مجالس في رحاب الإمام المعذّب في قعر السجون

الشيخ عبدالأمير عبدالزهره « أبو علي البصري »

مجالس في رحاب الإمام المعذّب في قعر السجون

المؤلف:

الشيخ عبدالأمير عبدالزهره « أبو علي البصري »


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٢٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

يمهلوه من إتمامها، وكان إعتقاله في شهر شوال لعشر بقين منه عام ١٧٩ هـ وخاف الرشيد من وقوع الفتنة وحدوث الاضطراب، فأمر بتهيأة قبتين فأوعز بحمل إحديهما إلى الكوفة والأخرى إلى البصرة ليوهم على الناس أمر الامام عليه‌السلام ويخفي عليهم خبر إعتقاله، وأمر بحمل الامام عليه‌السلام إلى البصرة في غلس الليل البهيم.

سجنه في البصرة

وسارت القافلة بقيادة «حسان السروي» الذي وكِّل بحراسة الامام والمحافظة عليه، حتى سلّمه إلى عيسى بن جعفر في البصرة قبل التروية بيوم، فحبسه عيسى في بيت من بيوت المحبس، وأقفل عليه أبواب السجن، فكان لا يفتحها إلّا في حالتين، إحداهم في حالة خروجه إلى الطهور، والأخرى لإدخال الطعام له.

ما قام به الامام عليه‌السلام في سجن البصرة

أ ـ تفرغه للعبادة: وأقبل الامام عليه‌السلام على عبادة الله فحيّر الألباب وأبهر العقول بعبادته وانقطاعه إلى الله فكان يصوم في النهار ويقوم في الليل، وكان يدعو بهذا الدعاء: «اللهم انك تعلمُ أنّي كنتُ أسألكَ أن تفرغني لعبادتك، اللهمَّ وقد فعلت فلك الحمد».

ب ـ اتصال العلماء به: أقبل علماء البصرة ورواة الحديث إلى الامام عليه‌السلام فاتصلوا به من طريقٍ خفيٍ وكان منهم ياسين الزياتي وروى عنه. (حياة الام موسى بن جعفر للقرشي)

أوعز هارون لعيسى بقتل الامام عليه‌السلام

ولما وصلت رسالة هارون الرشيد لعيسى بقتل الامام عليه‌السلام ثقل عليه الأمر وجمع خواصه وثقاته فعرض عليهم الأمر فاشاروا إليه بالتحذير من ارتكاب الجريمة فكتب إلى الرشيد: «يا أمير المؤمنين كتبتَ إليَّ في هذا الرجل وقد اختبرته طول مقامه بمن حسبته عيناً عليه لينظروا جبلته وأمره وطويّته ممّن له المعرفة والدراية

٨١

فلم يكن منه سوء قط ولم يذكر أمير المؤمنين إلّا بخير ولم يكن له تطلّع إلى ولاية ولا خروج ولا شيء من أمر الدنيا ولا دعا قط على أمير المؤمنين، فان رأى اميرالمؤمنين من أن يعفيني من أمره أو ينفذ من يتسلّمه منّي وإلا أطلقت سراحه». وقد بقي في سجن عيسى سنة كاملة.

نقل الامام عليه‌السلام إلى بغداد

فحُمِلَ الامام عليه‌السلام مُقيّداً إلى بغداد تحفُّ به الشرطة والحراس، فأمر الرشيد باعتقاله عند الفضل ابن الربيع فحبسه في بيته، ولم يعتقله في السجون العامة «كالمطبق» وغيره نظراً لخطورة الامام عليه‌السلام وسمو مكانته وعظم شخصيته.

إنشغاله بالعبادة في سجن الفضل بن الربيع

كان هارون يُراقب بنفسه ما يقوم به الامام عليه‌السلام ويتطلّع على شؤونه خوفاً من أن يتصل به أحد من الناس، أو يكون الفضل قد رفّهَ عليه، فأطلَّ من أعلى القصر على السجن فرأى ثوباً مطروحاً في مكان خاص لم يتغير عن موضعه، فقال للفضل:

ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟! فقال الفضل: يا أمير المؤمنين ما ذاك بثوبٍ، وإنما هو موسى بن جعفر له في كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال، فقال هارون: أما إنَّ هذا من رهبان بني هاشم؟!

فقال الفضل: يا أمير المؤمنين مالكَ قد ضيقت عليه في الحبس؟!

فقال هارون: هيهات لا بدَّ من ذلك.

دعاء الامام في السجن

لقد حُجب الامام عليه‌السلام عن عياله وأطفاله وشيعته، ينقل من حبس إلى حبس، فالتجأ إلى الله سبحانه يخلّصهُ من سجن هارون، فجدّد طهوره وصلّى لربّه أربع ركعات ثم دعا في غلس الليل البهيم: «يا سيّدي: نجني من حبس هارون وخلصني من يده، يا مخلص الشجر من بين رملٍ وطين، ويا مخلص النار من بين الحديد

٨٢

والحجر، ويا مخلص اللبن من بين فرث ودم ويا مخلص الولد من بين مشيمة ورحم ويا مخلص الروح من بين الأحشاء والأمعاء خلصني من يد هارون»(١).

