إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ٢

الشيخ علي اليزدي الحائري

إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي اليزدي الحائري


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٠
الجزء ١ الجزء ٢

المدينة وأرسينا بمشرعتها أمرونا بالحضور إلى عند السلطان فحضرنا داره ودخلنا إليه إلى بستان صور في وسطه قبّة من قصب والسلطان في تلك القبّة وعنده جماعة وفي باب القبّة ساقية تجري ، فوافينا القبّة وقد أقام المؤذن الصلاة فلم يكن أسرع من أن امتلأ البستان بالناس وأقيمت الصلاة فصلّى بهم جماعة فلا والله لم تنظر عيني أخضع منه لله ولا ألين جانبا لرعيته ، فصلّى من صلّى مأموما ، فلمّا قضيت الصلاة التفت إلينا وقال : هؤلاء القادمون؟

قلنا : نعم ، وكانت تحية الناس له أو مخاطبتهم له بابن صاحب الأمر ، فقال : على خير مقدم ، ثمّ قال : أنتم تجّار أو ضياف؟ فقلنا : تجّار ، فقال : من منكم المسلم ومن منكم أهل الكتاب؟ فعرّفناه ذلك ، فقال : أنّ الإسلام تفرّق شعبا فمن أي قبيل أنتم؟ وكان معنا شخص يعرف بالمقرى بن زبهان بن أحمد الأهوازي يزعم أنّه على مذهب الشافعي ، فقال له : أنا رجل شافعي ، قال : فمن على مذهبك من الجماعة؟ قال : كلّنا إلّا هذا حسّان بن غيث فإنّه رجل مالكي ، فقال : أنت تقول بالإجماع؟ قال : نعم ، قال : إذا تعمل بالقياس ، ثمّ قال : بالله يا شافعي تلوت ما أنزل الله يوم المباهلة؟

قال : نعم ، قال : ما هو؟ قال قوله تعالى (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) (١) فقال بالله عليك من أبناء الرسول ومن نساؤه ومن نفسه يا بن زبهان؟ فأمسك ، فقال : بالله هل بلغك أن غير الرسول والوصي والبتول والسبطين دخل تحت الكساء؟ قال : لا ، فقال : والله لم تنزل هذه الآية إلّا فيهم ولا خصّ بها سواهم ، ثمّ قال : بالله عليك يا شافعي ما تقول فيمن طهّره الله بالدليل القاطع فهل ينجسه المختلفون؟ قال : لا ، قال : بالله عليك هل تلوت (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٢) قال : نعم ، قال : بالله عليك من يعني بذلك؟ فأمسك ، فقال : والله ما عنى بها إلّا أهلها ، ثمّ بسط لسانه وتحدّث بحديث أمضى من السهام وأقطع من الحسام فقطع الشافعي وواقفه ، فقام عند ذلك فقال : عفوا يا بن صاحب الأمر ، انسب إليّ نسبك فقال : أنا طاهر بن محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن

__________________

(١) سورة آل عمران : الآية ٦١.

(٢) سورة الأحزاب : الآية ٣٣.

٢١

محمد بن علي بن الحسين بن علي عليه‌السلام أنزل الله فيه (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) (١) هو والله الإمام المبين ، ونحن الذين أنزل الله في حقّنا (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢) يا شافعي : نحن أهل البيت ، نحن ذرية الرسول ونحن أولو الأمر ، فخرّ الشافعي مغشيا عليه لما سمع منه ، ثمّ أفاق من غشيته وآمن به وقال : الحمد لله الذي منحني بالإسلام ونقلني من التقليد إلى اليقين ، ثمّ أمر لنا بإقامة الضيافة فبقينا على ذلك ثمانية أيام ولم يبق في المدينة إلّا من جاء إلينا وحادثنا فلمّا انقضت الأيّام الثمانية أخذ يسأله أهل المدينة أن يقوموا لنا بالضيافة ففتح لهم في ذلك فأكثر علينا الأطعمة والفواكه وعملت لنا الولائم ولبثنا في تلك المدينة سنة كاملة ، فعلمنا وتحقّقنا أن تلك المدينة مسيرة شهرين كاملة برّا وبحرا ، وبعدها مدينة اسمها الرائقة سلطانها القاسم ابن صاحب الأمر مسيرة ملكها شهران ، وهي على تلك القاعدة ولها دخل عظيم ، وبعدها مدينة اسمها الصافية سلطانها إبراهيم ابن صاحب الأمر بالحكام ، وبعدها مدينة اسمها مظلوم سلطانها عبد الرحمن ابن صاحب الأمر مسيرة رستاقها وضياعها شهران ، وبعدها مدينة أخرى اسمها عناطيس سلطانها هاشم ابن صاحب الأمر وهي أعظم المدن كلّها وأكبرها وأعظم دخلا ومسيرة ملكها أربعة أشهر فيكون مسيرة المدن الخمس والمملكة مقدار سنة لا يوجد في أهل تلك الخطط والمدن والضياع والجزائر غير المؤمن الشيعي الموحّد القائل بالبراءة والولاية الذي يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، سلاطينهم أولاد إمامهم ، يحكمون بالعدل وبه يأمرون ، وليس على وجه الأرض مثلهم ، ولو جمع أهل الدنيا لكانوا أكثر عددا منهم على اختلاف الأديان والمذاهب ، ولقد أقمنا عندهم سنة كاملة نترقّب ورود صاحب الأمر إليهم لأنّهم زعموا أنّها سنة وروده ، فلم يوفّقنا الله تعالى إلى النظر إليه ، فأمّا ابن زبهان وحسّان فإنّهما أقاما بالزاهرة يرقبان رؤيته عليه‌السلام وقد كنّا لما استكثرنا هذه المدن وأهلها سألنا عنها فقيل : إنّها عمارة صاحب الأمر عليه‌السلام واستخراجه ، فلمّا سمع عون الدين ذلك نهض ودخل حجرة لطيفة وقد تقضى الليل فأمر بإحضارنا واحدا واحدا وقال : إيّاكم وإعادة ما سمعتم أو إجراءه على ألفاظكم وشدده وأخذ علينا ، فخرجنا من عنده ولم يعد أحد منّا ممّا سمعه حرفا واحدا حتّى هلك ، وكنّا إذا حضرنا موضعا واجتمع واحدنا بصاحبه قال :

__________________

(١) سورة يس : الآية ١٢.

(٢) سورة آل عمران : الآية ٣٤.

٢٢

أتذكر شهر رمضان ، فيقول : نعم ، ستر الحال شرط ، فهذا ما سمعته ورويته والحمد لله وحده وصلواته على خير خلقه محمّد وآله الطاهرين والحمد لله ربّ العالمين (١).

الحكاية الثانية عشرة : فيه عن المولى زين العابدين السلماسي تلميذ آية الله السيّد السند والعالم المسدّد وفخر الشيعة وزينة الشريعة العلّامة الطباطبائي السيّد محمد مهدي المدعو ببحر العلوم أعلى الله درجته ، وكان المولى المزبور من خاصّته في السرّ والعلانية قال : كنت حاضرا في مجلس السيّد في المشهد الغروي إذ دخل عليه لزيارته المحقّق القمّي صاحب القوانين في السنة التي رجع من [بلاد] (٢) العجم إلى العراق زائرا لقبور الأئمّة عليهم‌السلام وحاجّا لبيت الله الحرام فتفرّق من كان في المجلس وحضر للاستفادة منه وكانوا أزيد من مائة وبقيت ثلاثة من أصحابه أرباب الورع والسداد البالغين إلى رتبة الاجتهاد فتوجّه المحقّق الأيد إلى جناب السيّد وقال : إنّكم فزتم وحزتم مرتبة الولاية الروحانية والجسمانية وقرب المكان الظاهري والباطني فتصدّقوا علينا بذكر مائدة من موائد تلك الخوان وثمرة من الثمار التي جنيتم من هذه الجنان كي تنشرح به الصدور وتطمئن به القلوب ، فأجاب السيّد من غير تأمّل وقال : إنّي كنت في الليلة الماضية قبل ليلتين أو أقل ـ والترديد من الراوي ـ في المسجد الأعظم بالكوفة لأداء نافلة الليل عازما على الرجوع إلى النجف في أوّل الصبح لئلّا يتعطّل أمر البحث والمذاكرة وهكذا كان دأبه في سنين عديدة ، فلمّا خرجت من المسجد ألقي في روعي الشوق إلى مسجد السهلة فصرفت خيالي عنه خوفا من عدم الوصول إلى البلد قبل الصبح فيفوت البحث في اليوم ، ولكن كان الشوق يزيد في كلّ آن ويميل القلب إلى ذلك المكان ، فبينا أقدّم رجلا وأؤخّر أخرى إذا بريح فيها غبار كثير فهاجت بي وأمالتني عن الطريق فكأنّها التوفيق الذي هو خير رفيق إلى أن ألقتني إلى باب المسجد فدخلت فإذا به خال عن العباد والزوّار إلّا شخصا جليلا مشغولا بالمناجاة مع الجبّار بكلمات ترقّق القلوب القاسية وتسيح الدموع من العيون الجامدة ، فطار بالى وتغيّرت حالي ورجفت ركبتي وهملت دمعتي من استماع تلك الكلمات التي لم تسمعها اذني ولم ترها عيني ممّا وصلت إليه من الأدعية المأثورة ، وعرفت أن المناجي ينشئها في الحال لا أنّه

