إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

الشيخ علي اليزدي الحائري

إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي اليزدي الحائري


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

الغوث الغوث الغوث ، حتّى ينقطع النفس ، وترفع رأسك فإنّ الله بكرمه يقضي حاجتك إن شاء الله.

فلمّا شغلت بالصلاة والدعاء خرج فلمّا فرغت خرجت إلى أبي جعفر لأسأله عن الرجل وكيف دخل فرأيت الأبواب على حالها مغلقة مقفلة ، فعجبت من ذلك وقلت لعلّه باب هاهنا ولم أعلم فانتهيت إلى أبي جعفر القيّم ، فخرج إلى عندي من بيت الزيت فسألته عن الرجل ودخوله ، فقال : الأبواب مقفلة كما ترى وما فتحتها ، فحدّثته بالحديث فقال : هذا مولانا صاحب الزمان ، وقد شاهدته مرارا في مثل هذه الليلة عند خلوّها من الناس ، فتأسّفت على ما فاتني منه ، وخرجت عند قرب الفجر وقصدت الكرخ إلى الموضع الذي كنت مستترا فيه ، فما أضحى النهار إلّا وأصحاب ابن الصالحان يلتمسون لقائي ويسألون عنّي أصدقائي ، ومعهم أمان من الوزير ورقعة بخطّه فيها كلّ جميل فحضرته مع ثقة من أصدقائي عنده ، فقام والتزمني وعاملني بما لم أعهده منه ، وقال : انتهت بك الحال إلى أن تشكوني إلى صاحب الزمان صلوات الله عليه.

فقلت : قد كان منّي دعاء ومسألة. فقال : ويحك رأيت البارحة مولاي صاحب الزمان صلوات الله عليه في النوم ، يعني ليلة الجمعة ـ وهو يأمرني بكلّ جميل ويجفو علي في ذلك جفوة خفتها فقلت : لا إله إلّا الله أشهد أنّهم الحق ومنتهى الحقّ ، رأيت البارحة مولانا في اليقظة وقال لي كذا وكذا وشرحت ما رأيته في المشهد فعجب من ذلك وجرت منه امور عظام حسان في هذا المعنى ، وبلغت منه غاية ما لم أظنّه ببركة مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه وسلّم (١).

المعجزة الثانية عشرة : في مهج الدعوات عن محمّد بن علي العلوي الحسيني وكان يسكن بمصر قال : دهمني أمر عظيم وهمّ شديد من قبل صاحب مصر ، وخشيته على نفسي وكان قد سعى بي إلى أحمد بن طولون ، فخرجت من مصر حاجّا وسرت من الحجاز إلى العراق ، فقصدت مشهد مولاي الحسين بن علي عليه‌السلام عائذا به ولائذا بقبره ومستجيرا به من سطوة من كنت أخافه ، فأقمت في الحائر خمسة عشر يوما أدعو وأتضرّع ليلي ونهاري ، فتراءى لي قيّم الزمان وولي الرّحمن وأنا بين النائم واليقظان ، فقال لي : يقول لك الحسين يا

__________________

(١) البحار : ٥١ / ٣٠٥ ح ١٩.

٣٦١

بني خفت فلانا؟ فقلت : نعم ، أراد هلاكي فلجأت إلى سيّدي أشكو إليه عظيم ما أراد بي ، فقال : هلّا دعوت الله ربّك وربّ آبائك بالأدعية التي دعا بها من سلف من الأنبياء ، فقد كانوا في شدّة فكشف الله عنهم ذلك. قلت : وما ذا أدعوه؟ فقال : إذا كان ليلة الجمعة فاغتسل وصلّ صلاة الليل ، فإذا سجدت سجدة الشكر دعوت بهذا الدعاء وأنت بارك على ركبتيك ، فذكر لي دعاء.

قال : ورأيته في مثل ذلك الوقت يأتيني وأنا بين النائم واليقظان قال : وكان يأتيني خمس ليال متواليات يكرّر عليّ هذا القول والدعاء حتّى حفظته ، وانقطع عنّي مجيئه ليلة الجمعة ، فاغتسلت وغيّرت ثيابي وتطيّبت وصلّيت صلاة الليل وسجدت سجدة الشكر ، وجثوت على ركبتي ودعوت الله جل وتعالى بهذا الدعاء ، فأتاني ليلة السبت فقال : قد اجيبت دعوتك يا محمّد وقتل عدوّك عند فراغك من الدعاء عند من وشى به إليه ، فلمّا أصبحت ودّعت سيّدي وخرجت متوجّها إلى مصر ، فلمّا بلغت الأردن وأنا متوجّه إلى مصر رأيت رجلا من جيراني بمصر وكان مؤمنا ، فحدّثني أنّ خصمي قبض عليه أحمد بن طولون فأمر به فأصبح مذبوحا من قفاه قال : وذلك في ليلة الجمعة وأمر به فطرح في النيل ، وكان ذلك فيما أخبرني جماعة من أهلنا وإخواننا الشيعة أنّ ذلك كان فيما بلغهم عند فراغي من الدعاء كما أخبرني مولاي عليه‌السلام (١).

المعجزة الثالثة عشرة : في البحار : أنّ الحسن بن نضر وأبا صدام وجماعة تكلّموا بعد مضيّ أبي محمّد عليه‌السلام فيما في أيدي الوكلاء ، وأرادوا الفحص فجاء الحسن بن نضر إلى أبي صدام فقال : إنّي اريد الحجّ ، فقال أبو صدام : أخّره هذه السنة ، فقال له الحسن : إنّي أفزع في المنام ولا بدّ من الخروج ، وأوصى إلى أحمد بن يعلى بن حمدان وأوصى للناحية بمال ، وأمره أن لا يخرج شيئا من يده إلى يد غيره بعد ظهوره ، فقال الحسن : لمّا وافيت بغداد اكتريت دارا فنزلتها فجاءني أحد الوكلاء بثياب ودنانير وخلّفها عندي فقلت له : ما هذا؟

قال : هو ما ترى ، ثمّ جاءني آخر بمثلها وآخر حتّى كبسوا الدار ثمّ جاءني أحمد بن إسحاق بجميع ما كان معه فتعجّبت وبقيت متفكّرا فوردت علي رقعة الرجل : إذا مضى من النهار كذا وكذا فاحمل ما معك ، فرحلت وحملت ما معي ، وفي الطريق صعلوك يقطع

__________________

(١) مهج الدعوات : ٢٧٩.

٣٦٢

الطريق في ستّين رجلا فاجتزت عليه وسلّمني الله منه ، فوافيت العسكر ونزلت فوردت عليّ رقعة أن احمل ما معك فصببته في صنان الحمّالين ، فلمّا بلغت الدهليز فإذا فيه أسود قائم فقال : أنت الحسن بن النضر؟ فقلت : نعم. قال : ادخل ، فدخلت الدار ودخلت بيتا وفرغت ما في صنان الحمّالين ، فإذا في زاوية البيت خبز كثير فأعطى كلّ واحد من الحمّالين رغيفين واخرجوا ، وإذا بيت على ستر فنوديت منه ، يا حسن بن النضر احمد الله على ما منّ به عليك ولا تشكّنّ ، فودّ الشيطان أنّك شككت. وأخرج إليّ ثوبين وقيل لي : خذهما فتحتاج إليهما ، فأخذتهما. قال سعد بن عبد الله راوي الحديث : فانصرف الحسن بن النضر ومات في شهر رمضان وكفّن في الثوبين(١).

