إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

الشيخ علي اليزدي الحائري

إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي اليزدي الحائري


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

التصديق بما قالوا. (١)

(وقال أيضا) في كتابه البرهان (٢) في علامات مهدي آخر الزمان : عن أبي عبد الله الحسين ابن علي عليه‌السلام قال : لصاحب هذا الأمر ـ يعني المهدي عجل الله فرجه ـ غيبتان : إحداهما تطول حتّى يقول بعضهم : مات ، وبعضهم : ذهب لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره إلّا المولى الذي يلي أمره (٣).

وعن أبي جعفر محمد بن علي قال : يكون لصاحب هذا الأمر ـ يعني المهدي عجل الله فرجه ـ غيبة في بعض هذا الشعاب ، وأومى بيده إلى ناحية ذي طوى ، حتّى إذا كان قبل خروجه أتى المولى الذي يكون معه حتّى يلقى بعض أصحابه فيقول : كم أنتم؟ فيقولون : نحوا من أربعين رجلا ، فيقول : كيف أنتم لو رأيتم صاحبكم؟ فيقولون : والله لو يأوي الجبال لنأوينّها ، ثمّ يأتيهم من المقابلة فيقول : استبرءوا من رؤسائكم عشرة فيستبرءون فينطلق حتّى يلقى صاحبهم ويعدهم الليلة التي تليها.

السادس عشر : العالم المعروف فضل بن روزبهان شارح الشمائل للترمذي ، قال في أوّله : يقول الفقير إلى الله تعالى مؤلّف هذا الشرح ، أبو الخير فضل الله ابن أبي محمد روزبهان محمد إسماعيل بن علي ، الأنصاري أصلا وتبارا ، الحنفي محتدا ، الشيرازي مولدا ، الاصبهاني دارا ، المدني موتا ، وأتبارا : أخبرنا بكتاب الشمائل الخ ، وهو الذي تصدّى لرد كتاب نهج الحق للعلّامة الحلّي حسن بن يوسف بن المطهر وسمّاه : إبطال الباطل ، وهو مع شدّة تعصّبه وإنكاره لجملة من الأخبار الصحيحة الصريحة ، بل بعض ما هو كالمحسوس ، وافق الإمامية في هذا المطلب فقال في شرح قول العلّامة : المطلب الثاني في زوجته وأولاده عليه‌السلام : كانت فاطمة سيّدة نساء العالمين عليها‌السلام زوجته ، وساق بعض فضائلها وفضائل الأئمّة من ولدها. قال الفضل :

أقول : ما ذكر من فضائل فاطمة صلوات الله على أبيها وعليها وعلى سائر آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله والسلام أمر لا ينكر فإنّ الإنكار على البحر برحمته وعلى البرّ بسعته وعلى الشمس بنورها

__________________

(١) مرقاة المفاتيح : ١٧٩.

(٢) في البرهان المطبوع لا يوجد هذا الحديث نعم ذكر عدة أحاديث حول الامام المهدي غير ذلك.

(٣) راجع معجم أحاديث الامام المهدي : ٢ / ٤٦٥.

٣٠١

وعلى الأنوار بظهورها وعلى الحساب بجودها وعلى الملك بسجوده ؛ إنكار لا يزيد المنكر إلّا الاستهزاء به ، ومن هو قادر على أن ينكر على جماعة هم أهل السداد ، وخزّان معدن النبوّة ، وحفّاظ آداب الفتوة صلوات الله وسلامه عليهم ، ونعم ما قلت فيهم منظوما :

سلام على المصطفى المجتبى

سلام على السيّد المرتضى

سلام على ستنا فاطمة

من اختارها الله خير النسا

سلام من المسك أنفاسه

على الحسن الألمعي الرضا

سلام على الأورعي الحسين

شهيد يرى جسمه كربلاء

سلام على سيّد العابدين

على ابن الحسين المجتبى

سلام على الباقر المهتدى

سلام على الصادق المقتدى

سلام على الكاظم الممتحن

رضي السجايا إمام التقى

سلام على الثامن المؤتمن

علي الرضا سيّد الأصفيا

سلام على المتّقي التقي

محمد الطيب المرتجى

سلام على الأريحي النقي

علي المكرّم هادي الورى

سلام على السيّد العسكري

إمام يجهز جيش الصفا

سلام على القائم المنتظر

أبي القاسم العرم نور الهدى

سيطلع كالشمس في غاسق

ينجيه من سيفه المنتقى

قوي يملأ الأرض من عدله

كما ملئت جور أهل الهوى

سلام عليه وآبائه

وأنصاره ما تدوم السما (١)

فنصّ من غير تردّد أنّ المهدي الموعود القائم المنتظر هو الثاني عشر من هؤلاء الأئمّة الغرّ الميامين الدرر ، والحمد لله.

السابع عشر : الناصر لدين الله أحمد ابن المستضيء بنور الله من الخلفاء العبّاسية ، وهو الذي أمر بعمارة السرداب الشريف وجعل الصفة التي فيه شباكا من خشب صاج منقوش عليه : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (٢) هذا ما أمر بعمله سيّدنا ومولانا الإمام

__________________

(١) راجع : كتاب چهارده معصوم : ٣١ المقدمة.

(٢) الشورى : ٢٣.

٣٠٢

المفترض الطاعة على جميع الأنام أبو العبّاس أحمد الناصر لدين الله ، أمير المؤمنين وخليفة ربّ العالمين ، الذي طبق البلاد إحسانه وعدله وعمّ البلاد رأفته وفضله ، قرّب الله أوامره الشريفة باستمرار البحح والنشر وناطها بالتأييد والنصر ، وجعل لأيّامه المخلدة حدّا لا يكبو جواده ولآرائه الممجدة سعدا لا يخبو زناده ، في عز تخضع له الأقدار فيطيعه عواميها ، وملك خشع له الملوك فيملكه نواصيها بتولي الملوك معد بن الحسين بن معد الموسوي الذي يرجو الحياة في أيّامه المخلدة ، ويتمنّى إنفاق عمره في الدعاء لدولته المؤيّدة ، استجاب الله أدعيته وبلغه في أيّامه الشريفة امنيته من سنة ست وستمائة الهلالية ، وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلّى الله على سيّدنا خاتم النبيّين وعلى آله الطاهرين وعترته وسلّم تسليما. ونقش أيضا في الخشب الساج داخل الصفة في دائر الحائط : بسم الله الرّحمن الرحيم محمّد رسول الله ، أمير المؤمنين علي ولي الله ، فاطمة ، الحسن بن علي ، الحسين بن علي ، علي بن الحسين ، محمد بن علي ، جعفر بن محمد ، موسى بن جعفر ، علي بن موسى ، محمد بن علي ، علي بن محمد ، الحسن بن علي القائم بالحق عجل الله فرجه. هذا عمل علي بن محمد ولي آل محمد رضى الله عنه. ولو لا اعتقاد الناصر بانتساب السرداب إلى المهدي عجل الله فرجه وبكونه محل ولادته أو موضع غيبته أو مقام بروز كرامته لإمكان إقامته في طول غيبته ، كما نسبه بعض من لا خبرة له إلى الإمامية ، وليس في كتبهم قديما وحديثا منه أثر أصلا ، لما أمر بعمارته وتزيينه ، ولو كانت كلمات علماء عصره متّفقة على نفيه وعدم ولادته لكان إقدامه عليه بحسب العادة صعبا أو ممتنعا ، فلا محالة فهم من وافقه في معتقده الموافق لمعتقد جملة ممّن سبقت إليهم الإشارة وهو المطلوب ، وإنّما أدخلنا الناصر في سلك هؤلاء لامتيازه عن أقرانه بالفضل والعلم وعداده من المحدّثين.

