نثر الدرّ المكنون

السيد محمد بن علي الاهدلي الحسيني اليمني الازهري

نثر الدرّ المكنون

المؤلف:

السيد محمد بن علي الاهدلي الحسيني اليمني الازهري


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
المطبعة: مطبعة زهران
الطبعة: ١
الصفحات: ١٥٣

الوفود

فصل فى بعث جرير بن عبد الله البجلى رضى الله عنه

بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى ذى الكلاع بن باكور بن حبيب بن مالك بن حسان بن تبع الحميرى فاسلم واسلمة امرأته صريمة بنت ابرهة بن الصباح واسم ذى الكلاع سميفع قال الاصمعى كاتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذا الكلاع من ملوك الطوائف على يد جرير بن عبد الله البجلى يدعوه الى الاسلام وكان قد استعلى أمره اه وكان وافدا مع جرير هو وذو حوشب (١) فجاءهم الخبر بوفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فى الطريق وأن أبا بكر استخلف والمسلمون على خير فرجعا الى اليمن وبقيا على اسلامهما ثم وفد ذو الكراع فى خلافة عمر ومعه ثمانية آلاف عبد وجدد اسلامه على يده وأعتق من عبيده أربعة آلاف ثم قال عمر يا ذا الكراع بعنى ما بقى عندك من عبيدك أعطك ثلث أثمانهم ههنا وثلثا باليمن وثلثا بالشام فقال أجلنى يومى حتى أفكر فيما قلت ومضى الى منزله فاعتقهم جميعا فلما غدا على عمر قال له ما رأيك الذى قلت لك فى عبيدك قال قد اختار الله لى ولهم خيرا مما رأيت قال وما هو قال هم أحرار لوجه الله تعالى قال أصبت يا ذا الكلاع قال يا أمير المؤمنين لى ذنب ما أظن الله يغفره لى قال وما هو قال تواريت يوما على قومى ثمّ أشرفت عليهم من مكان فسجد لى زهاء مائة الف انسان فقال عمر الاسلام يجب ما قبله. وفى رواية اعتق ذو الكلاع اثنى عشر الف بيت وله وقائع مشهوره مع الروم فى فتوح الشام وقد تقدم فى كتاب ابى بكر الى اليمن يدعوهم الى الجهاد وان ذى الكلاع وفد الى المدينة فى خلافته لا فى خلافة عمر ولعلها تكررت فى عصر الخليفتين رضى الله عنهما وانتقل رسول الله صلى الله

__________________

(١) الذى فى البخارى عن جرير قال كنت باليمن فلقيت رجلين من أهل اليمن ذا الكلاع وذا عمرو فجعلت أحدثهم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال ذو عمرو لان كان الذى تذكر من امر صاحبك لقد مر على اجله منذ ثلاث واقبلا معى حتى اذا كنا فى بعض الطريق رفع لنا ركب فقالوا قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستخلف ابو بكر والناس صالحون وقالا اخبر صاحبك انا قد جئنا ولعلنا سنعود ان شاء الله ورجعا الى اليمن فأخبرت ابا بكر بحديثهم قال ا فلا جئت بهم فلما كان بعد قال لى ذو عمرو يا جرير إن لك على كوامة وانى مخبرك خبرا إنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم اذا هلك أمير تأمرتم فى اخر فاذا كانت بالسيف كانوا ملوكا يغضبون غضب الملوك ويرضون رضا الملوك اه مؤلف

٨١

عليه وآله وسلّم الى الرفيق الاعلا وعماله على اليمن عمرو بن حزم الانصارى على نجران وخالد بن سعيد بن العاص على ما بين زبيد ونجران وعامر إبى شهر الهمدانى على همدان وشهر بن باذان على صنعا والطاهر بن أبن هالة على عك والاشعريين وعلى مخاليف الجبال من الجند الى حضرموت قاضيا ومعما معاذ بن جبل وعلى الجند يعلى ابن أمية وعلى حضرموت زياد ابن لبيد الانصارى وعلى السكاسك عكاشة بن ثور وعلى بنى معاوية من كنده عبد الله بن المهاجر فاشتكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مرضه الذى توفى فيه فلم يذهب الى محل عمله الا فى خلافة أبى بكر وعلى مراد وزبيد ومذحج كلها فروة بن مسيك المرادى اه من السيرة الحلبية وطبقات ابن سعد وسيرة ابن هشام وسبل الهدى وتاريخ الخميس

تنبيه ذكرنا بعث على عليه‌السلام الى اليمن أربع مرات والذى يظهر من بعض الروايات انها مرتين الى همدان ومذحج وزبيد ونجران من قبائل الجبال

الباب التاسع

فى الوفود

مقدما وفادة ضماد رضى الله عنه لانه أول وافد الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اخرج مسلم وأحمد فى مسنده والبيهقى وابن عساكر عن ابن عباس رضى الله عنهما واللفظة لمسلم أن ضمادا قدم مكة وكان من أزد شنؤة وكان يرقى من هذه الريح فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون أن محمدا مجنون فقال لو أنى رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدى قال فلقيه فقال يا محمد انى أرقى من هذه الريح وان الله يشفى على يدى من شاء فهل لك فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ان الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا آله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله أما بعد» قال فقال أعد على كلماتك هؤلاء فاعادهن عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاث مرات قال فقال لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء ولقد بلغن ناعوس البحر (١) قال فقال هات يدك أبايعك على الاسلام قال فبايعه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «وعلى قومك» قال وعلى قومى قال فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلّم سرية فمروا بقومه فقال صاحب السرية للجيش هل أصبتم من هؤلاء شيئا فقال

__________________

(١) قال النووى ضبطناه بوجهين اشهرهما ناعوس بالنون والعين والثانى قوس بالقاف والميم أى لجته ووسطه

٨٢

رجل من القوم أصبت منهم مطهرة فقال ردوها فان هؤلاء قوم ضاد اه

(فصل فى وفد الاشعريين)

وفدوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنة خمس وقيل سنة ست وقيل سنة سبع من الهجرة قال الحافظ فى الاصابة فى ترجمة أبى موسى فى حرف العين أنه أسلم وهاجر الى الحبشة وقيل رجع الى قومه ولم يهاجر الى الحبشة وهذا قول الاكثر فان موسى ابن عقبة وابن اسحق والواقدى لم يذكروه فى مهاجرة الحبشة اه وقيل لا وفادة له قبل هذه والاصح أن الاشعريين وفدوا من اليمن سنة سبع وصادفت سفينتهم سفينة جعفر عليه‌السلام ومن معه من المهاجرين رضى الله عنهم عائدين من الحبشة وقدموا معهم الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخيبر بعد فتحها وكانوا نيفا وخمسين نفرا فاسهم لهم من غنائمها وقال لهم رسول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (من أين جئتم) قالوا من زبيد قال (بارك الله فى زبيد) قالوا وفى رمع قال (بارك لله فى زبيد) قالوا وفى رمع (قال بارك الله فى رمع) ورمع وادى زبيد كثير المزروعات تربته طيبة سريعة الانبات خيراته ظاهرة تنحدر اليه السيول من جهات الجبال وزبيد مدينة مباركة دار العلم والصلاح اشتهر منها العلماء العاملون من الفقهاء والمحدثين فى كل عصر وطار فضلهم الى كل مصر ببركة دعائه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اه

