تاريخ مدينة دمشق - ج ٦٨

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٦٨

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٦
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

وطاعنت عنك الخيل حتى تبددت

بداد بنات الماء أبصرن بازيا

تركنا عليا في صحاب محمّد

وكان إلى خير الطريقة داعيا

فلما استقام الأمر من بعد ميله

وزحزح ما تخشى ونلت الأمانيا

دعوت الألى كانوا لملكك آفة

وخلت مقامي حية وأفاعيا

فبعث إليه معاوية ، وعنده وجوه قريش ، فقال : يا ابن أخي ، إني مثلت بين تركي إياك وبين معاتبتك ، فوجدت معاتبتك أبقى لك ، وأيم الله ، ما أخاف عليك نفسي ، ولكنني أخاف عليك من بعدي ، فإني رأيتك رحب الذراعين بمساءة عمل شديد التقحم عليه ، فلتضق به ذرعك ، ولتقل عليّ تقحمك ، فإنك لست كلما شئت تجد من يحمل سفهك ، فخرج الفتى من عنده وقد استحيا وارتدع ، وأنشأ معاوية يقول :

أيا من عذيري من لؤي بن غالب

فنخشى كلبا كاشر الناب عاويا

فما لي ذنب في لؤي بن غالب

سوى أنني دافعت عنها الدواهيا

وأني لبست الجود والحلم فيهم

وأن من رماهم بالأذى قد رمانيا

فأصبحت ما ينفك صاحب سوأة

يقوم بها بين السماطين لاهيا

فإن أنا جازيت السفيه بذنبه

فمنها يميني أفردت من شماليا

وإن أنا لم أجز السفيه بذنبه

لوى رأسه وازداد غيّا تماديا

فوليتهم أذني وكانت سجيتي

ليالي لم أملك وإن كنت واليا

فكم قائل إما هلكت لقومه

وقائلة لا تبعدنّ معاويا

وإني لكم عود ذلول موقر

يقل الألى ينهاهم ما نهانيا

قال : ونا السعدي ، حدّثني موسى بن محمّد بن عبد الله الأنصاري عن أبي مخنف ، حدّثني الصقعب عن محمّد بن سليم بمثله وزاد في آخر الخبر بعد الشعر :

ثم دعا بالفتى ، فعقد له على كور الشام ، وزاد في شعر معاوية بعد البيت الثالث :

ألم أعف عن أهل الذنوب وأعطهم

عطية من لا يحسب المال فانيا

٩١١٩ ـ حرسي لمعاوية

حكى عن معاوية.

حكى عنه عمر بن عبد العزيز.

أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني ، بقراءتي عليه ، نا عبد العزيز الكتاني ، أنا أبو محمّد بن

١٤١

أبي نصر ، أنا أبو القاسم بن أبي العقب ، أنا أحمد بن إبراهيم البسري ، نا ابن عائذ ، أخبرني الوليد بن مسلم ، أخبرني مبشّر بن إسماعيل ، عن جعفر بن برقان ، عن أبي عبد الله ، حرسي (١) عمر بن عبد العزيز قال (٢) : سمعت عمر بن عبد العزيز يقول :

حدّثني حرسي معاوية : أنه قدم على معاوية بطريق من الروم يفرض عليه جزية الروم عن كلّ من بأرض الروم من كبير أو صغير جزية دينارين إلّا عن رجلين : الملك وابنه ، فإنه لا ينبغي للملك وابنه أن يجزيا فقال معاوية وهو في كنيسة من كنائس دمشق : لو قسم (٣) لي دنانير جزية حتى يملئوا هذه الكنيسة لا يجزى الملك وابنه ما قبلتها منكم. فقال الرومي : لا تماكرني فإنه لا يماكر أحد مكرا إلّا ومعه كذب (٤) فقال معاوية : أراك تمازحني فقال الرومي : إنك اضطررتني إلى ذلك ، غزوتني في البر والبحر والصيف والشتاء ؛ أما والله يا معاوية ، ما تغلبونا بعدد ولا عدة ، ولوددت أن الله جمع بينكم وبيننا في مرج ، ثم خلا بيننا وبينكم ، ورفع عنا وعنكم النصر حتى ترى ، قال معاوية : ما له ، قاتله الله؟ إنه ليعرف أن النصر من عند الله.

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أحمد بن أبي عثمان ، أنا الحسن بن الحسن بن علي بن المنذر ، أنا أبو علي بن صفوان ، نا ابن أبي الدنيا ، نا أحمد بن إبراهيم ، نا مبشر الحلبي ، نا جعفر بن برقان قال : حدّثني أبو عبد الله الحرسي قال : حدّثني رجل من حرس معاوية قال : بعث طاغية الروم إلى معاوية يفرض عليه الجزية ، فقال له الرومي : يا معاوية لا تماكرني لاتخذ مكر (٥) إلّا ومعه كذب.

[قال ابن عساكر :](٦) ولم يذكر عمر بن عبد العزيز.

٩١٢٠ ـ رجل كان يسمر عند معاوية

أنبأنا أبو محمّد بن صابر ، أنبأ سهل بن بشر ، أنا أبو رجاء هبة الله بن محمّد بن علي

__________________

(١) تحرفت بالأصل إلى : حدثني.

(٢) تقدمت الحكاية في ترجمة أبي عبد الله حرسي عمر بن عبد العزيز ، قريبا ، راجع تراجم الكنى باب : أبي عبد الله.

(٣) في الحكاية المتقدمة : صببتم.

(٤) رسمها بالأصل : «لرب» والمثبت عن الرواية المتقدمة.

(٥) كذا بالأصل : «لا تخذ مكر» انظر الرواية السابقة.

(٦) زيادة منا للإيضاح.

