إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

الشيخ علي اليزدي الحائري

إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي اليزدي الحائري


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

بدعائه ولا يسكت إلّا دعونا له. فقلت له : يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك هذا لمن معك في القصر أرأيت من كان في أطراف الأرض. قال : يا رميلة ليس يغيب عنّا مؤمن في شرق الأرض ولا في غربها (١).

وفي الكافي عن مفضل بن عمر قال : أتينا إلى باب أبي عبد الله عليه‌السلام ونحن نريد الإذن عليه فسمعناه يتكلّم بكلام ليس بالعربية فتوهّمنا أنّه بالسريانية ثمّ بكى فبكينا لبكائه ثمّ خرج إلينا الغلام فأذن لنا فدخلنا عليه فقلت : أصلحك الله أتيناك ونريد الإذن عليك فسمعناك تتكلّم بكلام ليس بالعربية فتوهّمنا أنّه بالسريانية ثمّ بكيت فبكينا لبكائك. فقال عليه‌السلام : نعم ذكرت إلياس النبي عليه‌السلام وكان من عبّاد أنبياء بني إسرائيل فقلت كما يقول في سجوده ، ثمّ اندفع فيه بالسريانية. فلا والله ما رأينا قسّا ولا جاثليقا أفصح لهجة منه ثمّ فسّره لنا بالعربية فقال : كان يقول في سجوده أتراك معذّبي وقد أظمأت لك هو اجري ، أتراك معذّبي وقد عفّرت لك في التراب وجهي ، أتراك معذّبي وقد اجتنبت لك المعاصي ، أتراك معذّبي وقد أسهرت لك ليلي ، قال : فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإنّي غير معذّبك. قال : فقال : إن قلت لا أعذّبك ثمّ عذبتني كان ما ذا ألست عبدك وأنت ربّي. قال : فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإنّي غير معذّبك فإنّي إذا وعدت وعدا وفيت به (٢).

وفي البحار عن الثمالي عن علي عليه‌السلام : لو ثنيت لي وسادة لحكمت بين أهل القرآن بالقرآن حتّى يزهر إلى الله ولحكمت بين أهل التوراة بالتوراة حتّى يزهر إلى الله ولحكمت بين أهل الإنجيل بالإنجيل حتّى يزهر إلى الله ولحكمت بين أهل الزبور بالزبور حتّى يزهر إلى الله ، ولو لا آية في كتاب الله لأنبئنّكم بما يكون حتّى تقوم الساعة (٣).

وفيه عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ الله تعالى لمّا أنزل ألواح موسى عليه‌السلام أنزلها عليه وفيها تبيان كلّ شيء وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة. فلمّا انقضت أيّام موسى عليه‌السلام أوحى الله إليه أن استودع الألواح وهي زبرجدة من جبل الجنّة ، فأتى موسى الجبل فانشق له الجبل فجعل فيه الألواح ملفوفة ، فلمّا جعلها فيه انطبق الجبل عليها فلم تزل في الجبل حتّى بعث الله محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله نبيّه ، فأقبل ركب من اليمن يريدون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلمّا انتهوا

__________________

(١) البحار : ٢٦ / ١٤٠ ح ١١.

(٢) الكافي : ١ / ٢٢٧ ح ٢.

(٣) البحار : ٢٦ / ١٨٢ ح ٨ وبصائر الدرجات : ١٥٤.

٢١

إلى الجبل انفرج الجبل وخرجت الألواح ملفوفة كما وصفها موسى فأخذها القوم فلمّا وقعت في أيديهم ألقي في قلوبهم أن لا ينظروا إليها وهابوها حتّى يأتوا بها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنزل الله جبرئيل على نبيّه وأخبره بأمر القوم وبالذي أصابوا ، فلمّا قدموا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ابتدأهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فسألهم عمّا وجدوا. فقالوا : وما علمك بما وجدنا؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أخبرني به ربّي وهي الألواح. فقالوا : نشهد أنّك رسول الله ، فأخرجوها ودفعوها إليه ، فنظر إليها وقرأها وكتابها بالعبراني ، ثمّ دعا أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : دونك هذه ففيها علم الأوّلين وعلم الآخرين وهي ألواح موسى وقد أمرني ربّي أن أدفعها إليك قال : يا رسول الله لست احسن قراءتها. قال : إنّ جبرئيل أمرني أن آمرك أن تضعها تحت رأسك ليلتك هذه فإنّك تصبح وقد علمت قراءتها ، فجعلها تحت رأسه فأصبح وقد علّمه الله كلّ شيء فيها ، فأمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن ينسخها في جلد شاة ، وهو الجفر وفيه علم الأوّلين والآخرين وهو عندنا والألواح ، وعصا موسى عندنا ونحن ورثنا النبي (١).

في الكافي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : نحن شجرة النبوّة وبيت الرحمة ومفاتيح الحكمة ومعدن العلم وموضوع الرسالة ومختلف الملائكة وموضوع سرّ الله ، ونحن وديعة الله في عباده ونحن حرم الله الأكبر ونحن ذمّة الله ونحن عهد الله ، فمن وفى بعهدنا فقد وفى بعهد الله ومن خفرها (٢) فقد خفر ذمّة الله وعهده (٣).

في الكافي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : والله إنّي لأعلم كتاب الله من أوّله إلى آخره كانّه في كفّي ، فيه خبر السماء وخبر الأرض وخبر ما كان وخبر ما هو كائن ، قال الله عزوجل : «فيه تبيان كلّ شيء» (٤).

في الكافي عن عبد الرّحمن بن كثير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) (٥) ففرج أبو عبد الله بين أصابعه فوضعها في صدره ثمّ قال : وعندنا علم الكتاب كلّه (٦).

__________________

(١) روضة الواعظين : ٢١٠ ، والبصائر : ٢٠٣ ، البحار : ٢٦ / ١٨٧ ح ٢٥.

(٢) خفرها : نقضها.

(٣) الكافي : ١ / ٢٢١ ح ٣.

(٤) الكافي : ١ / ٦١ بتفاوت.

(٥) النمل : ٤٠.

(٦) الكافي : ١ / ٢٢٩ ح ٥.

٢٢

وفيه عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إنّ اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا وإنّما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلّم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتّى تناول السرير بيده ثمّ عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين ، ونحن عندنا من الاسم الأعظم اثنان وسبعون حرفا ، وحرف عند الله تعالى استأثر به في علم الغيب عنده ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم (١).

في الكافي عن أبي عبد الله عليه‌السلام يقول : ألواح موسى عندنا وعصا موسى عندنا ونحن ورثة النبيّين (٢).

وفيه عن أبي جعفر عليه‌السلام : إنّ القائم إذا قام بمكّة وأراد أن يتوجّه إلى الكوفة نادى مناديه : ألا لا يحمل أحد منكم طعاما ولا شرابا ، ويحمل حجر موسى بن عمران وهو وقر بعير فلا ينزل منزلا إلّا انبعث عين منه فمن كان جائعا شبع ومن كان ظامئا روي فهو زادهم حتّى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة (٣).

