إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

الشيخ علي اليزدي الحائري

إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي اليزدي الحائري


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

ذلك ، وعنده محمد بن شهاب الزهري قال : ما ترى في هذا الأمر العجيب؟ فقال الزهري : أرى وأظنّ أنّ جنّا كانوا موكلين بما في تلك المدينة ، حفظة لها ، يخيلون إلى من كان صعدها ، قال عبد الملك : فهل علمت من أمر المنادي من السماء شيئا؟ قال : أله عن هذا يا أمير المؤمنين. قال عبد الملك : كيف ألهو عن ذلك وهو أكبر أقطاري؟ لتقولن بأشد ما عندك في ذلك ساءني أم سرّني. فقال الزهري : أخبرني علي بن الحسين عليه‌السلام أنّ هذا المهدي عجل الله فرجه من ولد فاطمة بنت رسول الله ، فقال عبد الملك : كذبتما لا تزالان ترحضان في بولكما وتكذبان في قولكما ، ذلك رجل منّا.

قال الزهري : أما أنا فرويته لك عن علي بن الحسين عليه‌السلام ، فإن شئت فاسأله عن ذلك ولا لوم علي فيما قلته لك ، فإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يقول.

فقال عبد الملك : لا حاجة بي إلى سؤال بني أبي تراب ، فخفض عليك يا زهري بعض هذا القول فلا يسمعه منك أحد. قال الزهري : لك عليّ ذلك (١).

__________________

(١) مقتضب الأثر : ٤٤ والبحار : ٥١ / ١٦٤.

٢٢١

الفرع التاسع

في ذكر الدجّال وبعض أخباره وحالاته

وهو المسيح الكذّاب والقبيح المرتاب الذي استحق بسوء اختياره أليم العذاب ، واستوجب شديد العقاب ، المعروف بالأعور الدجّال عليه من الله اللعنة على الدوام والاتصال.

في الدمعة الساكبة عن مشكاة المصابيح عن أبي بكرة : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يمكث أبوا الدجّال ثلاثين عاما لا يولد لهما ولد ، ثمّ يولد لهما غلام أعور أخرس ـ أي عظيم السن ـ وأقلّه منفعة ـ تنام عيناه ولا ينام قلبه ، ثمّ نعت لنا رسول الله أبويه فقال : أبوه طويل ضرب اللحم (١) ، كأنّ أنفه منقار ، وأمّة امرأة فرضاخية (٢) طويلة اليدين ، فقال أبو بكرة : فسمعنا بمولود في اليهود بالمدينة فذهبت أنا والزبير بن العوّام حتّى دخلنا على أبويه ، فإذا نعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيهما ، فقلنا : هل لكما ولد؟ فقالا : مكثنا ثلاثين عاما لا يولد لنا ولد ثمّ ولد لنا غلام أعور أخرس وأقلّه منفعة ، تنام عيناه ولا ينام قلبه. قال : فخرجنا من عندهما فإذا هو منجدل في الشمس في قطيفة وله همهمة فكشف عن رأسه فقال : ما قلتما؟ قلنا : وهل سمعت ما قلنا؟ قال : نعم تنام عيناي ولا ينام قلبي (٣).

في الكافي عن ابن عمر : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى ذات يوم بأصحابه الفجر ، ثمّ قام مع أصحابه حتّى أتى باب دار المدينة ، فطرق الباب فخرجت إليه امرأة فقالت : ما تريد يا أبا القاسم؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أمّ عبد الله استأذني لي على عبد الله ، فقالت : يا أبا القاسم ، وما تصنع بعبد الله فو الله إنّه لمجهود (٤) في عقله ، يحدث في ثوبه ، وإنّه ليراودني على الأمر

__________________

(١) ضرب اللحم : خفيف اللحم المستدق كما في النهاية.

(٢) الفرضاخية : الضخمة العظيمة.

(٣) مصابيح البغوي : ٣ / ٥١٤ ح ٤٢٥٧ والمصنف لابن أبي شيبة : ٨ / ٦٥٢ ح ٢٧.

(٤) المجهود : المضروب.

٢٢٢

العظيم. فقال : استأذني لي عليه ، فقالت : أعلى ذمتك؟ قال : نعم. قالت : ادخل فدخل فإذا هو في قطيفة يهينم (١) فيها. فقالت أمّه : اسكت واجلس ، هذا محمّد أتاك ، فسكت ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما لها لعنها الله ، لو تركتني لأخبرتكم أهو هو ، ثمّ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما ترى؟

قال : أرى حقّا وباطلا وأرى عرشا على الماء ، فقال : اشهد أن لا إله إلّا الله وأني رسول الله ، فقال : بل تشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله ، فما جعلك الله بذلك أحقّ منّي. فلمّا كان في اليوم الثاني صلّى بأصحابه الفجر ثمّ نهض فنهضوا معه حتّى طرق الباب ، فقالت أمّه : ادخل فدخل فإذا هو في نخلة يفرد فيها ، فقالت له أمّه : اسكت وانزل هذا محمّد قد أتاك ، فسكت ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما لها لعنها الله لو تركتني لأخبرتكم أهو هو ، فلمّا كان في اليوم الثالث صلّى بأصحابه الفجر ، ثمّ نهض فنهضوا معه حتّى أتى ذلك المكان فإذا هو في غنم ينعق بها ، فقالت له أمّه : اسكت واجلس هذا محمّد قد أتاك ، وقد كانت نزلت في ذلك اليوم آيات من سورة الدخان ، فقرأها لهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في صلاة الغداة ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : اشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله فقال : بل تشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله ، وما جعلك الله بذلك أحقّ منّي ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي قد خبّأت لك خبيئا ، فقال : الدخ الدخ ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : اخسأ فإنّك لن تعدو أجلك ولن تبلغ أملك ولن تنال إلّا ما قدّر لك ، ثمّ قال لأصحابه : أيّها الناس ما بعث الله نبيّا إلّا وقد أنذر قومه الدجّال ، وإنّ الله عزوجل ادخره إلى يومكم هذا ، فمهما تشابه عليكم من أمره فإنّ ربّكم ليس بأعور ، إنّه يخرج على حمار ، عرض ما بين أذنيه ميل ، يخرج ومعه جنّة ونار وجبل من خبز ونهر من ماء ، أكثر أتباعه اليهود والنساء والأعراب ، يدخل آفاق الأرض كلّها إلّا مكة وبيتها ، ولا المدينة ولا أبنيتها (٢).

أقول : الهينمة صوت خفي. أهو أهو : أي أما تقولون ألوهية إله أم لا. أرى عرشا على الماء : أي عرش إبليس على البحر. قد خبأت لك خبيئا : أي أضمرت لك شيئا فأخبرني.

