إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

الشيخ علي اليزدي الحائري

إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي اليزدي الحائري


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

واطّلع على سرّ من أسرار الله ومكنون خزائنه (١).

وفيه عن جابر بن يزيد الجعفي ، قال : لما أفضيت الخلافة إلى بني اميّة سفكوا فيها الدم الحرام ولعنوا فيها أمير المؤمنين على المنابر ألف شهر وتبرّءوا منه واغتالوا الشيعة في كلّ بلدة واستأصلوا بنيانهم من الدنيا لحطام دنياهم ، فخوّفوا الناس في البلدان وكلّ من لم يلعن أمير المؤمنين ولم يتبرّأ منه قتلوه كائنا من كان. قال جابر بن يزيد الجعفي : فشكوت من بني امية وأشياعهم إلى الإمام المبين أطهر الطاهرين زين العابدين وسيّد الزهّاد وخليفة الله على العباد علي بن الحسين عليه‌السلام فقلت : يا بن رسول الله قد قتلونا تحت كلّ حجر ومدر واستأصلوا شأفتنا وأعلنوا لعن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام على المنابر والمنارات والأسواق والطرقات وتبرّءوا منه ، حتّى إنّهم ليجتمعون في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيلعنون عليّا علانية لا ينكر ذلك أحد ولا ينهر ، فإن أنكر ذلك أحد منّا حملوا عليه بأجمعهم وقالوا : هذا رافضي أبو ترابي ، وأخذوه إلى سلطانهم وقالوا : هذا ذكر أبا تراب بخير ، فضربوه ثمّ حبسوه ثمّ بعد ذلك قتلوه. فلمّا سمع الإمام صلوات الله عليه ذلك منّي نظر إلى السماء فقال : سبحانك اللهمّ سيّدي ما أحلمك وأعظم شأنك في حلمك وأعلى سلطانك يا ربّ قد أمهلت عبادك في بلادك حتّى ظنّوا أنّك أمهلتهم أبدا وهذا كلّه بعينك ، لا يغالب قضاؤك ولا يردّ المحتوم من تدبيرك كيف شئت وأنّى شئت وأنت أعلم به منّا. قال : ثمّ دعا ابنه محمدا ، قال : يا بني ، قال : لبّيك يا سيدي. قال : إذا كان غدا فاغد إلى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خذ معك الخيط الذي أنزل مع جبرئيل على جدّنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فحرّكه تحريكا ليّنا ولا تحرّكه تحريكا شديدا ، الله الله فتهلك الناس كلّهم.

قال جابر : فبقيت متفكّرا متعجّبا من قوله عليه‌السلام فما أدري ما أقول لمولاي ، فغدوت إلى محمّد وقد بقي عليّ ليل حرصا على أن أنظر إلى الخيط وتحريكه فبينما أنا على الباب إذ خرج الإمام فقمت وسلّمت عليه فردّ عليّ السلام وقال : ما غدا بك؟ فلم تكن تأتينا في هذا الوقت فقلت : يا ابن رسول الله سمعت أباك يقول بالأمس خذ الخيط وصر إلى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فحرّكه تحريكا ليّنا ولا تحرّكه تحريكا شديدا فتهلك الناس كلّهم. فقال : يا جابر لو لا الوقت المعلوم والأجل المحتوم والقدر المقدور لخسفت والله بهذا المخلوق المنكوس في

__________________

(١) البحار : ٢٦ / ٦ ح ١.

٤١

طرفة عين ، لا بل في لحظة ، لا بل في لمحة ، ولكنّنا عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعلمون. قال : قلت له : يا سيّدي ولم تفعل هذا بهم؟ قال : ما حضرت أبي بالأمس والشيعة يشكون إليه ما يلقونه من الناصبية الملاعين والقدرية المقصّرين؟ فقلت : بلى يا سيدي. قال : فإنّي أرعبهم وكنت أحب أن يهلك طائفة منهم ويطهّر الله منهم البلاد ويريح العباد. قلت : يا سيدي فكيف ترعبهم وهم أكثر من أن يحصوا؟ قال : امض بنا إلى المسجد لأريك قدرة من قدرة الله تعالى ، قال جابر : فمضيت معه إلى المسجد فصلّى ركعتين ثمّ وضع خدّه على التراب وتكلّم بكلمات ثمّ رفع رأسه وأخرج من كمه خيطا دقيقا يفوح منه رائحة المسك وكان أدقّ في المنظر من خيط المخيط ثمّ قال لي : خذ إليك طرف الخيط وامش رويدا وإيّاك ثمّ إيّاك أن تحرّكه ، قال : فأخذت طرف الخيط ومشيت رويدا فقال عليه‌السلام : قف يا جابر ، فوقفت فحرّك الخيط تحريكا ليّنا فما ظننت أنّه حرّكه من لينه ثمّ قال : ناولني طرف الخيط. قال : فناولته فقلت : ما فعلت به يا بن رسول الله؟ فقال : ويحك اخرج إلى الناس وانظر ما حالهم. قال : فخرجت من المسجد فإذا صياح وولولة من كلّ ناحية وزاوية وإذا زلزلة وهدّة ورجفة وإذا الهدة أخربت عامّة دور المدينة وهلك تحتها أكثر من ثلاثين ألف رجل وامرأة وإذا بخلق يخرجون من السكك لهم بكاء وعويل وضوضاء ورنّة شديدة وهم يقولون : إنّا لله وإنّا إليه راجعون قد قامت الساعة ووقعت الواقعة وهلك الناس. وآخرون يقولون : الزلزلة والهدة ، وآخرون يقولون : الرجفة والقيامة هلك فيها عامّة الناس ، وإذا اناس قد أقبلوا يبكون يريدون المسجد وبعضهم يقولون لبعض : لم لا يخسف بنا وقد تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظهر الفسق والفجور وكثر الزنا والربا وشرب الخمر واللواط ، والله لينزلن بنا ما هو أشدّ من ذلك وأعظم أو نصلح أنفسنا. قال جابر : فقمت متحيّرا أنظر إلى الناس يبكون ويصيحون ويولولون ويفدون زمرا إلى المسجد فرحمتهم حتّى والله لبكيت لبكائهم ، وإذن لا يدرون من أين أتوا واخذوا فانصرفت إلى الإمام الباقر عليه‌السلام وقد اجتمع الناس عليه وهم يقولون : يا بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما ترى ما نزل بنا وبحرم رسول الله قد هلك الناس وماتوا فادع الله عزوجل لنا ، فقال : افزعوا إلى الصلاة والصدقة والدعاء. ثمّ سألني وقال : يا جابر ما حال الناس؟ فقلت : يا سيدي لا تسأل يا بن رسول الله خربت الدور والقصور وهلك الناس ورأيتهم بغير رحمة فرحمتهم. فقال عليه‌السلام : لا رحمهم‌الله أبدا ، أما إنّه قد بقي

