تاريخ مدينة دمشق - ج ٦٨

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٦٨

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٦
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

بعضهم : ما أطيب هذا الطعام ، ما نرى أنّ أحدا رأى أكثر منه ولا أطيب ، فقال إعرابي من ناحية القوم : أمّا أكثر فلا ، وأما أطيب فقد والله أكلت أطيب منه ، فطفقوا يضحكون من قوله ، فأشار إليه عبد الملك فأدني منه فقال : ما أنت بمحقّ فيما تقول إلّا أن تخبرني بما تبين به صدقك ، فقال : نعم يا أمير المؤمنين بينا أنا بهجر (١) في تراب أحمر في أقصى حجر ، إذ توفي أبي ، وترك كلّا (٢) وعيالا ، وكان له نخل ، وكان فيه نخلة لم ينظر الناظرون إلى مثلها ، كأن ثمرها أخفاف الرّباع (٣) ، لم ير قط أغلظ لحاء ولا أصغر نوى ولا أحلى حلاوة منها ، وكانت تطرقها أتان وحشية قد ألفتها تأوي بالليل تحتها ، فكانت تثبت (٤) رجليها في أصلها ، وترفع يديها ، وتقطع بفيها ، فلا تترك بها إلّا النبذ والمتفرق ، فأعظمني ذلك ، ووقع منّي كل موقع ، فانطلقت بقوسي وأسهمي ، وأنا أظنّ أني راجع من ساعتي ، فمكثت يوما وليلة لا أراها ، حتى إذا كان السحر أقبلت ، فتهيّأت لها [فرشقتها](٥) فأصبتها وأجهزت عليها ، ثم عمدت إلى سرتها فاجتززتها ، ثم عمدت إلى حطب جزل فجمعته إلى رضف وعمدت إلى زندي ، فقدحت وأضرمت النار في ذلك الحطب ، وألقيت سرّتها فيها ، وأدركني نوم السبات ، فلم يوقظني إلّا حدّ الشمس في ظهري ، فانطلقت إليها فكشفتها وألقيت ما عليها من قذى ورماد ثم قلبت مثل الملاءة البيضاء ، فألقيت عليها من رطب تلك النخلة المجزّعة (٦) والمنصفة ، فسمعت لها أطيطا كتداعي عامر وغطفان ، ثم أقبلت أتناول الشحمة واللحمة فأضعها بين التمرتين فأهوي إلى فمي ، فيما أحلف أنّي ما أكلت طعاما قط مثله ، فقال له عبد الملك : لقد أكلت طيبا فممن أنت؟ قال : أنا رجل جانبتني عنعنة تميم وأسد وكشكشة وربيعة وحوشي أهل اليمن وإن كنت منهم. قال : فمن أيهم أنت؟ قال : من أخوالك من عذرة ، قال : أولئك فصحاء الناس ، فهل لك علم بالشعر ، قال : سلني عما بدا لك يا أمير المؤمنين ، قال : أي بيت قالت العرب أمدح؟ قال قول جرير (٧) :

__________________

(١) هجر : مدينة بالبحرين مشهورة (راجع معجم البلدان).

(٢) الكلّ : الثقل والعيال.

(٣) تقرأ بالأصل : «الذبائح» تصحيف ، والمثبت عن الأغاني. والرباع جمع ربع وهو الفصيل ينتج في الربيع.

(٤) رسمها بالأصل : «بلنننب» والمثبت عن الأغاني.

(٥) زيادة لازمة عن الأغاني.

(٦) المجزعة : جزع البسر : بلغ الإرطاب نصفه ، وقيل إلى ثلثيه.

(٧) البيت في ديوان جرير ص ٧٤ (ط. بيروت).

١٦١

ألستم خير من ركب المطايا

وأندى العالمين بطون راح

قال : وجرير في القوم : فرفع رأسه وتطاول لها قال : فأي بيت قالته العرب أفخر؟ قال : قول جرير (١) :

إذا غضبت عليك بنو تميم

حسبت الناس كلهم غضابا

قال : فتحرك جرير ثم قال أي بيت أهجا؟ قال : قول جرير (٢) :

فغض الطرف إنّك من نمير

فلا كعبا بلغت ولا كلابا

قال : فاستشرف لها جرير قال : فأي بيت أغزل؟ قال : قول جرير (٣) :

إن العيون التي في طرفها حور

قتلننا ، ثم لم يحيين قتلانا

قال : فاهتز جرير وطرب ، ثم قال له : فأي بيت (٤) قالت العرب أحسن تشبيها؟ قال قول جرير (٥) :

سرى نحوهم (٦) ليل كأن نجومهم

قناديل فيهن الذبال المفتّل

فقال جرير : جائزتي للعذري يا أمير المؤمنين ، فقال له عبد الملك : وله مثلها من بيت المال ، ولك جائزتك (٧) يا جرير لا ننقص منها شيئا. وكانت جائزة جرير أربعة آلاف درهم وتوابعها من الحملان والكسوة ، فخرج العذري وفي يده اليمنى ثمانية آلاف درهم وفي اليسرى رزمة ثياب.

وقد روي نحو هذه القصة عن أعرابي قالها إلى هشام بن عبد الملك. فالله أعلم (٨).

٩١٤١ ـ رجل حكيم تكلم عند عبد الملك

أخبرنا أبو محمّد بن طاوس ، أنبأ أبو الغنائم بن أبي عثمان ، أنا أبو الحسين بن بشران ، أنا أبو علي بن صفوان ، نا ابن أبي الدنيا ، قال : قال محمّد بن الحسين ، نا داود بن

__________________

(١) البيت في ديوان جرير ص ٦٢ (ط. بيروت).

(٢) ديوان جرير ص ٦١.

(٣) ديوان جرير ص ٤٥٢.

(٤) بالأصل : شيء ، والمثبت عن الأغاني.

(٥) البيت في ديوان جرير ص ٣٤٣ من قصيدة يهجو الأخطل.

(٦) الديوان : نحوكم.

(٧) بالأصل : حائز.

(٨) من قوله : وقد ... إلى هنا أخرت العبارة وأقحمت في الترجمة التالية ، وجاءت بعد لفظة : طاوس.

١٦٢

المحبّر (١) ، نا شبيب بن شيبة ، قال : تكلّم رجل من الحكماء عند عبد الملك بن مروان فوصف المنفى. فقال رجل : أبرّ الله على خلقه ، وأبرّ الآخرة على الدنيا ، فلم نكرته المطالب ولم تغبه المطامع ، نظر ببصر قلبه إلى معالي إرادته ، فبينما نحوها ملتمسا فدهره محزون ببيت إذا نام الناس ذا شجون ، وتصبح مغموما في الدنيا ، مشجون انقطعت من همّته الراحة دون منقبة ، فشفاؤه القرآن ودواؤه الكلمة من الحكمة والموعظة الحسنة ، لا يرى منها الدنيا عوضا ، ولا تستريح إلى لذّة سواها ، فقال عبد الملك : أشهد بأن هذا رخاء بالا منا وأنعم عيشا.

٩١٤٢ ـ رجل من بني حنيفة

وفد على عبد الملك بن مروان ، تقدم ذكره في ترجمة معاوية.

٩١٤٣ ـ رجل حكى عن رجل من بني حنيفة

شهد قتل مسيلمة ، وحكاه لعبد الملك ، حكى عنه خالد بن دهقان ، تقدم ذكره في ترجمة معاوية بن أبي سفيان.