الدخ : بالضم والفتح الدخان أراد بذلك (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) (٣).

وفي عمدة ابن بطريق : انطلق عمر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في رهط إلى ابن صياد حتّى وجده

__________________

(١) الهينمة : الصوت الخفي.

(٢) الخرائج والجرائح : ٣ / ١١٤١.

(٣) الدخان : ١٠.

٢٢٣

يلعب مع الصبيان عند أطم (١) بني مغالة ، وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم فلم يشعر حتّى ضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ظهره بيده ، ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لابن صياد : اشهد أنّي رسول الله ، فنظر إليه ابن صياد قال : أشهد أنك رسول الاميين ، فقال ابن صياد لرسول الله : اشهد أنّي لرسول الله ، فقال : آمنت بالله وبرسوله ، ثمّ قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما ذا ترى؟ قال ابن صياد:يأتيني صادق وكاذب ، فقال رسول الله : خلط عليك الأمر ، ثمّ قال له رسول الله : إنّي خبأت لك خبيئا فقال ابن الصياد : هو الدخ ، فقال له رسول الله : اخسأ فلن تعدو قدرك ، فقال عمر بن الخطّاب : ذرني يا رسول الله أضرب عنقه؟ فقال رسول الله : إن يكن هو فلن تسلّط عليه ، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله (٢).

وفيه : انطلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ذلك وأبي بن كعب إلى النخلة التي فيها ابن صياد شيئا حتّى إذا دخل رسول الله طفق يتقي بجذوع النخل ، وهو يحتال أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه ابن صياد ، فرآه رسول الله وهو مضطجع على فراشه في قطيفة له فيها زمزمة ، فرأت أمّ ابن صياد رسول الله وهو يتّقي بجذوع النخل ، فقالت لابن صياد : يا صاف ـ وهو اسم ابن صياد ـ هذا محمد ، فثار ابن صياد فقال رسول الله : لو تركته بين ، فقام رسول الله في الناس فأثنى على الله تعالى بما هو أهله ثمّ ذكر الدجّال فقال : لانذركموه ، وما من نبي إلّا وقد أنذر قومه ، لقد أنذر نوح قومه ، ولكن أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه تعلّموا أنّه أعور وإنّ الله ليس بأعور (٣).

وفيه إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان حذّر الناس الدجّال أنه مكتوب بين عينيه : كافر ، يقرأه كلّ من كره عمله ، أو يقرأه كلّ مؤمن. وقال : هلموا إنّه لن يرى أحد منكم ربّه حتّى يموت ، وابن صياد هو الدجّال (٤).

وفيه إنّ جابر بن عبد الله يحلف بالله أنّ ابن صياد هو الدجّال. فقيل : تحلف بالله! قال : سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم ينكره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥).

(في البيان) روي عن عامر بن شراحيل الشعبي : شعب شمذان دخل على فاطمة بنت

__________________

(١) الأطم : الحصن كما في غريب الحديث : ٢ / ٧٣.

(٢) العمدة : ٤٤٠ بتفاوت وكمال الدين : ٥٢٨.

(٣) كتاب الفتن لنعيم : ٣١٧ ، العمدة : ٤٤١.

(٤) العمدة : ٤٤١ ح ٩٢٥.

(٥) المصدر السابق.

٢٢٤

قيس اخت الضحّاك بن قيس وكانت من المهاجرات الاول فقال : حدّثيني حديثا سمعته عن رسول الله لا يسند إلى أحد غيره؟ فقالت : لئن شئت لأفعلن. فقال لها : أجل حدّثيني. فقالت : نكحت ابن المغيرة ، وكان من خيار شباب قريش يومئذ فأصيب في أوّل الجهاد مع رسول الله ، ولما تأيّمت (١) خطبني عبد الرّحمن بن عوف في نفر من أصحاب محمد ، وخطبني رسول الله على مولاه اسامة بن زيد وكنت حدثت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من أحبّني فليحبّ اسامة ، فلمّا كلّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قلت : أمري بيدك فأنكحني من شئت. فقال : انتقلي إلى بيت أمّ شريك ، وأمّ شريك امرأة غنية عظيمة النفقة في سبيل الله تنزل عليه الضيفان ، فقلت : سأفعل ، قال : لا تفعلي إنّ أمّ شريك كثيرة الضيفان فإنّي أكره أن يسقط عنك خمارك ، وينكشف الثوب عن ساقيك فيرى القوم منك بعض ما تكرهين ، ولكن انتقلي إلى ابن عمّك عبد الله بن عمرو بن أمّ مكتوم ، وهو رجل من بني فهر قريش وهو من البطن الذي هي منه ، فانتقلت إليه فلما انقضت عدّتي سمعت نداء المنادي ، منادي رسول الله ينادي : الصلاة جامعة فخرجت إلى المسجد فصلّيت مع رسول الله ، فكنت في الصفّ الذي يلي ظهور القوم.

فلمّا فرغ رسول الله من صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال : ليلزم كلّ إنسان مصلّاه ثمّ قال : هل تدرون لم جمعتكم؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. فقال : إنّي والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأنّ تميما كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم ، وحدّثني حديثا وافق الذي احدّثكم عن مسيح الدجال ، حدّثني أنّه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام فلعب بهم الموج شهرا في البحر ثم أرفئوا إلى جزيرة في البحر حين مغرب الشمس ، فجلسوا في ما يقرب السفينة فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة ، أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره لكثرة الشعر فقالوا : ويلك من أنت؟ قالت : أنا الجسّاسة. قالوا : وما الجسّاسة؟ قالت : أيّها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنّه إلى خبركم بالأشواق. قال : سمت لنا رجلا فزعنا منها أن تكون شيطانة.

قال : انطلقنا سريعا حتّى دخلنا الدير فإذا أعظم إنسان ما رأيناه قط خلقا وأشدّه وثاقا ، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد قلنا : ويلك ما أنت؟ قال : قدرتم

__________________

(١) تأيمت : أصبحت من الأيامى.

