تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٣

الشيخ أمين حبيب آل درويش

تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أمين حبيب آل درويش


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥١
  الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣

والساقي. قالت : فقلت : من أنت الذي مَنّ الله عليّ بك؟ قال : أنا الحسين بن علي. فإنتبهت وأنا مذهولة ومضيت إلى المجلس قبل أن يتفرقوا ، فحكيت لهم وتعجبوا ، فقام البكاء والعويل وتبت على أيديهم من فعل القبيح» (٤٧١).

١٠ ـ المهراجا الهندوسي :

«... وأنّ المهراجا الهندوسي في (غواليور) يقود المواكب كلّ سنة في عاصمته ، ويقال : إنّ منشأ هذا ، هو أنّ المهراجا كان قد مرض قبل خمسين أو ستين سنة ، فرأى ذات ليلة من ليالي مرضه الإمام الحسين في المنام ، فقيل له : إنّه سوف يشفى ويبل من مرضه في الحال ، إذا ما أقام مجلساً من مجالس التعزية في محرم بإسم الحسين عليه السلام ، ووزع الصدقات فيه ، وقد فعل ذلك ، فشفى بإذن الله ، فبقيت العادة حتى يومنا هذا. لكن المهراجا الحالي من نسله صار يكتفي اليوم بركوب حصان فَارِه ، يتقدم به موكب العزاء في يوم عاشوراء ، وتقوم خزينة الدولة هناك بتسديد مصاريف الموكب» (٤٧٢).

__________________

(٤٧١) ـ القزويني ، السيد رضي بن نبي : تظلم الزهراء / ٦٢ «عن المنتخب» ج ١ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

(٤٧٢) ـ الشهرستاني ، السيد صالح : تاريخ النياحة ، ج ٢ / ٨٠.

٣٨١
٣٨٢

ب ـ ضلالة وعقاب

١ ـ هارون المعَرِّي

٢ ـ الرجل الأعمى

٣ ـ الحَدّاد الكوفي

٣٨٣
٣٨٤

١ ـ هارون المعَرِّي :

ذكر الشيخ النوري (ره) في كتابه (دار السلام) : «.. عن أبي الفضل ، عن محمد بن ابراهيم ، بن أبي السلاسل الكاتب قال : حدثني أبو عبد الله الباقطاني قال : ضمني عبيد الله بن يحيى بن خاقان إلى هارون المعري ـ وكان قائداً من قواد السلطان ـ أكتب له. وكان بدنه كله أبيض شديد البياض ، حتى يديه ورجليه كانا كذلك ، وكان وجهه أسود شديد السواد كأنّه القِير ، وكان يتقيأ مع ذلك مادة نتنة. قال : فلما آنس بي سألته عن سواد وجهه فأبى أن يخبرني ، ثم أنّه مرض مرضه الذي مات فيه ، فقعدت فسألته فرأيته كأن يحب أن يكتم عليه ، فضمنت له الكتمان ، فحدثني ، قال : وَجّهَنِي المتوكل أنا والدَيزَج لنبش قبر الحسين عليه السلام ، وإجراء الماء عليه ، فلما عزمت على الخروج والمسير إلى الناحية ، رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام ، فقال : لا تخرج مع الديزج ، ولا تفعل ما أمرتم به في قبر الحسين عليه السلام. فلما أصبحنا جاؤوا يستحثونيفي المسير ، فسرت معهم حتى وافينا كربلاء ، وفعلنا ما أمرنا به المتوكل ، فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقال : ألم آمرك ألا تخرج معهم ولا تفعل فعلهم ، فلم تقبل حتى فعلت ما فعلوا؟! ثم لطمني وتفل في وجهي ، فصار وجهي مسوداً كما ترى ، وجسمي على حالته الأولى» (٤٧٣).

٢ ـ الرجل الأعمى :

ذكر الشيخ المجلسي (ره) في كتابه (البحار) : «روى السيد في كتاب (الملهوف) ، وابن شهر آشوب ، وغيرهما عن عبد الله بن رباح القاضي قال :

__________________

(٤٧٣) ـ النوري ، الميرزا حسين الطبرسي : دار السلام ، ج ١ / ٢٤٥.