٩١٤٤ ـ رجل فصيح دخل على عبد الملك بن مروان

أخبرنا أبو الوفاء حفاظ بن الحسن بن الحسين الغساني ، أنبأ علي بن طاهر بن جعفر ، أنا أبو الحسين أحمد بن عبد الرّحمن الطرائفي ، أنا أبو القاسم تمام بن محمّد الحافظ ، أنبأ إبراهيم ابن محمّد بن صالح بن سنان ، حدّثني أبو بكر بن مطر ، نا محمّد بن يوسف بن بشر القرشي ، حدّثني الوليد بن محمّد الموقري ، قال : سمعت محمّد بن مسلم بن شهاب الزهري قال :

كنت عند عبد الملك بن مروان فدخل عليه رجل حسن الفصاحة فقال له عبد الملك : كم عطاؤك؟ قال : مائتي درهم ، قال : في كم ديوانك؟ قال : عشرون دينارا ، قال : أما علمت أنّي قد أمرت أن لا يتكلم أحد [إلّا](٢) بإعراب قال : ما علمت ذلك يا أمير المؤمنين قال : فمن العرب أنت أم من الموالي؟ قال : يا أمير المؤمنين إن تكن العربية آباء فلست منها ، وإن تكن لسانا فإني منها ، قال : صدقت ، قال الله عزوجل (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)(٣) قال : وقام

__________________

(١) هو داود بن المحبر بن قحذم بن سليمان ، أبو سليمان البصري ، ترجمته في تهذيب الكمال ٦ / ٤٢.

(٢) زيادة لازمة للإيضاح عن المختصر.

(٣) سورة الشعراء ، الآية : ١٩٥.

١٦٣

الرجل فالتفت إلى عبد الملك فقال : ويحك يا زهري ما ناظرني أحد بمناظرة إلّا علوته فيها خلا هذا الرجل.

٩١٤٥ ـ رجل دخل على عبد الملك بن مروان وهو ببغداد

أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنا رشأ المقرئ ، أنا أبو محمّد المصري ، أنا أحمد بن مروان ، نا إبراهيم الحربي ، نا سعيد بن سليمان الواسطي ، عن عبّاد بن العوام ، عن عبد الله بن سعيد قال :

قال عبد الملك بن مروان لرجل دخل عليه وهو يأكل : هلمّ إلى الغداء قال : ما فيّ فضل ، فقال : ما أقبح بالرجل أن يأكل حتى لا يكون [فيه](١) فضل ، فقال : يا أمير المؤمنين عندي مستزاد ، ولكني أكره أن أصير إلى الحالة التي استقبح أمير المؤمنين.

٩١٤٦ ـ أعرابي دخل على عبد الملك

حدّثني أبو محمّد بن طاوس لفظا ، وأبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمّد ، قالا :

أنا أبو القاسم بن أبي العلاء ، أنا أبو نصر محمّد بن أحمد بن الحسين بن عبد العزيز البقال العكبري بها ، ثنا أبي ، ثنا أبو بكر الباغندي ، حدّثني عبد الملك بن محمّد بن عبد الله ، نا الرقاشي ، نا أبو حفص القديدي قال :

دخل أعرابي على عبد الملك بن مروان وهو يأكل الفالوذج (٢) قال : فقال : يا ابن عم ادن فكل من هذا الفالوذج فإنه يزيد في الدماغ. قال : لو كان كما يقول أمير المؤمنين فينبغي أن يكون رأسه مثل رأس البغل ، وقد حكيت هذه الحكاية لسليمان بن عبد الملك.

٩١٤٧ ـ رجل حكيم وعظ عبد الملك بن مروان

أخبرنا أبو محمّد بن طاوس ، أنا أبو الحسن علي بن محمّد بن محمّد بن الأخضر الأنباري ـ بها ـ أنا أبو الحسين بن بشران ، أنا أبو علي بن صفوان ، نا ابن أبي الدنيا ، حدّثني أبو محمّد العبدي ، عن عبيد الله بن محمّد القرشي ، حدّثني ابن أبي سميل قال :

دخل رجل على عبد الملك بن مروان ممن كان يوصف بالعقل والأدب ، فقال له عبد

__________________

(١) زيادة لازمة للإيضاح عن مختصر ابن منظور.

(٢) الفالوذج ، قال يعقوب ولا يقال فالوذج ، وهو فارسي معرب ، والفالوذ ضرب من الحلواء ، يؤكل ، وهو يسوّى من لب الحنطة.

١٦٤

الملك بن مروان : تكلّم. قال : عما أتكلّم؟ وقد علمت أنّ كلّ كلام يتكلم به المتكلم عليه (١) ، إلّا ما كان لله. فبكى عبد الملك ثم قال : يرحمك الله ، لم يزل الناس يتواعظون ويتواصون. قال الرجل : يا أمير المؤمنين ، إنّ للناس في القيامة جولة ، لا ينجو من غصص مرارتها ومعاينة الردى فيها إلّا من أرضى الله بسخط نفسه ، قال : فبكى عبد الملك وقال : لا جرم ، لأجعلن هذه الكلمات مثالا نصب عيني ما عشت أبدا.

٩١٤٨ ـ شاب له قصة مع عبد الملك بن مروان

قرأت بخط أبي الحسن رشأ بن نظيف ، وأنبأنيه أبو القاسم علي بن إبراهيم ، وأبو الوحش سبيع بن المسلم عنه ، أخبرني أبو الحسين عبد الرّحمن بن أحمد بن معاذ بمصر ، أنا أبو العباس أحمد بن محمّد البغوي ، أنا أبو الطيب ابن الوشاء محمّد بن إسحاق بن يحيى بن الأعرابي ، أنا أحمد بن عبيد ، عن هشام بن محمّد الكلبي قال :

بينا عبد الملك بن مروان بالغوطة إذا هو بشاب على فرس يكلّمه من جانب الحرة الآخر : يا أمير المؤمنين إنّي شاب مملق (٢) ذو عيال فأعنّي ، فقال له عبد الملك : إنّي أرى لك شارة وهيئة ، فهل رويت من الشعر شيئا؟ قال : نعم ، قال : فما رويت قول الشاعر (٣) :

اعص العواذل وارم الليل عن عرض

بذي سنين تقاسي ليله حسبا

حتى يموّل أو حتى يقال فتى (٤)

لاقى التي تشعب الفتيان فانشعبا؟

قال : بلى ، قد كنت رويتها ولكني أنسيتها ، ثم ضرب وجه فرسه ومضى ، فقال عبد الملك : اطلبوه ، فإني أحسبه قد عزم على شيء ، فطلب فلم يوجد ، ولم يلبث عبد الملك أن خرج خارجي أسعر الأرض شرّا وألزمه غرما ثقيلا ، ثم كتب إليه : يا أمير المؤمنين أنا الشاب صاحب الغوطة ، قبلت قولك في الشرّ. فكتب إليه بأمانه وأكد له في ضمانه ، فقدم إليه ، فكان من جملة أصحابه.

٩١٤٩ ـ رجل من شعراء البادية

وفد على عبد الملك بن مروان.

__________________

(١) أقحم بعدها بالأصل : وقال.

(٢) المملق : الذي لا شيء له. والمملق : المفسد (تاج العروس : ملق).

