تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٣

الشيخ أمين حبيب آل درويش

تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أمين حبيب آل درويش


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥١
  الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣

من القتل. قالت : نعم أفعل ذلك إذا أنت من يسمع مقالي ، فأمر باحضار الناس ، فلما إجتمعوا ؛ قامت قائمة على قدميها وقالت : يا معشر من حضر ، إنّ هذا يزيد بن معاوية قد أمرني أن أسب علي بن أبي طالب وعترته ، فانصتوا لما أقول : ألا أنّه لعنة الله ، ولعنة اللاعنين ، والملائكة والناس أجمعين على يزيد وأبيه وجده أبي سفيان ، وحزبه وأتباعه إلى يوم الدين. قال : فلما سمع الناس كلامها ؛ غضب يزيد (لع) غضباَ شديداً ، وقال : من يكفيني أمرها؟ فقام إليها رجل من أهل الشام ، فضربها ضربة جَدّلها صريعة ، فإنتقلت إلى رحمة الله تعالى» (٤٥٤).

أقول : لَعَلّ القارئ النبيل ، يلاحظ إختلافاً بين الروايتين ، فقد يكون ذلك راجعاً إلى أنّ هذه المرأة التي في الرواية السابقة ، فعلى هذا تكون إمرأتان لا إمرأة واحدة.

٣ ـ زوجة شمر (لع) :

ذكر الشيخ محمد مهدي الحائري في كتابه «معالي السبطين» : «وفي كتاب «التبر المذاب» : أنّ حامل الرأس الشريف إلى الكوفة ، شمر بن ذي الجوشن. وفيه لما حمل الشمر رأس ال حسين عليه السلام ؛ جعله في مخلاة وذهب به إلى منزله فوضعه على التراب وجعل عليه إجانة ، فخرجت إمرأته ليلاً ـ وكانت صالحة ـ فرأت نوراً ساطعاً عند الرأس إلى عنان السماء ، فجاءت إلى الإجانة فسمعت أنيناً من تحتها ، فجاءت إلى شمر (لع) وقالت : رأيت كذا وكذا ، فأي شيء تحت الإجانة؟ قال لعنه الله : رأس خارجي قتلته وأريد أذهب به إلى يزيد (لع) ليعطيني عليه مالاً كثيراً. قالت : ومن يكون؟ قال (لع) : الحسين بن علي.

__________________

(٤٥٤) ـ الدربندي ، الشيخ آغا بن عابد الشيرواني : أسرار الشهادات ، ج ٣ / ٦٤١ ـ ٦٤٢.

٣٦١

فصاحت وخَرّت مغشية فلما أفاقت قالت : يا شَرّ المجوس ، أما خفت من إله الأرض والسماء ، قتلت ابن بنت رسول الله ، وابن علي المرتضى ، ثم خرجت من عنده باكية ورفعت الرأس وقبلته ووضعته في حجرها ، ودعت نساء يساعدنها بالبكاء عليه وقالت : لعن الله قاتلك. فلما جَنّ الليل غلبها النوم ، فرأت كأنّ الحائط قد إنشق بنصفين ، وكأنّ البيت قد غشيه نور ، وجاءت سحابة فإذا فيها إمرأتان فأخذتا الرأس ، فسألت عنهما فقيل : إنّهما خديجة وفاطمة عليهما السلام. ثم رأت رجالاً وفي وسطهم إنسان وجهه كالقمر ليلة تمامه وكماله ، فسألت عنه. فقيل : محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وعن يمينه حمزة وجعفر وأصحابه ، فبكوا وقَبّلُوا الرأس ، ثم جاءت خديجة وفاطمة عليها السلام إلى إمرأة شمر (لع) ، وقالتا : تمني ما شئت فإنّ لك مِنّة ويداً بما فعلت ، فإن أردت أن تكوني من رفقائنا في الچنّة ؛ فأصلحي أمرك فإنّا منتظروك ، فإنتبهت من النوم ورأس الحسين عليه السلام في حجرها ، فجاء شمر (لع) لطلب الرأس فلم تدفعه إليه ، وقالت له : يا عدو الله طَلّقْنِي فإنّك يهودي ، والله لا أكون معك أبداً فطلقها ، فقالت : والله لا أدفع إليك هذا الرأس ، أو تقتلني. فضربها ضربة كانت منيتها فيها ، وعَجّل الله بروحها إلى الجنة» (٤٥٥).

٤ ـ زوجة خَوْلِي الأصبحي (النّوَار بنت مالك) :

«روي : أنّ عبيد الله بن زياد (لع) ، بعدما عرض عليه رأس ال حسين عليه السلام دعا بخولي بن يزيد الأصبحي (لع) وقال له : خذ هذا الرأس حتى أسألك عنه فقال : سمعاً وطاعة فأخذ الرأس وإنطلق به إلى منزله ، وكان له إمرأتان : إحداهما ثَعْلَبِيّة ، والأخرى مَضَرِيّة ، فدخل على المضرية فقالت : ما هذا؟

__________________

(٤٥٥) ـ الحائري ، الشيخ محمد مهدي : معالي السبطين ، ج ٢ / ٩٣ ـ ٩٤.

