تاريخ مدينة دمشق - ج ٦٨

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٦٨

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٦
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

الدمشقي ، نا عمر بن حفص بن سعيد الكلاعي ، أن رجلا أعور خرج يبتغي من فضل الله ، فصحب رجلا في بعض الطريق ، فسأله عن مخرجه فأخبره خبره ، فقال له الرجل : أنا والله أخرجني الذي أخرجك ، فانطلق بنا إلى الله نلتمس من فضله ، فخرجا في جبال لبنان (١) يؤمّان (٢) بيت المقدس ، فأتيا على بعض المنازل ، فنزلا في قصر خرب ، فانطلق أحدهما ليأتي بطعام فقال المتخلف منهما في الرحل : ألقيت (٣) نفسي ، وجعلت أنظر بناء ذلك القصر وهيئته وخرابه بعد العمارة ، وجعلت والله أذكر سفري وتركي عيالي ، فإذا أنا بلوح من رخام تجاهي في قبلة حائط القصر فيه كتاب ، فاستويت جالسا ، فإذا فيه :

لما رأيتك جالسا مستقبلي

أيقنت أنك للهموم قرين

فارقص بها وتعرّ من أثوابها

إن كان عندك بالقضاء يقين

فالهمّ سيماه مشيب شامل

ويكون مثوى الضر حيث يكون

هون عليك وكن بربك واثقا

فأخو التوكل شأنه التهوين

طرح الأذى عن نفسه في رزقه

لما تيقن أنه مضمون

فجعلت أقرؤهن وأتدبرهن إذ جاء صاحبي ، فقلت : ألا أعجبك؟ قال : بلى ، قلت : انظر ما على هذا اللوح ، فنظر ونظرت ، فلم نر لوحا ولا شيئا ، فجعلت أطوف في القصر وأتتبع ما فيه ، فلم أر شيئا.

٩٢٦٠ ـ رجل من العباد

كان بأذرعات (٤) من أعمال دمشق.

حكى عنه أبو معاوية يمان الأسود العائذ.

أنبأنا أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عبد العزيز المكي ، أنا أبو عبد الله الحسين بن يحيى بن إبراهيم المكي ، أنا أبو عبد الله الحسين بن علي بن محمّد الشيرازي ، أنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن الحسن ، نا أبو الحسن علي بن الحسن الحذاء ، نا عمر بن الحكم ، حدّثني عبد الرّحمن بن عمرو بن عثمان الأزدي ، قال :

__________________

(١) انظر الحاشية السابقة ، وفي المختصر : جبل لبنان.

(٢) في المختصر : يقصدان.

(٣) كذا ، وفي المختصر : ألهيت نفسي.

(٤) أذرعات : بلد في أطراف الشام يجاور أرض البلقاء (معجم البلدان).

٢٤١

خرج أبو معاوية الأسود إلى عابد بأذرعات قال : فأقمت عليه ثلاثة أيام لا يكلمني ، فقلت : اللهمّ وفّقه لكلامي ، : وأقبل عليّ وقال : يا أسود ، من أين قدمت؟ من الحج أو من العمرة؟ أو نفدت (١) نفقتك؟ قال : قلت : ما جئت من حج ولا عمرة ، ولا نفذت نفقتي ، قال : فما جاء بك؟ قلت : جئت لعلّي أسمع منك كلمة أنتفع بها ، قال : فقال لي : يا أسود أنت بمطر بليطا (٢) النصراني أوثق منك بالله عزوجل؟ قلت : معاذ الله ، فقال : الساعة تقر ، أخبرني لو أن مطر (٣) بليطا النصراني قال لك : اجعل غداءك وعشاءك عندي ، أكنت واثقا به؟ قلت : نعم ، قال : فالله قد ضمن لك الغداء والعشاء ، فهل ألقيت همّ ذلك عنك؟ قلت : حسبي.

٩٢٦١ ـ شيخ متعبد غلب على عقله

حكى عنه ذو النون.

أنبأنا أبو عبد الله الفراوي وغيره ، عن أبي عثمان الصابوني ، أنا أبو القاسم بن حبيب قال : سمعت أحمد بن عمر بن أبا بكر السوادي يقول : سمعت أبا يعقوب الآبنوسي يقول : حكي عن ذي النون المصري أنه قال : رأيت شيخا مجنونا بدمشق مصفارا ، بيده ركوة وعكّازة ، وقد كتب على جبته من ورائه :

حتى متى يا شيخ لا تستحي

يراك مولاك مع الغافلين

ما تستحي منه وما ترعوي

غطى خطاياك عن العالمين

مشاك بين الناس في ستره

وأنت معكوف مع الفاسقين

وعلى كمه الأيمن مكتوب :

عجبت لمن ينام وذو المعالي

ينادي يا عباد أنا البذول

وهل يجد الخلائق مثل ربي

وكل فعاله حسن جميل

وعلى كمه الأيسر مكتوب :

إن لله عبادا

كشفوا فيه القناعا

__________________

(١) غير مقروءة بالأصل ، والمثبت عن المختصر.

(٢) كذا رسمها بالأصل.

(٣) كذا رسمها هنا ، وانظر ما مرّ.

٢٤٢

هل رأيتم خادما عا

مل مولاه فضاعا

سوف أرويكم حديثا

قد سمعناه سماعا

من دنا من ربه شب

را دنا منه ذراعا

٩٢٦٢ ـ رجل من شرعب

من أهل جوسية (١) من أعمال حمص.

كان يواظب على حضور الجمعة بدمشق ، له ذكر.

أنبأنا أبو القاسم النسيب ، وغيره ، قالوا : ثنا عبد العزيز [بن](٢) أحمد ، أنا تمام بن محمّد ، أنا محمّد بن سليمان الربعي ، نا محمّد بن الفيض الغساني قال : سمعت هشام بن عمار بن نصير يقول : كان في جوسية رجل من شرعب قبيلة من قبائل اليمن ، وكان له بغل ، يدلج على بغله من جوسية وهي قريبة من حمص يوم الجمعة ، فيصلي الجمعة في مسجد دمشق ، ثم يروح فيبيت في أهله ، فكان الناس يعجبون منه.

قال لنا (٣) هشام بن عمّار : ثم أن بغله ذلك نفق ، فنظروا إلى جنبيه فإذا ليس له أضلاع إنّما صفحتين عظما مصمتا (٤).

قال أبو الحسن محمّد بن الفيض : وسمعت جدي محمّد بن الفياض وبكار بن محمّد ابن بكر .... (٥) ، حدّثني اليتيم يذكر أن حديث الشرعبي كما حدّثنا هشام بن عمار.

٩٢٦٣ ـ رجل كان يصحب ابن جوصا (٦)

حكى عنه أبو الحسين عثمان بن القاسم بن أبي نصر.

قرأت بخط أبي نصر عبد الوهّاب بن عبد الله المرّي (٧) ، سمعت الشيخ أبا محمّد بن

__________________

(١) بالأصل : جوشيه ، والمثبت عن معجم البلدان ، وجوسيه : بالضم ثم السكون وكسر السين المهملة. قرية من قرى حمص على ستة فراسخ منها من جهة دمشق ، وهناك جوشية بالشين المعجمة ، أما التي بأرض حمص فهي بالسين المهملة وياء خفيفة لا شك فيها ولا ريب (معجم البلدان).