٤٢

عليك بقية ، لو لا ذلك ما رحمت أعداءنا وأعداء أوليائنا. ثمّ قال : سحقا سحقا وبعدا بعدا للقوم الظالمين والله لو حرّكت الخيط أدنى تحريكة لهلكوا أجمعين وجعلوا أعلاها أسفلها ولم يبق دار ولا قصر ولكن أمرني سيّدي ومولاي أن لا أحرّكه شديدا. ثمّ إنّه صعد المنارة والناس لا يرونه وأنا أراه فنادى بأعلى صوته ألا أيّها الضالّون المكذّبون فنظر الناس أنّه صوت من السماء فخرّوا لوجوههم وطارت أفئدتهم وهم يقولون في سجودهم : الأمان الأمان. فإذا هم يسمعون الصيحة بالحقّ ولا يرون الشخص ثمّ أشار بيده صلوات الله عليه وأنا أراه والناس لا يرونه فزلزلت المدينة زلزلة خفيفة ليست كالأولى وتهدّمت فيها دور كثيرة ثمّ تلا هذه الآية (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ) (١) ثمّ تلا بعد ما نزل (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا) (٢) (عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ) (٣) وتلا عليه‌السلام (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) (٤). قال : وخرجت المخدّرات في الزلزلة الثانية من خدورهنّ مكشفات الرءوس وإذا الأطفال يبكون ويصر خون فلا يلتفت أحد ، فلمّا بصر الباقر عليه‌السلام ضرب بيده إلى الخيط فجمعه في كفّه فسكنت الزلزلة ثمّ أخذ بيدي والناس لا يرونه وخرجنا من المسجد فإذا قوم قد اجتمعوا على باب حانوت الحداد وهم خلق كثير يقولون : ما سمعتم في مثل هذه المدرة (٥) من الهمهمة ، فقال بعضهم : بلى همهمة كثيرة. وقال آخرون : بلى والله صوت وكلام وصياح كثير ولكنّا والله لم نقف على الكلام. قال جابر : فنظر الباقر عليه‌السلام إلى قصتهم ثمّ قال : يا جابر هذا دأبنا ودأبهم في كلّ عصر ، إذا بطروا وأشروا وتمرّدوا وبغوا أرعبناهم وخوّفناهم فإذا ارتدعوا وإلّا أذن الله في خسفهم.

قال جابر : يا بن رسول الله فما هذا الخيط الذي فيه الأعجوبة؟ قال : هذه بقيّة ممّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إلينا ، يا جابر : إنّ لنا عند الله منزلة ومكانا رفيعا ولو لا نحن لم يخلق الله أرضا ولا سماء ولا جنّة ولا نارا ولا شمسا ولا قمرا ولا برّا ولا بحرا ولا سهلا ولا جبلا ولا رطبا ولا يابسا ولا حلوا ولا مرّا ولا ماء ولا نباتا ولا شجرا ، واخترعنا الله من نور ذاته ، ولا يقاس بنا بشر ، بنا أنقذكم الله عزوجل وبنا هداكم ونحن والله دللناكم على ربّكم

__________________

(١) الأنعام : ١٤٦.

(٢) سورة هود : ٨٢.

(٣) سورة الذاريات : ٣٣ ـ ٣٤.

(٤) النحل : ٢٦.

(٥) في نسخة ثانية : المنارة.

٤٣

فقفوا عند أمرنا ونهينا ولا تردوا كلّ ما ورد عليكم منّا فإنّا أكبر وأجلّ وأعظم وأرفع من جميع ما يرد عليكم ، ما فهمتموه فاحمدوا الله عليه وما جهلتموه فكلوا أمره إلينا وقولوا : أئمتنا أعلم بما قالوا. قال : ثمّ استقبله أمير المدينة راكبا وحواليه حرّاسه وهم ينادون في الناس : معاشر الناس احضروا إلى ابن رسول الله علي بن الحسين وتقرّبوا إلى الله عزوجل به لعلّ الله يصرف به عنكم العذاب ، فلمّا بصروا بمحمّد بن علي الباقر عليه‌السلام تبادروا نحوه وقالوا له : يا بن رسول الله أما ترى ما نزل بأمّة جدّك محمّد ، هلكوا وفنوا عن آخرهم ، أين أبوك حتّى نسأله أن يخرج إلى المسجد ونتقرّب به إلى الله ليرفع به عن أمّة جدّك هذا البلاء؟ قال لهم محمّد بن علي عليه‌السلام : يفعل الله ما يشاء أصلحوا من أنفسكم وعليكم بالتوبة والتضرّع والورع والنهي عمّا أنتم عليه فإنّه لا يأمن مكر الله إلّا القوم الخاسرون. قال جابر : فأتينا علي بن الحسين وهو يصلّي فانتظرناه حتّى فرغ من صلاته وأقبل علينا فقال : يا محمّد ما خبر الناس؟ فقال : ذلك لقد رأى من قدرة الله عزوجل ما لا زال متعجّبا منها. قال جابر : فقلت : يا سيدي إنّ سلطانهم سألنا أن نسألك أن تحضر إلى المسجد حتّى يجتمع الناس يدعون ويتضرّعون إلى الله عزوجل ويسألونه الإقالة. قال : فتبسّم ثمّ تلا (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) (١) وقرأ (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) (٢) فقلت : يا سيدي العجب أنّهم لا يدرون من أين أتوا. قال : أجل ثمّ تلا (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) (٣) وهي والله آياتنا وهذه إحداها وهي والله ولا يتنا. يا جابر ما تقول في قوم أماتوا سنّتنا وتولّوا أعداءنا وانتهكوا حريمنا فظلمونا وغصبونا وأحيوا سنن الظالمين وساروا بسيرة الفاسقين. قال جابر : الحمد لله الذي منّ عليّ بمعرفتكم وألهمني فضلكم ووفّقني لطاعتكم وموالاة مواليكم ومعاداة أعدائكم.

قال صلوات الله عليه : يا جابر أتدري ما المعرفة؟ المعرفة إثبات التوحيد أوّلا ثمّ معرفة المعاني ثانيا ثمّ معرفة الأبواب ثالثا ثمّ معرفة الإمام رابعا ثمّ معرفة الأركان خامسا ثمّ معرفة

__________________

(١) سورة المؤمن : ٥٠.

(٢) سورة الأنعام : ١١١.

(٣) سورة الأعراف : ٥١.

٤٤

النقباء سادسا ثمّ معرفة النجباء سابعا وهو قوله تعالى (لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) (١) وتلا أيضا (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(٢).

يا جابر : مالك أمركم إثبات التوحيد ومعرفة المعاني ، أما إثبات التوحيد معرفة الله القديم الغائب الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير وهو غيب باطن ستدركه كما وصف به نفسه.

