إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

الشيخ علي اليزدي الحائري

إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي اليزدي الحائري


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

يَسْرِ) (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قوله عزوجل (وَالْفَجْرِ) الفجر هو القائم والليالي العشر الأئمّة من الحسن إلى الحسن (وَالشَّفْعِ) أمير المؤمنين وفاطمة (وَالْوَتْرِ) هو الله وحده لا شريك له (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) هي دولة جبت فهي تسري إلى دولة القائم (٢).

الآية الثامنة والعشرون ومائة : قوله تعالى (وَالشَّمْسِ وَضُحاها وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) (٣) عن سليمان الديلمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألت عن قول الله عزوجل (وَالشَّمْسِ وَضُحاها).

قال : الشمس رسول الله أوضح للناس دينهم. قلت : (وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) قال : ذاك أمير المؤمنين تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها) قال : ذلك الإمام من ذرية فاطمة نسل رسول الله فيجلي ظلام الجور والظلم ، فحكى الله سبحانه عنه وقال (النَّهارِ إِذا جَلَّاها) يعني به القائم عليه‌السلام.

قلت : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) قال : ذاك أئمّة الجور الذين استبدّوا بالامور دون آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وجلسوا مجلسا كان الرسول أولى به منهم ، فغشوا دين الله بالجور والظلم فحكى الله

سبحانه فعلهم فقال (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) (٤).

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) الشمس أمير المؤمنين عليه‌السلام وضحاها قيام القائم عليه‌السلام ؛ لأنّ الله سبحانه قال (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) (٥) (وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) الحسن والحسين عليهما‌السلام (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها) هو قيام القائم عليه‌السلام (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) الجبت ودولته قد غشا عليه الحقّ ، وأمّا قوله (وَالسَّماءِ وَما بَناها) قال : هو محمد هو السماء الذي يسيمون إليه الخلق في العلم ، وقوله (وَالْأَرْضِ وَما طَحاها) قال : الأرض الشيعة (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها) قال : هو المؤمن المستوي على الخلق ، وقوله (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) قال : عرفت الحقّ من الباطل فذلك قوله (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) قد أفلحت نفس زكّاها الله (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) وقوله (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) قال : ثمود رهط من الشيعة فإنّ الله تعالى يقول (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ

__________________

(١) الفجر : ١.

(٢) تأويل الآيات بتفاوت : ٢ / ٧٩٣.

(٣) الشمس : ١ ـ ٤.

(٤) روضة الكافي : ٨ / ٥٠ ح ١٢.

(٥) طه : ٥٩.

١٠١

الْعَذابِ الْهُونِ) فهو السيف إذا قام القائم عليه‌السلام ، وقوله (فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها) قال : الإمام الناقة الذي فهم عن الله ، وسقياها أي عنده منتقى العلم (فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها) قال : في الرجعة (وَلا يَخافُ عُقْباها) قال : لا يخاف من مثلها إذا رجع (١).

الآية التاسعة والعشرون ومائة : قوله تعالى (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) قال : دولة إبليس لعنه الله إلى يوم القيامة وهو قيام القائم (وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) وهو القائم إذا قام ، وقوله (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) (٣) أعطى نفسه الحقّ واتّقى الباطل (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى) (٤) يعني بنفسه عن الحقّ واستغنى بالباطل عن الحقّ ، (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى) بولاية علي بن أبي طالب والأئمّة من بعده (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) يعني النار ، وأمّا قوله (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى) يعني إنّ عليّا هو الهدى (وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى) قال : القائم عليه‌السلام إذا قام بالغضب فيقتل من كلّ ألف تسعمائة وتسعة وتسعين (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى) قال : هو عدوّ آل محمّد (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) قال : ذاك أمير المؤمنين وشيعته (٥).

وعن أبي جعفر قال : الليل في هذا الموضع الثاني يغشى أمير المؤمنين عليه‌السلام في دولته التي جرت له عليه ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام يصير في دولتهم حتّى تنقضي قال : (وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) قال : النهار هو القائم عليه‌السلام منّا أهل البيت إذا قام غلبت دولته الباطل ، والقرآن ضرب فيه الأمثال وخاطب نبيّه ونحن ، فليس يعلمه غيرنا (٦).

الآية الثلاثون ومائة : قوله تعالى (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (٧) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أبو محمد : قرأ علي بن أبي طالب عليه‌السلام (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (٨) وعنده الحسن والحسين فقال الحسنان : يا أبتا كأن بها فيك من حلاوة ، قال له : يا ابن رسول الله وابني ، اعلم

__________________

(١) إثبات الهداة : ٣ / ٥٦٦ ح ٦٦٠ والبرهان : ٤ / ٤٦٧ ح ١١.

(٢) الليل : ١ ـ ٢.

(٣) الليل : ٥.

(٤) الليل : ٨.

(٥) تأويل الآيات : ٢ / ٨٠٧ وإثبات الهداة : ٣ / ٥٦٦ ح ٦٦٢.

(٦) وسائل الشيعة : ٢٧ / ٢٠٥ ح ٣٣٦١١ وفيه : ونحن نعلمه فليس.

(٧) القدر : ٥.

(٨) القدر : ١.

١٠٢

أنّي أعلم فيها ما لم تعلم ، إنّها لما أنزلت بعث إليّ جدّك رسول الله فقرأها عليّ فضرب على كتفي الأيمن وقال : يا أخي ووصيّي ووليّي على أمّتي وحرب أعدائي إلى يوم يبعثون ، هذه السورة لك من بعدي ولولديك من بعدك ، إنّ جبرئيل أخي من الملائكة أحدث إليّ أحداث أمّتي في سنتها وإنّه ليحدث ذلك إليك كأحداث النبوّة ، ولها نور ساطع في قلبك وقلوب أوصيائك إلى مطلع فجر القائم. وسئل أبو عبد الله عن ما يفرق في ليلة القدر ، هل هو ما يقدر سبحانه وتعالى فيها؟ قال : لا توصف قدرة الله تعالى سبحانه لأنّه يحدث ما يشاء ، وأمّا قوله (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (١) يعني فاطمة ، وقوله تعالى (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها) (٢) والملائكة في هذا الموضع المؤمنون الذين يملكون علم آل محمّد ، والروح روح القدس وهي فاطمة (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ) يقول : كلّ أمر سلّمه حتّى مطلع الفجر يعني حتّى يقوم القائم عليه‌السلام (٣).

الآية الحادية والثلاثون ومائة : قوله تعالى (وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : دين القيمة إنما هو ذلك دين القائم عليه‌السلام (٥).

الآية الثانية والثلاثون ومائة : قوله تعالى (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) (٦) الآيات عن مفضّل : سألت الصادق عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) فقال : العصر عصر القائم عليه‌السلام (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) يعني أعداءنا (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بآياتنا (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) يعني بمواساة الإخوان (وَتَواصَوْا بِالْحَقِ) يعني بالإمامة (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) يعني في الفترة (٧).

الآية الثالثة والثلاثون ومائة : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) (٨) من المواضع التي أوّل بزمان قيام القائم عليه‌السلام كما عن كتاب تنزيل وتحريف لأحمد بن محمد السيار في آية (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) فتح قائم آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله (٩).