(٢) زيادة لازمة.

(٣) بالأصل : أنا.

(٤) بالأصل : عظم مصمت.

(٥) غير واضحة بالأصل.

(٦) هو أحمد بن عمير بن يوسف بن جوصا ، أبو الحسن الكلابي راجع ترجمته في سير الأعلام ١٥ / ٥.

(٧) تحرفت بالأصل إلى : المزني.

٢٤٣

أبي نصر يقول : حدّثني أبي أن رجلا حدثه كان يصحب ابن جوصا ، عن نفسه أو عن شيخ حدّثه أنه كان يرابط بالساحل في صخرة موسى (١) فبينا هو على السور ينظر إلى البحر ، فرأى غرابا قد انحط على سمكة مطروحة على الشط ، فأدخل في عين السمكة مخلابه ثم اكتحل به ، فتعجبت من ذلك ، ثم انحدرت إلى السمكة ، وأخرجت ميلا فاكتحلت من عينها ، فرأيت أشياء لم أكن أراها من قبل ذلك ، ورأيت عجائب ، فبينا أنا في بعض الأيام في جنازة ، وقد وضعت ، وإذا رجل يضحك في وجوه الناس ويتلهّى فكثر ذلك منه ، فاغتظت عليه فلحقته عند انصراف الناس من الجنازة فقلت : يا عبد الله ، قف علي ، فالتفت إليّ فقال لي : ما لك؟ فقلت : ما تستحي من الله؟ الناس في الجنازة وأنت تضحك وتتلهّى في وجوه الناس؟ فقال : أنت تراني؟ فقلت : نعم ، قال : وتبصرني؟ قلت : نعم ، وقد رأيتك تضحك في وجوه الناس ، فقال : يا هذا أنا الأمل ، بعثني الله في هذه الصورة ، أضحك في وجوه الناس ، وما هو ضحك ، وإنّما أسلّيهم (٢) وأبسط لهم الأمل حتى يرجعوا إلى ما كانوا عليه حتى لا تخرب الدنيا ، ولو لا ذاك ما عمرت الدنيا ، ثم غاب عنّي.

٩٢٦٤ ـ رجل صالح من أهل دمشق

حكى عنه معروف الكرخي.

أنبأنا أبو جعفر أحمد بن محمّد المكي ، أنا الحسين بن يحيى ، أنا الحسين بن علي.

ح وكتب إلى أبو الحسن الموازيني يخبرني عن عبد العزيز بن بندار.

وكتب إليّ أبو سعد (٣) بن الطيوري يخبرني (٤) عن عبد العزيز الأزجي ، قالا : أنا أبو الحسن بن جهضم ، نا أبو الطيب محمّد بن جعفر ، نا يحيى بن الحسن بن سعيد الرازي ، حدّثني أبو بشر الطالقاني ، حدّثني بعض أصحاب معروف الكرخي عن معروف قال :

رأيت رجلا في البادية شابا ، حسن الوجه ، له ذؤابتان حسنتان ، وعلى رأسه رداء

__________________

(١) صخرة موسى في بلد شروان قرب الدربند. وقالوا : من نواحي أرمينيا قرب الدربند (معجم البلدان : شروان وصخرة موسى).

(٢) بالأصل : أسلبهم.

(٣) هو أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن القاسم الصيرفي ابن الطيوري البغدادي المقرئ ، ترجمته في سير الأعلام ١٩ / ٤٦٧.

(٤) تحرفت بالأصل إلى : «بن بحتري».

٢٤٤

قصب (١) ، وعليه قميص كتان ، وفي رجله نعل طاق. قال معروف : فتعجبت منه في مثل ذلك المكان ، ومن زيه ، فقلت له : السّلام عليك ورحمة الله ، فقال : وعليك السّلام ورحمة الله يا عمّ ، فقلت : الفتى من أين؟ قال : من مدينة دمشق ، قلت : ومتى خرجت منها (٢)؟ قال : ضحوة النهار ، قال معروف : فتعجبت منه ، وكان بينه وبين الموضع الذي رأيته فيه مراحل كثيرة ، فقلت له : وأين المقصد؟ فقال : مكة ، إن شاء الله ، فعلمت أنه محمول ، وقلت في نفسي : لو علم أنه يساق إلى الموت سوقا (٣) لرفق بنفسه ، فودّعته ، ومضى ، ولم أره حتى ذهب ثلاث سنين ، فلما كان ذات يوم أنا جالس في منزلي أتفكر في أمره ، وما كان منه بعدي إذا بإنسان يدق الباب ، فخرجت إليه ، فإذا بصاحبي ، فسلّمت عليه ، وقلت : مرحبا وأهلا ، وأدخلته المنزل ، فرأيته ذاهبا خالفا عليه ..... (٤) حافيا حاسرا (٥). فقلت : هي أيش الخبر؟ فقال : يا أستاذ ، لم تخبرني بما يفعل بمعامليه. قلت : فأخبرني ببعض خبرك ، قال : نعم ، لاطفني حتى أدخلني الشبكة ، ثم ضربني ورماني ، فمرة يلاطفني ، ومرة يهينني ، و [مرة](٦) يجيعني ويطعمني أخرى ، فليته أوقفني على بعض أسرار أوليائه ، ثم ليفعل بي ما شاء ، وبكى بكاء شديدا. قال معروف : فأبكاني كلامه ، فقلت له : فحدّثني ببعض ما جرى عليك مذ فارقتني ، فقال : هيهات أن أبديه وهو يريد أن يخفيه ولكن بديا ما فعل بي في طريقي إليك مولاي وسيدي ، ثم استفرغه البكاء ، فقلت : وما فعل بك؟ قال : جوّعني ثلاثين يوما ، ثم جئت إلى قرية فيها مقثاة قد نبذ منها المدود ـ زاد المكي : والفاسد ، وقالوا ـ وطرح ، فقعدت آكل منه ، فبصرني صاحب الشاة ، فأقبل إليّ ـ زاد المكي : بسوط ، وقالوا ـ يضرب ظهري وبطني ويقول : يا لص ، ما خرب مقثاتي غيرك ، منذ كم أنا أرصدك حتى وقعت عليك ، فبينا هو يضربني أقبل فارس نحوه مسرعا إليه ، وأفلت السوط في رأسه وقال : تعمد إلى وليّ من أولياء الله تضربه ـ زاد المكي : وتهينه ، وقالوا : ـ وتقول له : يا لص ، فأخذ بيدي صاحب المقثاة فذهب بي إلى منزله ، فما بقي من الكرامة شيئا إلّا عمله ـ زاد المكي بي ، وقالوا : ـ

__________________

(١) القصب ثياب تتخذ من كتان رقاق ناعمة.

(٢) قوله : «ومتى خرجت منها» مكرر بالأصل.

(٣) غير مقروءة بالأصل ، والمثبت عن المختصر.