المعجزة الرابعة عشرة : في العوالم عن إكمال الدين عن محمد بن عيسى بن أحمد الزوجي قال : رأيت بسر من رأى رجلا شابّا في المسجد المعروف بمسجد زيد ، وذكر أنّه هاشمي من ولد موسى بن عيسى فلمّا كلّمني صاح بجارية وقال : يا غزال ويا زلال ، فإذا أنا بجارية مسنّة فقال لها : يا جارية حدّثي مولاك بحديث الميل والمولود. فقالت : كان لنا طفل وجع فقالت لي مولاتي ادخلي إلى دار الحسن بن علي عليه‌السلام فقولي لحكيمة تعطينا شيئا نستشفي به مولودنا ، فدخلت عليها وسألتها ذلك فقالت حكيمة : ائتوني بالميل الذي كحل به المولود الذي ولد البارحة ـ يعني ابن الحسن بن علي ـ فأتيت بالميل فدفعته إليّ وحملته إلى مولاتي فكحلت به المولود فعوفي وبقي عندنا ، وكنّا نستشفي به ثمّ فقدناه (٢).

المعجزة الخامسة عشرة : في البحار عن الخرائج عن أحمد بن أبي روح قال : وجهت إلى امرأة من دينور فأتيتها فقالت : يا ابن أبي روح أنت أوثق من في ناحيتنا دينا وورعا ، وإنّي اريد أن اودعك أمانة أجعلها في رقبتك تؤدّيها وتقوم بها ، فقلت : أفعل إن شاء الله ، فقالت : هذه دراهم في هذا الكيس المختوم لا تحلّه ولا تنظر فيه حتّى تؤديه إلى من يخبرك بما فيه ، وهذا قرطي يساوي عشرة دنانير ، وفيه ثلاث حبّات تساوي عشرة دنانير ، ولي إلى صاحب الزمان حاجة اريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها ، فقلت : وما الحاجة؟ قالت : عشرة دنانير استقرضتها أمّي في عرس ، ولا أدري ممّن استقرضتها ، ولا أدري إلى من أدفعها ، قالت : إن أخبرك بها فادفعها إلى من يأمرك بها. قال : [فقلت في نفسي :] وكيف أقول لجعفر بن علي؟

__________________

(١) البحار : ٥١ / ٣٠٨ ح ٢٥.

(٢) كمال الدين : ٥١٧ ح ٤٦ باب ٤٥.

٣٦٣

فقلت : هذه المحنة بيني وبين جعفر بن علي ، فحملت المال وخرجت حتّى دخلت بغداد ، فأتيت حاجز بن يزيد الوشاء فسلّمت عليه وجلست قال : ألك حاجة؟ قلت : هذا مال دفع إلي لا أدفعه إليك حتّى تخبرني كم هو ومن دفعه إلي فإن أخبرتني دفعته إليك.

قال : يا أحمد بن أبي روح توجّه به إلى سرّ من رأى ، فقلت : لا إله إلّا الله لهذا أجلّ شيء أردته ، فخرجت ووافيت سرّ من رأى فقلت أبدأ بجعفر ، ثمّ تنكّرت فقلت : أبدأ بهم فإن كانت المحنة من عندهم وإلّا مضيت إلى جعفر ، فدنوت من دار أبي محمّد فخرج إلي خادم فقال : أنت أحمد بن أبي روح؟ قلت : نعم.

قال : هذه الرقعة اقرأها فإذا فيها مكتوب : بسم الله الرّحمن الرحيم يا ابن أبي روح أودعتك عاتكة بنت الديراني كيسا فيه ألف درهم بزعمك ، وهو خلاف ما تظنّ وقد أدّيت فيه الأمانة ولم تفتح الكيس ولم تدر ما فيه ، وفيه ألف درهم وخمسون دينارا ومعك قرط زعمت المرأة أنّه يساوي عشرة دنانير صدقت مع الفصّين اللذين فيه ، وفيه ثلاث حبّات لؤلؤا شراؤها عشرة دنانير ويساوي أكثر ، فادفع ذلك إلى خادمتنا فلانة فإنّا قد وهبناه لها ، وصر إلى بغداد وادفع المال إلى الحاجز وخذ منه ما يعطيك لنفقتك إلى منزلك ، وأمّا عشرة الدنانير التي زعمت أن أمّها استقرضتها في عرسها وهي لا تدري من صاحبها ، بل هي تعلم لمن ، هي لكلثوم بنت أحمد وهي ناصبية ، فتحرّجت أن تعطيها وأحبّت أن تقسّمها في أخواتها ، فاستأذنتنا في ذلك فلتفرّقها في ضعفاء أخواتها ، ولا تعودنّ يا ابن أبي روح إلى القول بجعفر والمحنة له ، وارجع إلى منزلك فإنّ عمّك قد مات ، وقد رزقك الله أهله وماله ، فرجعت إلى بغداد وناولت الكيس حاجزا ، فوزنه فإذا فيه ألف درهم وخمسون دينارا فناولني ثلاثين دينارا وقال : أمرت بدفعها إليك لنفقتك ، فأخذتها وانصرفت إلى الموضع الذي نزلت فيه ، وقد جاءني من يخبرني أنّ عمّي قد مات وأهلي يأمروني بالانصراف إليهم ، فرجعت فإذا هو قد مات وورثت منه ثلاثة آلاف دينار ومائة ألف درهم (١).

المعجزة السادسة عشرة : فيه : عن رجل من أهل استراباد قال : صرت إلى العسكر ومعي ثلاثون دينارا في خرقة ، منها دينار شامي فوافيت الباب ، وإنّي لقاعد إذ خرج إليّ جارية أو غلام ـ الشكّ من الراوي ـ قال : هات ما معك؟ قلت : ما معي شيء ، فدخل ثمّ خرج وقال:

__________________

(١) البحار : ٥١ / ٢٩٦ ح ١١.

٣٦٤

معك ثلاثون دينارا في خرقة خضراء منها دينار شامي ، وخاتم كنت نسيته ، فأوصلته وأخذت الخاتم (١).

المعجزة السابعة عشرة : في الإرشاد عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار : شككت عند مضي أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام ، واجتمع عند أبي مال جليل فحمله وركبت السفينة معه مشيّعا له ، فوعك وعكا شديدا فقال : يا بني ردّني فهو الموت وقال لي : اتق الله في هذا المال ، وأوصى إلي ومات بعد ثلاثة أيّام فقلت في نفسي : لم يكن أبي يوصي بشيء غير صحيح ، أحمل هذا المال إلى العراق وأكتري دارا على الشط ولا أخبر أحدا بشيء فإن وضح لي شيء كوضوحه في أيّام أبي محمد أنفذته ، وإلّا أنفقه في ملاذّي وشهواتي ، فقدمت العراق واكتريت دارا على الشط ، وبقيت أيّاما فإذا أنا برقعة مع رسول فيها : يا محمّد معك كذا وكذا ، حتّى قصّ عليّ جميع ما معي ، وذكر في جملته شيئا لم أحط به علما فسلّمته إلى الرسول وبقيت أيّاما لا أرفع لي رأسا فاغتممت فخرج إلي : قد أقمناك مقام أبيك فاحمد الله (٢).

المعجزة الثامنة عشرة : فيه : عن محمد بن عبد الله السياري قال : أوصلت أشياء للمرزباني الحارثي فيها سوار ذهب فقبلت وردّ علي السوار ، وامرت بكسره فكسرته فإذا في وسطه مثاقيل حديد ونحاس وصفر ، فأخرجته فأنفذت الذهب بعد ذلك فقبل (٣).