استجاب الله دعاءه وأطلق سراحه في غلس الليل بسبب رؤيا رآها هارون فخاف وأطلق سراح الامام عليه‌السلام وأعطاه ثلاثين ألف درهم.

وكان الامام الكاظم عليه‌السلام قد رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال له يا موسى لقد سُجنت مظلوماً، قل هذه الكلمات فانّك لا تبقى في الحبس هذه الليلة، فقلت له بأبي أنت وأمي ما أقول فقال قل: «يا سامع كل صوت ويا سابق الفوت، ويا كاسي العظام لحماً ومنشرها بعد الموت أسألك باسمائك الحسنى وباسمك الاعظم الأكبر المخزون المكنون الذي لم يطّلع عليه أحدٌ من المخلوقين، يا حليماً ذا أناة لا يقوى على أناته ياذا المعروف الذي لا ينقطع أبداً، ولا يحصى عدداً، فرّج عنّي».

وفرّج الله عنه، فخلى هارون سبيله، وقد مكث في سجن الفضل مدة طويلة من الزمن لم يعينها التأريخ.

وبقيَ الامام عليه‌السلام بعد اطلاق سراحه في بغداد لم ينزح عنها إلى يثرب وكان يدخل على هارون الرشيد في كل اسبوع مرّة في يوم الخميس(٢).

وأكبر الظن ان الرشيد فرض عليه الاقامة الجبرية. وقد ذهب لذلك السيد مير علي الهندي فقال: «وقد حدث مرتين ان سمح الرشيد لهذا الامام الوديع بالرجوع إلى الحجاز ولكن شكوكه تستولي عليه فيبقيه في الحبس»(٣).

وكان الامام عليه‌السلام بذل جهوده وهو في بغداد لإرشاد الناس وهدايتهم إلى طريق الحق، فقد اهتدى بشر الحافي وتاب على يده حتى صار من عيون الصالحين والمتقين.

_________________________

(١) نفس المصدر السابق: ٤٧٢ ـ ٤٧٣.

(٢) نفس المصدر السابق: ٤٧٥.

(٣) نفس المصدر السابق: ٤٧٦ نقلاً عن مختصر تاريخ العرب: ٢٠٩.

٨٣

سجن الفضل بن يحيى البرمكي

ولما ذاع صيت الامام وانتشر فضله وعلمه وحب الناس له، خاف هارون على ملكه فأوعز إلى اعتقال الامام عليه‌السلام عند الفضل بن يحيى البرمكي، وذات يوم أرسل هارون على الفضل وهو غضبان يطلب منه أن يأتي بالامام عليه‌السلام وكان هارون يريد قتله، فدعا الامام عليه‌السلام بدعاء جدّه أمير المؤمنين عليه‌السلام: «اللهمَّ بك أساور وبك أحاول وبك أجاور وبك أصول وبك انتصر وبك أموت وبك أحيى أسلمتُ نفسي إليك وفوضت أمري إليك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اللهم إنّك خلقتني ورزقتني وسترتني عن العباد بلطف ما خولتني اغنيتني، فاذا هويت رددتني وإذا عثرت قومتني وإذا مرضت شفيتني وإذا دعوت أجبتني يا سيدي: ارض عني فقد أرضيتني»(١).

قال هارون للفضل فرأيتُ أقواماً قد أحدقوا بداري بأيديهم حراب قد غرسوها في أصل الدار يقولون إن آذى ابن رسول الله خسفنا به وبداره الأرض وإن أحسن اليه انصرفنا عنه وتركناه. لذلك خاف هارون وأمر أن يأتي بغالية، فأتيَ بها، فطيَّب الامام بيده وأمر أن يحمل بين يديه خلع وبدرتان ودنانير فقال الامام عليه‌السلام لولا أني أرى أزوّج بها من عزاب بني أبي طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها أبداً. ومرّةً ثانية اصدر هارون أوامره باعتقال الامام عليه‌السلام عند الفضل بن يحيى وأوعز إليه أن يقتل الامام عليه‌السلام فامتنع الفضل وخاف من الله ولانه كان ممن يذهب إلى الامامة ويدين بها، وهذا هو السبب في اتهام البرامكة بالتشيع(٢). ثم إنَّ هارون نكل بالفضل وأمر أن يضرب مائة سوط.

في سجن السندي بن شاهك

وأخيراً لم يجد هارون من ينفّذ رغباته في موسى بن جعفر عليه‌السلام سوى هذا الشرير الوغد اللئيم فنقله إلى سجنه وأمره بالتضييق عليه، فاستجاب الأثيم لذلك،

_________________________

(١) نفس المصدر السابق: ٤٧٩.

(٢) نفس المصدر السابق: ٤٨٠.