(٤) تقرأ بالأصل : «زرنباففه».

(٥) بالأصل : حافي حاسر.

(٦) زيادة عن المختصر.

٢٤٥

وتستحلني فبينا كنت عنده لصا إذ كنت وليا وجعل صاحب المقثاة مقثاته لله ولأصحاب معروف ، فقلت له : صف لي معروفا ، فوصف لي الصفة ، فعرفتك بما قد كنت شاهدته من صفتك ، قال معروف : فما استتم كلامه حتى دق صاحب المقثاة الباب ودخل إلي وكان موسرا ، فأخرج جميع ماله ودنياه وأنفقه على الفقراء ، وصحب الشاب سنة وخرج إلى الحج فماتا بالربذة (١).

٩٢٦٥ ـ شيخ من أهل دمشق

حكى عن إبراهيم بن أدهم.

حكى عنه عبد الله بن خبيق الأنطاكي.

أخبرنا أبو محمّد هبة الله بن أحمد المغربي ، وأبو الحسين محمّد بن محمّد بن الفراء ، قالا : نا أبو بكر الخطيب ، حدّثني أبو القاسم الأزهري.

ح وأخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد ، أنا أبو محمّد أحمد بن علي بن الحسن بن أبي عثمان ، أنا أبو محمّد الحسن بن محمّد الخلال ، قالا : نا محمّد بن العباس الخزاز (٢) ، ثنا ابن أبي داود ، نا عبد الله بن خبيق قال : سمعت شيخا من أهل دمشق يقول : قال إبراهيم بن أدهم : أعربنا في الكلام فما نلحن ، ولحنّا في الكلام ، فما ولجنا في الكلام فما نعرب.

روى أبو الحسن (٣) بن جوصا هذه الحكاية عند ابن خبيق قال : حدّثني عبد الملك شيخ من أهل دمشق قال : قال إبراهيم بن أدهم ، فذكرها.

٩٢٦٦ ـ شيخ كان (٤) بكناكر من أعمال دمشق

حكى عنه أحمد بن أبي الحواري.

أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر فيما أرى عن أبي سعيد مسعود بن ناصر بن أبي زيد السجستاني ، أنا أبو سعيد عثمان بن محمّد بن أحمد النوقاني السجستاني ، نا والدي أبو عمر محمّد بن أحمد بن محمّد بن سليمان ، نا الحصين بن عمر ، نا العباس بن حمزة ، نا أحمد بن

__________________

(١) الربذة : من قرى المدينة على ثلاثة أيام قريبة من ذات عرق.

(٢) بدون إعجام بالأصل.

(٣) تحرفت بالأصل إلى : الحسين.

(٤) بالأصل : كان يكون.

٢٤٦

أبي الحواري قال : سمعت شيخا بكناكر وهو يقول : قال موسى : سافروا وأملوا في أسفاركم البركة ، فإنّي قد سافرت ، وما أؤمل كلّ ما أتاني.

٩٢٦٧ ـ شاب من الصالحين

كان ضيفا للقاسم الجوعي.

حكى عنه قاسم الجوعي.

قرأت على فضائل بن خلف بن سرور بن الحداد ، عن عبد العزيز بن أحمد ، أنا علي ابن الحسن الربعي ، أنا عبد الوهاب الكلابي ، نا محمّد بن عبد الأعلى بن محمّد الإمام قال : سمعت قاسم الجوعي يقول :

بينا أنا جالس ذات يوم إذ وقف عليّ غلام ، فسلّم ، فرددت عليه‌السلام ، فقال : يا معلم الخير ، كنت مع فلان بأنطاكية ، فلمّا حضرته الوفاة قلت : أرشدني إلى من أكون معه ، فقال : عليك بقاسم الجوعي ، فأشرت بيدي إلى أصحابي أن يوسعوا له ، فلم يزل حتى صلينا عشاء الآخرة ، فنهضت ، ونهض معي حتى جئت البيت ، فقلت للمرأة : قومي إلى البيت الذي حذاء باب الدار ، فاطرحي فيه حصيرا ، واجعلي فيه سراجا ، وكوز ماء وطعاما ، فإنه قد جاءنا ضيف ، ففعلت ذلك ، فأقام عندي شهرين ، أقل أو أكثر ، فلمّا كان ليلة من الليالي أنسيت المرأة أن تؤدي إليه سراجا وطعاما حتى مضى من الليل ما مضى ، فأويت إلى فراشي ، ونمت فأطفأت المرأة السراج ، وجاءت لتأوي إلى فراشها ، فذكرت أنّها لم تؤدّ إلى الغلام طعاما ولا سراجا ، فوثبت مسرعة ، فقدحت وأسرجت وأخذت سراجا وطعاما ومضت إلى الغلام ، فوجدته قائما مستقبلا (١) القبلة ، وقنديلا (٢) يسرج فأخذت تمسح عينيها وتحدّ النظر ، فإذا الغلام قائم والقنديل يسرج ، فرجعت إلى قاسم فأنبهته ، فلمّا انتبه من نومه قالت له : انظر أنا نائمة أو منتبهة ، قال لها : ما لك؟ ذهب عقلك واختلطت؟ قالت : قم حتى أريك ، فلبست ثوبي ونهضت معها فقالت لي : إنّ هذا الغلام أنسيت أن أؤدي إليه سراجا وطعاما إلى هذا الوقت حتى أطفأت (٣) السراج وجئت آوي إلى فراشي ، فذكرت فقمت مسرعة ، فقدحت وأسرجت ، ثم أخذت السراج والطعام ومضيت إليه فرأيته على هذه الحالة ، فنظرت إلى

__________________

(١) بالأصل : مستقبل.

(٢) بالأصل : وقنديل.

(٣) بالأصل : أطفيت.