المعجزة التاسعة عشرة : فيه : عن علي بن محمّد : أوصل رجل من أهل السواد مالا فردّ عليه وقيل له : أخرج حقّ ولد عمّك منه وهو أربعمائة درهم ، وكان الرجل في يده ضيعة لولد عمّه فيها شركة ، قد حبسها عنهم فنظر فإذا الذي لولد عمّه من ذلك المال أربعمائة درهم فأخرجها وأنفذ الباقي فقبل (٤).

المعجزة العشرون : فيه : عن أبي عبد الله بن صالح : خرجت سنة من السنين إلى بغداد ، فاستأذنت في الخروج فلم يؤذن لي ، فأقمت اثنين وعشرين يوما بعد خروج القافلة إلى النهروان ، ثمّ اذن لي بالخروج يوم الأربعاء وقيل لي : اخرج فيه ، فخرجت وأنا آيس من

__________________

(١) البحار : ٥١ / ٢٩٤ ح ٦.

(٢) الإرشاد : ٢ / ٣٥٥ باب طرف من دلائل صاحب الزمان عليه‌السلام.

(٣) الإرشاد : ٢ / ٣٥٦.

(٤) الإرشاد : ٢ / ٣٥٦.

٣٦٥

القافلة بأن ألحقها ، فوافيت النهروان والقافلة مقيمة ، فما كان إلّا أن علفت جملي حتّى رحلت القافلة فرحلت وقد دعى لي بالسلامة فلم ألق سوءا والحمد لله (١).

المعجزة الحادية والعشرون : فيه : عن محمد بن يوسف الشاشي قال : خرج بي ناسور فأريته الأطبّاء وأنفقت عليه مالا فلم يصنع الدواء فيه شيئا ، فكتبت رقعة أسأل الدعاء فوقع إلي : ألبسك الله العافية ، وجعلك معنا في الدنيا والآخرة ، فما أتت علي جمعة حتّى عوفيت ، وصار الموضع مثل راحتي فدعوت طبيبا من أصحابنا وأريته إيّاه فقال : ما عرفنا لهذا دواء وما جاءتك العافية إلّا من قبل الله بغير احتساب (٢).

المعجزة الثانية والعشرون : فيه : عن حسن بن الفضل ، قال : وردت العراق وعلمت على أن لا أخرج إلّا عن بيّنة من أمري ، ونجاح من حوائجي ، ولو احتجت أن اقيم بها حتّى أتصدّق. قال : وفي خلال ذلك تضيق صدري بالمقام وأخاف أن يفوتني الحجّ قال : فجئت يوما إلى محمد بن أحمد ـ وكان السفير يومئذ ـ أتقاضاه فقال لي : سر إلى مسجد كذا وكذا فإنّه يلقاك رجل. قال : فصرت إليه فدخل عليّ رجل ، فلمّا نظر إلي ضحك وقال لي : لا تغتمّ فإنّك ستحجّ في هذه السنة ، وتنصرف إلى أهلك وولدك سالما ، فاطمأننت وسكن قلبي وقال : هذا مصداق ذلك.

قال : ثمّ وردت العسكر فخرجت إليّ صرّة فيها دنانير وثوب ، فاغتممت وقلت في نفسي : جرى عند القوم هذا واستعملت الجهل فرددتها ، ثمّ ندمت بعد ذلك ندامة شديدة وقلت في نفسي : كفرت بردّي على مولاي ، وكتبت رقعة أعتذر من فعلي وأبوء بالإثم وأستغفر من زللي ، وأنفذتها وقمت أتطهّر للصلاة ، وأنا إذ ذاك افكّر في نفسي وأقول : إن ردّت علي الدنانير لم أحلل شدّها ، ولم أحدث فيها شيئا حتّى أحملها إلى أبي فإنّه أعلم منّي ، فخرج إليّ الرسول الذي حمل الصرّة وقال لي : أقبل أسأت إذ لم تعلم الرجل ، إنّا ربّما فعلنا ذلك بموالينا ابتداء ، وربّما سألونا ذلك يتبرّكون به ، وخرج إليّ : أخطأت في ردّك برّنا ، فإذا استغفرت الله فالله تعالى يغفر لك ، وإذا كانت عزيمتك وعقد نيّتك فيما حملناه إليك ألّا تحدث فيه حدثا إذا رددناه إليك ، ولا تنتفع به في طريقك فقد صرفنا عنك ، وأمّا الثوب فخذه لتحرم فيه ، قال : وكتبت في معينين وأردت أن أكتب في الثالث ، فامتنعت منه مخافة

__________________

(١) الإرشاد : ٢ / ٣٥٧.

(٢) المصدر نفسه.

٣٦٦

أن يكره ذلك ، فورد الجواب : المعينين والثالث الذي طويت مفسّرا والحمد لله.

قال : كنت وافقت جعفر بن إبراهيم النيشابوري بنيشابور على أن أركب معه إلى الحجّ وازامله ، فلمّا وافيت بغداد بدا لي وذهبت أطلب عديلا فلقيني ابن الوجناء ، وكنت قد صرت إليه وسألته أن يكتري لي فوجدته كارها ، فلمّا لقيني قال لي : أنا في طلبك ، وقد قيل : إنّه يصحبك فأحسن عشرته واطلب له عديلا واكتر له (١).

المعجزة الثالثة والعشرون : فيه : عن الحسن بن عبد الحميد : شككت في أمر حاجز فجمعت شيئا ثمّ صرت إلى العسكر ، فخرج إلي : ليس فينا شكّ ولا فيمن يقوم مقامنا ، بأمرنا تردّ ما معك إلى حاجز بن يزيد (٢).

المعجزة الرابعة والعشرون : فيه : عن محمّد بن صالح : لمّا مات أبي وصار الأمر إليّ كان لأبي على الناس سفاتيج من مال الغريم ، يعني صاحب الأمر عجل الله فرجه. قال الشيخ المفيد رحمه‌الله : وهذا رمز كانت الشيعة تعرفه قديما بينها ، ويكون خطابها عليه للتقية. قال : فكتبت إليه اعلمه وكتب إليّ : طالبهم واستقض عليهم ، فقضاني الناس إلّا رجل واحد ، وكان عليه سفتجة بأربعمائة دينار ، فجئت إليه أطلبه فمطلني واستخف بي ابنه وسفه علي ، فشكوته إلى أبيه فقال : وكان ما ذا! فقبضت على لحيته وأخذت برجله ، فسحبته إلى وسط الدار فخرج ابنه مستغيثا بأهل بغداد يقول : قمي رافضي قد قتل والدي ، فاجتمع علي منهم خلق كثير فركبت دابتي وقلت : أحسنتم يا أهل بغداد تميلون مع الظالم على الغريب المظلوم ، أنا رجل من أهل همدان من أهل السنّة ، وهذا ينسبني إلى قم ويرميني بالرفض ليذهب بحقّي ومالي. قال : فمالوا عليه وأرادوا أن يدخلوا إلى حانوته حتّى سكنتهم ، وطلب إليّ صاحب السفتجة أن آخذ مالها وحلف بالطلاق أن يوفيني مالي في الحال فاستوفيته منه (٣).

المعجزة الخامسة والعشرون : فيه : عن أحمد بن الحسن قال : وردت الجبل وأنا لا أقول بالإمامة ولا احبّهم جملة ، إلى أن مات يزيد بن عبيد الله فأوصى في علّته أن يدفع الشهري

__________________

(١) الإرشاد : ٢ / ٣٦٠.