الثامن عشر : العالم العابد العارف الورع البارّ الألمعي الشيخ سليمان ابن خواجة كلان الحسين القندوزي البلخي صاحب كتاب «ينابيع المودّة» قد بالغ فيه في إثبات كون المهدي الموعود هو الحجّة بن الحسن العسكري عليه‌السلام في طي أبواب فلا حاجة لذكر كلماته (١).

التاسع عشر : العارف المشهور بشيخ الإسلام الشيخ أحمد الجامي قال : قال عبد الرّحمن

__________________

(١) ينابيع المودّة : ١ / ٨٩ باب ٧٣.

٣٠٣

الجامي في كتابه النفحات : إنّه دخل في غار جبل قرب بلد جام بجذب قوي من الله جلّ شأنه ، وكان أمّيا لا يعرف الحروف ولا الكتاب ، وسنّه كان اثنين وعشرين ، واستقام في الغار ثماني عشرة سنة من غير طعام ، ويأكل أوراق الأشجار وعروقها ، وعبد الله فيه إلى أن بلغ سنّه أربعين سنة ، ثمّ أمره الله بإرشاد الناس ، وصنّف كتابا قدره ألف ورقة تحيّر فيه العلماء والحكماء من غموض معانيه ، وهو عجيب في هذه الامّة وبلغ عدد من دخل في طريقته من المريدين ستمائة ألف ، ومن كلماته كما في الينابيع :

من زمر حيدرم هر

لحظه اندر دل صفاست

أز پى حيدر حسن

ما رام إمام ورهنماست

إلى أن قال :

عسكري نور دو چشم عالمست وآدم است

همچه يك مهدي سپهسالار در عالم كجاست

(١) العشرون : العارف عبد الرّحمن من مشايخ الصوفية في «مرآة الأسرار» : ذكر آن آفتاب دين ودولت آن هادى جميع ملت ودولت آن قائم مقام پاك أحمدى إمام بر حق أبو القاسم م ح م د بن الحسن المهدي صلوات الله وسلامه عليه وى إمام دوازدهم است أز ائمه أهل بيت مادرش أم ولد بود نرجس نام داشت ولادتش شب جمعه پانزدهم ماه شعبان سنه خمس وخمسين ومأتين وبروايت شواهد النبوة بتاريخ ثلاث وعشرين شهر رمضان سنه ثمان وخمسين در سر من رأى معروف سامره واقع گرديد وإمام دوازدهم در كنيت ونام حضرت رسالت پناهي موافقت دارد ، ألقاب شريفش مهدي وحجة وقائم ومنتظر وصاحب الزمان وخاتم اثنى عشر ، وصاحب الزمان در وقت وفات پدر خود إمام حسن عسكرى عليه‌السلام پنج ساله بوده كه بر مسند إمامت نشست چنانچه حق تعالى حضرت يحيى بن زكريا را در حال طفوليت حكمت كرامت فرمود وعيسى ابن مريم را در وقت صبا به مرتبه بلند رسانيد وهمچنين أو را در صغر سن إمام گردانيد وخوارق عادات أو نه چندانست كه در اين مختصر گنجايش دارد.

الحادي والعشرون : عن عبد الله بن محمد المطري عن الإمام جمال الدين السيوطي في

__________________

(١) ينابيع المودّة : ٣ / ٣٤٩ ، وبالهامش : نفحات الانس : ٣٥٧ ط. المحمودي.

٣٠٤

رسالة «إحياء الميت بفضائل أهل البيت» : إنّ من ذرية الحسين بن علي المهدي المبعوث في آخر الزمان ـ إلى أن قال ـ : وجميع نسل الحسين عليه‌السلام وذريته يعودون إلى إمام الأئمّة المحقّق المجمع على جلالته وغزارة علمه وزهده وورعه وكماله سلالة الأنبياء والمرسلين ، وسلالة خير المخلوقين زين العابدين علي بن الحسين عليه‌السلام ـ إلى أن قال ـ : فالإمام الأوّل علي ابن أبي طالب عليه‌السلام. وساق أسامي الأئمّة ، ثمّ قال : الحادي عشر ابنه الحسن العسكري ، الثاني عشر ابنه محمد القائم المهدي ، وقد سبق النص عليه في ملّة الإسلام من النبي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وكذا من جدّه علي بن أبي طالب عليه‌السلام ومن بقية آبائه أهل الشرف والمراتب ، وهو صاحب السيف القائم المنتظر. إلى آخر ما قال (١).

الثاني والعشرون : أبو المعالي محمد سراج الدين الرفاعي ثمّ المخزومي الشريف الكبير في كتابه الموسوم ب «صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطمية الأخيار» في ترجمة أبي الحسن الهادي ما لفظه : وأمّا الإمام علي الهادي بن الإمام محمّد الجواد ولقبه النقي والعالم والفقيه والأمير والدليل والعسكري والنجيب ، ولد في المدينة سنة اثنتي عشرة ومائتين من الهجرة ، وتوفي شهيدا بالسمّ في خلافة المعتزّ العبّاسي يوم الاثنين في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ، وكان له خمسة أولاد : الإمام الحسن العسكري والحسين ومحمّد وجعفر وعائشة ، فأمّا الحسن العسكري فأعقب صاحب السرداب الحجّة المنتظر ، ولي الله الإمام محمد المهدي ، وأمّا محمد فلم يذكر له ذيل. إلى آخر ما قال.

وقال في موضع آخر في الإمامة : وروى العارفون من سلف أهل العلم أنّ الإمام الحسين لما انكشف له في سرّه أنّ الخلافة الروحية ـ التي هي الغوثية والإمامة الجامعة ـ فيه وفي بنيه على الغالب استبشر بذلك وباع في الله نفسه لنيل هذه النعمة المقدّسة ، فمنّ الله عليه بأن جعل بيته كبكبة الإمامة وختم ببيته هذا الشأن ، على أنّ الحجّة المنتظر الإمام المهدي من ذريّته الطاهرة وعصابته الزاهرة. انتهى.