٣٦٢

فقال : هذا رأس الحسين بن علي عليهما السلام ، وفيه ملك الدنيا. فقالت له : إبشر فإنّ خصمك غداً جده محمد المصطفى ؛ ثم قالت : والله لا كنت لي ببعل ، ولا أنا لك بأهل ، ثم أخذت عموداً من حديد وأوجعت به دماغه ، فانصرف من عندها وأتى به إلى الثعلبية ؛ فقالت : ما هذا الرأس الذي معك؟ قال : رأس خارجي خرج على عبيد الله بن زياد. فقالت : وما إسمه؟ فأبى أن يخبرها ما إسمه ، ثم تركه على التراب وجعل عليه إجانة ، قال : فخرجت إمرأته في الليل فرأت نوراً ساطعاً من الرأس إلى عنان السماء ، فجاءت إلى الإجانة فسمعت أنيناً وهو يقرأ إلى طلوع الفجر ، وكان آخر ما قرأ (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) [ابراهيم / ٤٢] ، وسمعت حول الرأس دوي كدوي الرعد ، فعلمت أنّه تسبيح الملائكة ، فجاءت إلى بعلها وقالت : رأيت كذا وكذا ، فأي شيء تحت الإجانة؟ فقال : رأس خارجي قتله الأمير عبيد الله بن زياد ، وأريد أذهب إلى يزيد بن معاوية ليعطيني عليه مالاً كثيراً قالت : ومن هو؟ قال الحسين بن علي. فصاحت وخَرّت مغشية عليها ، فلما أفاقت قالت : يا ويلك يا شَرّ المجوس ، لقد آذيت محمداً في عترته ، أما خفت من إله الأرض والسماء حيث تطلب الجائزة على رأس ابن سيدة نساء العالمين ، ثم خرجت من عنده باكية ، فلما قام رفعت الرأس ابن سيدة نساء العالمين ، ثم خرجت من عنده باكية ، فلما قام رفعت الرأس وقبلته ووضعته في حجرها ، وجعلت تقبله وتقول : لعن الله قاتلك وخصمه جدك المصطفى ، فلما جَنّ الليل ؛ غلب عليها الليل فرأت كأنّ البيت قد إنشق بنصفين وغشيه نور ، فجاءت سحابة بيضاء فخرج منها إمرأتان فأخذتا الرأس من حجرها وبكتا ، قالت : فقلت لهما : بالله من أنتما؟ قالت إحداهما : أنا خديجة بنت خويلد ، وهذه إبنتي فاطمة

٣٦٣

الزهراء ، ولقد شكرناك وشكر الله لك عملك ، وأنت رفيقتنا في درجة القدس في الجنة. قال : فانتبهت من النوم والرأس في حجرها ، فلما أصبح الصبح ، جاء بعلها لأخذ الرأس ، فلم تدفعه إليه وقالت : ويلك طَلّقْنِي فوالله لا جمعني وإياك بيتاً. فقال : إدفعي لي الرأس وإفعلي ما شئت. فقلت : لا والله لا أدفعه إليك ، فقتلها وأخذ الرأس ، فَعَجّل الله بروحها إلى الجنة بجوار سيدة النساء» (٤٥٦).

٥ ـ رأس الجَالُوت :

ذكر الشيخ محمد باقر المجلسي (قده) في كتابه (بحار الأنوار) قصة رأس الجالوت كالتالي :

«وروي عن زين العابدين عليه السلام : أنّه لما أتي برأس الحسين إلى يزيد ، كان يتخذ مجالس الشراب ، فحضر في مجلسه ذات يوم رسول ملك الروم ، وكان من أشراف الروم ، فقال : يا ملك العرب هذا رأس من؟ فقال له يزيد : مالك ولهذا الرأس؟ فقال :إنّي إذا رجعت إلى ملكنا يسألني عن كل شيء رأيته ، فأحببت أن أخبره بقصة هذا الرأس وصاحبه حتى يشاركك في الفرح والسرور.

فقال له يزيد : هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب. فقال الرومي : ومن أمه؟ فقال : فاطمة بنت رسول الله. فقال النصراني : أُفٍ لك ولدينك لي دين أحسن من دينك ، إنّ أبي من حوافد داود عليه السلام ، وبيني وبينه آباء كثيرة ، والنصارى يعظموني ويأخذون من تراب قدمي تبركاً بأبي من حوافد داود ، وأنتم تقتلون ابن بنت رسول الله ، وما بينه وبين نبيكم إلا أمّ واحدة؟ فأي دين دينكك؟١

__________________

(٤٥٦) ـ البحراني ، السيد هاشم : مدينة المعاجز ، ج ٢ / ٣٥٩ ـ ٣٦٠.

٣٦٤

ثم قال ليزيد : هل سمعت حديث كنيسة الحافر؟ فقال له : قل حتى أسمع. فقال : بين عُمَان والصين بحر مسيرة سنة ، ليس فيها عمران إلا بلدة واحدة في وسط الماء ، طولها ثمانون فرسخاً في ثمانين ، ما على وجه الأرض بلدة أكبر منها ، ومنها يحمل الكافور والياقوت ، أشجارهم العود والعنبر ، وهي في أيدي النصارى ، لا ملك لأحد من الملوك فيها سواهم ، وفي تلك البلدة كنائس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر في مرحباها حقّة ذهب معلقة ، فيها حافر يقولون إنّ هذا حافر حمار كان يركبه عيسى وقد زَيّنوا حول الحُقّة بالذهب والدِّيباج ، يقصدها في كل عام عالم من النصارى ، ويطوفون حولها ويقبلونها ويرفعون حوائجهم إلى الله تعالى ، هذا شأنهم ودأبهم بحافر حمار يزعمون أنّه حافر حمار يركبه عيسى نبيهم ، وأنتم تقتلون ابن بنت نبيكم؟ فلا بارك الله تعالى فيكم ولا في دينكم. فقال يزيد : إقتلوا هذا النصراني لئلا يفضحني في بلاده ، فلما أحس النصراني بذلك قال له : تريد أن تقتلني؟ قال : نعم. قال : اعلم أنّي رأيت البارحة نبيكم في المنام يقول لي : يا نصراني أنت من أهل الجنة. فتعجبت من كلامه! وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم وثب إلى رأس الحسين فضّمّه إلى صدره ، وجعل يقبله ويبكي حتى قتل» (٤٥٧) ..