٨٤

فقابل الامام بكل جفوة وقسوة، والامام صابر محتسب في محبس بدار المسيب الواقع قرب باب الكوفة وفيه كانت وفاته، وقال بعض المؤرخين إنّه حبس في بيت السندي وإنه كان مع أهله وعياله ولم نعلم أن دار السندي هل هي دار المسيب أم غيرها؟(١)

وقد ضيَّق عليه السندي وقيّده بثلاثين رطلاً من الحديد وكان يقفل الباب في وجهه ولا يدعه يخرج إلا للوضوء، وكان السندي من أشد الناس بغضاً لأبي طالب عليه‌السلام.

سم الامام عليه‌السلام

ثم ان الرشيد عمد إلى رطب فوضع فيه سماً فاتكاً وأمر السندي أن يقدمه إلى الامام ويحتم عليه أن يتناول منه، وقيل ان الرشيد أوعز إلى السندي في ذلك فأخذ رطباً ووضع فيه السم وقدَّمه للامام فأكل منه عشر رطبات، فقال له السندي زد على ذلك، فرمقه الامام بطرفه وقال له حسبك قد بلغت ما تحتاج إليه. فسرى السم في جسد إمامنا رحم الله المنادي وا إماماه واسيّداه.

قضى نحبه وافجعتاه لوحده

غريباً بقعر السجن وهو مصفّدُ

*         *        *

الكاظم عگب ابوه امعذّبينه

مدّه بالسجون امغيبينَه

شنهو اللي عمل ويّاه هارون

خلّه الكاظم ابچم سجن مسجون

ابطوامير الذي متشوفه العيون

او عليه تسئل الشيعة راح وينه

تالي صار عدهم خَبَر عَنّه

ابسجن هارون ريّسها المچنّه

گالوا عسى الباري ايعوده النه

او من يرجع اله ننصب الزينه

ضلّوا يرتجون ايعود ليهم

او لنه الطارش ايحشّم عليهم

ابجسر بغداد كاظمهم يجيهم

افرحوا گالوا عسى سالم يجينه

اطلعوا طلعه طبگ نسوه او رجاجيل

اولن هذه الجنازه اعلى الحماميل

ثلاث ارطال في رجله الزناجيل

الحديد اويه الجنازه شايلينه

_________________________

(١) نفس المصدر السابق: ٤٨٧.

٨٥

*         *        *

ارتجت شيعته من علم الاگشر

او گالوا هذا ريسنه بن جعفر

اسليمان انتهض بيها او عليه طر

ابن عمّه يگول الحاملينه

*         *        *

هذا الطيّب المن صلبه طيبين

الجدّه المصطفى المختار ياسين

او بن حيدر علي والد السبطين

اومه فاطمه الزهره الحزينه

*         *        *

الشيعة انتهضت ابذمّة اسليمان

او شيّعت بالمعزّة عالي الشأن

بس جدّه البگه اعلى الترب عريان

امجرّد بالحوافر ساحگينه

*         *        *

٨٦

المجلس الثاني عشر

الموضوع : مراسيم الغسل والتكفين والتشييع

القصيدة:

مُصابٌ له طاشت عقولُ ذوي الحجا

إذا ما تعفّى كلُّ رزءٍ تجددا

فَعَنْ رشدِهِ تاهَ الرشيدُ غوايةً

وفارقَ نهجَ الحقِّ بغياً وأبعدا

سعى بابن خيرِ الرّوس يا خابَ سعيُهُ

فغادرَهُ رهنَ الحبوس مقيّدا

ودسَّ لهُ سمّاً فأورى فؤاده

وكُلَّ فؤادٍ منهُ حزناً توقّدا

وهاكَ استمعْ ما يُعقبُ القلبَ لوعةً

ويُنضحهُ دماً على الخدِّ خدّدا

غداةَ المنادي اعلنَ الشتمَ شامتاً

على النعشِ ياللناس ما أفضَعَ النِّدا

أيحملُ موسى والحديدُ برجله

كَما حُمِلَ السّجادُ عانٍ مقيّداً

*         *        *

بالحبس گضه العمر لمّن گضه

طاح ركن الدين واسودّ الفضا

يوم نادوا هذا امام الرافضه

العجب كل العجب منع العذاب

يا گلب ذوب او تفطّر وانفطر

واجذب الحسره لعد يوم الحشر

اعله الذي بالحبس مات او عالجـ

سر اجنازته ظلّت على وجه التراب

عالج اولاج اوگضه نحبه غريب

اولا حضر موته گرابه او لا صحيب

ويل گلبي يوم جس نبضه الطبيب

گال مسموم انحرم ماي الشراب

*         *        *

بأبي ثاوياً ببغداد قاسى

كرباتٍ حتى قضى محبوسا

٨٧

لقد مات أبرّ الناس بالناس، وأعطفهم على الضعفاء والفقراء الذي أثلج قلوبهم بصراره وهباته وعطاياه، وكشف عنهم مرارة العيش لقد مات أحلم الناس، وأكظمهم للغيظ والمكروه... ففي ذمة الله أيُّها الامام العظيم، لقد مضيت إلى الله شهيداً سعيداً، فسلامٌ عليك يابن رسول الله يوم ولدت ويوم مت واستشهدت، ويوم تبعث حيا.