(٣) البيت الثاني في تاج العروس : شعب. طبعة دار الفكر ، ونسبه إلى سهم الغنوي ، ونسبه الصاغاني إلى يزيد بن معاوية.

(٤) صدره في تاج العروس : حتى يصادف مالا أو يقال فتى.

١٦٥

ذكر أبو محمّد بن زبر فيما نقلته من كتاب ابنه أبي سليمان (١) ، أنبأ أحمد بن عبد الله بن سليمان ، عن أبي عبد الله ابن الأعرابي قال :

كان رجل من الأعراب عاشقا لابنة عمّ له ، وأمل أن يتزوّجها ، فأصابتهم حطمة (٢) أفسدت المال وغيرت الحال وذلك في خلافة عبد الملك بن مروان فارتحل أهلها إلى بعض مدائن الشام ، وكثر خطّاب الجارية ، وبذل لها الرغائب ، فبلغ ذلك الأعرابي ، فأقبل على قعود (٣) له ، فأغذّ السير ، فعطب قعوده ، فلم يبق معه إلّا حلسه وقتبه فأتاهم فذكر قرابة وشرفا فقالوا : المال أحبّ إلينا للحال التي نحن عليها ، قال : أي القوم أما إذا أبيتم فأجّلوني شهرا أو شهرين فإن جئتكم بما تحبوه وإلّا فأنتم من وراء ما تريدون.

قال : فأتى عبد الملك بن مروان فأقام ببابه شهرا لا يصل إليه ، ثم أذن له ، فدخل وهو يقول :

ما ذا يقول أمير المؤمنين لمن

أوى (٤) إليك بلا قرب ولا نسب

مدله عقله من حب جارية

موصوفة بكمال الدلّ والأدب

خطبتها إذ رأيت الناس قد لهجوا

بذكرها ، والهوى يدعو إلى العطب

فقلت : لي حسب عال ولي شرف

قالوا : الدراهم خير من ذوي الحسب

قالوا : نريد ألوفا منك أربعة

ولست أملك غير الحلس والقتب

فالنفس تعجب لما رمت خطبتها

مني ، وتضحك إفلاسي من العجب

لو كنت أملك مالا أو أحيط به

أعطيتهم ألف قنطار من الذهب

فامنن عليّ أمير المؤمنين بها

واجمع بها شمل هذا البائس العزب

فما وراءك بعد الله مطلب

أنت الرجاء ومنهى غاية الطلب

فأمر له عبد الملك بعشرة آلاف درهم ، وما يصلح للوليمة.

أنبأنا أبو البركات طلحة بن أحمد بن بادي العاقولي ، أنا أبو محمّد الجوهري ، نا أبو

__________________

(١) يعني محمد بن عبد بن أحمد بن ربيعة ، أبو سليمان الربعي ، ترجمته في سير الأعلام ١٦ / ٤٤٠.

(٢) أي سنة وجدب.

(٣) القعود : وهو من الإبل ما أمكن أن يركب وأدناه أن تكون له سنتان ثم هو قعود إلى أن يثني فيدخل في السنة السادسة ثم هو جمل.

(٤) في المختصر : أدلى.

١٦٦

عبد الله بن بطة ، نا أبو بكر بن دريد ، نا أبو بكر بن دريد ، نا أبو عثمان المازني ، عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال :

كان بالحجاز رجل له ابنة جميلة ، فهواها (١) ابن عمّ لها فبذل لأبيها أربعة آلاف درهم ، فأبى أن يزوجها منه ، فأجدبت البادية وانقرض مال الرجل ، فتحوّل أبو الجارية بأهله إلى الشام ، فكثر خطّابها فبلغ ذلك ابن عمها فصار إلى أبيها فشكا إليه فقال له : قد كنت بذلت لنا أربعة آلاف درهم فأعطناها فهي أحبّ إلينا من قرابتك قال : أجلني شهرا ، فلم يكن للأعرابي إلّا ناقة فركبها ولحق بعبد الملك بن مروان ، فأصيب بناقته فحمل الحلس والقتب على عنقه ، ودخل على عبد الملك ، فلما وضع الحلس والقتب بين يديه أنشأ يقول :

ما ذا يقول أمير المؤمنين لمن

أدلى إليه بلا قربى ولا نسب (٢)

مدله عقله من حب جارية

موصوفة بكمال الدال والأدب

خطبتها إذا رأيت الناس قد لهجوا

بذكرها ، والهوى يدعو إلى العطب

فقلت : لي حسب عالي ولي شرف

قالوا : الدراهم خير من ذوي الحسب

إنا نريد الوفاء منك أربعة

ولست أملك غير الحلس والقتب

والنفس تعجب لما رمت خطبتها

مني ، وتضحك إفلاسي من العجب

لو كنت أملك مالا أو أحيط به

أعطيتهم ألف قنطار من الذهب

فامنن عليّ أمير المؤمنين بها

واجمع بها شمل هذا البائس العزب

فما وراءك بعد الله مطلب

أنت الرجاء ومنهى (٣) غاية الطلب

قال : فضحك عبد الملك وأمر له بأربعة آلاف ، فقال : أصدقها هذه ، وأربعة آلاف أولم بهذه ، وأربعة آلاف قال صلها بهذه ، وأربعة آلاف قال : اقتني (٤) هذه ، فأخذها الفتى ورجع إلى الشيخ فتزوج بابنته.

أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي ، نا أبو بكر الخطيب ، أنا أبو نعيم الحافظ ، نا سليمان بن أحمد ، نا محمّد بن زكريا الغلابي ، نا العباس بن الفرج الرياشي ، أنا الأصمعي قال :

__________________

(١) غير مقروءة بالأصل ، ولعل الصواب ما ارتأيناه.

(٢) تحرفت بالأصل إلى : تشت.

(٣) بالأصل : «ومني».

(٤) كذا بالأصل.

١٦٧

كان رجل من أهل البادية ذا مال كثير ، فأتت عليه سنة فذهبت بماله ، وكان محبّا لابنة عمّ له ، فلمّا رأى كثرة الخطاب على أبيها أتاه فبذل له أربعة آلاف درهم على أن يؤجله شهرا ، فخرج إلى عبد الملك بن مروان فدخل عليه ثم أنشأ يقول ، فذكر الأبيات ، وقال : فأمر له بأربعة آلاف ، وأربعة آلاف ، وأربعة آلاف ، فأتى أهله فدخل بهم.

٩١٥٠ ـ رجل من غسان دخل على عبد الملك

أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنا أبو الحسن المقرئ ، أنا أبو محمّد المصري ، أنا أحمد بن مروان ، نا محمّد بن موسى ، يعني ابن حماد البصري (١) ، نا محمّد بن الحارث قال : سمعت المدائني يقول :

دخل رجل على عبد الملك بن مروان من غسان ، فكلّمه في حوائج له ، فقضاها فقال : أتأذن لي يا أمير المؤمنين في تقبيل يدك ، فقال : مه ، أما علمت أنها من العرب مذلّة وهي من العجم خدعة.

٩١٥١ ـ رجل من ثقيف

حكى عن رجل من ولد عثمان.

حكى عنه ابنه ، تقدمت روايته.

٩١٥٢ ـ شاعر من كلب

كتب إلى عبد الملك بن مروان حين غلب عمرو بن سعيد بن العاص على دمشق يحرّضه عليه.