٢٤٧

الغلام فإذا هو قائم وقنديل يسرج ، فقلت لها : سألتك بحقّ كذا وكذا الذي كنت تخصيني به خصّي به هذا الغلام ، متى كنت أؤمل أن أنظر أو أرى مثل هذا؟ هذا وليّ من أولياء الله ، فلمّا أصبحنا خرجت أنا والغلام إلى المسجد ، فلم نزل إلى أن صلينا العشاء الآخرة ، ثم نهضت ونهض معي فأحببت الاعتذار إليه وأعذر المرأة. فقلت : يا حبيبي ، إنّ المرأة البارحة أنسيت تجيئك بطعام وسراج حتى مضى من الليل ما مضى ، وأطفأت السراج وجاءت تأوي إلى فراشها ، فذكرت أنها لم تأتك بطعام ولا سراج ، فنهضت مسرعة فقدحت وأسرجت وجاءتك بطعام وسراج فرأتك على حالة فرجعت إليّ وأنبهتني من نومي ، ثم قالت لي : إنّ هذا الغلام أنسيت أن أؤدّي إليه طعاما وسراجا إلى هذا الوقت ، وأطفأت السراج وجئت آوي إلى فراشي فذكرته فنهضت مسرعة فقدحت وأسرجت فرأتك على حالة جميلة ، فقال لي : يا قاسم عليك السّلام ، فقلت له : إلى أين تريد الساعة ولا أحد يذهب ولا يجيء ، فقد مضى من الليل ما مضى ، فلم أزل أتضرع إليه على أن يبيت عندي تلك الليلة ، ففعل ، وأجابني إلى ذلك ، فقمت إلى مزود (١) عندي ، فجعلت فيه فتيتا وركوة كانت لي وعشرة دراهم ، فلمّا أصبحنا غدوت وغدا الغلام معي إلى المسجد ، فلمّا صلينا الغداة نهض الغلام ونهضت معه ، فمضينا حتى صرنا إلى الموطأة فقلت له : إلى أين تومي؟ فقال : إلى بيت المقدس ، فقال لي : ما مشيت معي اليوم وغدا وبعده أليس ترجع؟ فقلت : بلى ، فقال لي : ارجع من هاهنا ولا تتغني ، فقلت : يا حبيبي خذ هذا الفتيت تشربه في الطريق ، وهذه الركوة تتوضأ فيها للصلاة ، وهذه العشرة دراهم أخبرك ما كان عندي غيرها ، ولكن يرزق الله ، فقال لي : يا قاسم ما لي فيها حاجة ، وأقبلت أطلب إليه وأتملّقه ، فبعد حين أخذ الركوة فقال : هذه أتوضأ فيها للصلاة ، وأذكرك بها ، فقلت : فخذ هذا الفتيت وهذه الدراهم ، فأدخل يده في كمّه ، فأخرج كفه مملوءة دنانير ، ثم قال لي : يا قاسم ، من كان هذا معه أيش يعمل بدراهمك؟ فأقبلت أنظر إلى الدنانير في كفه (٢) ، ثم رمى بها إلى الأرض فنظرت إلى الموضع الذي رماه ثم التفتّ فإذا ليس بالغلام ، فقال أصحابه : ما كان قاسم الجوعي يحدّثنا في اليوم حديثين أو ثلاثة أكثره ، فلمّا رأى من الغلام تلك الليلة ما رأى لم يزل يحدّثنا من غدوه إلى عشيه وعينيه في عين الغلام ما تطرف عنه.

__________________

(١) المزود : وعاء يجعل فيه الزاد.

(٢) في المختصر : في كمه.

٢٤٨

رواها أبو محمّد إبراهيم بن الخضر ، عن عبد الوهاب.

٩٢٦٧ م ـ صديق للقاسم بن عثمان الجوعي

من أهل العراق من الأبدال ، صحبه أبو عبيد البسري.

قرأت بخط أبي الفرج غيث بن علي ، قال أبو أحمد عبد الله بن بكر بن محمّد الطبراني ، حدّثني عبد المنعم بن عبد الملك ، حدّثني أبو العباس الجلودي ، قال : سمعت؟؟؟ ح؟؟؟ (١) بن أبي عبيد يذكر أول حجة حجّها أبوه رحمه‌الله قال :

قدم إلى دمشق ، فلقي قاسم بن عثمان الجوعي ، فأعلمه أنه قد نوى الحج ، فقال له : فائتني إذا أردت الخروج ، اقعد إليّ حتى أوصي بك بعض إخواني من أهل العراق لتصحبه في طريقك ، قال : فلمّا قرب وقت الحج وافى أبي رحمه‌الله إلى قاسم ومعه جريب (٢) فيه رطل سويق وخمسة دنانير ، فقال له قاسم : ما هذا؟ قال : شيء زوّدته من المنزل ، فبينا هو عنده ، إذ قدم الرجل العراقي ، فسلّم عليه قاسم ووصّاه بأبي قال : أتى أبو عبيد فخرجت معه ، فلمّا صرت في بعض الطريق قال لي : ما هذا معك؟ فأخبرته ، فقال : ضعه هاهنا قال : فتركته في ذلك الموضع ، ثم مضيت معه فكنا إذا احتجنا إلى الطعام وجدناه ، حتى قدمنا مكة ، فلمّا قضينا الحج قال لي في يوم الزيارة : إنّي غدا عند العصر أموت ، فكفّنّي في عباءتي هذه وادفنّي فقلت له : يرحمك الله ، قد صحبتك من الشام إلى هاهنا فلم أسألك عن اسمك ، فإن رأيت أن تعرّفني. فقال لي : لا تحتاج إلى هذا ، ولكن إذا صرت إلى بيت المقدس ، فادخل الصخرة فإنّك ترى شيخا جالسا عن يمينك فهو يسلّم عليك ، ويعزّيك بي ويخبرك من أنا.

قال أبو عبيد : فلمّا صرت إلى بيت المقدس ودخلت من باب الصخرة وجدت الشيخ على ما ذكر لي ، فقام إليّ ، فسلّم عليّ وعزّاني برفيقي ، وقال لي : إنّه كان أحد السبعة ، وأنه لمّا قبضه الله جعلك بدله ؛ وقال : أنا أبو العباس الخضر ، فكان ذلك أول شيخ رأيته.

٩٢٦٨ ـ رجل متصوف دخل بيروت في سياحته

حكى عنه أبو العباس أحمد بن محمّد بن مسروق.

أنبأنا أبو القاسم النسيب ، وأبو محمّد بن الأكفاني وغيرهما ، عن أبي بكر الخطيب ،

__________________

(١) كذا رسمها بالأصل بدون إعجام.

(٢) الجريب مكيال قدر أربعة أقفزة ، جمعه أجربة وجربان (القاموس).

٢٤٩

أنا أبو الحسن بن رزقويه (١) ، قراءة عليه ، أنا عثمان بن أحمد الدقاق ، نا أبو العباس بن مسروق ، قال : قال لي بعض أصحابنا : رأيت على صخرة منقورا (٢) ببيروت :

خذ [ها](٣) فقد أسمعك الصوت

بادر وإلّا فهو الفوت

وانهج بما شئت وعش آمنا

آخر هذا كله الموت

٩٢٦٩ ـ رجل له فضل ، مستجاب الدعاء

حكى عنه أبو الحارث الأولاسي (٤).

قرأت بخط عبد الوهاب الميداني ، أنا أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن عبد الغفار بن أحمد بن إسحاق بن ذكوان ، نا محمّد بن هارون البغدادي ، قال : قال أبو الحارث الأولاسي : ذكر لي عن رجل بدمشق فضل ، ومعه إجابة فصرت إليه ، فالتقينا خارج دمشق في مسجد فقال لي : قم بنا نصير إلى الساحل ، فمضيت معه ، فلمّا سرنا في بعض الطريق إذا امرأة تصرخ في غابة ، وإذا معها شرطي ، قد صحر (٥) حمارها ، وهو يراودها عن نفسها ، فصرخت ، فصاح به الرجل مرتين أو ثلاثة ، فلم ينته وتهاون بكلامه ، قال أبو الحارث : فرأيته يحرك شفتيه ، فإذا الشرطي يغيب (٦) في الأرض وأنا أنظر إليه ، فسقطنا جميعا فما أفقت إلا بعد مدة ، فقمت وأنا أقول : لا إله إلّا الله ، فقال الرجل : لا إله إلّا الله ، فمضيت وقلت : ليس أصحبك بعد هذا ، فقال : إيه ، ورأيته مثل النادم على فعله ، وبقي كأنه مستعتب من فعله.

