إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

الشيخ علي اليزدي الحائري

إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي اليزدي الحائري


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

الإمامية من باب الرجعة ، فإنّهم قد اتفقوا على أنّ محمّدا وعليا وفاطمة والحسنين عليهم‌السلام يرجعون بالأجسام إذا ظهر المهدي عليه‌السلام.

قوله : لا أمحو اسمه ، ترغيب آخر لهم في اتباع شريعته حيث قال : إنّه يظهر فضيلتهم أمام الله وأمام ملائكته ، أي يعترف بأنّ هؤلاء الذين اتبعوني وامتثلوا أمري ثمّ أزاد الترغيب بالتأكيد والتخصيص ، وقال فمن كانت له الخ يريد به أن هذا كلام روح الله ولا شكّ في وقوعه ، فاسمعوا وعده فإنّكم مسئولون.

السادس : قوله : واكتب إلى ملك كنيسة دلفية ، وهي بلدة في عرض ثمان وثلاثين درجة وعشرين دقيقة من الشمال ، وطول ست وأربعين درجة وعشرين دقيقة من الطول الجديد.

قوله هذا ما يقول الخ يريد بالمقدس الحقيقي درجة النبوّة ، لأنّ السلطان ملك غير حقيقي أي زائل المملكة ، وأمّا النبي فإنّ ملكه حقيقي ، وهذا أيضا ممّا يشير إلى عدم احتياج أمّة أحد الأنبياء إلى تقيد الآخر ، والمراد بالمفتاح هو الاقتدار الحقيقي كأنّما قال : إنّي أنتهز القاضي والمفتي فأفتي بالإطلاق واطلق وامنّي بالحبس وأحبس ، ولم تجمع هاتان الصفتان في شخص واحد ، واظهر له أنّه عرفت كيفية أعماله ، وأفتح له بابا لن يغلق ، وأنه سيذلّ له المتهودون الكذّابون ، أي الذين لم يتمسّكوا بتوراة موسى ، وقد فعل ذلك وسلّط عليهم اليونانيين والروم فأخذوهم أخذ عزيز مقتدر ، وإنّه سيحافظ عليه ساعة الامتحان أي ساعة خروج الدجّال المسيح الكذّاب لعنه الله.

ثمّ أخذ يحذّره وحيث قال : فتمسّك بما عندك لئلّا يؤخذ تاجك إشارة إلى ما يجب على النصراني المشرك إذا لم يعترف بنبوّة ربّ الجنود من أداء الجزية ، ثمّ أكّد ذلك وقال : فإنّي سأجعل المظفر الخ العمود الدعامة ، وهيكل إلهه هو هيكل إلهنا أعني الكعبة شرّفها الله تعالى ، ومدينة إلهه أورشليم الجديدة هي مكّة زادها الله شرفا ، والمراد بنزولها من السماء هو نزول الحجر الأسود كما مرّ في مقدّمة هذا البحث ، ثمّ زاده تأكيدا وقال : وكتب عليه اسمي الجديد ، يعني الفار قليطا.

ثم زاد في التأكيد بالتخصيص حيث قال : فمن كانت له اذن الخ ، حثّا على ترغيب القوم وتخويفهم بالوعد والوعيد.

السابع : قوله : واكتب إلى ملك كنيسة لاذقية ، وهي بلدة في عرض ثلاثين درجة وثلاثين.

١٢١

دقيقة من الشمال وطول سبع وأربعين درجة من الطول الجديد. قوله هذه هو ما يقول الخ أي غاية قوله : وأمين عجمة عبرانية بمعنى ليكن كذلك ، وتكلّف المفسّرين لها جهل بحت ، ونصيرها علما للمتكلّم إشارة إلى نفوذ الكلام ، ووصفه نفسه بالشاهد الأمين بيانا لأنّه لم يأت إلّا شاهدا لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ وصف الشاهد بالأمين إخراجا له من الخائن ، يريد به أنّه لم يكتم شهادته ، بل إنّه أدّاها على سبيل إعلام ، وضرب بها الأمثال ، والحقيقي الذي يباين المجازي يريد به أنّه ليس بشاهد مجازي يشهد أمام القاضي الحقيقي على الأمر الحقيقي ، واتّصافه برأس خليفة الله إشارة إلى فضيلة الأنبياء.

وقوله إنّه قد عرف أنّه فاتر وسيتقياه لفتوره إشارة إلى عدم تعصّب أهل كنيسته في مذهبهم ومداهنتهم مع اليونانيين والملاحدة ، ثمّ وصفه بالفقر وأمره بشراء الذهب إشارة إلى تبشيره بالشريعة الغرّاء ، ولباس البياض حثّ إلى الإعراض عن سبيل الضلال ، والتكحّل أمر بإمعان النظر في معاني كلامه ليحصل له الغنى الحقيقي في الدين ، ويستر بالسرور الذي لا زوال له ويشاهد حقائق الأشياء كما هي عليه في نفس الأمر. (وقوله) اؤدّب من أحبّه بيان لكمال اللطف على أهل كنيسته ، ثمّ أمره بالتوبة بعد ما هدّده بالتأدّب وأخبره بسرعة إتيانه وقرب زمانه.

ثمّ قال : وسأجلس المظفر معي على كرسيي ، تأكيد آخر برجعة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله زمان ظهور المهدي عليه‌السلام وتأييد لما يزعمه الإمامية من باب الرجعة ، فمن كانت له اذن سامعة فليستمع ما يقول الروح للكنائس ، ويرغب في آجل الثواب ويحذر من عاجل العقاب ويتهيّأ بشريعة ربّ الجنود ويدلي بحاجته إلى النجاح وينتظم في حزب نجمة الصباح ، جعلني الله وإيّاك ممّن يفوز بلقائه ويسلك في سلسلة أوليائه.

البشارة الثالثة

وفيه : البرهان الثالث ما ترجمته : وسيولم ربّ الجنود لجميع الناس في هذا الجنود ويدلي بحاجته إلى النجاح وينتظم في حزب نجمة الصباح. جعلني الله في تأويل هذا النصّ ، فقال اليهود : إنّ المراد بربّ الجنود هو المسيح المزمع بالإتيان. وقال النصارى : بل هو عيسى ابن مريم عليه‌السلام لأنّه كان قد صيّر الماء في قانى الجليل خمرا كما حرّر في الفصل

١٢٢

الثاني في الآية الاولى من يوحنا ، وليس بشيء ، لأنّ قوله : ربّ الجنود لا يتناول عيسى ابن مريم لأنّه لم يكن ذا جند ، ولأنّ الضيافة المذكورة هاهنا لا بدّ أن تكون لجميع الناس أو لأعظم النصفين ، أو أن يكون فيها من كلّ حزب من بني آدم جماعة ، وضيافة الجليل لم تكن إلّا وليمة عرس ، فلا يصدق عليها.

والمراد بربّ الجنود وهو المهدي عليه‌السلام فيكون هو المقصود من هذا النصّ. فإن قلت : لم لا يكون المقصود محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنك قد وصفته بربّ الجنود. قلت : ولأني قد صرّحت فيما قبل هذا بأنّه لم يذهب إلى اورشليم إلّا ليلة الإسراء ولم يضيف هناك أحدا ، وقد ذكرت لك ما ذهب إليه القوم من مسير المهدي عليه‌السلام إلى اورشليم وتعميرها وإقامة دعائمها فيما مرّ آنفا فتذكّره ، فلا يكون إلّا هو.