٣٨٥

لقيت رجلاً مكفوفاً قد شهد قتل الحسين عليه السلام ، فسئل عن بصره؟ فقال : كنت شهدت قتله ، عاشر عشرة ، غير أنّي لم أطعن برمح ، ولم أضرب بسيف ، ولم أرمِ بسهم ، فلما قتل ؛ أجب رسول الله! فقلت : ما لي وله؟ فأخذ بتلبيبي وجَرّني إليه ، فإذا النبي جالس في صحراء حاسر عن ذراعيه ، آخذ بحربة ، وملك قائم بين يديه ، وفي يديه سيف من نار يقتل أصحابي التسعة ، فكلما ضرب ضربة إلتهب أنفسهم ناراً ، فدنوت منه وجثوت بين يديه ، وقلت : السلام عليك يا رسول الله. فلم يردَّ عليّ ، ومكث طويلاً ثم رفع رأسه وقال : يا عدو الله إنتهكت حرمتي ، وقتلت عترتي ، ولم ترعَ حقي ، وفعلت وفعلت؟! فقلت : يا رسول الله ، ما ضربت بسيف ، ولا طعنت برمح ، ولا رميت بسهم ، فقال : صدقت : ولكنّك كَثّرت السواد ، إدني مني! فدنوت منه ، فإذا طست مملوء دماً ، فقال لي : هذا دم ولدي الحسين ، فكحّلني من ذلك الدّم فإنتبهت حتى الساعة لا أبصر شيئاً» (٤٧٤).

٣ ـ الحَدّاد الكوفي :

ذكر الشيخ الطريحي (ره) في كتابه (المنتخب) : «حكي عن رجل كوفي حَدّاد قال : لما خرج العسكر من الكوفة لحرب الحسين بن علي عليهما السلام ، جمعت حديداً عندي وأخذت آلتي وسرت معهم ، فلما وصلوا وطنبوا خيمهم ؛ بنيت خيمة وصرت أعمل أوتاداً للخيم ، وسككاً ومرابط للخيل وأسنة للرماح وما إِعْوَجّ من سنان أو خنجر أو سيف ، كنت بكل ذلك بصيراً فصار رزقي كثيراً ، وشاع ذكري بينهم حتى أتى الحسين مع عسكره فإرتحلنا إلى كربلاء وخيمنا على

__________________

(٤٧٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٥ / ٣٠٦.

٣٨٦

شاطئ العلقمي ، وقام القتال فيما بينهم وحموا الماء عليه وقتلوه وأنصاره وبنيه ، وكان مدة إقامتنا وإرتحالنا تسعة عشر يوماً ، فرجعت غنياً إلى منزلي والسبايا معنا ، فعُرِضَتْ على عُبَيد الله فأمر أن يشهروهم إلى يزيد إلى الشام ، فلبثت في منزلي أياماً قلائل ، وإذا أنا ذات ليلة راقد على فراشي ، فرأيت طيفاً كأنّ القيامة قامت والناس يموجون على الأرض كالجراد إذ فقدت دليلها ، وكلهم دالع لسانه على صدره من شدة الظمأ ، وأنا أعتقد أنّ فيهم أعظم مني عطشاً ؛ لأنّه كلّ سمعي وبصري من شدته ، هذا غير حرارة الشمس تغلي منها دماغي ، والأرض تغلي كأنّها القير إذ أشعل تحته نار ، فخلت أنّ رجلي قد تقلعت قدماها ، فوالله العظيم لو أنّي خيرت بين عطشي وتقطيع لحمي حتى يسيل دمي لأشربه ؛ لرأيت شربه خيراً من عطشي ، فبينما أنا في العذاب الأليم والبلاء العميم ، إذ أنا برجل قد عَمّ الموقف نوره وابتهج الكون بسروره ، راكب على فرس وهو ذو شيبة قد حفت به الوف من كل نبي ووصي وصديق وشهيد وصالح ، فمَرّ كأنّه ريح أو سيران فلك ، فمرت ساعة وإذا أنا بفارس على جواد أعزّ ، له وجه كتمام القمر تحت ركابه الوف إن أمر ائتمروا ، وإن زجر إنزجروا ، فإقشعرت الأجسام من لفتاته ، وإرتعدت الفرائص من خطواته ، فتأسفت عن الأول ما سألت عنه خيفة من هذا ، وإذا به قد قام في ركابه وأشار إلى أصحابه وسمعت قوله خذوه ، وإذا بأحدهم قابض بعضدي كلبة حديد خارجة من الناس ، فمضي بي إليه فخلت كتفي اليمنى قد إنقلعت ، فسألته الخفة فزادني ثقلاً ، فقلت له : سألتك بمن أمرك عليّ من تكون؟ قال : ملك من ملائكة الجبار. قلت : ومن هذا؟ قال : علي الكَرّار. قلت : والذي قبله؟ قال : محمد المختار. قلت : والذين حوله؟ قال : النبيون والصديقون