__________________

(١) بطوله في الصراط المستقيم عن الانباري : ٢ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥ فصل في علامات القائم ومدّته.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

٢٣

ينشد ممّا أودعه في البال ، فوقفت في مكاني مستمعا متلذّذا إلى أن فرغ من مناجاته فالتفت إليّ وصاح بلسان العجم : مهدي بيا ، أي : هلم يا مهدي ، فتقدّمت إليه بخطوات فوقفت فأمرني بالتقدّم فمشيت قليلا ثمّ وقفت فأمرني بالتقدّم وقال : إنّ الأدب في الامتثال ، فتقدّمت إليه بحيث تصل يدي إليه ويده الشريفة إليّ وتكلّم بكلمة. قال المولى السلماسي : ولمّا بلغ كلام السيّد السند إلى هنا أضرب عنه صفحا وطوى عنه كشحا وشرح في الجواب عمّا سأله المحقّق المذكور قبل ذلك عن سرّ قلّة تصانيفه مع طول باعه في العلوم فذكر له وجوها ، فعاد المحقّق القمّي فسأل عن هذا الكلام الخفي ، فأشار بيده شبه المنكر بأن هذا سرّ لا يذكر (١).

الحكاية الثالثة عشرة : وفيه عن المولى السلماسي قال : كنت حاضرا في مجلس إفادته فسأله رجل عن إمكان رؤية الطلعة الغرّاء في الغيبة الكبرى وكانت بيده الآلة المعروفة بشرب الدخان المسمّى عند العجم ب : (غليان) فسكت عن جوابه وطأطأ رأسه وخاطب نفسه بكلام خفي أسمعه فقال ما معناه : ما أقول في جوابه قد ضمّني صلوات الله عليه إلى صدره ، وورد أيضا في الخبر تكذيب مدّعي الرؤية في أيّام الغيبة ، فكرّر هذا الكلام ثمّ قال في جواب السائل : إنّه قد ورد في أخبار العصمة تكذيب من ادّعى رؤية الحجّة عجّل الله تعالى فرجه. واقتصر في جوابه عليه من غير إشارة إلى ما أشار إليه (٢).

الحكاية الرابعة عشرة : وبهذا السند عن المولى المذكور قال : صلّينا مع جنابه في داخل حرم العسكريين ، فلمّا أراد النهوض من التشهّد إلى الركعة الثالثة عرضته حالة فوقف هنيئة ثمّ قام ، ولما فرغنا تعجّبنا كلّنا ولم نفهم ما كان وجهه ولم يجترئ أحد منّا على السؤال عنه إلى أن أتينا المنزل وأحضرت المائدة فأشار إليّ بعض السادة من أصحابنا أن أسأله منه ، فقلت : لا وأنت أقرب منّا ، فالتفت رحمه‌الله إليّ وقال : فيم تتقاولون؟

قلت : وكنت أجسر الناس عليه : إنّهم يريدون الكشف عمّا عرض لكم في حال الصلاة ، فقال : إنّ الحجّة عجّل الله تعالى فرجه دخل الروضة للسلام على أبيه عليه‌السلام فعرضني ما رأيتم من مشاهدة جماله الأنور إلى أن خرج منها (٣).

__________________

(١) جنة المأوى : ٢٣٤ ـ ٢٣٦ الحكاية التاسعة.

(٢) جنة المأوى : ٢٣٦ الحكاية العاشرة.

(٣) جنة المأوى : ٢٣٧ الحكاية الحادية عشرة.

٢٤

الحكاية الخامسة عشرة : فيه بهذا السند عن ناظر أموره رحمه‌الله في أيّام مجاورته بمكة قال:كان رحمه‌الله مع كونه في بلد الغربة منقطعا عن الأهل والإخوة ، قويّ القلب في البذل والعطاء ، غير مكترث بكثرة المصارف ، فاتّفق في بعض الأيّام أن لم نجد إلى درهم سبيلا فعرّفته الحال وكثرة المئونة وانعدام المال فلم يقل شيئا ، وكان دأبه أن يطوف بالبيت بعد الصبح ويأتي إلى الدار فيجلس في القبّة المختصّة به ونأتي إليه ب (غليان) فيشربه ثمّ يخرج إلى قبّة أخرى تجتمع فيها تلامذته من كلّ المذاهب فيدرس لكلّ على مذهبه ، فلمّا رجع من الطواف في اليوم الذي شكوته في أمسه نفاد النفقة وأحضرت الغليان على العادة فإذا بالباب يدقّه أحد فاضطرب أشد الاضطراب وقال لي : خذ الغليان وأخرجه من هذا المكان ، وقام مسرعا خارجا عن الوقار والسكينة والآداب ففتح الباب ودخل شخص جليل في هيئة الاعراب وجلس في تلك القبّة وقعد السيّد عند بابها في نهاية الذلّة والمسكنة وأشار إليّ أن لا أقرّب إليه الغليان ، فقعدا ساعة يتحدّثان ثمّ قام فقام السيّد مسرعا وفتح الباب وقبّل يده وأركبه على جمله الذي أناخه عنده ومضى لشأنه ورجع السيّد متغيّر اللون وناولني براثا وقال : هذه حوالة على رجل صرّاف قاعد في جبل الصفا فاذهب إليه وخذ منه ما أحيل عليه ، قال : فأخذتها وأتيت بها إلى الرجل الموصوف ، فلمّا نظر إليها قبّلها وقال : عليّ بالحماميل فذهبت وأتيت بأربعة حماميل فجاء بالدراهم من الصنف الذي يقال له : فرانسة ، يزيد كلّ واحد على خمس قرانات العجم وما كانوا يقدرون على حمله فحملوها على أكتافهم وأتينا بها إلى الدار ، ولمّا كان في بعض الأيّام ذهبت إلى الصرّاف لأسأل منه حاله وممّن كانت تلك الحوالة فلم أر صرّافا ولا دكّانا فسألت عن بعض من حضر في ذلك المكان عن الصرّاف فقال : ما عهدنا في هذا المكان صرّافا أبدا وإنّما يقعد فيه فلان فعرفت أنه من أسرار الملك المنّان وألطاف وليّ الرحمن (١).

الحكاية السادسة عشرة : عن العالم المحقّق الخبير السيّد علي سبط السيّد المذكور المرحوم المغفور له وكان عالما مبرّزا ، عن السيّد المرتضى صهر السيّد أعلى الله مقامه على بنت اخته وكان مصاحبا له في السفر والحضر ، مواظبا لخدماته في السرّ والعلانية قال : كنت معه في سر من رأى في بعض أسفار زيارته وكان السيّد ينام في حجرة وحده وكانت لي

__________________

(١) جنّة المأوى : ٢٣٧ الحكاية الثانية عشرة.