أمّا المعاني فنحن معانيه ومظاهره فيكم ، اخترعنا من نور ذاته وفوّض إلينا أمور عباده ، فنحن نفعل بإذنه ما نشاء ونحن إذا شئنا شاء الله وإذا أردنا أراد الله ، ونحن أحلّنا الله هذا المحل واصطفانا من بين عباده وجعلنا حجّة في بلاده ، فمن أنكر شيئا من ذلك وردّه فقد ردّ على الله جل اسمه وكفر بأنبيائه ورسله. يا جابر من عرف الله تعالى بهذه الصفات فقد أثبت التوحيد لأنّ هذه الصفة موافقة لما في الكتاب المنزل وذلك قوله تعالى (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (٣) وقوله تعالى (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٤) قال جابر : يا سيدي ما أقلّ أصحابي. قال عليه‌السلام : هيهات هيهات أتدري كم على وجه الأرض من أصحابك؟ قلت : يا بن رسول الله كنت أظنّ في كل بلدة ما بين المائة إلى المائتين وفي كل إقليم منهم ما بين الألف إلى ألفين ، بل كنت أظنّ أكثر من مائة ألف في أطراف الأرض ونواحيها. قال عليه‌السلام : يا جابر خالفك ظنّك وقصر رأيك أولئك المقصّرون وليسوا لك بأصحاب. قلت : يا بن رسول الله ومن المقصّر؟ قال : الذين قصّروا في معرفة الأئمّة وعن معرفة ما فرض الله عليهم من أمره وروحه. قلت : يا سيّدي وما معرفة روحه؟ قال عليه‌السلام : أن يعرف كلّ من خصّه الله تعالى بالروح فقد فوّض إليه أمره ، يخلق بإذنه ويحيي بإذنه ويعلم ما في الضمائر ويعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، ذلك أنّ هذا الروح من أمر الله تعالى فمن خصّه الله تعالى بهذا الروح فهو كامل غير ناقص يفعل ما يشاء بإذن الله ، يسير من المشرق إلى المغرب بإذن الله في لحظة واحدة يعرج به إلى السماء وينزل به إلى الأرض يفعل ما شاء وأراد. قلت : يا سيّدي أوجدني بيان هذا الروح من كتاب الله تعالى وأنّه

__________________

(١) سورة الكهف : ١٠٩.

(٢) سورة لقمان : ٢٧.

(٣) الأنعام ١٠٣.

(٤) الأنبياء : ٢٣.

٤٥

من أمر خصّه الله تعالى بمحمّد وأوصيائه عليهم‌السلام. قال : نعم اقرأ هذه الآية (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) (١) ، وقوله تعالى (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) (٢) قلت : فرّج الله عنك كما فرّجت عنّي ووقفتني على معرفة الروح والأمر. ثمّ قلت : يا سيّدي صلّى الله عليك فأكثر الشيعة مقصّرون وأنا ما أعرف من أصحابي على هذه الصفة واحدا. قال : يا جابر فإن لم تعرف منهم أحدا فإنّي أعرف منهم نفرا قلائل يأتون ويسلمون ويتعلّمون منّي شيئا من سرّنا ومكنوننا وباطن علومنا. قلت : إنّ فلان بن فلان وأصحابه من أهل هذه الصفة إن شاء الله وذلك أنّي سمعت منهم سرّا من أسراركم وباطنا من علومكم ولا أظنّ إلّا وقد كملوا وبلغوا. قال : يا جابر ادعهم غدا وأحضرهم معك. قال : فأحضرتهم من الغد فسلّموا على الإمام وبجّلوه ووقّروه ووقفوا بين يديه.

فقال : يا جابر أما إنّهم إخوانك وقد بقيت عليهم بقية ، أتقرّون أيّها النفر أن الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ولا معقب لحكمه ولا رادّ لقضائه ولا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون؟ قالوا : نعم إنّ الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. قال جابر : فقلت : الحمد لله قد استبصروا وعرفوا وبلغوا. قال : يا جابر لا تعجل بما لا تعلم ، فبقيت متحيّرا. فقال عليه‌السلام : هل يقدر علي بن الحسين عليه‌السلام أن يصير بصورة ابنه محمد وهل يقدر ابني محمد أن يصير بصورتي؟ قال جابر : فسألتهم فأمسكوا وسكتوا. قال : يا جابر سلهم : هل يقدر محمّد أن يكون بصورتي؟ قال جابر : فأسألتهم فأمسكوا وسكتوا. قال : فنظر إليّ الإمام وقال : يا جابر هذا ما أخبرتك به قد بقي عليهم بقيّة. فقلت لهم : ما لكم لا تجيبون إمامكم فسكتوا وشكوا فنظر إليهم وقال : يا جابر هذا ما أخبرتك به ، قد بقي عليهم بقيّة. وقال الباقر عليه‌السلام : ما لكم لا تنطقون فنظر بعضهم إلى بعض يتساءلون وقالوا : يا بن رسول الله لا علم لنا فعلّمنا. قال : فنظر الإمام سيّد العابدين علي بن الحسين إلى ابنه محمّد الباقر عليه‌السلام وقال لهم : من هذا؟ قالوا : ابنك. فقال لهم : من أنا؟ قالوا : أبوه علي بن الحسين عليهما‌السلام. قال : فتكلّم بكلام لم نفهم فإذا محمّد بصورة أبيه علي بن الحسين وعلي بصورة ابنه محمّد ، قالوا : لا إله إلّا الله. فقال الإمام : لا تعجبوا من قدرة الله أنا محمّد ومحمّد أنا. وقال محمّد : لا تعجبوا من أمر الله أنا علي وعلي أنا وكلّنا واحد من نور

__________________

(١) الشورى : ٥٢.

(٢) المجادلة : ٢٢.

٤٦

واحد وروحنا من أمر الله أوّلنا محمّد وأوسطنا محمّد وآخرنا محمّد وكلّنا محمّد. قال : فلمّا سمعوا ذلك خرّوا لوجوههم سجدا وهم يقولون : آمنّا بولايتكم وبسرّكم وعلانيتكم وأقررنا بخصائصكم.

فقال الإمام زين العابدين : يا قوم ارفعوا رءوسكم فأنتم الآن العارفون الفائزون المستبصرون وأنتم الكاملون البالغون الله الله لا تطلعوا أحدا من المقصّرين المستضعفين على ما رأيتم منّي ومن محمّد فيشنعوا عليكم ويكذّبوكم. قالوا : سمعنا وأطعنا ، قال : فانصرفوا راشدين كاملين. فانصرفوا. قال جابر : قلت : سيّدي وكلّ من لا يعرف هذا الأمر على الوجه الذي صنعته وبيّنته إلّا أن عنده محبّة ويقول بفضلكم ويتبرّأ من أعدائكم ، ما يكون حاله؟ قال عليه‌السلام : يكونون في خير إلى أن يبلغوا. قال جابر : قلت : يا بن رسول الله هل بعد ذلك شيء يقصّرهم؟ قال عليه‌السلام : نعم إذا قصروا في حقوق إخوانهم ولم يشاركوهم في أموالهم ولم يشاوروهم في سرّ أمورهم وعلانيتهم واستبدّوا بحطام الدنيا دونهم فهنالك تسلب المعروف وتسلخ من دونه سلخا ويصيبه من آفات هذه الدنيا وبلائها ما لا يطيقه ولا يحتمله من الأوجاع في نفسه وذهاب ماله وتشتّت شمله لما قصر في برّ إخوانه.