فصل فى وفد همدان

وهم كما قال ابن خلدون اعظم قبائل العرب باليمن ولهم الغلبة على أهله والكثير من حصونه وفد عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مائة وعشرون راكبا فيهم مالك بن النمط بن قيس بن مالك بن سعد بن مالك الارحبى الهمدانى الملقب بذى المشاعر وارجب بطن من همدن وكان شاعرا مجيدا ومنهم عمرو ابن مالك الخارفى وضمام بن مالك بكسر الضاد المعجمة السلمانى بطنان من همدان لقوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرجعه من تبورك وعليهم مقطعات الحبرات بكسر الحاء المهملة ثياب مخططه من برود اليمن والعمائم العدنية على الرواحل المهرية والارحبية وكان مالك ورجل اخرير تجزان بالقوم احدهما يقول

همدان خير سوقة وأقيال

ليس لها فى العالمين أمثال

محلها الهضبة ومنها الابطال

لها أطابات بها وآكال

ويقول الاخر

اليك جاوزن سود الريف

فى هبواب الصيف والخريف

٨٣

مخطمات بحبال الليف

فقام مالك بن النمط بين يدى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال نصية من همدان من كل حاضر وباد أتوك على قلص نواج متصلة بحبائل الاسلام لا تأخذهم فى الله لومة لائم من مخلاف خارف ويام وشاكر أهل السود والقود أجابوا دعوة الرسول وفارقوا آلهات الانصاب عهدهم لا ينقض ما أقام لعع (١) وما جرى اليعفور بصلع

ومن شعره رضى الله عنه

ذكرت رسول الله فى فحمة الدجى

ونحن باعلا رحرحان وصلدد

وهن بنا خوص طلائح تعتلى

بركبانها فى لاحب متمدد

على كل فتلاء الذراعين جسرة

تمر بنا مر الهجيف (٢) الخفيدد

حلفت برب الرقصات الى منى

صوادر بالركبان من هضب قردد

بأن رسول الله فينا مصدق

رسول اتى من عند ذى العرش مهتدى

فما حملت من ناقة فوق رحلها

أشد على أعدائه من محمد

وأعطى إذا ما طالب العرف جاءه

وأمضى بحد المشرفى المهند

وكتب معه لشعب همدان وأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على من أسلم من قومه رضى الله تبارك وتعالى عنهم أجمعين اه من سيرة ابن هشام وفى الاصابة فى ترجمة مالك بن مرارة أخرج البغوى من طريق مجالد بن سعيد قال لما انصرف مالك بن مرارة الرهاوى الى قومه كتب معه النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوصيكم به خيرا فانه منظور اليه قال فجمعت له همدان ثلاث عشرة وستة وسبعون بعيرا اه وقد ثبتت همدان كلها على الاسلام لم يرتد منها أحد قال الحافظ بن حجر فى الاصابة عصمهم الله بعبد الله بن مالك الارحبى الصحابى له هجرة وفضل فى دينه فاجتمعت اليه همدان وقام فيهم خطيبا فقال يا معشر همدان انكم لم تعبدوا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انما عبدتم رب محمد وهو الحى الذى لا يموت غير أنكم أطعتم الله ورسوله بطاعة الله وأعلموا أنّه استنقذكم من النار ولم يكن الله ليجمع أصحابه على ضلالة وذكر ابن اسحاق له خطبه طويلة يقول فيها

لعمرى لئن مات النبى محمد

لما مات يابن القيل رب محمد

دعاه اليه ربه فأجابه

فياخير غورى ويا خير منجد

__________________

(١) اسم جبل وصلع الارض الملسا اه من الروض الانف

(٢) الخفيد ولد النعامة والهجيف الضخم من الروض الانف

٨٤

وفى ترجمة مران بن ذى عمير بن أبى مران الهمدانى كان من ملوك همدان وأسلم فيمن أسلم منهم ونقل عن ابن اسحاق أن أهل اليمن لما سمعوا بوفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تكلم سفها همدان بما كرهه حلماؤهم فقال عبد الله بن مالك الارحبى فذكر كلامه ثم قام مران فقال يا معشر همدان إنكم لم تقاتلوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يقاتلكم فاصبتم بذلك الخط ولبستم به العافية ولم يعمكم بلعنة تفضح أوائلكم وتقطع دابركم وقد سبقكم قوم الى الاسلام وسبقتم قوما فاستمسكتم ولحقتم من سبقكم وان اضعتموه لحقكم من سبقتموه فاجابوه الى ما أحب وأنشد له ابياتا رئى فيها النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول فيها

أن حزنى على الرسول طويل

ذاك منى على الرسول قليل

بكت الارض والسماء عليه

وبكاه خديمه جبريل اه

ومثله أيضا فى ترجمة عبد الله بن مالك وأما الذى فى ترجمة عبد الله بن سلمة الهمدانى فهو :

أنه حينما بلغ همدان وفات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثوا وفدا منهم الى المدينة فدخلوا على أبى بكر وقال عبد الله بن سلمة المترجم له يا معشر قريش انكم لم تصابوا بالنبى دون سائر العرب لانه لم يكن لاحد دون أحد غير انا معترفون للمهاجرين بفضل هجرتهم وللانصار بفضل نصرتهم وأنشد

إن فقد النبى جزعنا اليو

م فدته الاسماع والابصار

ما أصيبت به الغداة قريش

لا ولا أفردت به الانصار

فعليه‌السلام ما هبت الريح

ومدت جنح الظلام أنوار اه أصابه

فصل فى وفد دوس

ينتهى نسبهم الى الازد قال ابن اسحاق كان الطفيل بن عمرو الدوسى يحدث أنه قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل الهجرة بمكة فمشى اليه رجال من قريش وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا كثير الضيافة فقالوا له انك قدمت بلادنا وهذا الرجل الذى بين أظهرنا فرق جماعتنا وشتت آرءنا وانما قوله كالسحر يفرق بين المرء وابنه وأخيه وزوجه وانا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا من الكلام فلا تكلمه ولا تسمع منه قال فو الله ما زالوا بى حتى عزمت أن لا أسمع منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئا ولا أكلمه حتى حشوت فى أذنى كرفسا أى قطنا فرقا من أن يبلغنى شىء فغدوت الى المسجد فاذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائما يصلى عند الكعبة فقمت قريبا منه فأبى الله الا أن يسمعنى بعض قوله فسمعت