٢٥

حجرة بجنب حجرته وكنت في نهاية المواظبة في أوقات خدماته بالليل والنهار وكان يجتمع إليه الناس في أوّل الليل إلى أن يذهب شطر منه في أكثر الليالي ، فاتّفق أنّه في بعض الليالي قعد على عادته والناس مجتمعون حوله فرأيته كأنّه يكره الاجتماع ويحبّ الخلوة ويتكلّم مع كلّ واحد بكلام فيه إشارة إلى تعجيله بالخروج من عنده فتفرّق الناس ولم يبق غيري فأمرني بالخروج فخرجت إلى حجرتي متفكّرا في حالته في تلك الليلة فمنعني الرقاد فصبرت زمانا فخرجت مخفيا لأتفقّد حاله فرأيت باب حجرته مغلقا فنظرت من شقّ الباب وإذا السراج بحاله وليس فيه أحد ، فدخلت الحجرة فعرفت من وضعها أنّه ما نام في تلك الليلة فخرجت حافيا متخفّيا أطلب خبره وأقفو أثره ، فدخلت الصحن الشريف فرأيت أبواب قبّة العسكريين مغلقة فتفقدت أطراف خارجها فلم أجد منه أثرا فدخلت الصحن الأخير الذي فيه السرداب فرأيته مفتّح الأبواب فنزلت من الدرج حافيا متخفّيا متأنّيا بحيث لا يسمع من حسّ ولا حركة ، فسمعت همهمة من صفة السرداب كأنّ أحدا يتكلّم مع الآخر ولم أميّز الكلمات إلى أن بقيت ثلاثة أو أربعة منها وكان دبيبي أخفى من دبيب النملة في الليلة الظلماء على الصخرة الصمّاء ، فإذا بالسيّد قد نادى في مكانه هناك : يا سيّد مرتضى ما تصنع ولم خرجت من المنزل؟ فبقيت متحيّرا ساكتا كالخشب المسنّدة فعزمت على الرجوع قبل الجواب ، ثمّ قلت في نفسي : كيف تخفي حالك على من عرفك من غير طريق الحواس ، فأجبته معتذرا نادما ونزلت في خلال الاعتذار إلى حيث شاهدت الصفة فرأيته وحده واقفا تجاه القبلة ليس لغيره هناك أثر ، فعرفت أنه يناجي الغائب عن أبصار البشر عليه سلام الله الملك الأكبر فرجعت حريّا لكل ملامة ، غريقا في بحار الندامة إلى يوم القيامة (١).

الحكاية السابعة عشرة : فيه عن المولى محمد سعيد الصدتوماني وكان من تلامذة السيّد رحمه‌الله أنه جرى في مجلسه ذكر قضايا مصادفة رؤية المهدي عليه‌السلام حتّى تكلّم هو في جملة من تكلّم في ذلك فقال : أحببت ذات يوم أن أصل إلى مسجد السهلة في وقت ظننته فيه فارغا من الناس ، فلمّا انتهيت إليه وجدته غاصّا بالناس ولهم دويّ ولا أعهد أن يكون في ذلك الوقت فيه أحد ، فدخلت فوجدت صفوفا صافّين للصلاة جامعة فوقفت إلى جنب الحائط على موضع فيه رمل فعلوته لأنظر هل أجد خللا في الصفوف فأسدّه ، فرأيت موضع

__________________

(١) جنّة المأوى : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ الحكاية الثالثة عشرة.

٢٦

رجل واحد في صف من تلك الصفوف فذهبت إليه ووقفت فيه ، فقال رجل من الحاضرين:هل رأيت المهدي عليه‌السلام؟ فعند ذلك سكت السيّد وكأنّه كان نائما ثمّ انتبه ، فكلّما طلب منه تمام المطلب لم يتمّه (١).

الحكاية الثامنة عشرة : وفيه عن السيّد الشهيد القاضي نور الله الشوشتري في ترجمة آية الله العلّامة الحلّي : أنّ من جملة مقاماته العالية أن بعض علماء أهل السنّة ممّن تلمذ عليه العلّامة رحمه‌الله في بعض الفنون ألف كتابا في ردّ الإمامية وأخذ يقرأه للناس في مجالسه ويضلّهم ، وكان لا يعطيه أحدا خوفا من أن يردّه أحد من الإمامية ، فاحتال رحمه‌الله في تحصيل هذا الكتاب إلى أن جعل تلمذته عليه وسيلة لأخذه الكتاب منه عارية فالتجأ الرجل واستحيى من ردّه وقال : إنّي آليت على نفسي أن لا أعطيه أحدا أزيد من ليلة فاغتنم الفرصة في هذا المقدار من الزمان ، فأخذه منه وأتى به إلى البيت لينقل منه ما تيسّر منه ، فلمّا اشتغل بكتابته وانتصف الليل غلبه النوم فحضر الحجّة وقال عليه‌السلام : ناولني الكتاب وخذ في نومك فانتبه العلّامة وقد تمّ الكتاب بإعجازه عليه‌السلام.

وظاهر عبارته يوهم أنّ الملاقاة والمكالمة كان في اليقظة وهو بعيد ، والظاهر أنّه في المنام. وعن مصنّفات الفاضل الألمعي علي بن إبراهيم المازندراني وبخطّه كان معاصرا للشيخ البهائي رحمه‌الله ، وهكذا الشيخ الجليل جمال الدين الحلّي كان علامة علماء الزمان إلى أن قال : وقد قيل إنّه كان يطلب من بعض الأفاضل كتابا لينسخه وكان هو يأبى عليه ، وكان كتابا كبيرا جدّا فاتّفق أن أخذه منه مشروطا بأن لا يبقى عنده غير ليلة واحدة ، وهذا كتاب لا يمكن نسخه إلّا في سنة أو أكثر ، فأتى به الشيخ رحمه‌الله فشرع في كتابته في تلك الليلة فكتب منه صفحات وملّه ، وإذا برجل دخل عليه من الباب بصفة أهل الحجاز فسلّم وجلس ، ثمّ قال : أيّها الشيخ أنت مصطر لي الأوراق وأنا أكتب ، فكان الشيخ يمصطر له الورق وذلك الرجل يكتب وكان لا يلحق المصطر بسرعة كتابته ، فلمّا نقر ديك الصباح وصاح وإذا الكتاب بأسره مكتوب تماما. وقد قيل إنّ الشيخ لما ملّ الكتابة نام فانتبه فرأى الكتاب مكتوبا (٢).

الحكاية التاسعة عشرة : ذكر المحدّث الفاضل الميثمي في كتابه دار السلام عن السيّد

__________________

(١) جنّة المأوى : ٢٤٠ الحكاية الرابعة عشرة.

(٢) جنّة المأوى : ٢٥٥ الحكاية الخامسة والعشرون.

٢٧

السند السيّد محمد صاحب المفاتيح ابن صاحب الرياض نقلا عن خط آية الله العلّامة في حاشية بعض كتبه ما ترجمته بالعربية : خرج ذات ليلة من ليالي الجمعة من بلدة الحلّة إلى زيارة قبر ريحانة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام وهو على حمار له وبيده سوط يسوق به دابّته فعرض له في أثناء الطريق رجل في زيّ الاعراب فتصاحبا والرجل يمشي بين يديه فافتتحا بالكلام ، وساق معه الكلام من كل مقام وإذا به عالم خبير نحرير فاختبره عن بعض المعضلات وما استصعب عليه علمها فما استتم عن كلّ من ذلك إلّا وكشف الحجاب عن وجهها وافتتح عن مغلقاتها إلى أن انجرّ الكلام في مسألة أفتى به بخلاف ما عليه العلّامة ، فأنكره عليه قائلا : إنّ هذه الفتوى خلاف الأصل والقاعدة ولا بدّ لنا في خلافهما من دليل وارد عليهما مخصّص لهما ، فقال العربي : الدليل عليه حديث ذكره الشيخ الطوسي في تهذيبه. فقال العلّامة : إنّي لم أعهد بهذا الحديث في التهذيب ولم يذكره الشيخ ولا غيره. فقال العربي : ارجع إلى نسخة التهذيب التي عندك الآن وعدّ منها أوراقا كذا وسطورا كذا فتجده ، فلمّا سمع العلّامة بذلك ورأى أن هذا إخبار عن المغيبات تحيّر في أمر الرجل تحيّرا شديدا واندهش في معرفته وقال في نفسه : لعلّ هذا الرجل الذي يمشي بين يدي منذ كذا وأنا في ركوبي هو الذي بوجوده تدور رحى الموجودات وبه قيام الأرضين والسماوات ، فبينما هو كذلك إذ وقع السوط من يده من شدّة التفكّر والتحيّر فأخذ ليستخبر عن هذه المسألة استخبارا منه واستظهارا عنه أن في زمن الغيبة الكبرى هل يمكن التشرّف إلى لقاء سيّدنا ومولانا صاحب الزمان ، فهوى الرجل وأخذ السوط من الأرض ووضعه في كفّ العلّامة وقال : لم لا يمكن وكفّه في كفّك؟ فأوقع العلّامة نفسه من على الدابة منكبّا على قدميه واغمي عليه من فرط الرغبة وشدّة الاشتياق ، فلمّا أفاق لم يجد أحدا فاهتمّ بذلك همّا شديدا وتكدّر ورجع إلى أهله وتصفّح عن نسخة تهذيبه فوجد الحديث المعلوم كما أخبره الإمام عليه‌السلام في حاشية تلك النسخة فكتب بخطّه الشريف في ذلك الموضع : هذا حديث أخبرني به سيّدي ومولاي في ورق كذا وسطر كذا ، ثمّ نقل الفاضل الميثمي عن السيّد المزبور طاب ثراه أنه قد رأى تلك النسخة بخط العلّامة في حاشيته.