٦ ـ الخَلِيعِي الموصلي :

أبو الحسن ، جمال الدين ، علي بن عبد العزيز الخليعي الحائري الحلي ، الشاعر الأديب المعروف ، المتوفى سنة (٧٥٠ هـ) في الحِلّة. ولد من أبوين ناصبيين.

__________________

(٤٥٧) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٥ / ١٤١ ـ ١٤٢.

٣٦٥

قصة تشيعه :

والقصة كما ذكرها العلماء والمؤرخون ، تتلخص فيما يلي :

إنّ والديه ناصبيين ، ولم يكن لهما ولد ذكر ، فنذرت أمه إن ولد لها ذكر تبعثه لقطع الطريق السابلة من زوّار الإمام الحسين بن علي عليهما السلام ، من أهل جبل عامل الذين يعبرون الموصل ، فولد لها المترجم ، فلما بلغ أشدّه إبتعثته إلى جهة نذرها ، فلما بلغ إلى نواحي (المسَيّب) بمقربة من كربلاء المشَرّفة ، ينتظر قدوم الزائرين فإستولى عليه النوم ، وإجتازت عليه القوافل ، فأصابه الغبار ، فرأى فيما يراه النائم أنّ القيامة قد قامت وأمر به إلى النار ولكنها لم تمسه ، لما عليه من ذلك الغبار ، فانتبه مرتدعاً عن نيته السيئة ، وإعتنق ولاء العترة ، ذهب إلى كربلاء خلف الزائرين يعتذر من سيد الشهداء ، ونظم هذين البيتين :

إذا شئت النجاة فزر حسيناً

لكي تلقى الإله قرير عين

فإنّ النار ليس تمس جسماً

عليه غبار زوار الحسين

وقد إعتنى الشعراء بهذين البيتين تخميساً لهما ، نذكر منهم ما يلي :

١ ـ الشاعر المبدع الحاج مهدي الفلوجي الحلي ، المتوفى سنة (١٣٥٧ هـ) :

أراك بحيرة ملأئكَ رَيْنا

وشَتّتك الهوى بيناً فبينا

فطب نفساً وقر بالله عيناً

(إذا شئت النجاة فزر حسينا

لكي تلقى الإله قرير عين)

إذا علم الملائكُ منك عزماً

تروم مزارهَ كتبوك رسماً

وحُرِّمتِ الجحيمُ عليك حتماً

(فإنّ النار ليس تمس جسماً

عليه غبار زوّار الحسين) (٤٥٨)

__________________

(٤٥٨) ـ الأميني ، الشيخ عبد الحسين : الغدير ، ج ٦ / ١٢ ـ ١٣.

٣٦٦

٣ ـ الخطيب الملا عبد العزيز الناصر السّيَهاتِي القطيفي ، المتوفى في ٣٠ / ٧ / ١٤٠٦ هـ.

تَمسّك بالحسين تكن أمينا

ولِذْ بالقبّة النورا حزينا

وكنْ بالحزن مشتغلاً رهينا

(إذا شئت النجاة فزر حسينا

غداً تلقى الإله قرير عين)

إذا جاب (٤٥٩) الزمان عليك هماً

فزر من قد حوى شرفاً وعلماً

بهذا أوعد الرحمن حتماً

(بأنّ النار ليس تمس جسماً

عليه غبار زوار الحسين) (٤٦٠)

٣ ـ وشَطّر هذين البيتين آية الله الشيخ علي الجشي ال قطيفي (٤٦١).

(إذا شئت النجاة فزر حسيناً)

ففيه نجاو مَنْ في العالمين

وأحسن في حبيب الله ظناً

لكي تلقى الإله قرير عين

(فإنّ النار ليس تَمسُّ جسماً

غذاه حب سرّ النشأتين

بل الأنوار تطفي النار عن مَن

(عليه غبار زوّار الحسين) (٤٦٢)

__________________

(٤٥٩) ـ وعلى رواية أخرى : (إذا جلب الزمان عليك هَمّاً).

(٤٦٠) ـ نقلت هذه الأبيات عن الفاضل الشيخ منصور السلمان الجشي ، والخطيب الملا عارف سنبل.

(٤٦١) ـ العلامة الفقيه الورع آية الله الشيخ علي بن حسن الجشي القطيفي ، ولد به ليلة ١٧ / ٩ / ١٢٩٦ هـ حصل على إجازة الإجتهاد من فقيه عصره السيد محسن الحكيم (قده) عام ١٣٥٩ هـ ، ورجع من النجف الأشرف عام ١٣٦٧ هـ. ـ إلى القطيف ، وتولى منصب القضاء للمحكمة الشرعية الجعفرية بالقطيف ، ، إلى أن وافاه الأجل في آخر نهار يوم الثلاثاء ١٥ / ٤ / ١٣٧٦ هـ. ودفن بمقبرة الحَبّاكة.

(٤٦٢) ـ الجشي ، الشيخ علي : الشواهد المنبرية / ٥٣ ـ ٥٤.