١٤٢

الشيرازي ، أنا أبو العباس عبد الملك بن الحسين الشيرازي ، نا الطيب بن علي ، نا محمّد بن خلف القاضي ، نا محمّد بن أيوب التميمي قال :

سمر الناس عند معاوية ، فقال له رجل : ألا أخبرك عن زوجتيّ؟ قال : بلى قال : ولدت إحداهما غلاما ، والأخرى جارية فخرجت أم الغلام ترقّصه وهي تقول :

يا ليته راح في الغزيّ

على جواد مشرف عليّ

فآب بالمغنم والسبيّ

فألحق الفقير بالغني

فلم تزل تردد ذلك حتى أغضبت أم الجارية ، فخرجت بابنتها ترقصها وهي تقول :

وما عليّ أن تكون جاريه

تمشط رأسي وتكون الغاليه

وترفع الفاضل من ردائيه

حتى إذا ما بلغت ثمانيه

زوّجتها عتبة أو معاوية

أصهار صدق ومهور غاليه

فضحك معاوية ، وقال : وأبيها ، إن عتبة ومعاوية عنها لمشغولان ، وأمر لها بأربعة آلاف.

٩١٢١ ـ رجل من بني عذرة

وفد على معاوية متظلّما من ابن أخته

أم الحكم ، أمير الكوفة

قرأت على أبي منصور محمّد بن عبد الملك ، عن أبي محمّد الجوهري ، نا محمّد بن العباس بن حيوية ، أنا أبو بكر محمّد بن خلف بن المرزبان ، حدّثني محمّد بن عبد الرّحمن القرشي ، نا محمّد بن عبيد ، نا ..... (١) ، عن هشام بن عروة ، قال :

__________________

(١) غير واضحة بالأصل ، ونميل إلى قراءتها : محيف.

١٤٣

أذن معاوية بن أبي سفيان للناس يوما فكان فيمن دخل عليه فتى من بني عذرة ، فلما أخذ الناس مجالسهم ، قام الفتى العذري بين السماطين ثم أنشأ يقول :

معاوي يا ذا الفضل والحلم والعقل

وذا البر والإحسان والجود والبذل

أتيتك لما ضاق في الأرض مذهبي

وأنكرت مما قد أصبت به عقلي

ففرج ـ كلاك الله ـ عني فإنني

لقيت الذي لم يلقه أحد قبلي

وخذ لي ـ هداك الله ـ حقي من الذي

رماني بسهم كان أهونه قتلي

وكنت أرجي عدله إذ أتيته

فأكثر تردادي مع الحبس (١) والكبل (٢)

فطلقتها من جهد ما قد أصابني

فهذا أمير المؤمنين من العدل

فقال معاوية : بارك الله عليك ، ما خطبك؟ فقال : أطال الله بقاء أمير المؤمنين ، إنني رجل من بني عذرة تزوجت ابنة عم لي ، وكانت لي صرمة (٣) من إبل وشويهات فأنفقت ذلك عليها ، فلما أصابتني نائبة الزمان رغب عني أبوها. وكانت جارية فيها (٤) الحياء والكرم فكرهت مخالفة أبيها ، فأتيت عاملك ابن أم الحكم فذكرت ذلك له ، وبلغه جمالها ، فأعطى أباها عشرة آلاف درهم ، وتزوجها ، وأخذني فحبسني وضيّق عليّ ، فلما أصابني مسّ الحديد وألم العذاب طلقتها ، وقد أتيتك يا أمير المؤمنين وأنت غيث المحروب ، وسند المسلوب ، فهل من فرج؟ ثم بكى وقال في بكائه :

في القلب مني نار

والنار فيها شنار

وفي فؤادي جمر

والجمر فيه شرار

والجسم مني نحيل

واللون فيه اصفرار

والعين تبكي بشجو

فدمعها مدرار

والحب داء عسير

فيه الطبيب يحار

حملت منه عظيما

فما عليه اصطبار

فليس ليلي ليلا

ولا نهاري نهار

__________________

(١) بالأصل : «الجيش» والمثبت عن مختصر ابن منظور.

(٢) الكبل : قيد ضخم.

(٣) الصرمة من الإبل : القطعة الخفيفة منها.

(٤) بالأصل : منها.

١٤٤

فرق له معاوية ، وكتب له إلى ابن أم الحكم كتابا عظيما ، وكتب في آخره :

ركبت أمرا عظيما لست أعرفه

أستغفر الله من جور امرئ زاني

قد كنت تشبه صوفيا له كتب

من الفرائض أو آيات فرقان

حتى أتاني الفتى العذري منتحبا

يشكو إليّ بحق غير بهتان

أعطي الإله عهودا لا أخيس بها

أو لا فبرئت (١) من دين وإيمان

إن أنت راجعتني فيما كتبت به

لأجعلنك لحما بين عقبان

طلق سعاد وفارقها بمجتمع

أشهد على ذلك نصرا وابن ظبيان

فما سمعت كما بلغت من عجب

ولا فعالك حقا فعل إنسان

فلما ورد كتاب معاوية على ابن أم الحكم ، تنفس الصعداء وقال : وددت أن أمير المؤمنين خلّى بيني وبينها سنة ثم عرضني على السيف ، وجعل يؤامر نفسه في طلاقها ، فلا يقدر ، فلما أزعجه الوفد (٢) طلقها ثم قال : يا سعاد اخرجي ، فخرجت شكلة (٣) غنجة ذات هيئة وجمال ، فلما رآها الوفد قالوا : ما تصلح إلا لأمير المؤمنين ، لا لأعرابي ، وكتب جواب كتابه :

لا تحنثن أمير المؤمنين فقد

أوفي بعهدك في رفق وحسان

وما ركبت حراما حين أعجبني

فكيف سميت باسم الخائن الزاني

وسوف تأتيك شمس لا خفاء بها

أبهى البرية من إنس ومن جان

حوراء يقصر عنها الوصف إن وصفت

أقول ذلك في سري وإعلاني

فلما ورد الكتاب على معاوية قال : إن كانت أعطيت حسن النغمة مع هذه الصفة فهي أكمل البرية ، فاستنطقها فإذا هي أحسن الناس كلاما ، وأكملهم شكلا ودلّا ، فقال : يا أعرابي ، هل من سلو عنها بأفضل الرغبة؟ قال : نعم ، إذا فرقت بين رأسي وجسدي ، ثم أنشأ الأعرابي يقول :

لا تجعلني والأمثال تضرب لي

كالمستغيث من الرمضاء بالنار

اردد سعاد على حيران مكتئب

يمسي ويصبح في همّ وتذكار

__________________

(١) كذا.