الثالث والعشرون : قال أحمد بن حجر الشافعي المصري في كتاب الصواعق المحرقة في الردّ على الرافضة : الآية الثانية عشرة قوله (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) (٢) قال مقاتل بن سليمان

__________________

(١) في الاحياء المطبوع بهامش الاتحاف لا يوجد أحاديث حول الامام المهدي عجل الله فرجه.

(٢) الزخرف : ٦١.

٣٠٥

ومن تبعه من المفسّرين : إنّ هذه الآية نزلت في المهدي. وسيأتي التصريح بأنّه من أهل البيت النبوي ، ففي الآية دلالة على البركة في نسل فاطمة وعلي عليهما‌السلام ، وأنّ الله يخرج منهما كثيرا طيّبا ، وأن يجعل نسلهما مفاتيح الحكمة ومعادن الرحمة ، وسرّ ذلك أنّه تعالى أعاذها وذريّتها من الشيطان الرجيم ودعا لعلي بمثل ذلك.

ثمّ ذكر بعد ترجمة أبي محمد الحسن العسكري : ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد الحجّة وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين ، لكن آتاه فيها الحكمة ، ويسمّى القائم المنتظر. وقيل : لأنّه تستّر بالمدينة وغاب فلم يدر أين ذهب. ومرّ في الآية الثانية عشرة قول الرافضة فيه إنّه المهدي. إلى أن يقول : وممّا وردت من الأحاديث في حقّ المهدي ما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي وآخرون : المهدي من عترتي من ولد فاطمة. وعنهم : لو لم يبق من الدهر إلّا يوم لبعث الله فيه رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا. وأيضا : المهدي منّا أهل البيت يصلحه الله في ليلة. إلى أن يقول : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : المهدي هو الذي يصلّي ابن مريم خلفه. وعنه أيضا : لن تهلك أمّة أنا أوّلها وعيسى ابن مريم آخرها والمهدي وسطها. إلى أن يقول : وأخرج الحاكم عن ثوبان أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان فاتبعوها فإنّ فيها خليفة الله المهدي. إلى أن يقول : واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى بخروجه ، وأنّه من أهل بيته ، وأنّه يملك سبع سنين ، وأنّه يملأ الأرض عدلا ، وأنّه يخرج معه عيسى فيساعده على قتل دجّال بباب لد بأرض فلسطين ، وأنّه يؤمّ هذه الامّة ، ويصلّي عيسى خلفه (١).

الرابع والعشرون : يوسف بن يحيى بن علي الشافعي قال في كتابه المسمّى بعقد الدرر في ظهور المنتظر على ما نقل عنه بعض الثقات : وقد بشّرت بظهور المهدي أحاديث جمّة دوّنها في كتبهم علماء الامّة. ثمّ ذكر أحاديث تقدّمت ثمّ قال : وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تقوم الساعة حتّى تملأ الأرض ظلما وعدوانا ثمّ يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا. إلى آخر ما قال.

الخامس والعشرون : العالم الألمعي القاضي أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان في تاريخه المعروف : أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ١٦٢ الباب الحادي عشر ، فصل ١.

٣٠٦

محمد الجواد المذكور قبله ، ثاني عشر الأئمّة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية المعروف بالحجّة ، وهو الذي تزعم الشيعة أنّه المنتظر والقائم والمهدي وهو صاحب السرداب عندهم وأقاويلهم فيه كثيرة ، وهم ينتظرون ظهوره في آخر الزمان من السرداب بسر من رأى ، كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ، ولمّا توفي أبوه ـ وقد سبق ذكره في حرف الحاء ـ كان عمره خمس سنين ، واسم أمّه خمط وقيل نرجس.

إلى أن قال : وذكر ابن الأزرق في تاريخ ميافارقين : أنّ الحجّة المذكور ولد في تاسع شهر ربيع الأوّل سنة ثمان وخمسين ومائتين ، وقيل : في ثامن من شعبان سنة ست وخمسين وهو الأصحّ ، وأنّه لما دخل السرداب كان عمره أربع سنين وقيل : خمس سنين ، وقيل : إنّه دخل السرداب سنة خمس وسبعين ومائتين وعمره سبع عشرة سنة والله أعلم أيّ ذلك كان ، سلام الله ورحمته عليه(١).

السادس والعشرون : عن الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف الزرندي في كتاب معراج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول : الإمام الثاني عشر ، صاحب الكرامات المشتهر ، الذي عظم قدره بالعلم واتباع الحقّ والأثر القائم ـ مولده على ما نقلته الشيعة ليلة الجمعة للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ـ بالحقّ والداعي إلى منهج الحقّ الإمام أبو القاسم محمد ابن الحسن ، وكان بسر من رأى في زمان المعتمد وأمّه نرجس بنت قيصر الرومية أمّ ولد. انتهى.

السابع والعشرون : عن الشيخ محمد بن محمود الحافظ البخاري في كتابه ما لفظه : وأبو محمد الحسن العسكري ، ولده محمد معلوم عند خاصّة أصحابه وثقات أهله. ثمّ قال : ويروى أنّ حكيمة بنت أبي جعفر محمد الجواد ، عمّة أبي محمد الحسن العسكري كانت تحبّه وتدعو له وتتضرّع أن ترى له ولدا ، وكان أبو محمد الحسن العسكري اصطفى جارية يقال لها : نرجس ، فلمّا كان ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين دخلت حكيمة فدعت لأبي محمد الحسن العسكري فقال لها : يا عمّة كوني الليلة عندنا. إلى آخر تاريخ تولّده كما شرحناه في الفرع الثاني من الغصن الخامس في أخبار تولّده باختلاف يسير (٢).

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ٣١٤ ، و ٢٤٧ الآية ١٢.

(٢) ينابيع المودّة : ٣ / ٣٠٤.

٣٠٧

الثامن والعشرون : عن الشيخ عبد الله بن محمد المطيري الشافعي في الرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته الطاهرة : ولد أبو القاسم محمّد الحجّة ابن الحسن الخالص بسرّ من رأى ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين للهجرة.

التاسع والعشرون : عن كتاب الهداية للحسين بن حمدان الخصيبي قال : ومضى أبو محمد الحادي عشر الحسن بن علي في سبع وعشرين سنة ، يوم الجمعة لثمان ليال خلون من ربيع الأوّل سنة ستّين ومائتين من الهجرة.

إلى أن قال : ولده الخلف المهدي الثاني عشر صاحب الزمان ، ولد يوم الجمعة عند طلوع الفجر لثمان ليال خلون من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين من الهجرة قبل مضيّ أبيه بسنتين وسبعة أشهر.