الحكاية العشرون : فيه عن الفاضل والعادل الأمين مولانا محمد أمين العراة عن رجل صالح عطّار من أهل البصرة أنه قال : إنّي كنت جالسا ذات يوم على دكّتي العطارة وإذا

٢٨

برجلين قد أتيا ووقفا عليّ لشراء السدر والكافور ، فلمّا تكلّمنا وتأمّلت فيهما فلم أجدهما في الصورة والسيرة في زيّ أهل البصرة ونواحيها ، بل ولا المعروف من بلادنا فسألتهما عن أهلهما وبلادهما فاكتتما فألححت عليهما ، وكلّما كثر تسترهما ازددت إلحاحا عليهما إلى أن أقسمت عليهما بالرسول المختار وآله الأئمّة الأطهار عليه‌السلام ، فلمّا رأيا ذلك منّي أظهرا لي أنّهما من جملة ملازمي عتبة الإمام الحيّ المنتظر حجّة الله صاحب الزمان عجّل الله فرجه وأن واحدا من صحبتهم قد توفي بأجله الموعود وقد ارسلا لشراء السدر والكافور منه. قال : فلمّا سمعت بذلك توسلت إليهما وأظهرت المصاحبة معهم إلى سيّدي ومولاي وتضرّعت وألححت عليهما في ذلك ، فقالا : إنّ هذا موقوف على إذنه (عج) وإنّا لم نؤذن بذلك. فقلت لهما : خذاني معكما إلى ذلك الصقع ثمّ استأذنا لي منه فإن أذن وإلّا فأنصرف ويصيبكم أجر الإجابة. فامتنعا عن ذلك أيضا فأكثرت من الإلحاح عليهما فترحّما عليّ وأجاباني وسلمتهما السدر والكافور مستعجلا وأغلقت الدكان وانطلقت معهما حتّى أتينا ساحل بحر عمان ، فمشيا على الماء كالمشي على الأرض الصلبة ووقفت متحيّرا فالتفتا إليّ وقالا : لا تخف وأقسم على الله عزوجل بالحجّة في حفظك. فقلت ذلك وبسملت فمشيت على الماء كالمشي على الأرض إلى أن انتهينا إلى قبّة البحر فبينا نذهب وإذا بسحاب مركوم ومطر غزير تمطّر ، ومن الاتفاق أني منذ يوم خروجي من البصرة كنت طابخا صابونا واضعا إيّاه على سطح الدار ليستنشف في الشمس ، فلمّا رأيت تراكم السحاب والمطر الغزير تذكّرت الصابون وأنه يتنقع ، وإذا برجليّ قد نفذتا في الماء وطمست فيه فكدت أن أغرق فأخذت في السبح فالتفت الرجلان إليّ وقالا لي : يا فلان تب عمّا قصدت وتذكّرت وممّا انصرفت به عن مولاك وجدّد القسم ، فتبت إلى الله وجدّدت القسم فصلّب الله لي الماء فأخذت أمشي خلفهما كالأوّل حتّى انتهينا إلى الساحل ومضينا فيه إلى أن ظهر لنا خباء كشجر طور نورها قد ملأ الفضاء والبيداء فالتفت إليّ الرجلان وقالا : إن مقصودك في هذه الخباء ولكن قف هنا حتّى نذهب ونستأذن لك ، فذهبا ودخل واحد منهما في الخيمة فسمعته يتكلّم في أمري وإذا بصوت سمعته من وراء الحجاب والخباء يقول : ردّوه فإنّه رجل صابوني ، فلمّا سمعت هذا من الإمام (عج) ووجدته طبقا للبرهان العقلي والشرعي فاستيأست وقطعت الطمع عن ما كنت أطمعه وعلمت أن هذا مقام شامخ عظيم لا تكاد

٢٩

تناله أيدي المتشبّث بالتعلّقات الدنيوية.

الحكاية الحادية والعشرون : ذكر الفاضل المحدّث الميثمي أيضا في كتابه دار السلام ما ترجمته بالعربية : إنّي كنت في بعض السنين سنة ألف ومائتين وسبعين ـ ولعلّه سبع وسبعين ـ قد تشرّفت من النجف الأشرف إلى زيارة أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام في مخصوصة أوّل رجب من ذلك العام وما كنت بانيا على التوقّف في الحائر ، بل كنت عازما على الرجوع إلى الغري فاتّفق لي مصاحبة بعض الأصدقاء من أهل أذربايجان فمنعني عن العجلة في العود وحثّني على الإقامة عنده وفي داره إلى زيارة النصف ، فأحببت إجابته وأقمت فيها ، فبينا نحن ذات ليلة وقد اجتمع في تلك الدار عند صاحبنا جمع من أهل أذربايجان يريدون خطبة بنت له قد تكفّلها وربّاها من غير أب ولا أمّ ، وهم يتكلّمون معه في خطبتها وأن هذا أمر لا بدّ فيه [من] المسامحة سيّما مع كون الصهر شابا جديد الإسلام وينبغي السماحة معه ، فلمّا سمعت ذلك منه دنوت إليه وقلت : في أيّ مذهب كنت؟ وما شأنك وقصّتك؟ وما سبب إسلامك؟ فأجابني : إني تركي ولم أحسن الرطانة ، فقلت : أنا أعرف لسان الترك والترجمة لأهل المجلس. فقال : أنا رجل من أرامنة أرومية ساكن قرية من قراها وفيها الحال أبي وأمّي وعشيرتي وبنو عمومتي ، وحرفتي النجارة وعمل الرحى ولي في هاتين مهارة وافية مشهورة عند أهاليها ، فاتّفق لي يوما أن كنت في بستان لقطع شجرة وكانت ملقاة وقد وضعنا المنشار عليها لنقدّها ، فمضى صاحبي الذي كان معي لأمر فانفردت في البستان ، وإذا برجل جليل عظيم قد أهابتني جلالته ونبالته فعظّمته واحترمته قهرا ، ورأيت نفسي بالنسبة إليه مقهورة مغلوبة فقرب منّي وقال : يا فلان هات يدك وأغمض عينيك وافتحهما لأقول لك ، فأعطيته يدي وغمضت عينيّ فلم أحسّ شيئا إلّا وأسمع هبوب الريح وتمس جلدي من نسيمها ، ثمّ أطلق يدي هنيئة ثمّ قال : افتحها ، فلمّا فتحتها ما رأيت إلّا وأنا في قلّة جبل عظيم في قفر وسيع على صخرة عظيمة لا يمكن الصعود عليها والنزول منها ، بحيث لو سقط ساقط عنها لتقطّع ، وتلفت فرأيت ذلك الرجل في أسفل الجبل والصخرة ، ثمّ ذهب وغاب عنّي فاستوحشت وحشة شديدة واضطربت اضطرابا عظيما ، فقلت في نفسي : ولعلّني نائم فحرّكت يدي ومسحتها على عينيّ فرأيت نفسي مستيقظا ومشاعري على ما هي عليه فأعملت كلّ حيلة أحتالها لخلاص نفسي ولم أتمكّن فاستسلمت للموت ووقفت