(٢) بالأصل : الوعد ، والمثبت عن مختصر ابن منظور.

(٣) الشكل : غنج المرأة وغزلها وحسن دلها.

١٤٥

قد شفّه قلق ما مثله قلق

وأسعر القلب منه أي إسعار

والله والله لا أنسى محبتها

حتى أغيّب في رمس وأحجار

كيف السلو وقد هام الفؤاد بها

وأصبح القلب عنها غير صبار

قال : فغضب معاوية غضبا شديدا ، ثم قال لها : اختاري إن شئت أنا ، وإن شئت ابن أم الحكم ، وإن شئت الأعرابي ، فأنشأ سعاد تقول :

هذا ، وإن أصبح في أطمار

وكان في نقص من اليسار

أكبر عندي من أبي وجاري

وصاحب الدرهم والدينار

وأخشى إذا غدرت حر النار

فقال معاوية : خذها ، لا بارك الله لك فيها ، فأنشأ الأعرابي يقول :

خلوا عن الطريق للأعرابي

ألم ترقوا ـ ويحكم ـ لأبي؟

فضحك معاوية ، وأمر له بعشرة آلاف درهم وناقة ووطاء ، وأمر بها فأدخلت في بعض قصوره حتى انقضت عدتها من ابن أبي الحكم ، ثم أمر بدفعها إلى الأعرابي.

٩١٢٢ ـ شاعر أغزاه معاوية

يقال إنه النجاشي ، ويقال : هو أبو المهلهل الصدائي.

أنبأنا أبو محمّد بن الأكفاني ، نا عبد العزيز الكتاني ، أنا أبو محمّد بن أبي نصر ، أنا أبو القاسم بن أبي العقب ، أنا أحمد بن إبراهيم ، نا محمّد بن عائذ ، نا الوليد ، قال : فحدّثني إسماعيل وغيره أن معاوية بن أبي سفيان كان يغزي أهل اليمن دون غيرهم ، فاجتمعوا بعكا ، فقام رجل فقال :

ألا أيها الناس الذين تجمعوا

بعكا ، أناس أنتم أم أباعر

أتترك قيس ترتعي في بلادها

ونحن نسامي البحر ، والبحر حاصر (١)

قال ابن عبيد : وقد سمعت من ينشد هذه الأبيات على غير ما ذكرها الوليد :

ألا أيها الناس الذين تجمعوا

بعكا أناس أنتم أم أباعر

__________________

(١) كذا بالأصل : حاصر ، وفي مختصر ابن منظور : «زاخر» وسترد في الرواية التالية.

١٤٦

أتترك قيس ترتعي في بلادها

ونحن نسامي البحر وهو زاخر

فو الله ما أدري وإني لسائل

أهمدان تحمي ضيمها أم يحابر

أم الشرف الأعلى من أولاد حمير

بنو مالك إن تستمرّ المرائر

أأوصى أبوهم بينهم أن تواصلوا

وأوصى أبوكم بينكم أن تدابروا

وإن قائلها غير النجاشي.

قال إسماعيل : فجمع معاوية الناس على غزو البحر ، فحدّثني أن الذي قال هذه الأبيات رجل يقال له النجاشي ، وأن معاوية اعتذر إلى الناس فقال : ما أغزيكم دون قيس ، إن معكم فيهم لكنانة وخندف ، وإني أتيمن بكم وأعرف طاعتكم ، وقيس فيهم خلاف ونكد في غزو البحر.

٩١٢٣ ـ شاعر من كلب

كان في زمان معاوية أو يزيد بن معاوية.

قال حين رجعت قضاعة عن الانتساب إلى معد بن عدنان وانتسبت (١) إلى قحطان ينكر رجوعهم عن المعدّيّة :

أزينتم عجوزكم وكانت

عجوزا لا يحل لها إزار

عجوزا لو تلمسها يمان

للاقى مثلما لاقى يسار

يسار هذا يعرف بيسار الكواعب ، كان غلام امرأة من العرب فراودها على نفسها ، فقلت : أنظر في ذلك ، ثم عاودها وألح عليها ، فدعت بموسى فجدعت أنفه ، فضربت العرب المثل به.

٩١٢٤ ـ شاعر من طيّىء

وفد على يزيد بن معاوية.

ذكر أبو بكر محمّد بن الحسن بن دريد ، نا السكن بن سعيد ، عن عبد الله بن محمّد بن خلف بن عمران البجلي عن ابن الكلبي عن أبيه ، عن أبي الهيثم الرحبي ـ ورحبة بطن من حمير (٢) ـ ابن دريد يقول : قال قدم رجل من طيّىء على يزيد بن معاوية فقال : أتيتك سائلا

__________________

(١) بالأصل : وانتسب.

(٢) راجع جمهرة ابن حزم ص ٣٢٩.

١٤٧

في حمالة (١) تحمّلتها عن قومي ، وأنا من فرسانهم ، فارددني لك شاكرا. فقال يزيد : اشدد فرسك بحزامه ، وأشج فاه بلجامه ثم ارم به سواد الليل في عرض الجبل ، حتى يقضي الله عنك غرمك أو يحمد نجمك.