٣٠٨

الفرع الرابع

من رآه في حياة أبيه

الأوّل : ممن رآه حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى عليهم‌السلام عمّة الحسن العسكري ، فإنّها رأت القائم ليلة مولده وبعد ذلك عن نسيم ومارية قالتا : لمّا خرج صاحب الزمان من بطن أمّه سقط جاثيا على ركبتيه رافعا بسبابتيه نحو السماء فعطس فقال : الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله عبد الله أوّلا وآخرا غير مستنكف ولا مستكبر ، ثمّ قال : زعمت الظلمة أنّ حجّة الله داحضة ولو أذن الله لنا لزال الشكّ (١).

الثاني : ممّن رآه في حياة أبيه عليهما‌السلام : في كشف الغمّة عن أبي بصير الخادم قال : دخلت على صاحب الزمان وهو في المهد فقال لي : عليّ بالصندل الأحمر ، فأتيته به فقال : أتعرفني؟ قلت : نعم ، أنت سيّدي وابن سيّدي ، فقال : ليس عن هذا سألتك ، فقلت : فسّر لي. فقال. أنا خاتم الأوصياء ، وبي يرفع الله البلاء عن أهل شيعتي (٢).

الثالث : ممّن رآه في حياة أبيه عليهما‌السلام : وفيه عن أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري قال : وجّه قوم من المفوضة كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمد قال : فقلت في نفسي : لئن دخلت عليه أسأله عن الحديث المروي عنه : لا يدخل الجنّة إلّا من عرف معرفتي ، وكنت جلست إلى باب عليه ستر مسبل ، فجاءت الريح فكشفت طرفه وإذا أنا بفتى كأنّه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها فقال لي : يا كامل بن إبراهيم ، فاقشعررت من ذلك فقلت : لبيك يا سيّدي. قال : جئت إلى ولي الله تسأله : لا يدخل الجنّة إلّا من عرف معرفتك وقال بمقالتك؟ قلت : إي والله. قال : إذا والله يقلّ داخلها والله إنّه ليدخلنّها قوم يقال لهم «الحقّية». قلت : ومن هم؟ قال : هم قوم من حبّهم لعلي يحلفون بحقّه ولا يدرون ما حقّه وفضله ، إنّهم قوم يعرفون ما تجب عليهم معرفته جملة لا تفصيلا من معرفة الله ورسوله والأئمّة ونحوها. ثمّ قال : وجئت تسأل عن مقالة المفوّضة ، كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله فإذا شاء الله شئنا والله

__________________

(١) الإرشاد للمفيد : ٢ / ٣٥١.

(٢) كمال الدين : ٤٤١ والغيبة للطوسي : ٢٤٦.

٣٠٩

يقول (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (١) فقال لي أبو محمد : ما جلوسك وقد أنبأك بحاجتك(٢).

الرابع : ممّن رآه في حياة أبيه عليهما‌السلام : وفيه عن نسيم خادم أبي محمّد عليه‌السلام قال : دخلت على صاحب الزمان عليه‌السلام بعد مولده بعشرة أيّام فعطست عنده فقال : يرحمك الله. قال : ففرحت بذلك فقال لي : ألا أبشّرك في العطاس ، هو أمان من الموت ثلاثة أيّام (٣).

وفيه عن حكيمة قالت : دخلت على أبي محمد بعد أربعين يوما من ولادة نرجس فإذا مولانا صاحب الزمان يمشي في الدار ، فلم أر لغة أفصح من لغته فتبسّم أبو محمّد فقال : إنّا معاشر الأئمّة ننشأ في كل يوم كما ينشأ غيرنا في الشهر ، وننشأ في الشهر كما ينشأ غيرنا في عصر السنة. قالت : ثمّ كنت بعد ذلك أسأل أبا محمد عنه فقال : استودعناه الذي استودعت أمّ موسى ولدها عنده (٤).

الخامس : ممّن رآه في حياة أبيه عليهما‌السلام : وفي البحار عن جماعة من الشيعة منهم علي بن بلال وأحمد بن هلال ومحمد بن معاوية بن حكيم والحسن بن أيوب بن نوح في خبر طويل مشهور قالوا جميعا : اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام نسأله عن الحجّة من بعده ، وفي مجلسه أربعون رجلا ، فقام إليه عثمان بن سعيد العمري فقال له : يا بن رسول الله اريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به منّي. فقال عليه‌السلام له : اجلس يا عثمان ، فقام مغضبا ليخرج فقال : لا يخرجنّ أحد ، فلم يخرج منّا أحد إلى أن كان بعد ساعة ، فصاح عليه‌السلام بعثمان فقام على قدميه قال : اخبركم لم جئتم؟ قالوا : نعم يا بن رسول الله. قال : جئتم تسألونني عن الحجّة من بعدي. قالوا : نعم. فإذا غلام كأنّه قطع قمر أشبه الناس بأبي محمّد عليه‌السلام فقال : هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم ، أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم ، ألا وإنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتّى يتمّ له عمر ، فاقبلوا من عثمان ما يقوله وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه (٥).

السادس : ممّن رآه في حياة أبيه عليهما‌السلام : في الاحتجاج وتبصرة الولي باختلاف يسير عن

__________________

(١) سورة الإنسان : ٣٠.

(٢) دلائل الإمامة : ٥٠٦.

(٣) كمال الدين : ٤٣٠.

(٤) الخرائج والجرائح : ١ / ٤٦٦.

(٥) غيبة الطوسي : ٣٥٧.

٣١٠

سعد بن عبد الله القمي قال : كنت امرأ لهجا بجمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم ودقائقه ، كلفا (١) باستظهار ما يصحّ من حقائقها ، مغرما بحفظ مشتبهها ومستغلقها ، شحيحا على ما أظفر به من معاضلها ومشكلاتها ، متعصّبا لمذهب الإمامية ، راغبا عن الأمن والسلامة في انتظار التنازع والتخاصم والتعدّي إلى التباغض والتشاتم ، معيبا للفرق ذوي الخلاف ، كاشفا عن مثالب أئمّتهم ، هتاكا لحجب قادتهم إلى أن بليت بأشدّ النواصب منازعة وأطولهم مخاصمة وأكثرهم جدلا وأشنفهم سؤالا وأثبتهم على الباطل قدما.

