تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٣

الشيخ أمين حبيب آل درويش

تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أمين حبيب آل درويش


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥١
  الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣

وأما في المنطق والفصاحة ؛ فخطبتها البليغة في الكوفة تبرهن لنا ذلك. ونختم الحديث عن هذه السيدة الجليلة بكرامة من كراماتها ، قال السيد المقرّم (قده) : «وفي كتاب «تحقيق النصرة إلى معالم دار الهجرة» ص ١٨ ، تأليف ابي بكر بن الحسين بن عمر المراغي ، المتوفي سنة ٨١٦ : من كرامات فاطمة بنت الحسين ، أنّ الوليد بن عبد الملك لما أمر بادخال الحجرات في المسجد ، خرجت فاطمة بنت الحسين إلى الحرة ، وبنت داراً لها وأمرت بحفر بئر فظهر فيه جبل ، فقيل لها فتوضأت ، ورشت بفاضل وضوئها عليه فلم يتصعب عليهم ، فكانوا يتبركون بمائه ويُسمُّونه زمزم» (٣٨٣).

وفاتها ومدفنها :

توفيت عام ١١٧ هـ ، أي في السنة التي توفيت فيها أختها السيدة سكينة ، ودفنت في البقيع.

وعمرها أكثر من سبعين سنة. وقول آخر يَنصّ على أنّ وفاتها عام ١١٠ هـ. ونَصّ ابن حجر في تهذيب التهذيب : «ماتت وقد قاربت التسعين» (٣٨٤).

٢ ـ السيدة فاطمة الصغرى (العليلة) :

مما يؤسف له ، لم نعرف عن هذه السيدة الجليلة إلا ما ذكر في بعض كتب السيرة الحسينية ، فقد ذكر السيد رضي القزويني (ره) : «روي في كتاب المناقب القديم بإسناد طويل ، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال : (فلمّا قتل الحسين بن علي عليهما السلام ؛ جاء غراب فوقع في دمه ، ثم تَمرّغ ثم طار ، فوقع بالمدينة على

__________________

(٣٨٣) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٣١٤.

(٣٨٤) ـ ابن حجر ، احمد بن علي : تهذيب التهذيب ، ج ٤ / ٦٨٤.

٣٠١

جدار فاطمة بنت الحسين بن علي عليهما السلام ـ وهي الصغرى ـ فرفعت رأسها فنظرت إليه ، فبكت بكاءً شديداً وأنشأت تقول :

نعب الغراب فقلت مَن

تنعاه ويلك يا غراب

قال : الإمام فقلت : مَن

قال : الموفق للصواب

إنّ الحسين بكربلاء

بين الأسنّة والضراب

فأبكي الحسين بعبرة

ترجي الإله مع الثواب

قال محمد بن علي : فنعته لأهل المدينة ، فقالوا : قد جاءتنا بسحر عبد المطلب ، فما كان بأسرع أن جاءهم الخبر بقتل الحسين عليه السلام.

أقول : هذا الخبر منافٍ للأخبار الماضية أنّ فاطمة كانت مع أبيها عليه السلام في كربلاء ، إلا أن يقال له عليه السلام بنتان كلتاهما مسميتان بفاطمة ، كما أنّ بنيه كلهم مُسمّى بعلي ، ويؤيده قوله : وهي الصغرى» (٣٨٥). وبعد عرض ما ذكرته بعض كتب السيرة الحسينية عن السيدة فاطمة الصغرى (العليلة) ، نتساءل عن السيدة زينب بنت الإمام الحسين عليه السلام ، حيث ورد هذا الإسم في تعداد بنات الحسين عليه السلام ، ولم نعرف شيئاً عنها؟ والذي يبدو لي أنّ هذا الإسم لعلّه إسم السيدة فاطمة الصغرى المتقدم ذكرها ، والله العالم بحقائق الأشياء. هذا ما أردنا بحثه على نحو الإختصار لحياة أخوات السيدة رقية ؛ وأمّا البحث والحديث عن السيدة رقية ؛ فيحتاج إلى دقة وتأمل ؛ حيث لا يوجد رأي متفق عليه بين المؤرخين والباحثين ، في معرفة إسمها ووجودها ونسبتها إلى بنات سيد الشهداء (عليه السلام) ، ولكن يمكن بحث ذلك فيما يلي :

__________________

(٣٨٥) ـ القزويني ، السيد رضي بن نبي : تلظم الزهراء / ٢٤٩.