البشارة الرابعة

لا يخفى أنّه يناسب ذكر البشارة السابعة قبل ذلك ، فيه في البرهان الخامس في الفصل الحادي والعشرين في الآية العاشرة من كتاب الرؤيا من كتب العهد الجديد (١) ترجمتها بالعربية : فأخذتني الروح إلى جبل عظيم شامخ ، وأرتني المدينة العظيمة اورشليم المقدّسة نازلة من السماء من عند الله وفيها مجد الله ، وضوؤها كالحجر الكريم ، كحجر اليشم والبلور ، وكان لها سور عظيم عال واثنا عشر بابا ، وعلى الأبواب اثنا عشر ملكا ، وكان قد كتب عليها أسماء أسباط إسرائيل الاثني عشر.

أقول : لا تأويل لهذا النصّ بحيث أن يدلّ على غير مكّة شرّفها الله تعالى ، والمراد بمجد الله بعثته محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها ، والضوء عبارة عن الحجر الأسعد ، وتشبيهه باليشم والبلور إشارة إلى صحيح الروايات التي وردت في أنّه لمّا نزل كان أبيض. والمراد بالسور هو ربّ الجنود والأبواب الاثني عشر أولاده الأحد عشر وابن عمّه علي وهم : الحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والقائم المهدي عليه‌السلام محمد ، وقوله : وعلى الأبواب الاثني عشر اثنا عشر ملكا ، يدلّ على عظم رتبته وعلى عموم نبوّته وقيام

__________________

(١) العهد الجديد ، رؤيا يوحنا ؛ الفصل ٢١ أو الرؤية ٢١ ، الآية العاشرة ، وفيه تفاوت في اللفظ دون المعنى.

١٢٣

دعوته على انقياد جميع الأسباط له ، والأسباط الاثنا عشر عبارة عن أولاد يعقوب عليه‌السلام وهم : روبين وشمعون ولاوي ويهودا واسحر وزابلون وبنيامين ودان ونفتالى وياد وعاشر ويوسف عليه‌السلام وهذا مصداق لقوله [تعالى] «لولاك لما خلقت الأفلاك» (١).

البشارة الخامسة

فيه : البرهان السادس ما ورد في الفصل الحادي والعشرين أيضا في الآية الرابعة عشرة من كتاب الرؤيا ما ترجمته بالعربية : ولسور المدينة اثنا عشر أساسا ، وعليها أسماء رسل الحمل الاثني عشر (٢).

أقول : هذا تأكيد صريح لما قبله ، والاثنا عشر الأساس هم الأئمّة الاثنا عشر ، ورسل الحمل الاثنا عشر هم الحواريون الاثنا عشر (رض) وهم : شمعون وبطرس واندرياس ويعقوب ويوحنا وفيلبوس وبرتولو وملئوس وتوما ومتى ويعقوب ولباؤس وشمعون القاني وبرلوص على راني انا لأن يهودا الاسخريوطي (٣) كان قد خنق نفسه وهلك واقيم برلوص مقامه ، وفيه إشارة إلى انقياد جميع المذاهب العيسوية لشريعة خير البرية.

البشارة السادسة

فيه : البرهان السابع ما ورد في الفصل الحادي والعشرين من الآية الحادية والعشرين من الرؤيا من كتب العهد الجديد ما ترجمته بالعربية : والأبواب الاثنا عشر لؤلؤا كلّ واحد من الأبواب كان من لؤلؤة واحدة ، وساحة المدينة من الذهب الابريز كالزجاج الشفّاف (٤).

أقول : بيان لما قبله وصفة للأبواب ، وكون كل باب من لؤلؤة واحدة فيه إشارة إلى ما يدّعيه الإماميون من عصمة أئمّتهم ؛ لأنّ اللؤلؤة كروية ، ولا شكّ أنّ الشكل الكروي لا يمكن انشلابه ؛ لأنّه لا يباشر الأجسام إلّا على ملتقى نقطة واحدة ، كما صرّح به اوقليدس ، والأصل

__________________

(١) بحار الأنوار : ١٥ / ٢٨ و: ٥٤ / ١٩٩ وكشف الخفاء : ٢ / ١٦٤.

(٢) العهد الجديد ، رؤيا يوحنا الحادية والعشرون الآية ١٤ وفيه : وسور المدينة كان له اثنا عشر أساسا وعليها أسماء رسل الحروف الاثني عشر.

(٣) كذا ولم نجده.

(٤) المصدر السابق ، الآية ٢١ ، وفيه : وسوق المدينة ذهب نقي كزجاج شفاف.

١٢٤

في عصمة الإمام أما عند أهل السنّة والجماعة فإن العصمة ليست بشرط ، بل العمدة فيه انعقاد الإجماع ، وأمّا عند الإمامية فهي واجبة فيه لأنّه لطف ، ولأنّ النفوس الزكية الفاضلة تأبى عن اتباع النفوس الدنية المفضولة ، وعدم العصمة علّة عدم الفضيلة ، ولهما فيها بحث طويل لا يناسب هذا المقام (١).

قوله : وساحة المدينة من الذهب الإبريز كالزجاج الشفاف يريد بذلك أهل ملّته لأنّهم لا ينحرفون عن اعتقادهم ولا ينصرفون عن مذهبهم في حالة العسرة ، وأمّا الذين أغواهم قسوس الانكتاريين فمن الجهّال الذين لا معرفة لهم باصول دينهم ، وهذا هو مصداق قوله عليه‌السلام : «أنا مدينة العلم وعلي بابها» (٢).

البشارة السابعة

وفيه : البرهان الرابع في الفصل الحادي عشر في الآية الاولى من كتاب شعيا ما ترجمته بالعربية : وسيخرج من قيس الآس عصا وينبت من عروقه غصن وستستقر عليه روح الرب أعني روح الحكمة والمعرفة ، وروح الشورى والعدل ، وروح العلم وخشية الله ، وتجعله ذا فكرة وقّادة ، مستقيما في خشية الربّ ، فلا يقضى كذا عجايبات الوجوه ولا يدين بمجرّد السمع (٣) ، ثمّ ذكر تأويل اليهود والنصارى هذا الكلام وردّه وقال : فيكون المنصوص عليه هو المهدي عليه‌السلام بعينه بصريح قوله : ولا يدين بمجرّد السمع ، لأنّ المسلمين أجمعوا على أنّه رضي‌الله‌عنه لا يحكم بمجرّد السمع والحاضر ، بل لا يلاحظ إلّا الباطن ، ولم يتّفق ذلك لأحد من الأنبياء والأوصياء ، إلى أن قال : وقد اختلف المسلمون في المهدي عليه‌السلام فقال أصحابنا من أهل السنّة والجماعة : إنّه رجل من أولاد فاطمة يكون اسمه محمّد واسم أبيه عبد الله واسم أمّه آمنة.

وقال الإماميون : بل إنّه هو محمّد بن الحسن العسكري عليه‌السلام ، وكان قد تولّد سنة خمس وخمسين بعد المائتين من فتاة للحسن العسكري عليه‌السلام اسمها نرجس في سر من رأى بزمن

__________________

(١) راجع كتاب الألفين للعلّامة الحلّي فقد ذكر عدّة أدلّة على ذلك.

(٢) عيون الأخبار : ١ / ٧٢ والخصال : ٥٧٤ والبحار : ١٠ / ١٢٠ ـ ١٤٥ وفيض القدير : ٣ / ٦٠.

(٣) العهد القديم ، وهو التوراة ، كتاب شعيا الفصل الحادي عشر ، الآية الاولى.

