال : ج ١١ ، ص ٤٠٢ ، ح ٣١٨٧١.
٦ ـ كنزل العمّال : ج ١١ ، ص ٤٠٢ ، ح ٣١٨٦٦ ، وأخرجه إبن سعد في الطبقات الكبرىٰ : ج ١ ، ص ٥١.
وأخرجه إبن سعد بإسناده عن محمّد بن علي بن حسين أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : إنّما خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم ، لم يصبني من سفاح أهل الجاهليّة شيئ ، لم اُخرج إلّا من طُهْرِهِ (١).
وقال إبن سعد : أخبرنا هشام بن محمّد بن السائب الكلبي ، عن أبيه قال : كتبت للنبيّ عليه الصّلاة والسّلام خمسمائه اُم ، فما وجدت فيهن سفاحاً ولا شيئاً ممّا كان من أمر الجاهليّة (٢).
* * *
__________________
١ ـ طبقات الكبرىٰ : ج ١ ، ص ٥٠ ، وأخرجه المتقي في كنز العمّال : ج ١١ ، ص ٤٢٩ ، ح ٣٢٠١٥.
٢ ـ طبقات الكبرىٰ : ج ١ ، ص ٥٠.
(وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ) (١)
|
فَصَدَعَ بِمٰا أُمِرَ بِهِ ، وَبَلَّغَ رِسٰالَةَ رَبِّهِ. فَلَمَّ اللهُ بِهِ الصَّدْعَ ، وَرَتَقَ بِهِ الْفَتْقَ ، وَأَلَّفَ بَيْنَ ذَوِى الْأَرْحٰامِ ، بَعْدَ الْعَدٰاوَةِ الْوٰاغِرَةِ فِى الصُّدُورِ ، وَالضَّغٰائِنِ الْقٰادِحَةِ فِى الْقُلُوبِ. |
قوله عليهالسلام : «فَصَدَعَ بِمٰا أُمِرَ بِهِ» أي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أظهر ما أمر به بعد ما كان مختفياً خمس سنوات لا يستطيع أن يظهر دينه ، ويشهد له ما ورد عن الصّادق عليهالسلام قال : إكتتم رسول الله صلىاللهعليهوآله بمكة مستخفياً خائفاً خمس سنين ، ليس يظهر ، وعلي عليهالسلام معه وخديجة ، ثم أمره الله تعالى أن يصدع بما يؤمر فظهر وأظهر أمره (٢).
وفي خبر أخر عن الحلبي قال : سمعت أبا عبدالله عليهالسلام يقول : مكث رسول الله صلىاللهعليهوآله بمكة بعد ما جاءه الوحي عن الله تعالى ، ثلاث عشرة سنة منها ثلاث سنين مستخفياً خائفاً لا يظهر حتّى أمره الله تعالى أن يصدع بما يؤمر فأظهر حينئذٍ الدعوة (٣)
قوله عليهالسلام : «وَبَلَّغَ رِسٰالَةَ رَبِّهِ» من الحكم والمواعظ وغير ذلك.
قوله عليهالسلام : «فَلَمَّ اللهُ بِهِ الصَّدْعَ» أي جمع الله بالنبي التشتّت والإفتراق السائد آنذاك بين الأعراب وألّف بين قلوبهم.
قوله عليهالسلام : «وَرَتَقَ بِهِ الْفَتْقَ» الرتق : ضدّ الفتق ، والمراد أنّه صلىاللهعليهوآله رفع ما كان بين الأعراب من إختلاف الآراء وتشتّت الأهواء وإفتراق
__________________
١ ـ نهج البلاغة : ص ٣٥٣ ، الخطبة ٢٣١.
٢ ـ كتاب الغيبة للشيخ الطوسي : ص ٢٠١ ـ ٢٠٢.
٣ ـ كتاب الغيبة للشيخ الطوسي : ص ٢٠٢.
الكلمة بالعداوة والبغضاء ، ويشهد له ما أخرجه إبن شهراشوب عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه كان يعرض نفسه على قبائل العرب في الموسم ، فلقي رهطاً من الخزرج ، فقال : ألا تجلسون أُحدّثكم؟ قالوا : بلى. فجلسوا إليه ، فدعاهم إلىٰ الله تعالى ، وتلا عليهم القرآن ، فقال بعضهم لبعض : يا قوم تعلموا ، والله إنّه النبيّ الذي كان يوعدكم به اليهود ، فلا يسبقنّكم إليه أحد. فأجابوه ، وقالوا له : إنّا تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشرّ مثل ما بينهم ، وعسى أن يجمع الله بينهم بك ، فتقدم عليهم ، وتدعوهم إلى أمرك ، وكانوا ستّة نفر ، فلمّا قدموا المدينة فأخبر قومهم بالخبر ، فما دار حول إلّا وفيها حديث النبيّ صلىاللهعليهوآله حتّى إذا كان العام المقبل أتى الموسم من الأنصار إثنىٰ عشر رجلاً فلقوا النبيّ صلىاللهعليهوآله فبايعوه على بيعة النساء أن لا يشركوا بالله شيئاً ولا يسرقوا إلى آخرها (١).
قوله عليهالسلام : «وَأَلَّفَ بَيْنَ ذَوِى الْأَرْحٰامِ» كما ألّف صلىاللهعليهوآله بين الأوس والخزرج إبني حارثة ، ويقال لهما : إبني قيلة نسبة إلى أُمّهما.
قوله عليهالسلام : «بَعْدَ الْعَدٰاوَةِ الْوٰاغِرَةِ فِى الصُّدُورِ» الواغرة : أي : المتوقّدة في الصدور.
قوله عليهالسلام : «وَالضَّغٰائِنِ الْقٰادِحَةِ فِى الْقُلُوبِ» الضغائن جمع الضغينة ، أي الحقد ، والقادحة : أي المشتعلة ، والمراد أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله ألف بين ذوى الأرحام بعد ما كانت العداوة والبغضاء والحقد. مشتعلة في قلوبهم.
* * *
__________________
١ ـ المناقب لإبن شهراشوب : ج ١ ، ص ١٨١.
(وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ) (١)
|
فَجَعَلْتُ أَتْبَعُ مَأْخَذَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلِهِ فَأَطَأُ ذِكْرَهُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْعَرَجِ. |
قوله عليهالسلام : «فَجَعَلْتُ أَتْبَعُ مَأْخَذَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ» أي بعد ما خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله من مكة مهاجراً إلى المدينة ، قال عليهالسلام : أخذت أتّبع الطريقة والجهة التي سلكها رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى أن إنتهيت إلى العرج.
قوله عليهالسلام : «فَأَطَأُ ذِكْرَهُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْعَرَجِ» أي إطمأنّ قلبه عليهالسلام على أنّه صلىاللهعليهوآله ورد المدينة سالماً ، لأنّ ذلك المكان كان قريباً من المدينة المنورة. بيد أنّ قدماه قد توّرمتا من بُعد المسافة وسرعة المشي حافياً.
* * *
__________________
١ ـ نهج البلاغة : ص ٣٥٦ ، الخطبة ٢٣٦.