فقال الرجل : والله لقد خفت هذا منك ، ولكني رجوت لين قلبك ، وكان الرجل طويل القامة ، مختلف الخلق ، وأنشأ يزيد يقول :

يا أيها الأعقف (٢) المدلي بحجته

لا حرمة تبتغي عندي ولا نسبا

شد الحزام على حيزوم (٣) محتنك

ذي حارك (٤) ولبان (٥) يملأ اللببا (٦)

واعص العواذل وارم الليل عن عرض

بذي سبيب يقاسي ليله خببا

أقب لم ينقب البيطار سرّته

ولم يدجه ولم يغمز له عصبا

حتى تصادف مالا أو يقال فتى

لاقى التي تشعب الفتيان فانشعبا

فقال الطائي :

يا أيها الملك المحروم سائله

لا تقطع اليوم من سؤالك السببا

قد كنت آمل سجلا من سجالكم

فاليوم لا فضة أرجو ولا ذهبا

فاستفتح القول شد السرج معترضا

جور الفلاة بطرف يمعج الخببا

لو كان والدك الماضي حللت به

رد الجميل وجلّى عنى الكربا

إن الحريب إذا ما ردّ مطعمه (٧)

بخل الخليفة يوما رده حربا

فتذمم يزيد وأمر له بعشرة آلاف درهم ، وكان يقول بعد ذلك ، وددت أني فديت ما كان من قولي ـ حتى تصادف مالا ـ بما يثقل عليّ ، لأني أعلم كم من فتى فارس كريم سيهلكه هذا البيت ويحمله على غير طباعه عند ضيق المعيشة. قال الرحبي : وصدق لعمري.

__________________

(١) الحمالة ما يتحملها الإنسان عن غيره من دية أو غرامة.

(٢) الأعقف : الفقير المحتاج.

(٣) الحيزوم : وسط الصدر ما يضم عليه الحزام حيث تلتقي رءوس الجوانح فوق الرهابة بحيال الكاهل.

(٤) الحارك : أعلى الكاهل.

(٥) تقرأ بالأصل : «ولبامى» والمثبت عن مختصر ابن منظور.

(٦) اللبب : ما يشد على صدر الدابة أو الناقة يكون للرحل أو السرج يمنعهما من الاستئخار.

(٧) الأصل : «مطمعه» والمثبت عن المختصر.

١٤٨

٩١٢٥ ـ رجل من همدان

ثم من بني وادعة (١) ، من أهل الأردن.

كان في الجيش الذي وجهه يزيد بن معاوية من البلقاء لقتال أهل المدينة.

حكى عن عبد الملك بن مروان.

حكى عنه محمّد بن المنتشر.

قرأت على أبي غالب بن البنا ، عن أبي محمّد الجوهري ، عن أبي عمر بن حيوية ، أنا سليمان بن إسحاق بن إبراهيم ، نا حارث بن أبي أسامة ، نا محمّد بن سعد ، أنا أبو عبيد ، عن أبي الجرّاح ، أخبرني محمّد بن المنتشر ، عن رجل من همدان من وادعة من أهل الأردن قال :

كنا مع مسلم بن عقبة مقدمه المدينة فدخلنا حائطا بذي المروة (٢) ، فإذا شاب (٣) حسن الوجه والهيئة قائم يصلي ، فطفنا في الحائط ساعة ، وفرغ من صلاته فقال لي : يا عبد الله أمن هذا الجيش أنت؟ قلت : نعم. قال : أترمون (٤) ابن الزبير؟ قلت : نعم. قال : ما أحبّ أن لي ما على ظهر الأرض كله وأنّي سرت إليه ، وما على ظهر الأرض اليوم أحد خير منه. قال : فإذا هو عبد الملك بن مروان ، فابتلي به حتى قتله في المسجد الحرام.

[قال ابن عساكر :](٥) لا أدري ما وجه هذه الحكاية فقد روي أن مروان بعث ابنه عبد الملك إلى مسلم يدلّه على عورة أهل المدينة قبل أن يدخل مروان ، على مسلم ليلا يستخبر مروان لأنه كان قد حلف لأهل المدينة حين أخرجوه مع بني أمية منها أن لا يظاهر عليهم ، فالله أعلم.

٩١٢٦ ـ رجل من بني عدي من آل سراقة بن المعتمر بن أنس بن أذاة

ابن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي (٦)

وفد على يزيد بن معاوية.

__________________

(١) هو وادعة بن مزيقيا عمرو بن عامر ، دخل في همدان راجع جمهرة ابن حزم ص ٣٩٤.

(٢) ذو المروة : قرية بوادي القرى ، وقيل بين خشب ووادي القرى (معجم البلدان).

(٣) الأصل : شابة.

(٤) كذا بالأصل ، ولعل الصواب : «أترومون» يعني أتقصدون.

(٥) زيادة منا للإيضاح.

(٦) راجع جمهرة ابن حزم ص ١٥٠ وتاريخ خليفة ص ٢٣٧.

١٤٩

أخبرنا أبو غالب الماوردي ، أنا أبو الحسن السيرافي ، أنا أحمد بن إسحاق ، نا أحمد ابن عمران ، نا موسى ، نا خليفة قال (١) : قال أبو اليقظان : أقام عثمان بن محمّد الحج سنة [اثنتين و](٢) ستين ثم قدم المدينة ، فأقام شهرا ، ثم أوفد وفدا إلى يزيد بن معاوية فيهم عبد الله بن عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي ، ومحمّد بن عمرو بن حزم الأنصاري ، ورجل من بني سراقة من بني عدي بن كعب في رجال من قريش ، فقدموا على يزيد فقضى حوائجهم وفضّلهم ، وأذن لهم في الانصراف ، فقدموا المدينة فأظهروا شتم يزيد ، والبراءة منه ، وخلعوه.

٩١٢٧ ـ رجل من الخوارج

أتي به يزيد بن معاوية فكلّمه بكلام شديد.

حكى عنه الهيثم بن الأسود النخعي حكاية تقدمت في ترجمة يزيد.

٩١٢٨ ـ رجل من بني قشير ، ورجل من بني العجلان وامرأة من بني نمير

كلهم كانوا عند يزيد بن معاوية.