ذكر أبو عبد الله الحسين بن القاسم الكوكبي الكاتب ، نا الحارث بن أبي أسامة وأحمد ابن زهير أبي خيثمة ، قالا : أنا أبو الحسن المدائني ، قال يعقوب بن عوف الثقفي : قال : لما بايع الناس عمرو بن سعيد كتب رجل من كلب إلى عبد الملك :

أمست فلسطين والأجيال من أردن

إلى دمشق وحوران على عطب

بابت نريد مريدا ححدرا فلها (٢)

ينشق عن نبتها سائبة الحجب

__________________

(١) كذا بالأصل : «البصري» راجع ترجمته في سير الأعلام ١٤ / ٩١ وفيها البربري البغدادي.

(٢) كذا صدره ، ولم أتبينه.

١٦٨

صرت نبول به رحل الغراب (١)

فقد جاءت به علقا لا بادر السحب

وقد تركت بها بيصا لدى وكن

قد قبضن عن أفرج كالعهن لم يثب

فإني حلفت برب البيت والحجب

والضامن الرزق للعجمان والعرب

لئن وثبت ولم تشدد رحائلها

بزجرة تنفر السبروت كالشعب

لتشرقن بريق منك تحرصه

ولا نسوغه بالماذي ال؟؟؟ عب (٢)

فاشدد عليك نجاد السيف مخترما

لا يلهينك نائي الدار عن قرب

فلما أتاه أذن في الناس بالرحيل ، وخرج حتى ضمّ حمائل سيفه بيده اليمنى وكتاب الكلبي بيده اليسرى ، فأدنيت إليه دابته فتمثّل :

ألا تبر نفسك عن براكها

يشدك العرر على أوراكها

يا مانع الهجمة من هلاكها

دراكها (٣) من ابل دراكها

قد وقع الموت على أعراكها

فلما ركب تمثل بقول السلمي ، يعني عباس بن مرداس (٤) :

فحارب (٥) فإن مولاك حارد نصره

ففي السيف مولى نصره لا يحارد

وسار عبد الملك حتى أتى دمشق ، وقد تحصن عمرو ، فقاتله ثلاثة أشهر ، وقال بعضهم : قاتله شهرا ، وذكر الحديث.

أخبرنا والدي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن رحمه‌الله قال.

٩١٥٣ ـ رجل شاعر من أهل الكوفة

هرب من الحجاج ، واستجار بعبد الملك فأجاره.

حكى عبد الله بن سعد القطربلي ، وقرأته بخطه عن بعض أهل العلم قال : جنى رجل

__________________

(١) كذا صدره بالأصل.

(٢) كذا بالأصل.

(٣) الشطران الأخيران في تاج العروس (ترك) ونسبهما لطفيل بن يزيد الحارثي ، ونقل عن أبي عبيدة أنهما لبكر بن وائل ، وروايتهما :

تراكها من إبل تراكها

أما ترى الموت لدى أوراكها

(٤) البيت في ديوانه ص ٥٥ (ط. بيروت).

(٥) بالأصل : «حارب» والمثبت عن الديوان.

١٦٩

من أهل الكوفة جناية على الحجاج بن يوسف ، فأخذ ليدخل به إليه ، وذلك ليلا ، فقال : أقيم لكم كفيلا إلى غد. قالوا : هاته فأعطاهم عريفه وكان يسمى مالكا ، فتركوه ، وهرب تحت ليلته تلك إلى عبد الملك بن مروان مستجيرا به من الحجاج ، وأنشأ يقول :

جعلت الغوابي من مالك

ولم ينهك الشيب عن ذلكا

وأحكمك الدهر في مره

وتقريعه هام أسنانكا

أقول لعثمان لا تلحني

أفق عثم عن بعض بعذالكا

غريب تذكر إخوانه

فها حواله سقما ناهكا

وكرهنني أرضكم أنني

رأيت بها مالكا فاتكا

فلما خشيت أظافيره

نجوت وأرهنتكم مالكا

عريفا مقيما بدار الهو

ان أهون عليّ به هالكا

ويممت أبلج ذا سور صفا

ذروة المجد والحاركا

فأجاره وكتب له إلى الحجاج أن لا يعرض له.

٩١٥٤ ـ رجل من أهل العراق

وفد على عبد الملك.

قرأت على أبي محمّد بن حمزة ، عن أبي بكر الخطيب ، أنبأ أبو بكر أحمد بن سليمان بن علي المقرئ الواسطي ، نا عبيد الله بن محمّد البزار ، أنا جعفر بن محمّد بن القاسم ، نا أبو العباس الطوسي ، نا موسى بن عيسى العبدي ، أخبرني أحمد بن طالب الكناني كنانة كلب قال : نصب عبد الملك الموائد يطعم الناس ، فجلس رجل من أهل العراق على بعض تلك الموائد ، فنظر إليه خادم عبد الملك فأنكره ، فقال له : أعراقي؟ قال : نعم ، قال : فجاسوس؟ قال : كلا دعني أتهنّى بزاد أمير المؤمنين ، ثم إنّ عبد الملك وقف على تلك المائدة فقال : من القائل (١) :

إذا الأرطى توسّد أبرديه (٢)

خدود جوازئ (٣) بالرمل عين (٤)

__________________

(١) البيت في تاج العروس (برد) ونسبه للشماخ بن ضرار ، وهو في ديوانه.

(٢) الأبردان هما الغداة والعشي ، أو العصران ، والأبردان أيضا : الظل والفيء. والأرطى : شجر ينبت بالرمل ، هو شبه الغضى ، وثمره كالعناب.

(٣) الجوازئ الظباء وبقر الوحش. وسميت بالجوازى لأنها اجتزأت بأكل النبت الأخضر عن الماء (تاج العروس).

(٤) أي واسعة العيون.

١٧٠

من قائل هذا البيت وما معناه؟ من أجاب فيه أجزناه ، والخادم يسمع ، فقال العراقي للخادم : تحب أن أشرح لك من قائله وفيم قاله؟ قال : نعم ، قال : يقوله عدي بن زيد في الخمر ، فاتبعه الخادم فقال : يا أمير المؤمنين أنا أجيبك فيما سألت ، قال : قل ، قال : يقوله عدي بن زيد في الخمر ، فتبسم عبد الملك ، فقال له الخادم : أخطأت أم أصبت؟ قال : بل أخطأت ، قال : يا أمير المؤمنين هذا العراقي لقّننيه قال : أي الرجال هو؟ قال : أحد القوم الذين وقعت عليهم ، فعاد إليه عبد الملك فقال : أنت لقّنت هذا الخادم؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين قال : فخطأ لقنته أم الصواب؟ قال : بل الخطأ ، قال : ولم؟ قال : لأنّي كنت متخرما بمائدتك فوقف عليّ ، فقال : عراقي؟ فقلت : نعم ، قال : أنت جاسوس؟ فقلت : دعني لا تنغصني (١) بزاد أمير المؤمنين قال : فكيف الصواب؟ قال : يقوله شماخ بن ضرار التغلبي ، قال : وفيم قاله؟ قال : في بقر الوحش وقد تجزأت (٢) بالخضير (٣) عن الماء قال : صدقت ، فأجازه ، ثم قال : سل حاجتك ، قال : تنحي هذا عن بابك ، فإن فيه مشينة.