(٢) الإرشاد : ٢ / ٣٦١.

(٣) الإرشاد : ٢ / ٣٦٢.

٣٦٧

الفرس السمند وسيفه ومنطقته إلى مولاه ، فخفت إن لم أدفع الشهري (١) إلى اذكوتكين (٢) نالني منه استخفاف ، فقومت الدابة والسيف والمنطقة بسبعمائة دينار في نفسي ولم أطلع عليه أحدا ، ودفعت الشهري إلى اذكوتكين ، فإذا الكتاب قد ورد علي من العراق : أن وجّه السبعمائة دينار التي لنا قبلك من ثمن الشهري والسيف والمنطقة (٣).

المعجزة السادسة والعشرون : وفيه : عن حسين بن عيسى العريضي : لمّا مضى أبو محمد الحسن بن علي عليه‌السلام ، ورد رجل من أهل مصر بمال إلى مكّة لصاحب الأمر عجل الله فرجه فاختلف عليه وقال بعض الناس : إنّ أبا محمّد عليه‌السلام قد مضى من غير خلف ، وقال آخرون : الخلف من بعده جعفر ، وقال آخرون : الخلف من بعده ولده ، فبعث رجلا يكنّى أبا طالب إلى العسكر يبحث عن الأمر وصحّته ، ومعه كتاب فصار الرجل إلى جعفر وسأله عن برهان فقال له جعفر : لا تتهيّأ في هذا الوقت ، فصار الرجل إلى الباب وأنفذ الكتاب إلى أصحابنا الموسومين بالسفارة فخرج إليه : آجرك الله في صاحبك فقد مات وأوصى بالمال الذي كان معه إلى ثقة يعمل فيه بما يجب ، وأجيب عن كتابه وكان الأمر كما قيل له (٤).

المعجزة السابعة والعشرون : وفيه : حمل رجل من أهل أبة شيئا يوصله ، ونسي سيفا بآبة كان أراد حمله ، فلمّا وصل الشيء كتب إليه بوصوله ، وقيل في الكتاب : ما خبر السيف الذي انسيته (٥)؟

المعجزة الثامنة والعشرون : فيه : عن محمد بن شاذان النيشابوري : اجتمع عندي خمسمائة درهم ينقص عشرون درهما ، فلم أحب أن أنفذها ناقصة فوزنت من عندي عشرين درهما ، وبعثتها إلى الأسدي ولم أكتب مالي فيها ، فورد الجواب : وصلت خمسمائة درهم لك منها عشرون درهما (٦).

المعجزة التاسعة والعشرون : وفيه : كتب علي بن زياد الصيمري يسأل كفنا ، فكتب إليه: إنّك تحتاج إليه في سنة ثمانين ، وبعث إليه بالكفن قبل موته (٧).

المعجزة الثلاثون : وفيه : عن محمد بن هارون الهمداني : كان للناحية عليّ خمسمائة

__________________

(١) الشهري : ضرب من البرذون ، وفي المجمع (٣ / ٣٥٧) اسم فرس.

(٢) اسم أحد أمراء الترك من أتباع بني العبّاس.

(٣) الإرشاد : ٢ / ٣٦٣. والمحاسن للبرقي : ١ / ٣٢.

(٤) الإرشاد : ٢ / ٣٦٤.

(٥) الإرشاد : ٢ / ٣٦٥.

(٦) المصدر نفسه.

(٧) الإرشاد : ٢ / ٣٦٦.

٣٦٨

دينار فضقت بها ذرعا ثمّ قلت في نفسي : لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة وثلاثين دينارا قد جعلتها للناحية بخمسمائة دينار ولم أنطق بذلك ، فكتب إلي محمد بن جعفر : اقبض الحوانيت من محمد بن هارون بخمسمائة دينار التي لنا عليه (١).

المعجزة الحادية والثلاثون : ذكر المحدّث الجليل البارع الفاضل النراقي في خزائنه قال:حدّثني الشيخ الجليل محمد جعفر النجفي قدس‌سره ـ وهو من مشايخ إجازتي ـ في مسافرتي معه إلى زيارة العسكريين والسرداب المقدّس في سرّ من رأى أنّه كان لي في تلك البلدة المشرّفة صاحب من أهلها ولكن أحيانا إذا تشرّفت للزيارة أنزل عنده ، فأتيته في بعض الأحيان فوجدته مريضا في غاية الضعف والنقاهة ، مشرفا على الموت فسألته عن ذلك ، قال لي : إنّه قدم علينا من سرّ من رأى في هذه الأوان جمعا (٢) من الزوّار ، وفيهم من أهل تبريز فقمت على عادتنا الخدمة في شراء الزوّار وتزاورنا إيّاهم واكتسابنا منهم ، وإذا بشابّ فيهم في غاية الصلاح ونهاية الصفاء والطراوة قد أشرف على الدجلة ونزل واغتسل في الشط ، ثمّ لبس الثياب الطيّبة النفيسة وتقدّم إلى الزيارة في غاية الخضوع ونهاية التذلّل والخشوع ، حتّى انتهى إلى الروضة المقدّسة ووقف على باب الرواق ، وبيده كتابه المزار ، فأخذ في الدعاء والاستئذان والدموع تسيل على خدّيه ، فأعجبني غاية خشوعه ورقّته وبكاؤه فأتيته وجررت رداءه وقلت : أريد أن أزورك فمدّ يده في جيبه وأخرج دينارا من ذهب ، وأشار لي بالرجوع عنه وعدم التعرّض إيّاه ، فلمّا نظرت إلى الدنانير طار قلبي وتحرّكت عروق الطمع ؛ إذ كنت في أيّام لم يحصل لي من صناعتي عشر من أعشار ذلك المبلغ ، فأخذني الطمع أن أتعرّضه أيضا فرجعت إليه ثانية وهو في بكائه وحضور من قلبه فزاحمته ، وأعدت إليه ما قلته فدفع إلي نصف دينار ، وأشار لي بالرجوع وعدم التعرّض.

فرجعت ونار الطمع تشتعل في جوارحي وأنا أقول : لا يفوتك الرجل فنعم الصيد صيدك ، إلى أن رجعت إليه ثالثة وزاحمته وكرّرت عليه الكلام ، وأمرته بإلقاء الكتاب وجررت رداءه وهو في عين تخشّعه وبكائه ، فدفع إلي في هذه المرّة ريالا واشتغل بما هو فيه ، وأنا لم أزل فيما أنا عليه إلى أن أقامني الطمع ذلك المقام رابعا ، فانصرف الرجل عمّا هو فيه وتمّ حضور قلبه وطبق كتاب المزار ، وخرج من غير زيارة فندمت من ذلك فأتيته

__________________

(١) الإرشاد : ٢ / ٣٦٦ باب طرف من دلائل صاحب الزمان.

(٢) الصحيح : جمع.

٣٦٩

وقلت له : ارجع إلى ما كنت عليه فلا أتعرّضك بعد أبدا ، فأجابني ودموعه تنحدر أنّه لم يبق لي حال الزيارة وقد زال ما بي من الخشوع ، فأسفت على ما فعلت ولمت نفسي ورجعت إلى الدار ، فلمّا دخلت الفضاء وإذا بثلاثة واقفين على السطح وهم يحاذونني ، والذي بينهم أقصر سنّا وبيده قوس وسهم ، ينظر إليّ نظرة الغضب ، وقائل : لم منعت زائرنا وصرفته عن حاله ، ثمّ وضع السهم في كبد قوسه فما شعرت إلّا وقد اخترق صدري ، فغابوا عن بصري واحترق صدري ، فجرح بعد يومين وقد زاد الآن كما ترى ، فكشف عن صدره وإذا قد أخذ مجموع صدره ، فما مضى أيّام إلّا ومات (١).