حكى أبو محمّد عيسى بن لهيعة بن عيسى بن لهيعة بن عقبة الحضرمي ، عن عيسى بن داب ـ ولم يلقه ـ عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق قال :

كان يزيد بن معاوية قد أرسل ألف قارح (٣) في السباق ، فإنه لجالس يوما قبيل الحلبة ، إذ رأى رجلين وامرأة جلوسا معهم ثلاثة أفراس ، فدعا بهم ، فلمّا وقفوا عليه سألهم عن أمرهم فقالوا : يا أمير المؤمنين سمعنا بهذه الحلبة فقدنا هذه الأفراس إليها فقال : قد مضى المضمار (٤) ، وإنما بيننا وبين المقوس ليال قالوا : تؤخر الحلبة قليلا وندخل أفراسنا هذه. قال : فهكذا انظر إلى خيلكم فجرد عليه أحد النفر ـ وهو قشيري ـ فرسه ، وأخذ مقوده وهو يقول :

__________________

(١) الخبر في تاريخ خليفة بن خيّاط ص ٢٣٦ ـ ٢٣٧.

(٢) زيادة لازمة عن تاريخ خليفة.

(٣) القارح : من ذي الحافر بمنزلة البازل من الإبل ، ومن الخيل إذا دخل الفرس في السادسة واستتم الخامسة فقد قرح ، وفي التهذيب قال الأزهري إذا دخل في الخامسة فهو قارح (راجع تاج العروس : قرح).

(٤) المضمار : الموضع تضمر فيه الخيل ، ويكون المضمار غاية ووقتا للأيام التي يضمّر فيها الفرس للسباق أو للركض على العدو. (تاج العروس : ضمر).

١٥٠

كالعدح الا انه منبل (١)

طويل ما يحسن منه الطول

ثم الوظيف (٢) قصد والتليل (٣)

وقصر الساقان والمفتول

و... (٤) المرفق لا يحول

مثل .... (٥) حسن جميل

فقال يزيد : اكتبه ، ثم جرد عليه الآخر ـ وهو أحد بني العجلان ـ فرسه فأخذ بمقوده وهو يقول :

لا عيب إلا خفة الفؤاد

وخفة الروح وطول الهادي

 ... (٦) في الكف غير بادي

وخفة الوقع على البلاد

خير العتاق الضمر الجياد

كانت خيرا جمع العباد

أوفاهم وعدا لذي ميعاد

وخيرهم سيماء بلا سواد

كالورق الأبيض في النجاد

فقال يزيد : اكتبه ، ثم ردت عليه المرأة وهي نميرية ، فأخذت بمقود فرسها وكانت أنثى وهي تقول :

__________________

(١) كذا بالأصل.

(٢) الوظيف : مستدق الذراع والساق من الخيل ومن الإبل ، وقيل : الوظيف لكل أربع ما فوق الرسغ إلى مفصل الساق ، ووظيفا يدي الفرس : ما تحت ركبتيه إلى جنبيه ، ووظيفا رجليه : ما بين كعبيه إلى جنبيه.

(٣) التليل : العنق.

(٤) كلمة غير مقروءة بالأصل.

(٥) كلمة غير مقروءة بالأصل.

(٦) كلمة غير مقروءة بالأصل.

١٥١

فتاتنا المعرفة الكريمة

في جيدها ورأسها تميمة

كأنها لروعها مجموعه

 ... (١) وسحرها هميمة

كأنما سهما .... (٢)

 .... (٣) الطلقة لا مشومة

قال يزيد : اكتبها ومدّ في المضمار ، وأجر الحلبة ، ثم أرسلن ، فجاءت فرس النميرية سابقة ، ثم تبعها فرس ليزيد مصليا ، فوثب العجير السلولي فقال :

والله ما صلى مصلى مثله

حين سوى رجلها ورجله

وحبلها ملتبس وحبله

إلا العذار فإن شيئا قبله

ثم جاء فرس القشيري ثالثا فوثب أبو السمط القشيري فقال :

فوق في الحبل فكان أفوقا

وقبل في المضمار كان شهرقا

مضى حديدا وتعرى طلقا

وافى به المقوس حين أحلقا

حتى إذا انشق الصباح أبلقا

أرسلن زحما فجرين أفوقا

حين ثلثا اقتسمن أطبقا

__________________

(١) غير واضحة بالأصل.

(٢) غير مقروءة بالأصل.

(٣) غير مقروءة بالأصل.

١٥٢

حين وفى القصد حين أروقا

كانا حريقين وكان أحرقا

مثل البنان مشفقا أن يلحقا

ووثب الرجاز يجرون بخيلهم ، فوثب العجير السلولي فقال :

إن الجواد فارس السرير

السابق الأول في القصور

وسابق في آخر الدهور

لحره وحره مهير

في حجرها أرضع لا نظير

هند وميسون وللصخور

صخر وحرب فارس الهجير

أرسل في حلبة أهل الخير

قبل الغلاظ واشتقاق النور

فجاء قبل لامع البشير

وقام يزيد وأمر للعجير بمائة ناقة ، وكان جعل للسابق مائة ، فأخذتها النميرية.

٩١٢٩ ـ مولى ليزيد بن معاوية

إن لم يكن نصير فهو غيره

حدث عن أبي إدريس الخولاني.

روى عنه سليمان بن موسى.

أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني ، قراءة ، نا عبد العزيز بن أحمد ، أنا أبو الحسين عبد الوهاب بن جعفر بن علي الميداني ، أنا عبد الجبار بن عبد الصّمد السلمي ، أنا أبو بكر القاسم ابن عيسى القصار ، نا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ، حدّثني أبو الوليد الحنفي ، نا إبراهيم ابن عيينة ، أنبأ إسماعيل بن رافع ، عن سليمان بن موسى ، عن مولى ليزيد بن معاوية عن عائذ الله رجل من أهل الشام ، عن أبي ذرّ قال : قلت يا رسول الله أيّ الأنبياء كان أول؟ قال : «آدم»

١٥٣

قلت : يا نبي الله ونبيا كان؟ قال : «نعم ، جبل (١) الله تربته ، ونفخ فيه من روحه ، وخلقه بيده وكلّمه قبلا (٢)» [١٣٦٨٠].

٩١٣٠ ـ رجل وفد على عبد الملك بن مروان

من أهل اليمامة.

أخبرنا أبو الفضل عبد الواحد بن إبراهيم ابن القرّة ، عن عاصم بن الحسن.

ح وأنبأنا أبو القاسم سعيد بن أبي غالب بن البنا ، أنا عاصم بن الحسن.