١٢٥

المعتمد ، ثمّ غاب سنة ظهر ثمّ غاب وهي الغيبة الكبرى ، ولا يئوب بعدها إلّا إذا شاء الله ، ولما كان قولهم أقرب لتناول هذا النص وكان غرضي الذبّ عن ملّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله مع قطع النظر عن التعصّب في المذهب ؛ ذكرت لك مطابقة ما يدّعيه الإماميون مع هذا النصّ. انتهى.

ثمّ ذكر بعد ذلك : إذا علمت ذلك فاعلم أن ما تحقّق عندي هو أنّ عمر الدنيا سبعة آلاف سنة ، فمن خلقة آدم إلى مولد موسى عليه‌السلام ثمان وستّون سنة بعد ثلاثمائة وألفي سنة ، ومن مولد موسى إلى مولد عيسى اثنتان وتسعون بعد ثلاثمائة وألف سنة ، ومن مولد عيسى إلى مولد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث عشرة وستمائة سنة ، ومن ميلاد محمّد إلى بعثته أربعون سنة ، يصير الجميع من خلقة آدم إلى ميلاد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثا وسبعين بعد أربعمائة وأربعة آلاف سنة ، فينبغي أن يكون من بعثة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ظهور المهدي عليه‌السلام مدّة سبع وثمانين بعد خمسمائة وألف سنة مضت منها احدى وأربعون ومائتان وألف سنة وبقيت ست وأربعون وثلاثمائة سنة (١) حتّى تتمّ مدّة ستّة آلاف سنة ، فبعد مضي هذه المدّة يظهر المهدي ويملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما ، وتسلّط بنو هاشم على جميع المسكونة مدّة ألف سنة ، وحينئذ يعلم الظالمون أي منقلب ينقلبون. وأمّا ما ذكره بعض العلماء من أنّ المدّة الفاصلة بين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وبين المهدي عليه‌السلام ألف سنة فليس بشيء ، برهان ساباطية.

البشارة الثامنة

فيه : البرهان الثامن ما ورد في الفصل الثاني والعشرين في الآية الاولى من كتاب الرؤيا ما ترجمته بالعربية : قوله : وأراني في وسطها نهرا معينا من ماء الحياة ، مضيئا كالبلّور خارجا من كرسي الله والحمل ، وفي أزقّتها وعلى كلّ طرف من طرفي النهر شجرة الحياة تثمر في كلّ شهر اثنتي عشرة ثمرة ، وأوراق الأشجار شفاء الامم (٢).

__________________

(١) هذا إلى زمان المؤلّف وإلى زماننا أي سنة ١٤٢٠ ه‍. ق. فيبقى على هذا الحساب مائة وسبع وستون سنة.

(٢) العهد الجديد ، الرؤيا ٢٢ ليوحنا ، الآية الاولى ، وعبارته : وأراني نهرا صافيا من ماء حياة ، لامعا كبلور ، خارجا من عرش الله ، والحروف في وسط سوقها ، وعلى النهر من هنا ومن هناك شجرة حياة تضع اثنتي عشرة ثمرة وتعطي كلّ شهر ثمرها ، وورق الشجرة لشفاء الامم.

١٢٦

أقول : هذه كناية ظاهرة في حقّ آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والنهر هو شريعة محمّد ، وكرسي الله والحمل هو السماء والحمل لقب عيسى عليه‌السلام ، والشجرة هي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والثمرات الاثنتا عشرة هم : علي وأولاده الأحد عشر على رأي الإمامية ، والتثنية للتأكيد بتكرير الجملة ، كما تقول : رأيت زيدا أخاك رأيت زيدا أخاك ، وأوراق الأشجار هم السادة الذين هم من ولد فاطمة (رض) ، الذين هم شفاء العالم ، الذين حرّمت عليهم نار جهنّم ، وإنّما قلت : حرّمت عليهم نار جهنّم ، لأنّ الجنين يتركّب من كلا الماءين ، وليس في الوجود جزء لا يتجزّأ ، فإذا تأذّى السيّد يتأذّى ربّ الجنود بأذيته وذلك ممتنع عليه ، وفيه بحث طويل لطيف ، ولك أن تقول : إنّ النهر نفس محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله والشجرتان فاطمة وعلي ، ثمّ تقول والأثمار الاثنتا عشرة هم الأئمّة الاثنا عشر بدخول علي فيهم ، والأوراق أولادهم ، وهذا المقدار في الأمثال مقنع لمن له اذن واعية وفطنة كافية ، وقد فسّرته بهذا التفسير للمطابقة مع ما قبله وإلّا فعليهم أن يفسّروا ، وعليّ أن أمنع.

البشارة التاسعة

فيه : البرهان الحادي عشر ما ورد في الفصل الثالث من الآية الرابعة من لوقا (١) ، وفي الفصل الخامس والأربعين في الآية الثالثة من كتاب أشعيا (٢) [ما] ترجمته بالعربية : صوت صارخ في البرية ، أعدّوا طرق الرب وهيّئوا سبله فإنّ كلّ واد سيمتلئ ، وكلّ جبل وأكمة (٣) ستتضع ، وتعتدل المعوجات وتلين الصعاب ويشاهد خلاص الله كلّ ذي جسد.

أقول : هذا من أوضح البراهين الواردة في شأن محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد تغافل اليهود والنصارى عنه ، فأوّله اليهود في شأن مسيحهم الموهوم ، وأوّله النصارى في حقّ إلههم المعلوم ، والحقّ أنّه لا يدلّ على ذلك ، أمّا أنّه لا يدلّ على المسيح الموهوم فلأنّ سياقه في أشعيا : سلوا شيعتي سلوهم ، قال إلهكم : سلوا اورشليم وقولوا لها إنّ تعبها قد تمّ وخطيئتها قد غفرت ؛ لأنّه قد وقع عليها من يد الرب لخطيئتها ضعفان من العذاب ، وهذا صوت صارخ يقول في

__________________

(١) إنجيل لوقا من العهد الجديد : ٧٥ الإصحاح الثالث الفصل التاسع ، مع تفاوت في المطبوع.

(٢) كتاب العهد القديم كتاب أشعياء : ١٠٦٤ باب ٤٥.

(٣) أي الجبابرة.

١٢٧

البرية : يئسوا طريق الرب ووطّئوا لأجل إلهنا في البادية سبيلا مرتفعا ، فإن كلّ واد سيرتفع وكلّ جبل وأكمة ستتضع ، وسيعتدل المعوج وستلين الصعاب وسيظهر مجد الله ويشاهده كلّ ذي جسم ، لأنّ فم الله نطق به فقال الصوت : أصرخ ، فقال : بما ذا أصرخ فإنّ جميع الأجسام كلاء وكلّ مجد ماكم هر الحقل ما لكلاء يذبل والزهر يسقط ، لأنّ روح الربّ ترف عليه ولا شكّ أن تملأ كلاء فيجفّ الكلاء ويسقط الزهر ، وكلمة الله تمكث إلى الأبد.

فمن قوله : سلوا ، إلى : من العذاب ؛ ظاهر الدلالة على أنّ الواجب تعالى يقول لنبيّه أن يسلي ويخبر أمّته بما هو مزمع الوقوع ، وباستقامتكم دعائم اورشليم في آخر الزمان. وفي قوله : ضعفان من العذاب ، إشارة إلى أنّها كانت قد أخطأت فانتقم الله منها بما أحدث عليها من الذلّ بعد المسيح عليه‌السلام في أيّام تسلّط الروم والنصارى عليها إلى زمان محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبعد محمّد أيّام تسلّط العرب عليها ، وهي أيامنا هذه إلى زمان ظهور القائم عليه‌السلام ، وبعد ذلك تستقيم دعائمها وتعمر رسومها ، وقد ذكر بعض المحقّقين أنّ المهدي عليه‌السلام سينطلق إلى اورشليم ويصلّي فيها ويجتمع هناك بالمسيح عند نزوله.