__________________

(١) القدر : ٣.

(٢) القدر : ٤.

(٣) تفسير البرهان : ٤ / ٤٨٧ ح ٢٤ وتأويل الآيات : ٢ / ٨١٨.

(٤) البيّنة : ٥.

(٥) المحجّة : ٢٥٧ ، تأويل الآيات : ٢ / ٨٣١.

(٦) العصر : ٢.

(٧) كمال الدين : ٦٥٦ في نوادر الكتاب ح ١.

(٨) النصر : ١.

(٩) لم أجده في المصادر بهذه الألفاظ ، نعم ورد في تفسير الآية قول النبي : بنا فتح الله وبنا يختم» راجع

١٠٣

الفاكهة الاولى : قد ذكر ذيل آية النور تأويل قوله تعالى (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) (١) إلى الحجّة ، ولقد أجاد المحدّث الخوانساري في كتابه الموضوع للزبر والبيّنات المسمّى بمضيء الأعيان قال : زبر هذه الآية يطابق الإمام الحميد محمد بن الحسن المهدي صاحب الزمان ، واستخرج وطابق بيّناته : الحميد الزكي محمد بن الحسن المهدي الهادي ومن جمع الزبر والبيّنات : الإمام الماحي والقائم الدائم ابن الحسن محمد المهدي صاحب العصر والزمان ، واستخرج من زبر كلمة الغيب في قوله تعالى (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (٢) الإمام الجامع بالحقّ أبو القاسم محمد بن الحسن المهدي الهادي ومن بيّناته : حبيب ودود محمد مهدي هادي ، ومن جمعهما : الإمام بحق مولانا أبو القاسم محمد بن الحسن المهدي الهادي صاحب الزمان عجّل الله فرجه وسهّل مخرجه (٣).

الفاكهة الثانية : في حديث جم الفوائد كثير العوائد حسن السبك جعلتها فاكهة من فرع هذه الشجرة المباركة ، وذلك هو الحديث الوارد في تأويل سورة القدر والعصر في شأن اولي الأمر عليه‌السلام ، عن السيّد الثقة الجليل الفقيه السيّد نعمة الله الجزائري رحمه‌الله في بعض مؤلّفاته عن ابن عبّاس قال : لمّا صارت الخلافة إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وسيّد الوصيّين وقائد الغرّ المحجّلين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فلمّا كان في اليوم الثالث أقبل رجل في ثياب خضر ووقف على باب المسجد ، وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه جالسا في المسجد والناس حوله يمينا وشمالا فقال : السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الحقّ. فقال له أمير المؤمنين : وعليك السلام يا بيهس بن صاف بن حاف بن لامو بن بيهس. فقال : يا خليفة الله في أرضه من أين عرفتني وعرفت اسمي؟ قال عليه‌السلام : من علم وتبيان ، أليس مسكنك في الجبال والبراري؟ قال : بلى يا خليفة الله. قال : ما الذي جاء بك إلينا؟ قال : جئت أنظر نورك فأستضيء به. قال : كيف علمت أنّ لنا أنوارا؟ قال : يقول الله تعالى (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ ...) (٤) وأنتم مصابيح

__________________

ـ ملاحم ابن طاوس : ٨٤ باب ١٩١.

(١) النور : ٣٥.

(٢) البقرة : ٣.

(٣) مضيء الأعيان : الورق ٤ والكتاب مخطوط فارسي.

(٤) النور : ٣٥.

١٠٤

الدجى ومفاتيح الهدى وحبل الله المتين.

قال له : صدقت سل عمّا بدا لك؟ قال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن قول الله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (١) قال عليه‌السلام : نعم يا بيهس قد سألت عنه غيري؟ قال : لا كرامة لهم وهذا علم لا يعلمه إلّا نبي أو وصيّ.

قال عليه‌السلام : أمّا قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) فنور أنزل على الدنيا. قال : كيف انزل؟ قال عليه‌السلام : لمّا استوى الربّ على العرش أراد أن يستضيء ضوء بنورنا وإنّ نورنا من نوره ، فأمر الله النور أن ينطق فنطق حول العرش فعلمت الملائكة بذلك فخرّوا له سجّدا لحلاوة كلام نورنا ، فلذلك سمّيت القدر فإنّها لنا ولمن يتولّانا ، وليس لغيرنا فيه نصيب فكان نورنا عند العرش ناميا صباحا ، والملائكة يسلّمون علينا ، فلمّا أن خلق الله آدم رفع رأسه فنظر إلى نورنا فقال آدم : إلهي وسيّدي منذ كم نورهم تحت عرشك؟ فقال الله تبارك وتعالى : يا آدم من قبل أن خلقتك وخلقت السماوات والأرض والجبال والبحار والجنّة والنار بأربعة وعشرين ألف عام وأنت في بعض أنوارهم ، فلمّا أن هبط آدم عليه‌السلام إلى الدنيا كانت الدنيا مظلمة ، فقال آدم عليه‌السلام : بإذن ربّهم. أتدري أي إذن كان؟ قال : لا. قال : أنزل الله تعالى إلى جبرائيل يا ربّ بحقّ محمّد وعلي إلّا رددت عليّ النور الذي كان لي ، فأهبطه الله تبارك وتعالى إلى الدنيا فكان آدم يستضيء بنورنا ، فلذلك سمّي ليلة القدر ؛ فلمّا بقي آدم عليه‌السلام في الدنيا وعاش فيها أربعمائة سنة أنزل الله عليه تابوتا من نور له اثنا عشر بابا ، لكلّ باب وصي قائم يسير بسيرة الأنبياء.

قال : يا ربّ من هؤلاء؟ قال الله عزوجل : يا آدم أوّل الأنبياء أنت والثاني نوح والثالث إبراهيم والرابع موسى والخامس عيسى والسادس محمد خاتم الأنبياء. وأمّا الأوصياء أوّلهم شيث ابنك والثاني سام بن نوح والثالث إسماعيل بن إبراهيم والرابع يوشع بن نون والخامس شمعون الصفا والسادس علي بن أبي طالب عليه‌السلام وآخرهم القائم من ولد محمد الذي أظهر به ديني على الدين كلّه ولو كره المشركون. قال : فسلّم آدم التابوت إلى شيث وقبض آدم ، فلذلك قال الله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) وإنّ نورنا أنزله الله إلى الدنيا حتى يستضيء بنورنا المؤمنون ويعمى

__________________

(١) القدر : ١.

١٠٥

الكافرون.

وأمّا قوله (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ) فإنّه لمّا بعث الله محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه تابوت من درّ أبيض له اثنا عشر بابا ، فيه رقّ أبيض فيه أسامي الاثني عشر فعرضه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمره عن ربّه أنّ الحقّ لهم وهم أنوار. قال : ومن هم يا أمير المؤمنين؟ قال : أنا وأولادي الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي ومحمد بن الحسن صاحب الزمان صلوات الله عليهم أجمعين ، وبعدهم أتباعنا وشيعتنا المقرّون بولايتنا المنكرون لولاية أعدائنا.