٢٢٥

على خبري فأخبروني ما أنتم؟ قلنا : نحن اناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم فلعب بنا الموج شهرا ثمّ أرفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة فلقينا دابة أهلب كثيرة الشعر لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر فقلنا : ويلك ما أنت؟

قالت : أنا الجساسة. قلنا : ما الجساسة؟ قالت : اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنّه إلى خبركم بالأشواق. فأقبلنا إليك سراعا وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة. فقال : أخبروني عن هزبيسان؟ قلنا : عن أي شأنها تستخبر؟ قال : أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ فقلنا له : نعم ، فقال : أما إنّه يوشك أن لا يثمر ، قال : أخبرونا عن بحيرة طبرية. قلنا : عن أي شأنها تستخبر؟

قال : هل فيها ماء؟ قالوا : هي كثيرة الماء. قال : أما إنّ ماءها يوشك إن يذهب. قال : أخبروني عن عين زعز؟ قلنا : عن أي شأنها تستخبر؟ قال : هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له : نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها. قال : أخبروني عن نبي الاميين ما فعل؟ قالوا : قد خرج مهاجرا من مكّة ونزل يثرب. قال : أقاتله العرب؟ قلنا : نعم. قال : كيف صنع بهم؟ قال : فأخبرناه أنّه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه. قال لهم : قد كان ذاك؟ قلنا : نعم. قال : أما إنّ ذاك خير لهم أن يطيعوه وإنّي أخبركم عنّي : إنّي أنا المسيح الدجّال ، وإنّي اوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلّا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محرّمتان علي كلتاهما ، كلّما أردت أن أدخل واحدة ـ أو واحدا ـ منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدّني عنها ، وإنّ على كلّ نقب منها ملائكة يحرسونها.

قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وطعن بمخصرته في المنبر : هذه طيبة ، هذه طيبة ، هذه طيبة يعني المدينة. ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ فقال الناس : نعم ، [قال :] فإنّه أعجبني حديث تميم إنّه وافق الذي كنت أحدّثكم عنه وعن مكة والمدينة ، ألا إنّه في بحر الشام أو بحر اليمن ، لا بل من قبل المشرق ، ما هو من قبل المشرق ، ما هو من المشرق ما هو ، وأومى بيده ، قالت : فحفظت هذا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

__________________

(١) سنن أبي داود : ٢ / ٣٢٠ ح ٤٣٢٧ وكنز العمال : ١٤ / ٢٩١ ح ٣٨٧٤١.

٢٢٦

الفرع العاشر

في أن اثني عشر لا ينطبق في بني أميّة كما زعم

ولا في بني العبّاس ، بل في بني فاطمة عليهم‌السلام

اعلم أنّه إذا تأمّل المنصف عرف أنّ الأحاديث الشريفة النبوية في خصوص الاثني عشر لا تنطبق إلّا على مذهب الإمامية لقرائن كثيرة منها : أنّ خليفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا بدّ وأن يكون عالما عاملا عاقلا ورعا تقيّا حاويا للخصال الحميدة ومنزها عن الصفات القبيحة ، تاركا لما يجب وينبغي تركه ، بصيرا حاذقا ، إلى غير ذلك ممّا هو من لوازم خلافة مثله صلى‌الله‌عليه‌وآله المبعوث لهداية الخلق وتهذيبهم وتكميلهم وتزكيتهم وتعليمهم الكتاب والحكمة ، فمن خلفه وجلس مجلسه لا بدّ وأن يكون له حظّ وافر من ذلك حتّى يصدق عليه الخلافة التي أخبر بها من جهة نبوّته ورسالته ، لا من حيث سلطنته وملكيّته وغلبته على البلاد والعباد ، مع أنّ في طرق بعض الأخبار المذكورة : يعمل بالهدى ودين الحقّ ، وجعلهم بمنزلة نقباء بني إسرائيل وحواريي عيسى عليه‌السلام وقيام الدين وعزّته بهم ، وعزّة الدين بصلاح أهله لا بسعة الملك وكثرة المال وإن لم يكن لهم حظّ من الدين إلّا الإقرار باللسان ، وهذا المعنى في هذا العدد من هذه القبيلة لم يتّفق بالاتّفاق إلّا في الاثني عشر الذين اتخذهم الإمامية ، فإنّهم عند جمع من أهل السنّة علماء حكماء صلحاء عبّاد زاهدون جامعون لكلّ ما ينبغي أن يكون في الخليفة ، كما لا يخفى على المتتبّع في الأخبار.

وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء : قال القاضي عياض : لعلّ المراد بالاثني عشر في الأحاديث وما شابهها أنّهم يكونون في مدّة عزّة الخلافة وقوّة الإسلام واستقامة اموره ، والاجتماع على من يقوم بالخلافة ، وقد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني امية ، ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد ، فاتصلت بينهم إلى أن قامت الدولة العبّاسية فاستأصلوا أمرهم.

وأيّده ابن حجر في شرح البخاري قال : كلام القاضي عياض أحسن ما قيل في الحديث

٢٢٧

وأرجحه ؛ لأنّ في بعض طرق الحديث : «كلّهم يجتمع عليه الناس» وهو انقيادهم لبيعته ، والذي وقع أنّ الناس اجتمعوا على أبي بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ علي إلى أن وقع أمر الحكمين في صفّين فتسمّى معاوية يومئذ بالخلافة ، ثمّ اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن ثمّ اجتمعوا على ولده يزيد ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك ، ثمّ لما مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير ، ثمّ اجتمعوا على أولاده الأربعة الوليد ثمّ سليمان ثمّ يزيد ثمّ هشام ، وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز ، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين.

والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك اجتمع الناس عليه لما مات عمّه هشام فولي نحو أربع سنين ، ثمّ قاموا عليه فقتلوه وانتشرت الفتن وتغيّرت الأحوال من يومئذ ، ولم يتّفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك ؛ لأنّ يزيد بن الوليد الذي قام على ابن عمّه الوليد بن يزيد لم تطل مدّته ، بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عمّ أبيه مروان بن محمد بن مروان ، ولمّا مات يزيد ولي أخوه إبراهيم فقتله مروان ثمّ ثار على مروان بنو العبّاس إلى أن قتل ، ثمّ كان أوّل خلفاء بني العبّاس السفاح ولم تطل مدّته مع كثرة من ثار عليه ، ثمّ ولي عليه أخوه المنصور فطالت مدّته لكن خرج عليهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيين على الأندلس ، واستمرّت في أيديهم متغلبين عليها إلى أن تسمّوا بالخلافة بعد ذلك ، وانفرط الأمر إلى أن لم يبق من الخلافة إلّا الاسم في البلاد ، بعد أن كان في أيّام بني عبد الملك بن مروان يخطب للخليفة في جميع الأقطار من الأرض ، شرقا وغربا ، يمينا وشمالا ممّا غلب عليه المسلمون ، ولا يتولّى أحد في بلد من البلاد كلّها الإمارة على شيء منها إلّا بأمر الخليفة.