في الكافي عن سعيد السمان قال : كنت عند أبي عبد الله إذ دخل عليه رجلان من الزيدية فقالا له : أفيكم إمام مفترض الطاعة؟ قال فقال : لا (٤).

فقالا له : قد أخبرنا عنك الثقات أنّك تفتي وتقرّ وتقول به وتسميتهم لك فلان وفلان وهم أصحاب ورع وتشمير (٥) ، وهم ممّن لا يكذب ، فغضب أبو عبد الله عليه‌السلام وقال : ما أمرتهم بهذا ، فلمّا رأيا الغضب في وجهه خرجا. فقال لي : أتعرف هذين؟ قلت : نعم هما من أهل سوقنا وهما من الزيدية وهما يزعمان أنّ سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند عبد الله بن الحسن. فقال : كذبا لعنهم الله والله ما رآه عبد الله بن الحسن بعينيه ولا بواحدة من عينيه ولا رآه أبوه ، اللهمّ إلّا أن يكون رآه عند علي بن الحسين عليهما‌السلام فإن كانا صادقين فما علامة في مقبضه؟ وما أثر في موضع مضربه؟ وإنّ عندي لسيف رسول الله وإنّ عندي لراية رسول الله ودرعه ولأمته

__________________

(١) الكافي : ١ / ٢٣٠ ح ١.

(٢) الكافي : ١ / ٢٣١ ح ٢.

(٣) الكافي : ١ / ٢٣١ ح ٣.

(٤) قوله عليه‌السلام : «لا» تقية ، ولعله أراد تورية : ليس فينا إمام لا بد له من الخروج بزعمكم ، لأن الزيدية لا يعتقدون بإمامة الإمام إلا إذا خرج بالسيف.

(٥) التشمير : بمعنى شمّر ورفع الثوب للصلاة ، ويكنى به هنا عن التقوى والطهارة.

٢٣

ومغفره (١) ، وإن كانا صادقين فما علامة درع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ وإنّ عندي لراية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المغلبة ، وإنّ عندي ألواح موسى وعصاه وإنّ عندي لخاتم سليمان بن داود عليهما‌السلام ، وإنّ عندي الطست الذي كان موسى يقرب بها القربان ، وإنّ عندي الاسم الذي كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة ، وإنّ عندي كمثل الذي جاءت به الملائكة (٢) ، ومثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل ، كانت بنو إسرائيل في أي أهل بيت وجد التابوت على أبوابهم اوتوا النبوّة ، ومن صار إليه السلاح منّا اوتي الإمامة وقد لبس أبي درع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخطت على الأرض خطيطا ولبستها أنا فكانت وكانت ، وقائمنا إذا لبسها ملأها إن شاء الله (٣).

وفيه عن أبي جعفر عليه‌السلام : إنّما مثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل أينما دار التابوت دار الملك وأينما دار السلاح فينا دار العلم (٤).

وفيه سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الجعفر قال : هو جلد ثور مملوء علما. قال له : فالجامعة؟ قال : تلك الصحيفة طولها سبعون ذراعا في عرض الأديم مثل فخذ الفالج (٥) ، فبها كلّ ما يحتاج الناس إليه وليس من قضية إلّا وهي فيها حتّى أرش الخدش. قال : فمصحف فاطمة عليها‌السلام؟ قال : فسكت طويلا ثمّ قال : إنّكم لتبحثون عمّا تريدون وعمّا لا تريدون ، إنّ فاطمة عليها‌السلام مكثت بعد رسول الله سبعين يوما كان دخلها حزن شديد على أبيها وكان جبرئيل عليه‌السلام يأتيها ويحسن عزاءها على أبيها ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ويخبرها بما يكون بعدها في ذريّتها فكان علي يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة (٦).

في الكافي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أي إمام لا يعلم ما يصيبه وإلى ما يصير فليس ذلك بحجّة الله على خلقه (٧).

وفيه عن حسن بن جهم ، قلت للرضا : إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قد عرف قاتله والليلة التي يقتل فيها والموضع الذي يقتل فيه وقوله لمّا سمع صياح الإوز في الدار : صوائح تتبعها

__________________

(١) اللأمة : نوع من الدروع. والمغفر : النسيج يلبس تحت القلنسوة.

(٢) المراد التابوت كما في البقرة تحمله الملائكة.

(٣) الكافي : ١ / ٢٣٢ ح ١.

(٤) الكافي : ١ / ٢٣٨ ح ٢.

(٥) الأديم : الجلد المدبوغ ، والفالج : الجمل العظيم ذو السنامين.

(٦) الكافي : ١ / ٢٤١ ح ٥.

(٧) الكافي : ١ / ٢٥٨ ح ١.

٢٤

نوائح ، وقول أمّ كلثوم : لو صلّيت الليلة داخل الدار وأمرت غيرك يصلّي بالناس فأبى عليها ، وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح وقد عرف أنّ ابن ملجم قاتله بالسيف ، كان هذا ممّا لم يجز تعرّضه. فقال : ذلك كان ولكنّه خيّر في تلك الليلة لتمضي مقادير الله عزوجل(١).

وفيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كنت عند أبي في اليوم الذي قبض فيه فأوصاني بأشياء في غسله وفي كفنه ودخوله في قبره قلت : يا أباه والله ما رأيتك منذ اشتكيت بأحسن منك اليوم ، ما رأيت عليك أثر الموت فقال : يا بني أما سمعت علي بن الحسين عليهما‌السلام ينادي من وراء الجدار : يا محمّد ، تعال عجّل (٢).

في الكافي عن أبي جعفر عليه‌السلام نزل جبرئيل برمّانتين من الجنّة من الجنّة فلقيه علي عليه‌السلام فقال : ما هاتان الرمّانتان اللتان في يدك؟ فقال : أمّا هذه فالنبوّة ليس لك فيها نصيب وأمّا هذه فالعلم ثمّ فلقها رسول الله بنصفين فأعطاه نصفها وأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نصفها ثمّ قال : أنت شريكي فيه. قال : فلم يعلم والله رسول الله حرفا ممّا علّمه الله إلّا وقد علّمه عليّا ثمّ انتهى العلم إلينا ثمّ وضع يده على صدره (٣).

الكافي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ علمنا غابر ومزبور ونكت في القلوب ونقر في الأسماع.

فقال : أمّا الغابر فما تقدّم من علمنا وأمّا المزبور فما يأتينا وأمّا النكت في القلوب فإلهام وأمّا النقر في الأسماع فأمر الملك (٤).