قال جابر : فاغتممت والله غمّا شديدا وقلت : يا بن رسول الله ما حقّ المؤمن على أخيه المؤمن؟ قال عليه‌السلام : يفرح لفرحه ويحزن إذا حزن وينفذ اموره كلّها فيحصلها ولا يغتمّ بشيء من حطام الدنيا الفانية إلّا واساه حتّى يجريا في الخير والشرّ في قرن واحد. قلت : يا سيّدي فكيف أوجب الله كلّ هذا للمؤمن على أخيه المؤمن؟ قال : لأنّ المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمّه على هذا الأمر لا يكون أخاه وهو أحقّ بما يملكه. قال جابر : سبحان الله ومن يقدر على ذلك؟

قال عليه‌السلام : من يريد أن يقرع أبواب الجنان ويعانق الحور الحسان ويجتمع معنا في دار السلام. قال جابر : فقلت : هلكت والله يا بن رسول الله لأنّي قصّرت في حقوق إخواني ولم أعلم أنّه يلزمني من التقصير كلّ هذا ولا عشره وأنا أتوب إلى الله تعالى يا بن رسول الله ممّا كان منّي من التقصير في رعاية حقوق إخواني المؤمنين (١).

__________________

(١) البحار : ٢٦ / ٨ ح ٢.

٤٧

الفرع الثاني

في أنّ الإمامة في الأعقاب وأنّها لا تعود في عمّ

ولا أخ إلّا الحسن والحسين عليهما‌السلام

الكافي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : لا تعود الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين أبدا إنّما جرت من علي بن الحسين عليه‌السلام كما قال الله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) (١) فلا تكون بعد علي بن الحسين إلّا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب (٢).

وفيه سئل أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : أتكون الإمامة في عمّ أو خال؟ قال : لا. سئل : ففي أخ؟ فقال : لا. سئل ففيمن؟ قال : في ولدي ، وهو يومئذ لا ولد له (٣).

وفيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أبى الله أن يجعلها لأخوين بعد الحسن والحسين عليهما‌السلام (٤).

وفيه عنه عليه‌السلام : لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين إنّما في الأعقاب وأعقاب الأعقاب (٥).

وفيه قيل لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن كان كون ولا أراني الله ، فبمن ائتم؟ فأومأ إلى ابنه موسى.

قيل : فإن حدث فبمن ائتم؟ قال : بولده. قيل : فإن حدث بولده وترك أخا كبيرا وابنا صغيرا فبمن ائتم؟ قال : بولده ثمّ واحد فواحد (٦).

وفي البحار (٧) عن هشام بن سالم قال : قلت للصادق جعفر بن محمّد عليهما‌السلام : الحسن أفضل أم الحسين؟ فقال : الحسن أفضل من الحسين. قلت : فكيف صارت الإمامة من بعد الحسين في عقبه دون ولد الحسن؟ فقال : إنّ الله تبارك وتعالى أحبّ أن يجعل سنّة موسى وهارون جارية في الحسن والحسين ، ألا ترى أنّهما كانا شريكين في النبوّة ، كما كان الحسن والحسن والحسين

__________________

(١) الأنفال : ٧٥.

(٢) الكافي : ١ / ٢٨٥ ح ١.

(٣) الكافي : ١ / ٢٨٦ ح ٣.

(٤) الكافي : ١ / ٢٨٦ ح ٢.

(٥) الكافي : ١ / ٢٨٦ ح ٤.

(٦) الكافي : ١ / ٢٨٦ ح ٥ وفيه : وفي نسخة الصفواني : ثمّ هكذا أبدا.

(٧) نقلا عن كتاب كمال الدين : ٣٨٣.

٤٨

شريكين في الإمامة ، وأنّ الله عزوجل جعل النبوّة في ولد هارون ولم يجعلها في ولد موسى عليه‌السلام وإن كان موسى أفضل من هارون.

قلت : فهل يكون إمامان في وقت؟ قال : لا ، إلّا أن يكون أحدهما صامتا مأموما لصاحبه والآخر إماما ناطقا لصاحبه ، وأمّا أن يكونا إمامين ناطقين في وقت واحد فلا. قلت : فهل الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين؟ قال : إنّما هي جارية في عقب الحسين كما قال الله عزوجل (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) (١) ثمّ هي جارية في الأعقاب وأعقاب الأعقاب إلى يوم القيامة (٢).

وفيه عن عبد الرّحمن بن المثنى الهاشمي ؛ قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك من أين جاء لولد الحسين الفضل على ولد الحسن وهما يجريان في شرع واحد؟ فقال : لا أراكم تأخذون به ، إنّ جبرائيل نزل على محمد وما ولد الحسين بعد فقال له : يولد لك غلام تقتله أمّتك من بعدك. فقال : يا جبرئيل لا حاجة فيه ، فخاطبه ثلاثا ثمّ دعا عليّا فقال له : إنّ جبرئيل يخبرني عن الله عزوجل أنّه يولد لك غلام تقتله أمّتك من بعدك. فقال : لا حاجة لي فيه يا رسول الله ، فخاطب عليا ثلاثا ثمّ قال : إنّه يكون فيه وفي ولده الإمامة والوراثة والخزانة فأرسل إلى فاطمة عليه‌السلام : إنّ الله يبشّرك بغلام تقتله أمّتي من بعدي. فقالت فاطمة : ليس لي فيه حاجة يا أبه ، فخاطبها ثلاثا ثمّ أرسل إليها : لا بدّ أن يكون فيه الإمامة والوراثة والخزانة. فقالت له : رضيت من الله عزوجل ، فعلت وحملت بالحسين فحملت ستّة أشهر ثمّ وضعت ولم يعش مولود قط ستّة أشهر غير الحسين بن علي وعيسى ابن مريم فكفلته أمّ سلمة وكان رسول الله يأتيه في كلّ يوم فيضع لسانه في فم الحسين فيمصّه حتّى يروى ، فأنبت الله عزوجل لحمه من لحم رسول الله ولم يرضع من فاطمة ولا من غيرها لبنا قطّ ، فلمّا أنزل الله تبارك وتعالى فيه (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) (٣) فلو قال أصلح لي ذريتي كانوا كلّهم أئمّة ولكن خصّ هكذا(٤).

__________________

(١) الزخرف : ٢٨.

(٢) البحار : ٢٥ / ٢٤٩ باب ٨ ح ١.