ومن انفراط الأمر أنّه كان في المائة الخامسة بالأندلس وحدها ستّة أنفس ، كلّهم يتسمّى بالخلافة ومعهم صاحب مصر العبيدي والعبّاس ببغداد خارجا عمّن كان يدّعي الخلافة في أقطار الأرض من العلوية والخوارج. انتهى (١).

وحاصل كلامه : أنّ المراد بالخلفاء الاثني عشر الذين أخبر بهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّهم سبب عزّ الدين ، وكلّهم يعملون بالهدى ودين الحقّ هم الخلفاء الأربعة ومعاوية وولده يزيد وعبد

__________________

(١) فتح الباري : ١٣ / ١٨٢ ط. دار المعرفة ، بيروت.

٢٢٨

الملك بن مروان ووليد بن عبد الملك وأخوه سليمان وأخوه يزيد وأخوه هشام بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز رحمه‌الله والوليد بن يزيد بن عبد الملك الملقّب بالزنديق والفاسق. والمستند أنّ الناس اجتمعوا عليهم دون غيرهم واقتصروا من شروط الخلافة بما انفرد به بعضهم في بعض طرق الحديث : وكلّهم يجتمع عليه الناس ، فمع الاجتماع يصير مصداقا للحديث النبوي الشريف سواء كان فيه العلم والهداية والعدالة والعمل بالحق ، أو كان فاقدا لجميعها (١).

ويردّ على هذا الكلام بوجوه :

الوجه الأوّل : أنّه كما قد قيد الأخبار المطلقة بما في بعض الطرق من قوله : ويعمل بالهدى ودين الحق ، فلا بدّ من تقييدها أيضا بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض طرقها : «وكلّهم يعمل بالهدى ودين الحقّ» (٢) وعليه فيخرج بعض هؤلاء ممّا لا خلاف في عدم عمله بهما.

الوجه الثاني : كيف أخرج الحسن بن علي عليهما‌السلام من هذا العدد مع أنّه صرّح به في الأوّل ، وعن سفينة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الخلافة ثلاثون عاما ثمّ يكون بعد ذلك الملك (٣). وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أوّل دينكم بدأ نبوّة ورحمة ، ثمّ يكون الخلافة والرحمة ، ثمّ يكون ملكا وجبرية ، حديث حسن. انتهى (٤). فالحسن خليفة (٥) بنص منه ، فإن عدّ الخلفاء الأربعة من الاثني عشر فلا بدّ من عدّه أيضا فيها ، وما تشبّث به من الاجتماع على فرض التسليم ، لا يعارض النصّ الصريح الصحيح ، مع أنّه لو بنى على إخراجه بعدم الاجتماع أهل الشام عليه ، يلزم إخراج والده أمير المؤمنين عليه‌السلام منها أيضا لعدم اجتماعهم عليه من أوّل خلافته إلى آخرها ، بل إخراجه عليه‌السلام منها أولى من إخراج المنصور منها لعدم اجتماع أهل الأندلس عليه ، وهم في أقصى المغرب ، ونصارى هذه المملكة أضعاف المسلمين بخلاف الشام الواقع في بحبوحة بلاد المسلمين. ومن ذلك يعلم أنّ قوله : وكلّهم يجتمع الخ من زيادة الراوي لا تصلح لتقييد الأخبار المطلقة.

__________________

(١) تاريخ الخلفاء : ١٠.

(٢) فتح الباري : ١٣ / ١٨٤.

(٣) مسند الطيالسي : ١٥١ ط. دار المعرفة ، ومسند أحمد : ٥ / ٢٢٠.

(٤) المعجم الأوسط : ٦ / ٣٤٥ والطرائف : ٣٧٩.

(٥) من الذين نصّوا على خلافة الحسن عليه‌السلام الصولي وابن حجر وغيرهما ، راجع تاريخ الخلفاء : ٢٢ الفصل الثامن ، والصواعق : ١٣٥ ط. مصر و: ٢٠٨ ط. بيروت.

٢٢٩

الوجه الثالث : أنّ ظاهر نسبة الفعل إلى أحد صدوره منه قاصدا اختيارا من غير جبر ولا إكراه ، فقوله : يجتمع على فرض التسليم أي باختيارهم ورضاهم ، وغير خفيّ أنّ اجتماع الناس على ملوك بني امية كان للقهر والغلبة والخوف منهم ، وأخذهم البيعة على الناس بسيفهم ، كما هو مشروح في السير والتواريخ ، وهل يمكن أن ينسب أحد إلى أهل مكة والمدينة وفيهم وجوه الفقهاء والمحدّثين وبقيّة الصحابة والمشايخ من أولاد المهاجرين والأنصار أنهم باختيارهم اجتمعوا على يزيد بن معاوية واختاروه لخلافة الامّة ، وهل هو إلّا لما رأوا من قهره وغلبته وتجرّيه على سفك الدماء ، فحفظوا أنفسهم ولم يلقوها إلى التهلكة فبايعه من بايع وتخلّف من تخلّف؟

الوجه الرابع : كيف جوّزوا الخلافة المنعوتة على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في جمع من بني امية وقد رووا فيهم من الذموم ما رووا؟ ففي كشف الأستار عن الإمام الثعلبي في قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) (١) قال : رأى بني امية على المنابر فساءه ذلك.

فقيل له : إنّها الدنيا يعطونها فنزل عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) قال : بلاء للناس(٢).

وفيه عن سهل بن سعد عن أبيه قال : رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بني امية ينزون على منبره نزو القردة فساءه ، فما استجمع ضاحكا حتّى مات فأنزل الله عزوجل في ذلك (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) (٣).

وفيه عن عمر بن الخطاب في قوله تعالى : (الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) (٤) قال : هما الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو امية ، فأمّا بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر ، وأمّا بنو امية فتمتعوا إلى حين (٥).

وعن الثعلبي في قوله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) (٦) نزلت في امية وبني هاشم. انتهى (٧).

أترى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يراهم كالقردة ، ويرى أنّ الله تعالى كنّى عنهم بالشجرة الملعونة ثمّ يقول

__________________

(١) الإسراء : ٦٠.

(٢) كنز العمّال : ١٤ / ٨٧ ح ٣٨٠١٤.

(٣) المستدرك للحاكم : ٤ / ٤٨٠.

(٤) إبراهيم : ٢٨ ـ ٢٩.

(٥) كنز العمّال : ٢ / ٤٤٤ ح ٤٤٥٢.

(٦) محمد : ٢٢.

(٧) الكافي : ٨ / ١٠٣ ح ٧٦.

٢٣٠

في سبعة منهم أنهم خلفاء يهدون بالحق ويعملون به ويعزّ في عصرهم الدين ، حاشا أفعاله وأقواله من التناقض.