تحقيق الشرطة في موت الامام عليه‌السلام

قامت الشرطة بدورها في التحقيق في هذا الحادث الذي تعرض له الامام لتبرأ ساحة هارون من المسؤولية، أما التحقيق فقد قام به السندي أولاً والرشيد ثانياً، أما ما قام به السندي فكان في مواضع ثلاثة:

الأول: ما حدث به عمرو بن واقد، قال أرسل إلى السندي ابن شاهك في بعض الليل وأنا ببغداد سيحضرني، فخشيت أن يكون لسوءٍ يريدهُ بي، فأوصيت عيالي بما احتجت إليه وقلت إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ثم ركبت إليه، فلما رآني مقبلاً قال لي:

يا أبا حفص، لعلنا أرعبناك وأزعجناك؟ فقال: نعم.

فقال: ليس هنا إلّا الخير.

فرسول تبعثه إلى منزلي ليخبرهم خيري

فقال: نعم.

ولما هدأ روعه وذهب عنه الخوف، قال له السندي: يا أبا حفص أتدري لم أرسلت إليك؟

فقال: لا.

فقال: أتعرف موسى بن جعفر عليه‌السلام؟

فقال: اي والله إني أعرفه وبيني وبينه صداقة منذ دهر.

فقال: هل ببغداد ممن يقبل قوله تعرفه أنه يعرفه؟

٨٨

فقال: نعم، ثم أنه سمى له أشخاصاً ممن يعرفون الامام، فبعث خلفهم، فقال لهم هل تعرفون قوماً يعرفون موسى بن جعفر؟ فسموا له قوماً فأحضرهم وقد استوعب الليل بفعله حتى انبلج نور الصبح، ولما كمل عنده الشهود نيف وخمسون رجلا أمر باحضار كاتبه ـ ويعرف اليوم بكاتب الضبط ـ فأخذ بتسجيل أسماءهم ومنازلهم وأعمالهم وصفاتهم وبعد انتهائه من الضبط دخل على السندي فعرفه بذلك، فخرج من محله والتفت إلى عمر: «قم يا أبا حفص: فاكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر».

قال عمرو: فكشفت الثوب عن وجه الامام وإذا به قد مات والتفت السندي إلى الجماعة فقال لهم: انظروا إليه، فدنا واحد بعد واحد فنظروا إليه ثم قال لهم: «تشهدون كلكم أن هذا موسى بن جعفر؟».

ـ نعم.

ثم أمر غلامه بتجريد الامام من ملابسه، ففعل الغلام ذلك ثم التفتَ إلى القوم فقال لهم: «أترونَ به أثراً تنكرونه؟».

فقالوا: لا، ثم سجل شهادتهم وانصرفوا(١).

الموضع الثاني: انه استدعى الفقهاء ووجوه أهل بغداد وفيهم الهيثم بن عدي وغيره فنظروا إلى الامام وهو ميت لا أثر به وشهدوا على ذلك(٢).

الموضع الثالث: انه لما وضع الجثمان المقدَّس على حافة القبر جاء رسول من قبل السندي فأمر بكشف وجه الامام للناس ليروه أنه صحيح لم يحدث به حدث(٣).

_________________________

(١) بحار الأنوار.

(٢) حياة موسى بن جعفر للقرشي: ٢ / ٥١٩ ـ ٥٢٠.

(٣) نفس المصدر السابق.

٨٩

هذه الاجراءات المهمة التي اتخذها السندي بن شاهك انما جاءت لتبرير ساحة الحكومة من المسؤلية، وتنزيهها عن ارتكاب الجريمة، ولكنَّ الامام موسى بن جعفر عليه‌السلام قد أفسد عليه صنعه وكشف للناس ان هارون هو الذي اغتاله بالسم.

الأمور التي قام بها هارون لرفع الشبهة

أولاً: إنّه جمع شيوخ الطالبيين والعباسيين، وسائر أهل مملكته، والحكام فقال لهم: «هذا موسى بن جعفر قد مات حتف أنفه، وما كان بيني وبينه ما استغفر الله منه ـ يعني في قتله ـ فانظروا إليه».

فدخل على الامام سبعون رجلاً من شيعته، فنظروا إليه وليس به أثر جراحة ولا خنق(١).

ولم يُجدِ ذلك هارون فانَّ الحق لابدَّ أن يظهر، وقد عرف الخاص والعام ان هارون هو الذي اغتال الامام وهو المسؤول عن دمه.

وضعه على الجسر

بالله يا يا للمسلمين، مثل الامام موسى عليه‌السلام، إمام المسلمين وسيد المتقين والعابدين وعملاق الفكر الاسلامي يلقى على جسر الرصافة وهو ميت ينظر اليه القريب والبعيد وتتفرج عليه المارة، قد أحاطت بجثمانه المقدس الشرطة، وكشفت وجهه للناس قاصدين بذلك انتهاك حرمته.

