مجالس في رحاب الإمام المعذّب في قعر السجون

الشيخ عبدالأمير عبدالزهره « أبو علي البصري »

مجالس في رحاب الإمام المعذّب في قعر السجون

المؤلف:

الشيخ عبدالأمير عبدالزهره « أبو علي البصري »


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٢٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

١

٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره ثم الصلاة على خير خلقه وأشرف بريته وسيد رسله محمد المبعوث رحمةً للعالمين وعلى آله الغرّ الميامين لاسيما خاتمهم الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

: ـ وبعد هذه مجالس في الإمام السابع كاظم الغيظ (الإمام موسى بن جعفر) عليهما السلام كتبتها راجياً من الله القبول.

٥
٦

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريته محمدٍ وآله الطاهرين المعصومين لا سيّما بقية الله في الأرضين الحجة بن الحسن المهدي (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) وعجل الله فرجه الشريف.

وبعد: فانَّ سيرة الامام موسى بن جعفر (عليه أفضل صلوات المصلّين) غنيّة بالدروس التربوية والأخلاقية والعقائدية والسياسية وغيرها من الأمور الأخرى، وقد كتب المحققون والمؤرخون والمحدِّثون في سيرته العطرة المباركة وجزى الله مَن كتب خير الجزاء وأحببتُ أن أجمع بعض ما كتبوه على هيئة وصورة مؤلفاتنا السابقة في المجالس الرضوية والمجالس العاشورية... الخ هذا المؤلف الذي يختص في سيرة الامام موسى بن جعفر عليه‌السلام وأسميناه «المجالس الكاظمية» نسبة للإمام الكاظم عليه‌السلام.

ولا أدعي بأنّي قد أحطتُ في هذا الكتاب بكل ما ورد في سيرة الامام الكاظم عليه‌السلام من أحداث وأمور وأحاديث ولكن ذكرنا نزراً يسيراً ممّا ورد في سيرته العطرة.

وإن مَدَّ الله في أعمارنا، نلحق هذه المجالس بمجالس اُخر انشاء الله تعالى.

٧

يا أيُّها العزيز مسَّنا وأهلنا الضّر وجئنا ببضاعةٍ مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدَّق علينا إنَّ الله يجزي المتصدّقين.

وآخر دعوانا ان الحمدلله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمدٍ وآله الطاهرين.

حرّره خادم خدّام الائمة الهداة عبد الأمير عبد الزهرة جاسم الخياط نزيل عش آل محمد قم المقدسة يوم الاربعاء العاشر من شهر شعبان ١٤٣٤ هـ

٨

٩
١٠

المجلس الأول

الموضوع: ـ في ولادة الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام

ولد الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام بالأبواء (وهو موضعٌ ما بين مكة والمدينة) يوم الأحد لسبع خلون من شهر صفر.

وكانت أمّ الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام من أشراف الأعاجم، روي في البحار عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال «حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب ما زالت الأملاك تحرسها حتى أديت لي كرامة من الله والحجة من بعدي».

وحلفت حميدة انها رأت في منامها أنها نظرت إلى القمر وَقَعَ في حجرها فقال أبو عبد‌الله عليه‌السلام أنها تلد مولوداً ليس بينه وبين الله حجاب (أقول: فيها إشارة إلى عصمة الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام لأن الذنوب تكون حجاب بين العبد وبين ربّه)

«آيات ودلالات الإمام منذ ولادته»

روى العلامة المجلسي رحمه‌الله في بحاره عن أبي بصير قال كنت مع أبي عبد‌الله عليه‌السلام في السنة التي ولد فيها ابنه موسى فلما نزلنا الأبواء وضع لنا أبو عبد‌الله عليه‌السلام الغداء ولأصحابه وكان عليه‌السلام إذا وضع الطعام لأصحابه أكثره واطابه فبينا نحن نتغذى إذ اتاه رسول حميدة ان الطلق قد ضربني وقد امرتني ان لا اسبقك بانبك هذا، فقام ابو عبد‌الله عليه‌السلام فرحاً مسروراً فلم يلبث ان عادَ إلينا حاسراً عن ذراعيه ضاحكاً سنّه فقلنا أضحك الله سنّك وأقرّ عينك ما صنعت حميدة فقال وَهَبَ اللهُ لي غلاماً وهو خير

١١

من برأ الله ولقد خبرّتني عنه بأمر كنت اعلمُ به منها قلت جعلتُ فداك وما خبرتك عنه حميدة قال ذكرت انه لما وَقَعَ من بطنها وقع واضعاً يديه على الأرض رافعاً رأسه إلى السماء فاخبرتها ان تلك إمارة رسول الله وإمارة الإمام من بعده.