وفيه عن ابن مسعود : قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : احذّركم سبع فتن تكون بعدي : فتنة تقبل من المدينة وفتنة تقبل من مكة وفتنة تقبل من اليمن وفتنة تقبل من الشام وفتنة تقبل من المشرق وفتنة تقبل من المغرب وفتنة من المغرب إلى بطن الشام وهي السفياني. قال ابن مسعود : فمنكم من يدرك أوّلها ومنكم من يدرك آخرها ، فكانت فتنة المدينة من قبل طلحة والزبير وفتنة مكّة من قبل عبد الله بن الزبير وفتنة الشام من قبل بني امية وفتنة بطن الشام من قبل هؤلاء (١).

الوجه الخامس : ثمّ كيف جوّزوا في خصوص بني مروان منهم أن يكون فيهم خلفاء هادون وقد لعنهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان لا يولد لأحد مولود إلّا أتى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيدعو له ، فادخل عليه مروان بن الحكم فقال : هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون (٢).

وفيه عن عمر بن يحيى قال : أخبرني جدّي [قال :] كنت جالسا مع أبي هريرة في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما بالمدينة ومعنا مروان فقال أبو هريرة : سمعت الصادق المصدّق يقول : هلاك امتي على يدي غلمة من قريش قال : مروان لعنه الله غلمة (٣).

وعن زيد بن وهب أنّه كان عند معاوية ودخل عليه مروان في حوائجه فقال : اقض حوائجي يا أمير المؤمنين فإنّي أصبحت أبا عشرة وأخا عشرة ، وقضى حوائجه ، ثمّ خرج فلمّا أدبر قال معاوية لابن عبّاس وهو معه على السرير : أنشدك بالله يا ابن عبّاس أما تعلم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ذات يوم : إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين اتخذوا مال الله عليهم دولا وعباد الله خولا وكتابه دخلا ، فإذا بلغوا تسعا وتسعين وأربعمائة كان هلاكهم أسرع من أوّل؟ فقال ابن عبّاس : اللهمّ نعم. ثمّ إنّ مروان ذكر حاجته لما حصل في بيته فوجّه ابنه عبد الملك إلى معاوية فكلّمه فيها فقضاها ، فلمّا أدبر عبد الملك قال معاوية لابن عبّاس : أنشدك الله يا ابن عبّاس أما تعلم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر هذا فقال : هذا أبو الجبابرة الأربعة؟ فقال ابن عبّاس : اللهمّ نعم ، فعند ذلك ادّعى معاوية زيادا (٤).

__________________

(١) كتاب الفتن لنعيم : ٢٨.

(٢) فيض القدير : ٢ / ٧٦ ح ١٣٢٦.

(٣) كنز العمّال : ١١ / ١٢٨ ح ٣٠٨٩٩.

(٤) كتاب الفتن لنعيم : ٧٣.

٢٣١

وفي حديث أبي هريرة : إذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلا كان مال الله دولا وعباده خولا. ونشأ للحكم بن العاص أحد وعشرون ابنا وولد لمروان بن الحكم تسعة بنين. انتهى (١).

ومع ذلك كلّه كيف رضي هؤلاء الأعلام أن يجعلوا الذين لعنهم رسول الله وعدّهم من الجبابرة من خلفاء الاثني عشر الذين يعملون بالهدى ودين الحق ، وكان الإسلام في عهدهم عزيزا منيعا مع ما وقع في عهدهم من سفك الدماء المحرّمة وهتك الفروج المحرّمة حتّى المحارم ، وحلّ الأموال المعتصمة ما لا يحصى ، والتجاهر بشرب الخمور واللعب بالقمار وغيرها بما لم يقع في عصر ، فكان الإسلام بهم ذليلا مهانا (٢).

الوجه السادس : أنّ هؤلاء الأجلّة كيف استحسنوا أن يكون يزيد بن معاوية من الخلفاء الاثني عشر العاملين بالحقّ مع ما كان عليه من الفساد ، وما صدر منه ممّا بكت وتبكي منه السبع الشداد : من وقعة الطف (٣) ومن وقعة الحرّة (٤) وهتك بيت الحرام (٥) ، وقد ألف فيها بالانفراد كتب ورسائل سوى ما في التواريخ والسير.

في كشف الأستار عن صالح بن أحمد بن حنبل قال : قلت لأبي : إنّ قوما ينسبونني إلى تولي يزيد. فقال : يا بني هل يتولّى يزيد أحد يؤمن بالله؟ فقلت : فلم لا تلعنه؟ فقال : ومتى رأيتني ألعن شيئا؟ ولم لا تلعن من لعنه الله في كتابه؟ فقلت : وأين لعن الله يزيد في كتابه ، فقرأ (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) (٦) فهل يكون فساد أعظم من القتل (٧)؟

وعن ابن حنظلة غسيل الملائكة الذي بايعه أهل المدينة قال : والله ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء ، إنّ رجلا ينكح الامّهات والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة ، والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت الله فيه بلاء حسنا. وعن الزهري أنّه قال : كان القتلى يوم الحرّة سبعمائة من وجوه الناس من قريش والأنصار

__________________

(١) مجمع الزوائد : ٥ / ٢٤٣.

(٢) راجع ما فصّله المقريزي في كتابه : النزاع والتخاصم.

(٣) أعلام الورى : ٢ / ٢٠٥.

(٤) شرح النهج لابن أبي الحديد : ٢ / ١٨ ، وينابيع المودّة : ٣ / ٣٣.

(٥) مجمع الزوائد : ٣ / ٢٩٠.

(٦) سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : ٢٣٠.

(٧) ذكره وذكر أدلّته ، ومن جوّز لعن يزيد ابن الجوزي في كتابه : الردّ على المتعصّب العنيد.

٢٣٢

والمهاجرين ووجوه الموالي ، وممّن لا يعرف من عبد وحرّ وامرأة عشرة آلاف (١).

وعن تاريخ عبد الملك العصامي : أنّ رجلا من أهل الشام وقع على امرأة في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يجد خرقة ينظف بها ، ووجد ورقة من القرآن المجيد فنظف نفسه بها ، فسبحان من لم يهلكهم بصاعقة من السماء أو بحجارة من سجيل وإنّما يعجل من يخاف الفوت (٢).

وفيه عن أبي عبيدة : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يزال أمر أمّتي قائما بالقسط حتّى يكون أوّل من يثلمه رجل يقال له يزيد (٣).