أنا أبو الحسين بن بشران ، أنا الحسين بن صفوان ، نا ابن أبي الدنيا ، نا سليمان بن أبي شيخ ، حدّثني نايل (٣) بن نجيح قال :

كان باليمامة رجلان ابنا عم ، فكثر مالهما فوقع بينهما ما يقع بين الناس ، فرحل أحدهما عن صاحبه قال : فإني ليلة قد ضجرت برعي الإبل والغنم إذ أخذت بيد صبي لي ، وعلوت في الجبل ، فإنّا كذلك إذ أقبل السيل ، فجعل ما لي يمرّ بي ولا أملك منه شيئا حتى رأيت ناقة لي قد علق خطامها بشجرة ، فقلت : لو نزلت إلى هذه فأخذتها لعلي أنجو عليها أنا وابني ، فنزلت فأخذت الخطام وجذبها السيل ، فرجع عليّ غصن الشجرة فذهب بإحدى عيني ، وأفلت الخطام من يدي ، فذهبت الناقة ، ورجعت إلى الصبي فوجدته قد أكله الذئب ، فأصبحت لا أملك شيئا ، فقلت : لو ذهبت إلى ابن عمي لعله يعطيني شيئا ، فمضيت إليه فقال لي : قد بلغني ما أصابك ، والله ما أحبّ أنه أخطأك. فكان ذلك أشدّ عليّ مما أصابني. فقلت : أمضي إلى الشام فأطلب. فلما دخلت دمشق إذا الناس يتحدثون أن عبد الملك بن مروان أصيب بابن له ، فاشتد جزعه عليه. فأتيت الحاجب فقلت : إنّي أحدث أمير المؤمنين بحديث يعزّيه عن مصيبته هذه. قال : أذكر ذاك له ، فذكر ، فقال : أدخله. فأدخلني فحدثته بمصيبتي فقال : قد عزّيتني بمصيبتك عن مصيبتي ، وأمر لي بمال ، فعدت وتراجعت حالي.

__________________

(١) تحرفت بالأصل إلى «خيل» والتصويب عن مختصر ابن منظور.

(٢) كلّمه قبلا أي عيانا ومقابلة ، لا من وراء حجاب ، ومن غير أن يولي أمره أو كلامه أحدا من ملائكته (راجع النهاية في غريب الحديث : قبل).

(٣) بالأصل : «بابل» والمثبت والضبط عن الاكمال لابن ماكولا ٧ / ٢٥٠ وهو نايل بن نجيح البصري انظر ترجمته في تهذيب الكمال ١٩ / ٣٩.

١٥٤

٩١٣١ ـ شيخ كلبي

حكى عن عبد الملك بن مروان.

حكى عنه أبو حباب يحيى بن أبي حية الكلبي (١).

أخبرنا أبو بكر (٢) محمّد بن عبد الباقي ، أنا أبو محمّد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا أحمد بن معروف ، نا الحسين بن فهم ، نا ابن سعد (٣) ، أخبرني من سمع أبا حباب الكلبي يقول : حدّثني شيخ من كلب قال : سمعت عبد الملك بن مروان يقول : لو لا [أن](٤) أمير المؤمنين مروان أخبرني أنّه هو الذي قتل طلحة ما تركت من ولد طلحة واحدا إلّا قتلته بعثمان بن عفّان.

٩١٣٢ ـ أعرابي من كلب

وفد على عبد الملك بن مروان.

أخبرنا أبو العزّ بن كادش مناولة وإذنا ، وقرأ عليّ إسناده ، أنا محمّد بن الحسين ، أنا المعافى بن زكريا القاضي (٥) ، ثنا محمّد بن الحسن بن دريد ، أنا أبو عثمان [المازني](٦) ، عن التّوزي (٧) ، عن أبي عبيدة قال :

ولي عبد الملك بن مروان صدقات كلب رجلا من بني أمية ، وكانت الروم قد نزعته ، وكان أشقر غضّا فدخل أعرابي جلف جاف على عبد الملك في خفة الناس ، فلمّا مثل بين يديه قال : يا إنسان إنك مدبّر (٨) مربوب. قال : أجل فما تشاء؟ قال : احتجبت بهذه المدرة ، ووليت خطابنا أصهب غضّا (٩) كالقرعوس طمطمانيا أطوما كأن وجهه جهوة قرد قد قشر بصرها ، وكأن فاه سرم (١٠) أتان قد قاشها عير ، فهي ترمز ، إن كشرت بسر ، وإن خاطبت

__________________

(١) ترجمته في تهذيب الكمال ٢٠ / ٦٥.

(٢) كتبت فوق الكلام بين السطرين بالأصل.

(٣) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٣ / ٢٢٣ في ترجمة طلحة بن عبيد الله.

(٤) زيادة عن طبقات ابن سعد.

(٥) رواه المعافى بن زكريا القاضي الجريري في الجليس الصالح الكافي ٣ / ٢٤٠ ـ ٢٤١.

(٦) زيادة لازمة للإيضاح.

(٧) بالأصل : الثوري ، تصحيف ، والتصويب عن الجليس الصالح.

(٨) مدبر : ميت ، من دابر الرجل : مات.

(٩) بالأصل : عضبا ، تصحيف ، والمثبت عن الجليس الصالح.

(١٠) السرم : الدبر.

١٥٥

نهر ، وإن بالغت زبر ، فلا الكلام مدفوع ، ولا القول مسموع ، ولا الحق متبوع ، ولا الجور مردوع ، ولنا ولك مقام فيه ينصّ الخصام (١) ، وتزحف (٢) الأقدام ، وينتصف المظلوم ، وينعش المهضوم ، ها إن ملكك هناك زائل ، وعزّك حائل ، وناصرك خاذل ، والحاكم عليك عادل ، فاكبأنّ عبد الملك وتضاءلت أقطاره (٣) ، وترادت عبراته في صدره ثم قال : لله (٤) أبوك أيّ ظلم نالك منا حتى أجاءك إلى هذه المقال؟ قال : ساعيك في السماوة (٥) ، نهاره لهو ، ومقاله (٦) لغو ، وغضبه سطو ، يجمع المناقط ويحتجن المشائط ، ويستنجد العمارط ، فأمر عبد الملك بصرف العامل.