(٣) الاحقاف : ١٥.

(٤) البحار : ٢٥ / ٢٥٤ ح ١٥ ، وكامل الزيارات : ١٢٤.

٤٩

وفيه عن العلل : فقال : يا فضيل أتدري في أيّ شيء كنت أنظر؟ فقلت : لا ، قال : كنت أنظر في كتاب فاطمة فليس ملك يملك إلّا وهو مكتوب باسمه واسم أبيه فما وجدت لولد الحسن فيه شيئا (١).

وفيه عن محمد بن يعقوب البلخي سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام قلت : لأي علّة صارت الإمامة في ولد الحسين ولم يجعلها في ولد الحسن؟ قال : لأنّ الله عزوجل جعلها في ولد الحسين ولم يجعلها في ولد الحسن والله لا يسأل عمّا يفعل (٢).

وفيه عن عبد الرّحمن بن كثير : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما عنى الله عزوجل بقوله (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣) قال : نزلت في النبي وأمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة فلمّا قبض الله عزوجل نبيّه كان أمير المؤمنين ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ وقع تأويل هذه الآية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) (٤) وكان علي بن الحسين إماما ثمّ جرت في الأئمّة من ولده والأوصياء فطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله (٥).

وفيه عن عبد الرحيم القصير قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) في من انزلت؟ قال : انزلت في الإمرة ، إنّ هذه الآية جرت في الحسين بن علي عليهما‌السلام وفي ولد الحسين من بعده فنحن أولى بالأمر وبرسول الله من المؤمنين والمهاجرين. فقلت : لولد جعفر فيها نصيب؟ قال : لا ، فعددت عليه بطون بني عبد المطّلب كلّ ذلك يقول : لا. ونسيت ولد الحسن عليه‌السلام فدخلت عليه بعد ذلك فقلت : هل لولد الحسن فيها نصيب؟ قال : لا يا أبا عبد الرّحمن ما لمحمدي فيها نصيب غيرنا (٦).

__________________

(١) البحار : ٢٥ / ٢٥٩ ح ٢١ وعلل الشرائع : ١ / ٢٠٧ ح ٧.

(٢) البحار : ٢٥ / ٢٥٨ ح ١٩ ، وعلل الشرائع : ١ / ٢٠٨.

(٣) الأحزاب : ٣٣.

(٤) الأنفال : ٧٥.

(٥) البحار : ٢٥ / ٢٥٥ ح ١٦.

(٦) البحار : ٢٥ / ٢٥٦ ح ١٧ ، والكافي : ١ / ٢٨٨.

٥٠

الفرع الثالث

في عدم مدخلية البلوغ في الإمامة ولا يضرّها صغر السن

في الكافي عن يزيد الكناسي قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام : أكان عيسى ابن مريم حين تكلّم في المهد حجّة الله على أهل زمانه؟ فقال : كان يومئذ نبيّا حجّة الله غير مرسل أما تسمع لقوله حين قال (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) (١) قلت : فكان يومئذ حجّة لله على زكريا في تلك الحال وهو في المهد؟ فقال : كان عيسى في تلك الحال آية للناس ورحمة من الله لمريم حين تكلّم فعبّر عنها وكان نبيّا حجّة على من سمع كلامه في تلك الحال ، ثمّ صمت فلم يتكلّم حتّى مضت له سنتان وكان زكريا الحجّة لله عزوجل على الناس بعد صمت عيسى سنين (٢) ثمّ مات زكريا فورث ابنه يحيى الكتاب والحكمة وهو صبي صغير ، أما تسمع لقوله عزوجل (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (٣) فلمّا بلغ عيسى سبع سنين تكلّم بالنبوّة والرسالة حين أوحى الله تعالى إليه فكان عيسى الحجّة على يحيى وعلى الناس أجمعين ، وليس تبقى الأرض يا أبا خالد يوما واحدا بغير حجّة لله على الناس منذ يوم خلق الله آدم وأسكنه الأرض فقلت : جعلت فداك أكان علي حجّة من الله ورسوله على هذه الامّة في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فقال : نعم يوم أقامه للناس ونصبه علما ودعاهم إلى ولايته وأمرهم بطاعته ، قلت : فكانت طاعة علي واجبة على الناس في حياة رسول الله وبعد وفاته؟ فقال : نعم ولكنّه صمت فلم يتكلّم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانت الطاعة لرسول الله على أمّته وعلى علي في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانت الطاعة من الله ومن رسوله على الناس كلّهم لعلي بعد وفاة رسول الله وكان عليا حكيما عالما (٤).

وفيه عن صفوان بن يحيى قلت للرضا عليه‌السلام : قد كنّا نسألك أن يهب لك أبا جعفر فكنت تقول يهب لي غلاما فقد وهب الله لك فقرّ عيوننا ، فلا أرانا الله يومك ، فإن كان كون فإلى من؟

__________________

(١) مريم : ٣١.

(٢) في المصدر : بسنتين.

(٣) مريم : ١٢.

(٤) الكافي : ١ / ٣٨٣ ح ١.

٥١

فأشار بيده إلى أبي جعفر وهو قائم بين يديه. فقلت : جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين! قال : وما يضرّه من ذاك شيء ، قد قام عيسى بالحجّة وهو ابن ثلاث سنين (١).

وفيه عن بعض الأصحاب قلت لأبي جعفر الثاني : إنّهم يقولون في حداثة سنّك. فقال : إنّ الله تعالى أوحى إلى داود أن يستخلف سليمان وهو صبي يرعى الغنم فأنكر ذلك عبّاد بني إسرائيل وعلماؤهم ، فأوحى الله إلى داود عليه‌السلام أن خذ عصا المتكلّمين وعصا سليمان واجعلهما في بيت واختم عليهما بخواتيم القوم ، فإذا كان من الغد فمن كانت عصاه قد أورقت فأثمرت فهو الخليفة ، فأخبرهم داود عليه‌السلام فقالوا : رضينا وسلّمنا (٢).

وفيه عن محمد بن إسماعيل بن بزيع : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن شيء من أمر الإمام فقلت : يكون الإمام ابن أقلّ من سبع سنين؟ فقال : نعم وأقلّ من خمس سنين (٣).

وفيه عن الخيراني عن أبيه كنت واقفا بين يدي أبي الحسن بخراسان فقال له قائل : يا سيدي إن كان كون فإلى من؟

قال : إلى أبي جعفر ابني فكأنّ القائل استصغر سنّ أبي جعفر عليه‌السلام. فقال أبو الحسن : إنّ الله تبارك وتعالى بعث عيسى ابن مريم رسولا نبيّا صاحب شريعة مبتدئة في أصغر من السنّ الذي فيه أبو جعفر.