لقد حاول الرشيد يفعله هذا إذلال الشيعة واهانتهم، وقد أثر ذلك في نفوسهم ـ فظلوا يذكرونه في جميع مراحل تأريخهم مقروناً باللوعة والحزن ـ يقول المرحوم الشيخ محمد ملة:

من مبلغ الاسلام أن زعيمه

قد مات في سجن الرشيد سميما

ملقى على جسر الرصافة نعشه

فيه الملائك أحدقوا تعظيما

_________________________

(١) بحار الأنوار.

٩٠

ويقول الخطيب الفذ المرحوم الشيخ محمد علي اليعقوبي:

مثل موسى يرمى على الجسر ميتاً

لم يشيعه للقبور موحد

حملوه وللحديد برجليه هز

يج له الأهاضب تنهد

النداء الفظيع

يالروعة الخطب، يالهول المصاب، فقد أمر السندي جلاوزته أن ينادوا على جثمان الإمام بذل النداء المؤلم الذي تذهب النفوس لهوله أسىً وحسرات، فبدل أن يأمرهم بالحضور لجنازة الطيب ابن الطيب أمرهم أن ينادوا وابعكس ذلك(١).

وضعوا على جسر الرصافة نعشه

وعليه نادى بالهوان مُنادِ

*         *        *

والاعظم والأشد من مات شالوه أربع حماميل

وعلى الجسر مرو بيه او نعشه امن الحديد ايميل

امام الرافضة اينادون والوادم دمعها ايسيل

ويروط الجسر منها او كل الناس ملتمه

حكيم الروم من شافه تغيّر ونخطف لونه

فرك چفه وعرف سمّه أو سالت دمعة اعيونه

عشر انچان اله ايگلهم هلمّيت يحضرونه

أو تشهر للسمر والبيض كلها او تطلب أبدمه أو تشهر

*         *        *

_________________________

(١) حياة موسى بن جعفر للقرشي: ٢ / ٥٢٢.

٩١

ماجت كل أرض بغداد من گوّض شديد الباس

وبچتله استقر هارون وستافت بني العباس

ما يدري اشجره اسليمان بس يسمع ضجيج الناس

گالوله او شهر سيفه او صال او طشر اللّمه

*         *        *

او خله اعليه المنادي ينادي والدمع ساجم

هذا الطيّب الماصوف وبن الطيب الكاظم

خلّه الوادم اتشيله او شالت نعشه الوادم

والشيعه اطلعت تبچي او كلها ابنحره اتشمّه

*         *        *

گام أو غسّله اسليمان بيده او يسچب العبرة

او خلف اجنازته اتحفه او شگ زيچه او حفر گبره

او من هال التراب اعليه حن گلبه وجذب حسره

او سوه الماتم ابداره او هل دمعه اعلى بن عمه

*         *        *

عاده او جرت عند الناس حين اللي يموت إنسان

كل إخوته ايشيلونه او لا يبگه على التربان

هم ميت ثلث تيام شفتوا يضل بلايه اچفان

بس ابلا چفن مطروح بالطف ضل ابو اليمّه

*         *        *

تهابه الوحش أن تدنو لمصرعه

وقد أقامَ ثلاثاً غير مقبور

*         *        *

٩٢

المجلس الثالث عشر

الموضوع : أبناء الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام

القصيدة: للسيد محسن الأمين

المجالس السنة مجلد ٢ ص ٥٥٢

خلها تطوي الفلاطياً يداها

لا تعفها فلقد طاب سراها

قصدها الزوراء تنحو تربة

طاب من مثوى الجوادين شذاها

بأريج المسك يزري نشرها

وعلى شهب السما يسمو حصاها

فاذا لاحت لعينيك فقف

واخلع النعلين في وادي طواها

تر أنواراً لموسى لمعت

نار موسى قبسات من سناها

واذا كف الجواد انبجست

لك كان الغيث في فيض نداها

تفخر الزوراء في موسى على

طور سيناء وتسمو في علاها

قف بها وقفة عبد وأطل

وقفة العيس بها والثم ثراها

واذر دمع العين في ساحاتها

فلمن تدخر العين بكاها

وابك فيها كاظم الغيظ الذي

مات مسموماً بأيدي أشقياها

*         *        *

على الكاظم ينوح ويبجي الدين

وگع بالحبس وحده وماله امعين

*         *        *

بس ما طاح سدّوا بابه اعليه

ظل وحده ولا واحد گرب ليه

تگبّل مدد أيده وعدل رجليه

گضت روحه يويلي او فرگ البين

٩٣

*         *        *

نهض نهضة فرح من تالي الليل

بعد باب الحوائج عازم ايشيل

شال اجنازته اعله اربع حماميل

فوگ الجسر تتفرّج الصوبين

*         *        *

في السمّ يقضي حيثُ لا مِن راحمٍ

أو مُشفقٍ او مَنْ به يتلطّفُ

فبكى له الرّوحُ الأمينُ كما غدى

محرابه يَبكي ويبكي المُصحَفُ

أنجب الامام موسى عليه‌السلام الذرية الطاهرة والنسل الطيّب فكانوا من خيرة أبناء المسلمين ـ في ذلك العصر ـ تقوى وصلاحاً وهدياً وورعاً وابتعاداً من مآثم الحياة وأباطيلها، وقد نشأ الكثيرون منهم نشأة دينية كاملة لأن الإمام عليه‌السلام قد وجههم الوجهة الصالحة، فسكبَ في نفوسهم المثل العليا والايمان بالله والتفاني في سبيل العقيدة قال ابن الصباغ في حقّهم: «ان لكل واحد من أولاد أبي الحسن موسى عليه‌السلام فضلاً مشهوداً»(١).