وقوله (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ) من كلّ من في السماوات ومن في الأرض علينا صباحا ومساء إلى يوم القيامة ، هي نور ذرّيتي ، تستضاء بنا الدنيا حتّى مطلع الفجر عنّا إلى يوم القيامة ، وأوّل ما يسأل العبد في ذلك اليوم يسأل عن ولايتنا فإن كان منّا نجا وإلّا دحي في نار جهنّم. قال : صدقت يا أمير المؤمنين أشهد أنّك وصي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله حقّا ، فأخبرني عن نوركم ما هو؟ قال : نعم ، نور لا يزول ولا ينقص ولا يطفأ فإذا كان ليلة القدر زيد فيه من نور عرش ربّ العالمين فيدخل في نورنا ونور شيعتنا ومحبّينا.

قال : من شيعتك ومحبّوك؟ قال عليه‌السلام : المؤمنون والمؤمنات من يتولّانا ولا يتولّى عدوّنا.

قال : يا أمير المؤمنين فبعد ذلك أين يذهب نوركم؟ قال عليه‌السلام : يرجع نورنا إلى السماء فإذا كان العام القابل وتأتي ليلة القدر ينزل نورنا إلى الدنيا فمن كان منّا نظر إلى نورنا ومن لم يكن منّا لم ير نورنا ولم يدر. قال : يا أمير المؤمنين ففي أي ليلة نلتمس أنواركم؟ قال : في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان أو سبعة وعشرين وهي أكرم ليلة على الله وأشرفها. قال : يا مولاي أخبرني عن أرواح محبّيكم؟ قال عليه‌السلام : أرواح محبّينا إذا أخذوا مضاجعهم تخرج أرواحهم من أبدانهم فيؤتى بها إلى العرش ثمّ ترجع إلينا لا تختلط بأرواح الآخرين ، فلذلك يقع حبّنا في قلوبهم ، لا يختلط معه حبّ غيرنا.

قال : أخبرني عن قول الله تعالى (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (١) قال : نعم ، قوم زعموا أنّهم مؤمنون وليسوا مؤمنين. قال : أخبرني عن قول الله تعالى (ذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي

__________________

(١) الكهف : ٦.

١٠٦

النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) (١) قال : نعم ، التيمي والعدوي والأموي الذين لم يصدّقوا رسول الله واتّهموه. فقال : إنّ لدنيا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصّة وعذابا أليما. قال : أخبرني عن قومك؟ قال : نعم قومي الخيّرون الفاضلون غدا في عرض ربّي يكسون إذا كسيت ويحيون اذا حييت. قال : فكيف يقومون؟ قال : بيض الوجوه خضر الثياب بين أيديهم النور حتّى ينتهوا إلى باب الجنّة. قال : فأخبرني عن المنكرين لحقّك؟ قال : يقومون حفاة عراة منكسين الرءوس ، بين أيديهم السرادق من الظلم حتّى ينتهوا إلى باب جهنّم. وإنّ الله تعالى آلى على نفسه في ليلة القدر أن يقضي لنا حوائج الدنيا والآخرة.

وليلة القدر ليلة عظيمة شريفة شرّفها الله تعالى في محكم كتابه المنزل على لسان نبيّه الصادق فقال (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) (٢) فمن اهتدى إلينا وشايعنا كانوا هم السعداء ومن لم يهتد إلينا كانوا هم الأشقياء الذين لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم. قال : بما ذا يكلّم العباد؟ قال : يسألون عن ولايتنا فمن تولّانا دخل الجنّة ومن لم يتولّنا فأولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين.

قال : أخبرني عن سراج أهل الجنّة؟ قال : سراج أهل الجنّة نورنا ، بنا يبصرون وبنا يعرفون وبنا يجوزون على الصراط وبنا يدخلون الجنّة. قال : فما يصنع بمذنبيهم؟ قال عليه‌السلام : لو أنّ لأحد من شيعتي من الذنوب مثل الجبال الرواسي وزبد البحر وعدد الحصى والرمل ليغفر له تلك الذنوب كلّها ، ولو أنّ لأهل البدع والأهواء من الحسنات بقدر ورق الأشجار وقطر الأمطار ولم يتولّنا لم تنفعه حسناته شيئا. قال : فأخبرني عن فاطمة بنت محمّد؟ قال عليه‌السلام : حورية في صورة إنسية خلقت من النور. قال : فالحسن والحسين؟ قال عليه‌السلام : نوران مضيئان وسراجان ظاهران ، لا يطفأ نورهما ولا ينقض علمهما ولا تفنى خزائنهما. قال : من العلم أم من النور؟ قال : من النور ومن العلم.

قال : أخبرني عن قوله تعالى (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) (٣) قال عليه‌السلام : نعم نزوله من السماء على الخلق ، عنى بذلك المهدي عليه‌السلام. قال : أخبرني عن قول

__________________

(١) المزمل : ١١.

(٢) البقرة : ١٨٥.

(٣) القمر : ١١.

١٠٧

الله تعالى (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) (١) فبكى بكاء شديدا وقال عليه‌السلام : قد سألتني عن أمر عظيم سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّه قال لجبرئيل : أخبرني عن بئر معطّلة وقصر مشيد؟ قال : لا علم لي بذلك حتّى أرجع إلى ربّي. قال : فرجع جبرائيل قال : أمّا البئر المعطّلة فعلي بن أبي طالب وفي أمّتك قوم يعطّلون ذكرهم يرجون رحمتي يوم القيامة ، لا تنالهم رحمتي ، هم أشرّ الناس وأبغضهم إليّ ، فو عزّتي وجلالي لاذيقنّهم ماء الحميم ، لا يموت عبد وفي قلبه من بغض علي إلّا أكبّه الله على منخريه في النار.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جبرئيل وما القصر المشيد؟ قال : أنت يا محمّد أكرمك الله بكرامته واختصك برسالته وعلا ذكرك مع ذكره ، فما يذكر اسم الله إلّا وتذكر معه ، وأنت يوم القيامة أقرب منزلة إلى الله تعالى وأمّتك أكرم الامم على الله تعالى فطوبى لك يا محمّد.

قال : أخبرني عن قول الله تعالى (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) (٢) فبكى بكاء شديدا وقال : كم تسألني ولو سألتني عمّا في التوراة والإنجيل والكتب التي أنزل الله على الأنبياء لأجبتك عن ذلك ، لا يذهب عليّ حرف منها بقدرة الله تعالى. قال : صدقت يا أمير المؤمنين ولكنّي رسول الجنّ إليك ونحن ممّن آمنوا بمحمّد وصدّقوه وعرفوا أنّك وصيّه ولا بدّ لي من أن أسألك ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أما العصر فمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله و (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) فأهل الشام الذين خسروا (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) هم محبّونا وأهل ولايتنا (وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) ولداي.

قال : أخبرني عن قول الله تعالى (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (٣) قال عليه‌السلام : أمره بأن يذكّر المؤمنين أمرنا حتّى ينتفعوا بذلك ، وإذا ذكرونا لا يفترقون حتّى تنزل عليهم ملائكة من السماء فيقومون على رءوسهم ويسمعون كلامهم ويباركون عليهم ويقولون : طوبى لأقوام ذكروا هؤلاء القوم ، فإذا صعدوا قالت الملائكة بعضهم لبعض : كنّا عند قوم ازداد نورنا من نور كلامهم ، فتقول الملائكة : طوبى لهم ولمحبّيهم وطوبى لمن يسلم عليهم ، فهذا الذكرى.