٣٦٧

بحث حول هذه القصّة :

إستشكل بعض المفكرين في هذه القصة بقوله : «وعلى أساس مثل هذه الأرضية ، قامت الأساطير والخرافات ، وصارت تروى الحكايات الخرافية ، فقيل ـ مثلاً ـ : إنّ رجلاً من قُطّاع الطرق المعروفين ، والمشتهرين بالسرقة والنصب والإحتيال وقتل المؤمنين ، والإغارة على أموال الناس ، صادف أن كمن يوماً لقافلة من المؤمنين ، ممن كانوا يقصدون زيارة الحسين ، وأخذته الغفوة ، فمَرّت من جانبه دون أن ينتبه ، ولما أفاق كانت قد إبتعدت عنه القافلة كثيراً ، وإذا به يُحدِّث أنّه رأى في المنام : أنّ يوم القيامة قد حان ، وإنّه لما أخذ بيده إلى النار نتيجة الأعمال الكبيرة التي إرتكبها طوال حياته ، وليأخذ جزاءه المنصوص عليه في القرآن الكريم : (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم) [المائدة / ٣٣]. رفضت النار إستقباله ، وجاء الأمر بارجاعه ؛ ذلك أنّه قد أصابه من غبار الحسين شيء ، وهو من تلك الغفوة!! وهكذا نظموا :

فإن شئت النجاة فزر حسيناً

لكي تلقى الإله قرير عين

فإنّ النار ليس تَمسُّ جسماً

عليه غبار زوّار الحسين

وإذا كان غبار زوار الحسين كافياً لأن ينجي القاتل ، والمجرم من عذاب يوم الآخرة ، وينقذه من نار جهنم ، فما بالك بجزاء زوار الحسين أنفسهم! حتماً سيكونون أرفع مقاماً من إبراهيم الخليل!» (٤٦٣).

__________________

(٤٦٣) ـ المطهري ، الشيخ مرتضى : الملحمة الحسينية ، ج ٣ / ٢٤١ ـ ٢٤٢.

٣٦٨

مناقشة هذا النصّ :

يمكن التركيز في هذا النصّ المذكور على شيئين :

الأول ـ صحيح أنّ القُصّاص لعبوا دوراً كبيراً في نسخ القصص الخيالية والخرافية ، وذلك لنشر أفكارهم ومعتقداهم ، وإنّ القصة المذكورة مُحرّفة عن حقيقتها ؛ إذ جاءت على ألسن عامة الناس ، وهذا الشيء موجودا حتى في عالم الروايات ، ولكنّ المناقشة تتم في دعوى أنّها خرافية ، إعتماداً على نقل عامة الناس ، من دون مراجعة المصادر ، هذه مجازفة لا قيمة لها من الناحية التاريخية والعلمية ، لكن البحث العلمي الذي تطمئن إليه النفوس ، هو ما يلي :

أولاً ـ إنّ القصة الخيالية الخرافية لا واقع لها ، بل المصدر ال أساسي هو القُصّاص ، ومع هذا لا تخفى على العلماء وذوي الإختصاص! ولو سَلّمْنَا جدلاً أنّ القصة التي ذكرناها من هذا النوع من القصص الخرافية ، فهل هذا يخفى على الأعلام الذين ذكروا هذه القصة ، نذكر مهم التالي :

١ ـ القاضي الشيخ نور الله المرعشي (٩٥٦ هـ ـ ١٠١٩ هـ) ، في كتابه (مجالس المؤمنين ـ ج ٢ / ٥٥٥).

٢ ـ السيد حسن الحسيني الزنوزي الخوئي (١١٧٢ هـ ـ ..........) في كتابه (رياض الجنة).

٣ ـ الشيخ عبد الحسين الأميني (١٣٢٠ هأ ـ ١٣٩٠ هـ) في كتابه (الغدير ، ج ٦ / ١٢).

٣٦٩

٤ ـ الميرزا حسين النوري (١٢٥٤ هـ ـ ١٣٣٠ هـ) في كتابه (دار السلام ، ج ٢ / ١٤٩ ـ ١٥٠).

٥ ـ الشيخ محمد حرز الدين (١٢٧٣ هـ ـ ١٣٦٥ هـ) ، في كتابه (مراقد المعارف ، ج ١ / ٢٨١).

٦ ـ الشيخ عباس القمي (١٢٩٤ هـ ـ ١٣٥٩ هـ) في كتابه (الكنى والألقاب ، ج ٢ / ٢١٩).

هذه بعض المصادر التي ذكرت القصة المذكورة ، بل إنّ صاحب القصة له وجود ، وقد ترجموه واهتموا بشعره ، ومما قالوه فيه ما يلي :

(أبو الحسن ، جمال الدين ، علي بن عبد العزيز بن أبي محمد ، الخَلَعِي (الخليعي) ، الموصلي الحِلِّي ، شاعر أهل البيت عليهم السلام ، نظم فيهم فأكثر ، وسمي بـ(الخلعي أو الخليعي) لما يلي :

١ ـ لما دخل الحرم الحسيني المقدّس أنشأ قصيدة في الحسين عليه السلام وتلاها عليه ، وفي أثنائها وقع عليه ستار من الباب الشريف ، وسمي بالخلعي أو الخليعي) (٤٦٤).

٢ ـ جرت بينه وبين ابن حَمّاد الشاعر المعروف (٤٦٥) ، وحسب كل أنّ مديحه لأمير المؤمنين عليه السلام أحسن من مديح الآخر ، فنظم كل قصيدة وألقياها في الضريح العلوي المقدس محكمين الإمام عليه السلام ، فخرجت قصيدة الخليعي مكتوباً عليها بماء الذهب أحسنت. وعلى قصيدة ابن حَمّاد بماء الفضة ، فتأثر ابن حَمّاد وخاطب أمير المؤمنين عليه السلام بقوله : أنا محبك القديم ، وهذا حديث

__________________

(٤٦٤) ـ الأميني ، الشيخ عبد الحسين : الغدير ، ج ٦ / ١٣.

(٤٦٥) ـ علي بن الحسين ، بن حَمّاد الليثي الواسطي ، أحد شعراء أهل البيت المعروفين ، وعلم من أعلام الشيعة.

٣٧٠

العهد بولائك. ثم رأى أمير المؤمنين عليه السلام في المنام وهو يقول له : إنّك مِنّا ، وإنّه حديث عهد بأمرنا فمن اللازم رعايته) (٤٦٦).