وكفاك الاستعجاب من هؤلاء الأعلام الذين عدّوه من الخلفاء الاثني عشر العاملين بالحق مع هذه المفاسد العظيمة والرزايا الجليلة التي اصيب بها الإسلام في زمانه ولم يصب بعشر معشاره بعده ، وبعد الخلفاء الذين عدّوهم من الاثني عشر الذين قام بهم الدين وأخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن بعدهم هرج. وأعجب من ذلك إخراجهم الحسن بن علي عليهما‌السلام من العدد مع ما عرفت من نصّه بخلافته ، بل انقضائها به ، وأنّ الذين يلون الأمر بعده ملوك جبّارون لا خلفاء هادون ، وما كان عليه من الفضل والعلم والتقي والسخاء والسيادة والشرافة والنسب الذي لا يدانيه أحد ، والمناقب التي لا يحصيها عدد.

الوجه السابع : أنّهم لم يذكروا المهدي في هذا العدد مع نصّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليه بالخلافة ، فإن عدّ في قبال الاثني عشر يزيد في عدد الخلفاء ، وظاهر تمام النصوص السابقة حصر العدد فيها وإلّا فيلزم دخوله فيبطل ما عيّنوه بالحدس. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعدّه (٤).

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يخرج المهدي وعلى رأسه غمامة فيها ملك ينادي : هذا هو المهدي خليفة الله فاتّبعوه (٥). إلى غير ذلك ، وحيث إنّهم لم يشترطوا التوالي وجوّزوا تخلّل زمان بلا خليفة من الاثني عشر المنصوصة كما بين يزيد وعبد الملك بن مروان بعد قتل ابن

__________________

(١) ينابيع المودّة : ٣ / ٣٣.

(٢) النصائح الكافية ، لمحمّد بن عقيل : ٣١ ط. الاولى.

(٣) مسند أبي يعلى : ٢ / ١٧٦ ح ٨٧١.

(٤) مسند أحمد : ٣ / ٣٣٣ ـ ٣٣٨.

(٥) كفاية الأثر : ١٥١.

٢٣٣

الزبير ، فاللازم عليهم أن يخرجوا يزيد بن معاوية منهم ويتمّوا العدد بالمهدي صونا للأخبار النبوية عن الاختلاف والمعارضة.

الوجه الثامن : عدّهم عبد الملك بن مروان من الخلفاء الاثني عشر العاملين بالحق الذين بعد انقضائهم يصير الهرج ، وفي عصرهم يكون الدين قائما عزيزا ، وهذا موضع التعجّب ، أليس في عهدهم هدم الحجّاج وأصحابه الكعبة الشريفة ورموها بالمنجنيق وفعلوا ما فعلوا في حرم الله تعالى من الهتك (١)؟ أليس في عهده استخفّوا بأهل المدينة وختموا في أعناق بقيّة الصحابة وأيديهم ، كجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وسهل بن سعد الساعدي ليذلّوهم بذلك وجعلوهم بمنزلة العبيد ، بل المواشي والأنعام؟ (٢) ومن عظم هذه المصيبة الفادحة قال السيوطي (٣) بعد نقلها : إنّا لله وإنّا إليه راجعون. أليس في عهده ولي الحجاج العراق وما والاها في عشرين سنة وفعل ما فعل من القتل والحبس والنهب والهدم وغيرها من الامور الفظيعة الشنيعة ما لا يدانيه أحد قبله ولا بعده. قال عمر بن عبد العزيز : لو أنّ الامم تخابثت يوم القيامة فأخرجت كلّ أمّة خبيثها ثمّ أخرجنا الحجّاج لغلبناهم.

روي : لمّا ولي عمر بن عبد العزيز جعل لا يدع شيئا ممّا كان في يده وفي يد أهل بيته من المظالم إلّا ردّها مظلمة مظلمة ، فبلغ ذلك عمر بن الوليد بن عبد الملك فكتب إليه : إنّك ازدريت على من قبلك من الخلفاء وسرت بغير سيرتهم وخصصت أهل قرابتك بالظلم والجور. فكتب إليه عمر : أمّا أوّل شأنك يا ابن الوليد كما تزعم وأمّك بنانة تطوف في سوق حمص والله أعلم بها ، اشتراها ذيبان من فيء المسلمين ، ثمّ أهداها لأبيك فحملت بك فبئس المحمول وبئس المولود ، ثمّ نشأت فكنت جبّارا عنيدا تزعم أنّي من الظالمين.

وإنّ أظلم منّي وأترك لعهد الله من استعملك صبيا سفيها على جند المسلمين ، تحكم فيهم برأيك ، فويل لك وويل لأبيك ، ما أكثر خصماء كما يوم القيامة ، وكيف ينجو أبوك من خصمائه ، وإنّ أظلم منّي وأترك لعهد الله من استعمل الحجّاج بن يوسف ليسفك الدم الحرام ويأخذ المال الحرام ، وإنّ أظلم منّي وأترك لعهد الله من استعمل قرة بن شريك

__________________

(١) الكافي : ٢ / ٦٤ ، والمصنف لابن أبي شيبة : ١ / ٣٥٢ و: ٧ / ٢٤٨.

(٢) راجع ما له من فضائح في كتاب تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٢١٤ و ٢١٨ خلافة عبد الملك بن مروان.

(٣) تاريخ الخلفاء : ٢٢٠.

٢٣٤

أعرابيا جافيا على مصر ، أذن له في المعازف واللهو والشرب ، وإنّ أظلم منّي وأترك لعهد الله من جعل للغالية البربرية سهما في خمس العرب ، فرويدا ، لو تفرّغت لك ولأهل بيتك لحملتهم على المحجّة البيضاء ، فطال ما تركتم الحقّ وأخذتم في تيهات الطريق وما وراء هذا ما أرجو أن أكون رائده أبيع رقبتك وأقسّم الثمن بين اليتامى والمساكين والأرامل ، فإنّ لكلّ فيك حقّا.

وعن تفسير النيسابوري في قوله تعالى : (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) (١) أنّ الحجّاج قتل مائة ألف وعشرين ألف رجل صبرا وأنّه وجد في سجنه ثمانون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة ، منهم ثلاثة وثلاثون ألفا ما يجب عليهم قطع ولا صلب (٢).

وعن تاريخ الخميس وتوفي في حبوسه خمسون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة ، منهم ثلاثة وثلاثون ألفا ما يجب عليهم قطع ولا صلب (٣). قتل بسببه في الحروب أضعاف ذلك ، وفضائح أعماله وشنائع أفعاله التي هلكت بها العباد وخربت بها البلاد مشروحة في السير (٤).