الكافي عن أبي بصير قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : من أين أصاب أصحاب علي ما أصابهم مع علمهم بمناياهم وبلاياهم؟ قال : فأجابني شبه المغضب : ممّن ذلك الأمر إلّا منهم. فقلت : ما يمنعك جعلت فداك. قال : ذلك باب أغلق إلّا أن الحسين بن علي عليهما‌السلام فتح منه شيئا يسيرا. ثمّ قال : يا أبا محمّد إنّ اولئك كان على أفواههم أوكية (٥).

الكافي عن سدير قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ قوما يزعمون أنّكم آلهة يتلون علينا بذلك قرآنا (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) (٦) فقال : يا سدير سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء برآء ، وبرئ الله منهم ورسوله ، ما هؤلاء على ديني ولا

__________________

(١) الكافي : ١ / ٢٥٩ ح ٤.

(٢) الكافي : ١ / ٢٦٠ ح ٧.

(٣) الكافي : ١ / ٢٦٣ ح ٣.

(٤) الكافي : ١ / ٢٦٤ ح ٣.

(٥) الكافي : ١ / ٢٦٥ ح ٢.

(٦) الزخرف : ٨٤.

٢٥

على دين آبائي ، والله لا يجمعني الله وإيّاهم يوم القيامة إلّا وهو ساخط عليهم. قال : قلت:وعندنا قوم يزعمون أنّكم رسل يقرءون علينا بذلك قرآنا (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (١) فقال : يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء برآء وبرئ الله منهم ورسوله ، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي ، والله لا يجمعني الله وإيّاهم يوم القيامة إلّا وهو ساخط عليهم قال : قلت : فما أنتم؟قال : نحن خزّان علم الله نحن تراجمة أمر الله نحن قوم معصومون ، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا ، نحن الحجّة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض (٢).

وفيه عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن علم العالم. قال لي : يا جابر إنّ في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح روح القدس وروح الايمان وروح الحياة وروح القوّة وروح الشهوة ، فبروح القدس يا جابر عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى. ثمّ قال : يا جابر إنّ هذه الأربعة يصيبها الحدثان إلّا روح القدس فإنّها لا تلهو ولا تلعب (٣).

وفيه عن مفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخى عليه ستره. قال : يا مفضّل إنّ الله تبارك وتعالى جعل في النبي خمسة أرواح روح الحياة فبه دبّ ودرج ، وروح القوّة فبه نهض وجاهد ، وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال وروح الإيمان فبه آمن وعدل ، وروح القدس فبه حمل النبوّة فإذا قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انتقل روح القدس فصار إلى الإمام ، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو ، والأربعة الأرواح تنام وتغفل وتلهو وتزهو ، وروح القدس كان يرى به (٤).

الكافي : سئل أبو عبد الله عن قول الله عزوجل (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (٥) قال : خلق أعظم من جبرائيل وميكائيل لم يكن مع أحد ممّن مضى غير محمّد وهو مع الأئمّة يسدّدهم وليس كلّما طلب وجد (٦).

الكافي : عن أبي عبد الله عليه‌السلام حين سئل عن الإمام متى يعرف إمامته وينتهي الأمر إليه ،

__________________

(١) المؤمنون : ٥١.

(٢) الكافي : ١ / ٢٦٩ ح ٦.

(٣) الكافي : ١ / ٢٧٢ ح ٢.

(٤) الكافي : ١ / ٢٧٢ ح ٣.

(٥) الإسراء : ٨٥.

(٦) الكافي : ١ / ٢٧٣ ح ٣.

٢٦

قال : في آخر دقيقة تبقى من حياة الأوّل (١).

الكافي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال (الَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) (٢) قال : الذين آمنوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام وذريّته الأئمّة والأوصياء ألحقنا بهم ولم ينقص ذريتهم الحجّة التي جاء بها محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله في علي وحجّتهم واحدة وطاعتهم واحدة (٣).

الكافي عن بريد العجلي : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قوله الله عزوجل (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) (٤) (٥) قال : إيّانا عنى أن يؤدّوا الأوّل إلى الإمام الذي بعده الكتب والعلم والسلاح وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل الذي في أيديكم. ثمّ قال للناس (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٦) إيّانا عنى خاصّة ، أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا فإن خفتم تنازعا في أمر فردّوه إلى الله وإلى الرسول وأولي الأمر منكم ، كذا نزلت ، وكيف يأمرهم الله عزوجل بطاعة ولاة الأمر ويرخص في منازعتهم إنّما قيل ذلك للمأمورين الذين قيل لهم (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٧).

الكافي عن أبي بصير : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فذكروا الأوصياء وذكرت إسماعيل فقال : لا ، والله يا أبا محمّد ما ذاك إلينا وما هو إلّا إلى الله عزوجل ينزل واحدا بعد واحد(٨).

وفيه عنه عليه‌السلام : أترون الموصي منّا يوصي إلى من يريد لا والله ولكن عهد من الله ورسوله لرجل فرجل حتّى ينتهي الأمر إلى صاحبه (٩).

وفيه عنه عليه‌السلام : إنّ الإمامة عهد من الله عزوجل معهود لرجال مسمّين ليس للإمام أن يزويها عن الذي يكون من بعده ، إنّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود عليه‌السلام أن اتخذ وصيّا من أهلك فإنّه قد سبق في علمي أن لا أبعث نبيّا إلّا وله وصي من أهله ، وكان لداود عليه‌السلام أولاد عدّة فيهم غلام كانت أمّة عند داود وكان لها محبّا فدخل داود عليه‌السلام عليها حين أتاه الوحي

__________________

(١) الكافي : ١ / ٢٧٥ ح ٣.

(٢) الطور : ٢١.

(٣) الكافي : ١ / ٢٧٥ ح ١.

(٤) النساء : ٥٨.

(٥) الكافي : ١ / ٢٧٥ ح ١.

(٦) النساء : ٥٩.

(٧) الكافي : ١ / ١٨٧ ح ٧.

(٨) الكافي : ١ / ٢١١ ح ٦.

(٩) الكافي : ١ / ٢٧٧ ح ٢.