وفيه قال علي بن حسان لأبي جعفر : يا سيّدي إنّ الناس ينكرون عليك حداثة سنّك ، فقال : وما ينكرون من ذلك قول الله؟ لقد قال الله لنبيّه (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (٤) فو الله ما تبعه إلّا علي وله تسع سنين وأنا ابن تسع سنين (٥).

وفيه سئل الرضا عليه‌السلام عن الإمام يغسله الإمام قال : سنّة موسى بن عمران (٦) ، حيث غسل أخاه هارون في التيه (٧).

وفيه قيل للرضا : إنّ الإمام لا يغسله إلّا الإمام. فقال : أما تدرون من حضر لعلّه (٨) قد حضره خير ممّن غاب عنه الذين حضروا يوسف في الجبّ حين غاب أبواه وأهل بيته(٩).

__________________

(١) الكافي : ١ / ٣٢١ ح ١٠.

(٢) الكافي : ١ / ٣٨٣ ح ٣.

(٣) الكافي : ١ / ٣٨٤ ح ٥.

(٤) يوسف : ١٠٨.

(٥) الكافي : ١ / ٣٨٥ ح ٣.

(٦) الكافي : ١ / ٣٨٥ ح ٢.

(٧) البحار : ١٣ / ٣٦٤.

(٨) في نسخة أخرى : حضر لغسله.

(٩) الكافي : ١ / ٣٨٥ ح ٣.

٥٢

الغصن الثاني

إخبار الله تعالى بقيام القائم عليه‌السلام وفيه فرعان

الفرع الأوّل : إخبار الله تعالى في كلامه المجيد وفرقانه الحميد بوجود القائم وغيبته وعلامات ظهوره وقيامه في آخر الزمان والآيات المؤوّلة به.

اعلم أنّ الآيات المذكورة في هذا الغصن والروايات المنقولة المأثورة فيها ما كان أسانيدها مقيّدا مذكورا يؤخذ ويسند إلى من أخذنا منه ، وما كان منها مطلقا ينصرف إلى المحجّة للسيّد الجليل النبيل المتبحّر المحدّث النحرير السيّد هاشم البحراني رحمه‌الله فمنها :

الآية الاولى : قوله عزوجل : (الم. ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (١) عن الصادق عليه‌السلام : المتّقون شيعة علي والغيب هو الحجّة عليه‌السلام (٢) ، وشاهد ذلك قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) (٣) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : طوبى للصابرين في غيبته ، طوبى للمقيمين على محبّتهم أولئك من وصفهم الله في كتابه فقال تعالى (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) قال : اولئك حزب الله ألا إنّ حزب الله هم الغالبون (٤).

الآية الثانية : قوله تعالى (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : يعني أصحاب القائم عجّل الله فرجه الثلاثمائة والبضعة عشر. قال عليه‌السلام : هم والله الأمّة المعدودة يجتمعون والله في ساعة واحدة قزع كقزع الخريف ، فيبايعونه بين الركن والمقام ومعه عهد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد توارثته الأبناء عن الآباء (٦). وفي ذيل هذه الآية نقل رحمه‌الله عن كتاب مسند فاطمة سلام الله عليها أسماء الأصحاب وبلدهم وعددهم ذكرناها في الفرع الرابع من الغصن السابع لا حاجة بذكرهم.

__________________

(١) البقرة : ١ ـ ٢ ـ ٣.

(٢) كمال الدين : ٣٤٠ ح ٢٠ باب ٣٣.

(٣) الأعراف : ٧١.

(٤) ينابيع المودّة : ٣ / ٢٨٥ ، والبحار : ٣٦ / ٣٠٦.

(٥) البقرة : ١٤٨.

(٦) تفسير البرهان : ١ / ١٦٢ ح ٤.

٥٣

وفي غيبة النعماني : قال الصادق عليه‌السلام : نزلت الآية في القائم وأصحابه يجمعون على غير ميعاد (١).

في المجمع عنهم عليهم‌السلام : إنّ المراد به أصحاب المهدي في آخر الزمان. وعن الرضا عليه‌السلام : وذلك والله أن لو قام قائمنا يجمع الله جميع شيعتنا من جميع البلدان (٢).

الآية الثالثة : آية أخرى جعلتها رابعة والرابعة خامسة وهكذا قوله تعالى (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ) (٣) الآية في الخصال عن مفضل بن عمر عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) ما هذه الكلمات؟ قال : هي الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه وهو أنّه قال : يا رب أسألك بحقّ محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلّا تبت علي ، فتاب الله عليه إنّه هو التوّاب الرحيم. فقلت : يا ابن رسول الله فما يعني عزوجل بقوله (فَأَتَمَّهُنَ)؟ قال : يعني فأتمهنّ إلى القائم اثنا عشر إماما تسعة من ولد الحسين ... الحديث (٤).

الآية قوله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) (٥).

في تفسير البرهان عن العياشي عن الفضل بن محمّد الجعفي عن الصادق عليه‌السلام قال : الحبّة فاطمة والسبعة السنابل سبعة من ولدها سابعها قائمهم. قلت : الحسن. قال : إنّ الحسن إمام من الله مفترض الطاعة ولكن ليس من السنابل السبعة أوّلهم الحسين وآخرهم القائم. قلت : قوله (فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) فقال : يولد للرجل منهم في الكوفة مائة من صلبه وليس ذاك إلّا هؤلاء السبعة (٦).

أقول : ينافي هذا الخبر من أنّ الحسين والتسعة من ولده عشرة وعاشرهم قائمهم : أن يحمل السبعة سبعة أسماء وهم حسين وعليّون ثلاث ومحمّدان اثنان وجعفر وموسى والحسن والقائم.

__________________

(١) غيبة النعماني : ١٦٠.

(٢) مجمع البيان : ١ / ٤٢٩.

(٣) البقرة : ١٢٤.

(٤) الخصال : ٣٠٤ الكلمات التي ابتلى ابراهيم ربّه فأتمهن ح ٨٤.

(٥) البقرة : ٢٦١.

(٦) تفسير العياشي : ١ / ١٤٧.

٥٤

قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : لا بدّ وأن يكون قدام قيام القائم سنة يجوع فيها الناس ويصيبهم خوف شديد من القتل ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وإنّ ذلك في كتاب الله لبيّن (٢).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام : الجوع جوع خاصّ وجوع عامّ ، فأمّا العام فهو بالشام فإنّه عام ، وأمّا الخاص بالكوفة يخصّ ولا يعمّ ولكن يخصّ بالكوفة أعداء آل محمّد فيهلكهم الله بالجوع ، وأمّا الخوف فإنّه عام بالشام وذلك الخوف إذا قام القائم وأمّا الجوع فقبل قيام القائم عليه‌السلام (٣).