٣٠٢

ثانياً ـ البحث في سيرة السيدة رُقَيّة

١ ـ أسماؤها في الكتب التاريخية

٢ ـ والدتها وولادتها

٣ ـ رؤياها

٤ ـ مدفنها وحرمها الطاهر

٣٠٣
٣٠٤

١ ـ أسماؤها في الكتب التاريخية :

من راجع كتب السيرة الحسينية ؛ توصّل إلى أنّ هناك تسميات تطلق على بنت الحسين عليه السلام كالتالي :

أ ـ بنت صغيرة :

ذكر السيد رضي القزويني (ره) في كتابه (تظلم الزهراء) : «وروي أنّه كانت للحسين عليه السلام بنت صغيرة ، وكانت بين تلك النساء جالسة بجنب أبيها الحسين عليه السلام ، وهي قابضة بكتفه وكفه في حجرها ، فتارة تشمّ كفه ، وتارة تقبل كتفه ، وتارة تضع أصابعه على فؤادها ، وتارة على عينيها ، وقد أخذت من دمه الشريف وخضبت به وجهها وهي تقول : يا أباه قتلك أقَرّ عيون الشامتين ، وفَرّح قلوب المعاندين ، وشفت بنا جميع المبغضين ، يا أباه ألبسوني بنو أمية ثوب اليتم ، وسقوني شربة السبي على صغر سني ، يا أبتاه إذا أظلم عليّ من يحمي حماي ، يا أبتاه وإن عطشت فمن يروي ظماي ، يا أبتاه نهبوا قرطي وجذبوا ردائي ، يا أبتاه انظر إلى رؤوسنا المكشفة ، وإلى أكبادنا المتلهفة ، وإلى عمتي المضروبة ، وأمي المسحوبة ـ فدرفت عن ندبها العيون ، وسالت على سجعها الجفون ـ فأتاهم زجر ، قال الأمير ابن سعد قد نادى مناديه بالرحيل فهلموا واركبوا ، فأيقنت البنيّة بالرحيل ، فقامت إلى السائق ووقفت عنده وقالت له : سألتك بالله يا هذا ، أنتم مقيمون اليوم أم راحلون؟ فقال : بل راحلون. قالت : يا هذا إذا عزمتم على المسير فسيروا بهذا النسوة واتركوني أبكي على والدي وأستأنس به ، فإن مت عنده فقد سقط عنكم ذمامي ، وأنا بنت صغيرة السن ضعيفة القوة ، فدفعها عنه وأبعدها منه ، فلاذت البنت بالحسين عليه السلام واستجارت به وقبضت زنده ، فأتى إليها من جوار أبيها فقالت