٨٥

كلاما حسنا فقلت وائكل أمى والله انى لرجل لبيب شاعر ما يخفى على الحسن من القبيح فما يمنعنى أن أسمع من هذا الرجل ما يقول فان كان يقول حسنا قبلت وان كان قبيحا قمت قال فمكث حتى قام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى بيته فتبعته حتى اذا دخل بيته دخلت عليه فقلت يا محمد ان قومك قد قالوا لى كذا وكذا فو الله ما برحوا يخوفونى أمرك حتى سددت أذنى كرفسا لاجل أن لا أسمع قولك فاعرض على أمرك فعرض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الاسلام وتلا على القرآن سورة الاخلاص والمعوذتين فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه ولا أمرأ ولا أعدل منه فاسلمت وشهدت شهادة الحق وقلت يا رسول الله انى امرؤ مطاع فى قومى وانى راجع اليهم فداعيهم الى الاسلام فادع الله أن يجعل فى اية فدعا وقال «اللهم اجعل له اية» وفى زوايا؟؟؟ نورا قال فخرجت الى قومى حتى اذا كنت بثنيته تطلعنى على الحاضرة وقع نور بين عينى مثل المصباح فقلت اللهم فى غير وجهى إنى أخشى أن يقولوا أنها مثلة وقعت فى وجهى لفراقى دينهم قال فتحول فوقع فوق رأس سوطى كالقنديل المعلق وأن اهبط اليهم من الثنية حتى جئتهم وأصبحت فيهم فلما جئت أتانى أبى وكان شيخ كبيرا فقلت اليك عنى يا أبت فلست منى ولست منك قال ولم يا بنى قلت قد أسلمت وتابعت دين محمد قال يا بنى فدينى دينك قال فقلت فاذهب واغتسل وطهر ثيابك ثم تعال أعلمك ما علمت قال فذهب فاغتسل وطهر ثيابه ثم جاء فعرضت عليه الاسلام فأسلم ثم أتتنى صاحبتى فقلت لها اليك عنى فلست منك ولست منى قالت لم قلت فرق الاسلام بينى وبينك أسلمت وتابعت محمدا فقالت فدينى دينك فأسلمت ثم دعوت دوسا الى الاسلام فأبطؤا على فجئت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكة فقلت يا نبى الله إنه قد غلبنى على دوس الزنا فادع الله عليهم فقال «اللهم اهد دوسا» زا البخارى «وأت بهم» ثم قال ارجع الى قومك فادعهم الى الله وارفق بهم فرجعت اليهم فلم أزل بارض دوس ادعوهم الى الله ثم قدمت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنزلت المدينة بسبعين بيتا وفى رواية بثمانين بيتا من دوس ثم لحقت برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخيبر فلما رآنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «مرحبا باحسن الناس وجوها وأطيبهم أفواها» أى كلاما «وأعظمهم أمانة» وأسهم لنا مع المسلمين وهذا يدل على اسلامهم قبل الهجرة وقد جزم ابن أبى حاتم بانه قدم مع أبى هريرة بخيبر وهى قدمته الثانية وكانوا فى العدد اربعما ثم لم يزل معه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى فتح الله له مكة فقال ابعثنى يا رسول الله لى صنم عمرو بن حممة حتى أحرقه فبعثه وهدمه وأوقد عليه النار وهو يقول

٨٦

يا ذا الكفين لست من عبادك

ميلادنا أقدم من ميلادك

انى حشوت النار فى فؤادك

فلما ارتدت بعض العرب خرج هو وقومه مع المسلمين الى نجد حتى فرغوا من قتال طليحة ثم سار الى اليمامة لقتال مسيلمة ومعه ابنه عمرو فرى رؤيا وهو متوجه الى اليمامة فقال لاصحابه انى رأيت رؤيا فاعبروها لى انى رأيت رأسى قد حلق وأنه خرج من فمى طائر ولقيتنى امرأة فادخلتنى فى فرجها وأن ابنى يطلبنى حثيثا ثم رأيته حبش عنى قالوا خيرا قال أما أنا والله فقد أولتها قالوا بما ذا قال اما حلق رأسى فوضعه وأما الطائر الذى خرج من فمى فروحى وأما المرأة التى أدخلتنى فى فرجها فالارض تحفر لى فأغيب فيها وأما طلب ابنى ايايا وحبسه عنى فانى أراه سيجهد أن يصيبه ما أصابنى فقتل شهيدا باليمامة وجرح ابنه عمرو جراحة شديدة ثم شفى منها واستشهد عام اليرموك فى خلافة عمر رضى الله عنهما ومن شعره بعد ما أسلم وكانت قريش هددته

ا لا أبلغ لديك بنى لؤى

على الشنأن والغضب المردى

بأن الله رب الناس فردا

تعالى جده عن كل ند

وأن محمدا عبدا رسولا

دليل هدى وموضح كل رشد

وأن الله جلله بهاء

وأعلى جده فى كل جد

وفى الفتح عن ابن الكلبى أن حبيب بن عمرو بن حثمة الدوسى كان حاكما على دوس وكذا كان أبوه من قبله عمر ثلاثمائة سنة وكان حبيب يقول انى لأعلم أن للخلق خالقا لكنى لا أدرى من هو فلما سمع بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج اليه ومعه خمسة وسبعون رجلا من قومه فاسلم وأسلموا وهذا ببركة دعائه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لدوس

فصل فى وفد خولان

وفد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنة عشر فى شعبان عشرة من خولان فقالوا يا رسول الله نحن على من وراءنا من قومنا ونحن مؤمنون بالله عزوجل مصدقون برسوله قد ضربنا اليك آباط الابل وركبنا حزون الارض وسهولها والمنة لله ولرسوله علينا وقدمنا زائرين لك فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أما ما ذكرتم من مسيركم الى فان لكم بكل خطوة خطاها بعير أحدكم حسنة وأما قولكم زائرين لك فان من زارنى بالمدينة كان فى جوارى يوم القيامة» ثم سألهم عن صنم لخولان اسمه عم أنس كانوا يعبدونه فقالوا ابدلنا الله ما جئت

٨٧

به وقد بقيت منا بقايا شيخ كبير وعجوز كبيرة متمسكون به ولو قدمنا عليه هدمناه ان شاء الله تعالى فقد كنا منه فى غرور وفتنة فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وما أعظم ما رأيتم من فتنة) قالوا لقد أصابتنا سنة مسنتة حتّى اكلنا الرمة فجمعنا ما قدرنا عليه وابتعنا مائة ثور ونحرناها لذلك الصنم قربانا فى غداة واحدة وتركناها فاكلتها السباع ونحن أحوج اليها من السباع فجاءنا الغيث من ساعتنا ولقد رأينا العشب يوارى الرجال ويقول قائلنا أنعم علينا عم انس وذكروا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كانوا يقسمون لهذا الصنم من أموالهم وأنعامهم وحرثهم فقالوا كنا نزرع فنجعل له وسطه فنسميه له ونسمى زرعا أخر حجرا أى ناحية لله فاذا مالت الريح بالذى سميناه له اى لله جعلناه لعم أنس ولم نجعله لله فذكر لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الله أنزل عليه فى ذلك قوله تعالى «وجعلوا الله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا فقالوا هذا الله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل الى الله وما كان لله ما هو يصل الى شركائهم ساء ما يحكمون» وقالوا كنا نتحاكم اليه فيتكلم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «تلك الشياطين تكلمكم»