٢٧

فقال لها : إنّ الله عزوجل أوحى إليّ يأمرني أن أتّخذ وصيّا من أهلي. فقالت له امرأته : فليكن ابني. قال : ذاك اريد. وكان السابق في علم الله المحتوم عنده أنّه سليمان فأوحى الله تبارك وتعالى لداود أن لا تعجل دون أن يأتيك أمري فلم يلبث داود عليه‌السلام أن ورد عليه رجلان يختصمان في الغنم والكرم فأوحى الله عزوجل إلى داود أن اجمع ولدك فمن قضى بهذه القضية فأصاب فهو وصيّك من بعدك فجمع داود عليه‌السلام ولده فلمّا أن قصّ الخصمان قال سليمان: يا صاحب الكرم متى دخلت غنم هذا الرجل كرمك؟ قال : دخلته ليلا ، قال : قد قضيت عليك يا صاحب الغنم بأولاد غنمك وأصوافها في عامك هذا. ثمّ قال له داود :فكيف لم تقض برقاب الغنم وقد قوّم ذلك علماء بني إسرائيل فكان ثمن الكرم قيمة الغنم؟ فقال سليمان عليه‌السلام : إنّ الكرم لم يجتثّ من أصله وإنّما أكل حمله وهو عائد في قابل فأوحى الله عزوجل إلى داود أنّ القضاء في هذه القضية ما قضى سليمان به ، يا داود أردت أمرا وأردنا أمرا غيره ، فدخل داود على امرأته فقال : أردنا أمرا وأراد الله أمرا غيره ، لم يكن إلّا ما أراد الله عزوجل فقد رضينا بأمر الله عزوجل وسلّمنا. وكذلك الأوصياء ليس لهم أن يتعدوا بهذه فيتجاوزون صاحبه إلى غيره.

قال الكليني رحمه‌الله : معنى الحديث الأوّل أن الغنم لو دخلت الكرم نهارا لم يكن على صاحب الغنم شيء لأنّ لصاحب الغنم أن يسرح غنمه بالنهار ترعى وعلى صاحب الكرم حفظه ، وعلى صاحب الغنم أن يربط غنمه ليلا ولصاحب الكرم أن ينام في بيته (١).

وفيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أترون أن الموصي منّا يوصي إلى من يريد؟ لا والله ولكنّه عهد رسول الله إلى رجل فرجل حتّى انتهى إلى نفسه (٢).

الكافي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ الوصية نزلت من السماء على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله كتابا ، لم ينزل على محمّد كتاب محتوم إلّا الوصيّة ، فقال جبرئيل : يا محمّد هذه وصيّتك في أمّتك عند أهل بيتك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أي أهل بيتي يا جبرئيل؟ قال : نجيب الله منهم وذريته ليرثك علم النبوّة كما ورّثه إبراهيم وميراثه لعلي وذريّتك من صلبه. قال : وكان عليها خواتيم قال : ففتح علي عليه‌السلام الخاتم الأوّل ومضى لما فيها ، ثمّ فتح الحسن الخاتم الثاني ومضى لما امر به ونهي ، فلمّا توفّي الحسن عليه‌السلام ومضى فتح الحسين عليه‌السلام الخاتم الثالث فوجدها : أن قاتل

__________________

(١) الكافي : ١ / ٢٧٨ ح ٣.

(٢) الكافي : ١ / ٢٧٧ ح ٢.

٢٨

فاقتل وتقتل واخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم إلّا معك. قال : فأفعل ففعل عليه‌السلام. فلمّا مضى دفعها إلى علي بن الحسين قبل ذلك ففتح الخاتم الرابع فوجد فيها : أن اصمت وأطرق لما حجب العلم ، فلمّا توفّي ومضى دفعها إلى محمّد بن علي عليه‌السلام وفتح الخامس فوجد فيها : أن فسّر كتاب الله وصدق أباك وورث ابنك واصطنع الامّة وقم بحق الله عزوجل وقل الحقّ في الخوف والأمن ولا تخش إلّا الله ففعل ، ثمّ دفعها إلى الذي يليه. قال : قلت له : جعلت فداك فأنت هو؟ قال : فقال : ما بي إلّا أن تذهب يا معاذ فتروي عنّي. قال : فقلت : أسأل الله الذي رزقك من آبائك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك مثلها قبل الممات. قال : قد فعل الله ذلك يا معاذ. قال : فقلت : فمن هو جعلت فداك؟ قال : هذا الراقد ، وأشار بيده إلى العبد الصالح وهو راقد (١).

وفي رواية وكذلك يدفعه موسى إلى الذي بعده ثمّ كذلك إلى قيام المهدي عليه‌السلام (٢).

__________________

(١) الكافي : ١ / ٢٧٩ ح ١ ويريد بالعبد الصالح : موسى بن جعفر عليه‌السلام.

(٢) الكافي : ١ / ٢٨٠ ح ٢.

٢٩

الثمرة الرابعة

في جامع صفاتهم صلوات الله عليهم

في البحار عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام : للإمام علامات ، يكون أعلم الناس وأحكم الناس وأتقى الناس وأحلم الناس وأشجع الناس وأسخى الناس وأعبد الناس ، ويولد مختونا ويكون مطهرا ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه ، ولا يكون له ظلّ ، وإذا وقع إلى الأرض من بطن أمّه وقع على راحتيه رافعا صوته بالشهادتين ، ولا يحتلم ، وتنام عيناه ولا ينام قلبه ، ويكون محدّثا ، ويستوى عليه درع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يرى له بول ولا غائط ؛ لأنّ الله عزوجل قد وكّل الأرض بابتلاع ما يخرج منه وتكون رائحته أطيب من رائحة المسك ، ويكون أولى الناس منهم بأنفسهم وأشفق عليهم من آبائهم وأمّهاتهم ويكون أشدّ تواضعا لله عزوجل ويكون آخذ الناس بما يأمر به وأكفّ الناس عمّا ينهى عنه ، ويكون دعاؤه مستجابا حتّى إنّه لو دعا على صخرة لانشقّت بنصفين ويكون عنده سلاح رسول الله وسيفه ذو الفقار وتكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة ويكون عنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعا فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم ويكون عنده الجفر الأكبر والأصغر ، إهاب ماعز وإهاب كبش فيها جميع العلوم حتّى أرش الخدش وحتّى الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة ، ويكون عنده مصحف فاطمة عليها‌السلام (١).

وفيه في حديث آخر : إنّ الإمام مؤيّد بروح القدس وبينه وبين الله عزوجل عمود من نور يرى فيه أعمال العباد ، وكلّما احتاج إليه لدلالة اطّلع عليه ويبسط له فيعلم ويقبض عنه فلا يعلم ، والإمام يولد ويلد ويصحّ ويمرض ويأكل ويشرب ويبول ويتغوّط وينكح وينام وينسّى ويسهو (٢) ويفرح ويحزن ويضحك ويبكي ويحيى ويموت ويقبر فيزار ويحشر ويوقف ويعرض ويسأل ويتاب ويكرم ويشفع ، ودلالته في الخصلتين : في العلم واستجابة

__________________

(١) البحار : ٢٥ / ١١٦ ح ١.

(٢) في عيون أخبار الرضا : لا ينسى ولا يسهو.