٣٨٧

والشهداء والصالحون والمؤمنون. قلت : أنا ما فعلت حتى أمّرَك عليّ؟ قال : إليه يرجع الأمر ، وحالك حال هؤلاء. فحققت النظر وإذا بعمر بن سعد ، أمير العسكر وقوم لم أعرفهم ، وإذا بعنقه سلسلة من حديد والنار خارجة من عينيه وأذنيه ، فأيقنت بالهلاك وباقي القوم منهم مغلل ، ومنهم مقيد ومنهم مقهور بعضده مثلي ، فبينما نحن نسير وإذا برسول الله الذي وصفه الملك جالس على كرسي عال يزهو ، أظنه من اللؤلؤ ورجلين ذي شيبتين بهيتين عن يمينه ، فسألت الملك عن الرجلين؟ فقال : آدم ونوح. وإذا برسول الله يقول : ما صنعت يا عليّ؟ قال : ما تركت أحداً من قاتلي الحسين إلا وأتيت به. فحمدت الله تعالى بأني لم أكن منهم ورَدّ إليّ عقلي ، وإذا برسول الله يقول : قدموهم! قدموهم إليه وجعل يسألهم ويبكي ويبكي كل من في الموقف لبكائه ، لأنّه يقول للرجل : ما صنعت بطف كربلاء بولدي الحسين؟ فيجيب : يا رسول الله ، أنا حميت الماء عليه ، وهذا يقول : أنا قتلته. وهذا يقول : أنا سلبته. وهذا يقول : أنا وطأت صدره بفرسي ، ومنهم يقول : أنا ضربت ولده العليل. فصاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : وا ولداه ، واقلة ناصراه ، وا حسيناه وا علياه ، هكذا صدر عليكم بعدي أهل بيتي ، انظر يا أبي يا آدم ، انظر يا أخي يا نوح كيف أخلفوني في ذريتي؟ فبكوا حتى إرتج المحشر ، فأمر بهم زبانية جهنم يجرونهم أولاً فأولاً إلى النار ، وإذا بهم قد أتوا برجل فسأله قال : ما صنعت شيئاً ، قال : أما أنت نجار؟ قال : صدقت يا سيدي ، لكني ما علمت شيئاً إلا عموداً لخيمة الحصين بن نمير ؛ لأنّه إنكسر من ريح عاصف فوصلته. فبكى صلى الله عليه وآله وسلم وقال : كَثّرت السواد على ولدي خذوه للنار وصاحوا : لا حكم إلا لله ولرسوله ووصيه. قال الحدّاد : فأيقنت بالهلاك. فأمرني فقدموني ، فاستخبرني

٣٨٨

فأخبرته ، فأمرني إلى النار ، فلما سحبوني إلا وإنتبهت ، وحكيت لكل من لقيته ، وقد يبس لسانه ومات نصفه ، وتبرأ كل من يحبه ومات فقيراً لا رحمه الله تعالى : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) [الشعراء / ٢٧] ...» (٤٧٥).

__________________

(٤٧٥) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : المنتخب ، ج ١ / ١٩٠ ـ ١٩٢ (المجلس التاسع ـ الباب الثالث).