المعجزة الثانية والثلاثون : وفيه : قال رحمه‌الله : أخبرني الورع التقي الحاج جواد الصبّاغ ، وهو من أعاظم التجّار وثقاتهم وكان ناظرا على تعمير الروضة المقدّسة والسرداب من قبل بانيه جعفر قلي خان الخوئي ، أخبرني حين تشرّفي إلى زيارة المشهد المقدّس والسرداب المشرّف وذلك في سنة عشر ومائتين بعد الألف ، أيّام مسافرتي إلى بيت الله الحرام فمضيت إلى سرّ من رأى ، واتّفق لي مصاحبته في تلك البلدة ، فحكى لي عن رجل ناصبي يدعى بسيد علي ، وكان مأمورا هناك من والي بغداد وحكومة العثماني ، وكان حاكما على أهلها ـ وذلك في سنة خمس ومائتين بعد الألف ـ ويأخذ من كلّ زائر ريالا للدخول في الروضة المقدّسة ويسوم ساقهم ، ويعلمهم علامة لا يشتبه بغيره بعد ذلك.

فبينما ذات يوم هو جالس على سرير له بباب الصحن وبين يديه المأمورون ، وبيده خشبة طويلة يسوق بها الزوّار بعد أخذ الريال منهم وسوم ساقهم إذ أقبل شاب من زوّار العجم ومعه زوجته ، وهم من أهل بيت الشرف والعفّة ، ودفع إليه ريالين فطبع ساقه وأشار إلى زوجته بالطبع فقال الشاب : دع الامرأة وأنا اعطي لكل دخول لها في الروضة المقدّسة ريالا من غير أن يكشف لها ساق ، ولم أرض بهذه الفضيحة ، فصاح عليه الناصبي ـ السيد علي المذكور ـ وشتمه بالرفض والعصبية وقال : أتغير عليها يا فلان؟ فأجابه الشاب باللين والرفق. فصاح ثانيا بأنّه لا يمكن لها الدخول في الحرم إلّا وأكشف عن ساقها وأطبع عليها ، فأخذ الشاب بيدها وقال : ارجعي فقد كفتنا هذه الزيارة ، فاغتاظ الناصبي لذلك وصاح عليه قائلا : يا رافضي استثقلت ما أمرتك فيها ، ثمّ مدّ يده وأخذ الخشبة الطويلة التي كانت عنده

__________________

(١) الخزائن للنراقي : ٤٢٧ والكتاب مخطوط بين العربي والفارسي وهذه القصّة مترجمة منه.

٣٧٠

وركنها إلى صدر المرأة وأوقعها على الأرض وجانب بعض ثيابها وكشف عن بدنها ، فأقامها الشاب وتوجّه إلى الحرم الشريف ودموعه تنحدر وتجري وقال : يا سيّدي أترضى به فإنّي راض برضاكم ـ يعني حاشاك أن ترضى ـ ثمّ أخذ بيدها وعاد إلى منزله.

قال الحاج جواد : كنت حينئذ في الدار إذ طرق عليّ طارق معجلا بعد ثلاث أو أربع ساعات وهو يقول : أجب والدة السيّد علي وأدركه ، فقمت مسرعا ولم أخرج ولم أصل إليه إلى أن تواتر عليّ الرسل ، فدخلت عليه ، فإذا به ملقى على فراشه يتململ تململ السليم وينادي ويشكو من وجع القلب وعياله حوله ، فلمّا رأتني أمّه وزوجته وبناته وأخواته اجتمعن حولي بالبكاء ، واستدعين منّي الذهاب إلى الشاب المزبور والاسترضاء عنه ، هذا وهو ينادي في فراشه ويقول : إلهي أسأت وظلمت وبئس ما صنعت ، فأتيت منزل الشابّ وأخبرته بالخبر وسألته الرضا عنه فقال : أمّا أنا فقد رضيت عنه ، ولكن أين عنّي ذلك القلب المنكسر والحالة التي كنت فيها؟ فما رجعت إلّا وقد ارتج دار السيد علي بالبكاء ، والنساء ناشرات الشعر لاطمات الخدّ مشرفات بالحرم ، يردن الشفاء من الضريح المطهّر وأسمع أنين السيّد علي من الدار إلى الصحن الشريف ، فحضر فريضة المغرب والعشاء وأتيت وقمت للصلاة فما أتممت صلاتي إلّا ونودي نداء موته ، وضجّت عياله بالبكاء عليه فغسل في ساعته وأتي بالجنازة لتوضع في الرواق إلى الصبح.

ولمّا كانت مفاتيح الروضة المقدّسة في تلك الأوقات لتعمير الحرم الشريف عندي وبيدي ، فأمرت بسدّ الأبواب والتجسّس في أطراف الحرم والرواق ، وبالغنا في التخلية عن جميع من يكون وذلك لحفظ الخزانة والآلات المعلّقات وغيرها حتّى اطمأننا ، فوضعت الجنازة في الرواق وانسدّت الأبواب بيدي وأخذت المفاتيح ، فلمّا جئت وقت السحر لفتح الأبواب ففتحتها جاء الخدم وعلق الشموع ، وإذا بكلب أسود قد خرج من الرواق إلى الصحن فامتلأت غضبا على الخدمة والمأمورين الذين كانوا معي في الرواق بالتجسس فحلفوا ، وأنا أعلم أنّهم لم يقصّروا ولم يكن شيء قطّ في الحرم وقالوا : إنّا تفحّصنا غاية التفحّص ، فلمّا كان غداة غد اجتمع الناس لدفن السيّد علي وإذا بالتابوت وفيه كفن خال ممّا فيه ، فتعجّبت واعتبرت كما تعجّب الناس وتفرّقوا ، وهذا ممّا شاهدته بعيني (١).

__________________

(١) لم أجده في البحار ولا غيره من المصادر.

٣٧١

ريحانة معطّرة من ثمرة هذا الفرع

جعلتها التحفة لمن زار الرضا عليه‌السلام

وتمسّك بعروة الله الوثقى

في دار السلام للمحدّث النوري رحمه‌الله عن المعتمد المؤتمن آقا محمد التاجر عن نور الدين محمد قال : لمّا كنت في البندر (١) المسمّى بريك مشغولا بتجهيز سفر البحر ، والسير إلى بندر كنك أحد البنادر المعمورة ، حدّثني جماعة كثيرة عن رجل ثقة معتمد من أهل گيلان ، وكان يتردّد في البلاد للتجارة قال : دخلت مرّة في سفر الهند وبقيت في البنگالة قريبا من ستّة أشهر ، وكان بجنب حجرتي التي كنت فيها حجرة كان فيها رجل غريب ، وكان في تمام أوقاته متحيّرا مستغيثا باكيا مهموما متفكّرا ، لا يفتر عن حزنه ساعة.