في الإكمال عن محمد بن مسلم سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إنّ لقيام القائم علامات تكون من الله عزوجل للمؤمنين. قلت : وما هي جعلني الله فداك؟ قال : قول الله عزوجل (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) يعني المؤمنين قبل خروج القائم (بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) قال : نبلوهم بشيء من (الْخَوْفِ) ملوك بني فلان في آخر سلطانهم (وَالْجُوعِ) بغلاء أسعارهم (وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ) قال : كساد التجارات وقلّة الفضل (وَالْأَنْفُسِ) قال : موت ذريع (٤) (وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ) قلّة ريع ما يزرع (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) عند ذلك بخروج القائم (٥).

الآية الرابعة : في أواخر سورة البقرة قوله تعالى (مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ) (٦) في غيبة النعماني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ أصحاب طالوت ابتلوا بالنهر الذي قال الله تعالى (مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ) وإنّ أصحاب القائم عليه‌السلام يبتلون بمثل ذلك (٧).

قوله تعالى في سورة آل عمران (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (٨) عن أبي الحسن عليه‌السلام : انزلت في القائم إذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردة والكفّار في شرق الأرض وغربها فعرض عليه‌السلام عليهم الإسلام فمن أسلم طوعا أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويوحّد الله ، ومن لم يسلم ضرب عنقه حتّى لا

__________________

(١) البقرة : ١٥٥.

(٢) غيبة النعماني : ١٦٨.

(٣) المصدر السابق.

(٤) الموت الذريع : السريع والفجأة.

(٥) كمال الدين : ٦٤٩ ح ٣ باب ٥٧.

(٦) البقرة : ٢٤٩.

(٧) غيبة النعماني : ٣١٦ ح ١٣ باب ١٢.

(٨) آل عمران : ٨٣.

٥٥

يبقى في المشارق والمغارب أحد إلّا وحّد الله. قلت : جعلت فداك إنّ الخلق أكثر من ذلك؟ فقال : إنّ الله إذا أراد أمرا قلّل الكثير وكثّر القليل (١).

الآية الخامسة : قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٢) عن الباقر عليه‌السلام : اصبروا على أداء الفرائض وصابروا عدوّكم ورابطوا إمامكم المنتظر (٣).

الآية السادسة : قال الله تعالى (تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) (٤).

في البحار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : ما زال منذ خلق الله آدم دولة لله ودولة لإبليس فأين دولة الله؟ ما هو إلّا قائم واحد (٥).

الآية السابعة : قال الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها) (٦) عن أبي جعفر عليه‌السلام لجابر الجعفي : الزم الأرض ولا تحرّك يدا ولا رجلا حتّى ترى علامات أذكرها لك وما أراك تدرك ذلك ، ولكن حدّث به بعدي .. إلى أن يقول : ولا يفلت منهم إلّا ثلاثة نفر يحوّل الله وجوههم في أقفيتهم وهم من كلب ، وفيهم نزلت هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ) الخ (٧).

الآية الثامنة : قال الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٨) عن جابر بن يزيد الجعفي قال : سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول : لما أنزل الله على نبيّه محمّد (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الخ قلت : يا رسول الله عرفنا الله ورسوله فمن اولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال : هم خلفائي يا جابر وأئمّة المسلمين من بعدي ؛ أوّلهم علي بن أبي طالب ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ علي بن الحسين ثمّ محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر ستدركه يا جابر فإذا لقيته فأقرئه منّي السّلام ، ثمّ الصادق

__________________

(١) تفسير العياشي : ١ / ١٨٣ في سورة آل عمران ح ٨٢.

(٢) آل عمران : ٢٠٠.

(٣) تأويل الآيات : ١٣٣ وغيبة النعماني : ١٩٩ ح ١٣ باب ١١.

(٤) آل عمران : ١٤٠.

(٥) البحار : ٥١ / ٥٤ ح ٣٨.

(٦) النساء : ٤٧.

(٧) الاختصاص : ٢٥٥ حديث في زيارة المؤمن لله. وغيبة النعماني : ٢٧٩.

(٨) النساء : ٥٩.

٥٦

جعفر بن محمّد ثمّ موسى بن جعفر ثمّ محمّد بن علي ثمّ علي بن محمّد ثمّ الحسن بن علي ثمّ سميّي وكنيّي حجّة الله في أرضه وبقيّته في عباده ابن الحسن بن علي عليهم‌السلام ، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره مشارق الأرض له ، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قبله للايمان. قال جابر : قلت له : يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال عليه‌السلام : إي والذي بعثني بالنبوّة إنّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّاها سحاب. يا جابر هذا من مكنون سرّ الله ومخزون علمه فاكتمه إلّا عن أهله (١).

الآية التاسعة : قال الله تعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (٢) في الدمعة عن تفسير القمي عن الصادق عليه‌السلام : النبيّين رسول الله والصدّيقين علي والشهداء الحسن والحسين والصالحين الأئمّة (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) القائم من آل محمّد (٣).

الآية العاشرة : قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) إلى قوله تعالى (لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : والله ، الذي صنعه الحسن بن علي كان خيرا لهذه الامّة ممّا طلعت عليه الشمس ، فو الله لقد نزلت هذه الآية (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) إنّما هي طاعة الإمام وطلب القتال فلمّا كتب عليهم القتال مع الحسين عليه‌السلام (قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ) (٥) أرادوا تأخير ذلك إلى القائم (٦).

الآية الحادية عشرة : قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) (٧) عن الباقر عليه‌السلام : إنّ عيسى قبل القيامة ينزل إلى الدنيا فلا يبقى أهل ملّة يهودي ولا غيره إلّا آمن به قبل موته ويصلّي خلف المهدي عليه‌السلام (٨).

الآية الثانية عشرة : قوله تعالى (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ

__________________

(١) كمال الدين : ٢٥٣ ح ٣ باب نص الله عليه.

(٢) النساء : ٦٩.

(٣) تفسير القمّي : ٢ / ١٠٤.

(٤) النساء : ٧٧ ـ ٧٨.

(٥) إبراهيم ٤٤.

(٦) تفسير العياشي : ١ / ٢٥٨ ح ١٩٦.

(٧) النساء : ١٥٩.

(٨) تفسير القمي : ١ / ١٥٨ من سورة النساء.

٥٧

وَاخْشَوْنِ) (١). في البحار : يوم يقوم القائم يئس بنو امية فهم الذين كفروا يئسوا من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

الآية الثالثة عشرة : قال الله تعالى (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : لا تشتروا من السودان أحدا فإن كان ولا بدّ فمن النوبة فإنّهم (مِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) أما إنهم سيذكرون ذلك الحظّ وسيخرج مع القائم منّا عصابة منهم ، ولا تنكحوا من الأكراد أحدا فإنّهم جنس من الجنّ كشف عنهم الغطاء (٤).

الآية الرابعة عشرة : قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) ـ إلى قوله ـ (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ صاحب هذا الأمر محفوظ له ، لو ذهب الناس جميعا أتى الله بأصحابه وهم الذين قال الله (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) (٦) وهم الذين قال الله (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) (٧).