فقال ذات يوم وأنا اناظره : تبّا لك ولأصحابك يا سعد ، إنّكم معاشر الرافضة تقصدون على المهاجرين والأنصار بالطعن عليهما وتجحدون من رسول الله ولا يتهما وإمامتهما ، هذا الصدّيق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته ، أما علمتم أنّ رسول الله ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلّا علما منه بأنّ الخلافة له من بعده ، وأنّه هو المقلّد من أمر التأويل ، والملقى إليه أزمّة الامّة ، وعليه المعوّل في شعب الصدع ولمّ الشعث وسدّ الخلل وإقامة الحدود وتسريب الجيوش لفتح بلاد الشرك ، كما أشفق على نبوّته أشفق على خلافته ؛ إذ ليس من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشرّ مساعدة إلى مكان يستخفي فيه؟ ولمّا رأينا النبيّ متوجّها إلى الانجحار (٢) ، ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد استبان لنا قصد رسول الله بأبي بكر إلى الغار للعلّة التي شرحناها ، وإنّما أبات عليا على فراشه لما لم يكن ليكترث له ولم يحفل به ولاستثقاله ، ولعلمه بأنّه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها.

قال سعد : فأوردت عليه أجوبة شتّى فما زال يقصد كلّ واحد منها بالنقض والردّ علي ثمّ قال : يا سعد دونكها اخرى بمثلها تحطّم آناف الروافض ، ألستم تزعمون أنّ الصدّيق المبرأ من دنس الشكوك ، والفاروق المحامي عن بيضة الإسلام كانا يسرّان النفاق واستدللتم بليلة العقبة ، أخبرني عن الصدّيق أسلم طوعا أو كرها. قال سعد : فاحتملت لدفع هذه المسألة عنّي خوفا من الإلزام وحذرا منّي إن أقررت لهما بطواعيتهما ، والإسلام احتج بأن بدوّ النفاق ونشوءه في القلب لا يكون إلّا عند هبوب روائح القهر والغلبة وإظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد له قلبه نحو قول الله عزوجل (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا

__________________

(١) كلفا : أي مولعا.

(٢) الانجحار : الاستتار.

٣١١

بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) (١). وإن قلت : أسلما كرها كان يقصدني بالطعن ؛ إذ لم يكن ثم سيوف منتضاة كانت تريهما البأس.

قال سعد : فصددت منه مزورا قد انتفخت أحشائي من الغضب ، وتقطّع كبدي من الكرب وكنت قد اتخذت طومارا وأثبتّ فيه نيفا وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيبا على أن أسأل فيها خير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمّد عليه‌السلام ، فارتحلت خلفه وقد كان خرج قاصدا نحو مولانا بسرّ من رأى ، فلحقته في بعض المناهل فلمّا تصافحنا قال : بخير لحاقك بي. قلت : الشوق ثمّ العادة في الأسئلة. قال : قد تكافينا هذه اللحظة الواحدة فقد برح بي العزم إلى لقاء مولانا أبي محمد ، واريد أن أسأله عن معاضل في التأويل ومشاكل من التنزيل ، فدونكها الصحبة المباركة فإنّها تقف بك على ضفة بحر لا تنقضي عجائبه ولا تفنى غرائبه وهو إمامنا ، فوردنا سر من رأى فانتهينا منها إلى باب سيّدنا فاستأذن فخرج الإذن بالدخول عليه وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطّاه بكساء طبري فيه ستّون ومائة صرّة من الدنانير والدراهم ، على كلّ صرّة منها ختم صاحبها. قال سعد : فما شبهت مولانا أبا محمد حين غشينا نور وجهه إلّا بدرا قد استوفى من لياليه أربعا بعد عشر ، وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر وعلى رأسه فرق بيّن وقرطين كأنّه ألف بين واوين ، وبين يدي مولانا رمانة ذهبية تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركبة عليها قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة ، وبيده قلم إذا أراد أن يسطر به على البياض قبض الغلام على أصابعه فكان مولانا يد حرج الرمانة بين يديه ويشغله بردّها لئلّا يصدّه عن كتبه ما أراد ، فسلّمنا فألطف في الجواب وأومى إلينا بالجلوس ، فلمّا فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه فوضعه بين يديه فنظر الهادي إلى الغلام وقال له : يا بني فضّ الخاتم عن هدايا شيعتك.

فقال : يا مولاي أيجوز أن أمدّ يدا طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة قد شيب أحلّها بأحرمها؟ فقال مولاي : يا بن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميّز بين الأحل والأحرم منها ، فأوّل صرّة بدأ أحمد بإخراجها فقال الغلام : هذه لفلان ابن فلان من محلّة كذا بقم تشتمل

__________________

(١) سورة غافر : ٨٥.

٣١٢

على اثنين وستين دينارا ، فيها من ثمن حجرة باعها صاحبها وكانت إرثا له من أخيه خمسة وأربعون دينارا ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر دينارا ، وفيها اجرة حوانيت ثلاثة عشر دينارا. فقال مولانا : صدقت يا بني. دلّ الرجل على الحرام منها؟ فقال : فتش على دينار رازي السكة تاريخه السنة كذا قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه ، وقراضة آملية وزنها ربع دينار ، والعلّة في تحريمها أنّ صاحب هذه الحملة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منّا وربع منّ فأتت على ذلك مدّة قيض انتهاؤها لذلك الغزل سارق ، فأخبر به الحائك صاحبه فكذبه ، واسترد منه بدل ذلك منّا ونصف منّ غزلا أدقّ ممّا كان دفعه إليه ، واتخذ من ذلك ثوبا كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه ، فلمّا فتح رأس الصرّة صادفه رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه وبمقدارها على حسب ما قال ، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة. ثمّ أخرج صرّة اخرى فقال الغلام : هذه لفلان ابن فلان من محلّة كذا بقم تشتمل على خمسين دينارا لا يحلّ لنا مسّها.

قال : وكيف ذلك؟ قال : لأنّها ثمن حنطة خان صاحبها على أكاره في المقاسمة ، وذلك أنّه قبض حصّة منها بكيل واف وكال ما خصّ الأكار بكيل بخس. فقال مولانا عليه‌السلام : صدقت يا بني. ثمّ قال : يا ابن إسحاق احملها بأجمعها لتردّها أو توصي بردّها على أربابها ، فلا حاجة لنا في شيء منها وائتنا بثوب العجوز. قال أحمد : وكان ذلك الثوب في حقيبة لي نفيسة فلمّا انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إلي مولانا أبو محمّد عليه‌السلام فقال : ما جاء بك يا سعد؟ فقال : شوّقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا.

قال : فالمسائل التي أردت أن تسأل عنها! قلت : على حالها يا مولاي. قال : فسل قرّة عيني ـ وأومى إلى الغلام ـ عمّا بدا لك منها. فقلت له : مولانا وابن مولانا إنّا روينا عنكم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين عليه‌السلام حتّى أرسل يوم الجمل إلى عائشة إنّك قد أربحت (١) على الإسلام وأهله بفتنتك ، وأوردت بنيك حيّا من الهلاك بجهلك فإن كففت عنّي عززتك وإلّا طلّقتك ، ونساء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد كان طلاقهن وفاته قال : ما الطلاق؟ قلت : تخلية السبيل. قال : فإذا كان طلاقهنّ وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد خلّيت لهنّ السبيل ، فلم لا يحلّ لهنّ الأزواج؟ قلت : لأنّ الله تبارك وتعالى حرّم الأزواج عليهنّ. قال : وكيف وقد خلّى الموت

__________________

(١) أربحت تجارته إذا أربيتها له.