٣٨٩
٣٩٠

نتائج

تساؤلات البحث

٣٩١
٣٩٢

بعد الإنتهاء من البحث ، يأتي دور الإجابة على التساؤلات المذكورة في بدايته ، وهي كالتالي :

السؤال الأول : نقرأ ونسمع الكثير من القصص الدينية ، التي يدعي علماء الإسلام أنّ لها فوائداً في حياة الإنسان ، فهل هذه الدعوى صحيحة من الناحية العلمية أم لا؟

تمهيد :

والجواب على هذا السؤال يحتاج إلى بيان ما يلي :

ليس كل ما يُسمى بالقصص الدينية صحيح ويُؤخذ به ؛ إذ هناك بعض العلوم يستفاد منها في معرفة الصحيح من غيره ، ومن أهم تلك العلوم عِلمَيّ الرجال والدِرَاية ، وموضوع علم الرجال : هو دراسة وفهم الراوي ، من حيث إتصافه بشرائط قبول خبره وعدمه ، وموضوع علم الدراية : هو معرفة الصحيح من الحديث عن سقيمه ، والمقبول من المردود سنداً كان أو متناً. إذن ، فكل قصة تنسب إلى الدين تحتاج إلى هذه الدراسة التي أشرنا إليها ، سواء كانت في العقائد أو الأحكام أو غير ذلك مما ينسب إلى الدين.

وبعد التسليم بصحة القصص الدينية ، فلا ينبغي عرض كل قصة على البحث العلمي الحديث ؛ إذ الدين ليس مادياً بحثاً ، حتى نلجئ في كل شيء فيه إلى البحث والتجربة العلمية المعاصرة ، بل يرجع إلى أمر السماء والوحي الإلهي ، وهذا أمر غيبي ؛ وهو المعبّر عنه ، بما وراء الطبيعة. أو كما يقول وحيد الدين خان : «بأنّ الدين ليس (مادياً) ، بل فوق المادة ، وبناء على ذلك ليس للعلوم المادية أن تعترض طريق الدين» (٤٧٦). ومن هناك يأتي دور الإعتقاد

__________________

(٤٧٦) ـ خان ، وحيد الدين : الإسلام يتحدى / ٢٣.

٣٩٣

بالمعجزات والكرامات ، وما يترتب على ذلك من النقاش حول وجود هذه العقيدة عند معتنقيها ، أو نفيها عند من يراها خرافة ، وبعد هذا التمهيد ، ندخل في دراسة هذا الموضوع المعبّر عنه بـ(المعجزات) ؛ حيث أنّ كثيراً من القصص الدينية لها إرتباط به ، ويمكن دراسته كالتالي :

١ ـ تعريف المعجزة :

هي فعل خارق للعادة ، يعجز البشر عن الإتيان بمثله ، مقروناً بدعوى النبوة ، موافقاً للدعوى. ويمكن إيضاح هذا التعريف ، بأنّ النبوة وظيفة مرموقة ، لها قيمتها الكبرى وسلطانها الروحي النافذ ، مما يحفز المشعوذين على إدّعَائها زَيفَاً وباطلاً ، ويترتب على ذلك إلتباس الصادق بالكاذب ، فيعتذر تشخيص صاحبها الشرعي ، من أجل ذلك لا بد لمدعي النبوة إثبات دعواه بأمر خارق للعادة ، يعجز البشر عن تزويره ومحاكاته ، ويكون موافقاً لدعواه المعجزة التي تحداهم بها ، بحيث لا يأتي بشيء مخالفاً لدعواه ؛ وهو المعبّر عنه بـ(المُكَذّبة) وهي : ما تكون مخالفة للدعوى فتكذب دعوى المدعي ؛ لوقوعها على خلاف ما أراد ، كما حصل لمسيلمة الكذاب ، فإنّه دعا لواحد العين ؛ فعميت عينه الصحيحة. ودعا لفور ماء البئر ؛ فجفّ ماؤها ، ومتى أظهر النبي المعجزة ؛ علمنا صحة نبوته وصدق دعواه.