قال : أخبرني عن اسمك لم سمّيت عليّا؟ قال : لأنّ الله الأعلى قد أعلى أمري. قال : أخبرني ما يكون بعدك؟ قال : جور وقهر وظلم وزور وباطل. (٤) قال علي عليه‌السلام : من قال على

__________________

(١) الحجّ : ٤٥.

(٢) العصر : ١ ـ ٢.

(٣) الذاريات : ٥٥.

(٤) ثمت سقط في الكلام لم نهتد إليه.

١٠٨

أولادي وذريتي وأهل بيتي ومحبيّ. قال : وكيف يفعلون ذلك يا ابن عمّ محمّد ويعاندوكم أليس هم من أمّة محمّد؟ قال علي عليه‌السلام : بلى ولكنّهم أشدّ خلق الله لنا بغضا لأنّهم لا يرون حبّنا ويرون حبّ غيرنا فريضة ، وإنّ الله تعالى فرض حبّنا على كلّ مؤمن بالله ونبيّه ، قال الله عزوجل لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) (١) فنحن الذين عرّفنا في الكتب السالفة ومعرفتنا في التوراة والإنجيل والفرقان ، قد سألتك يا بيهس : أليس تعلم أن الجنّ تعرفنا وتعرف أسامينا وحقّنا؟ قال : بلى يا أمير المؤمنين ما جئت إليك إلّا لمعرفتي بك ، فطوبى لك فطوبى لك ثمّ طوبى لمن أحبّك وطوبى لمن أحبّ محبّك ، فلقد أخبرتني بعلم الأوّلين وأخبرتني بتفسير القرآن كما انزل على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّي راجع إلى قومي لا يراني أحد بعدك حتّى يأتي الله بأمره وهم كارهون. ورجع من وقته وساعته ولم يره أحد بعد ذلك ، والحمد لله ربّ العالمين (٢).

__________________

(١) الواقعة : ٨.

(٢) لم أجده في المصادر المتوفّرة لدينا ولا في الأنوار النعمانية للجزائري.

١٠٩

الفرع الثاني

إخبار الله عزوجل في كتب أنبيائه السلف

وبشاراته بقيام القائم عليه‌السلام

البشارة الاولى

البشارة الاولى في إقامة الشهود أنّ في التوراة ، في سفر التكوين ، في الفصل السابع عشر في الآية العشرين ممّا ترجمته بالعربية : يقول الله تعالى مخاطبا لهاجر توصية لإسماعيل : يا إبراهيم إنّا قد سمعنا دعاءك وتضرّعك في إسماعيل فباركت لك فيه وسأرفع له مكانا رفيعا ومقاما عليا ، وسأظهر منه اثني عشر نقيبا وستكون له أمّة عظيمة (١).

ولا يخفى أنّ الآية فيها من علائم بيت الوحي والنبوّة والإشعار بوجودهم والبشارة بمقدمهم صلوات الله عليهم عدّة امور ؛ الأوّل : لفظة بمأدمأد ، فإنّ هذه الكلمة موافقة في الجمل بكلمة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث إن كلّا منهما في العدد اثنان وتسعون. الثاني : وعد الله كثرة ذريّته وانتشار أولاده صلوات الله عليه ، ومع انحصار عقبه في الزهراء سلام الله عليها لم يكن بلد من البلاد ، لا مصر ولا صقع من الأصقاع إلّا وقد اشتمل على ذريته الطاهرة والسادة الزكية من ولده ، وقد ملأ العالم نورهم ، ولم ينعقد اليوم مجلس إلّا ويكون أكثرهم أو نصفهم أو غالبا فردا منهم ومن ذريتهم ، ولا أقلّ من واحد ولا يكون خاليا غالبا ، وإنّما ببركة دعاء الخليل ووعد الربّ الجليل ، وليس الاثنا عشر الموعودون في الآية إلّا الأئمّة صلوات الله عليهم ، فهم من ولد إسماعيل من قيدار ، لا ما توهّمه اليهود خذلهم الله لأنّ أولاده الاثني عشر المسمّون في التوراة في الفصل الخامس والعشرين في الآية الحادية والثلاثين : وهم بنايوت وقيدار وادئيل وميسام وميشماع ودوماه ومسا وحدر وتيما ويطور ونافيش وقيدماه ، عدد أسماء قبائلهم واممهم ، لم يكن المقصود في الآية هؤلاء البتة ، لأنّهم لم ينالوا مرتبة النبوّة ولا الوحي والإلهام والرسالة ، فليسوا مقصودين إلّا الأنوار الطاهرة الاثنا عشر من بطن

__________________

(١) سفر التكوين : ٩٢ ، الإصحاح : ١٧ رقم ٢٠ ـ ١٨ ط. دار المشرق بيروت.

١١٠

قيدار ، وقد فضل الله تعالى ذكرا لقيدار وبيان شرفه في الفصل الثاني والأربعين من كتاب الشعيا في طي آيات.

البشارة الثانية

لا يخفى أنه يناسب بحسب الترتيب ذكر البشارة السادسة والعشرين قبل البشارة الثانية ، ما ذكره القاضي جواد الساباطي وكان نصرانيا فأسلم وهو من السنّة والجماعة ، وألّف كتابا في رد القسيس الپادري وإثبات حقيقة مذهب الإسلام سمّاه «البراهين الساباطية» وقد طبع ما يقرب [من] خمسين سنة قبل زماننا وهو عندنا موجود. قال : البرهان الأوّل من المقالة الثالثة من التبصرة الثالثة من البراهين الساباطية ما ورد في الفصل الثاني في الآية السابعة من الرؤيا التي ترجمتها بالعربية : من كانت له اذن سامعة فليستمع ما تقول الروح للكنائس : إنّي سأطعم المظفر من شجرة الحياة التي هي في جنّة الله (١).

وفي الآية الحادية عشرة : من كانت له اذن سامعة فليسمع ما تقول الروح للكنائس : فإنّ المظفر لا تضرّه الموتة الثانية (٢).

وفي الآية السابعة عشرة : من كانت له اذن سامعة فليستمع ما تقول الروح للكنائس : إنّي سأطعم المظفر من المن المكنون وأعطيته حجرة بيضاء مكتوبا عليها اسم مرتجل لا يفهمه إلّا من يناله (٣).

وفي الآية السادسة والعشرين : وسأعطي المظفر الذي يحفظ جميع أفعالي سلطانا على الامم ، فيرعاهم بقضيب من حديد ويسحقهم كآنية الفخار كما أخذت من أبي واعطيه أيضا نجمة الصبح ، فمن كانت له اذن سامعة فليسمع ما تقول الروح للكنائس (٤).

وفي الفصل الثالث في الآية الخامسة : المظفر يلبس ثيابا بيضاء ، ولا أمحو اسمه من سفر الحياة ، وأعترف باسمه أمام أبي وأمام ملائكته ، فمن كانت له اذن سامعة فليستمع ما تقول

__________________

(١) العهد الجديد ، رؤيا يوحنا : ٢ ، الآية ٧ وفيه تفاوت : من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة.

(٢) العهد الجديد ، رؤيا يوحنا الثانية ، وفيه : من يغلب فلا يؤذيه الموت الثاني.

(٣) المصدر بتفاوت.