الآية الخامسة عشرة : قوله تعالى (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) (٨) عن أبي جعفر عليه‌السلام : أمّا قوله (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) يعني دولتهم في الدنيا وما بسط لهم فيها ، وأمّا قوله (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) يعني قيام القائم (٩).

الآية السادسة عشرة : قوله تعالى (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) (١٠) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أهل هذه الآية هم أهل تلك الآية أي قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ) إلى (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) (١١).

__________________

(١) المائدة : ٣.

(٢) البحار : ٥١ / ٥٥ ح ٣٩.

(٣) المائدة : ١٤.

(٤) عوالي اللئالي : ٣ / ٣٠٢ باب النكاح.

(٥) الحجرات : ٥٤.

(٦) الأنعام : ٨٩.

(٧) تأويل الآيات : ١٥٥.

(٨) الأنعام : ٤٤.

(٩) تفسير القمي : ١ / ٢٠٠ مورد الآية من الأنعام.

(١٠) الأنعام : ٨٩.

(١١) تفسير العياشي : ١ / ٣٢٦ من المائدة ح ١٣٥ و ٣٦٩ ح ٥٦.

٥٨

الآية السابعة عشرة : قوله تعالى (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : الآيات الأئمّة والآية المنتظرة القائم فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف وإن آمنت بما تقدّم من آبائه (٢).

الآية الثامنة عشرة : قوله تعالى (المص) (٣) في البحار والدمعة والمحجّة (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام لأبي لبيد : إنّه يملك من ولد العبّاس اثنا عشر يقتل بعد الثامن منهم أربعة فتصيب أحدهم الذبحة فتذبحه فئة قصيرة أعمارهم ، قليلة مدّتهم ، خبيثة سيرتهم منهم الفويسق الملقّب بالهادي والناطق والغاوي. يا أبا لبيد إنّ في حروف القرآن المقطّعة لعلما جمّا ، إنّ الله تعالى أنزل (الم ذلِكَ الْكِتابُ) (٥) فقام محمد حتّى ظهر نوره وثبتت كلمته ، وولد يوم ولد وقد مضى من الألف السابع مائة سنة وثلاث سنين ، ثمّ قال : وتبيانه في كتاب الله في الحروف المقطعة إذا عددتها من غير تكرار ، وليس من الحروف المقطعة حرف لا ينقضي الأيّام إلّا وقائم من بني هاشم عند انقضائه ، ثمّ الألف واحد «واللام» ثلاثون «والميم» أربعون «والصاد» تسعون ، فذلك مائة وإحدى وستّون. ثمّ كان بدء خروج الحسين بن علي (الم) الله فلمّا بلغت مدّته قام قائم ولد العبّاس من عند (المص) ويقوم قائمنا عند انقضائها ب (المر) فافهم ذلك وعه واكتمه (٦).

فاكهة قال الشيخ الأوحد الشيخ أحمد الأحسائي في بيان الرمز : كان في زماننا رجل من أهل الخلاف يدّعي معرفة الحقيقة والرمز ، فاجتمع ببعض إخواننا المعاصرين لنا وهو شيخنا الشيخ موسى بن محمد الصائغ ، فكان بينهما كلام في بعض المسائل فأخبرني بمجلسهما وأنّه كثير الدعوى وهو على مذهب أهل الخلاف في أنّ الصاحب عليه‌السلام في الأصلاب ، فأشار إليّ أن أكتب مسألة فيها رمز لا يفهمها حتّى ينكسر ، وإن فهمها انكسر ؛ لأنّها

__________________

(١) الأنعام : ١٥٨.

(٢) كمال الدين : ١٨.

(٣) الأعراف : ١.

(٤) بحار الأنوار للمجلسي والدمعة الساكبة للبهبهاني والمحجة البيضاء للكاشاني.

(٥) البقرة : ١ ـ ٢.

(٦) تفسير العياشي : ٢ / ٣ في سورة الأعراف ح ٣ مع تفاوت.

٥٩

تلزمه مذهب الحقّ ضرورة وعيانا ومشاهدة وكشفا وإشارة ودلالة وحسّا وجفرا وشرعا وغير ذلك حتّى لا يكون له ولمنكره سبيل في أرض أو سماء إلّا الإقرار أو الانكسار وهي :بسم الله الرّحمن الرحيم.

أقول : روي أنّه بعد انقضاء (المص) ب (المر) يقوم المهدي والألف قد أتى على آخر الصاد والصاد عندكم أوسع من الفخذين فكيف يكون احداهما. وأيضا الواو ثلاثة أحرف ستّة وألف وستّة وقد مضت ستّة الأيام والألف هو التمام ولا كلام فكيف الستّة والأيّام الأخر وإلّا لما حصل العود لأنّه سر التنكيس لرمز الرئيس ، فإن حصل من الغير الإقرار بالستّة الباقية تمّ الأمر بالحجّة وظهر الاسم الأعظم بالألفين القائمين بالحرف الذي هو حرفان من الله ؛ إذ هما أحد عشر وبهما ثلاثة عشر فظهروا والذي هو هاء فأين الفصل؟ ولكن الواحد ما بين الستّة والستّة مقدر بانقضاء (المص) ب (المر) فظهر الستّة والستين في سدسها الذي هو ربعها وتمام السدس الذي هو الربع بالألف المندمجين فيه وسرّه تنزل الألف من النقطة الواسعة بالستّة والستّة الثاني في الليلة المباركة بالأحد عشر وهي هو الذي هو الستر والاسم المستتر الأوّل الظاهر في سرّ يوم الخميس ، فيستتم السرّ يوم الجمعة ويجري الماء المعين يوم تأتي السماء بدخان مبين ، هذا والكلّ في الواو المنكوسة من الهاء المهموسة فأين الوصل عند مثبت الفصل؟ ليس في الواحد ولا بينه غير وإلّا لكان غير واحد (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) (١) تمّ كلامه (٢).

قال بعض الفضلاء في حلّ هذا الرمز : هذا الحديث من أخبارهم الصعبة المستصعبة ، هذا واحتمال البداء في أخبارهم من غير الحتمية جار ، وهو يرفع إشكال عدم المطابقة في بعض التواريخ كما عرفت بل يمكن أن يخبروا بخبر في رجل فيقع في ولده أو يخبروا في ولده فيقع في ولد ولده ، فعن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ الله أوحى إلى عمران إنّي واهب لك ذكرا سويا مباركا يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله وجاعله رسولا إلى بني إسرائيل ، فحدّث عمران بذلك امرأته حنّة وهي أمّ مريم فلمّا حملت بها كان حملها عند نفسها غلاما فلمّا وضعتها قالت : (إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) (٣) أي لا تكون البنت رسولا ،

__________________

(١) العنكبوت : ٤٣.

(٢) في تفسير العياشي قريب منه : ٢ / ٢٠٣ ح ٢.

(٣) آل عمران : ٣٦.

٦٠