«ابتهاج الإمام الصادق عليه‌السلام بالوليد المبارك»

قال منهال القصاب وقد أطعم الامام الصادق عليه‌السلام الناس ثلاثة أيام فكنت آكل فيمن يأكل فما أكل شيئاً إلى الغد حتى أعود فآكل.

محبّةُ الإمام الصادق عليه‌السلام لولده موسى عليه‌السلام

قيل لأبي عبدالله عليه‌السلام ما بَلَغَ من حبّك ابنك موسى عليه‌السلام فقال عليه‌السلام وددتُ ان ليس لي ولد غيره حتى لا يشاركه في حبّي له أحد.

نبوغ الإمام الكاظم وعلمه

روى ابن شهر آشوب في المناقب عن يعقوب السراج قال دخلتُ على أبي عبدالله عليه‌السلام وهو واقفٌ على رأس ابي الحسن موسى عليه‌السلام وهو في المهد وهو ابن شهرين فجعل يساره طويلاً فجلست حتى فرغ فقمت إليه فقال ادن إلى مولاك فسلّم عليه فدنوت فسلمت عليه فردَّ عليَّ بلسان فصيح ثم قال لي اذهب وغيّر اسم ابنتك التي سميتها أمس فانه اسمٌ يبغضه الله وكانت ولدت لي بنتاً فسميتها الحميراء، فقال أبو عبدالله عليه‌السلام انتهِ إلى أمرهِ ترشد فغيرتُ اسمها.

الإمام الكاظم عليه‌السلام لا يلهو ولا يلعب

قال صفوان الجمّال دخلتُ على الصادق عليه‌السلام فقلت سيّدي من الإمام بعدك قال الإمام بعدي لا يلهو ولا يلعب، فاقبل موسى بن جعفر وهو غلام صغير وله سنتان وبيده عناق مكية وهو يقول لها اسجدي لربّك، فأخذهُ أبو عبدالله عليه‌السلام فضمهُ إلى صدره وقال بأبي وأمي لا يلهو ولا يلعب.

١٢

أبيات شعرية في مديح الامام موسى بن جعفر عليه‌السلام:

أيّها المشتكي من الدهر ضرّا

ومن الذنب قد تحمل وزرا

زُر لموسى وللجواد مقرا

وانتشق من شرى النبوة عطرا

نشره ضاع في جنان الخلود:

مالك النار لم يجد لي طريقاً

حيثُ أعددتُ حبكم لي رفيقاً

قد شربتُ الولاء كأساً رحيقاً

كيف اخشى من الجحيم حريقاً

وبماء الولاء أورق عودي:

أهدي مديحي للإمام العالم

أعني زعيم الحق موسى الكاظمِ

ذا الحلم والفضل المؤثل والنهى

والعلم والشرف الرفيع القائم

*         *        *

لذ واستجر موتسّلاً

إن ضاق أمرك أو تعسّر

بأبي الرّضا جدّ الجوا

د محمّد موسى بن جعفر

*         *        *

يا سميّ الكليم جئتك أسعى

والهوى مركبي وحبّك زادي

مسّني الضر وانتحى بي فقري

نحو مغناك قاصداً من بلادي

ليس تقضى لنا الحوائج إلّا

عند باب الحوائج المعتاد

عند بحر الندى ابن جعفر موسى

عند باب الرّجاء جدّ الجواد

*         *        *

لُذْ إن دهتك الرزايا

والدهرُ عيشك نكّدْ

بكاظم الغيظ موسى

وبالجواد محمّدْ

*         *        *

١٣

١٤

المجلس الثاني

الموضوع: أخلاق الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام وإحسانه إلى الناس