ثم سألوه عن الفرائض الدينية فأخبرهم بها وأمرهم بالوفاء بالعهد وحسن الجوار لمن جاورهم وأن لا يظلموا أحدا فان الظلم ظلمات يوم القيامة ثم ودعوه بعد ايام واجازهم أى أعطى كل واحد اثنتى عشرة ونشا (١) ونصفا ورجعوا الى قومهم فلم يحلو عقدة حتى هدمو صنمهم المسمى بعم أنس

فصل فى وفادة رسول ملوك حمير

وفد الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول ملوك حمير مالك بن مراه الرهاوى مرجعه من تبول سنة تسع ومعه كتاب الملوك يخبرونه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باسلامهم وهم الحارث بن عبد كلال والنعمان قيل ذى رعين ومعافر وهمدان بعثو اليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بانهم جميعا أسلمو وفارقو الكفر وأهله وقاتلو المشركين فكتب اليهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع رسولهم وقد تقدم فى الفصل الخامس

فصل فى وفد كندة

ينتسبون الى كنده لقب جدهم ثور بن عفير وله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جدة منهم وهى أم جده كلاب وفد عليه سنة عشر ثماتون راكبا وقيل ستون وقيل سبعون

__________________

(١) النش نصف الاوقية وهو عشرون درهما والاوقية أربعون وقيل النش يطلق على النصف من كل شىء اه نهاية

٨٨

فيهم الاشعث بن قيس وكان وجيها مطاعا فى قومه وهو أصغرهم فلما أرادوا الدخول عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سرحوا شعورهم وتكحلوا ولبسوا جيب الحبرة قد سجفوها بالحرير فدخلوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالوا له أبيت اللعن فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لست ملكا أنا محمد بن عبد الله» قالوا لا نسميك باسمك قال أنا أبو القاسم فقالوا يا أبا القاسم أنا خبأنا لك خبئا فما هو وكانوا خبثوا لرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عين جراده فى ظرف سمن فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «سبحان الله انما يفعل ذلك بالكاهن وان الكاهن والكهانة والتكهن فى النار» فقالوا كيف نعلم أنك رسول الله فأخذ كفا من حصباء فقال «هذا يشهد أنى رسول الله» فسبح الحصى فى يده فقالوا نشهد أنك رسول الله قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ان الله بعثنى بالحق وأنزل على كتابا لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه» فقالوا اسمعنا منه فتلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «والصافات صفا» حتى بلغ «ورب المشارق» ثم سكت بحيث لا يتحرك منه شىء ودموعه تجرى على لحيته فقالوا انا نراك تبكى أمن مخافة من أرسلك «قال خشيتى منه أبكتنى بعثنى على صراط مستقيم فى مثل حد السيف ان زغت هلكت «ثم تلا (ولئن شئنا لنذهين بالذى أوحينا اليك) الاية ثم قال لهم «ألم تسلموا» قالوا بلى قال «فما بال هذا الحرير» فعند ذلك شقوه والقوه ولعلى سجفهم جاوزت الحد الجائز وقال الاشعث ابن قيس لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحن بنوا آكلة المرار وأنت ابن آكلة المرار يعنون جدته أم كلاب كما تقدم أنها من كندة وآكل المرار هو الحارث بن عمرو لقب بذلك لاكله شجرا يقال له المرار فى غزوة غزاها فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لا نحن بنوا النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا وننتفى من أبينا أى لا ننتسب الى الامهات ونترك النسب الى الاباء فقال الاشعث بن قيس يا معشر كندة والله لا أسمع رجلا يقولها الا ضربته ثمانين والاشعث هذا ممن ارتد بعد النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم عاد الى الاسلام فى خلافة أبى بكر فانه حوصر وجىء به أسيرا فقال لأبى بكر حين أراد قتله استبقنى لحروبك وزوجنى أختك فزوجه أخته أم فروة وعاد الى الاسلام فدخل سوق الابل بالمدينة واخترط سيفه فجعل لا يرى جملا الا عرقبه فصاح النّاس كفر الاشعث فلما فرغ طرح سيفه وقال والله ما كفرت الا أن الرجل يعنى أبا بكر زوجنى أخته ولو كنا ببلادنا كانت وليمة غير هذه ثم قال يا أهل المدينة انحروا وكلوا وأنا أعطى أصحاب الابل أثمانها وفى الاصابة عن وبرة

٨٩

بن قيس الخزرجى ان الاشعث بن قيس لما خرج من عند أبى بكر بعد أن زوجه سل سيفه فلم يق فى السوق ذات أربع من بعير وفرس وبغل وشاة وثور الا عقرها فقيل لأبى بكر انه ارقد فقال انظروا اين هو فاذا هو فى غرفة من غرف الانصار والناس مجتمعون اليه وهو يقول هذه وليمتى ولو كنت بلادى لأولمت مثل ما يولم مثلى فياخذ كل واحد مما وجد واغدوا عنا تجدوا الاثمان فلم يبق من دور المدينة دار الا ودخله من اللحم فكان ذلك اليوم قد شبه بيوم الاضحى وفى ذلك يقول وبرة المذكور

لقد أولم الكندى يوم ملاكه

وليمة حمال لثقل الجرائم

لقد سل سيفا كان مذ كان مغمدا

لدى الحر منها فى الطلى والجماجم

فاغمده فى كل بكر وسابح

وثور وبغل فى الحشا والقوائم

فقل للفتى البكرى أما لقيته

ذهبت باسنى مجد أولاد آدم

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للاشعث هل لك من ولد فقال لى غلام ولد عند مخرجى اليك وددت أن لى به سبعة قال انهم لمجبنة مبخلة وانهم لقرة العين وثمرة الفؤاد وفى الاصابة عن رجل من قريش قال كنا جلوسا على باب مسجد النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذ أقبل وفد كندة فاستشرف له الناس قال فما رأيت أحسن هيئة منهم فلما دخل رجل متوسط منهم يضرب شعره منكبيه فقلت من هذا قالوا الاشعث بن قيس قال فقلت الحمد لله يا أشعث الذى نصر دينه وأعز نبيه وأدخلك وقومك فى هذا الدين كارهين قال فوثب الى عبد حبشى يقال له يحموم فاقسم ليضرينى ووثب عليه جماعة دونى وثار جماعة الانصار فصاح الاشعث به كف فكف عنى ثم استتزار انى الاشعث فوهب لى الغلام وشيئا من فضة ومن غنم فقبلت ذلك ورددت عليه الغلام فمكثوا أياما بالمدينة ينحرون الجزر ويطعمون الناس وقد شهد الاشعث اليرموك بالشام والقادسية وحروب العراق وابلى فيها البلاء الحسن وسكن الكوفة وشهد حروب الصفين مع على عليه‌السلام ومات بعد استشهاده باربعين ليلة وصلّى عليه الحسن بن على عليهما‌السلام وقيل سنة اثنتين وأربعين والله أعلم