وقال الشيخ الطبرسي: «إن لكل واحد من أولاد أبي الحسن موسى عليه‌السلام فضلاً ومنقبةً مشهودة»(٢).

لقد ورثوا الفضل والشرف والمجد عن آبائهم فكانوا في سلوكهم وهديهم أمثلة رائعة للفضيلة والكمال(٣).

ورواة الأثر قد اختلفوا في عددهم اختلافاً كثيراً وفيما يلي ذلك:

الأول: انهم ثلاثة وثلاثون الذكور منهم ١٦ والاناث ١٧.

الثاني: سبعة وثلاثون الذكور ١٨ والاناث ١٩.

الثالث: ثمانية وثلاثون الذكور ٢٠ والاناث ١٨.

_________________________

(١) الفصول المهمة: ص ٢٥٦ ط.ايران.

(٢) أعلام الورى.

(٣) حياة موسى بن جعفر للقرشي: ٢ / ٣٧٧.

٩٤

الرابع: أربعون الذكور منهم ١٨ والاناث ٢٢.

الخامس: ستون الذكور ٢٣ والاناث ٣٧.

وسوف نذكر عرضاً موجزاً لقسمٍ منهم.

١ ـ الامام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام

هو الإمام الثامن من أئمة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. ولد عليه‌السلام في يثرب سنة ١٤٨ هـ واستشهد على يد المأمون العباسي في طوس عام ٢٠٣ هـ وقد تحدّث ابراهيم بن عباس عن سمو أخلاق الامام عليه‌السلام: «ما رأيتُ ولا سمعتُ بأحد أفضل من علي بن موسى الرضا، وشهدتُ منه مالم أشاهد من أحدٍ، ما رأيته جفا أحداً بكلامٍ قط ولا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغُ منه، وما ردَّ أحداً عن حاجةٍ قدر عليها، ولا مدَّ رجليه بين يدي جليس قط، ولا اتكأ بين يدي جليس قط، ولا رأيته يشتم أحداً من مواليه ومماليكه، ولا رأيته تفل قط، ولا رأيته يقهقه في ضحكه، بل كان ضحكه التبسم، وكان إذا خلا ونصبت الموائد أجلس على مائدته مماليكه ومواليه حتى البواب والسائس، وكان قليل النوم بالليل كثير الصوم ولا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر ويقول ان ذلك يعدل صيام الدهر وكان كثير المعروف والصدقة في السر، وأكثر ذلك منه لا يكون إلا في الليالي المظلمة، فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدقوه...»(١).

وقال عبدالسلام بن صالح الهروي: «ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ولا رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع له المأمون في مجالس له عدداً من علماء الأديان، وفقهاء الشريعة والمتكلمين، فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقي منهم أحد إلّا أقرَّ له بالفضل، وأقر على نفسه بالقصور ولقد سمعته يقول: كنت أجلس في (الروضة) والعلماء بالمدينة متوافرون فاذا ... الواحد منهم عن مسألة أشاروا لي بأجمعهم، وبعثوا إليَّ المسائل فأجيب عنها...»(٢).

_________________________

(١) حياة موسى بن جعفر للقرشي: ٢ / ٣٨٠ نقلاً عن كشف الغمة: ٣ / ١٠٦.

(٢) كشف الغمة: ٣ / ١٠٧.

٩٥

وقد أشاد الامام موسى عليه‌السلام بمواهب ولده الرضا وعلمه لبنيه: «هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد فأسألوه عن أديانكم واحفظوا ما يقول لكم فإني سمعت جعفر بن محمد يقول لي (إن عالم آل محمد لفي صلبك وليتني أدركته فانه سمي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب)»(١).

ـ وكان عليه‌السلام يرعى الفقراء كثيراً.

ـ كثيراً ما يبادر إلى التصدّق ولا سيّما في الليالي الحالكة وفي الخفاء.

ـ يجلس إلى المائدة مع مواليه ويأكل معهم.

ـ لا يميز بين المماليك والأشراف، ولا بين الأقرباء والغرباء إلّا بالتقوى.

ـ يُقسّم أفضل طعامه للجائعين قبل التناول.

ـ يجالس الفقراء.

ـ يشترك في تشييع الجنائز.

ـ لا يضحك عالياً ولا يقهقه في ضحكه أبداً بل كان ضحكه التبسم.

ـ يقدّم قضاء الحوائج (حوائج المؤمنين) على سائر الأعمال.

ـ كان عليه‌السلام متواضعاً ويجلس على الحصير.

ـ لا يكسر قلب أحد بكلامه.

ـ لا يقطع كلام أحدٍ أبداً.