٣٠٥

له : يا هذا إنّ لي أخ صغير قد قتلوه القوم فدعني أتودع منه كافأك الله ، فأمهلها السائق فتخطت نحو خطوات قليلة ، فإنّه كان قريباً من أبيه الحسين عليه السلام ، فلما وقعت عين البنت على أخيها وتحسرت وأنّت وبكت وجعلت تنوح نوحة تذاب الحجر ، ثم إنّها لثمت أخاها متعددات ونامت بطوله ، ثم جلست فرفعته في حضنها وجعلت فمها على منحره ، ونادته : يا ابن أمي لو خيروني بين القيام عندك وأن السباع تأكل لحمي ، وبين الرواح عنك لتخيرت مقامي عندك على الحياة ، فها أنا ذا راحلة عنك ، غير جافية لك ولا لقربك ، وهذه نياق الرحيل تتجاذب بنا على المسير ، فما أدري أين يريدون بنا أهل العناد ، فاقرأ جدي وجدتي عني السلام ، ثم إنّها وضعت فمها على شفتيه وقبّلت خديه وعينيه ، فأتاها السائق وهو يبكي على حالها ، فجَرّها عنه وأبعدها وأركبها مع النساء ، فلما ركبت البنت على الناقة إلتفتت إلى أخيها وقالت : ودعتك السميع العليم إنا لله وإنا إليه راجعون» (٣٨٦).

ب ـ فاطم الصغيرة :

وبهذا الإسم خاطبت السيدة زينب عليها السلام أخاها الحسين عليه السلام حينما رأت رأسه فوق الرمح بالكوفة :

يا أخي فاطم الصغيرة كَلِّمها

فقد كاد قلبها أنّ يذوبا

__________________

(٣٨٦) ـ القزويني ، السيد رضي بن نبي : تظلم الزهراء / ٢٣٥ ـ ٢٣٦.

٣٠٦

ج ـ رُقيّة :

قال الشيخ الحائري (ره) في كتابه (معالي السبطين) : «.. وبنته الأخرى (رُقيّة). وقال الحمزاوي في كتاب (النفحات) : وكانت للحسين عليه السلام بنت تسمى رقية ، وأمها شاه زنان بنت كسرى ، خرجت مع أبيها الحسين عليه السلام من المدينة حين خرج ، وكان لها من العمر خمس سنين ، وقيل : سبع سنين حتى جاءت معه إلى كربلاء» (٣٨٧).

أقول إتضح لنا بعد مراجعة كتب سيرة الحسين عليه السلام أنّ لبنت الحسين عليه السلام عدة تسميات ، إلا أنّ من أبرز أسمائها (فاطمة الصغيرة) ، وهو المعروف في الكتب القديمة ، أما الإسم الآخر (رقية) ؛ فهو المشهور على ألسن الموالين في العصور المتأخرة ، ولم يذكر في كتب المتقدمين ، وأما ما ذكره بعض الكتاب ، حيث قال : «يُعدّ كتاب «اللهوف» للسيد ابن طاووس ، المتوفى عام ٦٦٤ هـ ، المعروف بكثرة إحاطته بالنصوص الروائية ، والأحداث التأريخية الإسلامية الشيعية ، من أقدم الكتب التي جاء فيه ذكر السيدة ررقية عليها السلام ، فقد ذكر السيد في كتابه هذا ، عبارة للإمام الحسين عليه السلام حينما دعا أخته زينب عليها السلام للصبر والتحمل فقال : (يا أختاه يا أم كلثوم ، وأنت يا زينب ، وأنت يا رقية ، وأنت يا فاطمة ، وأنت يا رباب ، أنظرن إذا أنا قتلت فلا تشققن عليّ جيباً ، ولا تخمشن عليّ وجها ، ولا تقلن عليّ هجرا). وهذا يعني أنّ السيدة رقية عليها السلام كانت في كربلاء ، ومما يؤيد ذلك أيضاً ، ما ذكره الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي المتوفى عام (١٢٩٤ هـ) ، في كتابه (ينابيع المودة) ، نقلاً عن مقتل أبي مخنف : فبعد ما ذكر كيفية إستشهاد أصغر أولاد الحسين عليه السلام ـ وهو

__________________

(٣٨٧) ـ الحائري ، الشيخ محمد بن مهدي : معالي السبطين ، ج ٢ / ٢١٤.

٣٠٧

الذي لم يتجاوز الستة أشهر ـ ، قال : (ثم نادى عليه السلام : يا أم كلثوم ، ويا سكينة ، ويا رقية ، ويا عاتكة ، ويا زينب ، يا أهل بيتي ، عليكن مني السلام» (٣٨٨).