فلمّا رأيت كثرة بكائه وعويله وخروجه عن العادة عزمت على استكشاف حاله ، فأنست به بلسان ذلق وكلام ليّن فوجدته ضعيفا نحيفا قد تحلّلت قواه ودقّ عظمه ورقّ جلده ، فسألته عن طول حزنه ودوام بكائه وهمومه فأبي فألححت عليه فقال : جمعت في اثنتي عشرة سنة قبل ذلك أموالا وأمتعة نفيسة وحملتها في السفينة مع جماعة عازما على التجارة ، فلمّا توسّطنا البحر والسفينة تجري بريح طيّبة ومضى علينا عشرون يوما ، إذ أتتنا ريح عاصف وبلاء مبرم فانكسرت السفينة وغرقت الأموال والنفوس ، وتعلّقت بلوح من ألواحها والريح تلعب به يمينا وشمالا إلى أن وقع بصري على جزيرة ، فسكن خاطري وقرّت عيني ، والموج يلطمني لطمة بعد لطمة إلى أن طرحني في الساحل فسجدت لله تعالى شكرا.

ورأيت جزيرة مونقة معشوشبة خالية عن جنس البشر ، فبقيت مدّة اعتلف من كلائها في اليوم ، وأبيت على الأشجار خوفا من السباع الضارية ، ومضى عليّ كذلك سنة فاتفق أنّي كنت يوما مشغولا بالوضوء على عين ماء ، فرأيت فيها عكس صورة امرأة ، فرفعت رأسي

__________________

(١) كلمة فارسية الأصل تعني المرفأ.

٣٧٢

فإذا على بعض أغصان الشجرة امرأة حسناء غراء فرعاء لم أر مثلها ، وكانت عريانة فلمّا رأت أنّي أنظر إليها أدلت شعرها على جسدها وتستّرت به عنّي وقالت : أيّها الناظر إلى ما يحرم عليك أما تستحي من الله تعالى ورسوله؟ فاستحيت من كلامها وأطرقت برأسي ، وأقسمت عليها بالله تعالى وقلت : أنت من البشر ، أو من الملائكة أو من الجنّ؟ فقالت : من البشر والآن قريب من ثلاث سنين أعيش في هذه الجزيرة ، أبي كان رجلا من أهل إيران فعزم الرحيل إلى الهند ، ولمّا بلغنا قبّة البحر انكسرت سفينتنا ووقعت أنا في هذه الجزيرة.

ولمّا علمت بحالها حكيت لها قصّتي وقلت : لو خطبك أحد ترغبين فيه ، فسكتت فعلمت برضاها ، فحوّلت وجهي حتّى نزلت من الشجرة فعقدت عليها ، وكنت أتمتّع بها وأفرح بها فرزقني الله تعالى هذين الغلامين اللذين تراهما ، فكنت أطيب خاطري تارة بمصاحبتها وأتسلّى مرّة بوجودهما والاشتغال بها وكذلك بهما ، وكذلك المرأة وكانت عاقلة وكنّا نعيش في الجزيرة كذلك إلى أن بلغ أحدهما تسع سنين والآخر ثماني ، ولمّا كنّا عراة وعلى أبداننا شعور طوال قبيحة المنظر قلت يوما لها : ليت كان لنا قطعة لباس نستر بها عوراتنا ، ونخرج بها عن هذه الفضيحة ، فتعجّب الولدان وقالا : هل بغير هذا الوضع والمكان وضع آخر ومكان وطريقة اخرى؟

فقالت أمّهما : نعم إنّ لله تعالى بلادا ورجالا كثيرة ومأكولات ومشروبات لا تحصى ، ولكنّا عزمنا المسافرة وركبنا السفينة فكسرتها الرياح العاصفة ، وطرحتنا بوسيلة لوح منها في هذه الجزيرة. فقالا : لم لا ترجعون إلى أوطانكم المألوفة؟ فقالت : لا يمكن العبور من هذا البحر الزخار بلا سفينة مستعدّة ، فقالا : نحن نصنع السفينة ، فلمّا رأتهما عازمين أشارت إلى شجرة كبيرة كانت في ساحل البحر وقالت : لو قدرتما على نحت وسطها لعلّ الله بعنايته يرحمنا ويوصلنا إلى مكان نستر به عوراتنا ، فلمّا سمع الغلامان مقالة أمّهما عمد إلى جبل كان قريبا منّا وأخذا بعض الأحجار التي كانت رءوسها محدّدة ، وشرعا في نحت الشجرة وحرّما على أنفسهما الطعام والشراب والنوم ولم يفترا عن العمل في مدّة ستّة أشهر إلى أن صار وسط الشجرة خاليا كهيئة الزوارق وكان يسع اثني عشر نفرا يقعدون فيه.

فلمّا رأينا كذلك شكرنا الله تعالى على هذه النعمة وهداية الغلامين إلى هذا العمل وطاعتهما لنا ، وأمّهما كانت في غاية السرور والفرح ، والحثّ على إتمامها وترتيبها لما بلغ بها الوحشة وألم العري وفقد المحلّ والمأوى النهاية ، ثمّ عمدوا إلى حمل العنبر من صفح

٣٧٣

جبل قريب كان في حوالي الجزيرة ، وكان في غاية الارتفاع ، وكان في خلف الجبل غيضة أشجارها قرنفل ، وكان النحل تأكل في فصل الربيع من أزهارها ويبادرون إلى قلّة الجبل ، فيجتمع لسببها فيها عسل كثير ، ثمّ يأتي المطر فيغسله ويجريه إلى البحر فيشربه الحيتان ، ومن شمعه يحصل العنبر الأشهب ، فإن في وقت الجريان من الجبل يبقى شيئا فشيئا في سفح الجبل ، وبإشراق الشمس على تلك الشموع تتفرّق في تمام تلك الصحراء ، وكنّا نأتي منه في كلّ يوم أمنان إلى أن جمع مائة منّ ، وصنعنا منه في الزورق حوضا ، وصنعنا منه ظروفا وحملنا الماء منها إلى الحوض حتى ملئ منه ، ثمّ جمعنا لطعامنا من الاصول المعروفة بچيني ، وكان كثيرا في الجزيرة ثمّ صنعنا من لحاء الأشجار حبالا وثيقة وشددنا بها رأس الزورق ، وربطناه برأسها الأخرى على شجرة عظيمة.

ثمّ انتظرنا أيام مدّ البحر وزيادة مائه إلى أن بلغ وقته ، ووقع الزورق فوق الماء فحمدنا الله تعالى وجلسنا فيه فلم يتحرّك من مكانه فتأمّلنا فإذا برأس الجبل مشدود على الشجرة ، ونسينا أن نفكّه فأراد أحد الغلامين أن ينزل فنزلت أمّهما قبلهما ، وفكّت الحبل وأخذ الموج الحبل من يدها ، وأذهب بالزورق إلى وسط البحر ، فأخذت المرأة في البكاء والنحيب والصياح والعويل والحركة من طرف إلى طرف ، فلمّا بعدنا منها صعدت شجرة تنظر إلينا وتبكي وتتحسّر ، فلمّا غبنا طرحت نفسها منها ، والغلامان لمّا يئسا منها شرعا في البكاء والأنين والقلق والاضطراب إلى أن وصلنا قبّة البحر ، خافا من نفسها فسكتا ، فلمّا مضى علينا سبعة أيّام وصلنا إلى الساحل ولمّا كنّا عراة صبرنا حتّى أظلم الليل ، فعلوت على مرتفع فرأيت سواد بلاد وضوء نار ، فذهبت إليه مهتديا بعلامة النار ، فلمّا وصلت إليه رأيت بابا عاليا فدققت الباب فكانت الدار لرجل تاجر من رؤساء اليهود ، فخرج فأعطيته قليلا من العنبر الأشهب ، وأخذت منه أثوابا وفرشا ورجعت في الليل إلى ولدي وسترنا عوراتنا ، فلمّا أصبحنا دخلت البلد ، وأخذت هذه الحجرة في هذا الخان ، وجئت بولديّ وصيّرت من الفرش جوالق حملت بها في الليل العنبر والچيني من الزورق إلى الحجرة ، وبعت منها على التدريج ، واشتريت متاع البيت وصرت في زيّ التجّار ، والآن قريب سنة أنا في الهمّ والبكاء والقلق من فراق العاجزة الضعيفة المهجورة وكذلك الأولاد.