٩٢٧٠ ـ رجل صالح كان يكون بجبل لبنان

حكى عنه الأولاسي.

أنبأنا أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عبد العزيز المكي ، أنا الحسين بن يحيى بن إبراهيم ، أنا الحسين بن علي بن محمّد.

__________________

(١) تحرفت بالأصل إلى : زرقويه.

(٢) بالأصل : منقور.

(٣) زيادة منا لاستقامة الوزن.

(٤) الأولاسي نسبة إلى أولاس حصن على ساحل بحر الشام من نواحي طرسوس ، فيه حصن يسمى حصن الزهاد.

(٥) الصحير من صوت الحمار أشد من الصهيل في الخيل ، وقد صحر يصحر صحيرا وصحارا (تاج العروس).

(٦) تحرفت بالأصل إلى : يعبث ، والمثبت عن المختصر.

٢٥٠

ح وأنبأنا أبو سعد بن الطيوري ، عن عبد العزيز الأزجي.

ح وأنبأنا أبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين ، عن عبد العزيز بن بندار.

قالوا : أنا أبو الحسن بن جهضم ، نا الحسين بن يحيى ، كنّاه المكي ، أنا علي ، ثنا النسائي ، عن أبي الحارث الأولاسي قال :

بلغني أن بجبل لبنان رجلا تطوى له الأرض من يومه إلى بيت المقدس ، ووصف لي مكانه ، فصرت إليه ، فإذا هو رجل قد التبس سلامه ، فسألته من أين المطعم؟ فدعا بظبية كانت قريبة منه في الجبل ، فجاء بها إلى صخرة فيها نقرة ، فحلبها عليها ، وسقاني من اللبن.

٩٢٧١ ـ رجل

حكى عنه أبو بكر محمّد بن داود الدينوري المعروف بالدّقّي الصوفي.

أخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمّد ، نا نصر بن إبراهيم ، نا أبو رجاء هبة الله بن محمّد بن علي الشيرازي ، إجازة ، أنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن جهضم ، نا أبو بكر محمّد بن داود قال :

كان بدمشق رجل له بغل يكريه من دمشق إلى تل الزّبداني (١) ، ويحمل عليه الناس ، فذكر أنه أكرى بغله مرّة رجل يحمل عليه متاعا له بأجرة معلومة ، فلمّا صار خارج الدرب ، لقيه رجل وسأله أن يحمله على رأس الحمل ويأخذ منه أجرته ، قال : فرغبت في الكراء ، وحمله فوق الحمل ، ولزمت المحجّة ، قال : فلمّا صرنا ببعض الطريق قال لي : هل لك أن تأخذ بنا هذا الطريق فإنه مختصر ، ويجيء عند مفرق طريقين قال : فقلت له : أنا لا أخبر هذا الطريق ولا أعرفه ، فقال : أنا أعرفه ، وقد سلكته مرارا كثيرة ، قال : فأخذت في ذلك الطريق ، فأشرفت على موضع وعر وحش وواد عظيم هائل ، واستوحشت ، وجعلت أنظر يمنة ويسرة ، ولا أرى أحدا ولا أرى أي إنسان ، فبينا أنا كذلك إذا به يقول لي : امسك برأس البغل حتى أنزل ، فقلت له : أيش تنزل في هذا الموضع؟ مر بنا نلحق البلد بوقت ، فقال : خذ ويلك برأس البغل حتى أنزل ، وقد أشرفت على واد عظيم ، يخايل لي أن فيه أقواما موتى ، فأمسكت برأس البغل حتى نزل ، ثم شدّ على نفسه ثيابه وأخرج سكينا عظيما من وسطه ، وقصدني به ليقتلني ، فعدوت من بين يديه وأنا أقول : يا هذا ، خذ البغل وما عليه ، فقال : هذا هو لي ،

__________________

(١) الزبداني : بفتح أوله وثانيه ، كورة مشهورة بين دمشق وبعلبك (معجم البلدان).

٢٥١

وإنّما أريد أقتلك ، فخوفته بالله عزوجل ، وتضرّعت إليه وبكيت ، وحذرته من عقوبة (١) تلحقه ، فأبى وقال : ليس بدّ من قتلك ، فاستسلمت في يده وقلت : دعني أصلي ركعتين ، ثم افعل ما بدا لك ، فقال : افعل ، ولا تطول ، فابتدأت بالتكبير ، وأرتج عليّ القراءة حتى لم أذكر من القرآن حرفا واحدا ، وأنا واقف متحيّر وهو جالس بحذائي يقول : هيه أفرغ ، فأجرى الله على لساني بعد وقت فقرأت (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)(٢) فإذا أنا بفارس قد أقبل من نحو الوادي ، وبيده حربة ، فرمى بها الرجل ، فما أخطأت فؤاده ، وخرّ صريعا ، فتعلّقت بالفارس وهو منصرف ، وقلت له : بالله ، من أنت؟ الذي منّ الله بحياتي بظهورك؟ فقال : أنا رسول (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) ، قال : فأخذت البغل والحمل ، ورجعت إلى دمشق سالما.

٩٢٧٢ ـ رجل

قرئ على قبره بدمشق حكمة.

أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي ، ونقلته من خطه ، نا أبو بكر الخطيب ، أنا أبو القاسم رضوان بن محمّد بن الحسن الدينوري ، قال : سمعنا عبد الواحد بن الحارث الفقيه الصوفي يقول : سمعت أبا نعيم البزاز يقول : سمعت البردعي الفقيه يقول : قال لي صاحب لنا أنّه قرأ على قبر بدمشق : نعم المسكن لمن أحسن.

٩٢٧٣ ـ رجل صالح من أهل قرية سمسكين (٣) من أعمال دمشق

حكى عنه أبو الحسن بن حفص ، تقدمت روايته في ترجمة أبي الحسن بن حفص وممن قال شعرا أو رواه.

٩٢٧٤ ـ أعرابي

شاعر من أهل نجد ، كان بأذرعات.

أخبرنا أبو السعود بن المجلى ، بقراءتي عليه ، نا القاضي الشريف أبو الحسين محمّد

__________________

(١) بالأصل : عطوبة ، والمثبت عن المختصر.

(٢) سورة النمل ، الآية : ٦٢.

(٣) كذا بالأصل : سمسكين ؛ ولعله : سمكين ، كما في معجم البلدان وهي ناحية من أعمال دمشق من جهة حوران لها ذكر في التواريخ.