سكن الحائر الحسيني ردحاً من الزمن ، وسكن الحِلّة إلى أن مات بها ، في حدود سنة (٧٥٠ هـ) ، ودفن بها وله هناك قبر معروف.

إذاً ، بعد كل ذلك ثبت لدينا أنّ القصة المذكورة لها مصدر ، وأنّ صاحبها له وجود في كتب التراجم ، فأين الخرافة والتحريف؟! وهل يخفى ذلك على هؤلاء العلماء المحققين؟!

الثاني ـ إنّ قوله : «وإذا كان غبار الحسين كافياً لا ينجي القاتل ، والمجرم من عذاب يوم الآخرة ، وينقذه من نار جهنم ، فما بالك بجزاء زوار الحسين أنفسهم!. حتماً سيكونون أرفع مقاماً من إبراهيم الخليل!».

والجواب على هذه الدعوى بما يلي :

أولاً ـ أنّ الخليعي منذ بداية شبابه أرسلته أمه لتفي بنذرها لقطع الطريق على زوار الحسين عليه السلام ، فلما وصل إلى المكان الذي يمرّ عليه الزوار ، نام ورأى الرؤيا ، فارتدع عن هذا العمل ـ وهي من الرؤيا المحذِّرة من الشيطان ، كما ذكرناها سابقاً في أقسام الرؤى ـ ولم تذكر القصة أنّه قتل المؤمنين.

ثانياً ـ إنّ زيارة الأئمة تعبيراً عن جليل مكانتهم ، وسيراً على منهجهم ، وتأكيداً على ولائهم ، وإحياءاً لذكرهم ، كما أنّ الزيارة في حقيتها وسيلة من وسائل التقرب إلى الله عَزّ وجَلّ ، فلا شك أنّ للزائرين جزيل الثواب كما ورد في الروايات ، فيقرب على ذلك أنّ التراب الذي يمشي

__________________

(٤٦٦) ـ المصدر السابق.

٣٧١

عليه الزُوّار ، له قيمته القُدْسِيّة ، ويكون من قبيل الجنة تحت أقدام الأمهات ، والجنّة تحت ظلال السيوف ، فكل شيء له إرتباط بعمل عبادي له قدسيته ، فالمستفاد من القصة أنّ الرؤيا تحذره من التعرض لزوار الحسين عليه السلام ، فإنّ لهم مكانة عند الله عَزّ وجَلّ ؛ فلذا ترابهم وغبارهم ينجي من النار ، كرامة لسيد الشهداء ومكانتة عند الباري عَزّ وجَلّ ، وهذا ما نراه مسطوراً في حياة الأعلام ، فإنّهم يُقَدّسُون كل من له إرتباط بسيد الشهداء ، نذكر من ذلك ما يلي :

١ ـ إستشفاء الفقيه الكبير المرحوم السيد حسين البروجردي بالتراب الموجود على أجسام المعزين.

٢ ـ إنّ من وصايا الفقيه الراحل سيد شهاب الدين المرعشي : «إني أوصيت أولادي ، وعليك أنّ تذكرهم في ليلة وفاتي ، أن يضعوني في الحسينية بجوار المنبر ، ويشدّون طرفاً من عمامتي بالمنبر ، والطرف الآخر بجنازتي ، لأكون دخيلاً على سيد الشهداء (عليه السلام) ، في ليلتي الأولى من وفاتي ، وفعلاً ذكرت بذلك للأولاد بعد رحلته ، وعملوا بوصيته ، جزاهم الله خيراً» (٤٦٧).

«وأوصيه أن يدفن معي ثوبي الأسود الذي كنت ألبسه في شهر محرم وصفر ، حزناً في مصائب آل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأوصيه أن يجعل على صدري في كفني المنديل الذي نشفت دمعاتي في رثاء جدي الحسين المظلوم ، وأهل بيته المكرمين ، سلام الله عليهم أجمعين» (٤٦٨).

__________________

(٤٦٧) ـ العلوي ، السيد عادل : قبسات من حياة سيدنا الأستاذ المرعشي / ١١٨ ـ ١١٩.

(٤٦٨) ـ نفس المصدر.

٣٧٢

٧ ـ الرجل النصراني :

ذكر الفقيه الشيخ الدربندي (قده) : «عن الشيخ الأجل الشيخ جواد ، عن أبيه الفاضل الأتقى الأورع الشيخ حسين أنّه قال : كان في زماننا رجل نصراني في البصرة ، وكان ذا أموال كثيرة وثروة وفبرة ، وكان في كثرة أمواله بمرتبة لا يحاذيه فيها أحد ، لا من تجار البصرة ولا من تجار بغداد ، فجمع أمواله وكل ما كان له من الأشياء النفيسة وغيرها فوضعها في سفينة وركبها مع من كان معه من خدامه وغلمانه ، وأراد المجيء إلى بغداد فلما جرت السفينة في الشط مدة ثلاثة أيام أو أزيد ؛ خرجت من جانب البر جماعة من اللصوص وقطاع الطرق من أشار الأعراب ، وأخذوا السفنية ونهبوا ما فيها من الأموال ، وقتلوا جمعاً من أهل السفينة ، ونجى الله تعالى ذلك التاجر النصراني من القتل ، إلا أنّه كان بما اُصيب به مسلوب الفؤاد ، ومنزوع العقل ، وواقعاً على وجهه في ناحية ، فلما جَنّ الليل مَرّ به واحد من أهل الحي الساكنين في قرب من ذلك الموضع ، فحرّكه من ذلك المكان ورفعه إلى الحي ، وأنزله في مضيف شيخ تلك القبيلة ، فلما إطلعوا على حاله وما جرى عليه تَرَحّمُوا عليه ، فكان الشيخ يكرمه ويُعزِّيه ويُصَبّره ، حتى بعد الإطلاع على كونه نصرانياً ، وذلك بالنظر إلى ما تقتضيه الغيرة والحمية ، وبملاحظة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (اكرموا الضيف ولو كان كافراً) ، فكان النصراني يُصبر نفسه ويُعزيها بالإئتلاف والإستيناس بذلك الشليخ وجماعة من رجال الحي ونساء القبيلة أن يروحوا إلى النجف الأشرف للتشرف بزيارة أمير المؤمنين عليه السلام ، فكان رواحهم إلى النجف على نمط المشاة والحفاة ، وقد جرت عادة أهل القبائل على ذلك ، أي على