ومن قوله : هذا صوت صارخ ، إلى قوله : نطق به ، إشارة إلى يحيى بن زكريا عليه‌السلام لما كان يعظ بهذه الجملة على شاطئ شط الأردن ، وقوله : وطّئوا له في البادية سبيلا مرتفعا ، لا يدلّ على غير السبيل المستقيم من مكة إلى اورشليم البتة ؛ لأنّ اورشليم ليست في البادية. وقوله : فإنّ كلّ واد ، يريد به الجهال كأهل السواحل ، والارتفاع عبارة عن الصعود على ذروة طود الايمان وكلّ جبل ، وأكمة يشير به إلى الجبابرة من الفرس والروم ، والاتضاع الانقياد إلى أواخر الدين الحنيف وسيعتدل المعوج ، إشارة إلى اليونانيين وحكماء الهند بقبول الشريعة الغرّاء لانحرف طبائعهم عن الانعطاف إلى اتباع النواميس الإلهية. وقوله : تلين الصعاب ، كناية عن العرب لأنّهم هم أقوى الناس جنانا وأبعدهم إيمانا ، وإلى ذلك أشار بقوله [تعالى](وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ) (١) الخ. وقوله : سيشاهد مجد الله ، أي المهدي عليه‌السلام والسين لاستقبال البعيد والمعنى : إنّه إذا كملت جميع هذه الامور وبعث محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله يظهر المهدي عليه‌السلام.

وقوله : لأنّ فم الربّ قد نطق به ، إشارة إلى وجوب وقوعه ، ومن قوله : فقال الصوت

__________________

(١) الشعراء : ١٩٨.

١٢٨

اصرخ الخ ، ضرب من شديد التأكيد لوجوب وقوعه بلا دلالة لشيء منه على مسيح اليهود الموهوم ، اللهمّ إلّا أن يريدوا أنّ المسيح نفس المهدي عليه‌السلام ، فحينئذ يلزمهم الاعتراف بنبوّة عيسى ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمّا أنّه لا يدلّ على عيسى ابن مريم عليهما‌السلام فلأنّ سياقه في أشعيا قد مرّ بيانه ولا محتمل له غيره ، ولأن لوقا لم يذكره مستدلّا به عليه ولا قرينة هناك يؤول إليها الضمير ، بل إنّه جملة مستأنفة في أوّل الإصحاح ، ومضمون الإصحاح على الإجمال أن لوقا أخبر أنه في زمان كذا جاء يحيى بن زكريا إلى البرية ويصرخ ويقول كذا ، وهذا لا يدلّ على المسيح ابن مريم بوجه من الوجوه ، لكنّه يدلّ على بعثة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وقيام المهدي عليه‌السلام ؛ لأنّ الجملة مستأنفة والقاعدة في المستأنفات أن تحمل على ما يناسبها فيكون ما ذكره لوقا ضربا من التأكيد لكلام أشعيا لا غير ، فعليك أن تتأمّل في هذا البرهان فإنّه في غاية اللطافة.

البشارة العاشرة

في الدمعة الساكبة عن المقتضب عن حاجب بن سليمان أبو موزج السدوي قال : لقيت ببيت المقدس عمران بن خاقان الوافد إلى المنصور على يهود الجزيرة وغيرها ، أسلم على يد أبي جعفر المنصور ، وكان قد غلب حجج اليهود ببيانه وعلمه ، وكانوا لا يستطيعون جحده لما في التوراة من علامات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والخلفاء من بعده ، فقال لي يوما : يا أبا موزج إنّا نجد في التوراة ثلاثة عشر اسما منها محمد واثنا عشر بعده من أهل بيته هم أوصياؤه وخلفاؤه ، مذكورون في التوراة ، وليس فيهم القائمون بعده من تيم ولا عدي ولا بني امية ، وإنّي لأظنّ ما تقول هؤلاء الشيعة حقّا. قلت : فأخبرني به ، قال : لتعطيني عهد الله وميثاقه أن لا تخبر الشيعة بشيء من ذلك فيظهروه عليّ. قلت : وما تخاف من ذلك والقوم من بني هاشم؟ قال : ليست أسماؤهم أسماء هؤلاء ، بل هم من ولد الأوّل منهم وهم محمد ومن بقيّته في الأرض من بعده ، فأعطيته ما أراد من المواثيق ، وقال لي : حدّث به بعدي إن تقدمتك وإلّا فلا عليك أن لا تخبر به أحدا : نجدهم في التوراة عبارة ذكر ترجمتها : إن شموعل يخرج من صلبه ابن مبارك ـ صلواتي عليه ـ يلد اثني عشر ولدا ، يكون ذكرهم باقيا إلى يوم القيامة ، وعليهم القيامة تقوم ، طوبى لمن عرفهم بحقيقتهم (١).

__________________

(١) مقتضب الأثر : ٣٩ وبحار الأنوار : ٣٦ / ٢٢٥.

١٢٩

البشارة الحادية عشرة

فيه : عن الإقبال عن أبي المفضل في حديث طويل : أن علماء نصارى نجران أحضروا صحيفة آدم الكبرى ونقلوا منها كلاما طويلا في الإخبار بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ونعته وصفة أهل بيته وأوصيائه ومنازلهم ومرتبتهم عند الله عزوجل ، إلى أن قال : ثمّ صار القوم إلى ما نزل على موسى فألغوا في السفر الثاني من التوراة : إنّي باعث في الاميين من ولد إسماعيل رسولا انزل عليه كتابي وأبعثه بالشريعة القيّمة إلى جميع خلقي ، اوتيه حكمي واؤيّده بملائكتي وجنودي ، يكون ذريته من ابنة له مباركة باركتها ثمّ من شبلين لها كإسماعيل وإسحاق ، أصلين شعبين عظيمين ، أكبرهم جدّا جدّا ، يكون منهم اثنا عشر قيّما ، أكمل لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وبما أرسله به من بلاغ وحكمة ديني ، وأختم به أنبيائي ورسلي ، فعلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمّته تقوم الساعة. الحديث (١).

البشارة الثانية عشرة

فيه : عن علي بن عيسى في كشف الغمّة : حكى لي بعض اليهود ورأيته أنا في توراة معرّبة وقد نقله الرواة أيضا : إسماعيل قبلت صلواته وباركت فيه وأنميته وكثّرت عدده بمادماد ، وقيل : معناه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعدد حروفه اثنان وتسعون حرفا ، ساخرج اثنا عشر إماما ملكا من نسله وأعطيه قوما كثير العدد. وأوّل هذا الفصل بالعبري : لا شموعيل شمعثخوا. انتهى (٢).

البشارة الثالثة عشرة

فيه : عن كتاب إثبات الهداة عن الشيخ المفيد في جواب المسائل السروية : قد بشّر الله عزوجل بالنبي والأئمّة في الكتب الاولى فقال في بعض كتبه التي أنزلها على أنبيائه وأهل الكتب يقرءونه واليهود يعرفونه : أنه ناجى إبراهيم في مناجاته : إنّي قد عظمتك وباركت عليك وعلى إسماعيل ، وجعلت منه اثني عشر عظيما وكبرتهم جدّا جدّا ، وجعلت منهم

__________________

(١) إقبال الأعمال : ٢ / ٣٤٠.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٢٤٦.

١٣٠

شعبا عظيمة لامّة عظيمة ، وأشباه ذلك كثيرة في كتب الله تعالى ، انتهى (١). وعن الشيخ زين الدين علي بن محمد بن يونس البياضي في كتاب الصراط المستقيم : في السفر الأوّل من التوراة : نزل الملك على إبراهيم عليه‌السلام وقال : إسماعيل يلد اثني عشر عظيما (٢).