(٤) المصدر بتفاوت وفيه : كوكب الصبح.

١١١

الروح للكنائس (١).

وفي الآية السادسة عشرة (٢) منه : المظفر أجعله عمودا في الهيكل الإلهي ، ولا يخرج خارجا ، وأكتب عليه اسم إلهي واسم مدينة إلهي أورشليم الجديدة التي نزلت من السماء من عند إلهي ، وأكتب عليه اسمي الجديد ، فمن كانت له اذن سامعة فليستمع ما تقول الروح للكنائس (٣).

وفي الآية الحادية والعشرين (٤) منه : المظفر أهب له الجلوس معي على كرسيّي ، كما ظفرت أنا أيضا وجلست مع أبي على كرسيّة ، فمن كانت له اذن سامعة فليستمع ما تقول الروح للكنائى (٥).

أقول : هذه سبعة براهين متواترة مترادفة في الإصحاح الثاني والثالث من رؤيا يوحنا بن زبدى تدلّ دلالة صريحة على بعثة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى نبوّته العامّة وقبلته الجديدة وعلوّ درجته ، تغافل النصارى عنها وأوّلوها تأويلات ركيكة لا تستقيم على شيء منها حجّة ، ولا يثبت برهان ، وكان الأحرى بها أن يكتب كلّ واحد منها على حدة لكنّي أعرضت عن ذلك وكتبتها كلّها في برهان واحد ، وجعلتها أوّل هذه المقالة وتركت تفصيلها إلى آن خروجي من الهند ، وبعد ذلك سأشرحها إن شاء الله تعالى في المطوّل الذي أو عدت به في صدر الكتاب ، ولأشرع الآن في بيان معانيها والاستدلال بمبانيها.

فاعلم أيّدك الله بروحه القدسية ، وجعلك ممّن يقتفي شريعة سيّد البرية أن يوحنا رضى عنه الله كان في جزيرة أطموس ، وهي جزيرة واقعة في طول أربعة وأربعين درجة وخمس عشرة دقيقة من الطول الجديد وعرض سبعة وثلاثين درجة وخمس عشرة دقيقة من الشمال ، في يوم الأحد ، فأتاه الوحي وحلّ عليه الروح القدس وسمع صوتا عظيما يقول له : إنّي أنا الألف والياء ، الأوّل والآخر فاكتب ما تراه وأرسله إلى الكنائس السبع المشهورة ، أعني كنيسة افس وكنيسة سمرنا وبير غابوس وشاتيرا وسارديس وفيلادلفيه ولاذقية ، ثمّ رأى في رؤيا سبع

__________________

(١) العهد الجديد ، رؤيا يوحنا الثالثة ، الآية الخامسة بتفاوت.

(٢) في العهد الجديد ، الآية الثانية عشرة.

(٣) المصدر السابق الآية الثانية عشرة.

(٤) المصدر السابق ، بتفاوت كبير ، وفي اللفظ دون المعنى.

(٥) نفحات الأزهار : ١٠ / ٣٠٣ ط. قم.

١١٢

منائر من ذهب ، وفي وسطها إنسان يماثل عيسى عليه‌السلام ، وفي يده سبعة كواكب وفي فمه سيف فقال : إنّي أنا الذي كنت حيّا وصرت ميّتا وأنا الآن حيّ إلى الأبد ، وعندي مفاتيح جهنّم فاكتب إلى الكنائس السبع ما رأيته وما هو كائن وما سيكون ، أعني سرّ الكواكب السبعة التي رأيت في يدي والمنائر السبع ، فإنّ النجوم ملائكة الكنائس والمنائر أنفسها ، فاكتب إلى ملك كنيسة افس ، هذا ما يقول ذو الكواكب السبعة المتمشي بين المنائر السبع :

إنّي قد عرفت جميع أحوالك وامتحانك أنبياءك الكذبة ، لكنّك لست كما كنت ، فاذكر سقوطك وتب وإلّا فسأجيء وأزيل منارتك من وسطك ، من كانت له أذن سامعة فليستمع ما تقول الروح للكنائس :

إنّي سأطعم المظفر من شجرة الحياة التي في جنّة الله فاكتب إلى ملك كنيسة سميرنا ، هذا ما يقول الأوّل والآخر الذي مات وحيي : إنّي قد عرفت عملك ومسألتك فلا تخف ممّا يحلّ عليك فإن إبليس سيضطهدكم عشرة أيّام ، فاصبر وأنا أعطيك إكليل الحياة.

من كانت له اذن سامعة فليستمع ما تقول الروح للكنائس : فإنّ المظفر لا تضرّه الموتة الثانية ، واكبت إلى ملك كنيسة بئر غاموس ، هذا ما يقول ذو السيف الحاد : إنّي قد علمت أنّك لم تنكرني مع أنّك مستقرّ في مقرّ الشيطان لكن بعض قومك متمسّك ببدع بلعم باعور ، وبعضهم ببدع النيقولانيين فتب وإلّا حاربتك بسيف فمي.

من كانت له اذن فليستمع ما تقول الروح للكنائس : إنّي سأطعم المظفر من المنّ المكتوم وأعطيه حصاة بيضاء مكتوبا عليها اسم لا يعرفه إلّا من يناله ، واكتب إلى ملك كنيسة تياتيرا هذا ما تقول : أين الله الذي عيناه كالنار ورجلاه كالنحاس ، إنّي قد اطلعت على حسن إيمانك إلّا أنك قبلت زابيل المتبنية أن تضلّ القوم وترغبهم في الزنا وأكل ذبائح الأوثان فسأقتلها وأولادها ، وستعلم الكنائس أني أنا هو ، وسأحصي الكلّ وأجازيكم بحسب أعمالكم ، ومن تمسّك منكم بشريعتي فلا القي عليه ثقلا آخر ، بل سيكون كذلك إلى آن إتياني ، وسأعطي المظفر الذي يحفظ أفعالي سلطانا على الامم فيرعاهم بقضيب من حديد ، ويسحقهم كآنية الفخار كما أخذت أنا أيضا من أبي وأعطيه نجمة الصبح ، فمن كانت له اذن سامعة فليستمع ما تقول الروح للكنائس.

واكتب إلى ملك كنيسة ساوديس : هذا ما يقول ذو الأرواح السبع الإلهية والكواكب

١١٣

السبعة التي قد عرفت أعمالكم وأنك حيّ بالاسم ، إلّا أنك ميّت فتيقّظ ، وقوّ أصحابك فإنّ أعمالك لم تكمل أمام الله ، فتذكر ما سمعت وتب ، وإلّا فسأجيء إليك مجيء اللص ، والذين لم يتدنّسوا منكم يستحقّون أن يلبسوا معي البياض ، فالمظفر يلبس ثيابا بيضاء ولا أمحو اسمه من سفر الحياة وأعترف باسمه أمام أبي وأمام ملائكة ، فمن كانت له اذن سامعة فليستمع ما تقول الروح للكنائس.