٣٧٣

مسافرتهم إلى زيارة العتبات العاليات في أوقات الوقفات والزيارات المخصوصة على حالة كونهم مُشّاة حُفَاة ، والركبان منهم في سفر الزيارات في غاية القلة بالنسبة الى المشاة والحفاة ، وذلك أنّ أفواجهم في سفر الزيارات في غاية الكثرة وإن أكثرهم فاقدوا الإستطاعة للركوب على الخيول أو البغال أو الحمير ، وكيف كان ، فإنّ ذلك الرجل النصراني لما إطلع على ما أراد الشيخ وجماعة من أهل القبيلة ، هاجت أحزانه وتحركت غمومه وزادت همومه : قال الشيخ لا تحزن فإنّك في المضيف ، والباقون منا في الحي أكثر من المسافرين للزيارة.

قال النصراني : كنت مستأنساً بك ، ومزيلاً أحزاني بمصاحبتك ، وأخشى أن أهلك بعد فراقك من هيجان أحزاني ومراجعة همومي وغمومي ، فإن كنت تترحم عليّ فارض بمصاحبتي معك في هذا السفر.

قال الشيخ : لا وجه لسفرك معنا ، فإنّ الطريق بعيد ونحن مشاة حفاة ، فترضى بما نتحمله من التعب والنصب وإرتكاب الشدائد لأجل ما نرجوا من مثوبات جزيلة ودرجات عظيمة في الآخرة ، وأنت رجل نصراني غير معتقد بما نحن عليه ، فلما ألَحّ النصراني في ال سؤال ؛ رضي الشيخ بما يريد ، ثم ساروا إلى النجف الأشرف ـ زاد الله تعالى شرافته ـ فلما وصلوا إلى تلك البقعة المباركة ، أسكنوا الرجل النصراني في بيت من البيوت ومنعوه عن الدخول في الصحن الشريف ، فلما زاروا الإمام عليه السلام في يوم الغدير ، بقوا بعده مدة من الأيام في ذلك البلد الأمين ، قَسّم الشيخ أهل القبيلة قسمين ، فقال النصراني للشيخ : أنا لا أفارقك وأكون معك حيث ما كنت ، ثم عرضت لهم جملة من العوائق فلم يصلوا إلى كربلاء. إلا قبيل غروب الشمس في التاسع من المحرم أو بعد دخول ليلة العاشورا.

٣٧٤

فقال الشيخ للنصراني : قد قضت الضرورة والحاجة بأن تدخل الصحن وتجلس عند المسرجة الكبرى المسماة بالفارسية (بچهل چراغ) لتحرس ما نضع في ذلك المكان من أوعية زادنا ونفقتنا ورماحنا وعصينا ، وجملة أخرى من الحلس والعباء واللباس ونحو ذلك. فإنا لا ننام في هذه الليلة أصلاً بل نكون مع الطائفين والصارخين والضاربين رؤسهم الداقين صدورهم في الحرم الشريف ، وفي حرم العباس ، وفي الصحنين الشريفين.

فجلس النصراني عند هذه الأشياء الموضوعة قدام المسرجة الكبرى ، فلما شاهد النصراني بعد مضي ساعة من الليل ما حضر وحصل في الصحن الشريف ، زعم أنّ القيامة قد قامت ، ونفخ بالصور حيث رفعت من كربلاء مرة واحدة صيحة واحدة وضجة عالية تذهل بها العقول وتدهش بها الألباب ، فكأنّ أرض كربلاء وما فيها من الأبنية والدور ، والقلعة والسور والجدران والحيطان والفضاء والهواء تضج وتبكي ، فكم من مشاعل نصبت فيها ، وكم من أفواج من رجال العجم من الشيوخ والشبان والكهول والصبيان في مقدمهم شبيه جواد الإمام عليه السلام ملطخاً بالدماء ، مشبهاً من كثرة النبال الواقعة به بالقنفذ أو الطير الفتاح الجناح وهم مكثفوا الرؤوس ، يدقون رؤوسهم ويضربون صدورهم بالأكف والأيادي ، ويصيحون صيحة الثكلى ، وكم من أناس بينهم أشباه الأسارى والسبايا النادبات الصارخات ، وهم يحثون التراب والرماد على الرؤوس ، ويأنّون أنّه من قطعت أعضاؤه إربا إربا ، ويقولون : وا إماما وا قتيلا وا حسينا وا شهيدا.