٣١٣

سبيلهنّ؟ قلت : فأخبرني يا ابن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حكمه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام قال عجل الله فرجه : إنّ الله تبارك وتعالى عظّم شأن نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فخصّهن بشرف الامّهات ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبا الحسن إنّ هذا الشرف باق لهنّ ما دمن لله على الطاعة ، فأيّهنّ عصت الله بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج وأسقطها من شرف امومة المؤمنين.

قلت : فأخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا أتت المرأة بها في أيّام عدّتها حلّ للزوج أن يخرجها من بيته؟ قال : الفاحشة المبينة هي السحق دون الزنا ، فإنّ المرأة إذا زنت واقيم عليها الحدّ ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحدّ ، وإذا سحقت وجب عليها الرجم والرجم خزي ، ومن قد أمر الله عزوجل برجمه فقد أخزاه ، ومن أخزاه فقد أبعده فليس لأحد أن يقرّبه.

قلت : فأخبرني يا ابن رسول الله عن أمر الله تبارك وتعالى لنبيّه موسى (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) (١) فإنّ فقهاء الفريقين يزعمون أنّها كانت من إهاب الميتة. فقال عليه‌السلام : من قال ذلك فقد افترى على موسى واستجهله في نبوّته ؛ لأنّه ما خلا الأمر فيها من خطيئتين ؛ إمّا أن تكون صلاة موسى فيها جائزة أو غير جائزة ، فإن كانت صلاته جائزة جاز له لبسهما في تلك البقعة ، وإن كانت مقدّسة مطهّرة فليست بأقدس وأطهر من الصلاة ، وإن كانت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب على موسى أنه لم يعرف الحلال من الحرام ، وعلم ما تجوز فيه الصلاة وما لم تجز وهذا كفر. قلت : فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما؟ قال : إنّ موسى ناجى ربّه بالوادي المقدّس فقال : يا ربّ إنّي قد أخلصت لك المحبّة منّي وغسلت قلبي عمّن سواك ، وكان شديد الحبّ لأهله فقال الله تعالى (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) أي انزع حبّ أهلك عن قلبك إن كانت محبّتك لي خالصة ، وقلبك من الميل من سواي مغسولا.

قلت : فأخبرني يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تأويل (كهيعص) (٢)؟ قال : هذه الحروف من أنباء الغيب أطلع الله عليها عبده زكريا ثمّ قصّها على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك أنّ زكريا سأل ربّه أن يعلّمه الأسماء الخمسة ، فأهبط عليه جبرائيل فعلّمه إيّاها فكان زكريا إذا ذكر محمّدا وعليا وفاطمة والحسن سرى عنه همّه وانجلى كربه ، وإذا ذكر اسم الحسين خنقته العبرة ووقعت

__________________

(١) سورة طه : ١٢.

(٢) سورة مريم : ١.

٣١٤

عليه البهرة ، فقال ذات يوم : إلهي ما بالى إذا ذكرت أربعا منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين عليه‌السلام تدمع عيني وتثور زفرتي؟ فأنبأه الله تعالى عن قصّته وقال (كهيعص) فالكاف اسم كربلاء ، والهاء هلاك العترة ، والياء يزيد وهو ظالم الحسين ، والعين عطشه ، والصاد صبره ، فلمّا سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام ومنع فيها الناس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء والنحيب وكانت ندبته : إلهي أتفجع خير خلقك بولده ، أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه ، أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة ، إلهي أتحلّ كربة هذه الفجيعة بساحتهما ، ثمّ كان يقول : إلهي ارزقني ولدا تقرّبه عيني عند الكبر ، واجعله لي وارثا ووصيّا واجعل محلّه منّي محلّ الحسين ، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه ثمّ افجعني به كما تفجع محمّدا حبيبك بولده ، فرزقه الله يحيى وفجعه به ، وكان حمل يحيى ستّة أشهر وحمل الحسين كذلك وله قصّة طويلة.

قلت : فأخبرني يا مولاي عن العلّة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم؟ قال : مصلح أو مفسد؟ قلت : مصلح. قال : فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد بما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت : بلى. قال : فهي العلّة أوردتها لك ببرهان يثق به عقلك ، أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل الكتب عليهم وأيّدهم بالوحي والعصمة ، وهم أعلى الامم وأهدى إلى الاختيار منهم مثل موسى وعيسى ، هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا همّا بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنّان أنّه مؤمن؟ قلت : لا. قال عليه‌السلام : فهذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربّه سبعين رجلا ممّن لا يشكّ في إيمانهم وإخلاصهم فوقعت خيرته على المنافقين ، قال الله عزوجل (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا) إلى قوله : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) بظلمهم (١) فلمّا وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوّة واقعا على الأفسد دون الأصلح ويظنّ أنّه الأصلح دون الأفسد ، علمنا أن لا اختيار إلّا لمن يعلم ما تخفي الصدور وتكنّ الضمائر وتتصرّف عليه السرائر ، وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٥٥.

٣١٥

ثمّ قال مولانا : يا سعد وحين ادّعى خصمك أنّ رسول الله ما أخرج مع نفسه مختار هذه الامّة إلى الغار إلّا علما منه أنّ الخلافة له من بعده ، وأنّه هو المقلّد لامور التأويل والملقى إليه أزمة الامّة ، المعول عليه في لمّ الشعث وسدّ الخلل وإقامة الحدود ، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر ، فكما أشفق على نبوّته أشفق على خلافته ؛ إذ لم يكن من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشرّ مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه ، وإنّما أبات عليا على فراشه لما لم يكن يكترث له ولا يحفل به ، ولاستثقاله إيّاه وعلمه بأنّه إن قتل لم يتعذّر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها ؛ فهلا نقضت عليه دعواه بقولك : أليس قال رسول الله : الخلافة بعدي ثلاثون سنة فجعل هذه موقوفة على أعمار الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم ، وكان لا يجد بدّا من قوله : بلى ، فكنت تقول له حينئذ : أليس كما علم رسول الله أنّ الخلافة بعده لأبي بكر علم أنّها من بعد أبي بكر لعمر ومن بعد عمر لعثمان ومن بعد عثمان لعلي ، فكان أيضا لا يجد بدا من قوله لك : نعم ، ثمّ كنت تقول له :فكان الواجب على رسول الله أن يخرجهم جميعا على الترتيب إلى الغار (١) ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر ، ولا يستخفّ بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إيّاهم وتخصيصه أبا بكر بإخراجه مع نفسه دونهم.