٣٠

متفكّرا متحيّرا ، وإذا برجل غير الأوّل قد ظهر وأتاني وأرفق بي وسمّاني باسمي وكلّمني بالتركية وتفقّد عيني وقال : الحمد لله ، إنّك قد أفلحت ونجوت ، فتسلّيت به وسألته عن الرجل وصنيعه لي ووجه فلاحي ونجاتي ، فقال : إنّ الرجل هو الإمام الغائب المهدي عجّل الله تعالى فرجه قد أتاك ونجّاك من دار الشرك والكفر وأتى بك إلى هذا الوادي للهدى والرشاد والإسلام والسداد ، فلمّا سمعت ذلك تذكّرت ما كنت كثيرا ما أسمعه من الشيعة عن الإمام الغائب الموعود المنتظر الحجّة ابن الحسن عليه‌السلام وكنت احبّهم وأكتمه من أبويّ وعشيرتي خوفا منهم من لومهم إيّاي. فقلت له : هل الرجل هو المهدي الغائب الموعود؟ فقال : نعم. قلت : فمن أنت؟ قال : رجل من أعوانه وملازميه. فقلت : ما هذا المكان؟

قال : هذا من جبال ايروان والمسافة إلى أرومية بعيدة. قلت : أجل ، فما أصنع إن رجوت الفلاح والاجتناب عن الشرك؟ قال : نعم ، أسلم. فرسخ في قلبي محبّة ذلك الرجل وتجلّى في شراشر وجودي نوره وقلت : كيف أسلم؟ قال : قل : أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّ عليا وأولاده المعصومين أوصياء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلفاؤه ، فأقررت بها ثمّ قال : اسمك هذا ينافي مذهبك فقد سمّيتك «سلمان» ، فقبلت ذلك ، ثمّ أخذ بيدي وقال لي : غمّض عينيك وافتحهما ، ففعلت فرأيت نفسي في أسفل جبل عظيم ، فأطلق يدي وأراني طريقا واسعا وقال لي : سر فيه إلى فرسخين فتدخل قرية فلان فتسأل عن دار شيخهم فلان فتنزل عنده فيدلّك على ما أحببت وشئت من طريقك ، ثمّ غاب عنّي ومضيت إلى أن أتيت تلك القرية فدخلت فيها وسألت عن دار الشيخ فدللت عليه فوقفت وطرقت عليه الباب ، فخرج إليّ شيخ فلمّا رآني قال لي : أنت سلمان؟ قلت: نعم. قال : فادخل ، فلمّا دخلت رأيت رجلا في زي عثمانلو (١) جالسا وقد حفّت به جماعة فنظر إليّ وتبسّم وأظهر الرأفة والملاطفة وسمّاني ورحّب بي وأجلسني عنده ، ثمّ قضى ما به من الجماعة من عملهم فمضوا واستفردنا فتوجّه عند ذلك إليّ وهنأني وبشّرني ، ثمّ أمر بالطعام فاحضر وأكلنا وأقامني عنده إلى ثلاثة أيّام وعلّمني اصول اعتقادات الشيعة وأسماء الأئمّة وأمرني بالتقيّة ، ثمّ قال : لا بدّ لك وأن تذهب حينئذ إلى قرية كذا عند فلان فيوصلك إلى ما شئت وأحببت ، والمسافة إلى هناك أربعة فراسخ ، فانطلقت مع الرجل الأوّل حتّى دلّني

__________________

(١) كلمة معرّبة عن التركيّة تدل على الزي العثماني.

٣١

على الطريق فمشيت إلى أن أتيت القرية ودخلت فيها ووقفت على الدار المعلومة وطرقتها عليه ، فخرج رجل في زيّ الروم ، فلمّا رآني استبشر وتلاطف معي كالأوّل وسمّاني وهنّأني وأدخلني معه ورحّب بي وأقامني عنده ثلاثة أيّام وعلّمني أحكام الصوم والصلاة وبعض الضروريات العملية ، ثمّ دلّني على رجل آخر في قرية اخرى على مسافة أكثر من القريتين فلمّا ذهبت ودخلت على الرجل رأيته أيضا في زي الروم ، بل هو أشبه منهما وله الرئاسة الشرعية والمنصب من سلطان الروم ، فلمّا رآني سمّاني ولاطفني واستبشر وأقامني عنده وختنني وعاد عليّ بتلقين الأحكام وأمر الشريعة وأمرني بالتقيّة وطريقتها .. إلى أن قال لي يوما : يا سلمان لا بدّ لك اليوم من الرواح إلى كربلاء. قلت : وما كربلاء؟ وأين هي؟ فعلّمني بها وأعلمني أنّها أرض فيها بقعة الإمام الثالث سبط الرسول المختار صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومزار للزوّار والشيعة الأخيار. فقلت : وكم المسافة إليها؟ قال : أكثر من أربعين منزلا ، فقلت : كيف أقطع هذا المقدار من الطريق بلا زاد وراحلة ورفيق؟ فقال : اذهب فإنّ الله سيعينك فيها ، ثمّ دفع إليّ اثني عشر من الدراهم المسكوكة بسكة العثماني فبعث معي من يرشدني إلى الطريق الشارع العام فمشيت ، فلمّا سرت وبعدت من القرية يسيرا صاحبني رجل خفيف الثقل فسأل عن مقصودي فأخبرته بالمقصود ، فقال : وإنّي أيضا لسائر إلى نواحي كربلاء وذاهب معك ، فقلت : هل قطعت من هذا الطريق شيئا قبل ذلك؟ وهل تعرفها؟ قال : نعم ، فسررت بذلك ومضيت معه فرأيته على طريقة الشيعة والإمامية إلّا أنّي سترت عنه رعاية للاحتياط كما أمرني ساداتي ولم يتفحّص هو عن عقيدتي أيضا وأنا لم اتّق عنه لأنّي رأيته شيعيّا فسرت معه مسرورا به يومين ، حتّى إذا كان الثالث فظهر نخيل وقبّتان من ذهب متّصلتان فقال لي الرجل : هذا نخيل بغداد وتوابعه وهاتان القبّتان لموسى بن جعفر الإمام السابع ومحمد بن علي النقي الإمام التاسع عليهما‌السلام ، وتلك السواد المعمورة تسمّى كاظمين ، ومنها إلى كربلاء مسافة يومين فادخلها وزر الإمامين وقف بها حتّى يخرج منها قافلة الزوّار إلى كربلاء فسر معهم ، ثمّ فارقني وذهب عنّي من غير تكلّم ، ثمّ أتيت حتّى انتهيت إلى الشط فعبرته بالعبرة (١) ودخلت الكاظمين وبقيت متشرّفا بالزيارة إلى يومين فخرجت الثالث إلى بغداد

__________________

(١) في لسان العرب : ٤ / ١٠٦٢ ـ عبر. والمعبر : ما عبر به النهر من فلك أو قنطرة أو غيره ، قال الازهري : والمعبرة سفينة يعبر عليها النهر.

٣٢

للسياحة ، فبينما أسير في السياحة فمررت على دكة نجّار هناك ، فلمّا عرف أنّي أهل حرفته وصنعته أحبّ أن أشتغل عنده أيّاما ، فوقفت عنده ، فلمّا رأى مهارتي تلاطف معي وعيّن لي كذا ، فكنت بالنهار مقيما هناك وبالليل أبيت بالكاظمين ، فأتى عليّ ذلك أيّام فبينما أنا ذات يوم أرجع إلى كاظمين وإذا بدرويش صاحبني وأظهر الملاطفة معي إلى أن انتهينا إلى المسجد الخرب الذي في طريق بغداد والكاظمين الذي يدعى ب (براثا) فأظهر لي أن منزله في هذا المسجد وأحبّ أن يضيّفني الليلة فاستدعى ذلك وأصرّ عليه فأجبته ودخلت منزله وإذا بجماعة آخرين في زيّه ثمّ اجتمع جماعة آخرون في زيّهم ومعهم شيء من مأكلهم فاجتمعوا بعد صلاة العشاء وأحضروا ما كان معهم في كيفية من الاتحاد واشتغلوا بالأكل ، ثمّ اشتغلوا بالعبادة وإحياء الليل فأعجبني ما كانوا عليه ولم أكن أعهد من نظائرهم هذه الصفة فاضفت عندهم يومين ، فلمّا كان الثالث خرج أحدهم وقال لي : يا فلان إن قافلة الزوّار قد خرجت من الكاظمين يريدون كربلاء فالحق بهم وامض معهم ، فلحقتهم حتّى أتيت كربلاء فبقيت أنا أيّاما مشتغلا بالعبادة والزيارة فقلت في نفسي : إنّي على ما أمرت لا بدّ لي من الإقامة فيه أيّاما ومعي حرفتي وصنعتي النجارة فأشتغل بها ولا بدّ لي من دكة أكون عليها ، فأتيت الشيخ الجليل العالم الفاضل شيخ العراقين شيخ عبد الحسين الطهراني لإجارة دكة تناسبني وهو حينئذ مشغول بعمارة الصحن الشريف ، فلمّا ظهر له حالي وقصّتي قال لي الأصلح حينئذ أن تقيم على العمالة والبنائين بالصحن الشريف حتّى تتهيّأ الأسباب والآلة المحتاجة إلى النجارة ثمّ اختر ما شئت ، وأجرى لي أجرة معلومة فوقفت كما أمرني على وظيفتي السركاري (١).