فصل فى وفد تجيب بضم المثناة الفوقية

بطن من كندة سميت باسم أمهم ثجيب بنت ثوبان بن سليم بن رها من مدحج وفد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثة عشر رجلا سنة تسع وقد ساقوا معهم صدقات أموالهم التى فرض الله عليهم فسر رسول الله صلّى الله

٩٠

عليه وآله وسلّم بهم واكرم مثواهم وقالوا يا رسول الله انا سقنا اليك حق الله فى أموالنا فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ردوها فاقسموها على فقرائكم» قالوا يا رسول الله ما قدمنا عليك الا بما فضل عن فقرائنا فقال أبو بكر يا رسول الله ما قدم علينا وفد من العرب مثل هذا الوفد فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ان الهدى بيد الله عزوجل فمن أراد الله به خيرا شرح صدره للدين» وجعلوا يسألونه عن القرآن والسنن فازداد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رغبة فيهم وأرادوا الرجوع الى أهليهم فقيل لهم ما يعجلكم قالوا نرجع الى من وراءنا فنخبرهم برؤية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وملاقاتنا له وكلامنا اياه ومارد علينا ثم جاؤوا الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فودعوه فأرسل اليهم بلالا فاجازهم بأرفع ما كان بجيزبه الوفود ثم قال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هل بقى منكم أحد قالوا غلام خلفناه على رحالنا وهو أحدثنا سنا فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أرسلوه الينا» فاقبل الغلام حتى أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال يا رسول الله انا من الرهط الذين أتوك آنفا فقضيت حوائجهم فاقض حاجتى قال «وما حاجتك» قال يا رسول الله حاجتى ليست كحاجة أصحابى وان كانوا راغبين فى الاسلام والله ما أخرجنى الا ان تسأل الله ان يغفرلى ويرحمنى وان يجعل غناى فى قلبى فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «اللهم اغفرله وارحمه واجعل غناه فى قلبه» وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من اراد الله به خيرا جعل غناه فى نفسه وتقاه فى قلبه واذا أراد الله بعبد شرا جعل فقره بين عينيه» ثم أمر له بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه ثم انهم بعد ذلك وافوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنى فى الموسم الا ذلك الغلام فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ما فعل الغلام الذى أتانى معكم» قالوا يا رسول الله ما رأينا مثله قط ولاحدثنا باقنع منه بما رزقه الله لو ان الناس اقتسموا الدنيا ما نظر نحوها ولا التفت اليها «فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «الحمد لله انى لارجو ان يموت جميعا» فقال رجل منهم أوليس يموت الرجل جميعا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «تتشعب اهواؤه وهمومه فى اودية الدنيا فلعل اجله يدركه فى بعض تلك الاودية فلا يبالى الله عزوجل فى ايها هلك» قالوا فعاش ذلك الرجل فينا على أفضل حال وازهده فى الدنيا واقنعه بما رزق فلما انتقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى الرفيق الاعلا ورجع من رجع من أهل اليمن عن الاسلام قام فى قومه فذكرهم الله والاسلام فلم يرجع أحد منهم وكان أبو بكر رضى الله عنه يذكره ويسأل عنه حتّى

٩١

بلغه حاله وما قام به فكتب الى زياد بن لبيد عامل حضر موت يوصيه به خيرا اه وأخرج البزار فى مسنده والطبرانى فى الكبير عن عبد الله بن سندر مرفوعا اسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها وتجيب اجابت الله اه من محجة القرب

فصل فى وفد الازد

وفد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوم من الازد ينسبون الى جدهم الاعلا وهو لازد بن يغوث بن نبت بن مالك بن ادد بن زيد بن كهلان بن سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان روى أبو نعيم عن سويد ابن الحارث الازدى قال وفدت سابع سبعة من قومى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما دخلنا عليه وكلمناه أعجبه ما رأى من سمتنا فقال ما أنتم أى ما صفتكم قلنا مؤمنون فتبسم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال «ان لكل قول حقيقة فما حقيقة قولكم وايمانكم» قلنا خمس عشرة خصلة خمس منها أمرتنا رسلك ان نؤمن بها وخمس أمرتنا أن نعمل بها وخمس تخلقنا بها فى الجاهلية فنحن عليها الا أن تكره شيئا منها فنتركه فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ما الخمسر التى أمرتكم بها رسلى) قلنا أمرتنا أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وما الخمس الذى أمرتكم بها رسلى أن تعملوا بها) قلنا أمرتنا أن نقول لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونقيم الصلاة ونوتى الزكاة ونصوم رمضان ونحج البيت ان استطعنا اليه سبيلا فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وما الخمس التى تحلقتم بها فى الجاهلية) قلنا الشكر عند الرخاء والصبر عند البلاء والرضاء بمر القضاء والصدق فى مواطن اللقا وترك الشماتة بالاعدا فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «حكماء علماء كادوا من فقههم؟؟؟ أن يكونوا انبياء» ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «وأنا ازيدكم خمسا فتتم لكم عشرون خصلة ان كنتم كما تقولون لا تجمعوا ما لا تأكلون ولا تبنوا ما لا تسكنون ولا تنافسوا فى شىء انتم عنه غدا زائلون واتقو الله الذى اليه ترجعون وعليه تعرضون وارغبوا فيها عليه تقدمون وفيه تحلدون ، فانصرفوا وقد حفظوا وصيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعملوا بها توفيقا من الله ببركة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللهم ارزقنا دوام محبته ومحبة آله وأصحابه الطيبين الطاهرين أمين

فصل فى وفد مراد

قال ابن اسحاق قدم فروة بن مسيك المرادى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مفارقا لملوك كندة ومباعدا لهم الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان قبيل

٩٢

الاسلام بين مراد وهمدان وقعة اصابب فيها همدان من مراد ما أرادوا حتى أتخوهم فى يوم كان يقال له يوم الردم فكان الذى قادهم الى مراد فى ذلك اليوم الاجدع ابن مالك وقال بن هشام الذى قاد همدان هو مالك بن حزم الهمدانى قال ابن اسحاق وفى ذلك اليوم يقول فروة بن مسيك المرادى

مررن على لفات وهى خوص

ينازعنا الاعنة ينتحينا

فأن نغلب فغلابون قدما

وان نغلب فغير مغلبينا

وما ان طبنا جبن ولكن

منايانا وطعمة آخرينا

كذاك الدهر دولته سجال

تكر صروفه حينا فحينا

فبينا ما نسر به ونرضى

ولو لبست غضارته سنينا

اذا انقلبت به كرات دهر

فالفيت الألى غبطوا طحينا

فمن يغبط بريب الدهر منهم

يجد ريب الزمان له خؤنا

فلو خلد الملوك اذا خلدنا

ولو بقى الكرام اذا بقينا

فافنى ذلكم سروات قومى

كما أفنى القرون الاولينا

قال ابن اسحاق ولما توجه فروة بن مسيك الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مفارقا لملوك كندة قال