٣٠

الدعوة ، وكلّما أخبر به من الحوادث التي تحدث قبل كونها فذلك بعهد معهود إليه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله توارثه عن آبائه عنهم ويكون ذلك ممّا عهده إلى جبرئيل عن علّام الغيوب عزوجل ، وجميع الأئمّة الأحد عشر بعد النبي قتلوا ، منهم بالسيف وهو أمير المؤمنين والحسين والباقون قتلوا بالسّم ، قتل كلّ واحد منهم طاغية زمانه وجرى ذلك عليهم على الحقيقة والصحّة لا كما تقوله الغلاة والمفوّضة لعنهم الله ، فإنّهم يقولون : إنّهم عليهم‌السلام لم يقتلوا على الحقيقة وأنّه شبّه للناس أمرهم ، وكذبوا عليهم غضب الله ، فإنّه ما شبه أمر أحد من أنبياء الله وحججه للناس إلّا أمر عيسى ابن مريم وحده لأنّه رفع من الأرض حيّا وقبض روحه بين السماء والأرض ، ثمّ رفع إلى السماء وردّ عليه روحه وذلك قول الله عزوجل (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ) (١) وقال عزوجل حكاية لقول عيسى يوم القيامة (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٢).

ويقول المتجاوزون للحدّ في أمر الأئمّة : إنّه جاز أن يشبه أمر عيسى للناس فلم لا يجوز أن يشبه أمرهم عليهم‌السلام أيضا؟ والذي يجب أن يقال لهم : إنّ عيسى مولود من غير أب فلم لا يجوز أن يكونوا مولودين من غير آباء ، فإنّهم لا يجسرون على إظهار مذهبهم لعنهم الله في ذلك ، ومتى جاز أن يكون جميع أنبياء الله ورسله وحججه بعد آدم عليه‌السلام مولودين من الآباء والامّهات وكان عيسى مولودا من غير أب جاز أن يتشبّه للناس أمره دون أمر غيره من الأنبياء والحجج ، كما جاز أن يولد من غير أب دونهم وإنّما أراد الله عزوجل أن يجعل أمره آية وعلامة ليعلم بذلك أنّه على كلّ شيء قدير (٣).

وفي البحار عن مشارق البرسي عن طارق بن شهاب عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : يا طارق الإمام كلمة الله وحجّة الله ووجه الله ونور الله وحجاب الله وآية الله ، يختاره الله ويجعل فيه ما يشاء ويوجب بذلك الطاعة والولاية على جميع خلقه ، فهو وليّه في سماواته وأرضه أخذ له بذلك العهد على جميع عباده ، فمن تقدّم عليه كفر بالله من فوق عرشه ، فهو يفعل ما يشاء وإذا شاء الله شاء ، ويكتب على عضده (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً) (٤) فهو الصدق

__________________

(١) آل عمران : ٥٥.

(٢) المائدة : ١١٧.

(٣) البحار : ٢٥ / ١١٩ ح ٢.

(٤) الأنعام : ١١٥.

٣١

والعدل ، وينصب له عمود من نور من الأرض إلى السماء يرى فيه أعمال العباد ، ويلبس الهيبة وعلم الضمير ويطّلع على الغيب ، ويرى ما بين المشرق والمغرب فلا يخفى عليه شيء من عالم الملك والملكوت ، ويعطى منطق الطير عند ولايته فهذا الذي يختاره الله لوحيه ويرتضيه لغيبه ويؤيّده بكلمته ويلقنه حكمته ويجعل قلبه مكان مشيئته وينادى له بالسلطنة ويذعن له بالإمرة ويحكم له بالطاعة ، وذلك لأنّ الإمامة ميراث الأنبياء ومنزلة الأصفياء وخلافة الله وخلافة رسل الله ، فهي عصمة وولاية وسلطنة وهداية ، لأنّها تمام الدين ورجح الموازين.

الإمام دليل القاصدين ومنار للمجتهدين وسبيل السالكين وشمس مشرقة في قلوب العارفين ، ولايته سبب للنجاة وطاعته مفترضة في الحياة وعدة بعد الممات ، وعزّ المؤمنين وشفاعة المذنبين ونجاة المحبّين وفوز التابعين ، لأنّها رأس الإسلام وكمال الإيمان ومعرفة الحدود والأحكام وحدّ سنن الحلال من الحرام فهي مرتبة لا ينالها إلّا من اختاره الله وقدّمه وولّاه وحكمه ، فالولاية هي حفظ الثغور وتدبير الامور وتعديد الأيّام والشهور.

الإمام الماء العذب على الظمأ والدالّ على الهدى.

الإمام المطهّر من الذنوب المطّلع على الغيوب.

الإمام هو الشمس الطالعة على العباد بالأنوار فلا تناله الأيدي والأبصار ، وإليه الإشارة بقوله تعالى (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (١) والمؤمنون علي وعترته فالعزّة للنبي والعترة لا يفترقان في العزّة إلى آخر الدهر ، فهم رأس دارة الايمان وقطب الوجود وسماء الجود وشرف الموجود وضوء شمس الشرف ونور قمره وأصل العزّ والمجد ومبدأه ومعناه ومبناه ، فالإمام هو السراج الوهّاج والسبيل والمنهاج والماء الثجاج والبحر العجاج (٢) والبدر المشرق والغدير المغدق والمنهج الواضح المسالك والدليل إذا عميت المهالك والسحاب الهاطل والغيث الهائل والبدر الكامل والدليل الفاضل والسماء الظليلة والنعمة الجليلة ، والبحر الذي لا ينزف والشرف الذي لا يوصف والعين الغزيرة والروضة المطيرة والزهر الأريج والبدر البهيج والنير اللائح والطيب الفائح والعمل الصالح والمتجر الرابح والمنهج

__________________

(١) المنافقون : ٨.

(٢) الوهّاج : شديد الاتّقاد. الثجاج : شديد الانصباب. العجاج : الصيّاح.