ثمّ ذكر اسمه واسم قريته واسم أبيه وأمّه واخوته وبعض عمومته وعشيرته وذكر أن له عيالا وأولادا في بلدته وقال : يعرفني أكثر أهل أرومية ولا بدّ من مجيء زوّار من الأرومية فليتحقق وليسأل عنّي ولم أكن أحتاج إليهم ، وإنّي على صنعتي وحرفتي بحيث أعيش عشرة رءوس وأتكفّل بهم ، وقد قطعت النظر عن العيال والأطفال والتجأت إلى هذه البقعة المطهّرة وجاورت كربلاء ، وإني في زيّهم مشتغل بكسبي وزيارتي وعبادتي إلى أن أدرك الأجل المحتوم. فهنيئا له ثمّ هنيئا له.

__________________

(١) كلمة فارسيّة معناها المشرف على العمّال.

٣٣

الحكاية الثانية والعشرون : ممّن أدركه وتشرّف برؤيته في غيبته الكبرى الرجل الهرم الفلاح السهلاوي اليزدي ذو الصلاح والسداد ، ومحصله ما ذكره الفاضل الميثمي في كتابه دار السلام المشتمل بذكر من فاز بسلام الإمام من أنه كان من فلاليح المرحوم الحاج ملّا باقر البهبهاني ساكن الغري وهو رجل من الأخيار والنسّاك ومشهور بالخلوص لأبي عبد الله الحسين عليه‌السلام ، واشتغل في أواخر عمره بتجارة الكتب والسير في الحجرة الواقعة في الزاوية الشرقية من الصحن الشريف من مشهد الغري وهو وإن لم يكن له حظّ من العلم ولا يعدّ من الأفاضل إلّا أنّه ألّف كتابا وافيا جامعا في شرح ترجمة أحوال الأئمّة الاثني عشر وفضائلهم ومراثيهم ، وخمس مجلّدات موسوما بالدمعة الساكبة بحيث وقع مطرحا لأنظار العلماء والمحدّثين.

ثمّ إنّ المؤلف الضعيف علي بن إبراهيم زين العابدين البارجيني اليزدي يقول : بعد ما راجعت شرح هذه القصّة مع المرحوم الحاج ملّا باقر المزبور في الكتاب المذكور اتّفقت لي صحبة المرحوم الحاج علي محمد بياع الكتب نجل الحاج المزبور فسألته عن بستانهم المعروف بالصاحبية ووجه اشتهارها بها وأخبرته بما ذكره هذا الفاضل من شرحه في كتابه فقال المرحوم : أهل البيت أدرى بما في البيت ، ثمّ أخذ في بيان القصة مشروحا حيث ما جرى بتفاوت يسير ممّا ذكره الفاضل المذكور فرأيت الاقتصار على ما ذكره المرحوم أضبط فاقتصرت عليه فأقول : قال المرحوم الحاج علي محمد نجل المرحوم الحاج ملّا باقر البهبهاني المزبور : لما اتسعت الامور علينا قليلا بعد ما كنّا في الشدّة والضيق أراد الحاج الوالد تعمير بستان في أراضي قرب مسجد السهلة بغرس الأشجار فيها وسقيها فعارضوه الأصدقاء وأظهروا أن هذا الأمر لا يكون من عهدتك وأنت لا تقدر عليه لما فيه من التعب والمشقّة الشديدة ، وأنت على ما أنت فيه من شيبك ونقاهتك وبقائك في المشهد فابتع بستانا معمورا قريبا منه فتمّمه ، فأجابهم المرحوم : كثيرا ما أحبّ غرس الأشجار والاشتغال بالعمارة ، واشتغل بما هم فيه إلى أن وقف ولم يستطع إتمامه فطلب من يبيعه نصفه بمائة تومان فيستعين بثمنه على تعمير النصف الباقي ، ولم يجد أحدا يعينه وفيها العمّال والفلاليح مشتغلين بوظيفتهم وفيهم رجل يزدي من أهل الصلاح والسداد ، وكان بعد المغرب وفراغته من فلاحته يأتي مع سائر الفلاليح مسجد السهلة ويبيت فيه ، وكان مطّلعا

٣٤

بما قصده الحاج الوالد من بيع نصفها ، فبينما هو ذات ليلة في المسجد فرأى بين النوم واليقظة أن أحدا يدعوه قائلا : يا فلان أجب السلطان. يقول : فقمت مهربا فرأيت المسجد منورا أضوأ من الشمس الطالعة ورأيت جماعة في صحن المسجد جلوسا وقد حفّ بهم جمع كثير وفيهم سيّد جليل عظيم والنور يسطع منه إلى عنان السماء وعن يمينه رجلان جليلان ، وكذلك عن يساره فأخذوني إليه فسألني السلطان من أنت؟ وما وظيفتك؟ فأخبرته أنّي من فلاليح البستان الواقع قرب هذا المسجد للحاج ملّا باقر البهبهاني ، نأتي بعد فراغنا عن فلاحتنا كلّ ليلة المسجد ونبيت فيه. فقال : نعم. قال : قل للحاج ملّا باقر أن يزرع فيها حملا من بذور الزيت الذي في خارج المسجد ، فرجعت بعد ذلك فقمت من النوم وأنا لا أرى المسجد إلّا في ظلمة الليل والوقت قريب من الفجر فأسبغت الوضوء لاصلّي في ذلك المكان لشرافته فرأيت أن أحدا يؤذّن فيه ، ثمّ اشتغل بعد ذلك بالصلاة فائتممت به وصلّيت معه الفجر لما وقع في قلبي من جلالته ونبالته ، فلمّا انتهيت أتيته وقصصت عليه منامي ، فقال : أما عرفت؟ قلت : نعم.

قال : أمّا السلطان فهو إمام زمانك والرجلان الجليلان اللّذان عن يمينه الخضر والالياس ، واللّذان عن يساره هما هود وصالح والحافّون به المحدقون حوله أرواح الأنبياء والمؤمنين ، فأخبرني أن الحاج ملّا باقر هل يريد بيع البستان؟ فأخبرته أنه منذ مدّة يريد بيع نصفه بمائة تومان ، فقال لي : بعه لي الآن. فقلت : إنّي لا أقدر إلى أن أستأذنه في ذلك ، فأعطاني صرّة فيها مائة تومان وقال : اشتره لي بها ، فقلت : إنّي لا أقبضها إلى أن اخبره ، أين ألقاك بعد ذلك؟ فقال : إذا جرى الماء في الغري أنا أظهر.