قال القاضي (٧) : العصب الصم (٨). وقال ابن دريد : القرعوس : والد البختية وهو لا ينجب ولا ينفع ، والطمطماني : الأعجم والأطوم الذي لا يفهم ، ولا يفهم ، وإنّما أخذ من جلد الأطوم ، وهي دابة من دوابّ البحر صليبة الجلد ، وقال قوم : هي السلحفاة ، قال القاضي : [في] السلحفاة لغتان : سلحفاة وسلحفية. وقوله : جهوة قرد يريد : دبره وما والاه. وكذلك هو لكل أربع ، وربما استعمل في الناس. وقوله : قشر بصرها ؛ فالبصر قشرة (٩) على كل شيء. وقوله : قاشها أي نزا عليها. والترمز : التحرك. والمشائط : الواحد مشياط ، وهو الذي يسرع إليه السمن. والمناقط : المتفرقة يقال : نقّط هذا أي فرّقه. والعمارط : الواحد عمروط وهو الذي لا يرى شيئا إلّا اختلسه ، وهو اللص. والوأي (١٠) : الوعد ، والترمز : التحرك. روي عن أبي حاتم عن أبي عبيدة. قال : كان رجل من بني تميم خليعا يقال له : عمير بن مالك ، فحضر نساء الحي يعدنه ، فأطلن الجلوس (١١) فقال :

__________________

(١) بالأصل : «الحصا» والمثبت عن الجليس الصالح.

(٢) كذا بالأصل والمختصر وفي الجليس الصالح : وترجف.

(٣) بالأصل : أفكاره ، والمثبت عن الجليس الصالح.

(٤) بالأصل : «الله» والمثبت عن الجليس الصالح.

(٥) السماوة : بادية بين الكوفة والشام (راجع معجم البلدان).

(٦) رسمها بالأصل : «وومانه» والمثبت عن الجليس الصالح.

(٧) يعني القاضي المعافى بن زكريا الجريري.

(٨) كذا بالأصل : «العصب : الصم» وفي المختصر : «العصب : الصمم» وفي الجليس الصالح : الغضا : الغتم.

(٩) في الجليس الصالح : قشر أعلى كل شيء.

(١٠) ليست في النص.

(١١) بالأصل : «فأطلق الجلوس» خطأ ، والمثبت عن الجليس الصالح.

١٥٦

لقلّ غناء عن عمير بن مالك

ترمز أستاه النساء العوائد

فقمن ، وقلن : لا شفاه الله.

وقوله : فاكبأن عبد الملك : أي تداخل بعضه في بعض ، قال الشاعر (١) :

فلم يكبئنوا إذ رأوني وأقبلت

عليّ وجوه كالسيوف تهلل

وقوله : تضاءلت أي تصاغرت. والأقطار : النواحي. وقوله : أجاءك أي اضطرك ، وأصله من المجيء ، تقول : جاء زيد وأجاءه غيره مثل صار وأصار إليه غيره ، ومنه : (فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ)(٢) كأنه جاء بها إليه.

قال القاضي : وفي تفسير ابن دريد غريب هذا الخبر في موضع آخر : المناقط أي المتفرق من الماشية ، وهو مما نهى عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في كتابه لأكيدر : لا تعد فاردتكم ، ولا ترد قاصيتكم. والمشائط واحدتها مشياط وهي الناقة السريعة السمن ، يريد أنه يأخذ المشائط في الصدقة ، فهذا مما نهى عنه أيضا من قوله [صلى‌الله‌عليه‌وسلم] : «لا تأخذوا حزرات أنفس الناس» [١٣٦٨١] يريد خيار أموالهم.

والعمروط : اللص ، يقال : لصّ ولصّ.

٩١٣٣ ـ رجل من ولد عثمان بن عفان

وفد على عبد الملك بن مروان.

أنبأنا أبو محمّد بن صابر ، أنا سهل بن بشر ، أنا علي بن بقاء الوراق ، إجازة ، أنا أبو القاسم المبارك بن سالم ، أنا الحسن بن رشيق ، نا يموت بن المزرع ، نا أبو مسلم يعني عبد الله بن مسلم ، حدّثني أبي ، حدّثني رجل من ثقيف عن أبيه قال :

كنت بباب عبد الملك بن مروان إذ دخل عليه رجل من ولد عثمان فقال : يا أمير المؤمنين لعجب ما رأيت في يومي هذا ، قال : وما رأيت؟ قال : كنت في الصيد ، فبينا أنا بقفرة من الأرض ، إذ رأيت شيخا (٣) قد سقط حاجباه على عينيه ، يتوكأ على عنزة معه ، فقلت له : من الشيخ؟ فقال : امض لشأنك ودع السؤال عما لا أرب لك في علمه ، قال : فازددت

__________________

(١) البيت في تاج العروس (كبن) ولم ينسبه.

(٢) سورة مريم ، الآية : ٢٣.

(٣) في مختصر ابن منظور : شخصا.

١٥٧

لما قال منه ذعرا ، فقلت له : أتروي من أشعار العرب شيئا؟ قال : نعم ، وأقول كما قالوا ، قلت : نحو ما ذا أصلحك الله؟ فأنشدني (١) :

أقول والنجم قد مالت أواخره

إلى المغيب تبين نظره حار

ألمحة من سنا برق رأى بصري

أم وجه نعم بدا لي أم سنا نا

بل وجه نعم بدا والليل معتكر

فلاح من بين أثواب (٢) وأستار

قال : وقد كنت أعرف الشعر يا أمير المؤمنين وهو لهادر صاحب نابغة بني ذبيان فقلت : سبقك أخو ذبيان إلى هذا ، أيها الشيخ ، فضحك ثم قال : بلفظي والله كان ينطق ، أنا هادر بن ماهر. ثم اعتمد على عنق فرسي ، وقال : ذكرتني صباي ، قد والله قلت : الشعر منذ أربع مائة سنة ، ثم أنشأ يقول :

وصلت القيان بعهد المسيح

فأظهرن هجرا بقول قبيح

وذاك لأني حنيت العصا

وأبدى الزمان لصحبي كلوحي

فمن لي بوجه ولا ليس لي

بدا لا بوجه صبيح مليح

ثم نظرت فإذا الأرض منه بلقع. قال له عبد الملك : لقد رأيت عجبا.