٣٢

الواضح والطيّب الرفيق والأب الشفيق ، مفزع العباد في الدواهي والحاكم والآمر والناهي ، مهيمن الله على الخلائق وأمينه على الحقائق ، حجّة الله على عباده ومحجّته في أرضه وبلاده ، مطهّر من الذنوب مبرّأ من العيوب مطّلع على الغيوب ، ظاهره أمر لا يملك وباطنه غيب لا يدرك ، واحد دهره وخليفة الله في نهيه وأمره ، لا يوجد له مثيل ولا يقوم له بديل ، فمن ذا ينال معرفتنا أو يعرف درجتنا ويشهد كرامتنا أو يدرك منزلتنا ، حارت الألباب والعقول وتاهت الأفهام فيما أقول ، تصاغرت العظماء وتفاخرت العلماء وكلّت الشعراء وخرست البلغاء ولكنت الخطباء وعجزت الفصحاء وتواضعت الأرض والسماء عن وصف شأن الأوصياء ، وهل يعرف أو يوصف أو يعلم أو يفهم أو يدرك أو يملك من هو شعاع جلال الكبرياء وشرف الأرض والسماء؟ جلّ مقام آل محمّد عن وصف الواصفين ونعت الناعتين ، وأن يقاس بهم أحد من العالمين ، كيف وهم الكلمة العليا والتسمية البيضاء والوحدانية الكبرى التي أعرض عنها من أدبر وتولّى وحجاب الله الأعظم الأعلى ، فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول من هذا؟ ومن ذا عرف أو وصف من وصفت؟ ظنّوا أنّ ذلك في غير آل محمّد ، كذبوا وزلّت أقدامهم ، اتّخذوا العجل ربّا والشياطين حزبا وكلّ ذلك بغضة لبيت الصفوة ودار العصمة وحسدا لمعدن الرسالة والحكمة ، وزيّن لهم الشيطان أعمالهم ، فتبّا لهم وسحقا ، كيف اختاروا إماما جاهلا عابد الأصنام ، جبانا يوم الزحام ، والإمام يجب أن يكون عالما لا يجهل وشجاعا لا ينكل لا يعلو عليه حسب ولا يدانيه نسب ، فهو في الذروة من قريش والشرف من هاشم والبقية من إبراهيم والمتمتع من النبع الكريم ، والنفس من الرسول والرضا من الله والقول عن الله ، فهو شرف الأشراف والفرع من عبد مناف ، عالم بالسياسة قائم بالرئاسة مفترض الطاعة إلى يوم الساعة ، أودع الله قلبه سرّه وأطلق به لسانه فهو معصوم موفّق ليس بجبان ولا جاهل فتركوه يا طارق واتّبعوا أهواءهم ومن أضلّ ممّن اتّبع هواه بغير هدى من الله ، والإمام يا طارق بشر ملكي وجسد سماوي وأمر إلهي وروح قدسي ومقام عليّ ونور جليّ وسرّ خفيّ ، فهو ملكي الذات إلهي الصفات زائد الحسنات. عالم بالمغيبات مدحضا من ربّ العالمين ونصّا من الصادق الأمين جبرئيل ، وهذا كلّه لآل محمّد لا يشاركهم فيه مشارك ، لأنّهم معدن التنزيل ومعنى التأويل وخاصّة الربّ الجليل ومهبط الأمين جبرئيل ، صفوة الله وسرّه وكلمته ، شجرة النبوّة ومعدن الصفوة ،

٣٣

عين المقالة ومنتهى الدلالة ومحكم الرسالة ونور الجلالة وجنب الله ووديعته وموضع خلفاء النبي الكريم وأبناء الرءوف الرحيم وأمناء العليّ العظيم ، (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١) السنام الأعظم والطريق الأقوم من عرفهم وأخذ عنهم فهو منهم ، وإليه الإشارة بقوله (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) (٢) خلقهم الله من نور عظمته وولّاهم أمر مملكته فهم سرّ الله المخزون وأولياؤه المقرّبون وأمرهم بين الكاف والنون ، لا بل هم الكاف والنون ، إلى الله يدعون وعنه يقولون وبأمره يعملون ، علم الأنبياء في علمهم وسرّ الأوصياء في سرّهم وعزّ الأولياء في عزّهم ، كالقطرة في البحر والذرّة في القفر. والسماوات والأرض عند الإمام كيده من راحته يعرف ظاهرها من باطنها ويعلم برّها من فاجرها ورطبها من يابسها ، لأنّ الله علّم نبيّه علم ما كان وما يكون وورث ذلك السرّ المصون الأوصياء المنتجبون ومن أنكر ذلك فهو شقيّ ملعون يلعنه الله ويلعنه اللاعنون.

وكيف يفرض الله على عباده طاعة من يحجب عنه ملكوت السماوات والأرض وإنّ الكلمة من آل محمّد تنصرف إلى سبعين وجها وكلّ ما في الذكر الحكيم والكتاب الكريم والكلام القديم من آية تذكر فيها العين والوجه واليد والجنب فالمراد منها الولي ، لأنّه جنب الله ووجه الله نعني حقّ الله وعلم الله وعين الله ويد الله ، فهم الجنب العلي والوجه الرضي والمنهل الروي والصراط السويّ والوسيلة إلى الله والوصلة إلى عفوه ورضاه ، سرّ الواحد والأحد فلا يقاس بهم من الخلق أحد ، فهم خاصّة الله وخالصته وسرّ الديّان وكلمته وباب الإيمان وكعبته وحجّة الله ومحجّته وأعلام الهدى ورايته [وفضل الله. كلمة الله ومفتاح حكمته ، مصابيح رحمته وينابيع نعمته ، السبيل إلى الله والسلسبيل والقسطاس المستقيم والمنهاج القويم والذكر الحكيم والوجه الكريم والنور القديم ، أهل التشريف والتقويم والتقديم والتعظيم والتفضيل] (٣) ورحمته ، وعين اليقين وحقيقته وصراط الحقّ وعصمته ومبدأ الوجود وغايته وقدرة الربّ ومشيئته ، وأمّ الكتاب وخاتمته وفصل الخطاب ودلالته وخزنة الوحي وحفظته ، آية الذكر وتراجمته ومعدن التنزيل ونهايته ، فهم الكواكب العلوية والأنوار العلوية المشرقة من شمس العصمة الفاطمية في سماء العظمة المحمّدية والأغصان

__________________

(١) آل عمران : ٣٤.

(٢) إبراهيم : ٣٦.

(٣) ما بين معكوفين زيادة من نسخة ثانية.

٣٤

النبوية النابتة في الدوحة الأحمدية والأسرار الإلهية المودعة في الهياكل البشرية ، والذرية الزكية والعترة الهاشمية الهادية المهدية ، أولئك هم خير البرية فهم الأئمّة الطاهرون والعترة المعصومون والذرية الأكرمون والخلفاء الراشدون والكبراء الصدّيقون والأوصياء المنتخبون والأسباط المرضيون والهداة المهديون والغرّ الميامين من آل طه ويس وحجج الله على الأوّلين والآخرين ، واسمهم مكتوب على الأحجار وعلى أوراق الأشجار وعلى أجنحة الأطيار وعلى أبواب الجنّة والنار وعلى العرش والأفلاك وعلى أجنحة الأملاك وعلى حجب الجلال وسرادقات العزّ والجمال وباسمهم تسبّح الأطيار وتستغفر لشيعتهم الحيتان في لجج البحار ، وإنّ الله لم يخلق أحدا إلّا وأخذ عليه الإقرار بالوحدانية والولاية للذرية الزكية والبراءة من أعدائهم ، وإنّ العرش لم يستقرّ حتّى كتب عليه بالنور : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علي وليّ الله (١).

__________________

(١) البحار : ٢٥ / ١٧٤ ـ ١٦٩ باب ٤ ح ٣٨ ومشارق أنوار اليقين : ١١٤ ط. الأعلمي.