وبالجملة فأتى الفلّاح إلى الحاج الوالد وأخبره بما رأى وقصّ عليه فاعترض عليه المرحوم بما توقّف من بيعه له ، ثمّ أخذ في تحسّس هذا الشخص بهذه الصفة في أراضي السهلة والكوفة وجميع النجف فاستيأس ، ثمّ قال المرحوم الحاج علي محمد : إنّ الحاج الوالد أتاني يوما بعد مدّة من ذلك ودفع إليّ صرّة خضراء فيها مائة باجوقلي يساوي قيمتها مائة تومان ، أي مائة دينار ، ولمّا كانت العادة بكتابة النقود والأجناس في الدفتر باسم دافعيها ومعطيها ، فسألته عن ذلك لاقيّده باسمه فأخذ يماطلني في ذلك ليلا ونهارا إلى أن انقضى علينا أيام فأصررت عليه فيه ، فقال : اخبرك به على أن لا تخبر أحدا بذلك ما دمنا أنا

٣٥

والمعطي أحياء ثمّ قال : رأيت إمام زماني في الطيف وسألني عن بيع البستان فبعته إيّاه واشتراه منّي بمائة تومان وحوّل المبلغ إلى السيّد العالم الفاضل السيّد أسد الله ابن حجّة الإسلام السيّد محمد باقر أعلى الله مقامه ، وهو الذي سعى في جري الماء في النجف الأشرف ، والسيّد المرحوم حينئذ كان مقيما في النجف ، فقمت فزعا متحيّرا في إظهاره إيّاه وكنت احاذر تكذيبه إيّاي فقلت في نفسي : إنّ حالي غير خفي على كلّ أحد وإنّي مأمور معذور فأتيته لاخبره ، فلمّا صرت بالباب وقرعته فإذا به قد صاح من داخل الدار : اصبر اصبر فقد أتيتك ، فتحيّرت في ذلك وقلت : فلعلّه رآني من شقّ الباب فخرج إليّ وأخذ يقبّلني ويقول : قبول قبول ، ثمّ دخل وأخرج هذه الصرّة وأعطاني إيّاها ، وقال : هذا ما حوّل الإمام فأضمره ولا تخبر به أحدا ما عشت أنا والسيّد ، واشتهرت بعد ذلك ببستان الصاحبية.

الحكاية الثالثة والعشرون : في جنّة المأوى : قال آية الله العلّامة الحلّي رحمه‌الله في آخر منهاج الصلاح في الدعاء المعروف وهو دعاء العبرات وهو روي عن الصادق عليه‌السلام جعفر بن محمد ، وله من جهة السيّد السعيد محمد بن محمد بن محمد الآوي رحمه‌الله حكاية معروفة بخط بعض الفضلاء في هامش ذلك الموضع :

روى المولى السعيد فخر الدين محمد بن الشيخ الأجلّ جمال الدين عن والده عن جدّه الفقيه يوسف عن السيّد الرضي المذكور أنه كان مأخوذا عند أمير من أمراء السلطان جرماغون مدّة طويلة مع شدّة وضيق فرأى في نومه الخلف الصالح المنتظر عليه‌السلام ، فبكى وقال : يا مولاي اشفع في خلاصي من هؤلاء الظلمة. فقال عليه‌السلام : ادع بدعاء العبرات. فقال : وما دعاء العبرات؟ فقال عليه‌السلام : إنّه في مصباحك. فقال : يا مولاي ما في مصباحي. فقال عليه‌السلام : انظر تجده ، فانتبه من منامه وصلّى الصبح وفتح المصباح فلقى ورقة مكتوب فيها هذا الدعاء بين أوراق الكتاب فدعا أربعين مرّة.

وكانت لهذا الأمير امرأتان إحداهما عاقلة مدبّرة في امورها وهو كثير الاعتماد عليها فجاء في نوبتها فقالت له : أخذت أحدا من أولاد أمير المؤمنين علي عليه‌السلام؟ فقال لها : لم تسألين عن ذلك؟ فقالت : رأيت شخصا وكان نور الشمس يتلألأ من وجهه فأخذ بحلقي بين إصبعيه ثمّ قال : أرى بعلك أخذ ولدي ويضيّق عليه من المطعم والمشرب. فقلت له : يا سيدي من أنت؟ قال : أنا علي بن أبي طالب ، قولي له إن لم يخل عنه لأخربنّ بيته. فشاع هذا

٣٦

النوم للسلطان فقال : ما أعلم ذلك وطلب نوّابه فقال : من عندكم مأخوذ؟ فقالوا : الشيخ العلوي أمرت بأخذه. فقال : خلوا سبيله وأعطوه فرسا يركبها ودلوه على الطريق ، فمضى إلى بيته ، انتهى.

وقال السيّد الأجلّ علي بن طاوس في آخر مهج الدعوات : ومن ذلك ما حدّثني به صديقي والمؤاخي محمد بن محمد القاضي الآوي ضاعف الله جل جلاله سعادته وشرف خاتمته ، وذكر له حديثا عجيبا وسببا غريبا وهو : أنه كان قد حدثت حادثة فوجد هذا الدعاء في أوراق لم يجعله فيها بين كتبه فنسخ منه نسخة ، فلمّا نسخه فقد الأصل الذي كان قد وجده ، إلى أن ذكر الدعاء وذكر له نسخة اخرى من طريق آخر تخالفه. ونحن نذكر النسخة الاولى تيمّنا بلفظ السيّد فإن بين ما ذكره ونقل العلّامة أيضا اختلافا شديدا وهي :

بسم الله الرحمن الرحيم اللهمّ إنّي أسألك يا راحم العبرات ويا كاشف الكربات أنت الذي تقشع سحائب المحن وقد أمست ثقالا وتحلّ أطناب الإحن (١) وقد سحبت أذيالا وتجعل زرعها هشيما وعظامها رميما وتردّ المغلوب غالبا والمطلوب طالبا. إلهي فكم من عبد ناداك إنّي مغلوب فانتصر ففتحت له من نصرك أبواب السماء بماء منهمر وفجّرت له من عونك عيونا فالتقى ماء فرجه على أمر قد قدر ، وحملته من كفايتك على ذات ألواح ودسر ، يا ربّ إنّي مغلوب فانتصر ، يا ربّ إنّي مغلوب فانتصر ، يا ربّ إنّي مغلوب فانتصر ، يا رب فصلّ على محمّد وآل محمّد وافتح لي من نصرك أبواب السماء بماء منهمر ، وفجّر لي من عونك عيونا ليلتقي ماء فرجي على أمر قد قدر ، واحملني يا ربّ من كفايتك على ذات ألواح ودسر ، يا من إذا ولج العبد في ليل من حيرته يهيم فلم يجد له صريخا يصرخه من وليّ ولا حميم صلّ على محمّد وآل محمّد وجد يا ربّ من معونتك صريخا معينا ووليّا يطلبه حثيثا ، وينجيه من ضيق أمره وحرجه ويظهر له المهمّ من أعلام فرجه. اللهمّ فيا من قدرته قاهرة وآياته باهرة ونقماته قاصمة لكلّ جبّار دامغة لكلّ كفور ختّار (٢) ، صل يا رب نظرة من نظراتك رحيمة تجلو بها عنّي ظلمة واقفة مقيمة من عاهة جفّت منها الضروع

__________________

(١) الاحنة : الشحناء ، أو الضغائن والحقد ، راجع مجمع البحرين : ١ / ٤٣.

(٢) في الصحاح : ٢ / ٢٤٦ الختر : الغدر يقال : ختّره فهو ختار ، أقول ومنه قوله تعالى : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) سورة لقمان : ٣٢.

٣٧

وفلقت منها الزروع واشتمل بها على القلوب اليأس ، وجرت بسببها الأنفاس. اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وحفظا لغرائس غرستها يد الرحمن وشربها من ماء الحيوان أن تكون بيد الشيطان تجزّ وبفأسه تقطع وتحزّ. إلهي من أولى منك أن يكون عن حماك حارسا ومانعا ، إلهي إنّ الأمر قد هال فهوّنه وخشن فألنه ، وإنّ القلوب كاعت (١) فطمّها والنفوس ارتاعت فسكّنها. إلهي تدارك أقداما قد زلّت وأفهاما في مهامه (٢) الحيرة ضلّت ، أجحف الضرّ بالمضرور في داعية الويل والثبور ، فهل يحسن من فضلك أن تجعله فريسة للبلاء وهو لك راج ، أم هل يحمد من عدلك أن يخوض لجّة الغماء (٣) وهو إليك لاج ، مولاي لئن كنت لا أشقّ على نفسي في التقى ولا أبلغ في حمل أعباء الطاعة مبلغ الرضا ولا أنتظم في سلك قوم رفضوا الدّنيا ، فهم خمص البطون عمش العيون من البكاء ، بل أتيتك يا رب بضعف من العمل وظهر ثقيل بالأخطاء والزلل ، ونفس للراحة معتادة ولدواعي التسويف منقادة ، أما يكفيك يا ربّ وسيلة إليك وذريعة لديك أنّي لأوليائك موال وفي محبّتك مغال أما تكفيني أن أروح فيهم مظلوما وأغدو مكظوما وأقضي بعد هموم هموما وبعد وجوم وجوما.