البشارة الرابعة عشرة

فيه : عن كتاب الغيبة ما هذا نصّه : فما ثبت في التوراة ممّا يدلّ على الأئمّة الاثني عشر ما ذكر في السفر الأوّل فيها من قصّة إسماعيل بعد انقضاء قصة سارة ، وما خاطب الله به إبراهيم في أمرها وولدها قوله عزوجل : وقد أجبتك دعاءك في إسماعيل وقد سمعتك ما باركته وسأكثره جدّا جدّا ، وسيلد اثني عشر عظيما أجعلهم أئمّة كشعب عظيم. ثمّ قال : وأقرأني عبد الحكيم بن الحسن السمري رحمه‌الله ما أملاه عليه رجل من اليهود بأرجان يقال له الحسن بن سليمان من علماء اليهود ، بها من أسماء الأئمّة بالعبرانية وعدّتهم ، وقد أثبته على لفظه وكان فيها قراءة : إنّه يبعث من ولد إسماعيل ـ واسم إسماعيل في التوراة اشموعيل ـ ميمي ما يد يعني محمّدا ، يكون سيّدا ويكون من آله اثنا عشر رجلا أئمّة وسادة يقتدى بهم : تقوبيث قيذوا دبيرا مغسورا مسموعا دوموه مشبو هذار يثيمو بطور توقس قيذموا. وسئل هذا اليهودي عن هذه الأسماء في أي سورة هي فذكر أنّها في سدّ سليمان ، أي في قصّة سليمان ، وقرأ منها أيضا كلاما تفسيره وترجمته : إنّه يخرج من صلب إسماعيل ولد مبارك عليه صلواتي وعليه رحمتي يلد منه اثنا عشر رجلا يرتفعون وينجلون ، ويرتفع اسم هذا الرجل ويحلو بعلو ذكره ، وقرأ هذا الكلام والتفسير على موسى بن عمران بن زكريا اليهودي وقال فيه إسحاق بن إبراهيم يحسبونه اليهودي العيسوي مثل ذلك ، وقال سليمان بن داود النوشجاني مثل ذلك. آخر كلام النعماني (٣).

البشارة الخامسة عشرة

فيه : عن المقتضب عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطّاب : كنت مع أبي عند كعب

__________________

(١) المسائل السروية للمفيد : ٤٣.

(٢) الصراط المستقيم : ١ / ٥٥.

(٣) غيبة النعماني : ١٠٨ ح ٣٨ باب ٤.

١٣١

الأحبار فسمعته يقول : إنّ الأئمّة من هذه الامّة بعد نبيّها على عدد نقباء بني إسرائيل ، وأقبل علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال كعب : هذا المقبل أوّلهم وأحد عشر من ولده ، وسمّاهم كعب بأسمائهم في التوراة : تقوبيث قيذوا دبيرا مغسورا مسموعا دوموه مشيو هذاريتيمو (١) بطور توقس قيذموا. قال أبو عامر هشام الدستواني : لقيت يهوديا بالحيرة يقال له : عثوا بن أوسوا (٢) وكان حبرا لليهود وعالمهم فسألته عن هذه الأسماء وتلوتها عليه. فقال لي : من أين عرفت هذه النعوت؟ قلت : هي أسماء. قال : ليست أسماء لو كانت أسماء لتطرّزت في تواطؤ الأسماء ، ولكنّها نعوت لأقوام وأوصاف بالعبرانية صحيحة نجدها عندنا في التوراة ، ولو سألت عنها غيري لعمي عن معرفته أو تعامى. قلت : ولم ذلك؟ قال : أمّا العمى فللجهل بها ، وأمّا التعامي لئلّا يكون على دينه ظهيرا وبه خبيرا ، وإنّما أقررت لك بهذه النعوت لأني رجل من ولد هارون بن عمران ، مؤمن بمحمّد ، أسر بذلك عن بطانتي من اليهود الذين لم اظهر لهم الإسلام ولن اظهره لأحد بعدك حتّى أموت.

قلت : ولم ذلك؟ قال : لأنّي أجد في كتب آبائي الماضين من ولد هارون أن لا نؤمن بهذا النبي الذي اسمه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ظاهرا ونؤمن به باطنا حتّى يظهر المهدي القائم عليه‌السلام من ولده ، فمن أدركه منّا فليؤمن به ، وبه نعت الأخير من الأسماء. قلت : وبما نعت به؟ قال : نعت بأنّه يظهر على الدين كلّه ، ويخرج إليه المسيح فيدين به ويكون له صاحبا. قال : فانعت لي هذه النعوت لأعلم علمها؟ قال : نعم فعه عنّي وصنه إلّا عن أهله وموضعه : أمّا تقوبيث فهو أول الأوصياء ووصي آخر الأنبياء ، أما قيذوا فهو ثاني الأوصياء وأوّل العترة الأصفياء. وأمّا دبيرا فهو ثالث الأوصياء وثاني العترة وسيّد الشهداء ، وأمّا مغسورا فهو سيّد عبد الله من عباده ، وأما مسموعا فهو وارث علم الأوّلين والآخرين ، وأمّا دوموه فهو المدره الناطق عن الله الصادق ، وأمّا مشيو فهو خير المسجونين في سجن الظالمين ، وأمّا هذار فهو المنخوع (٣) بحقّه النازح عن الأوطان الممنوع ، وأمّا يثيمو فهو القصير العمر الطويل الأثر ، وأمّا بطور فهو رابع أي رابع من سمي بهذا الاسم اسمه ، وأمّا توقس فهو سمّي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمّا قيذموا فهو

__________________

(١) في البحار : يثمو.

(٢) في المقتضب : عتو بن لوسو.

(٣) المنخوع : الممنوع.

١٣٢

المفقود من أبيه وأمّه ، الغائب بأمر الله بعلمه والقائم بحكمه (١).

البشارة السادسة عشرة

فيه : عن كتاب ضياء العالمين عن الشيخ محمد بن علي الكراجكيّ وبعض علماء اليهود بعد إسلامه ، في رسالته التي ألّفها في بشارات الله وأنبيائه بمجيء نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ قال : وقد صرّح جمع بأنّها في السفر الأوّل من التوراة ، في ذكر البشارة لإبراهيم في قبول دعائه في حقّ إسماعيل ، ثمّ ذكر العبارة ولغته ملخّص ما فيه : وفي إسماعيل سمعت دعاءك ، ها أنا باركته وأثمرته وكثرته بعظيم عظيم أو بمحمّد واثني عشر شريفا يولدون منه ، وأعطيته لقوم عظيم كبير (٢).

البشارة السابعة عشرة

في قوام الأمّة عن مكاشفات يوحنا في الباب الثاني عشر في الآية الاولى ما ترجمته : إنّه ظهر في السماء علامة وهي امرأة لبست الشمس ، وتحت رجليها القمر ، وعلى رأسها تاج من اثني عشر كوكبا ، فبينما هي حامل وإذا بثعبان سيمتلئ ، وكلّ جبل وأكمة ستتضع وتعتدل المعوجات وتلين الصعاب ، تلك الكواكب على الأرض والثعبان واقفة عند المرأة الحاملة على الوضع لتأخذ مولودها بعد وضعها ، فوضعت ذكرا سويا يحكم على جميع الطوائف بعصا من حديد ، فاجتلب وأخذ إلى الله وبلغ إلى مقرره وسريره ، انتهى (٣).