٢٥٢

ابن علي بن محمّد المهتدي ، أنا أبو أحمد طالب بن عثمان بن محمّد المقرئ الأزدي ، نا أبو بكر محمّد بن القاسم الأنباري ، إملاء ، قال : أنشدني أبي لأعرابي (١) :

ألا أيها البرق الذي بات يرتقي

ويجلو دجى (٢) الظلماء ذكرتني نجدا

وهيجتني من أذرعات وما أرى

بنجد على ذي حاجة طرب بعدا (٣)

ألم تر أن الليل يقصر طوله

بنجد وتزداد الرياح به بردا؟

٩٢٧٥ ـ شاعر من قيس

أخبرنا أبو الحسين بن الفراء ، وأبو غالب ، وأبو عبد الله ابنا البنا ، قالوا : أنا أبو جعفر ابن المسلمة ، أنا أبو طاهر المخلص ، أنا أحمد بن سليمان ، نا الزبير بن بكار ، قال (٤) :

وكان خالد بن يزيد يتعصب (٥) لأخوال أبيه من كلب ، يعينهم على قيس في حرب كانت بين قيس عيلان وبني كلب ، فقال شاعر قيس :

يا خالد بن أبي سفيان قد قرحت (٦)

لنا القلوب وضاق السهل والجبل

أأنت تأمر كلبا أن تقتلنا (٧)

جهلا وتمنعهم منا إذا قتلوا

ها إنّ ذا لا يقر الطير ساكنه

ولا تبرك من نكرائه (٨) الإبل

٩٢٧٦ ـ شاعر دخل دمشق

أنبأنا أبو القاسم يحيى بن ثابت بن بندار بن إبراهيم الدينوري ، أنبأ أبي أبو المعالي ، أنا أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي ، أنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان ، أنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمّد بن عرفة ، أنا أحمد بن يحيى ، عن الرياشي قال : بينا معاوية ابن عبد الله بن جعفر بدمشق ، إذ سمع رجلا ينشد :

لعمرك إني في دمشق وأهلها

وإن كنت فيها ثاويا لغريب

__________________

(١) الأبيات في معجم البلدان (أذرعات) ونسبها لبعض الأعراب ، والأول والثالث في مادة نجد.

(٢) في معجم البلدان (نجد) ذرى الظلماء.

(٣) في معجم البلدان : طربا بعدا.

(٤) الخبر والأبيات في نسب قريش للمصعب الزبيري ص ١٢٩ والأغاني ١٧ / ٣٥٠ في ذكر خالد ورملة وأخبارهما.

(٥) بالأصل : متعصب ، والمثب عن نسب قريش.

(٦) في نسب قريش : فرقت منا.

(٧) في الأغاني : تقاتلنا.

(٨) في نسب قريش : جرائه.

٢٥٣

ألا حبذا صوت الفضاء حين أحر

ست بحيطانه جنح الظلام جنوب

فقال عبد الله بن معاوية : من أنت؟ فقال : رجل غريب ، فقال لغلامه : كم معك؟ فقال : خمس مائة دينارا ، فقال : ادفعها إليه.

٩٢٧٧ ـ شاعر من أهل دمشق

كان هواه مع بني أمية عند خروج أبي العميطر بدمشق.

قرأت بخط أبي الحسين الرازي ، أخبرني أبو الفضل العباس بن أحمد بن محمّد بن صالح بن محمّد بن صالح بن بيهس ، حدّثني أبي عن أبيه عن جده قال : كان محمّد بن صالح ابن بيهس قد بعث رجلا من بني أبي معيط وكتب معه إلى المأمون ، فهو ينتظر رجعة الرسول ، وأبو العميطر في ذلك يبعث ويغزو قيس ، وبعث رجلا من أهل بيته يقال له يزيد بن هشام في عشرة آلاف إلى حوران ، فأقام في حوران ، ولقيه جمع لقيس عند قرية يقال لها الثعلة فنصر عليهم وأكثر فيهم من القتل ، وقتل أحمد بن أيوب بن حبيب ، وقال .... (١) قيس وانهزم صدقة بن عثمان المزني إلى طبرية وحصن عمارة بأذرعات وانكشف محمّد بن صالح إلى قريته وكان يوما غليظا على قيس ، فقال شاعر بني أمية :

تنافس بنعمة المختار منا

أكف بني أسد والقلوب

وسارت تحت ألوية ابن حرب

جنود الله ليس لها ضريب

سارعت الشام إلى علي

وشرق الأرض والحرب الرحيب

وعاد الملك في أبناء صخر

طوال الدهر ما سرت الجنوب

فقل لبني أمية والليالي

لها في كل سائمة نصيب

إذا سلمت بنو العباس منكم

مواليها وسادتها النجيب

٩٢٧٨ ـ شاعر من أهل دمشق

لم يسم.

أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي ، أنا أبو بكر الخطيب ، أنشدني أبو طاهر اليزيدي الرازي لبعض أهل دمشق (٢) :

__________________

(١) غير واضحة بالأصل.

(٢) الأبيات في تتمة يتيمة الدهر ٥ / ٥٣ ونسبها إلى الحسن الدقاق شاعر من أهل دمشق ، قالها في صديق له أجحف في مسألته وهو ضيفه.

٢٥٤

ودعوتني فأكلت عندك لقمة

وشربت شرب من استتم خروفا

وسألتني في إثر ذلك دعوة

ذهبت بمالي تالدا وطريفا

فجعلت أفكر قبل باقي ليلتي

ما كنت تفعل لو أكلت رغيفا

٩٢٧٩ ـ رجل من أصحاب الحديث

أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد بن مقاتل ، أنا جدي أبو محمّد ، نا أبو علي الأهوازي ، أنشدنا أبو القاسم بن بشرى ، أنا أبو القاسم بن أبي العقب ، أنشدني بعض أصحاب الحديث :

كم من أخ لك لم يلده أبوكا

وأخ أبوه أبوك قد يجفوك

كم أخوة لك لم يلدك أبوهم

وكأنما آباؤهم ولدوك

لو رمت حملهم على مكروهة

تخشى الحتوف بها لما خذلوكا

وأقارب لو عاينوك منوطا

بنياط قلبك ثم ما نصروكا

فالناس ما استغنيت كنت أخا لهم

فإذا افترقت إليهم رفضوكا

٩٢٨٠ ـ رجل آخر

أخبرنا أبو القاسم بن السوسي ، أنا جدي ، أنشدنا أبو القاسم العطار ، أنشدنا أبو القاسم بن أبي العقب ، أنشدني بعض أصحاب الحديث :

ذهب الرجال المقتدى بفعالهم

والمنكرون لكل أمر منكر

وبقيت في خلف يزين بعضهم

بعضا ليسكت معور عن معور

٩٢٨١ ـ صديق لأبي القاسم بن أبي العقب (١)

أنا .... (٢) ، أنا الأهوازي ، نا عبد الرّحمن بن محمّد الجوبري ، نا أبو القاسم بن أبي العقب ، أنشدني صديق لي هذه الأبيات :

كم المقام وكم تعتافك العلل

ما ضاقت الأرض في الدنيا ولا السبل

إن كنت تزعم أرض الله واسعة

فيها لغيرك مرتاد ومرتحل

فارحل فإن بلاد الله ما خلقت

إلّا ليسكن منها السهل والجبل

__________________

(١) بالأصل : العباس.

(٢) تقرأ بالأصل : قدي.