الشيخ حسن البهبهاني

وما لعينيّ لا تبكي وقد نظرت

بابَ الحوائج موسى فخر عدنان

لهفي عليه سجيناً طول مدّته

مازال يُنقلُ من سجنٍ إلى ثانِ

جرّوه وهو يصلّي طوع بارئه

فناصبوا الله في كفر وطغيان

ساروا به في قيودٍ كبّلوه بها

وقد جنوا ما جنوه آل سفيان

روحي فداهُ بعيداً عن عشيرته

لابل بعيد اللّقا من أيّ إنسان

حتى إذا جرّعوه السمّ في رطب

فحال من وقعه المردي بألوانِ

ناءٍ عن الأهل لم يحضره من أحدٍ

فداه أهلوه من شيبٍ وشبّان

نعشُ ابن جعفر حمّالون تحمله

فأينَ عنه سرايا آل عدنان

القيد في رجلهِ والغلّ في يده

وللعباءة شأن أعظم الشأنِ

ألقوه في الجسر مطروحاً تقلّبه

أيدي الأجانب في سرّ وإعلان

إحسانه إلى الناس: ممّا لا شك فيه «ان خير الناس مَن نَفَعَ الناس» و «إنَّ اللهَ يُحبُّ المحسنين» وإنَّ إحسان الامام موسى بن جعفر عليه‌السلام اتخذ صوراً عديدة نُشيرُ إلى قسمٍ منها:

١ ـ صلته لفقراء المدينة: كان عليه‌السلام يتفقد فقراء أهل المدينة فيحمل اليهم في الليل العين والورق (المراد من العين: الدينار والذهب، والمراد من الورق: الدراهم

١٥

المضروبة) وغير ذلك فيوصله اليهم وهم لا يعلمون من أيّ جهةٍ هو. وكان عليه‌السلام يصل بالمائة دينار إلى الثلاثمائة دينار، وكانت صرر موسى الكاظم عليه‌السلام مثلاً.

٢ ـ إحسان الامام موسى الكاظم عليه‌السلام لمحمد بن عبدالله البكري: قال محمد بن عبدالله البكري قدمتُ المدينةَ أطلبُ بها ديناً فأعياني فقلتُ لو ذهبتُ إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام فشكوتُ إليه فأتيته في ضيعته فخرج إليَّ ومعه غلام معه منسف فيه قديد مجزع وليسَ معه غيرهُ، فأكل وأكلتُ معه، ثم سألني عن حاجتي فذكرتُ لهُ قصتي: فدخل ولم يلبث إلّا يسيراً حتى خرج إليَّ فقال لغلامه اذهب ثم مَدَّ يَدَهُ فدفع إلي صرة فيها ثلاثمائة دينار ثم قام فولّى فقمت فركبت دابتي وانصرفت.

٣ ـ المعروف على قدر المعرفة: أقبل فقير إلى الإمام الكاظم عليه‌السلام فابتسم الإمام عليه‌السلام في وجهه وقال له اسألُكَ مسألةً فإن أصبتها أعطيتكَ عشرة أضعاف ما طلبت (وكان قد طَلَبَ من الإمام مائة درهم يجعلها في بضاعة) حتى يتعيش بها، فقال الرجل الفقير سَلْ؟ فقال الإمام عليه‌السلام لو جُعل إليك التمنّي لنفسك في الدنيا ماذا كنتَ تتمنى؟ قال كنت أتمنى أن ارزق التقية في ديني وقضاء حقوق إخواني قال عليه‌السلام ومالك لا تسأل الولاية لنا أهل البيت؟ قال ذلك قد أعطيته وهذا لم أعطه فأنا أشكر ما أعطيت وأسألُ ربّي ما مُنعت، فقال عليه‌السلام أحسنت أعطوه ألفي درهم وقال عليه‌السلام إصرفها في كذا (يعني في العضص فانه متاعٌ يابس).