وكم من معشر من أهل بلاد الهند والبربر ينوحون وينحبون نوحه فيها ذوبان شحوم الأمعاء والحوايا ، وكم من جمع عراة حفاة منهم يضربون

٣٧٥

رؤوسهم وصدورهم ومناكبهم بساسل من الحديد ، وكم نساء من العرب قد حلقن حلقة الإستدارة ، فيصرخن ويندبن ندبة الثكلى على السبايا ، فكان الناس على ذلك المنوال حتى مضى ثلثا الليل بل أزيد ، فشرع الناس إلى التضرح وبادروا إلى الرجوع إلى منازلهم ، ففي قريب من طلوع الفجر لم يبق في الصحن الشريف أحد ، ولا سراج مشعل ، فبينما النصراني في الحيرة والتفكير فيما شاهد ورأى ، فإذا برجل عظيم الشأن جليل الرتبة قد خرج من الحرم الشريف ، فملأ الصحن الشريف بنور وجهه وسطع نوره إلى السماء ، فجاء إلى أن وقف في آخر الأيوان في قبال المسرجة الكبرى ، وقد حضر عنده شخصان قائمان بغاية الخضوع والخشوع ، ونهاية التأدب ومتمثلا مثول العبد الذليل بين يدي المولى الجليل ، فقال لهما : إئتيا بدفتركما فأتيا بما عندهما من الطرس والدفتر ، فلما نظر إليه قال : ما أجدتما حيث لم تستوفيا في الكتابة فرد الدفتر إليهما ، فارتعدت فرائسهما فقالا : بحقك وبحق من فضلكم أهل البيت على العالمين ، إنا كتبنا كل من كان في الحرم والرواق والإيوان والصحن ، وهكذا كمل من في حرم العباس ورواقه وأبوابه وصحنه وفوق الحجرات وسطحها. فقال لهما ثانياً : إنظر إلى الطرس فناولاه الدفتر فنظر إليه وقال : الأمر كما ذكرت لكما ، فأنتما ما إستوفيتما ، فحلفا كما سبق وقالا : ما قصرنا حتى أنا كتبنا الطفل الرضيع. وقال أحدهما بعد التدبر والتفكر : نعم إنا ما كتبنا هذا الرجل النصراني.

فقال عليه السلام : فلماذا؟ قالا : لكونه كافراً. فقال عليه السلام : سبحان الله أما أحَلّ هو بساحتنا؟

٣٧٦

فلما رأى النصراني تلك الحالة وسمع هذه المقالة من سيد الشهاء أغمي عليه ، فلما أستفيق من غشوته وقد حضر عنده شيخ القبيلة والجماعة الذين كانوا معه قالوا له : ما الذي عرض لك؟ قال : أقسمكم بالله تعالى لقنوني كلمة الإسلام ، فعلموه كلمة الشهادتين ، فلما أسلم حَدّثهم بما رأى وسمع» (٤٦٩).

٨ ـ الرجل اليماني :

ذكر الشيخ كمال معاش ، في كتابه (الحسين ريحانة النبي صلى الله عليه وآله وسلم) : «.. قد إلتقيت قريباً بأحد الأخوة اليمنيين ـ إلتقيت به ليلة الثامن من شهر ربيع الأول سنة ١٤٢٢ هـ ، المصادف ليلة الجمعة ـ ؛ فسرد لي قصة رآها في عالم الرؤيا ، وهي كالتالي :

رأيت في عالم الرؤيا في يوم مقتل سيدنا الحسين عليه السلام ـ أي يوم العاشر من شهر محرم ـ أنّي مسافر من أرض إلى أرض ، فوجدت نفسي في صحراء كبيرة ، ورأيت جيشاً قد سَدّ الأرض ـ أي ملأها ـ خيولاً وأسلحة ورجالاً ، ورأيت في الجهة المقابلة رجلا على فرس ووراءه نساء وأطفال سمعته يقول : هل من مغيث يغيثنا ، هل من مجير يجيرنا ، هل من موحدٍ يخاف الله فينا ، هل من ذابٍّ يذبُّ عن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجئت إليه وقلت له : لبيك وسعديك يا ابن رسول الله ، سأقاتل عنكم مخافة من الله ، وحُبّاً لنبيكم ، ومخافة من النار ، فقال : خذ بارك الله فيك ، وأعطاني سيفاً لم أرَ أحسن منه ، وكان شديد اللمعان ، فنظرت إلى وجه سيدي الحسين عليه السلام ، وله لحية سوداء شديدة السواد ، شبيه بسواد الكحل ، إلا أنّ به شعرات بِيض يَشعّ منها نور عجيب

__________________

(٤٦٩) ـ الدّربندي ، الشيخ آغا بن عابد الشيرواني : إكسير العبادات في أسرار الشهادات ، ج ١ / ٢١٦ ـ ٢٢٠.

٣٧٧

كنور المصباح الأبيض ، وحَانَة مني إلتفاتة إلى جبهته الكريمة ، فرأيت نوراً يسطع منها كنور الشمس ، بل أقوى ، فأحرق عيني ، فصرخت بأعلى صوتي؟ قد عميت. فمسح بيده اليمنى الكريمة على عيني ، فردَّ لي بصري ، وأصبح بصري قوياً ، وقال لي : «قاتل بارك الله فيك». فقاتلت الأعداء قتال المستميتين ، وقد قتلت منهم ما يقارب الثلاثين فارساً ، وكنت أضربهم بالسيف فيموتون ، وهم يضربونني وتخرج الدماء مني ولكن لا أموت ، وكان سيدي الحسين عليه السلام يقاتل على الجهة اليمنى ، فحال الفرسان بيني وبين الحسين عليه السلام ، فرأيتهم أحاطوا به ، فحاولت أن أمضي إليه لأخلصه منهم ، وهم يحيطون بي من كل مكان ، فرأيتهم قد أثخنوه بالجراح ، وسقط بأبي وأمي على الأرض ، والعجيب في الأمر أنّ جواد سيدنا الحسين عليه السلام لا يفرّ عنه ولا يهرب ، وكان الجواد متعلقاً بسيدنا الحسين عليه السلام كتعلق الأمّ بولدها ، وبقي يدافع عنه ويضرب برجليه كل فارس يقترب من جسد الحسين عليه السلام ، ورأيت نوراً يخرج من الجواد ، وكان قد أصيب بجراحات كثيرة يخرج منها نور ، وبدا لي كأنّه ليس من خيول الأرض ، حيث إنّه كان مطيعاً لسيدنا الحيسن عليه السلام وهو ملقى على الأرض ، فيأتيه ويشم جراحات الحسين عليه السلام ، ثم يلطخ جبينه بدمه عليه السلام ، إنشغلت بالقتال ولم أرَ الجواد ، وجعلت أنظر إلى الحسين عليه السلام وقد إشترك في قتله ثلاثة ، أحدهم ضربه برمح ، والآخر بسيف ضربات ، ثم نزل الثالث ـ وكان الإمام عليه السلام ملقى على الأرض ـ فضرب برجله صدر الحسين عليه السلام ، ثم أمسك برأس الحسين وذبحه كما تذبح الشاة ، فجئت إلى الرجل وأمسكته من رقبته ودفعته عن جسد سيدي الحسين عليه السلام وقلت : لعنك الله ،