ـ لا يردّ طالب حاجة وهو يقدر عليها.

ـ لا يمدّ رجله بين يدي جلسائه.

ـ لسانه لا يفتر عن ذكر الله عز وجل.

_________________________

(١) نفس المصدر السابق.

٩٦

ـ يحترز من الإسراف.

ـ يعود المرضى.

ـ حليم في غاية الحلم.

ـ كان عليه‌السلام يتلو القرآن كثيراً.

ـ ينام في الليل قليلاً ويقضي أكثره بالعبادة.

من المدينة إلى «مَرْو»

وبعد أن اعتلى المأمون كرسيّ الحكم بعث كتاباً إلى الامام الرضا عليه‌السلام استدعاه إلى خراسان، فامتنع الامام من الذهاب، إلّا أنّ المأمون أصرَّ على ذلك، وأرسل إليه الكتب تَترى لكي يُعلِمه أنه لا يكفّ عنه وبعث المأمون إثر الكتب المتواترة رسولين إلى المدينة. هما رجاء بن أبي الضحّاك وياسر الخادم. فدخلا على الإمام فور وصولهما إلى المدينة وبيّنا له فحوى مهمتهما بالقول: إنَّ المأمون أمرنا بإشخاصك إلى خراسان.

ولمّا وصل إلى خراسان عرض عليه المأمون الخلافة فأبى الإمام أن يقبلها، وبعد ذلك عرض عليه ولاية العهد فأبى الامام ان يقبلها طائعاً ولمّا هدده بالقتل على قبولها قبلها الامام كارهاً بشروط وكان ذلك في عام ٢٠١هـ، وفي عام ٢٠٣هـ قضى امامنا الرضا عليه‌السلام شهيداً مسموماً من قبل المأمون العباسي، وقد روي عن الامام الرضا عليه‌السلام قال: «والله ما منّا إلا مقتول شهيد».

فقيل له: ومَن يقتلك يابن رسول الله؟

قال: «شرُّ خلقِ الله في زماني، يقتلني بالسمّ»(١).

ودفن في طوس، فسلامٌ عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.

_________________________

(١) عيون أخبار الرضا: ٢ / ٢٥٦.

٩٧

٢ ـ فاطمة المعصومة: وهي شقيقة الامام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام وكانت تحب أخاها الرضا عليه‌السلام حباً شديداً، وكما حمله المأمون إلى مرو ليعهد له بولاية العهد خرجت فاطمة في اثره وذلك في سنة ٢٠١ هـ فلما وصلت إلى «ساوه» مرضت فسألت عن المسافة التي بينها وبين قم فقالوا لها عشر فراسخ فأمرت بحملها إلى قم فحملت اليها ونزلت في بيت موسى بن خزرج الأشعري، وقيل أن أهالي قم استقبلوها فلما وصلت أخذ موسى بن خزرج بزمام ناقتها واقدمها إلى داره وكانت عنده سبعة عشر يوماً ثم توفيت، فأمر بتغسيلها وتكفينها وذكر المحدّث القمي رحمه‌الله والعلامة المجلسي رحمه‌الله: (أقبلا شخصين ملثمين مسرعين أخذا الجنازة ودفناها وغابا عن الأبصار) وبنى موسى على قبرها سقيفة من البواري إلى أن بنت عليها زينب بنت محمد بن علي الجواد عليها قبة. وحدث الحسن بن محمد القمي عن فضل زيارتها قال: كنت عند الامام الصادق عليه‌السلام فقال: «ان لله حرماً وهو مكة ولرسوله حرماً وهو المدينة ولأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة ولنا حرماً وهو قم، وستدفن فيه امرأة من ولدي تسمى فاطمة من زارها وجبت له الجنة»(١).

قال ذلك عليه‌السلام قبل ولادة الامام موسى(٢).

وكذلك ورد عن الامام الرضا عليه‌السلام أنه قال: «من زارها عارفاً بحقّها وجبت له الجنة».

وذكر صاحب ناسخ التواريخ عن الامام الرضا عليه‌السلام: «من زار قبر المعصومة بقم كان كمن زارني» وروي عن الامام الجواد عليه‌السلام أنه قال: «من زار قبر عمتي بقم وجبت له الجنة»(٣).

٣ ـ القاسم: وحيد عصره في تقواه وصلاحه، وكان الامام الكاظم عليه‌السلام يكن في نفسه أعظم الحب والود لولده القاسم لما يراه منه من الهدي والصلاح(٤).

_________________________

(١) حياة موسى بن جعفر للقرشي: ٤٣٩.

(٢) تحفة العالم: ٣٦.

(٣) راجع كامل الزيارات لابن قولويه القمي.

(٤) حياة موسى بن جعفر للقرشي: ٢ / ٤٢٩.