٩١٥٥ ـ أعرابي من قضاعة

شاعر وفد على عبد الملك.

قرأت بخط أحمد بن محمّد بن علي الأنباري المؤدب ، أنا أبو بكر محمّد بن الحسن بن دريد الأزدي ، نا أبو معاذ خلف بن أحمد ، أنا أبو غسان رفيع بن سلمة دماذ ، عن أبي عبيدة قال :

دخل زفر بن الحارث على عبد الملك بعد ما صالحه ، فقال :

أتيتك من قيس على رغم راغم

بجمهوره فطاعة للجماهر

على حين كنا الواترين ولم

ندع لنا ترة مطلوبة عند واتر

وكان أعرابي من قضاعة في مجلس عبد الملك لا يؤبه له فقال : من هذا المتكلم؟ قالوا : زفر بن الحارث ، فقام الأعرابي فقال :

أتاك ابن قملتين كأنا شناره

على كل باد من معدّ وحاضر

__________________

(١) تقرأ بالأصل : تنقصني ، والمثبت عن مختصر ابن منظور.

(٢) بالأصل : نجزت.

(٣) بالأصل : بالحضر ، والمثبت عن المختصر.

١٧١

بأينا من أضحى لدى الحضر ضارعا

إلى قرد من مقملات الغدائر

ولو أن قيسا قيس عيلان جمعت

مكائدها لم تدرك رغم واتر

ألا إنما القيسي عتم لنا هب

إذا جرحت بالريق ذات الحناجر

فخرج زفر منكسرا ، فكان سبب توبته.

٩١٥٦ ـ رجل من بني عبس

وفد على الوليد بن عبد الملك للخئولة.

ذكر أبو الحسن المدائني قال : أتى الوليد بن عبد الملك رجل من بني عبس ، فسأله عن حاله ، وعن سبب ذهاب عينه ، فقال : ما كان في الأرض عبسيّ أكثر مني مالا وولدا وأهلا ، .... (١) فلم يبق لي مالا ولا أهلا ولا ولدا إلّا ذهب به ، إلّا بيتا لي صغيرا وبعيرا ، فحملت الصبي وقدت (٢) البعير فوضعت الصبي وتبعته ، فنفحني برجله ففقأ عيني ، ورجعت إلى ابني فإذا الذئب بلغ في بطنه ، فقال الوليد : اذهبوا بهذا إلى عروة بن الزبير ليعلم أنّ في الدنيا من هو أعظم مصيبة منه.

أنبأنا أبو القاسم سعيد بن أحمد بن الحسن ، أنا عاصم بن الحسن.

وقرأنا على أبي الفضل بن القرة ، عن عاصم ، أنا أبو الحسين بن بشران ، أنا أبو علي ابن صفوان ، نا ابن أبي الدنيا قال :

وقدم على الوليد بن عبد الملك قوم من بني عبس فيهم رجل ضرير ، فسأله عن عينه فقال : بت ليلة في بطن واد ، ولا أعلم في الأرض عبسيا يزيد ماله على مالي ، فطرقنا سيل فذهب ما كان لي من أهل وولد ومال ، غير صبي مولود وبعير ، وكان البعير صعبا فند (٣) البعير فوضعت الصبي واتّبعت البعير ، فلم أجاوزه حتى سمعت صيحة الصبي فرجعت إليه ورأس الذئب في بطنه يأكله ، واستدبرت البعير لأحبسه فنفحني برجله ، فأصاب وجهي فحطمه وذهبت عيني ، فأصبحت لا أهلا ولا مالا ولا ولدا ، فقال الوليد : انطلقوا به إلى عروة فيخبره خبره ، ليعلم أنّ في الناس من هو أعظم منه بلاء.

__________________

(١) تقرأ بالأصل : فأتى ليلا.

(٢) بالأصل : وفد ، ولعل الصواب ما أثبت.

(٣) ند البعير يندّ ندّا ، وهو نادّ ، إذا شرد ونفر وذهب على وجهه شاردا. (تاج العروس : ندد).

١٧٢

٩١٥٧ ـ رجل وفد على سليمان بن عبد الملك

أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنا رشأ بن نظيف ، أنبأ الحسن بن إسماعيل ، نا أحمد بن مروان ، نا الحسين بن الفهم ، نا محمّد بن سلام الجمحي قال :

قدم رجل على سليمان بن عبد الملك في خلافته فقال له : ما أقدمك؟ فقال : ما أقدمني عليك رغبة ولا رهبة. قال : وكيف ذلك؟ قال : أما الرغبة فقد وصلت إلينا وفاضت في رحالنا وتناولها الأقصى والأدنى منا ، وأما الرهبة فقد أمنّا بعدل أمير المؤمنين ، فنحن وفد الشكر وسيأتي سببه بهذه القصة لشاب قدم على عمر بن عبد العزيز.

٩١٥٨ ـ رجل كان عند سليمان فمدحه

أخبرتنا فاطمة بنت أبي حكيم عبد الله بن إبراهيم الخبري (١) ، إذنا ، قالت : أنبأ [أبو](٢) منصور علي بن الحسن (٣) بن الفضل الكاتب ، أنا أبو محمّد علي بن عبد الله بن العباس الجوهري ، أنا أبو الحسن أحمد بن سعيد الدمشقي ، حدّثني الزبير بن بكار الزبيري ، حدّثني أبو الحسن الأثرم ، عن أبي عبيدة معمر بن المثنى ، قال :

قال سليمان بن عبد الملك لرجل أخذ في تقريظه : على رسلك فإنّي لا أحب التزكية في المشاهدة ومديح اللقاء. فقال الرجل : إنّي لست أمدحك ، ولكني أحمد الله على النعمة.

قيل : فقال سليمان : بلغت بالمديح مناط الإحسان.

٩١٥٩ ـ شيخ من أهل دمشق

سأله سليمان بن عبد الملك عن حاله.

أخبرنا أبو القاسم النسيب ، أنا رشأ بن نظيف ، أنا الحسن بن إسماعيل ، أنا أحمد بن مروان ، نا إسماعيل بن يونس ، نا الأصمعي قال :

دخل سليمان بن عبد الملك مسجد دمشق ، فرأى شيخا كبيرا فقال : يا شيخ أيسرك أن تموت؟ قال : لا والله. قال : ولم وقد بلغت من السن ما أرى؟ قال : ذهب الشباب وشرّه ،

__________________

(١) تحرفت بالأصل إلى : الخبزي ، بالزاي ، والتصويب والضبط عن الأنساب وهذه النسبة إلى خبر ، وهي قرية بنواحي شيراز من فارس.

(٢) سقطت من الأصل.

(٣) تحرفت بالأصل إلى : «الحسين» والتصويب عن سير الأعلام ، وهو أبو منصور علي بن الحسن بن علي بن الفضل الكاتب. ترجمته في سير الأعلام ١٨ / ٣٠٣ راجع الأنساب للسمعاني (الخبري) ذكره وكناه أبا الحسن.

١٧٣

وجاء الكبر وخيره ، فإذا قعدت ذكرت الله ، وإذا قمت حمدت الله ، فأحبّ أن تدوم لي هاتان الحالتان.

روى أبو العيناء محمّد بن القاسم هذه الحكاية عن الأصمعي عن سلمة بن بلال ، عن مجالد ، عن الشعبي : أن سليمان دخل مسجد بيت المقدس ، وكذا رواها زكريا المنقري عن الأصمعي.