٢٥٥

الله عودني الحسنى فما برحت

عندي له نعم تترى وتتصل

إن ضاق بي بلد أبدلته عوضا

وإن نبا منزل بي كان لي بدل

وإن تغير لي عن ودّه رجل

أصفى المودة لي من بعده رجل

لم يقطع الله لي من صاحب أملا (١)

إلّا تجدد لي من صاحب أمل

لا تبتذل أبدا وجهك في طمع

فما لوجهك ماء حين يبتذل

٩٢٨٢ ـ رجل من أهل دمشق

أنبأنا أبو بكر محمّد بن الحسين المقرئ ، أنا أبو منصور محمّد بن محمّد بن أحمد ابن الحسين العكبري ، أنا أبو القاسم آدم بن محمّد بن علي الزبدي العلوي ، أنا أبو بكر محمّد ابن الحسين الاحرن (٢) قال :

رأيت منذ سنين كثيرة مع عجوز .... (٣) أخبرتني أن شابا من أهل دمشق كان محبوسا في المطبق مظلوما (٤) وأنه نسخ هذين ، ونسخ على حضرتهما شيء من الشعر في الغرباء على الأول منهما :

غريب يقاسي الهم في أرض غربة

فيا رب قرب دار كل غريب

وعلى الثاني منهما :

أنا الغريب فلا ألام على الام

على البكاء إن البكاء حسن بكل غريب

٩٢٨٣ ـ رجل من أهل دمشق

أنبأنا أبو بكر محمّد بن الحسين المقرئ ، أنا أبو منصور محمّد بن محمّد بن أحمد ابن الحسين العكبري ، أنا أبو القاسم آدم بن محمّد بن آدم بن الهيثم السلحي ، أنا أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني. قال : وقال لي أبو الحسن الواسطي الصوفي : قرأت على حائط دير بأذربيجان : حضر فلان ابن فلان الدمشقي وهو يقول :

لئن كان سخط البين فرق بيننا

فقلبي ثاو عندكم ومقيم

__________________

(١) بالأصل : أصلا ... أصل ، والمثبت عن المختصر.

(٢) كذا رسمها بالأصل.

(٣) كلمة غير مقروءة بالأصل.

(٤) بالأصل : مظلوم.

٢٥٦

ألا ليت شعري هل إلى جمع شملنا

سبيل فنلقي العيس وهو سليم

٩٢٨٤ ـ رجل من أهل بيروت

ذكر أنه قرأ على حائط سورة مدينة صور مكتوبا :

دع الدنيا فإني لا أراها

لمن يرضى بها دارا بدار

ودارك إنما اللذات فيها

معلقة بأيام قصار

٩٢٨٥ ـ شاعر من الماذرائيين (١) الكتّاب الذين كانوا بمصر

قدم دمشق وأقام بها مدة مختفيا بدير مرّان (٢) لأجل ضمان ضمنه بمصر.

حكى عنه أبو الفرج عبد الواحد بن نصر الببغاء الشاعر (٣).

قرأت على أبي غالب بن البنا ، عن أبي جعفر بن المسلمة ، أنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين الثوري المحتسب ، قراءة عليه ، نا أبو الفرج عبد الواحد بن نصر بن محمّد المخزومي قال (٤) :

تأخرت بدمشق عند سيف الدولة مكرها وقد سار عنها في بعض وقائعه ، وكان الخطر شديدا على من أراد اللحاق به من أصحابه ، حتى إن ذلك كان مرديا إلى النهب وطول الاعتقال ، فاضطررت إلى إعمال الحيلة في ذلك يخدمه من بها من رؤساء الدولة الإخشيديّة وكان انقطاعي منهم إلى أبي بكر علي بن صالح الرودباري لتقدمه في الرئاسة ، ومكانه من الفضل والصناعة ، فأحسن تقبلي (٥) وبالغ في الإحسان إليّ ، وعملت تحت الضرورة في المقام ، فتوفرت على قصد البقاع الحسنة والمتنزهات المطروقة تسليا وتعللا. فلما كان في بعض الأيام عملت على قصد دير مران ، وهذا الدير مشهور الموقع منها في الجلالة وحسن المنظر ، فاستصحبت بعض من كنت آنس به ، وتقدمت بحمل ما يصلحنا ، وتوجّهنا ، فلمّا

__________________

(١) الماذرائيين مفردها الماذرائي وهذه النسبة إلى ماذرايا وهي قرية بالبصرة ينسب إليها الماذرائيون كتاب الطولونية بمصر قال ياقوت : والصحيح أن ماذرايا قرية فوق واسط من أعمال فم الصلح. (معجم البلدان) ، وجاءت بالأصل : المادرائيين بالدل المهملة.

(٢) دير مران : تقدم التعريف به قريبا.

(٣) ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٧ / ٩١.

(٤) الخبر بطوله في يتيمة الدهر ١ / ٢٩٤ وما بعدها (ط. بيروت).

(٥) كذا بالأصل بدون إعجام ، والمثبت عن يتيمة الدهر.

٢٥٧

نزلناه قدمنا أمرنا وأخذنا في شأننا (١) ، وكنت اخترت من رهبانيته لعشرتنا من توسمت فيه رقة الطبع وسماحة الأخلاق ، حسب ما جرى الرسم به في غشيان (٢) الاعمار وطروق الدّيرة من التطرف بعشرة أهلها والأنسة بسكانها فانصرفت في نظرة إلى بعض الرهبان فوجدته إلى خطابه متوثبا ولنظري إليه مترقبا فلمّا أخذته عيني أكب يزعجني بخفي الغمز ووحي الإيماء ، فاستوحشت لذلك وأنكرته ونهضت عجلا واستحضرته فأخرج إليّ رقعة مختومة وقال لي : قد سقط فرض الأمانة مما تضمنته هذه الرقعة وونى وسقط ذمام كاتبها في سترها بك عني ، ففضضتها ، فإذا فيها بأحسن خط وأملحه وأقواه وأوضحه :

بسم الله الرحمن الرحيم.

لم أزل فيما تؤديه هذه المخاطبة يا مولاي : بين حزم يحث على الانقباض عنك ، وحسن ظن يحض (٣) على التجاور (٤) عن نفيس الحظ منك إلى أن استنزلتني الرغبة على حكم الثقة بك من غير خبرة ، فرفعت بيني وبينك سجف الحشمة ، فأطعت بالانبساط أوامر الأنسة ، وانتهزت في التوصل إلى مودتك فائت الفرصة ، والمستماح منك ـ جعلني الله فداك ـ زوره ارتجع ما اغتصبته الأيام من المسرة مهنأة بالانفراد إلّا من غلامك [الذي هو مادة مسرتك](٥) :

وما ذاك عن خلق يضيق بطارق

ولكن لأخذي باجتناب العوائق

فإن صادف ما خطبته منك ـ أيدك الله ـ قبولا ، ولديك نفاقا ، فمنّة غفل الدهر عنها ، وفارق مذهبه بما أهداه إلي منها ، وإن جرى على رسمه في المضايقة فيما أوثره وأهواه وأترقبه من قربك وأترجاه ، فذمام المروءة يلزمك رد هذه الوقعة وسترها وتناسيها واطراح ذكرها إن شاء الله وإذا بأبيات تتلو الخطاب وهي :

هل لك في صاحب تناسب بال

غربة أخلاقه وبالأدب

أوحشه القرب (٦) فاستراح إلى

قربك مستنصرا على النوب

__________________

(١) رسمها بالأصل : «؟؟؟ ا؟؟؟ ا» والمثبت عن يتيمة الدهر.