لما رأيت ملوك كندة أعرضت

كالرجل خان الرجل عرق نائها

قربت راحلتى أؤم محمدا

أرجوا فواضلها وحسن ثرائها

قال ابن اسحاق فلما انتهى الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له فيما بلغنى «يا فروة هل ساءك ما أصاب قومك يوم الردم «قال يا رسول الله من ذا يصيب قومه ما أصاب قومى يوم الردم ولا يسؤه ذلك فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أما ان ذلك لم يزد قومك فى الاسلام الا خيرا (١) واستعمله النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم على مراد وزبيد ومذحج كلها وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة فكان معه فى بلاده حتى توفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال بن سعد واجازه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باثنتى عشرة اوقية وحمله على بعير نجيب واعطاه حلة من نسيج عمان وثبت على الاسلام يغير بمن اطاعه على من ارتد من اليمن اه

فصل فى وفد زبيد بضم الزاى المعجمة وفتح الباء الموحده

وهى قبيلة من قبائل مذحج جنوب صنعاء ما زالت باقية باسمها الى الان وفد على رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفد زبيد فيهم عمر ابن معدى كرب

__________________

(١) ذكر هذا الحديث فى مجمع الزوائد وقول رواه أحمد والطبرانى

٩٣

الزبيدى وكان عمرو قد قال لقيس بن مكشوح المرادى وهو ابن اخته كما فى الاصابة فى ترجمة قيس المذكور لانه اسلم وحسن اسلامه حين انتهى اليهم أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يا قيس انك سيد قومك وقد ذكر لنا ان رجلا من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز يقال انه نبى فانطلق بنا اليه حتى نعلم علمه فان كان نبيا كما يقول فانه لن يخفى عليك اذا لقيناه وان كان غير ذلك علمنا علمه فابى عليه قيس ذلك وسفه رأيه فركب عمر بن معدى كرب حتى قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأسلم وصدقه وآمن به فلما بلغ ذلك قيس بن مكشوح توعد عمر او تحطم عليه وقال خالفنى وترك رأيى فقال عمرو فى ذلك

أمرتك يوم ذى صنعآء

امرا باديا رشده

امرتك باتقاء الله

والمعروف تتعده

فكنت كذى الحمير

غره بما به وثده

وقال من قصيدة

ا عاذل عدتى سيفى ورمحى

وكل مقلص سلس القيادى

ا عاذل انما أفنى شبابى

اجابتى الصريخ الى المنادى

مع الابطال حتى سل جسمى

واقرح عاتقى حمل البجادى؟؟؟

ويبقى بعد حكم القوم حكمى

ويفنى قبل زاد القوم زادى

تمنى ان يلاقينى قيس

وددت واينما منى ودادى

فبمن ذا عازرى من ذى سفاه

يرود بنفسه منى المراد

اريد حياته ويريد قتلى

عذيرك من خليلك من مرادى

وقال قيس فى عمرو

فلو لاقيتنى لاقيت قرنا

وودعت الحبائب بالسلام

(قلت يظهر انها عدة ابيات

ولم اعثر الا على هذا البيت)

قال ابن اسحاق فاقام عمرو بن معديكرب فى قومه من بنى زبيد وعليهم فروة بن مسيك المرادى فلما انتقل الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى الرفيق الاعلا ارتد عمرو بن معديكرب وقال حين ارتد مع الاسود العنسى

وجدنا ملك فروة شر ملك

حمارا ساف منخره بثفر

وكنت اذ رأيت ابا عمير

ترى الحولأ من خبث وغدر

ثم رجع الى الاسلام وحسن اسلامه وشهد اليرموك وذهبت فيه احدى عينيه ثم بعثه عمر الى العراق لفتح القادسية وهو الذى ضرب خطم الفيل بالسيف فانهزمت

٩٤

الاعاجم وكان سبب الفتح

وفى الاصابة من ترجمته عن مالك بن عبد الله الخثعمى قال ما رأيت اشرف من رجل ـ يعنى عمرا ـ برز يوم اليرموك فخرج اليه علج فقتله ثم انهزموا وتبعهم ثم انصرف الى خباء له عظيم فنزله ودعا بالجفان ودعا اليها واخرج ابو بكر بن ابى شيبة وابن عائذ وابن السكن وسيف بن عمرو والطبرانى وغيرهم بسند صحيح عن قيس ابن أبى حازم قال شهدت القادسيه فكان سعد بن أبى وقاص على الناس فجعل عمرو بن معدى كرب يمر على الصفوف ويقول يا معسر المهاجرين كونوا اسود أشداء وروى الواقدى من طريق عيسى الخياط قال حمل عمرو بن معد يكرب يوم القادسية على الفرس وحده يضرب فيهم بسيفه ثم لحقه المسلمون وقد أحد قوبه وحين بعثه عمر رضى الله عنهما الى العراق كتب الى سعد بن أبى وقاص انى أمددتك بالفى رجل عمرو بن معدى يكرب وطليحة بن خويلد وأمره أن يشاورهما فى الحرب ولا يعصهما من الامر شيئا فان كل صانع أعلم بصناعته وأخرج. الدولابى عن أبى بكر الوجيهى عن أبيه عن ابن صالح بن الوجيه قال فى سنة احدى وعشرين كانت وقعة نهاوند فقتل فيها النعمان بن مقرن رئيس الجيش ثم انهزم المسلمون فقاتل عمرو بن معدى كرب يومئذ حتى كان الفتح فاثبتته الجراحات فمات بقرية رودة وقد جاوز المائة من عمره قال دعبل بن على الخزاعى يرثيه

لقد عادت الركبان حين تحملوا

برودة شخصا لاجبانا ولا غمرا

فقل لزبيد بل لمذحج كلها

رزئتم أبا ثور قريع الوغى عمرا

وفى وفاته أقوال ومن شعره رضى الله عنه فى تلبية الحج

لبيك تعظيما اليك عذرا

هذى زبيد قد أتتك قسرا

يقطعن خبتا وجبالا وعرا

اه من الاصابة

فصل فى رسول وفد النخع

وبسند ابن سعد قال أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبى عن أبيه عن اشياخ قالوا بعث النخع رجلين منهم الى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وافدين باسلامهم أرطاة بن شرحبيل بن كعب من بنى حارثة بن سعد بن مالك بن النخع والجهيش واسمه الارقم من بنى بكر بن عوف بن النخع فخرجا حتى قدما على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعرض عليهما الاسلام فقبلاه وبايعاه على