أخبرنا بها أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو الحسين (١) بن النّقّور ، وأبو منصور بن العطار ، قالا : أنا أبو طاهر المخلص ، أنا عبيد الله السكري ، نا زكريا المنقري ، نا الأصمعي ، نا سلمة بن بلال ، عن مجالد ، عن الشعبي قال :

دخل سليمان بن عبد الملك بيت المقدس فرأى شيخا كبيرا ، فقال له : يا شيخ أيسرّك أن تموت ، قال : لا ، قال : لم؟ قال : ذهب الشباب وشرّه ، وجاء الكبر وخيره ، فإن قمت حمدت الله وإن قعدت ذكرت الله ، فأنا أحب أن تدوم لي هاتان الحالتان.

٩١٦٠ ـ أعرابي وعظ سليمان بن عبد الملك فأحسن الموعظة

أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنا رشأ بن نظيف ، أنا الحسن بن إسماعيل ، نا أحمد بن مروان ، نا محمّد بن عبد العزيز ، نا عثمان بن الهيثم المؤذن ، عن عوف بن أبي جميلة ، ومؤرج قالا : قام أعرابي إلى سليمان بن عبد الملك فقال له : يا أمير المؤمنين إني مكلّمك بكلام فاحتمله إن كرهته ، فإن من ورائه ما تحبّه إن قبلته ، قال : هات يا أعرابي قال : فإنّي سأطلق لساني بما خرست عنه الألسن من عظتك لحقّ الله وحقّ إمامتك ، إنه قد اكتنفك رجال أساءوا الاختيار لأنفسهم ، فابتاعوا دنياك بدينهم ، ورضاك بسخط ربهم ، خافوك في الله ولم يخافوا الله فيك ، فهم حرب الآخرة ، سلم الدنيا ، فلا تأمنهم على ما ائتمنك الله عليه ، فإنّهم لن يألوك الأمانة إلّا تضييعا ، والأمة إلّا عسفا والقرى إلّا خسفا ، وأنت مسئول عما اجترحوا وليسوا مسئولين عما اجترحت ، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك ، فأعظم الناس غبنا يوم القيامة من باع آخرته بدنيا غيره. فقال له سليمان : أما أنت يا أعرابي قد نصحت ، وأرجو الله يعين على ما يقلدنا.

أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر ، أنا أحمد بن محمّد بن أحمد ، وعبد

__________________

(١) تحرفت بالأصل إلى : الحسن.

١٧٤

الباقي بن محمّد بن غالب ، قالا : أنا محمّد بن عبد الرّحمن بن العباس ، نا عبيد الله بن عبد الرّحمن بن محمّد بن عيسى ، نا أبو يعلى المنقري ، نا العتبي قال :

دخل أعرابي على سليمان بن عبد الملك ، فقال له : يا أمير المؤمنين إنّي مكلّمك بكلام فاحتمله إن كرهته ، فإن من ورائه ما تحبّ ، وإن كرهت أوله ، قال سليمان : إنّا لنجود بسعة الاحتمال عن من لا نرجو نصيحته ، ولا نأمن غشه وأنت الناصح حببا والمأمون غببا فقال : يا أمير المؤمنين أما إذ أمنت بادرة (١) غضبك فسأطلق لساني بما خرست به الألسن عن عظتك تأدية لحقّ الله ، وحقّ رعيتك ، يا أمير المؤمنين إنه قد تكنّفك رجال أساءوا الاختيار لأنفسهم ، فابتاعوا دنياك بدينهم ، ورضاك بسخط ربهم ، خافوك في الله ، ولم يخافوا الله فيك ، فهم حرب للآخرة ، سلم للدنيا ، فلا تأمنهم على ما ائتمنك الله عليه ، فإنهم لن يألوا للأمانة تضييعا وللأمة عسفا ، وأنت مسئول عما اجترحوا ، وليس بمسئولين عما اجترحت فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك ، فإن أعظم الناس غبنا من باع آخرته بدنيا غيره ، فقال له سليمان : يا أعرابي ، أما أنت فقد سللت لسانك فهو أقطع من سيفك ، فقال : أجل يا أمير المؤمنين ؛ لك ، لا عليك.

٩١٦١ ـ رجل من أهل الحجاز

وفد على سليمان بن عبد الملك متظلما من عامله على الحجاز.

أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر ، أنا أبو الفتح نصر بن الحسن (٢) الشاشي (٣) ببغداد ، أنا علي بن المشرف الأنماطي ، بالإسكندرية (٤) ، أنا محمود بن حمود بن عمر بن الدليل ، أنا أبو بكر محمّد بن أحمد الخطيب الواسطي ، أنا أبو حفص عمر بن علي ابن الحسن بن محمّد بن إبراهيم العتكي ، نا منصور بن الحسن الفقيه فيما قرأت عليه : أن محمّد بن زكريا الغلابي حدّثهم ، نا مهدي بن سابق ، عن عطاء ، عن عاصم بن الحدثان.

قال محمّد بن زكريا وحدّثنا أبو علي الحرمازي عن عبيد بن يحيى الهجرتي ، قالا :

ظلم وكلاء رجل من بني أمية له قدر ومنزلة من ملوكهم رجلا من العرب في مال له

__________________

(١) تحرفت بالأصل إلى : باردة.

(٢) تحرفت بالأصل إلى : الحسين.

(٣) إعجامها مضطرب بالأصل ، وتقرأ «السابتني» والصواب ما أثبت راجع ترجمته في سير الأعلام (١٤ / ١٦٢ ت ٤٤٤٩) ط دار الفكر.

(٤) بالأصل : نا اسكندرية.