٩١٣٤ ـ قضاعي

وفد على عبد الملك بن مروان.

أخبرنا أبو محمّد عبد الرّحمن بن أبي الحسن ، أنا سهل بن بشر ، أنا عبد الوهّاب بن الحسين بن عمر بن برهان.

ح وأخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمّد الفقيه ، ثنا نصر بن إبراهيم الزاهد قال : أنبأني عبد الوهاب بن الحسين البغدادي التاجر ، أنا الحسين بن محمّد بن عبيد الدقاق ، نا محمّد بن العباس اليزيدي ، نا الرياشي ، نا مسعود بن بشر ، نا رجل في حلقة أبي عبيدة من ولد عمرو ابن مرة الجهني ـ وكانت له صحبة ، يعني لعمرو بن مرة ـ قال :

وفد على عبد الملك ناس من قضاعة فقال رجل منهم :

والله ما ندري إذا ما فاتنا

طلب إليك من الذي نتطلب

__________________

(١) الأبيات للنابغة الذبياني ، وهي في ديوانه ص ٢٣٥ (صنعة ابن السكيت ت. شكري فيصل).

(٢) في الديوان : أبواب.

١٥٨

ولقد ضربنا في البلاد فلم نجد

أحدا سواك إلى المكارم ينسب

فاصبر لعادتنا التي عودتنا

أو لا ، فأرشدنا إلى من نذهب

فأمر له بألف دينار.

ثم وفد عليه ، فقال :

وربي الذي يأتي من الخير إنه

إذا فعل المعروف زاد وتمما

وليس كبان حين تم بناؤه

تتبّعه بالنقض حتى تهدما

قال : فأعطاه ألفي دينار.

ثم وفد عليه فقال :

إذا استعزروا كانوا معازير بالندى

يكرون بالمعروف عودا على بدء

قال : أحسنت ، وأعطاه أربعة آلاف دينار.

٩١٣٥ ـ أعرابي

وفد على عبد الملك بن مروان.

٩١٣٦ ـ أعرابي تغدى مع عبد الملك (١)

أخبرنا أبو القاسم الحسني ، أنا رشأ بن نظيف ، أنا الحسن بن إسماعيل ، أنا أحمد بن مروان ، نا إسماعيل بن إسحاق الراد (٢) ، نا الأصمعي قال :

تغدى مع عبد الملك بن مروان فجعل يضرب بيده في القصعة يمنة ويسرة ، فقال له الخادم : يا أعرابي كل مما يليك ، فقال الأعرابي : على طعامك هذا حمى؟ فخجل عبد الملك وقال : ليس فيها حمى ، فكل ممن شئت.

أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر ، أنا أبو بكر البيهقي قال : سمعت أبا عبد الله الحافظ يقول : سمعت أبا العباس محمّد بن يعقوب يقول : سمعت محمّد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول : سمعت الشافعي يقول :

وقف أعرابي على عبد الملك بن مروان ، فسلّم ثم قال : أي رحمك الله إنه مرت بنا

__________________

(١) بالأصل : عبد الله.

(٢) كذا بدون إعجام بالأصل.

١٥٩

سنون ثلاثة ، أما إحداها فأهلكت (١) المواشي ، وأما الثانية فأنضت اللحم ، وأما الثالثة فخلصت إلى العظم ، وعندك مال ، فإن يكن لله فأعط عباد الله ، وإن يك لك فتصدّق علينا ، إن الله يجزي المتصدقين. قال : فأعطاه عشرة آلاف درهم ، وقال : لو أن الناس يحسنون أن يسألوا هكذا ما حرمنا أحدا.

٩١٣٧ ـ أعرابي دخل على عبد الملك

قرأت بخط رشأ بن نظيف ، وأنبأنيه أبو القاسم العلوي ، وأبو الوحش المقرئ عنه ، أنا أبو الفتح إبراهيم بن علي بن إبراهيم البغدادي ، نا محمّد بن يحيى الصوفي ، نا أبو الضياء ، نا الأصمعي ، عن أبي عمرو بن العلاء قال :

دخل أعرابي على عبد الملك بن مروان فقال عبد الملك : يا أعرابي تمنّه ، فقال : العافية يا أمير المؤمنين ، فقال : ثم ما ذا؟ قال : ثم رزق في دعة ليس لأحد عليّ فيه منة إلّا لله ، ولا لله عليّ فيه تبعة ، قال : ثم ما ذا؟ قال : الخمول ، فإنّي رأيت السوء إلى ذي النباهة سريعا.

٩١٣٨ ـ رجل من أهل الشام

حكي أنه مرّ بالبثنية من أرض دمشق.

وحكى عن عبد الملك بن مروان.

حكى عنه ابن له غير مسمّى.

حكى عن ابنه الليث بن سعد.

٩١٤٠ ـ رجل من بني عذرة

وفد على عبد الملك بن مروان.

قرأت في كتاب أبي الفرج علي بن الحسين بن محمّد الكاتب (٢) ، أخبرني عمي الحسن ابن محمّد ، نا أحمد بن الحارث ، نا المدائني ، حدّثني أبو عمران بن عبد الملك بن عمير ، عن أبيه ، وحدثنيه عوانة أيضا قال :

صنع عبد الملك بن مروان طعاما فأكثر وأطاب ودعا إليه الناس ، فأكلوا ، فقال

__________________

(١) في مختصر ابن منظور : فأكلت.

(٢) رواه أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني ٨ / ٤٠ وما بعدها في أخبار جرير بن الخطفي الشاعر.

١٦٠