٩٥

قومهما فاعجب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شأنهما وحسن هيئتهما فقال «هل وراءكما من قومكما مثلكما» قالا يا رسول الله قد خلفنا من قومنا سبعين رجلا كلهم أفضل منا وكلهم يقطع الامر وينفذ الاشياء ما يشاركونا فى الامر اذا كان فدعا لهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولقومهما بخير وقال «اللهم بارك فى النخع» وعقد لارطاة لواء على قومه فكان فى يده يوم القادسية فقتل يومئذ فاخذه أخوه دريد فقتل رضى الله عنهما فاخذ بن الحارث من بنى جذيمة فدخل به الكوة اه

فصل فى وفد بنى الحرث مع خالد بن الوليد

تقدم فى الفصل السادس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث اليهم خالد بن الوليد وأنهم أسلموا على يديه من غير قتال وأنه كتب بذلك الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكتب لخالد أن يقبل مع وفدهم وأقبل خالد بن الوليد رضى الله عنه ومعه وفدهم فى أواخر سنة عشر فيهم قيس ابن الحصين ذى الغصة ويزيد بن عبد المدان ويزيد بن المحجل وعبد الله بن قراد الزيادى وشداد بن عبد الله الفتاتى وعمرو بن عبد الله الضبابى فلما قاموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وراهم قال من هؤلاء القوم الذين كانهم رجال الهند قيل يا رسول الله هؤلاء رجال بين الحرث بن كعب فلما وقفوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلموا عليه وقالوا نشهد أنك رسول الله وأنه لا اله الا الله فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «وأنا أشهد أن لا آله الا الله» وبعد أن قعدوا مدة يتعلمون فرائض الدين استأذنوه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فى الرجوع الى بلادهم فاذن لهم وأمر عليهم قيس اين الحصين ورجعوا الى بلادهم فاذن لهم وأمر عليهم قيس بن الحصين ورجعوا الى قومهم فى بقية شوال أو فى هلال القعدة وبعث اليهم بعد رجوع وفدهم عمرو بن حزم يفقهم فى الدين ويعلمهم السنة ومعالم الاسلام وياخذ منهم صدقاتهم وكتب له كتابا عهد اليه فيه عهده وأمره فيه بامره وفيه بيان صدقات أموالهم وبيان الديات والجايات والقصاص والحج وغير ذلك من الواجبات الدينية وقد تقدم فى الفصل الخامس وهو مرسل لعموم أهل اليمن والله اعلم وكان بنو عبد المدان من أشراف اليمن قال الشاعر

ولو انى بليت بهاشمى

خؤلته الى عبد المدان

لهان على ما القى

ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلانى

ولما ارسل معاوية بسر بن ارطاة الى اليمن ليقتل شيعة على فيها قتل عبد الله بن عبد المدان احد وفد بنى الحارث وابنه مالك وبنى ابنته ولدى عبيد الله بن عباس

٩٦

الصغيرين بمدية له وقال عبد الله بن جعفر يرثى عبد الله وابنه

ولو لا ان تعنفنى قريش

بكيت على بنى عبد المدان

فانهم اشد الناس فجعا

وكلهم لبيت المجدبان

لهم ابوان قد علمت يمان

على آبائهم متقدمان

وذكر وثيمة ان عبد الله قام فى قومه بعد النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنهاهم عن الردة اه وقد تقدم نقلا عن الكنز فى حديث رواه ابن ماجه وسيف أن أهل بحران ثبتوا على الاسلام بعد وفاة النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يرتدوا اه

فصل فى وفد ازدشنوءة

وفد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع من الازد فيهم صرد بن عبد الله وكان افضلهم فأمره على من اسلم من قومه وان يجاهد بمن اسلم من يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن فخرج حتى نزل بمخلاف جرش وهى مدينة بها قبائل اليمن فحاصرها المسلمون قريبا من شهر ثم رجعوا عنها حتى اذا كانوا بجبل يقال له كشر فلما وصلوا ذلك المحل ظن أهل جرش ان المسلمين انما رجعوا عنهم منهزمين فخرجوا فى طلبهم حتى إذا ادركوهم عطف المسلمون عليهم فقتلوهم القتل الذريع وقد كان أهل جرش بعثوا رجلين منهم الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة يرتادان اى ينظران الاخبار فبينماهما عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ قال «بأى بلاد الله شكر» فقام الرجلان فقالا يا رسول الله ببلادنا جبل يقال له كشر فقال «انه ليس بكشر ولكنه شكر» قالا فما شأنه يا رسول الله قال «ان بدن الله لتنحر عنده الان» يعنى تقتل قومهم اطلق البدن عليهم على سبيل الاستعارة أو التشبيه البليغ والمعنى ان قومكما الذين هم كالبدن فى عدم الادراك حيث لم يؤمنوا وحاربوا المسلمين ينحرون نحر البدن فجلسا الى أبى بكر وعثمان رضى الله عنهما فقالا لهما ويحكما ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينعى لكما قومكما اى يخبركما بموتهم فقوما اليه فاسألاه ان يدعو الله عن قومكما فسألاه ذلك فقال «اللهم ارفع عنهم» ثم خرجا من عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم راجعين الى قومهما فوجدا قومهما قد اصيبوا فى اليوم والساعة التى قال فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قال ثم بعد ذلك وفد عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفد جرش مسلمون فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «مرحبا بكم أحسن الناس وجوها أنتم منى وأنا منكم» وحمى لهم حما حول قريتهم على اعلام معلومة للفرس والراحلة ولبقرة الحرث فمن رعاه من الناس فماله سحت فقال رجل من الازد فى تلك الغزوة وكانت خثعم

٩٧

تصيب من الازد فى الجاهلية وكانوا يعدون فى الشهر الحرام

يا غزوة ما غزونا غير خائبة

فيها البغال وفيها الخيل والحمر

حتّى اتينا جريشا فى مصانعها

وجمع خثعم قد شاعت لها النذر؟؟؟

إذا وضعت خيلا كنت احمله

فما ابالى جاؤا بعد أم كفروا

فصل فى وفد عذره

قبيلة من اليمن من قضاعة روى الواقدى أنهم وفد وافى صفر سنة تسع وكانوا اثنا عشر رجلا منهم حمزة بن النعمان وسعيد وسليم أبنا مالك هكذا فى الاصابة وحمزة ابن النعمان هذا قال الكلبى هو اول من قدم بصدقة قومه الى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال الطبرى هو سيد بنى عذرة وحين قدم بصدقة قومه اقطعه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حصر قوسه ورمية سوطه من وادى القرى فنزلها الى ان مات ولما قدموا رحب بهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال «من القوم» فقال متكلمهم من لا تنكر نحن بنو عذرة اخوة قصى لامه نحن الذين عضدا قصيا وازاحوا من بطن مكة خزاعة وبنى بكر ولناقرابات وارحام فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «مرحبا بكم وأهلا ما اعرفنى بكم فما يمنعكم من تحية الاسلام» قالوا كنا على ما كان عليه آباؤنا وجئنا مرتادين لأنفسنا ولقومنا فإلى ما تدعوا؟ قال «الى عبادة الله وحده لا شريك له