١٧٥

بالحجاز ، فخاصم الرجل وكلاء الأموي في ذلك إلى الوالي الذي كان عليهم ، فمال (١) لهم عليه ، فقال الرجل : لا أرضى إلّا بوالي مكة والمدينة ، فصاروا إليه ، فكتب الأموي إلى الوالي الذي كانوا ارتفعوا إليه ، فمال (٢) لوكلائه على الرجل أيضا ، فقال الرجل : لا أرضى إلّا بأمير المؤمنين ، وأمير المؤمنين يومئذ سليمان بن عبد الملك ، فخرج الرجل حتى أتى دمشق ، فلم يلق أحدا من جلساء سليمان ولا عظيما من عظماء دمشق إلّا كان ميلهم إلى الأموي عليه ، فطلب الوصول إلى الخليفة ، فتعذر عليه ، فطفق يشكو ذلك إلى كل من جلس إليه وأنس به حتى شكا ذلك إلى رجل من بوّابي سليمان ، فرقّ له البواب وقال له : ما يوصلك إليه أحد إلّا خصي له أثير عنده ولا يوصلك إليه حتى ترغب له ، فقال له الرجل : فأنا أجعل له مائتي دينار على أن يوصلني إليه خاليا ، فسفر البواب بينه وبين الخصيّ حتى فهم الخصيّ حاجة الرجل ، وما جعل له من الجعالة ، وصيّر البواب أمينا بينهما ، وجعل الدنانير على يديه ، على أن الدنانير للخصي إذا وصل الرجل إلى سليمان وكلّمه خاليا ، قضيت حاجته أم لم تقض ، فأمر الخادم الرجل بلزوم الباب ، فجعل يغدو ، فلا يزال ملازما للمال حتى إذا أمسى انصرف إلى رحله ، فلم يزل كذلك يغدو كلّ يوم إلى أن دعا سليمان الخصي يوما ، وأمره أن يأتيه بوضوء ، فأتاه به ، فبينا الخادم يصبّ على سليمان إذ ملأ سليمان يده فضرب بها وجه الخادم ، فقال الخادم وعرف منه طيب نفس : أمّا هذا فتحسنه ، وأما أن تعطيني أو تدع من يعطيني فلا ، فقال له سليمان : هل منعت من عطيتك أحدا؟ فقال : هذا رجل ببابك ، قد جعل لي مائتي دينار على أن (٣) يكلّمك في حاجة له خاليا ، قضيت الحاجة أم لم تقض ، فقال له سليمان : أدخله ، فمضى الخادم فأدخله. وقام سليمان يصلي ، ثم قعد يخطر بإصبعه ويدعو ، فدخل الرجل وسليمان يخطر بإصبعه إلى السماء يدعو الله ، فقال الرجل حين نظر إلى سليمان في تلك الحال : أوّاه أوّاه ، أخطأت موضع حاجتي ، ثم رجع منصرفا خارجا ، وانصرف سليمان وقال للخصي : أين صاحبك؟ فطلبه ، فوجده قد خرج ، وقال للبواب : ادفع الدنانير إلى الخادم ، فإنه قد وفى بما ضمن ، فطلبه الخادم على الباب ، فلم يصبه ، فرجع إلى سليمان فأخبره بذلك. فقال سليمان للخادم بساطي عليك محرّم أو تجيئني بهذا الرجل. فخرج الخادم وثقاته

__________________

(١) تقرأ بالأصل : فصلع.

(٢) راجع الحاشية السابقة.

(٣) كتبت فوق الكلام بين السطرين بالأصل.

١٧٦

ومن كان يطيف به فتفرقوا في طلبه حتى ظفروا به ، وهو يقود راحلته خارجا من باب من أبواب دمشق ، متوجها إلى أهله ، فقال له الخادم : ارجع إلى أمير المؤمنين فقد طلبك ، فقال : لا حاجة لي في الرجوع إليه ، وقد أمرت البواب أن يدفع إليك الدنانير ، فقال له الخصي : لا بدّ لك من الرجوع إليه ، فردّه على كره منه حتى إذا أدخله إلى سليمان قال له سليمان : ألم أخبر أنك جعلت لهذا مائتي دينار على أن يدخلك إليّ ، فقال الرجل : قد كان ذلك ، أصلح الله أمير المؤمنين ، قال سليمان : أفلم أرك حين ملأت عيني منك؟ قال : بلى ، قال : فما أخرجك؟ والله إن لك لخيرا قال : أجل ، خير ضخم العنق. إنّ فلانا ظلمني في أرض لي بالحجاز ، فاستعديت عليه الوالي علينا وعلى ناحيتنا ، فمال (١) له عليّ فلم أرض بذلك ، واستعديت عليه الوالي الأكبر ، فمال (٢) له عليّ فلم يرض بذلك وقلت : لا أقصّر حتى أنتهي إلى أمير المؤمنين ، فلما قدمت إلى دمشق لم أر بها أحدا يفزع إليه إلّا وجدته معه عليّ ، فجعلت لخادمك هذا الذي جعلت له على أن يوصلني إليك ، فلمّا أوصلني رأيتك تخطر بإصبعك إلى السماء تطلب من الله حاجتك ، وتضرع إليه فعقلت بفعلك موضع حاجتي ، وعلمت أنّي قد أخطأت في طلبها ، ولم آتها من الموضع الذي ينبغي ، فرجعت أطلبها من الموضع الذي تطلب أنت حاجتك ، فبكى سليمان ، ثم قال : إنّ الذي طلبت إليه حاجتك قد قضاها ، وأرسل سليمان إلى الأموي في أمره ، وأمره بردّ ما يدّعي عليه. فكتب الأموي له بكلّ ما أحبّ ، وأعطاه أيضا ما يصلح به صنعته (٣) وذلك بعد ما وصله سليمان وكساه ، وحمّله ، وأمر له بفرائض.

٩١٦٢ ـ رجل طلبه سليمان بن عبد الملك فهرب منه

أخبرنا أبو القاسم محمود بن أحمد القاضي ، أنا محمّد بن أحمد بن عمر بن الحسن ، أنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله ، نا سليمان بن أحمد ، نا يحيى بن محمّد الحنائي ، نا المعلى ابن حوي بن محمّد بن مهاجر البصري ، نا أبو عبيد الله بن .... (٤) الرقاشي :

أن سليمان بن عبد الملك أخاف رجلا فطلبه ليقتله ، فهرب الرجل من عنده ، فجعلت

__________________

(١) بالأصل : فطلع ، والمثب عن المختصر.

(٢) بالأصل : فضلع.

(٣) كذا بالأصل ، وفي المختصر : «ضيعته» وهو أشبه.

(٤) رسمها بالأصل : «ال؟؟؟ وم».

١٧٧

رسله تختلف إلى منزل ذلك الرجل يطلبونه وفي جبرانه (١) فلم يظفر به ، فهرب الرجل فجعل لا يأتي بلدة إلّا قيل له قد كنت تطلب هاهنا. فلمّا طال عليه أمره ، وخشي أن لا يفلت (٢) قال : ما أجد شيئا خيرا من أن أذهب إلى بلاد ليس فيها مملكة ، فعزم على ذلك ، فأقبل قاصدا إلى أهله حتى طرقهم ليلا ، فدقّ الباب فقالت المرأة : من هذا؟ قال : افتحي ، أنا فلان ، فقالت : ويحك وما الذي جاءك بك ، فو الله ما نأمن ولا يأمن جيراننا ، ولكن والله أرى الحين (٣) جاء بك ، ففتحت له وأسرجت له سراجا ونبهت له عياله ، وجاءته بعشاء فتعشى ، وإنه أرادها على نفسها ، فلم تمتنع عليه ، فوقع بها وقالت : يا جارية ضعي لمولاك في المتوضأ سراجا وصبي له ماء واذهبي إلى فلان وفلان أربعة من جيرانها ولا يعلم الرجل ، فأتت أبوابهم ، فقرعت عليهم ، فقالوا لها : ويلك ما لكم أطرقكم الليل أحد؟ قالت : لا. قالوا : فلأي شيء بغيتك (٤)؟ قالت : ما لي به علم ، قال : فدق هذا على هذا وقالوا : تعالوا إلى هذه البائسة ، فقد استعانت بكم ، فأتوها ، ففتحت لهم الباب ، فقالت : ادخلوا البيت ، فدخلوا البيت ، فقام إليهم فاعتنقهم. قالوا : ما الذي جاء بك؟ فو الله ما نأمن على منازلنا ، ولكنا نرى الحين جاء بك. فقال : يا قوم إنّي لم آت بلدة إلا وجدتني أطلب فيها ، فلم أر شيئا خيرا من أن أدخل بلدة ليس له عليها مملكة ، وهذا وجهي ، وإنّما جئت لأوصي هذه المرأة وصية الموت ، لأني إن دخلت بلادا غير بلاد الإسلام لم أقدر أن أخرج منها. فأوصيت إليها وأشهدهم على ذلك ، ثم ودّعهم ، وقاموا يخرجون فقالوا : أيتها المرأة لأي شيء بعثت إلينا؟ فقالت : أليس تعرفون الرجل؟ إنه زوجي ، قالوا : بلى ، قال : فإنه قد كان منه الليلة ما يكون من الرجل إلى أهله ، فاشهدوا عليّ هذه الليلة ، فإنه لا أدري ما يكون هاهنا وأومأت إلى بطنها فيقول الناس : من أين جاءت بهذا وزوجها غائب؟ قالت : فخرج القوم وهم يقولون : ما رأينا كاليوم امرأة قط أحسن عقلا ، ولا أقرب مذهبا. قال : وودّعوه ، وخرج الرجل ، ترفعه أرض ، وتضعه أخرى ، حتى ظنّ أنه قد خرج من مملكته قال : فبينما هو في صحراء ليس فيها شجر ولا ماء إذا هو برجل يصلي ، قال : فخفته ، وقلت : هذا يطلبني. قال : ثم رجعت إلى