٢ ـ أنواع المعجزة :

نقل الشيخ عبد الواحد المظفر (ره) عن المارودي الشافعي في (أعلام النبوة ص ٢٠٠) أنواع المعجزة كالتالي :

٣٩٤

الأول ـ ما يخرج جنسه عن قدرة البشر ؛ كإختراع الأجسام ، وقلب الأعيان ، وإحياء الموتى ، فقليل هذا وكثيره معجز ؛ لخروج قليله عن القدرة كخروج كثيره.

الثاني ـ ما يدخل من جنسه في قدرة البشر ، لكن يخرج مقداره عن قدرة البشر ، كطي الأرض البعيدة في المدة القريبة ، فيكون معجزاً لخرق العادة. واختلف المتكلمون في المعجز منه ، فعند بعضهم أنّ ما خرج عن القدرة منه يكون هو المعجز خاصة ، لا إختصاصه بالمعجز. وعند آخرين منهم في جميعه يكون معجزاً ؛ لإتصاله بما لا يتميز منه.

الثالث ـ ظهور العلم بما خرج عن معلوم البشر ، كالأخبار بحوادث الغيوب فيكون معجزاً بشرطين :

أحدهما ـ أن يتكرر حتى يخرج عن حَدّ الإتفاق.

الثاني ـ أن يتجرد عن سبب يستدل به عليه.

الرابع ـ ما خرج نوعه عن مقدور البشر وإن دخل في جنسه في مقدور البشر ، كالقرآن في خروج إسلوبه عن أقسام الكلام فيكون معجزاً بخروج نوعه عن القدرة ، فصار جنساً خارجاً عن القدرة ، ويكون المعجز مع القدرة على آلته من الكلام ليبلغ في المعجز.

الخامس ـ ما يدخل في أفعال البشر ويفضي بخروجه عن مقدار البشر ، كالبرء الحادث من المرض ، والزرع الحادث عن البذر ، فإنّ برء المزمن لوقته ، وإستحصاد الزرع المتأكل قبل أوانه ، كأن يخرق العادة معجزاً لخروجه عن القدرة.

٣٩٥

السادس ـ عدم القدرة عما كان داخلاً في القدرة ؛ كإنذار الناطق بعجزه عن الكلام ، وإخبار الكاتب بعجزه عن الكتابة ، فيكون معجزاً يختص بالعاجز لا يتعداه ؛ لأنّه على يقين من عجزه وليس على يقين من عجزه.

السابع ـ إنطاق حيوان أو حركة جماد ، فإن كان بإستدعائه أو عن إشارته كان معجزاً له ، وإن ظهر بغير إستدعاء ولا إشارة لم يكن معجزاً له وإن خرق العادة ؛ لأنّه ليس إختصاصه به أولى من إختصاصه بغيره ، وكان من نوادر الوقت وحوادثه.

الثامن ـ أظهار الشيء في غير زمانه ، كأظهار فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتا في الصيف ، وإن كان إستبقاؤهما في غير زمانهما ممكناً ، لم يكن معجزاً ، وإن لم يمكن إستبقاؤهما ؛ كان معجزاً سواء بدأ إظهاره أو طولب به.

التاسع ـ إنفجار الماء ، وقطع الماء المنفجر إذا لم يظهر بحدوثه أسباب من غيره ؛ فهو من معجزاته لخرق العادة به.

العاشر ـ إشباع العدد الكثير من الطعام اليسير ، وإروائهم من الماء القليل يكون معجزاً في حقهم ، وغير معجز في حق غيرهم لما قدمناه من التعليل ، وهذه الأقسام ونظائرها الداخلة في حدود الإعجاز متساوية الأحكام في ثبوت الإعجاز ، وتصديق مظهرها على ما إدعاه من النبوة» (٤٤٧).

__________________

(٤٤٧) ـ المظفر ، الشيخ عبد الواحد : بطل العلقمي ، ج ٣ / ٣٩٧ ـ ٣٩٨.