واكتب إلى ملك كنيسة دلفيا هذا ما يقوله المقدس الحقيقي الذي عنده مفتاح داود فيفتح ولا أحد يغلق ، ويغلق ولا أحد يفتح ، قد عرفت أعمالك وفتحت لك بابا لا يستطيع أحد أن يغلقه لمحافظتك على كلامي ، وسيذلّ لك الذين يقولون : إنّا يهود وليسوا بيهود ، ويعلمون أنّي أحبّك وسأحافظ عليك ساعة الامتحان كما حافظت على كلامي فإنّي سريع الإتيان فتمسّك بما عندي لئلّا يؤخذ تاجك ، فإنّي سأجعل المظفر عمودا في هيكل إلهي فلا يخرج منها إلى خارج ، واكتب عليه اسم إلهي واسم مدينة إلهي أورشليم الجديدة التي نزلت من السماء من عند إلهي ، واكتب عليه اسمي الجديد فمن كانت له اذن سامعة فليستمع ما تقول الروح للكنائس.

واكتب إلى ملك كنيسة لاذقية ، هذا ما يقوله أمين الشاهد ، الأمين الحقيقي رأس خليقة الله : إنّي قد عرفت أنك لا حارّ ولا بارد ، فيا ليتك كنت حارّا أو باردا ، وها أنا أتقياك لأنّك فاتر تدّعي الغنى وعدم الاحتياج ولم تعلم بفقرك وشقائك فاشترني الذهب الإبريز لتستغني والبس البياض لتستر وتكحّل لتبصر ، فإنّي اؤدّب من أحبّه فتب ، فإنّي واقف على الباب فمن يفتح لي الباب أدخل إليه وأسعى معه وسأجلس المظفر معي على كرسيّي كما ظفرت وجلست مع أبي على كرسيه ، فمن كانت له اذن سامعة فليستمع ما تقول الروح للكنائس (١).

أقول : هذا ملخّص الفصول الثلاثة المشتملة على الحجج السبعة وإن أردت الاطّلاع على جميع العبارة فارجع إلى سفر الرؤيا (٢).

إذا علمت ذلك فاعلم أن هذه الرؤيا هي ، على ما يعتقد النصارى رؤيا رآها يوحنّا عليه‌السلام تشتمل على الأخبار التي حدثت في العالم من ارتفاع المسيح إلى بعثة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن

__________________

(١) العهد الجديد ، رؤيا يوحنا ، الاصحاح الأوّل والثاني والثالث.

(٢) رؤيا يوحنا في الإنجيل المسمّى بالعهد الجديد.

١١٤

وفاته إلى ظهور المهدي عجل الله فرجه ، ومن وفاته إلى قيام الساعة. ولا شكّ في أنّها تدلّ على جميع ذلك ، وأنّها كلام الله تعالى لكنّي لست بمطمئنّ الخاطر من تحريفها ، ومع ذلك إنّ أماكن الاستدلال فيها قائمة على دعائمها الأصلية ، فمن جملة ذلك هذه الآيات الشريفة.

وهاهنا أمر يقف عليه البحث وهو معرفة الكلمات التي هي محلّ النزاع ، فمن ذلك لفظة:الاووركمن (١) ، يعني المظفر ، وهي في الأصل اليوناني تدلّ على الغالب والغازي والقاهر في الحرب ، ومنها الموتة الثانية وهي عند النصارى عبارة عن موت الإنسان في الذنب أي انهماكه فيه لا غير ، وأمّا البعث فانّهم يعترفون بقيام جميع الناس عند ظهور المسيح وبخلود أهل الجنّة في الجنّة وأهل النار في النار ، ولم يتعرّضوا للبحث في هذا المقام ، وعند اليهود عبارة عن الموتة التي لا تكون بعدها موتة.

وتقرير ذلك : أنّهم يقولون إنّ مدّة مكث هذه الخليقة على حالتها لا يكون إلّا سبعة آلاف سنة ، فمن آدم إلى موسى ألفان وثلاثمائة وثمان وستون سنة ، ومن موسى إلى المسيح ثلاثة آلاف وستمائة واثنتان وثلاثون سنة ، وإذا ظهر المسيح تبعث جميع الموتى وتستقيم لهم السلطنة ألف سنة ، وبعد ذلك يفنى من على وجه الأرض ، وتزول هي والسماء ويصير العالم كأن لم يكن ، ثمّ يستأنف الصانع صنعته الأخرى ، ترادف هذه الصنعة أو تغايرها ، وفيه ما فيه من عدم فساد الأنفس ؛ إذ الحكماء كلّهم متّفقون على عدم فسادها ، لأنّها لو قبلت الفساد لكانت مركّبة من شيء يكون فيها بمنزلة المادّة يقبل الفساد ، [و] شيء بمنزلة الصورة يفسد بالفعل ، وينبغي للقائل للفساد أن يبقى مع الفساد وللفساد الفاسد بالفعل أن لا يبقى معه ، والذي يفسد بالفعل غير الذي يقبل الفساد فتكون مركّبة ، وليس الأمر كذلك ولأنّها لو كانت قابلة للفساد لاشير إليها في النواميس ، لأنّها ممّا عليه التعويل ، ولم يذكر ذلك في شيء من نواميسهم ، فليس بشيء.

وقال بعضهم : إنّ أنفس الأتقياء تبقى إلى الأبد وأنفس الأشقياء تهلك.

وعند المسلمين : أمّا أهل السنّة والجماعة فالظاهر أنّهم لا يعترفون بموتة ثانية ، ولم يذكروا إلّا الموتة الاولى والحياة الثانية ، وبعدها يساق الذين آمنوا إلى الجنّة والذين كفروا إلى النار ، وقالوا إنّ الاستثناء في مثل (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) (٢) منقطع.

__________________

(١) لفظة عبرية.

(٢) الدخان : ٥٦.

١١٥

وأمّا الإمامية فيقولون : إنّه إذا ظهر المهدي عليه‌السلام ونزل عيسى يرجع حينئذ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليه‌السلام ، ويرجع معهم الأبرار والفجّار وتستقلّ لهم المملكة ، واستدلّوا بآيات كثيرة منها قوله تعالى : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) (١) وقالوا : إنّ علي بن إبراهيم وسهل بن عبد الله قد رويا عن الصادق عليه‌السلام : أن يوم يقوم الأشهاد يوم رجعة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) ، وبقوله تعالى (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) (٣) وفيه بحث.

ومنها بلعم بن باعور الفاثوري ، وفاثور بلد على شاطئ الفرات وقيل قبيلة من أعراب مدين ، وكان بالاق بن صفور ملك الموآبيّين لما نزل بنو إسرائيل على شاطئ الأردن ، وشاهد ما فعلوا في الامور خاف منهم واستدعى بلعم بن باعور ليدعو عليهم بالهلاك ، فاستخار الله فمنعه عن ذلك فخالف حكم الله وسار إليه طمعا في إكرامه ، قتله موسى في حرب مدين.

ومنها الحصاة البيضاء وهي حصاة يدفعها عيسى أو الروح القدس عليهما‌السلام إلى المظفر وهو إلى الذي يكون بعده ، ولا يفهم ما كتب عليها إلّا من يأخذها ، ولا يشابه ذلك في مذاهب أهل السنّة والجماعة ، وذهب الإمامية إلى أنّ جبرائيل عليه‌السلام قد أعطى ذلك محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو دفعه إلى علي عليه‌السلام ، وهلم جرّا إلى الحسن بن علي عليهما‌السلام وهو دفعها إلى المهدي عليه‌السلام.