__________________

(١) كذا رسمها بالأصل.

(٢) تحرفت بالأصل إلى : يقلب.

(٣) الحين : الهلاك.

(٤) كذا ، وفي المختصر : بعثتك.

١٧٨

نفسي ، فقلت : والله ما معه راحلة ولا دابة ولا قرية. قال : فكأنّي أست فقصدت نحوه ، فلمّا صرت بين كتفيه ركع ثم سجد ، ثم التفت إليّ وأنا قائم فقال : لعل هذا الطاغي أخافك؟! قلت : أجل رحمك الله ، قال : فما يمنعك من السبع؟ قلت : يرحمك الله وما السبع؟ قال : قل : سبحان الله الواحد الذي ليس غيره إله ، سبحان القديم الذي لا بادي له ، سبحان الدائم الذي لا نفاد له (١) ، سبحان الذي كلّ يوم هو في شأن ، سبحان الذي يحيي ويميت ، سبحان الدائم الذي خلق ما يرى وما لا يرى ، سبحان الذي علم كلّ شيء بغير علم ، قال : قلها ، فقلتها ، وحفظتها ، فألقى الله في قلبي الأمن ، ورجعت راجعا من الطريق الذي جئت منه ، فلم أر الرجل ، وقصدت قاصدا أريد أهلي. فقلت : لآتين باب سليمان بن عبد الملك ، فأتيت بابه فإذا هو يوم إذنه وهو يأذن للناس ، فدخلت وإنّه لعلى فرشه ، فما غدا أن رآني فاستوى على فرشه ثم أومأ (٢) إليّ فما زال يدنيني حتى قعدت معه على الفراش ، ثم قال : سحرتني؟ وساحر أيضا مع ما بلغني عنك؟ فقلت : يا أمير المؤمنين ما أنا بساحر ولا أعرف السحر ، ولا سحرتك ، قال : فكيف؟ فما ظننت أنه يتم ملكي إلّا بقتلك ، فلما رأيتك لم أستقر حتى دعوتك ، فأقعدتك على فرشي ـ وهو يضرب بيده على فخذه ـ ثم قال : أصدقني أمرك ، فأخبره بقصته وخوفه وأمره كله وما كان فيه. قال : يقول له سليمان : الخضر والله الذي لا إله إلّا هو علمكها ، اكتبوا له أمانه ، وأحسنوا له جائزته ، واحملوه إلى أهله.

٩١٦٣ ـ رجل حدّث عن عبد الرّحمن بن عسيلة الصّنابحي

روى عنه أبو عبيد حاجب سليمان.

وفد على عمر بن العزيز.

أخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، أنا أبو علي بن المذهب ، أنا أبو بكر القطيعي ، أنا عبد الله بن أحمد ، حدّثني أبي (٣) ، نا محمّد بن بكر ، أنا عبد الحميد ، يعني ابن جعفر ، حدّثني الأسود بن العلاء ، عن حوي مولى سليمان بن عبد الملك عن رجل أرسل إليه عمر بن عبد العزيز وهو أمير المؤمنين قال : كيف الحديث الذي حدّثتني عن الصنابحي؟ فقال : أخبرني الصنابحي أنه لقي عمرو بن عبسة فقال : هل من حديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا زيادة فيه ولا

__________________

(١) بالأصل : «يعادله» والمثبت عن مختصر ابن منظور.

(٢) بالأصل : أومى.

(٣) رواه أحمد بن حنبل في المسند ٦ / ٥٧ رقم ١٧٠٢١ طبعة دار الفكر.

١٧٩

نقصان؟ قال : نعم ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار ، ومن رمى بسهم في سبيل الله بلغ أو قصر كان عذل رقبة ، ومن شاب شيبة في سبيل الله كان له نورا يوم القيامة» [١٣٦٨٢].

٩١٦٤ ـ شيخ من أهل الجزيرة ضرير من الملازمين للمسجد

كان في عسكر عمر بن عبد العزيز ، له ذكر.

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو بكر بن الطبري ، أنا أبو الحسين بن الفضل ، أنا عبد الله بن جعفر ، نا يعقوب (١) ، نا سعيد ، يعني ابن منصور ، حدّثني يعقوب ، يعني ابن عبد الرّحمن ، عن أبيه قال :

لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة خرج مما كان في يده من القطائع ، وكان في يده المكندس (٢) وجبل الورس باليمن ، وفدك وقطائع اليمامة ، فخرج من ذلك كله ، وردّه إلى المسلمين إلا أنّه ترك عينا (٣) بالسويداء (٤) كان استنبطها بعطائه ، فكانت تأتيه غلتها كلّ سنة مائة وخمسين (٥) دينارا أو أقل وأكثر ، فذكر له يوما مزاحم أن نفقة أهله قد فنيت. فقال : حتى تأتينا غلتنا ، قال : فلم ينشب بأن قدم قيّمه بغلّته وبجراب تمر صيحاني (٦) وبجراب تمر عجوة ، فنثره بين يديه وسمع أهله بذلك ، فأرسلوا ابنا له صغيرا فحفن له من التمر ، فانصرف ولم ينشب أن سمعنا بكاءه قد ضرب ، ثم أقبل يؤم الدنانير ، فقال : أمسكوا يديه ثم رفع يديه فقال : اللهمّ بغّضها إليه كما حبّبتها إلى موسى بن نصير ، ثم قال : خلّوه ، فكأنما رأى به عقاربا ، ثم قال : انظروا الشيخ الجزري المكفوف الذي يغدو إلى المسجد بالأسحار فخذوا له ثمن قائد لا كبير فيقهره ولا صغير فيضعف عنه ، ففعلوا ، ثم قال لمزاحم : شأنك بما بقي فأنفقه على أهلك.

__________________

(١) رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ ١ / ٥٧٠ والحكاية بنحوها رواها ابن عبد الحكم في سيرة عمر بن عبد العزيز ص ٤٥ ـ ٤٦.

(٢) كذا بالأصل والمختصر ، وفي المعرفة والتاريخ : المكيدس.

(٣) العين : الناحية.

(٤) السويداء : قرية بحوران من نواحي دمشق.

(٥) بالأصل : خمسون.

(٦) التمر الصيحاني ضرب من تمور المدينة.

١٨٠