قال المؤلّف : المراد بالمرأة هي فاطمة الزهراء حيث غلبت نورها الشمس ، والقمر تحت رجلها وهي أعلى وأجلّ ، بل نوره جزء من آلاف جزء من أجزاء نورها ومكتسب منها ، والتاج المشتمل على البروج الاثني عشر الأئمّة الاثنا عشر سلام الله عليهم أجمعين ، والمراد من تلك الثعبان شجرة بني أمية ، الشجرة الخبيثة ، قتلت الكواكب المعنوية المشرقة ، والمراد من الطفل هو الإمام القائم عليه‌السلام الغائب ، حيث أراد الأعداء قتله فاختفى وحجب عن

__________________

(١) مقتضب الأثر : ٢٨ ـ ٢٩ ، والبحار : ٣٦ / ٢٢٤ وغيبة النعماني : ١٠٩ ح ٣٨.

(٢) كتاب الأربعين لمحمّد طاهر القمي : ٣٥٨ والصراط المستقيم : ٢ / ٢٣٨.

(٣) قوام الامّة في رد شياطين الكفرة للشيخ محمد تقي ، مخلوط بالفارسية.

١٣٣

الأبصار ، والعصا الحديد كناية عن السيف ، فيقاتل من على وجه الأرض من الطوائف بالسيف ويملأ الأرض قسطا وعدلا ويضمحل وينهدم بنيان الكفر والضلال والظلم ، وليس مراد اليسوع المسيح لأنّه عليه‌السلام لم يقاتل قط ، وإنّما كان المسيح مظهرا للرحمة ، ويمكن أن يكون المراد من النجوم الاثني عشر محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليا والعشرة من أولاده ، والقمر كناية عن القائم عليه‌السلام ، ولا ينطبق على مريم واليسوع والحواريين ؛ لأنّهم وإن كانوا اثني عشر إلّا أنّه ارتدّ واحد منهم فينافي العدد المعلوم.

وما فسّره بعض علماء النصارى من أنّ المراد من المرأة هي المعبد والكنيسة ، والنجوم الاثني عشر عبارة عن الحوراء الملازمة لها الحافات حولها ، وذلك حيث ذكر في الباب الثاني من المكاشفات أن اكتب للحوراء الموكّلة بكنيسة أقس أنّ من بيده النجوم السبع يسير في المصابيح السبعة المذهبة ، ففيه أن الكنائس لا تشتمل على الحور ولا يناسب ذكر النجم لها أيضا وبعيد جدّا ، والتعبير عن الخادم والحارث والحفظة مع ما هم عليه من الظلمة بالنورانية والبهاء أبعد خطأ عند العقلاء.

البشارة الثامنة عشرة

في حسام الشيعة (١) عن الفصل العاشر من كتاب عزير (٢) أن أهل سامراء يشردون سلطانهم ورئيسهم على وجه الماء كزبد البحر. والمسيحية يؤوّلون هذه الآية ويطبقونها على المسيح ولا نسبة للمسيح وسامراء بوجه من الوجوه أبدا وعدم المناسبة ظاهر ، كما أن انطباقه على القائم عليه‌السلام ظاهر وصريح لما رأوه في سرداب داره منهزما مستترا عن أبصار الظلمة على البحر الذي ظهر هناك بإعجازه عليه‌السلام فغاب عنهم ، والسرداب ذاك حينئذ مقام معروف ، مزار للشيعة مع أنّهم لم يذكروا ولم ير في تواريخهم شيء من فرار المسيح أو مروره على هذا الطريق والأراضي ، فلا ينطبق عليه قطعا ، هذا مع ما في ذلك الفصل من الكتاب المذكور حيث يقول الله سبحانه إغضابا لتلك البلدة ما حاصله وترجمته : إنّه يهجم بهم سامراء لأنّ أهلها أغضبوا ربّهم ، ويقطّع أطفالهم إربا إربا ويشقّ بطون نسائهم الحبليات ،

__________________

(١) للسيّد محمد علي الحسيني السدهي الاصفهاني ، الذريعة : ٧ / ١٢.

(٢) لم نجد في التوراة اسم هذا الكتاب ، نعم يوجد كتاب اسمه : عزرا.

١٣٤

والمواعيد المعلومة كناية عن هجمها ، وقد وقع جميع ذلك بعد غيبته.

البشارة التاسعة عشرة

فيه : ما ناجى الله داود في السفر الحادي والسبعين من الزبور قوله : اللهمّ أعط قيامتك للسلطان وحجّتك لذريته ، إلى أن يقول : وسيظهر في دولته حجّة ويزيد العدل والقسط إلى أن يزول القمر ، ويحكم من البحر إلى البحر ، ومن الوادي إلى جميع ما على وجه البسيطة ، وتنعطف له العالم ، وتقبّل رجله الجيش ، وتلعس الأرض عنده الأعداء ، وتهدى إليه الهدايا من سلاطين الجزائر ويقدم له من سلاطين العرب واليمن التقديمات ويسجدون له ويثنى عنده جميع سلاطين الأرض وملوك العجم عنده (١) ، والنصارى يطبقون هذه البشارات على المسيح. وفساده ظاهر لعدم سلطنته ، ولو سلم أنّ المراد به السلطنة الواقعية المعنوية فلم يكن له عقب من ذريته له سلطنته ، واقتدار ، ثمّ المراد بزوال القمر لا شكّ أنّه القيامة فيلزم أن يكون العدل والقسط مبسوطان في العالم من زمان المسيح إلى القيامة ، وخلافه ظاهر ، وكذا سائر الإخبارات من تقبيل الجيش وذلّ الأعداء واهداء السلاطين وملوك الجزائر ، وكذا إهداء ملوك العرب واليمن وسجود جميع السلاطين وتثنية ملوك العجم عنده وحضورهم لديه ، ولم يذكر أحد منهم شيئا من هذه الامور بالنسبة إلى المسيح مع اهتمامهم بتواريخهم من الضبط ، ولما كانت السلطنة العامة القاهرة لنبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ثابتا باتّفاق المؤرخين في هذه النشأة ، والموهبة العظيمة والسلطنة الرفيعة والشفاعة الكبرى للعصاة في يوم القيامة ، وتقدّمه على جميع الأنبياء في ذلك اليوم وبيده مفاتيح أبواب الجنان الثمانية ، فيكون هو المراد بالسلطان ، وأولاده وذريته وعترته فهم السلطنة ، ولما تواتر (٢) في الأخبار انطباق جميع الإخبارات المعلومة في الرجعة من طرق الشيعة بالقائم عليه‌السلام ؛ فالمراد به هو ليس إلّا لأنّه الملقّب بالحجّة وهو المظهر حجّته بعد ظهوره للعالمين ، ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، ويبقى عدله إلى القيامة وينفذ حكمه على العالمين ، وتذلّ له جميع السلاطين وتخضع له رقاب الجبابرة والطاغين.

__________________

(١) العهد القديم ، وهو التوراة ، كتاب الزبور السفر الواحد والسبعون ، بتفاوت في اللفظ.

(٢) راجع مختصر البصائر : ١٧ ـ ١٩ ـ ٢٠ ـ ٢٦ ـ ٤٣ ، وكتاب الرجعة للأسترآبادي.