ومنها زابيل المتنبئة ، وهي زابيل بنت أشبال ملك الزبدانيين ، زوجة باشا بن أهيجا ملك إسرائيل فإنّها لمّا تزوّجت بباشا ألجأته إلى عبادة الأوثان ، وأفسدتهم حتّى صار أكثر بني إسرائيل يعبدون التماثيل ، كما صرّح به في الفصل السادس عشر في الآية الحادية والثلاثين من سفر الملوك الأول.

ومنها اورشليم الجديدة وهي عبارة عن مكة المعظّمة على بادئ الرأي لقوله : النازلة من السماء ، لأنّ أهل الإسلام قد ذهبوا إلى أنّ قوله (أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) (٤) يفيد العموم وقالوا : إنّ الحجر الأسود كان قد نزل من السماء أشدّ بياضا من اللبن فسوّدته خطايا بني آدم.

وقد رواه الترمذي وصحّحه (٥).

__________________

(١) غافر : ٥١.

(٢) مختصر البصائر : ١٨.

(٣) غافر : ١١.

(٤) الأنعام : ٩٢.

(٥) سنن الترمذي : ٢ / ١٨٢ ح ٨٧٨ ط. دار الفكر.

١١٦

وذهب الإمامية إلى مثل ذلك (١) ، فيكون قوله : اورشليم الجديدة النازلة من السماء ، كناية عن مكة وهذا من قبيل إقامة الظرف مقام المظروف ، وهي في جزيرة العرب قريب من ساحل البحر الأحمر في محاري طول خمسة وأربعين درجة من الطول الجديد وعرض اثنتين وعشرين درجة من الشمال.

فالأول قوله : فاكتب إلى كنيسة افس الخ ، وهي بلدة في عرض ثمان وثلاثين درجة من الشمال وطول خمس وأربعين درجة وخمس عشرة دقيقة من الطول الجديد ، هذا ما يقول المراد بالكواكب الملائكة الموكلة على الكنائس من أنّه لكل كنيسة ملك وبالمنائر نفوس الكنائس ، أي هذا ما يقول مولانا.

وقوله : امتحانك الأنبياء الكذبة ، يشير به إلى أنّه قد خرج في زمان الفترة نبي كاذب غير بارلسوع بصيغة الجمع. قوله : لكنّك لست كما كنت ، يدلّ على عدم استقامة أهل افس في دينهم. قوله : وإلّا أزلت منارتك ، إمّا بتخريب البلد أو بتفريق القوم. قوله : من كانت له اذن سامعة الخ ، يدلّ على أنّ هذا هو محلّ يجب استماعه. قوله : ما تقول الروح للكنائس ، ذهب كافّة النصارى إلى أنّ الفاعل هاهنا هو المسيح مع أنّه مظهر يؤول إلى الروح ، وطمسوا على أعين القوم بأدلّة فاسدة ، والحقّ أنّ الفاعل هو الروح.

قوله : إنّي ساطعم المظفر من عود الحياة ، قال النصارى : إنّ المراد بالمظفر الذي يظفر على الشيطان من أهل كلّ كنيسة فيكون عاما ، والعهد الخارجي يمنعه فلا يقوم ، والحقّ أنّ مراده محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأن تقييد كلا المعنيين يدلّ على أنّ موضوع الثاني غير موضوع الأوّل ، ولم يأت بعد عيسى من يقوم بالأمر فيكون المنصوص عليه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ولأنّ قوله : وامتحانك لكذبة الأنبياء واضح الدلالة على إتيان غير الكاذب ، وهذا يدلّ على فضيلته. وفيه أنّك قد كذّبت الكاذبين فيلزمك تصديق الصادقين.

وقوله : لكنّك لست كما كنت أي لست مستعدّا في تصديق الصادق كما كنت في تكذيب الكاذب ، فاحذر سقوطك ، يحذره بهفوة آدم عليه‌السلام أي اذكر سقوط آدم وكيف حبط علمه لمّا عصى الله وأكل من شجرة العلم ، أو منصوب بنزع الخافض : أي احذر من سقوطك وتب عمّا أنت مستهيئ له من تكذيب الصادق وإلّا فسأجيء وازيل منارتك ، ثمّ رجع بعد ذلك

__________________

(١) عوالي اللئالي : ١ / ٦٨.

١١٧

وقال : من كانت له اذن سامعة الخ ، وهذا من بليغ التأكيد ، وقد تحقّق أنّ هذه الكنائس السبع قد زالت بعد ظهوره وناهيك به من تنبؤ الصادق ومن بالحقّ ناطق.

والثاني : قوله واكتب إلى ملك كنيسة سيمرنا الخ ، وهي بلد في عرض ثمان وثلاثين وخمس وثلاثين وطول خمس وأربعين من الطول الجديد. قوله هذا ما يقول الأوّل والآخر أي الذي مات وحيي. احتجّ النصارى بذلك على ربوبية المسيح وقالوا : إنّ قوله : الأوّل والآخر ، يدلّ على ربوبيته ؛ إذ هما من صفات الواجب تعالى ، مع أنّ في قوله : مات وحيي ، إضافة الموت والحياة إلى نفسه ظاهرة.

والحقّ أنّه يجيز النهوض لأنّه إن كان المراد بالأوّل القديم وبالآخر الحادث ، فلا يجتمعان لأنّهما متباينان ؛ لأنّ القديم إن كان بالذات فهو ما لا يكون وجدانه من غيره كواجب الوجود تعالى اسمه ، وعيسى ابن مريم قد تولّد في أيّام هيروديس من أمّة مريم فليس بقديم الذات ، وإن كان بالزمان فالقديم بالزمان ما لا أوّل لزمانه كالأفلاك العلوية ، وعيسى متأخّر بالزمان فليس بقديم الزمان. وأمّا إن اريد به المقدّم بالرتبة في أنّه عليه‌السلام أقرب لمبدئه من ملك كنيسة سيمرنا وأنا أثق به وعليه جميع أهل التحقيق ، لكن أرادوا بالآخر المتأخّر بالرتبة فمن المحال أن يجتمع المتقدّم بالرتبة والمتأخّر فيها في شخص واحد. وإن أرادوا بهما الأوّل والآخر اللذين هما من صفات الواجب تعالى فينقضهما قوله : الذي مات وحيي ، لأنّ الموت من أمارات الحدث. ومن المعلوم أنّ الوجوب مباين للحدث. وأمّا إضافة الموت والحياة لنفسه فمحمول على العرف العام إذ لم يرو أحد من أهل لغة قتل الله أو موّت الله فلانا ، بل المطّرد عندهم مات وحيي ، فتمسّكه بهذا الدليل ليس إلّا كتمسّك الضرير الساقط في البئر بحدّ السيف الطرير.

قوله إنّي قد عرفت عملك ، إلى قوله : فاصبر وأنا أعطيك إكليل الحياة ، إشارة إلى وفور الشبهات التي عرضت عليهم في سنيّ الفترة ، عبّر فيها باليوم عن خمسين سنة لتصير المدّة بالنظر إلى حدوث الإنسان. وقوله إنّ يوما عند ربّك كألف سنة الخ بالنظر إلى قدم الواجب ، فالذي يصبر فيها ولا ينحرف إلى عبادة الأوثان اعطيه إكليل الحياة ، وبديهي أن غاية الصبر لا تكون إلّا بلوغ المأمول وهو إكليل الحياة الذي كنّى به عن محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قوله اذن الخ ، حثّ على الإصغاء لأنّ الذي يأتي بعده هو غاية الكلام. قوله : المظفر لا

١١٨

تضرّه الموتة الثانية ، يريد به محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والموتة الثانية مرّ ذكرها في مقدّمة هذا البحث.