فعلى القول بنسبة ما تقدم للحسين عليه السلام ؛ فهو في مقام مخاطبة أخواته ، وكبار بناته ، فلعلّ المراد بـ(رقية) هي بنت أمير المؤمنين عليه السلام ، لا بنت الحسين عليه السلام ، والقرينة المقامية واللفظية تساعد على ذلك. ذكر الشيخ الحائري (ره) في كتابه (معالي السبطين) : «.. ومنهن (رقية الكبرى) ، وكانت عند مسلم بن عقيل ، فولدت منه عبد الله بن مسلم ، ومحمد بن مسلم ، الذين قتلا يوم الطف مع الحسين عليه السلام ، وعاتكة ولها من العمر سبع سنين ، التي سحقت يوم الطف بعد شهادة الحسين عليه السلام لما هجم القوم على المخيم للسلب ، على ما رواه الشيخ حسن بن سليمان الشويكي في مقتله. وأمها ـ أي رقية ـ الصهباء الثعلبية ، تكنى أم حبيب ، من سبي عين التمر ، التي إشتراها أمير المؤمنين عليه السلام من خالد بن الوليد بأربعين ديناراً ، فولدت منه رقية الكبرى ، وعمر الأطراف توأمين» (٣٨٩).

وذكر أيضاً : «ومنهن رقية الصغرى ، أمها أم ولد ، وكانت عند صَلْت بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ولا عقب له» (٣٩٠).

وذكر السيد رضي القزويني (ره) في كتابه «تظلم الزهراء عليها السلام» : «.. أنّ الحريم لما أدخلن على يزيد كان ينظر إليهن وسأل عن كل واحدة ، فقيل :

__________________

(٣٨٨) ـ الخلخالي ، الشيخ علي الرباني : السيد رقية بنت ال حسين / ١٣.

(٣٨٩) ـ الحائري ، الشيخ محمد مهدي : معالي السبطين ، ج ٢ / ٢٢٧.

(٣٩٠) ـ نفس المصدر.

٣٠٨

هذه أم كلثوم الكبرى ، وهذه أم كلثوم الصغرى ، وهذه صفية ، وهذه أم هاني ، وهذه رقية ، بنات علي عليه السلام ، وهذه فاطمة ، وهذه سكينة بنتا الحسين ، وهن مربقات بحبل طويل ...» (٣٩١).

والدتها وميلادها :

إختلف المؤرخون والباحثون في ذلك ، كما يلي :

أ ـ ذكر الشيخ الحائري (ره) في كتابه (معالي السبطين) : «وقال الحمزاوي في كتاب (النفحات) : وكانت للحسين عليه السلام بنت تسمى رقية ، وأمها شاه زنان ، بنت كسرى ، خرجت مع أبيها الحسين عليه السلام من المدينة حين خرج ، وكان لها من العمر خمس سنين ، وقيل : سبع سنين حتى جاءت معه إلى كربلاء» (٣٩٢).

وهذا القول خلاف المشهور بين المؤرخين ، من أنّ شاه زنان توفيت في نفاسها بولادتها بالإمام زين العابدين عليه السلام ، إذن هذه الدعوى في غاية البعد ، ولا يمكن الإعتماد عليها.

ب ـ ما احتمله السيد عامر الحلو في كتابه (السيدة رقية عليها السلام) : «أوصى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ، أخاه أبا عبد الله عليه السلام أن يتزوج من (أم إسحاق) ، وكانت أم إسحاق زوجة للإمام الحسن عليه السلام سابقاً ، وعمل الحسين عليه السلام بوصية أخيه. وكانت ثمرة ذلك الزواج فتاة إسمها (رقية) ولم يمضِ وقت طويل حتى لَبّت (أم إسحاق) نداء ربها ، وأصبحت (رقية) بلا أم ، ولعل هذا كان سبب الحب الشديد للإمام الحسين عليه السلام لطفلته الصغيرة ، ومن هنا

__________________

(٣٩١) ـ القزويني ، السيد رضي بن نبي : تظلم الزهراء / ٢٧٨.