٣٩٦

٢ ـ إنكار المعجزة :

إنّ العلماء في المختبرات وغيرها يبحثون كشف الروابط بين العلل المادية ومعاليلها ، فيصطدمون بعنوان المعجزة والكرامة الواردة في الكتب السماوية ، فعلى سبيل المثال : أنّ موسى عليه السلام ألقى عصاه ، فانقلبت حَيّة تسعى ، وعيسى عليه السلام كان يمسح بيده على المرضى فيبرؤون. وأنّ الحصى سَبّحت في كفّ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فمن لاحظ هذه المعاجز ؛ يقف حائراً ويقول : ما علاقة العصا بالثعبان الذي يتولد من ال بيضة بعد مرورها بمراحل وأدوار؟

وما علاقة يد النبي عيسى عليه السلام بعلاج الأمراض المختلفة في لحظة من الزمن؟

وكيف تنطق الحصى من دون لسان وحنجرة وفم ، وهكذا في بقية معاجز الأنبياء؟

فالنتيجة التي توصلوا إليها : أنّ ظهور المعاجز بهذا الشكل على الطبيعة ، مع عدم علل مادية. ويمكن مناقشة هذا الإنكار بما يلي :

أولاً ـ مناقشة أساس الفكرة :

١ ـ هناك خلط ولبس عند أصحاب هذه الدعوى ؛ إذ هم يَدّعون أنّ المعجزة معلول بلا علة ، وهذا لا يقول به أحد ممن يعتقد بنسبة المعاجز إلى الأنبياء ، وإنما المنفي في مورد المعجزة هو العلل المادية المتعارفة ، التي يأنس بها الفكر البشري ، ولكن قد يكون للمعجزة علّة لا يعرفها الفكر البشري ، ولم تقف عليها التجربة. وبهذا إتضح لنا الفرق بين كون المعجزة ظاهرة إتفاقية لا تستند إلى علة أبداً ، وبين كونها ذات علّة غير معروفة عند البشر.

٣٩٧

٢ ـ إنّ المعاجز حادث بقدرة الباري عَزّ وجَلّ ونواميسه المجهولة ، التي يستحيل على الخلق محاكاتها وإدراك أسرارها ، وبهذا تتميز عن الإختراعات العلمية تميزاً واضحاً. ومن الأمثلة على ذلك ما يلي :

«إستطاع الإنسان أن يغور في الغواصات إلى أعماق البحار ، ويمكث في أغوار لججها أياماً عديدِة ، متذرعاً إلى ذلك بالوسائل العلمية ال حديثة. أما بقاء ذي النون عليه السلام في بطن الحوت وأغوار البحر محروماً من نسيم الهواء ، وعرضة للهضم والتلاشي في جوفها ، كما تتلاشى فيه الأغذية ، فهو سر إعجازي يعجز الإنسان عن إدراك كنهه ، وهكذا إستطاعت حضارة القرن العشرين أن ترتاد الفضاء الخارجي ، وتُحلق إلى سطح القمر ، مستخدمة في ذلك طاقاتها العلمية ووسائلها الفنية. أما المعجزة الخارقة ؛ فهي التي حققها الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم بعروجه إلى قمم السماء ، مجرداً من جميع الأجهزة والوسائل العلمية ، إلا الوسائل الإلهية المعجزة التي بلغته ذلك المستوى الأرفع ، الذي يقصر الإنسان عن إدراكه والتطلع إليه» (٤٧٨).

٣ ـ إعتراف علماء الغرب بعجزهم عن الوصول إلى كل أسرار الكون نذكر منهم ما يلي :

البروفسور (سيسيل بايس هامان) ـ أستاذ أمريكي في البيولوجيا قال : «إنّ الطبيعة لا تفسر شيئاً من الكون ، وإنما هي نفسها بحاجة إلى تفسير». ف لو أنك سألت طبيباً : ما السبب وراء إحمرار الدم؟ لأجاب : لأنّ الدم خلايا حمراء ، حجم كل خلية منها ٧٠٠ / ١ من البوصة!

ـ حسناً ، ولكن لماذا تكون هذه الخلايا حمراء؟

__________________

(٤٧٨) ـ الصدر ، السيد مهدي : أصول العقيدة ، ج ٢ / ٧٩ ـ ٨٠.

٣٩٨

ـ في هذه الخلايا مادة تسمى (الهميوجلوبين) ؛ وهي مادة تحدث لها الحمرة حين تختلط بالأوكسجين في القلب.