فلمّا بلغ كلامه هذا المقام عرضتني رقّة فبكيت معه ساعة ثمّ قلت له : لا رادّ لقضاء الله وتدبيره ، ولا مغيّر لمقاديره وحكمته ، ولكنّي أظنّ أنك لو زرت الإمام الثامن أبا الحسن

٣٧٤

الرضا عليه‌السلام ، وشكوت إليه ما دهاك من هذه المصيبة ، وعرضت عليه قصّتك وقصّة زوجتك لأجاب سؤلك وكشف ضرّك ونفّس همّك ، فإنّه لم يلجأ إليه أحد إلّا أصلح حاله ، ولم يستعن به ضعيف إلّا أعانه ، ولم يستغث إليه مضطرّ إلّا أغاثه ، فإنّه أبو الأيتام وملجأ الأنام وذخر المفلسين وكهف المظلومين.

فلمّا سمع كلامي أثر في قلبه ووقع في روعه ، فعاهد الله تعالى مخلصا في هذا المجلس أن يصنع قنديلا من الذهب الخالص ، ويمشي راجلا إلى زيارته ، ويشكو إليه ضرّه وفاقته ويطلب منه الاجتماع مع زوجته ، ثمّ قام وطلب الذهب من يومه وصنع القنديل وركب السفينة وقطع الفيافي والقفار ، إلى أن بلغ مرحلة من المشهد الرضوي ، ورأى المتولّي في تلك الليلة الإمام عليه‌السلام في المنام وقال عليه‌السلام له : غدا يدخل علينا زائر لنا فاستقبله ، فلمّا أصبح خرج مستقبلا مع جميع أرباب المناصب في الحضرة الرضوية ، وأدخلوه في البلد معزّزا مكرّما ، وأدخلوا القنديل في الروضة وعلّقوه في محلّه ، فلمّا استقرّ به الدار خرج من هيئة المسافر واغتسل ودخل الروضة المنوّرة ، وقبّل تلك القبّة الشريفة واشتغل بالزيارة والدعاء إلى أن مضى برهة من الليل ، وأخرجوا الخدّام غيره من الزائرين وسدّوا الأبواب ومضوا لشأنهم ، فلمّا اختصّ به الحرم ورأى نفسه فريدا سكت ساعة ، ثمّ اشتغل بالتضرّع والبكاء والاستغاثة بالإمام عليه‌السلام ، وسأل منه الوصول إلى زوجته وألحّ فيه إلى أن بقي ثلث الليل وقد أعيى من كثرة الإلحاح والدعاء ، فسجد فغلبه النوم فسمع هاتفا يقول : قم ، فلمّا قام من السجدة رأى الإمام الهمام أبا الحسن الرضا عليه‌السلام واقفا فقال له : قم فقد اوتيت بزوجتك وهي الآن واقفة خلف الروضة فاذهب إليها.

فقال : فديتك بنفسي إنّ الأبواب مسدودة. فقال عليه‌السلام : الذي أتى بها من ذاك المكان البعيد إلى هنا يتمكّن من فتح الأبواب المغلقة ، فخرج فكلّما مرّ بباب انفتح له إلى أن بلغ خلف الروضة ، فرأى زوجته على الهيئة التي خلّفها في الجزيرة متحيّرة خائفة ، فلمّا رأت بعلها تعلّقت به فقال لها : من أبلغك إلى هذا المقام؟ فقالت : كنت في شاطئ البحر جالسة متفكّرة ، وقد أصاب عيني رمد شديد وألم موجع من شدّة البكاء ، أتأوّه من شدّته فإذا بشاب قد أضاء بنور وجهه جميع البرّ والبحر في هذا الليل المظلم ، فأخذ بيدي وقال : غمضي عينيك فغمضتهما وفتحتهما بعد زمان ، فرأيت نفسي في هذا المكان ، فذهب بها إلى الحجرة عند ولديه ، وجاوروا بعد ذلك في ذاك المكان الشريف إلى أن توفوا.

٣٧٥

الفرع السابع

في بيان نوّابه وسفرائه الممدوحين الذين كانوا

في زمان غيبته الصغرى وسائط بين الشيعة

وبينه عليه الصلاة والسلام

أوّلهم : أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري وكان من نوّاب أبي الحسن وأبي محمّد في الأوّل ، وكانت توقيعات إمام العصر تخرج على يدي عثمان بن سعيد وابنه أبي جعفر محمد ابن عثمان إلى شيعته وخواصّ أبيه أبي محمّد بالأمر والنهي عنه ، والأجوبة عمّا تسأل الشيعة ، وترجمه رحمه‌الله في البحار مفصّلا ، وقبر عثمان بن سعيد بالجانب الغربي من مدينة السلام في شارع الميدان في أوّل الموضع المعروف بدرب حيلة (١).

الثاني : من السفراء ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري ، قام مقام أبيه بنصّ أبي محمد وأبيه عثمان بأمر القائم عليه‌السلام ، وخرج التوقيع إليه في التعزية بأبيه رضى الله عنه ، وفي فصل من الكتاب : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، تسليما لأمره ورضا بفعله وبقضائه ، عاش أبوك سعيدا ومات حميدا فرحمه‌الله وألحقه بأوليائه ومواليه فلم يزل مجتهدا في أمرهم ، ساعيا فيما يقرّبه إلى الله عزوجل وإليهم ، نضّر الله وجهه وأقال عثرته.

وفي فصل آخر : أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء ، رزيت وأوحشك فراقه وأوحشنا ، فسرّه الله في منقلبه ، وكان من كمال سعادته أن رزقه الله ولدا مثلك يخلفه من بعده ويقوم مقامه بأمره ويترحّم عليه ، وأقول الحمد لله فإنّ الأنفس طيّبة بمكانك وما جعله الله عزوجل فيك وعندك ، وأعانك الله وقوّاك وعضدك ، ووفّقك وكان لك وليا وحافظا وراعيا.

وهما رأيا القائم عجل الله فرجه ، وقبره عند والدته في شارع باب الكوفة في الموضع الذي كانت دوره ومنازله ، وهو الآن في وسط الصحراء (٢).

__________________

(١) بحار الأنوار : ٥١ / ٣٤٧ وغيبة الطوسي : ٣٥٨.

(٢) الاحتجاج : ٤٨١ ذكر طرف ممّا خرج أيضا عنه من المسائل الفقهية.

٣٧٦

الثالث من السفراء : أبو القاسم حسين بن روح النوبختي ، أقامه محمد بن عثمان بعد مقامه بأمر الإمام عجل الله فرجه وهو من أعقل الناس عند الموافق والمخالف وكان يستعمل التقية.