وعن الفقهاء والمؤرخين (٥) أنّه كان ارتفاع العراق بعد الفتح إلى زمان الحجّاج ثلاثمائة وستّين ألف ألف درهم ورجع ارتفاعها في زمان الحجّاج إلى ثمانية عشر ألف ألف درهم ، وليت شعري بأي خصلة استحق بها الخلافة المعهودة ؛ بصلاحه وعلمه وزهده في نفسه أو بنشره وترويجه معالم الإسلام ، أو بحفظه وحراسته نفوس المسلمين وقد بلغت قتلاه ما بلغت ، أو بعمارته وإحيائه الأرضين؟ فإذا كان تعيين الخلفاء المنصوصة بالميل والجزاف لا بشواهد من الكتاب والسنّة ، وسقط شرط التوالي فيما بينهم ، فكان ينبغي أن يخرجوا هؤلاء الملعونين على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويجعلوا بدلهم من بني العبّاس خصوصا بعد ما رووا في حقّهم ما يقتضي ذلك.

وعن تاريخ الخلفاء للسيوطي عن الطبراني عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رأيت بني مروان

__________________

(١) الحجرات : ١١.

(٢) العمدة : ٤٦٩ ح ٩٨٧ والبداية والنهاية : ٩ / ١٥٦.

(٣) البداية والنهاية لابن كثير : ٩ / ١٥٦ ط. دار الاحياء.

(٤) الغدير : ١٠ / ٥٢ ، وتاريخ الخلفاء : ٢٢٠.

(٥) راجع الصراط المستقيم : ٣ / ١٩٣.

٢٣٥

يتعاورون على منبري فساءني ذلك ، ورأيت بني العبّاس يتعاورون على منبري فسرّني ذلك (١). فلا أقل من إخراج بني مروان منهم وعدّ بعض العبّاسيين الذين بالغوا في مدحهم وحسن سيرتهم وسياستهم ، مثل المهتدي بالله الذي هو في بني عبّاس كعمر بن عبد العزيز في بني امية ، وأحمد الناصر الذي قال الذهبي : ولم يل الخلافة أحد أطول مدّة منه ، فإنّه أقام فيها سبعة وأربعين سنة ، ولم يزل مدّة حياته في عزوجلالة وقمع الأعداء واستظهار على الملوك ، ولم يجد ضيما ولا خرج عليه خارجي إلّا قمعه ، ولا مخالف إلّا دفعه ، وكلّ من أضمر له سوءا رماه الله بالخذلان ، وكان مع سعادة جدّه شديد الاهتمام بمصالح الملك ، لا يخفى عليه شيء من أحوال رعيّته كبارهم وصغارهم(٢).

الوجه التاسع : أنّ مقتضى كلام هؤلاء المشايخ العظام انقضاء مدّة خلافة الخلفاء الاثني عشر المنصوصة بهلاك الثاني عشر منهم ، وهو الوليد بن يزيد بن عبد الملك الذي قال السيوطي في تاريخه : كان فاسقا شاربا للخمر ، منتهكا حرمات الله ، أراد أن يشرب فوق ظهر الكعبة فمقته الناس لفسقه ، وخرجوا عليه فقتل (٣).

ونقل عن تاريخ الخميس أنّه ولد لأخي أمّ سلمة ولد سمّوه الوليد ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : سمّيتموه باسم فراعنتكم ، ليكونن في هذه الامّة رجل يقال له الوليد لهو أشدّ لهذه الامّة من فرعون لقومه(٤).

ونقل في التاريخ المذكور عنه من كفرياته كثيرا ، من ذلك أنّه دخل يوما فوجد ابنته جالسة مع دادتها فبرك عليها وأزال بكارتها. فقالت له الدادة : هذا دين المجوس فأنشد :

من راقب الناس مات غمّا

وفاز باللذة الجسور (٥)

وأخذ يوما المصحف فأوّل ما طلع : (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (٦) قال : أتهدّدني ، ثمّ أغلق المصحف ، ولا زال يضربه بالنشاب حتّى مزّقه ثمّ أنشد :

أتوعد كلّ جبّار عنيد

فها أنا ذاك جبّار عنيد

__________________

(١) المعجم الكبير : ٢ / ٩٦.

(٢) تاريخ الخلفاء : ٤٤٨ خلافة الناصر.

(٣) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٢٥٠ ـ ٢٥١.

(٤) مسند أحمد : ١ / ١٨ ، ومجمع الزوائد : ٥ / ٢٤٠ وتاريخ الخميس : ٢ / ٣٢٠.

(٥) تاريخ الخميس : ٢ / ٣٢٠ ذكر خلافة الوليد الزنديق بن يزيد.

(٦) إبراهيم : ١٥.

٢٣٦

إذا لاقيت ربّك يوم حشر

فقل يا ربّ مزّقني الوليد (١)

واذّن للصبح مرّة وعنده جارية يشرب الخمر معها فقام فوطئها وحلف لا يصلّي بالناس غيرها فخرجت وهي جنب سكرانة ، فلبست ثيابه وتنكّرت وصلّت بالناس. ونكح أمّهات أولاد أبيه ، انتهى (٢).

إلى غير ذلك من شنائع الأعمال المذكورة في التواريخ ، ومع ذلك كيف يكون من الخلفاء الذين كان الدين في زمنهم عزيزا منيفا ، وبمدتهم وهلاك آخرهم في سنة ست وعشرين ومائة صار الإسلام ذليلا والدين مهينا ووقع الهرج والفتن ، مع أنّه خلاف الحس والوجدان ، فإن قوّة الدين وعزّه بعزّ حملته ونقلته وسدنته وكثرتهم ، وعزّ من يرعاهم ويحرسهم ويعينهم.

ولا شكّ أنّ في دولة بني العبّاس إلى أن يرجع الأمر إلى سلاطين آل عثمان حماة الدين وحفظة الإسلام ملء الآفاق من العلماء والفقهاء والمحدّثين والادباء والقرّاء الجامعين للسنن والحافظين للقرآن ، المؤلفين في العلوم الشرعية والمعالم الدينية بما لا يحصى عدّه ، وهم مع ذلك فارغو البال من هموم تهيئة امور المعاش باهتمام ولاة الامور في إصلاح شئونهم ويدخلنهم شيعتهم ، لا هتك بيت الله الحرام في عصرهم ، ولا صلّت الجنب السكرانة بالناس في مسجد دار خلافتهم ، ولا مزّق المصحف من نشاب خليفتهم ، فأي عزّ كان في عصر بني امية فقد بعدهم ، وأي ذلّ ورد على الدين الحنيف بعدهم أفظع وأشنع ممّا فعلوا. ومن جميع ذلك يظهر أنّ ما ورد في الأخبار النبوية الشريفة من ذكر الخلفاء الاثني عشر بمعزل عمّا ذكروا ورجحوا وصححوا.