ولمّا قال : أخبرني عن الصدّيق والفاروق أسلما طوعا أو كرها لم لم تقل له : بل أسلما طمعا لأنّهما كانا يجالسان اليهود ويستخبرانهم عمّا كانوا يجدون في التوراة وسائر الكتب المتقدّمة الناطقة بالملاحم من حال إلى حال من قصة محمّد ومن عواقب أمره؟ فكانت اليهود تذكر أنّ محمّدا يسلّط على العرب كما كان بخت نصر سلّط على بني إسرائيل ، ولا بدّ له من الظفر على العرب كما ظفر بخت نصر ببني إسرائيل ، غير أنّه كاذب في دعواه وأنّ هذا نبي. فأتيا محمّدا فساعداه على قول شهادة أن لا إله إلّا الله ، وبايعاه طمعا في أن ينال كلّ منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت اموره واستتبت أحواله ، فلما أيسا من ذلك تلثما وصعدا العقبة مع عدّة من أمثالهما من المنافقين بغية أن يقتلوه ، فدفع الله كيدهم وردّهم بغيظهم لم ينالوا خيرا ، كما أتى طلحة والزبير عليا فبايعاه ، وطمع كلّ واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد ، فلمّا أيسا نكثا بيعته وخرجا عليه ، فصرع الله كلّ واحد منهما مصرع

__________________

(١) بتوضيح تأخير هجرة عمر وعثمان وإلّا فإنّهما هاجرا قبل رسول الله إلى المدينة.

٣١٦

أشباههما من الناكثين. قال : ثمّ قام مولانا الحسن بن علي الهادي عليه‌السلام إلى الصلاة مع الغلام فانصرفت عنهما وطلبت أثر أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكيا. فقلت : ما أبطأك وأبكاك؟ قال : قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره. فقلت : لا عليك فأخبره ، فدخل عليه مسرعا وانصرف من عنده متبسما وهو يصلّي على محمّد وآل محمّد ، فقلت : ما الخبر؟ قال : وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولانا عليه‌السلام يصلّي عليه. قال سعد : فحمدنا الله جل ذكره على ذلك ، وجعلنا نختلف بعد ذلك إلى منزل مولانا أيّاما فلا نرى الغلام بين يديه فلمّا كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا وانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائما وقال : يا ابن رسول الله قد دنت الرحلة واشتدّت المحنة ونحن نسأل الله أن يصلّي على المصطفى جدّك وعلى المرتضى أبيك وعلى سيّدة النساء أمّك وعلى سيدي شباب أهل الجنّة عمّك وأبيك وعلى الأئمّة الطاهرين من بعدهما آبائك ، وأن يصلّي عليك وعلى ولدك ، ونرغب إلى الله أن يعلّي كعبك ويكبت عدوّك ، ولا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك. قال : فلمّا قال هذه الكلمة استعبر مولانا حتّى استهلت دموعه وتقاطرت عبراته ثمّ قال : يا بن إسحاق لا تكلّف في دعائك شططا فإنّك ملاقي الله في سفرك هذا ، فخرّ أحمد مغشيا عليه فلمّا أفاق قال : سألتك بالله وبحرمة جدّك إلّا شرّفتني بخرقة أجعلها كفنا ، فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهما فقال عليه‌السلام : خذها ولا تنفق على نفسك غيرها فإنك لن تعدم ما سألت ، وإنّ الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا.

قال سعد : فلمّا صرنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا من حلوان على ثلاثة فراسخ حمّ أحمد بن إسحاق وصارت عليه علّة صعبة آيس من حياته فيها ، فلمّا وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطنا بها ، ثمّ قال : تفرّقوا عنّي هذه الليلة واتركوني وحدي ، فانصرفنا عنه ورجع كلّ واحد منّا إلى مرقده. قال سعد : فلمّا حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة ففتحت عيني فإذا أنا بكافور الخادم ، خادم مولانا أبي محمّد عليه‌السلام وهو يقول : أحسن الله بالخير عزاكم ، وجبر بالمحبوب رزيتكم ، قد فرغنا من غسل صاحبكم وتكفينه فقوموا لدفنه فإنّه من أكرمكم محلّا عند سيّدكم ، ثمّ غاب عن أعيننا فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والنحيب والعويل حتّى قضينا حقّه وفرغنا من أمره

٣١٧

رحمه‌الله تعالى (١).

السابع : ممّن رآه في حياة أبيه عليه‌السلام : في تبصرة الولي عن أبي سهل إسماعيل النوبختي:دخلت على أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام في المرضة التي مات فيها ، فأنا عنده إذ قال لخادمه عقيد وكان الخادم أسود نوبيّا قد خدم من قبله علي بن محمّد عليه‌السلام وهو ربّى الحسن عليه‌السلام فقال له : يا عقيد اغل لي ماء بالمصطكى ، فأغلى له ، ثمّ جاءت به صيقل الجارية أمّ الخلف ، فلمّا صار القدح قرب ثنايا الحسن عليه‌السلام فتركه في يده وهمّ بشربه فجعلت يده ترتعد حتّى ضرب القدح وقال للعقيد : ادخل البيت فإنّك ترى صبيا ساجدا فائتني به. قال أبو سهل : قال عقيد : فدخلت الحجرة فإذا بالصبي ساجدا رافعا سبابته نحو السماء فسلّمت عليه فأوجز لي صلاته فقلت : إنّ سيدي يدعوك إليه ؛ إذ جاءت أمّه صيقل فأخذت بيده وأخرجته إلى أبيه الحسن عليه‌السلام.

قال أبو سهل : فلمّا مثل الصبي بين يديه سلّم فإذا هو دريّ اللون وفي شعر رأسه قطط ، مفلج الأسنان ، فلمّا رآه الحسن عليه‌السلام بكى وقال : يا سيّد أهل بيته اسقني إنّي ذاهب إلى ربّي ، وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكى بيده ثمّ حرّك شفتيه ثمّ سقاه ، فلمّا شربه قال : هيئوني للصلاة ، فطرح في حجره منديل فوضّأه الصبي واحدة واحدة ومسح على رأسه وقدميه فقال له أبو محمّد عليه‌السلام : أبشر يا بني فأنت صاحب الزمان وأنت المهدي وأنت الحجّة لله في أرضه وأنت ولدي ووصيي ، وأنا ولدتك وأنت محمد بن الحسن بن علي بن محمد ابن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ولدك رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين وأنت خاتم الأئمّة الطاهرين ، وقد بشّر بك رسول الله وسمّاك وكنّاك ، بذلك عهد إليّ أبي عن آبائك الطاهرين صلّى الله على أهل البيت ، ربّنا إنّه حميد مجيد ، ومات الحسن بن علي عليه‌السلام من وقته (٢).