في البحار : عن أبي جعفر محمد بن علي بن الأسود قال : كنت أحمل الأموال التي تحصل في باب الوقف إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري رحمه‌الله فيقبضها منّي ، فحملت إليه يوما شيئا من الأموال في آخر أيّامه قبل موته بسنتين أو ثلاث سنين ، فأمرني بتسليمه إلى أبي القاسم الروحي رضى الله عنه ، فكنت اطالبه بالقبوض فشكى ذلك إلى أبي جعفر رضى الله عنه ، فأمرني أن لا اطالبه بالقبوض وقال : كلّ ما وصل إلى أبي القاسم فقد وصل إليّ ، فكنت أحمل بعد ذلك الأموال إليه ولا اطالبه بالقبوض (١).

وفيه : عن جعفر بن أحمد بن منيل : لمّا حضرت أبا جعفر محمّد بن عثمان العمري الوفاة كنت جالسا عند رأسه أسأله وأحدّثه وأبو القاسم بن روح عند رجليه فالتفت إليّ ثمّ قال : امرت أن اوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح. قال : فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحوّلت إلى عند رجليه (٢).

وحسين بن روح من أعقل الناس عند الموافق والمخالف وكان يستعمل التقيّة ، وقبره رحمه‌الله في النوبختية في الدرب الذي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذ إلى التل وإلى الدرب الآخر وإلى قنطرة الشوك. وقد كانت العامّة تعظّمه رحمه‌الله حيّا وميّتا ، وقد تناظر اثنان في دار ابن يسار وهو رحمه‌الله حضر تقيّة فزعم واحد أنّ أبا بكر أفضل الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ عمر ثمّ علي ، وقال آخر : علي أفضل من أبي بكر وعمر فزاد الكلام بينهما ، فقال أبو القاسم رضى الله عنه : الذي اجتمعت عليه الصحابة هو تقديم الصدّيق ثمّ بعده الفاروق ثمّ بعده عثمان ذو النورين ثمّ علي الوصيّ ، وأصحاب الحديث على ذلك وهو الصحيح عندنا ، فبقي من حضر المجلس متعجّبا من هذا القول وكانت العامّة يرفعونه على رءوسهم ، وكثر الدعاء له والطعن على من يرميه بالرفض.

فوقع عليّ الضحك فلم أزل أتصبّر وأمنع نفسي وأدسّ كمي في فمي فخشيت أن

__________________

(١) البحار : ٥١ / ٣٥٤ ح ٤ وكمال الدين : ٥٠١.

(٢) الخرائج والجرائح : ٣ / ١١٢٠ والبحار : ٥١ / ٢٥٤ ح ٥.

٣٧٧

أفتضح ، فوثبت عن المجلس ، ونظر إليّ فتفطّن بي ، فلمّا حصلت في منزلي فإذا بالباب يطرق فخرجت مبادرا فإذا بأبي القاسم بن روح راكبا بغلته قد وافاني من المجلس قبل مضيّه إلى داره فقال لي : يا عبد الله أيّدك الله لم ضحك وأردت أن تهتف بي ، كأن الذي قلته عندك ليس بحقّ؟ فقلت له : كذاك هو عندي ، فقال لي : اتق الله أيّها الشيخ فإنّي لا أجعلك في حلّ أن تستعظم هذا القول منّي. فقلت : يا سيدي رجل يرى بأنّه صاحب الإمام عجل الله فرجه ووكيله يقول ذلك القول لا يتعجّب منه ولا يضحك من قوله هذا! فقال لي : وحياتك لئن عدت لأهجرنّك ، وودّعني وانصرف (١).

الرابع من السفراء : أبو الحسن علي بن محمد السمري رحمه‌الله ، أوصى أبو القاسم الحسين بن روح إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري رحمه‌الله فلمّا حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي قال لله أمر هو بالغه ، فالغيبة التامّة هي التي وقعت بعد مضيّ السمري.

في البحار عن أبي محمد الحسن بن أحمد المكتب قال : كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري قدّس الله روحه ، فحضرته قبل وفاته بأيّام فأخرج إلى الناس توقيعا نسخته : بسم الله الرّحمن الرحيم يا علي بن محمّد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام ، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامّة فلا ظهور إلّا بعد إذن الله تعالى ، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جورا ، وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة ، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه فقيل له : من وصيّك من بعدك؟ فقال:لله أمر هو بالغه.

وقبره رحمه‌الله في الشارع المعروف بشارع الخلخي من ربع باب المحول ، قريب من شاطئ نهر أبي عتاب ، ومات رحمه‌الله في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ، وقد كان في زمان السفراء رضوان الله عليهم أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنسوبين للسفارة : (منهم) أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي ، أتى الجواب عن الناحية بعد السؤال عن

__________________

(١) غيبة الشيخ الطوسي : ٣٨٥ ح ٣٤٧ ذكر إقامة أبي جعفر محمد بن عثمان العمري.

٣٧٨

قبض شيء : فليدفع إليه ، من ثقاتنا.

(ومنهم) أحمد بن إسحاق وإبراهيم بن محمد وأحمد بن حمزة ، خرج التوقيع في مدحهم.

(ومنهم) إبراهيم بن مهزيار وابنه محمد ووقع التوقيع في حقهما.

(ومنهم) الحسن بن محبوب أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري ومحمد بن علي بن بلال وعمر الأهوازي وأبو محمد الوجناني ، وبعض آخر لا حاجة بذكرهم هنا ، ثمّ اعلم أنّ الذين ادّعوا البابية كذبا وافتراء كثيرون لعنهم الله ، لا حاجة لنا بذكرهم في هذا المقام (١).

__________________

(١) راجع البحار : ٥١ / ٣٦٢ ح ١٠.

٣٧٩

الفرع الثامن

في علّة الغيبة وكيفية انتفاع الناس به في غيبته عليه‌السلام

في العوالم والبحار عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الصادق عليه‌السلام : إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لا بدّ منها ، يرتاب فيها كل مبطل ، فقلت له : ولم جعلت فداك؟ قال : لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم. قلت : فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال : وجه الحكمة في غيبات من تقدّمه من حجج الله تعالى ذكره ، إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلّا بعد ظهوره ، كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى عليه‌السلام إلّا وقت افتراقهما. يا ابن الفضل إنّ هذا الأمر أمر من أمر الله ، وسرّ من سرّ الله وغيب من غيب الله ، ومتى علمنا أنّه عزوجل حكيم صدقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف لنا (١).

وفيه : عن الأعمش عن الصادق عليه‌السلام قال : لم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجّة لله فيها ، ظاهر مشهور أو غائب مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة لله فيها ، ولو لا ذلك لم يعبد الله. قال سليمان : فقلت للصادق عليه‌السلام : فكيف ينتفع بالحجّة الغائب المستور؟

قال عليه‌السلام : كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب (٢).

وفيه : عن إسحاق بن يعقوب أنّه ورد عليه من الناحية المقدّسة على يد محمّد بن عثمان : وأمّا علّة ما وقع من الغيبة فإنّ الله عزوجل يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) (٣) إنّه لم يكن أحد من آبائي إلّا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي. وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب ، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء ، فأغلقوا أبواب السؤال عمّا لا يعنيكم ، ولا تتكلّفوا على ما قد

__________________

(١) البحار : ٥٢ / ٩١ ح ٤ وكمال الدين : ٤٨٢.

(٢) البحار : ٢٣ / ٥ ح ١٠ وأمالي الصدوق : ٢٥٣.

(٣) سورة المائدة : ١٠١.

٣٨٠