٣٧٨

أتدري من قتلت؟ هذا سيد شباب أهل الجنة ، هذه ابن سيد المرسلين وحبيب ربّ العالمين ، كأنّي ألهمت وقلت ذلك على الطبيعة ، فقال : أعطوني مالاً ، وقالوا : أقتله فقتلته. فاستيقظت من النوم مرعوباً محزوناً ، وقد توقّف شعر رأسي ، وأصابني حزن وبكاء عظيم.

بعد ذلك أعطاني الله قوة عجيبة في بصري ، فصرت أرى النملة السوداء في الغرفة الظلماء ، كأنّما في وضح النهار ، وصرت أرى أموراً عجيبة ، وإستمرّ في حديثه قائلاً : كنت أبكي على سيدنا الحسين عليه السلام في ذات ليلة ، وكانت ليلة جمعة ، فدعوت الله عَزّ وجَلّ أن يبلغ روحه مني السلام ، وأنا في أرض بعيدة لا أستطيع زيارة سيد الشهداء عليه السلام ، وفي عالم الرؤيا جاءني رجل مرتدياً عمامة مثل عمامتكم ولباسكم في المنام ، وقال لي : أتريد أن تزور الحسين؟ قلت : نعم. قال : فأخذ بيدي وذهب بي إلى مكان في منزلي لا يوجد فيها أثاث ولا فرش ، بل أرض خالية قال لي : إنظر ، فإذا أنا بحفرة في وسط المنزل. فقال لي : إنظر هذا قبر الحسين عليه السلام ، بحبك للحسين وآله يَسّر لك قبره وأنت في بيتك ، فنزلت إلى هذه الحفرة ، فوجدت فيها حفرة ثانية داخل تلك الحفرة الأولى ، فنزلت ، فرأيت جسداً بدون رأس ، ولمسته بيديَّ هاتين ، فرأيت أنّه لا يوجد موضع من جسده إلا وفيه ضربة سيف ، أو طعنة برمح ، وكان مُقَطّع الأعضاء قُطَعَةً قُطَعَة. والعجب في الأمر أنّ هذه الأوصال المقطعة مخيطة بخيوط سود ، ويخرج دم قانٍ كأنّه قتل في هذه الساعة ، وتفوح منه رائحة طيبة أطيب من رائحة المسك ، لم أشمّ مثلها قبل ذلك اليوم ، فجعلت أبكي عليه ، وإجتمع أهلي على صوت بكائي ، وكان ضمن من غجتمع من أهلي هو خالي ، وكان يشكو ألماً في رجله اليمنى لا يستطيع المشي ، فقلت لهم

٣٧٩

وأنا أبكي داخل القبر : إنظروا ما فعل بنو أميّة لعنهم الله ، لقد قطعوا جسده الشريف تقطيعاً ، وأنا في حالة بكاء زاد حزني وبكائي وحبي للحسين وآل الحسين عليه السلام.

وفي الصباح جاء خالي لزيارتنا ، فإذا هو سالم معافى ، فأخبرته بهذه الرؤيا ، فازدادوا يقيناً وحباً لآل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم» (٤٧٠).

٩ ـ المرأة الزانية التائبة :

ذكر السيد رضي بن نبي القزويني (ره) ، نقلاً عن الشيخ طريح النجفي في كتابه (المقتل) :

«حكى أنّ إمرأة ذات فحش كانت معهودة بالمدينة ، ولها جار وكان مواظباً على مأتم الحسين عليه السلام ، وكان عنده ذات يوم رجال ينشدون ويبكون على الحسين عليه السلام ، فأمر لهم باصطناع طعام ، فدخلت المرأة الفاحشة تريد ناراً ، وإذا بالنار قد إنطفأت من غفلتهم عنها ، فعالجتها تلك الفاحشة بالنفخ ساعة طويلة حتى إتسخت يداها وذرفت عيناها ، فلما إتقدت أخذت منها ومضت لقضاء مآربها ، فلما صار الظهر وكان الوقت صائفاً فرقدت ، وكان لها عادة بالقيلولة ساعة ، وإذا هي ترى طيفاً كأنّ القيامة قامت ، وإذا بزبانية جهنم يسحبونها بسلاسل من نار ، وهم يقولون : يا زانية غضب الله عليكِ وأمرنا أن نلقيكِ في قعر جهنم ، وهي تستغيث فلا تغاث ، وتستجير فلا تجار ، قالت : والله لقد صرت على شفير جهنم ، وإذا برجل أقبل يصيح بهم خَلّوها. قالوا : يا ابن رسول الله ، وما سببه؟ قال : نعم إنّها دخلت على قوم يعملون عزائي ، وقد أوقدت لهم ناراً يعملون بها طعاماً. فقالوا : كرامة لك يا ابن الشافع

__________________

(٤٧٠) ـ معاش ، الشيخ كمال : الحسين ريحانة النبي (ص) / ١٢٣ ـ ١٢٦.

٣٨٠