الثامن : ممّن رآه في حياة أبيه عليهما‌السلام : في البحار عن أحمد بن إسحاق قال : دخلت على أبي محمّد الحسن بن علي عليه‌السلام وأنا اريد أن أسأله عن الخلف بعده فقال لي مبتدئا : يا أحمد

__________________

(١) بطوله في الاحتجاج : ٤٦٦ احتجاج الحجّة القائم عليه‌السلام ، وكمال الدين : ٤٥٤ وتبصرة الولي : ٧٧١ ح ٣٧.

(٢) غيبة الطوسي : ٢٧٣ ، وتبصرة الولي : ٧٨٢ ح ٦٩.

٣١٨

ابن إسحاق إنّ الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم ، ولا تخلو إلى يوم القيامة من حجّة لله على خلقه ، به يدفع البلاء عن أهل الأرض ، وبه ينزل الغيث ، وبه يخرج بركات الأرض.

قال : فقلت : يا ابن رسول الله فمن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض عليه‌السلام فدخل البيت ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر ، من أبناء ثلاث سنين فقال : يا أحمد بن إسحاق لو لا كرامتك على الله وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا ، إنّه سمي رسول الله وكنيّه الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما. يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الامّة مثل الخضر ومثله كمثل ذي القرنين ، والله ليغيبنّ غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلّا من يثبته الله على القول بإمامته ، ووفّقه للدعاء بتعجيل فرجه. قال أحمد بن إسحاق : فقلت له : يا مولاي هل من علامة يطمئن إليها قلبي؟

فنطق الغلام عجل الله فرجه بلسان عربي فصيح فقال : أنا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعدائه ، فلا تطلب أثرا بعد عين يا أحمد بن إسحاق. قال أحمد بن إسحاق : فخرجت مسرورا فرحا ، فلمّا كان من الغد عدت إليه فقلت له : يا ابن رسول الله لقد عظم سروري بما أنعمت عليّ ، فما السنّة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ فقال : طول الغيبة يا أحمد. فقلت له : يا ابن رسول الله وإنّ غيبته لتطول؟ قال : إي وربّي حتّى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به ، فلا يبقى إلّا من أخذ الله عهده بولايتنا وكتب في قلبه الإيمان وأيّده بروح منه. يا أحمد بن إسحاق هذا أمر من أمر الله ، وسرّ من سرّ الله ، وغيب من غيب الله فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين تكن غدا في العليين (١).

التاسع : ممّن رآه في حياة أبيه عليهما‌السلام : في تبصرة الولي عن يعقوب بن منفوس : دخلت على أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام وهو جالس على دكان في الدار ، عن يمينه بيت وعليه ستر مسبل فقلت له : يا سيّدي من صاحب هذا الأمر؟ فقال عليه‌السلام : ارفع الستر ، فرفعته فخرج إلينا خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك ، واضح الجبين ، أبيض دريّ المقلتين ، شثن الكفين معطوف الركبتين ، في خدّه الأيمن خال وفي رأسه ذؤابة ، فجلس على فخذ أبي محمد عليه‌السلام ثمّ قال لي : هذا هو صاحبكم ، ثمّ وثب فقال له : يا بني ادخل إلى الوقت المعلوم ،

__________________

(١) تبصرة الولي : ٧٧٧ ح ٤٤ ، وكمال الدين : ٣٨٥.

٣١٩

فدخل البيت وأنا أنظر إليه ثمّ قال لي : يا يعقوب انظر من في البيت فدخلت فما رأيت أحدا(١).

العاشر : ممّن رآه في حياة أبيه عليهما‌السلام : فيه عن ظريف أبي نصر قال : دخلت على صاحب الزمان فقال : عليّ بالصندل الأحمر ، فأتيته به ثمّ قال : أتعرفني؟ قلت : نعم. قال : من أنا؟ فقلت : أنت سيّدي وابن سيّدي. فقال : ليس عن هذا أسألك. قال ظريف : قلت : جعلني الله فداك فبيّن لي قال : أنا خاتم الأوصياء ، بي يدفع الله عزوجل البلاء عن أهلي وشيعتي(٢).

الحادي عشر : ممّن رآه في حياة أبيه عليها‌السلام : فيه عن عبد الله الستوري قال : صرت إلى بستان بني هاشم فرأيت غلمانا يلعبون في غدير ماء ، وفتى جالس على مصلّى واضعا كمه على فيه ، فقلت من هذا؟ فقالوا : م ح م د بن الحسن بن علي عليه‌السلام وكان في صورة أبيه (٣).

الثاني عشر : ممّن رآه في حياة أبيه عليهما‌السلام : وفيه عن عبد الله بن جعفر الحميري قال : كنت مع أحمد بن إسحاق عند العمري رضي‌الله‌عنه فقلت للعمري : إنّي أسألك عن مسألة كما قال الله عزوجل في قصّة إبراهيم (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (٤) هل رأيت صاحبي؟فقال لي : نعم وله عنق مثل ذي ، وأومأ بيده جميعا إلى عنقه. قال : قلت له : فالاسم؟ قال : إيّاك أن تبحث عن هذا فإنّ عند القوم أنّ هذا النسل قد انقطع (٥).

الثالث عشر : ممّن رآه هو ، أمّه نرجس وهذه في الحقيقة معجزة واضحة : اعلم أنّه لما علم خلفاء بني عبّاس بالأخبار النبوية والآثار المروية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة ما مضمونها : أنّ المهدي المنتظر سيظهر من صلب الحسن العسكري عليه‌السلام ، ويملأ الله به الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا ، وينتقم من أعداء آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله خصوصا من بني العبّاس وبني امية ، فلذلك صاروا في صدد إطفاء نوره ، ويأبى الله إلّا أن يتمّ نوره ، وقد بالغوا وجدّوا واجتهدوا فلم ينفعهم الجدّ حيث كانت يد الله فوق أيديهم (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ

__________________

(١) كمال الدين : ٤٠٧ ، وتبصرة الولي : ٧٦٦ ح ٢٤.

(٢) كمال الدين : ٤٤١ ، والهداية الكبرى : ٣٥٨ وفيه زيادة : القوام بدين الله.

(٣) ينابيع المودّة : ٣ / ٣٣٠ عن كمال الدين : ٤٤٢.

(٤) سورة البقرة : ٢٦٠.

(٥) كمال الدين باب ٤٤ ح ١٤ ، وأعلام الورى : ٣٩٦ باب ١.

٣٢٠