والثالث قوله : واكتب إلى ملك كنيسة بئر غاموس ، وهي بلد في عرض تسعة وثلاثين درجة وعشرين دقيقة من الشمال وطول خمسة وأربعين درجة من الطول الجديد. قوله هذا ما يقول ذو السيف الحادّ : إنّي قد عرفت الخ إشارة إلى حسن اعتقادهم وعدم انحرافهم عن دينه في أوان الشبهات ، إلّا أنّ بعضهم كانوا يستعملون الرياضات والطلاسم مثل بلعم بن باعور فمنع عن ذلك ، وبعضهم النيقوذيمسيين ، وهي إضافة إلى نيقوذيمس وهو شماس دهري فمنعهم عليه‌السلام عن اتباع شبهاته ، ونيقوذيمس هذا ليس بنيقوذيمس الذي ذكر في الفصل الثالث في الآية الاولى من يوحنا ، فإنّ ذلك من مقدّسي النصارى رحمه‌الله. ثمّ قال : إن تركت هذين الأمرين وسلكت في سبيل الرشاد الذي أمرتك بسلوكه ، وإلّا جئت وحاربتك بسيف فمي. قال بعض النصارى : إنّه يريد بسيف فمه سيف الله أبيه ، فعلى هذا التقرير يكون المراد به عليّا عليه‌السلام ؛ لأنّه هو سيف الله الذي قاتل مشركي اليهود والنصارى.

ثمّ قال : من كانت له اذن سامعة الخ. حثّ على الإصغاء لأنّ هذا هو مقام البحث والنزاع لا تشتبهوا فيه لما مرّ فيما قبله. قوله : إنّي سأطعم المظفر من المن المكتوم ، يريد به محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله والمن المكتوم هو علم النبوّة ، والمن هو ما كان ينزل من الطل على الأشجار لبني إسرائيل في بريته فارو أعطيه حصاة بيضاء. اختلف النصارى في تأويلها فأكثرهم لم يبحث في الرؤيا ، والذي بحث في أوّلها قال : هذه كناية عن ما يتفضّل به عليهم من الثواب ؛ لأنّ اللذة لا يعرفها إلّا من ينالها ، وليس بشيء ؛ إذ تشبيه اللذّة بالحصاة أمر ما أبرده ، والحقّ ما ذهب إليه الإمامية في مقدّمة هذا البحث.

وقال بعض أهل التحقيق : هذه حصاة نزل بها آدم عليه‌السلام وأعطاها عند وفاته شيثا ولم تزل تنتقل من يد إلى يد حتّى أتت إلى عيسى عليه‌السلام ومنه إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا شكّ أنّ محمّدا إمّا أن يكون دفعها إلى عليّ عليه‌السلام أو سيدفعها إلى المهدي عليه‌السلام ، لا سبيل إلى الثاني ؛ لأنّ علماءنا لم يعترفوا بالرجعة وإنّما هي من خصائص مذهب الإمامية ، فيكون قد فوّضها إلى عليّ عليه‌السلام وهذا ممّا يؤيّد مذهبهم.

والرابع : قوله : واكتب إلى ملك كنيسة تاتير الخ. وهي بلد في عرض ثمان وثلاثين درجة وخمس وأربعين دقيقة من الشمال وطول خمس وأربعين درجة وعشرين دقيقة من الطول

١١٩

الجديد. قوله هذا ما يقول الذي عيناه إشارة إلى شدّة غضبه. وقوله رجلاه كالنحاس إشارة إلى استقامة رأيه وعزمه. قوله قد اطلعت يريد به حسن إيمانه الذي ثبت عليه في زمان الفترة ، ثمّ جرحه بأنّه قد أهمل يزابيل أن تتصرّف في الكنيسة بفجورها ، ولم تكن في ذلك الزمان باغية تسمّى يزابيل ، لكنّه كنّى بها عن يزابيل المذكورة في مقدّمة هذا البحث لما اتبعوها في عبادة الأوثان ، وأنذرهم بأنّهم إن لم يرتدعوا عمّا هم عليه وإلّا سيجيء إليهم ، ويهلكهم ويجزيهم بحسب أعمالهم في زمان الرجعة مع المهدي عليه‌السلام ، وإلّا فلا معنى لإتيانه ومجازاتهم. قوله من تمسّك بشريعتي فلا القي عليه ثقلا آخر من البحث فيه في البرهان الثالث عشر من المقالة الثانية من التبصرة الثالثة ، أراد بذلك أنّه لا يكلّف باتباع شريعة اخرى ، وفوات المشروط يمنع وقوع الشرط ، لكنّه سيكلّفه به بعد إتيانه.

قوله وسأعطي المظفر الذي يحفظ أفعالي ، وفي بعض التراجم كلامي ، وأيّما كان المراد بحفظ أفعاله أو كلامه هو مطلق أوامره ، فيرعاهم بقضيب من حديد ، وقد رعاهم بحدّ ذي الفقار ، وسحقهم سحق آنية الفخار. قوله كما أخذت من أبي ، أي اعطيه فكما أعطاني أبي على حسب مرتبة النبوّة اعطيه على حسب مرتبة النبوّة والسلطنة ، وأعطيه نجمة الصبح ، يريد بذلك المهدي عليه‌السلام لأنّه ظهر في صبح اليوم الأوّل من الشهر الأوّل من السنة الاولى من العشرة الاولى من المائة الاولى من الألف السابع.

ثمّ قال : فمن كانت الخ ، يحثّ على امتثال أمره واتباع حكمه إذا بعث ، والاستضاءة بضياء نجمة الصبح ، جعلني الله وإيّاك ممّن يستضيء ويهتدي بهداه.

والخامس : قوله : فاكتب إلى ملك كنيسة سارديس ، وهي بلدة في عرض سبع وثلاثين درجة وخمس وخمسين دقيقة من الشمال وطول خمس وأربعين درجة وخمسين دقيقة من الطول الجديد. قوله هذا ما يقول ذو الأرواح السبع الإلهية الخ ، الأرواح السبع هي أرواح المنائر ، هذا كما قال في الأوّل ذو الكواكب السبعة المتمشّي في وسط المنائر السبع. قوله : قد عرفت أعمالك الصالحة وأنك لتمرّ حيّا مع أنّك ميّت أي أنّ عملك ليس بشيء ، ثمّ أخذ يرغّبهم في التهيؤ لاتباع محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : إنّ الذين لم يتدنسوا منهم بعصيان الإعراض عن اتباعه صلى‌الله‌عليه‌وآله يلبسون معه البياض ، أي يدخلون معه تحت ظلال نجمة الصبح ، ثمّ قال : فإنّ المظفّر يلبس ثيابا بيضاء أي يدخل تحت راية نجمة الصبح ، وهذا مصداق ما ذهب إليه

١٢٠