(٣٩٢) ـ الحائري ، الشيخ محمد مهدي : معالي السبطين ، ج ٢ / ٢١٤.

٣٠٩

أوصى أخته السيدة زينب عليها السلام أنّ ترعى رقية دائماً ، وتكون لها بمثابة الأم» (٣٩٣).

وهذا الإحتمال لا بأس به ، إلا أنّه يحتاج إلى دليل.

ج ـ ذكر الشيخ الحائري في كتابه (معالي السبطين) : «... وقال صاحب الحدائق الوردية : وفاطمة الصغرى ؛ هي اُخت عبد الله الرضيع من أمه ، وهو الذي ولد في الحرب وقت صلاة الظهر وقتل في حجر أبيه» (٣٩٤). وهذا الإحتمال من أقوى الإحتمالات التي ذكرت ، إلا أنّه يحتاج إلى زيادة إيضاح أكثر ، وسوف نذكر ذلك في الإحتمال الأخير.

د ـ المستفاد من الرواية السابقة التي ذكرها السيد رضي القزويني في كتابه (تظلم الزهراء) ـ حيث قالت في وداعها لأخيها الرضيع ـ : «... ونادته : يا ابن أمي ، ...» ، أنّها أخت الرضيع ، لكن السؤال الذي ينبغي طرحه : إنّ لسيد الشهداء رضيعين : رضيع قتل في حجر أبيه عند الخيام ، وهو الذي ولد به وقت صلاة الظهر ، والرضيع الآخر عبد الله وعمره ستة أشهر ، وأمه الرباب بنت أمرئ القيس ، فأي الرضيعين هو المراد؟

مما تقدم ، يمكن القول باحتمال أن تكون أخت الرضيع علي الأصغر المولود في الحرب وقت صلاة الظهر ، وأنّ أمه هي (أم إسحاق) ، والله العالم بحقائق الأمور ، وبعد هذا العرض الموجز لتاريخها ، يمكن القول بأنّ عمرها كان (٣ ـ ٤ سنوات) ، فيكون تاريخ ولادتها عام (٥٧ هـ ـ ٥٦ هـ).

__________________

(٣٩٣) ـ الشيرازي ، علي : القصة المحزنة للسيدة رقية / ١٦ ـ ١٧.

(٣٩٤) ـ الحائري ، الشيخ محمد مهدي : معالي السبطين ، ج ٢ / ٢١٤.

٣١٠

٣ ـ رؤياها :

ذُكِرَت رؤياها بعدة روايات ، ولعَلّ أهم المصادر التي يمكن الإطمئنان بها ، هي التالي :