أما عندك يا رب بهذه حرمة لا تضيع وذمّة بأدناها يقتنع فلم لا تمنعني يا ربّ وها أنا ذا غريق وتدعني بنار عدوّك حريقا أتجعل أولياءك لأعدائك مصائد وتقلدهم من خسفهم قلائد ، وأنت مالك نفوسهم لو قبضتها جمدوا ، وفي قبضتك مواد أنفاسهم لو قطعتها خمدوا ، وما يمنعك يا رب أن تكفّ بأسهم وتنزع عنهم من حفظك لباسهم وتعريهم من سلامة بها في أرضك يسرحون وفي ميدان البغي على عبادك يمرحون. اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وأدركني ولما يدركني الغرق وتداركني ولما غيب شمسي للشفق. إلهي كم من خائف التجأ إلى سلطانك فآب عنه محفوظا بأمن وأمان ، أفأقصد يا ربّ بأعظم من سلطانك سلطانا أم أوسع من إحسانك إحسانا ، أم أكثر من اقتدارك اقتدارا أم أكرم من انتصارك انتصارا. اللهمّ أين كفايتك التي هي نصرة المستغيثين من الأنام ، وأين عنايتك التي

__________________

(١) كاعت : عجزت.

(٢) المهامة مفردها : المهمّة : المفازة البعيدة الاطراف (الصحاح : ٦ / ٢٢٥٠) وفي لسان العرب (١٣ / ١٠٩٩) المهمّة : الفلاة لا ماء بها ولا أنيس.

(٣) الغماء : الشديد من شدائد الدهر (كتاب العين ٤ / ٣٥١).

٣٨

هي جنّة المستهدفين لجور الأيّام إليّ بها يا ربّ نجّني من القوم الظالمين إنّي مسّني الضرّ وأنت أرحم الراحمين.

مولاي ترى تحيّري في أمري وتقلّبي في ضرّي وانطوائي على حرقة قلبي وحرارة صدري فصلّ يا ربّ على محمّد وآل محمّد وجد لي يا ربّ بما أنت أهله فرجا ومخرجا ويسّر لي يا رب نحو اليسرى منهجا واجعل لي يا ربّ من نصب حبالا لي ليصر عني بها صريع ما مكره ومن حفر لي البئر ليوقعني فيها واقعا فيما حفره ، واصرف اللهمّ عنّي شرّه ومكره وفساده وضرّه ما تصرفه عمّن قاد نفسه لدين الديّان ومناد ينادي للايمان ، إلهي عبدك عبدك أجب دعوته وضعيفك ضعيفك فرّج غمّته ، فقد انقطع كلّ حبل إلّا حبلك وتقلّص كلّ ظلّ إلّا ظلّك ، مولاي دعوتي هذه إن رددتها أين تصادف موضع الإجابة ، وإن كذّبتها أين تلاقي موضع الإجابة فلا تردّ عن بابك من لا يعرف غيره بابا ، ولا تمنع دون جنابك من لا يعرف سواه جنابا ، ويسجد ويقول : إلهي إنّ وجها إليك برغبته توجّه ، فالراغب خليق بأن تجيبه وإنّ جبينا لك بابتهاله سجد حقيق أن يبلغ ما قصد ، وإنّ خدّا إليك بمسألة يعفّر جدير بأن يفوز بمراده ويظفر. وها أنا ذا يا إلهي ، قد ترى تعفير خدّي وابتهالي واجتهادي في مسألتك وجدي فتلقّ يا رب رغباتي برأفتك قبولا وسهّل إليّ طلباتي برأفتك وصولا وذلّل لي قطوف ثمرات إجابتك تذليلا. إلهي لا ركن أشدّ منك فآوي إلى ركن شديد وقد أويت إليك وعوّلت في قضاء حوائجي عليك ولا قول أسدّ من دعائك فاستظهر بقول سديد وقد دعوتك كما أمرت فاستجب لي بفضلك كما وعدت ، فهل بقي يا ربّ إلّا أن تجيب وترحم منّي البكاء والنحيب ، يا من لا إله سواه ويا من يجيب المضطرّ إذا دعاه ربّ انصرني على القوم الظالمين وافتح لي وأنت خير الفاتحين والطف بي يا رب وبجميع المؤمنين والمؤمنات برحمتك يا أرحم الراحمين (١).

الحكاية الرابعة والعشرون : فيه عن كتاب الكلم الطيب والغيث الصيّب للسيّد المتبحّر السيّد علي خان شارح الصحيفة ما لفظه : رأيت بخط بعض أصحابي من السادات الأجلّاء الصلحاء الثقات ما صورته : سمعت في رجب سنة ثلاث وتسعين وألف الأخ العالم العامل جامع الكمالات الانسية والصفات القدسية الأمير إسماعيل بن حسين بيك ابن علي بن

__________________

(١) مهج الدعوات : ٣٣٨ ، وجنّة المأوى : ٢٢٥ الحكاية الرابعة عن مهج الدعوات.

٣٩

سليمان الحائري الأنصاري أنار الله تعالى برهانه يقول : سمعت الشيخ الصالح التقي المتورّع الشيخ الحاج علي المكي قال : إنّي ابتليت بضيق وشدّة ومناقضة خصوم حتّى خفت على نفسي القتل والهلاك فوجدت الدعاء المسطور بعد في جيبي من غير أن يعطينيه أحد ، فتعجّبت من ذلك وكنت متحيّرا فرأيت في المنام أن قائلا في زيّ الصلحاء والزهّاد يقول لي : إنّا أعطيناك الدعاء الفلاني فادع به تنج من الضيق والشدّة ، ولم يتبيّن لي من القائل فزاد تعجّبي ، فرأيت مرّة اخرى الحجّة المنتظر عليه‌السلام فقال : ادع بالدعاء الذي أعطيتكه وعلّم من أردت.

قال : وقد جرّبته مرارا عديدة فرأيت فرجا قريبا ، وبعد مدّة ضاع منّي الدعاء برهة من الزمان وكنت متأسّفا على فواته مستغفرا من سوء العمل فجاءني شخص وقال لي : إنّ هذا الدعاء قد سقط منك في المكان الفلاني ، وما كان في بالى أن رحت إلى ذلك المكان فأخذت الدعاء وسجدت لله شكرا وهو :

بسم الله الرحمن الرحيم. ربّ أسألك مددا روحانيا تقوّي به القوى الكلّية والجزئيّة حتّى أقهر عبادي نفسي كلّ نفس قاهرة فتنقبض لي إشارة رقائقها انقباضا تسقط به قواها حتّى لا يبقى في الكون ذو روح إلّا ونار قهري قد أحرقت ظهوره. يا شديد يا شديد يا ذا البطش الشديد يا قهّار أسألك بما أودعته عزرائيل من أسمائك القهرية فانفعلت له النفوس بالقهر أن تودعني هذا السرّ في هذه الساعة حتّى أليّن به كلّ صعب وأذلّل به كلّ منيع بقوّتك يا ذا القوّة المتين.

تقرأ ذلك سحرا ثلاثا إن أمكن وفي الصبح ثلاثا وفي المساء ثلاثا فإذا اشتدّ الأمر على من يقرؤه يقول بعد قراءة ثلاثين مرّة : يا رحمن يا رحيم يا أرحم الراحمين أسألك اللطف بما جرت به المقادير (١).

الحكاية الخامسة والعشرون : فيه عن الكفعمي في كتاب البلد الأمين عن المهديعليه‌السلام :من كتب هذا الدعاء في إناء جديد بتربة الحسين عليه‌السلام وغسله وشربه شفي من علّته : بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله دواء والحمد لله شفاء ولا إله إلّا الله كفاء وهو الشافي شفاء هو الكافي كفاء أذهب البأس بربّ الناس ، شفاء لا يغادره سقم وصلّى الله على محمّد وآله النجباء.

قال ورأيته بخط السيّد زين الدين علي بن الحسين الحسيني رحمه‌الله أن هذا الدعاء نقله رجل

__________________

(١) منتخب الأثر : ٥٢٠ باب ٧ ح ٤.

٤٠