٩٨

فكان عليه‌السلام يثني عليه ويشيد به ويقومه على سائر أبناءه ما عدا ولده الامام الرضا عليه‌السلام فقد روى يزيد بن سليط قال: طلبت من الامام موسى عليه‌السلام أن يعيّن لي الامام من بعده فقال عليه‌السلام: «أخبرك يا أبا عمارة إني خرجت فأوصيت إلى ابني علي، ولو كان الأمر لي لجعلته في القاسم ابني لحبي ورأفتي عليه، ولكن ذلك إلى الله تعالى...»(١).

ومن مظاهر تكريمه له انه كان ينتبه للقيام ببعض مهامه، فقد روى سليمان الجعفري، قال رأيت أبا الحسن يقول لابنه القاسم: قم يا بني فاقرأ عند رأس أخيك سورة «الصافات» حتى تتمها، فلما أخذ القاسم في قرائتها فلما بلغ قوله تعالى: «أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا» لفظ الفتى نفسه الأخير وأخذ القوم في تجهيزه فانبرى يعقوب بن جعفر إلى الامام فقال له: كنا نعهد الشخص إذا نزل به الموت يقرأ عنده سورة «يس» فصرت تأمرنا بقراءة سورة «الصافات» فقال عليه‌السلام: «لم تقرأ عند مكروب من موت قط إلا عجل الله راحته»(٢).

ولما أمعن هارون في تتبع العلويين وقتلهم وارهاقهم نزح القاسم من يثرب متخفياً كاتماً لاسمه حتى لا يُعرف، فانتهى إلى «سورى» فأقام فيها غريباً مشرّداً عن أهله ووطنه، وقد نَخَرَ الحزن قلبه وأضناه السقام حتى دنا اليه الموت وهو في فجر الصبا وفي ذلك الوقت عرَّف نفسه، ومضى غريباً ومرقده الشريف يق في «سورى» وتعرف البقعة الطيبة في هذا الوقت بـ (ناحية القاسم) وهي احدى نواحي قضاء الهاشمية التابع إلى محافظة بابل «الحلة» ونسب إلى الامام الرضا عليه‌السلام أنه قال: «من لم يقدر على زيارتي فليزر أخي القاسم»(٣).

ونص السيد الجليل علي بن طاووس على استحباب زيارة المرقد الطاهر وذكر له زيارة خاصة(٤). وله كرامات كثيرة يعرفها كثير من العراقيين.

_________________________

(١) اصول الكافي.

(٢) اصول الكافي.

(٣) حياة موسى بن جعفر للقرشي: ٢ / ٤٣٣.

(٤) مصباح الزائرين لابن طاووس.

٩٩

٤ ـ أحمد: أمه أم ولد وكانت من السيدات المحترمات تدعى «أم أحمد» وكان الامام الكاظم عليه‌السلام شديد التلطف بها، ولما توجه من المدينة إلى بغداد أودع عندها مواريث الامامة وقال لها: كل من جاءك وطلب منك هذه الأمانة في أي وقت من الأوقات فاعلمي بأني قد استشهدت وانه هو الخليفة من بعدي والامام المفترض الطاعة عليك وعلى سائر الناس وأمر ابنه الرضا عليه‌السلام بحفظ الدار، ولما سمه الرشيد في بغداد، جاء اليها الامام الرضا عليه‌السلام فطالبها بالأمانة، فقالت له أم أحمد: لقد استشهد والد فقال بلى والآن فرغت من دفنه فاعطيني الأمانة التي سلَّمها إليك أبي حين خروجه إلى بغداد وأنا خليفته والإمام الحق على جميع الأنس والجن فشقّت أم أحمد جيبها وردت عليه الأمانة وبايعته بالأمامة(١).

وكان أحمد من عيون المتقين والصالحين، وقد أعتق ألف مملوك متقرباً بها إلى الله تعالى.

ومما يدلُّ على صلاحه وورعه أنه لما شاع خبر وفاة الامام موسى في المدينة اجتمع أهلها على باب «أم أحمد» وخرج الناس ومعهم أحمد وقد ظنوا أنه الامام من بعد أبيه وذلك لما عليه من الجلاة ووفور العبادة وإظهار تعاليم الإسلام فظنوا أنه هو الخليفة والإمام بعد أبيه فبايعوه بالإمامة فأخذ منهم البيعة. وصعد المنبر وخطب الناس خطبة بليغة وكان منها: «أيها الناس، كما أنكم جميعاً في بيعتي فاني في بيعة أخي علي بن موسى الرضا عليه‌السلام وأعلموا أنه الامام والخليفة من بعد أبي وهو ولي الله، والفرض عليَّ وعليكم من الله والرسول طاعته بكل ما يأمرنا، فكل من كان حاضراً فخضع لكلامه، وخرجوا من المسجد يقدمهم أحمد وحضروا عند الامام الرضا عليه‌السلام فأقروا بامامته(٢).

والمشهور انه توفي في شيراز أيام المأمون بعد وفاة أخيه علي الرضا(٣).

_________________________

(١) حياة موسى بن جعفر للقرشي: ٢ / ٤١٠ نقلاً عن تحفة العالم: ٢ / ٨٧.

(٢) نفس المصدر السابق: ٢ / ٤١١.

(٣) الكنى والألقاب: ٢ / ٣١٧.

١٠٠