٣٥

الثمرة الخامسة

في معرفة الإمام عليه‌السلام

في البحار عن محمّد بن صدقة سأل أبو ذرّ الغفاري سلمان الفارسي رحمه‌الله وقال : يا أبا عبد الله ما معرفة أمير المؤمنين عليه‌السلام بالنورانية؟ قال جندب : فامض بنا حتّى نسأله عن ذلك. قال : فأتينا فلم نجده فانتظرناه حتّى جاء. قال صلوات الله عليه : ما جاء بكما؟ قالا: جئناك يا أمير المؤمنين نسألك عن معرفتك بالنورانية. قال عليه‌السلام : مرحبا بكما من وليّين متعاهدين لدينه لستما بمقصّرين ، لعمري إنّ ذلك الواجب على كلّ مؤمن ومؤمنة. ثمّ قال : يا سلمان ويا جندب.

قالا : لبّيك يا أمير المؤمنين ، قال : إنّه لا يستكمل أحد الإيمان حتّى يعرفني كنه معرفتي بالنورانية فإذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن الله قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وصار عارفا مستبصرا ، ومن قصّر عن معرفة ذلك فهو شاكّ ومرتاب. يا سلمان ويا جندب قالا : لبّيك يا أمير المؤمنين ، قال عليه‌السلام : معرفتي بالنورانية معرفة الله عزوجل ومعرفة الله عزوجل معرفتي بالنورانية وهو الدين الخالص الذي قال الله تعالى (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (١) يقول : ما أمروا إلّا بنبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو دين الحنيفية المحمّدية السمحة ، وقوله : (وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ) فمن أقام ولايتي فقد أقام الصلاة ، وإقامة ولايتي صعب مستصعب لا يحتمله إلّا ملك مقرّب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ، فالملك إذا لم يكن مقرّبا لم يحتمله والنبي إذا لم يكن مرسلا لم يحتمله والمؤمن إذا لم يكن ممتحنا لم يحتمله. قلت : يا أمير المؤمنين من المؤمن؟ وما نهايته؟ وما حدّه حتّى أعرفه؟ قال : يا أبا عبد الله. قلت : لبّيك يا أخا رسول الله. قال : المؤمن الممتحن هو الذي لا يردّ من أمرنا إليه شيء إلّا شرح صدره لقبوله ولم يشكّ ولم يرتد. اعلم يا أبا ذرّ : أنا عبد الله عزوجل وخليفته على عباده لا تجعلونا أربابا وقولوا في

__________________

(١) البيّنة : ٥.

٣٦

فضلنا ما شئتم فإنّكم لم تبلغوا كنه ما فينا ولا نهايته ، فإنّ الله عزوجل قد أعطانا أكبر وأعظم ممّا يصفه واصفكم أو يخطر على قلب أحدكم ، إذا عرفتمونا هكذا فأنتم المؤمنون. قال سلمان : قلت: يا أخا رسول الله ومن أقام الصلاة أقام ولايتك؟ قال : نعم يا سلمان تصديق ذلك قوله تعالى في الكتاب العزيز (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) (١) فالصبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والصلاة إقامة ولايتي فمنها قال الله تعالى (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) ولم يقل وإنّهما لكبيرة لأنّ الولاية كبير حملها إلّا على الخاشعين ، والخاشعون هم الشيعة المستبصرون بفضلي لأنّ أهل الأقاويل من المرجئة والقدرية والخوارج وغيرهم من الناصبية يقرّون لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس بينهم خلاف ، وهم مختلفون في ولايتي منكرون لذلك جاحدون بها إلّا القليل ، وهم الذين وصفهم الله في كتابه العزيز فقال (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ).

وقال الله تعالى في موضع آخر في كتابه العزيز في نبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي ولايتي فقال عزوجل (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) (٢) فالقصر محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله والبئر المعطّلة ولايتي عطّلوها وجحدوها ، ومن لم لم يقرّ بولايتي لم ينفعه الإقرار بنبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ألا إنّهما مقرونان ، وذلك أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نبي مرسل وهو إمام الخلق ووصيّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي مرسل بعدي ، وأوّلنا محمّد وأوسطنا محمّد وآخرنا محمّد فمن استكمل معرفتي فهو على الدين القيّم كما قال الله تعالى (ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) وسأبين ذلك بعون الله تعالى وتوفيقه.

يا سلمان ويا جندب! قالا : لبّيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك ، قال : كنت أنا ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله نورا واحدا من نور الله عزوجل فأمر الله تبارك وتعالى ذلك النور أن يشقّ فقال للنصف : كنّ محمّدا وقال للنصف : كنّ عليّا ، فمنها قال رسول الله : علي منّي وأنا من علي ولا يؤدّي عنّي إلّا علي ، وقد وجّه أبا بكر ببراءة إلى مكّة فنزل جبرئيل فقال : يا محمّد. قال : لبّيك. قال : إنّ الله يأمرك أن تؤدّيها أنت أو رجل منك ، فوجّهني في استرداد أبي بكر فرددته فوجد في نفسه وقال : يا رسول الله أنزله في القرآن؟ قال : لا ولكن لا يؤدّي إلّا أنا أو علي. يا سلمان ويا جندب. قالا : لبيك يا أخا رسول الله. قال : من لا يصلح لحمل صحيفة يؤدّيها عن

__________________

(١) البقرة : ٤٥.

(٢) الحج : ٤٥.

٣٧

رسول الله كيف يصلح للإمامة؟ يا سلمان ويا جندب فأنا ورسول الله نور واحد صار رسول الله محمّد المصطفى وصرت أنا وصيّه المرتضى ، وصار محمّد الناطق وصرت أنا الصامت ، وإنّه لا بدّ في كلّ عصر من الأعصار أن يكون فيه ناطق وصامت. يا سلمان صار محمّد المنذر وصرت أنا الهادي وذلك قوله عزوجل (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (١) فرسول الله المنذر وأنا الهادي (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ. عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ. سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ. لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) (٢).

قال : فضرب بيده على الأخرى وقال : صار محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله صاحب الجمع وصرت أنا صاحب النشر وصار محمّد صاحب الجنّة وصرت أنا صاحب النار ، أقول لها خذي هذا وذري هذا ، وصار محمّد صاحب الرجفة وصرت أنا صاحب الهدة وأنا صاحب اللوح المحفوظ ، ألهمني الله عزوجل علم ما فيه ، نعم يا سلمان ويا جندب صار محمّد (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) (٣) وصار محمد (ن وَالْقَلَمِ) (٤) وصار محمد (طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) (٥) وصار محمّد صاحب الدلالات ، وصرت أنا صاحب المعجزات والآيات وصار محمد خاتم النبيّين وصرت أنا خاتم الوصيّين ، وأنا الصراط المستقيم وأنا النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون ولا أحد اختلف إلّا في ولايتي ، وصار محمد صاحب الدعوة وصرت أنا صاحب السيف وصار محمّد نبيّا مرسلا وصرت أنا صاحب أمر النبيّ ، قال الله عزوجل (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) (٦) وهو روح الله لا يعطيه ولا يلقي هذا الروح إلّا على ملك مقرّب أو نبي مرسل أو وصي منتجب فمن أعطاه الله هذا الروح فقد أبانه من الناس وفوّض إليه القدرة وأحيى الموتى وعلم بما كان وما يكون وسار من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق في لحظة عين وعلم ما في الضمائر والقلوب وعلم ما في السماوات والأرض. يا سلمان ويا جندب وصار محمد الذكر الذي قال الله عزوجل (قَدْ

__________________

(١) الرعد : ٧.