(٢) كذا بالأصل : «غسان» والمثبت : «غشيان» عن يتيمة الدهر.

(٣) بالأصل : «؟؟؟ حطر» والمثبت عن يتيمة الدهر.

(٤) في يتيمة الدهر : التسامح.

(٥) زيادة عن يتيمة الدهر.

(٦) في يتيمة الدهر : أوحشه الدهر.

٢٥٨

فإن تقبلت ما حباك به

لم تشن الظن فيك بالكذب

وإن أبى الدهر دون بغيتنا (١)

فكن كمن لم يقل ولم يجب

قال [أبو الفرج :] فورد عليّ ما [حيرني](٢) وتحصل لي في الجملة أن أغلب الأوصاف على صاحبها الكتابة خطا ونظما ونثرا ، فشاهدت بالفراسة من ألفاظه ، وخبرت أخلاقه قبل الخبرة من رقعته ، وقلت للراهب : ويحك من هذا؟ وكيف السبيل إليه؟ فقال : أما ذكر حاله فإليه إذا اجتمعنا ، وأما السبيل إلى لقائه فمتسهل إن شئت (٣) ، قلت : دلني ، قال : وتتصيد عذرا تفارق أصحابك منصرفا ، فإذا حصلت بظاهر الدير عدلت بك إلى باب خفي تدخل منه ، فرددت الرقعة عليه ، وقلت : ارفعها إليه ليتأكد أنسه لي ، وسكونه إلي ، وعرفه أن التوفر على إعمال الحيلة في المصير إلى حضرته على ما أوثره أولى من التشاغل بإصدار جواب ، أو قطع وقت بمكاتبته ، ومضى الراهب ، وعدت إلى أصحابي بغير النشاط الذي ذهبت به ، وأنكروا ذلك ، فاعتذرت إليهم بشيء عرض لي ، واستدعيت ما أركبه ، وتقدمت إلى من كان معي ممن يخدم بالتوفر على خدمتهم ، وقد كنا عملنا على المبيت ، فاجتمعوا على تعجل الانصراف ، وخرجت من باب الدير ، ومعي صبي مملوك كنت آنس بخدمته ، وتقدمت إلى الشاكري برد الدابة ، وستر خبري ومباكرتي ، وتلقاني الراهب ، فعدل بي إلى الطريق الضيق الذي وصفه ، وأدخلني إلى الدير من باب غامض ، وصار لي إلى باب قلاية (٤) متميز عما يجاوره من الأبواب نظافة وحسنا ، فقرعه بحركات مختلفات كالعلامة ، فابتدرنا منه غلام وتلوته (٥) ، والراهب إلى صحن القلاية ، فإذا أنا إلى بيت فضي الحيطان ، رخامي الأركان ، حلوقي الجدران ، يضمن طارقه خيش ريح تظاهر بخيش يمده بالماء من كثافته ، مفروش بحصر مستعملة له ، وفي صدره مقعد سامان (٦) مقرون في دقة الدبيقي وبياضه وسامد (٧) ما تجاوره

__________________

(١) في يتيمة الدهر : رغبتنا.

(٢) زيادة للإيضاح عن يتيمة الدهر.

(٣) تقرأ بالأصل : جئته.

(٤) القلاية : كالصومعة.

(٥) كذا ، ويبدو أن في الكلام سقطا ، وتمام العبارة في المختصر ويتيمة الدهر : فابتدرنا منه غلام ، كأن الشمس تشرق من غرته ، والليل في أصداغه وطرته ، بغلاله تنم على ما تستره ، فبهر عقلي ، واستوقف نظري ، ثم أجفل كالظبي المذعور ، وتلوته والراهب ...

(٦) كذا.

(٧) كذا.

٢٥٩

من الفرش طبري فوثب إلينا منه فتى مقتبل الشبيبة ، حسن الصورة ، ظاهر النبل والهيئة ، متزيّ (١) من اللباس [بزي غلامه] فلقيني حافيا يعثر في سراويله ، واعتنقني ثم قال لي : إنما استخدمت هذا الغلام في تلقيك يا سيدي لأجعل ما لعلك استحسنته من وجهه مصانعا عما ترد عليه من قبح وجهي ، فاستظرفت اختصاره الطريق إلى بسطي ، وارتجاله النادرة على نفسه حرصا في تأنيسي ، وأفاض في شكري على المسارعة إلى أمره ، وأنا واصل خلل سكناته بالتعبد له ، والمبالغة في الاعتداد به بتفضله وقال لي : أنت يا سيدي مكدود بمن كان معك والاستمتاع بمحادثتك لا يتم إلا بالتوصل إلى راحتك ، وقد كان الأمر على ما ذكر ، فاستلقيت يسيرا ثم نهضت فخدمت في حالتي النوم واليقظة الخدمة التي ألفتها في دور أكابر الملوك وجلة الرؤساء ، وأحضرنا خادم له لم أر أحسن وجها ولا سوادا منه طبقا يضم ما يتخذ للعشاء مما خف وظرف ، فقال لي : الأكل مني يا سيدي للجوع ، ومنك للممالحة والمساعدة ، فنلنا شيئا ، وأقبل الليل ففتحت مناظر ذلك البيت إلى فضاء أدى إلينا محاسن الغوطة ، وحبانا بذخائر رياضها من المنظر الجناني والنسيم العطري ، واقتعدنا غارب اللذة ، وجرينا في ميدان المفاوضة فلم يزل يناهبني نوادر الأخبار وملح الأشعار ، ونخلط ذلك من المزاح بأظرفه ، ومن التودد بألطفه ثم قال لي : أنا والله يا سيدي أحب ترفيهك ولا أبطأ عما أنت متوفر عليه فقد عرفت الاسم والنسب والصناعة واللقب وقد كنت أوثر أن نسمة ليلتنا بشيء يكون لها طررا ، ولذكرها معلما ، فأخذت دواة وكتبت ارتجالا :

وليلة أوسعتني

حسنا ولهوا وأنسا

إذا طلع الدير سعدا

لم يبق مذ لاح (٢) نحسا

فصار للروح مني

روحا وللنفس نفسا

فطرب على قولي : «للروح روحا وللنفس نفسا» وأخذ الأبيات وجعل يرددها ثم جذب دواة وكتب إجازة لها :

ولم أكن لغريمي

والله أبذل فلسا

لو ارتضى لي خصمي

بدير مران حبسا

ودفعه إليّ فقلت له : إذا ما كان والله أحد يؤدي حقا ولا باطلا وعرفت في الجملة أنه

__________________

(١) بالأصل : متزين ، والمثبت عن يتيمة الدهر.

(٢) في يتيمة الدهر : بان.

٢٦٠