ـ هذا جميل. ولكن من أين تأتي هذه الخلايا التي تحمل الهميوجلوبين؟

ـ إنّها تصنع في كبدك.

ـ عجيب! ولكن كيف ترتبط هذه الأشياء ا لكثيرة من الدم والخلايا والكبد وغيرها ، بعضها ببعض إرتباطاً كلياً ، وتسير نحو أداء واجبها المطلوب بهذه الدقة الفائقة؟

ـ هذا ما نسميه بقانون الطبيعة.

ـ ولكن ما المراد بقانون الطبيعة هذا ، يا سيدي الطبيب؟

ـ المراد بها القنون : هو الحركات الداخلية العمياء للقوى الطبيعية والكيمياوِية.

ـ ولكن لماذا تهدف هذه القوى دائماً إلى نتيجة معلومة؟ وكيف تنظم نشاطها حتى تطير الطيور في الهواء ، ويعيش السمك في الماء ، ويوجد إنسان في الدنيا ، بجميع ما لديه من إلإمكانات والكفاءات العجيبة المثيرة؟

ـ لا تسألني عن هذا ، فإنّ علمي لا يتكلم إلا عن : (ما يحدث) ، وليس له أن يجيب : (لماذا يحدث؟) (٤٧٩).

ثم عَلّق على هذه الأسئلة وحيد الدين خان بقوله : «يتضح من هذه الأسئلة مدى صلاحية العلم الحديث لشرح العلل والأسباب وراء هذا الكون ولا شك أنّه قد أبان لنا عن كثير من الأشياء التي لم تكن على معرفة بها ، ولكن الدين جواب لسؤال آخر لا يتعلق بهذه الكشوف العلمية ، فلو أنّ هذه الكشوف

__________________

(٤٧٩) ـ خان ، وحيد الدين : الإسلام يتحدى / ٣٢ ـ ٣٤.

٣٩٩

زادت مليون ضعف عنها اليوم ، فسوف تبقى الإنسانية بحاجة إلى الدين ، إنّ جميع هذه الكشوف (حلقات ثمينة من السلسلة) ، ولكن ما يحل محل الدين لا بد أن يشرح الكون شرحاً كلياً وكاملاً ، فما الكون على حاله هذه إلا كمثل ماكينة تدور تحت غطائها ، لا نعلم عنها إلا أنّها (تدور) ، ولكنا لو فتحنا غطاءها ؛ فسوف نشاهد كيف ترتبط هذه الماكينة بدوائر وتروس كثيرة ، يدور بعضها ببعض ، ونشاهد حركاتها كلها ، هل معنى هذا أننا قد علمنا خالق هذه الماكينة بمجرد مشاهدتنا لما يدور بدورها ذاتياً؟ هل يفهم منطقياً أنّ مشاهدتنا هذه أثبتت أنّ الماكينة جاءت من تلقاء ذاتها ، وتقوم بدورها ذاتياً؟ لو لم يكن هذا الإستدلال منطقياً ، فكيف إذن نثبت بعد مشاهدة بعض عمليات الكون ـ أنّه جاء تلقائياً ، ويتحرك ذاتياً؟

لقد إستغل البروفيسور هيرز (A. Harris) هذا الإستدلال حين نقد فكرة داروين عن النشوء والإرتقاء ، فقال : «إنّ الإستدلال بقانون الإنتخاب الطبيعي يفسر عملية (بقاء الأصلح) ولكنّه لا يستطيع أن يفسر حدوث هذا الأصلح» (٤٨٠).

الدكتور ألكسيس كارليل :

«ليس من اللازم أن تكون الحقيقة بسيطة وقابلة للفهم ، فمن الممكن أن توجه حقائق في العالم لا نعلمها ، أو يستعصي علينا فهمها» (٤٨١).

__________________

(٤٨٠) ـ خان ، وحيد الدين : الإسلام يتحدى / ٣٢ ـ ٣٤.

(٤٨١) ـ مُروِّج الإسلام ، الشيخ علي أكبر : الكرامات الرضوية ، ج ١ / ٣٥.

٤٠٠