١٣٥

البشارة العشرون

فيه : عن الفصل الأوّل من كتاب ميلكيس (١) وهو الذي يقول بنو إسرائيل بنبوّته ، يقول الله سبحانه : إنّه يأتي زمان كالتنور المسجرة ، والظلمة فيه كالذرة فتحترق فيه أهل الظلم بحيث لا يبقى منهم عرق ، وسيطلع عليكم أيها الخائفين عن اسمي من تحت جناحه شمس العدالة والشفاء ، إلى أن يقول عزوجل : إنّا سنبعث عليكم قبله الإيليا. هذا ولم ينقل النصارى محو آثار الظلمة في زمان عيسى ، وكيف يختص هذا الخبر من قطع عرق الظلم ومحو آثاره بزمانه مع اتّفاقهم على شيوعه في ذلك الزمان خاصة واجتماعهم على قتل المسيح وصلبه وهكذا بعده من الأزمنة؟ واتفقت الكلمة وتواتر الأخبار على محوه في زمان القائم وامتلاء العالم من العدل والقسط ، ولم ينقطع ولم يمح في زمان نبي من الأنبياء ، فتعيّن أنّه المعتبر بشمس العدالة والشفاء حتّى يملأ الأرض بوجوده قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا.

والمراد من أنّ الشفاء يكون تحت جناحه حتّى يشتفي به مرض جميع الكفّار والمخالفين ولا يبقى من مرض الكفر والشرك على وجه الأرض قط أبدا. والمراد بإيليا هو قطب الأولياء أمير المؤمنين عليه‌السلام لأن إيليا على اصطلاحهم الإلياس ، وليس المراد إلياس النبي لأنّ هذه العبارة الصادرة من ميلكيس وإنّما هو في زمان المسيح ، وإلياس في عصر داود فالإلياس قبل ميلكيس بأزمنة بعيدة فلا ينطبق على إلياس نفسه. وليس المراد به يحيى لأنّه ذكر في الفصل الأوّل من انجيل يوحنا أنّ اليهود أرسلوا علماءهم إلى يحيى وسألوه : أنّك الإيلياء الموعود؟ فأجابهم : إنّي لست بإيلياء الموعود وإنّما أنا يحيى ، فيظهر أنّ اليهود كانوا ينتظرونه إلى زمان يحيى ، على أن ما استظهر من الفصول الإنجيلية هو أنّ المسيح ويحيى كانا معاصرين ، فظهر ممّا ذكر أنّ البشارة السابقة من قوله : إنّا نبعث قبل ذلك اليوم المهول الإلياء لا ينطبق على ما ذكر وأنّ المراد به هو أمير المؤمنينعليه‌السلام.

ويؤيّده ما تواتر به الإخبار من أنّ اسمه عليه‌السلام في التوراة إيليا (٢).

__________________

(١) لم أجد في العهد القديم والعهد الجديد هذا الاسم.

(٢) راجع الاحتجاج : ١ / ٣٠٨ ومناقب آل أبي طالب : ٢ / ١٠٠ و: ٣ / ٦٧.

١٣٦

وفي باب علامات ظهور القائم عليه‌السلام الحجّة ابن الحسن عليه‌السلام بارز عند [زوال] الشمس والمراد به هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام فإنّه سيظهر في أوان الظهور عندها ، وتقف الشمس في مركزها عن المسير ساعة فيظهر وجهه وبهاؤه بحيث يعرفه الناس وينادي أن بعث الله باقيا يعني الصاحب لهلاك الظلمة (١). وفي الحديث : إنّ خروج الدابة إنّما هو بعد الدجّال وخروجها من جبل صفا في مكة ، ومعه خاتم سليمان وعصا موسى فيضع الخاتم على المؤمن والكافر فيوسمهم فيعرفون به (٢). وسئل رأس الجالوت عن دابة الأرض فقال : إنّ اسمه إيليا (٣). فصدق ما في الأخبار أنّ خروج إيليا إنّما يكون قبل خروج القائم عليه‌السلام بيسير.

البشارة الحادية والعشرون

فيه : عن الفصل السابع والثلاثين من كتاب زكيال النبي (٤) قوله : إني أجمع أهل الإسلام وألمّ شعثهم وآتي بهم على الأرض ، ويحكم على جميعهم سلطان حاكم ، فلا ينقادون بعد ذلك لسلطانين ، ولا يذلّون ولا يكرهون من سوء اختيارهم وفعالهم وعصيانهم بعبادة الأصنام قط ، وسأطهّرهم من رجسها ، وأنا الله ربّهم وعبدي داود نبيّهم وسلطانهم ، وينفرد الراعي على جميعهم ، فيمشون في حججي ويحفظون أحكامي. ولمّا كان زكيال هو على اعتقاد النصارى بعد داود بمنزلة داود عليه‌السلام وأبا لسليمان عليه‌السلام فلا يمكن أن يقال المراد هو داود ، وكذا لا ينطبق على المسيح من تأويلهم أنّ المسيح كان يعبّر عنه داود عليه‌السلام ؛ لأنّ التعبير هذا بهم خاصة ، وليس من الله ولا في الكتب السماوية ، وباتفاق النصارى أنّ المسلمين من بني إسرائيل ما اجتمعوا في زمان المسيح ولم يأتوا أرضهم وديارهم ، وإنّما كانوا متفرّقين مشرّدين ، بل إنّما اشتدّ تفرّقهم في تلك الأزمنة ، وليس في التواريخ من كان فيهم (ح) مسمّى بداود عليه‌السلام حاكما على جميع بني إسرائيل ، وليس المراد بالسلطان المسيح لعدم اقتداره وسلطنته ، وكذا لم يتعرّض مؤرّخ اجتناب أحد من عبدة الأصنام في ذلك الزمان عمّا هو

__________________

(١) مختصر بصائر الدرجات : ٢٠٦ بتفاوت وتأويل الآيات : ١ / ٣٨٧.

(٢) مختصر البصائر : ٢٠٨ وتأويل الآيات : ١ / ٤٠٦ ومجمع الزوائد : ٨ / ٨.

(٣) مختصر البصائر : ٢٠٨ ضمن حديث طويل.

(٤) لم نجد في التوراة هذا الاسم.

١٣٧

عليه ، وانهدام معابدهم وإعدام أصنامهم ، وإنّما يتوجّه النصارى بالطعن على بني إسرائيل لعدم إيمانهم بالمسيح ، ولما يعتقدونه من انتساب قتل المسيح إليهم ؛ فظهر ممّا ذكر عدم انطباقه على المسيح عليه‌السلام أيضا ، فتعيّن انطباقه على القائم المنتظر عليه‌السلام.

ويؤيّده ما ذكر في الأخبار من وقوفه بعد ظهوره بين الركن والمقام وندائه بأعلى الصوت : ألا أيّتها الجماعة المخصوصة بي والمدّخرة المحفوظة المنتصرة من الله لي من قبلي على وجه الأرض ، أسرعوا إليّ ، فيقرع الله بذلك النداء أسماعهم حيث ما كانوا من المشرق والمغرب ، فيأتونه طرفة عين ويحضرون حوله ويجتمعون لديه (١).

وهذا هو المراد بالآية والبشارة من اجتماعهم بعد تفرّقهم ، ولمّهم بعد شعثهم ، وإتيانهم أرض مكّة وقبلة الإسلام ، ولما اتفقت الكلمة من أصحابنا على إعلائه على ملوك الأرض وجميع السلاطين ومحو آثارهم وانحصار السلطنة به ، فهو المراد من الحاكم على الجميع ، فلا ينقادون حينئذ لأحد غيره ، ولا لسلطانين لأنّه ماحي أثر الكفر والشرك عن الأرض ، والاختلاف عن الملل والأديان ، ويتّحد الأديان كما وعد الرّحمن في القرآن بقوله (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (٢) وفي الاخرى (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) (٣) فيحتمل على هذا أن يكون الدار محرّفا من مهدي ، وإلّا فيكون إشارة إلى الخبر المروي فيه عليه‌السلام من أنّه يحكم بحكم داود (٤) ، أي يحكم في الناس على الواقع كما كان يحكم داود عليه‌السلام ، وما ذكر من أنّهم يمشون في حججي ويحفظون أحكامي ، يشعر بالحديث المروي فيه من رفعه عليه‌السلام الاختلاف من بين الناس ، ويرفع العالم أمنا ، ويطيع الناس إيّاه ومحمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام (٥).