٤ ـ إسعافه للمنكوبين: حدَّث عيسى بن محمّد بن مغيث القرطبي وبَلَغَ تسعين سنة قال: زرعتُ بطيخاً وقثّاءاً وقرعاً في موضع بالجوانيّة على بئرٍ يُقالُ لها أمُّ عظام، فلمّا قرب الخيرُ واستوى الزرع، بيّتنيّ الجراد وأتى على الزرع كُلّه وكنتُ غرمتُ على الزرعِ ثمنَ جملين ومائة وعشرين ديناراً فبينما أنا جالس إذ طلع موسى بن جعفر بن محمّد عليهم‌السلام فسلّم ثمَّ قال أيش حالك؟ قلتُ: أصبحت كالصريم، بيتني الجراد، فأكلَ زرعي قال: وكم غرمت؟ قلتُ: مائة وعشرين ديناراً مع ثمن الجملين، قال: فقال: يا عرفة اعطي لأبي الغيث مائة وخمسين ديناراً، فربحك

١٦

ثلاثون ديناراً والجملان، فقلتُ يا مُبارك: ادعُ لي فيها بالبركة، فدَخَلَ ودعا، وحدَّثني عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: تمسّكوا ببقايا المصائب (أي عدم الجزع عند المصائب) ثمَّ علقت عليه الجملين وسقيته فجعل الله فيها البركة وزكت فبعتُ منها بعشرة آلاف(١).

٥ ـ كرمه وإحسانه إلى صعلوك: يُروى ان الرشيد تقدم إلى موسى بن جعفر عليه‌السلام بالجلوس للتهنئة في يوم النيروز وقبض ما يُحمل إليه فقال عليه‌السلام إنّي قد فتشتُ الأخبار عن جدي رسول الله فلم أجد لهذا العيد خبراً وإنّه سُنّة للفرس ومحاها الإسلام ومعاذ الله أن نُحي ما محاه الإسلام فقال الرشيد إنّما نفعل ذلك سياسة للجند فسألتك بالله العظيم إلّا جلست فجلس عليه‌السلام ودخلت عليه الملوك والأمراء والأجناد يهنونه ويحملون إليه الهدايا والتحف وعلى رأسه خادم الرشيد يُحصي ما يحمل فدَخَلَ في آخر الناس رجل شيخ كبير السن، فقال له يا ابن بنت رسول الله إنّي رجلٌ صعلوكٌ لا مال لي أتحفك ولكن أتحفك بثلاثة أبيات قالها جدّي في جدّك الحسين عليه‌السلام قال عليه‌السلام قل فقال:

عجباً لمصقولٍ عَلاكَ فِرنده

يوم الهياج وقد عَلاك غبارُ

ولأسهمٍ نفذتك دون حرائرٍ

يدعون جدّك والدموع غزار

هلّا تضعضعت السهام وعاقها

عن جسمك الإجلال والإكبار

فقال عليه‌السلام اجلس قد قبلتُ هديتك بارك الله ورفع رأسه إلى الخادم وقال امض إلى هارون وعرفه بهذا المال وما يَصنع به فمضى الخادم وعاد وهو يقول كلّها هبة مني له يفعل به ما أراد، فقال الكاظم عليه‌السلام للشيخ اقبض جميع هذا المال فهو هبة منّي لك، نعم كان أسخى أهل زمانه وابذلهم لماله، وخصوصاً لمن يذكره بجدّه الحسين عليه‌السلام، وكان للإمام موسى بن جعفر حالات خاصة مع مصيبة جدّه الحسين عليه‌السلام خصوصاً إذا دخل عليه شهر المحرَّم وكان لا يُرى ضاحكاً وكانت

_________________________

(١) (راجع بحار الأنوار ج ٤٨ ص ٢٩ نقلاً عن كشف الغمة ج ٣ ص ١٠ والخطيب البغدادي في تأريخه ج ١٣ ص ٢٩).

١٧

تعلوه الكآبة والحزن خصوصاً إذا صار يوم العاشر كان يوم مصيبته ويقول هو اليوم الذي قُتِل فيه جدّي الحسين عليه‌السلام.

يا ميّتاً تركَ الألبابَ حائرةً

وبالعراء ثلاثاً جسمه تُركا

ولسان حال أمه الزهراء عليها‌السلام:

گعدت يم ابنها ابكربلا الزّهرا

تشمه ابمنحره او تبچي أو تجر حسره

*         *        *

تگله النوح بعدك صار من طبعي

وَنَه ابگبري اون اعليك نوب انعي

يبني انسيت لطمت عيني او ضلعي

ابمصابك يبني شنهو ضلعي أو كسره

أو عگب ما يبني للدين ابذلت عزمك

أو سال ابكربلا ويه أخوتك دمّك

هاي آنه جيتك واگعدت يمّك

او على افراگك ابدلّالي اسعرت جمره

*         *        *

يوليدي ابها لليلة تعنيتك

تشاهد حالتي ابعينك تمنيتك

يبعد الروح انه امّك الربيتك

يمّك جاعده يحسين عالغبره

*         *        *

عليمن هالأعادي حلّلوا دمّك

او عليمن وزّعوا باسيوفهم جسمك

احچي اوياي يبني امن اهتف باسمك

او على ذبحك دگلي ياهوا تجرّه

*         *        *

أيا ناعياً إن جئت طيبة مقبلا

فعرّج على مكسورة الضلع معولا

فحدّث بما مضَّ الفؤاد مفصلا

أفاطم لو خلت ال حسين مجدّلا

وقد مات عطشاناً بشط فرات

*         *        *

١٨

المجلس الثالث

الموضوع: بين هارون وموسى عليه‌السلام

القصيدة: للشيخ محمد علي اليعقوبي

يا ابن الاُلى بلغوا من كلّ مكرمة

شأواً بعيد المراقي لم تنله يدُ

ما أنصفتكَ بنو الأعمام إذ قطعت

أواصراً برسول الله تتّحدُ

أبكيك رهن السجون المظلمات وقد

ضاق الفضا وتوالى حولك الرّصدُ

تمسي وتغدوا بنو العبّاس في فرحٍ

وأنتَ في محبس السندي مضطهدُ

دسّوا إليكَ نجيع السمّ في عنبٍ

فاخضرّ لونك مذ ذابت به الكبدُ

حتى قضيتَ غريباً فيه منفرداً

للهِ ناءٍ غريب الدار منفردُ

أبكي لنعشك والأبصار ترمقه

مُلقىً على الجسر لا يدنو له أحدُ

أبكيكَ ما بين حمّالين أربعة

تشال جهراً وكلّ الناس قد شهدوا

*         *        *

ليش بالسم يبن جعفر تنچتل

أو للجسر بحديد سجنك تنحمل

والله عند امصيبتك فكري يحير

هاي ما صارت أو لا ظنها تصير

مثلك انته أو للخصم تبگه أسير

أو من سجن مظلم للآخر تنتقل

او سجن بن شاهك اِلك تالي السجون

او هوَّه أشدهن والذي قبله ايهون

امحدّد ابطاموره واعليها العيون

تمنع الحاول لعد شخصك يصل

*         *        *

١٩

سيّدي امصابك فلا ساعة يروح

عن خواطرنه او اِله بيهن اجروح

اشما نون اشما نحن اشما ننوح

جمرة افراگك توج او تشتعل

*         *        *

سيّدي ذَچر السجن لمّن يمر

اگلوب المحبّين تتواگد جمر

او كل فرد لجلك يود يفدي العمر

او دمع عينه اعليك من دم ايهمل

*         *        *

وغريب بغداد ثوى في سجنه

نائي الديار يحلّ دار الهون

قال هارون ذات يوم للإمام وقد رآه في جانب الكعبة: هل أنت من بايعه الناس خفية ورضوا به إماماً؟ فقال الإمام: «أنا إمام القلوب وأنتَ إمام الجسوم»(١).

لمن هذا القصر؟

دَخَلَ الإمام الكاظم عليه‌السلام ذات مرّة أحد قصور هارون الضخمة في بغداد فراح هارون المغرور بسلطانه يتساءل ما هذه الدار؟ فقال الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام بدون اكتراث بما حوله وبصراحة، فقال عليه‌السلام هذه دارُ الفاسقين قال وقرأ (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا)(٢).

فاستشاط هارون غضباً... وهو يُخفي غضبه بصعوبة فقال فدارُ مَن هي؟ قال عليه‌السلام: «هي لشيعَتنا فترة، ولغيرهم فتنة».

قال هارون: فما بال صاحب الدار لا يأخذها؟

قال عليه‌السلام: «أخذت منه عامرة ولا يأخذها إلّا معمورة»(٣).

_________________________

(١) سيرة الأئمة ص ٣٨٨، نقلاً عن الصواعق المحرقة ص ٢٠٤.

(٢) الأعراف: ١٤٦.

(٣) نفس المصدر السابق ص ٣٩١، نقلاً عن بحار الانوار ج ٤٨، ص ١٣٨.؟؟؟

٢٠