(٢) الرعد : ٨ ـ ١١.

(٣) يس : ١ ـ ٢.

(٤) القلم : ١.

(٥) طه : ١ ـ ٢.

(٦) غافر : ١٥.

٣٨

أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ) (١) إنّي أعطيت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب واستودعت علم القرآن وما هو كائن إلى يوم القيامة ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أقام الحجّة حجّة للناس وصرت أنا حجّة الله عزوجل ، جعل الله لي ما لم يجعل لأحد من الأولين والآخرين لا لنبي مرسل ولا لملك مقرّب.

يا سلمان ويا جندب ، قالا : لبيك يا أمير المؤمنين ، قال : أنا الذي حملت نوحا في السفينة بأمر ربّي (٢) ، وأنا الذي أخرجت يونس من بطن الحوت بإذن ربّي ، وأنا الذي جاوزت بموسى ابن عمران البحر بإذن ربّي ، وأنا الذي أخرجت إبراهيم من النار بإذن ربّي ، وأنا الذي أجريت أنهارها وفجّرت عيونها وغرست أشجارها بإذن ربّي ، وأنا عذاب يوم الظلمة (٣) وأنا المنادي من مكان قريب قد سمعه الثقلان الجنّ والإنس وفهمه قوم إنّي لأسمع كلّ قوم ؛ الجبّارين والمنافقين بلغاتهم ، وأنا الخضر معلّم موسى وأنا معلّم سليمان بن داود وأنا ذو القرنين وأنا قدرة الله عزوجل. يا سلمان ويا جندب أنا محمّد ومحمّد أنا وأنا من محمّد ومحمّد منّي. قال الله (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) (٤). يا سلمان ويا جندب ، قالا : لبّيك يا أمير المؤمنين ، قال : إنّ ميّتنا لم يمت وغائبنا لم يغب وإن قتلانا لم يقتلوا. يا سلمان ويا جندب ، قالا : لبّيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك ، قال : أنا أمير كلّ مؤمن ومؤمنة ممّن مضى وممّن بقي وأيّدت بروح العظمة ، وإنّما أنا عبد من عبيد الله لا تسمّونا أربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنّكم لم تبلغوا من فضلنا كنه ما جعله الله لنا ولا معشار العشر ، لأنّا آيات الله ودلائله وحجج الله وخلفاؤه وأمناء الله وأئمّته ووجه الله وعين الله ولسان الله ، بنا يعذّب الله عباده وبنا يثيب ، ومن بين خلقه طهّرنا واختارنا واصطفانا ولو قال قائل لم وكيف وفيم كفر وأشرك ، لأنّه لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون. يا سلمان ويا جندب. قالا : لبّيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك ، قال عليه‌السلام : من آمن بما قلت وصدّق

__________________

(١) الطلاق : ١١.

(٢) قال العلامة المجلسي في البحار : قوله : أنا الذي حملت نوحا ... لو صح صدور الخبر عنه عليه‌السلام لاحتمل أن يكون المراد به وبأمثاله أن الأنبياء عليهم‌السلام بالاستشفاع بنا والتوسل بأنوارنا رفعت عنهم المكاره والفتن كما دلت عليه الأخبار الصحيحة ، انتهى.

وقد أوضحنا ذلك في كتابنا «آل محمد بين قوسي النزول والصعود» ط. دار الهادي.

(٣) في المصدر : يوم الظلّة.

(٤) الرحمن : ١٩ ـ ٢٠.

٣٩

بما بيّنت وفسّرت وشرحت وأوضحت ونورت وبرهنت فهو مؤمن ممتحن امتحن الله قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وهو عارف مستبصر قد انتهى وبلغ وكمل ، ومن شك وعند وجحد ووقف وتحيّر وارتاب فهو مقصّر وناصب. يا سلمان ويا جندب ، قالا : لبّيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك.

قال : أنا احيي واميت بإذن ربّي وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم بإذن ربّي ، وأنا عالم بضمائر قلوبكم ، والأئمّة من أولادي يعلمون ويفعلون هذا إذا أحبّوا وأرادوا إنّا كلّنا واحد ؛ أوّلنا محمّد وآخرنا محمّد وأوسطنا محمّد وكلّنا محمّد ، فلا تفرّقوا بيننا ، ونحن إذا شئنا شاء الله وإذا كرهنا كره الله (١) ، الويل كلّ الويل لمن أنكر فضلنا وخصوصيتنا وما أعطانا الله ربّنا ؛ لأنّ من أنكر شيئا ممّا أعطانا الله فقد أنكر قدرة الله عزوجل ومشيئته فينا. يا سلمان ويا جندب. قالا : لبّيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك. قال : لقد أعطانا الله ربّنا ما هو أجلّ وأعظم وأعلى وأكبر من هذا كلّه.

قلنا : يا أمير المؤمنين ما الذي أعطاكم ما هو أجلّ وأعظم من هذا كلّه؟ قال عليه‌السلام : قد أعطانا ربّنا عزوجل ، علمنا الاسم الأعظم الذي لو شئنا خرقنا السماوات والأرض والجنّة والنار ونعرج به إلى السماء ونهبط به الأرض ونغرّب ونشرّق وننتهي به إلى العرش فنجلس عليه بين يدي الله عزوجل ويطيعنا كلّ شيء حتّى السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والبحار والجنّة والنار ، أعطانا الله ذلك كلّه بالاسم الأعظم الذي علّمنا وخصّنا به ، ومع هذا كلّه نأكل ونشرب ونمشي في الأسواق نعمل هذه الأشياء بأمر ربّنا ونحن عباد الله المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون وجعلنا معصومين مطهّرين وفضّلنا على كثير من عباده المؤمنين فنحن نقول الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا الله وحقّت كلمة العذاب على الكافرين ، أعني الجاحدين بكلّ ما أعطانا الله من الفضل والإحسان. يا سلمان ويا جندب فهذا معرفتي بالنورانية فتمسّك بها راشدا مهديّا فإنّه لا يبلغ أحد من شيعتنا حدّ الاستبصار حتى يعرفني بالنورانية فإذا عرفني بها كان مستبصرا بالغا كاملا قد خاض بحرا من العلم وارتقى درجة من الفضل

__________________

(١) أي مشيئتهم متعلقة بمشيئة الله ، فهم عليهم‌السلام لا يشاءون ما يخالف مشيئة الله تعالى ولا يكرهون إلا ما يكرهه تعالى.

٤٠