البشارة الثانية والعشرون

فيه : عن الفصل الثاني من كتاب «حول النبي» (٦) أن ارفعوا أصواتكم في جبلي المقدس

__________________

(١) كمال الدين : ٢ / ٣٧٠ بتصرّف ، والبحار : ٥٢ / ٣٤٢ ، وتفسير العياشي : ٢ / ٥٦ ح ٤٩.

(٢) التوبة : ٣٣.

(٣) الأنفال : ٣٩.

(٤) بصائر الدرجات : ٢٧٩ واصول الكافي : ١ / ٣٩٧.

(٥) مسند أحمد : ٣ / ٣٧ وسعد السعود : ٣٤ ذكر إدريس.

(٦) لم أجد في التوراة هذا الاسم.

١٣٨

لأنّه إلى يوم الصاحب وقرب يوم الظلمة ويوم العجاج والمطر ، وفيه تنتشر كثير من الامّة والشجعان ، لم يكن مثلهم في الأوّلين ولا يأتي كمثلهم في الآخرين ، ينتشرون في الجبال وتكون بين أعينهم نار محرقة [و] من ورائهم نار موقدة ذات زفير وشهيق ، وتكون بين عينيه الأرض كالبساتين المخضرة ، ومن ورائه الأرض القفراء ولا يقدر أحد على الانهزام منه.

ويتراكض جنده كالخيل القوي المسرع ، وأصواتهم يرى كصوت الجنود العظيمة المرتفعة في قلل الجبال ، وهم كالنار المحرقة للقشاش ، وهم مستعدّون للحرب بين يديه كالامّة القوية والشجعان العلية ، وتبتلى الامّة بغضبة وتسودّ به الوجوه ، وأمّة الصاحب يركضون كالشجعان ويعلون الحيطان ، آخذين طريقهم نصب أعينهم ، غير تاركيه يوم يفرّ المرء من أخيه ولا ينجيه ، وتتزلزل به الأراضي وتتحرك به السماوات وتظلم الشمس والقمر. إلى أن يقول : فيصيح الصاحب قبالة جنده لأنّهم كثيرون وهم الشجعان وهم مطيعوه ، فيوم الصاحب يوم عظيم مهول ومن يطيق على ذلك اليوم ، انتهى.

والنصارى يأخذون هذه الآيات برهانا على خاتمية المسيح مع أنّه لم ينقل فيه ظهور صوت ممتاز عنه حين تولّده أو بعثته قط ، وباتّفاق جميع النصارى أنّ أمّته لم تكن كثيرة ولا شجاعة ممتازة ، وكذا جميع ما ذكر من العلامات ، وكما يظهر من الأسفار الإنجيلية أنّ المسيح لم يزل شاردا منهزما من اليهود ومختفيا عنهم في البراري والصحاري ، ولما ظهر من الإشارة إلى اللقلب الصاحب المخصوص بالقائم المهدي عليه‌السلام كما هو المبيّن أيضا من العلامات المذكورة والبشارات المسطورة في المقام ؛ فلا يخفى على من له أدنى مسكة انطباقها عليه لا المسيح ، وينادي المنادي مقارنا لظهوره حين طلوع الشمس عند قرصها بصوت جلي يسمعه أهل السماوات والأرضين ، فيعيد نسبه الشريف إلى جدّه الحسين عليه‌السلام.

ثمّ المراد بيوم الظلمة ويوم تموّج الهواء والعجاج والمطر والريح ، إشارة إلى إتيانه بعد ظهوره بمدينة ، فيمتحن الناس في الجبت والطاغوت ويأمر الناس بالبراءة منهما ويتوعّد العذاب على من لم يتبرّأ منهما ، فيأبى محبّوهما وشيعتهما ذلك ، فيأمر القائم الريح الأسود فيهلكهم جميعا (١) ، وعدد الامّة وأصحابه يكون ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من الأتقياء ،

__________________

(١) مختصر البصائر : ١٨٧ ضمن حديث طويل ومفصّل.

١٣٩

ويكون رجوع الشيعة الخاص وخروج السيّد الحسني مع جمع كثير ، ونزول عيسى عليه‌السلام وأصحاب الكهف ورجعة الأنبياء والأوصياء ، ومعاونة جمع كثير من الملائكة والشجعان ، وذلك على ما في الحديث من أنّه يعطى يومئذ لكلّ أحد من الشيعة قوّة أربعين شجاعا ، وقلوبهم أقوى من الحديد (١) ولو شاءوا لقلعوا الجبال الحديد الرواسي ، والخوف عن قلوبهم زائل ، وإلى قتال الأعداء مائل ويسحقون أعادي الله سحقا ، وينشرهم في الجبال والقفار انتشارا ، وإذا طاف بجنوده العالم لا يبقى على الأرض من الكافرين ديّارا ولو التجأ إلى شجر أو كنف حجر فينادونه أن عدوّ الله التجأ إلى كنفي ومختف عندي ، فخذوه واقتلوه (٢).

والمراد بقوله : وتكون نار محرقة ونار موقدة ، أن المخالف والطاغي عن إطاعته يبتلى بالنار الموقدة من ضربه بين أيديه أو ورائه. ومن قوله : بين يديه البساتين المخضرة ، إلى ما روي فيه وفي زمانه من أنّ الله عزوجل ينزل حينئذ بركاته من السماء حتّى أن كلّ شجرة تثمر ما شاء الله ، وتثقل أغصانها من ثمرتها حتّى تنكسر ، وتوجد ثمرة الشتاء في الصيف وثمرة الصيف في الشتاء وتمطر السماء بمطر الرحمة (٣) وقد قطع عن العالمين من يوم السقيفة وغصب خلافة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فلو أن أحدا خرج من العراق إلى الشام لم يضع قدما ويرفع إلّا على العشب والخضر ، كما ذكر في الفصل التاسع من كتاب «امس النبي» أنّ الجبال حينئذ تقطر ويجري منها السمن ، وتجري من دار الصاحب عين عذب.

والمراد من داره مسجد الكوفة ، وقد ورد في الحديث أنّ العيون الجارية من المسجد يومئذ أربعة ؛ عين السمن وعين الحليب وعين ماء الطهور وعين ماء. والمراد من قوله : ومن ورائه الأرض القفراء ، إشارة إلى انهدام العالم ؛ وعماراتها. والمراد من الركض كالخيل ما ورد من طي الأرض تحته وتحت جنده ، وتقطع المسافة البعيدة بأسرع ما يكون (٤). والمراد من ركضهم كالشجعان واعتلائهم الحيطان ما ورد من طي رجله أو رجل أصحابه حتّى يقطعوا

__________________

(١) راجع مجمع البيان : ٤ / ٣٩٨ والبحار : ٥٢ / ١٨٦ ـ ٣٠٤ ح ٧٣.

(٢) بحار الأنوار : ٥٢ / ١٨٨ ـ ٣٠٠ ضمن حديث طويل.

(٣) مختصر البصائر : ٥١ الخرائج والجرائح : ٢ / ٨٤٨ ح ٦٣.

(٤) كناية عن طي الأرض ، راجع إثبات الهداة : ٣ / ٥٧٠ ح ٦٨٦.

١٤٠