وان تشهدوا انى رسول الله الى الناس كافة» فقال متكلمهم فما وراء ذلك من الفرائض فأخبرهم بحميعها فقالوا الله أكبر نشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله قد اجبناك الى ما دعوت اليه ونحن اعوانك وانصارك يا رسول الله وقالوا له يا رسول الله ان متجرنا الشام وبه هرقل فهل أوحى اليك فى امره بشىء فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ابشروا فان الشام ستفتح عليكم ويهرب هرقل الى ممتنع بلاده» ونهاهم عن سؤال الكاهنة وعن الذبائح التى كانوا يذبحونها واخبرهم ان ليس عليهم الا الاضحية فاقاموا أياما بدار رملة بنت الحرث النجارية كانت دارها تنزل فيها الوفود ثم انصرفوا بعد ان اعطاهم الجائزة وهى العطية والتحفة كما فى القاموس اه

فصل فى وفد صداء من عرب اليمن

قال ياقوت الحموى صدا تقع شمال صنعاء وتبعد عنها نحواتين وأربعين فرسخا باسم ابن القبيلة وسبب وفادتهم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هيأ بعثا اربعمائة من المسلمين واستعمل عليهم قيس بن سعد بن عبادة رضى الله عنهما ودفع له لواء أبيض وراية سوداء وأمره أن يطأ ناحية من بلاد صدا فقدم على

٩٨

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل منهم اسمه زياد بن الحارث الصدانى فلما علم أن الجيش ذاهب الى فتح بلاده أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال يا رسول الله جئتك وافدا عمن ورائى فاردد الجيش وأنا لك بقومى فرد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قيس بن سعد من صدر قناة وخرج الصدائى الى قومه فقدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة عشر رجلا منهم فقال سعد بن عبادة يا رسول الله دعهم ينزلون على فنزلوا عليه فحياهم وأكرمهم وكساهم ثم راح بهم الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبايعوه على الاسلام فقالوا نحن لك على من ورائنا من قومنا فرجعوا الى قومهم ففشا الاسلام فيهم فوافى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم مائة رجل فى حجة الوداع ذكر هذا الواقدى عن بعض بنى المصطلق وذكر عن حديث الصدائى انه هو الذى قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال له أردد الجيش وأنا لك بقومى فرده قال وقدم وفد قومى عليه فقال لى يا أخا صدا انك لمطاع فى قومك قال قلت بلى يا رسول الله من الله عزوجل ومن رسوله (فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أؤمرك عليهم) فقلت بلى يا رسول الله فكتب لى بذلك فقلت يا رسول الله مرلى بشىء من صدقاتهم قال نعم فكتب لى كتابا أخر قال زياد وكنت معه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فى بعض أسفاره وكنت رجلا قويا فلزمت غرزه أى ركابه وجعل أصحابه بتفرقون عنه فلما كان السحر قال أذن يا أخا صدا فاذنت على راحلتى ثم سرنا حتى نزلنا فذهب لحاجته ثم رجع فقال «يا أخا صداء هل معك ماء» قلت معى شىء فى اداوتى وهى اناء من جلد صغير قال «هاته» فجئته به قال «صب» فصببت ما فى الاداوة فى القعب أى القدح الكبير وجعل أصحابه يتلاحقون ثم وضع كفه على الاناء فرأيت من بين كل أصبعين عينا تفور ثم قال «يا أخا صداء لولا أنى استحى من ربّى عزوجل لسقينا وأسقينا» اى من غير نهاية ثم توضأ وقال «أذن فى أصحابى من كانت له حاجة بالوضوء» بفتح الواو «فليرد» قال فورد الناس من أخرهم ثم جاء بلال يقيم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إن أخا صداء قد أذن ومن أذن فهو يقيم» قال فاقمت ثمّ تقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلى بنا فلما سلّم من صلاته قام رجل يشكو من عامله فقال يا رسول الله ان أخذنا بكل شىء كان بيننا وبينه فى الجاهلية فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لا خير فى الامارة لرجل مسلم» ثم قام رجل أخر فقال يا رسول الله اعطنى من الصدقة فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ان الله لم يكل قسمها الى ملك مقرب ولا

٩٩

نبى مرسل جزءها على ثمانية أجزاء فان كنت جزأ منها أعطيتك وان كنت غنيا فانما هو صداع فى الرأس وداء فى البطن» ثم قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دلنى على رجل من قومك استعمله فدللته على رجل منهم فاستعمله وقلت يا رسول الله ان لنا بئرا إذا كان الشتاء كفانا ماؤها وان كان الصيف قل علينا فتفرقنا على المياه والاسلام اليوم فينا قليل ونحن نخاف فادع الله عزوجل لنا فى بئرنا فقال رسول الله (ناولنى سبع حضيات) فناولته فعركهن بيده الشريفة ثم دفعهن الى وقال ذا انتهيت اليها فالق فيها حصاة حصاة وسم الله قال ففعلت فما أدركنا لها قعرا حتى الساعة اه

فصل فى وفد بهراء

بطن من قضاعة ذكر الواقدى عن كريمة بنت المقداد الاسود الكندى رضى الله عنه قالت سمعت أمى ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب تقول قدم وفد بهرآء من اليمن سنة تسع على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم ثلاثة عشر رجلا فاقبلوا يقودون رواحلهم حتى انتهوا الى باب المقداد ونحن فى منزلنا نبنى جذية فخرج اليهم المقداد فرحب بهم فانزلهم وجاءهم بحفنة من حيس قد كنا لنجلس عليها فحملها المقداد وكان كريما على الطعام فاكلوا منها حتى نهلوا وردت الينا القصعة وفيها أكل فجمعنا تلك الاكل فى قصعة صغيره ثم بعثنا بها الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع سدرة مولاتى فوجدته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فى بيت ام سلمه فقالت ضباعة ارسلت بهذا اقال «سدرة» قلت نعم يا رسول الله قال «ضعى» ثم قال «ما فعل ضيف ابى معبد» قلت عندنا قالت فاصاب منها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكلا هو ومن معه فى البيت حتى نهلوا واكلت معهم سدرة ثم قال «اذهبى بما بقى الى ضيفكم» قالت سدرة فرجعت بما بقى فى القصعة الى مولاتى قالت فاكل منها الضيف ما أقاموا نرددها عليهم وما تفيض حتى جعل القوم يقولون يا ام معبد انك لتنهلنا من أحب الطعام الينا ما كنا نقدر على مثله هذا الا فى الحين وقد ذكر لنا ان الطعام ببلادكم انما هو العلق ونحوه ونحن عندك فى الشبع فاخبرهم ابو معبد بخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه اكل منها ثم ردها فهذه بركة اصابع النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجعل القوم يقولون نشهد انه رسول الله وازدادوا يقينا وذلك الذى اراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعلموا الفرائض واقاموا اياما ثم جاؤا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وودعوه وامر لهم بالجوائز وانصرفوا الى اهليهم

١٠٠