الوجه العاشر : ظاهر جملة من الأخبار وصريح بعضها أن بانقضاء الثاني عشر منهم ينقضي أمر الدين وتظهر علامات الساعة ، وتقوم أشراط القيامة ويصير الهرج وينخرم نظام الامور. فلا آمر ولا مأمور ولا إمام ولا مأموم : عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يزال هذا الدين قائما إلى اثني عشر من قريش فإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها (٣).

__________________

(١) تاريخ الخميس : ٢ / ٣٢ ، وأمالي المرتضى : ٩٠ ، وتفسير القرطبي : ٩ : ٣٥٠.

(٢) تاريخ الخميس : ٢ / ٣٢٠ ذكر خلافته.

(٣) غيبة النعماني : ١١٩.

٢٣٧

وفي نسخة ماجت (١). ونظيره أخبار اخر.

ومن تأمّل في هذه الأخبار ودوام قيام الدين وظهوره وغلبته وسكون الأرض وقرارها بوجود الخلفاء الاثني عشر ، وبانقضاء خاتمهم تقوم الساعة فيكون الثاني عشر هو المهدي عليه‌السلام بالاتفاق ، إذ هو الخليفة المنصوص الذي بانقضاء مدّته تظهر أعلام القيامة ، بل ظهور وجوده المقدّس عدّ منها ، فلو فرض خلو زمانه بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى زمان ظهوره عجل الله فرجه من خليفة منهم لزم عدم قيام الدين وذلّته واضطراب الأرض وظهور الفتن والهرج قبل انقضاء الاثني عشر ؛ وهو خلاف صريح هذه الأخبار الصحيحة فيكون زمان وجودهم منطبقا على زمان رحلته إلى زمان ظهور أعلام الساعة.

__________________

(١) مقتضب الأثر : ٤.

٢٣٨

الفرع الحادي عشر

في كراهية التوقيت وظهوره بعد الإياس

والنهي عن التسمية ووجوب القيام عند ذكر لقب القائم

وفيه ثمرات :

الثمرة الاولى : في كراهيّة التوقيت

في الكافي عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : يا ثابت إنّ الله تبارك وتعالى قد كان وقّت هذا الأمر في السبعين ، فلما أن قتل الحسين عليه‌السلام اشتد غضب الله على أهل الأرض فأخّره إلى أربعين ومائة ، فحدّثناكم فأذعتم الحديث فكشفتم قناع الستر ، ولم يجعل الله بعد ذلك وقتا عندنا و (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (١) (٢).

وفيه عن عبد الرّحمن بن كثير : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ دخل عليه مهزم فقال له : جعلت فداك أخبرني عن هذا الأمر الذي ننتظره متى هو؟ فقال : يا مهزم كذب الوقّاتون وهلك المستعجلون ونجا المسلمون (٣).

وعن أبي بصير سألت الصادق عليه‌السلام عن القائم عليه‌السلام قال : أبى الله إلّا أن يخالف وقت الموقّتين (٤).

وفيه عن فضيل بن يسار : سألت أبا جعفر عليه‌السلام : ألهذا الأمر وقت؟ فقال : كذب الوقّاتون ، كذب الوقّاتون ، كذب الوقّاتون ، إنّ موسى لما خرج وافدا إلى ربّه واعدهم ثلاثين يوما ، فلما زاده الله على الثلاثين عشرا قال قومه : قد اخلفنا موسى فصنعوا ما صنعوا ، فإذا حدّثناكم الحديث فجاء على خلاف ما حدّثناكم به فقولوا صدق الله تؤجروا مرّتين (٥).

وفيه عن إبراهيم بن مهزم عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ذكرنا عنده ملوك آل بني

__________________

(١) الرعد : ٣٩.

(٢) الكافي : ١ / ٣٦٨ ح ١.

(٣) الكافي : ١ / ٣٦٨ ح ٢.

(٤) الكافي : ١ / ٣٦٨ ح ٤.

(٥) الكافي : ١ / ٣٦٨ ح ٥.

٢٣٩

عباس فقال : إنّما هلك الناس من استعجالهم لهذا الأمر ـ أي دولة الحق ـ إنّ الله لا يعجل لعجلة العباد ، إنّ لهذا الأمر غاية ينتهي إليها ، فلو قد بلغوها لم يستقدموا ساعة ولم يستأخروا(١).

وفي إثبات الهداة للحرّ العاملي رحمه‌الله في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام قال : يا علي أعجب الناس إيمانا وأعظمهم يقينا قوم يكونون في آخر الزمان ، لم يروا النبي ، وحجب عنهم الحجّة فآمنوا بسواد على بياض (٢).

وفي الكافي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام لمّا بويع بعد مقتل عثمان صعد المنبر وخطب بخطبة ذكرها ، يقول فيها : ألا إنّ بليّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيّه ، والذي بعثه بالحقّ لتبلبلنّ بلبلة ولتغربلن غربلة حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم ، وليسبقنّ سبّاقون كانوا قصروا ، وليقصرنّ سباقون كانوا سبقوا ، والله ما كتمت وسمة ولا كذبت كذبة ، ولقد نبّئت بهذا المقام وهذا اليوم (٣).

وفيه عن أبي يعفور : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ويل لطغاة العرب من أمر قد اقترب.

قلت : جعلت فداك كم مع القائم من العرب؟ قال : نفر يسير. قلت : والله إنّ من يصف هذا الأمر منهم لكثير. قال : لأنه للناس أن يمحصوا ويميّزوا ويغربلوا ، ويستخرج بالغربال خلق كثير (٤).

وفيه عن منصور عن أبي عبد الله عليه‌السلام : يا منصور إنّ هذا الأمر لا يأتيكم إلّا بعد إياس ، لا والله حتى يميّزوا ، ولا والله حتى يمحصوا ، ولا والله حتى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد (٥).

وفيه عن معمر بن خلاد عن أبي الحسن عليه‌السلام (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (٦) ثمّ قال لي : ما الفتنة؟ قلت : جعلت فداك الذي عندنا الفتنة في الدين. فقال : يفتنون كما يفتن الذهب ، ثمّ قال : يخلصون كما يخلص الذهب (٧).

__________________

(١) الكافي : ١ / ٣٦٩ ح ٧.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٤٦٦.

(٣) الكافي : ١ / ٣٦٩ ح ١.

(٤) الكافي : ١ / ٣٧٠ ح ٢.

(٥) الكافي : ١ / ٣٧٠ ح ٣.

(٦) العنكبوت : ١ ـ ٢.

(٧) الكافي : ١ / ٣٧٠ ح ٤.

٢٤٠