ذكر الشيخ الطريحي في كتابه (المنتخب) : «روي أنّه لما قدم آل الله وآل رسوله على يزيد في الشام ؛ أفردهم داراً وكانوا مشغولين بإقامة العزاء ، وأنّه كان لمولانا الحسين عليه السلام بنتاً عمرها ثلاث سنوات ، ومن يوم إستشهد الحسين ما بقيت تراه ، فعظم ذلك عليها واستوحشت لأبيها ، وكانت كلما طلبت يقولون ، لها غداً يأتي ومعه ما تطلبين ؛ إلى أن كانت ليلة من الليالي رأت أباها بنومها ، فلما إنتبهت صاحت وبكت وإنزعجت فهجعوها وقالوا : لما هذا البكاء والعويل؟ فقالت : آتوني بوالدي وقرّة عيني ، وكلما هجعوها إزدادت حزناً وبكاءاً ، فعظم ذلك على أهل البيت فضجوا بالبكاء ، وجددوا الأحزان ولطموا الخدود ، وحثوا على رؤوسهم التراب ، ونشروا الشعور وقام الصياح ، فسمع يزيد صيحتهم وبكاءهم ، فقال : ما الخبر؟ قالوا : إنّ بنت الحسين الصغيرة رأت أباها بنومها فانتبهت وهي تطلبه وتبكي وتصيح ، فلما سمع يزيد ذلك قال : إرفعوا رأس أبيها وحطوه بين يديها لتنظر إليه وتتسلى به فجاءوا بالرأس الشريف إليها مغطى بمنديل دَيبقِي ، فوضع بين يديها وكشف الغطاء عنه ، فقالت : ما هذا الرأس؟ قالوا لها : رأس أبيك ، فرفعته من الطشت حاضنة له وهي تقول : يا أباه من ذا الذي خضبك بدمائك؟ يا أبتاه من الذي قطع وريدك؟ يا أبتاه من ذا الذي أيتمني على صغر سني؟ يا أبتاه من بقي بعدك نرجوه؟ يا أبتاه من لليتيمة حتى تكبر؟ يا أبتاه من للنساء الحاسرات؟ يا أبتاه من للأرامل المسبيات؟ يا أبتاه من للعيون الباكيات؟ يا أبتاه من للضائعات

٣١١

الغريبات؟ يا أبتاه من للشعور المنشرات؟ يا أبتاه من بعدك واخيبتنا؟ يا أبتاه من بعدك واغربتنا ، يا أبتاه ليتني كنت الفدى ، يا أبتاه ليتني كنت قبل هذا اليوم عميا ، يا أبتاه ليتني وسدت الثرى ، ولا أرى شيبك مخضباً بالدماء.

ثم إنّها وضعت فمها على فمه الشريف ، وبكت بكاءاً شديداً حتى غشي عليها ؛ أعلنوا البكاء واستجدوا العزاء ، وكل من حضر من أهل دمشق ، فلم ير في ذلك اليوم إلا باكٍ وباكية» (٣٩٥).

٢ ـ نقل المحدث الخبير الشيخ عباس القمي (قده) ، عن كتاب (كامل البهائي) (٣٩٦) لعماد الدين الطبري «إنّ نساء أهل بيت النبوة أخفين على الأطفال شهادة آبائهم ، وكن يقلن لهم : أنّ آبائكم قد سافروا إلى كذا وكذا ، وكان الحال على ذلك المنوال حتى أمر يزيد أن يدخلن داره ، وكان للحسين عليه السلام بنت صغيرة لها أربع سنين ، قامت ليلة من منامها وقالت : أين أبي الحسين ، فإنّي رأيته في المنام مضطرباً شديداً؟ فلما سمع النسوة ذلك بكين وبكى معهنّ سائر الأطفال ، وارتفع العويل فانتبه يزيد من نومه وقال : ما الخبر؟ ففضحوا عن الواقعة وقَصُّوها عليه ، فأمر (لع) أن يذهبوا برأس أبيها ، فأتوا بالرأس الشريف وجعلوه في حجرها ، فقالت :

__________________

(٣٩٥) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : المنتخب ، ج ١ / ١٣٦ ـ ١٣٧ (الباب الثاني ـ المجلس السابع).

(٣٩٦) ـ عَبّر عنه الشيخ عباس القمي في كتابه (الفوائد الرضوية / ١١١) : «الشيخ العالم ، والماهر الخبير والمتدرّب النحرير ، والمتكلم الجليل ، والحدث النبيل ، والفاضل الفهّامة ، فرغ من تأليفه سنة (٦٧٥ هـ) بعد عناء طويل استغرق (١٢ سنة) .. ويعلم من الكتاب أن الكثير من نسخ الأصول والكتب القديمة للأصحاب كانت موجودة عند المؤلف».

٣١٢

ما هذا؟ قالوا : رأس أبيك. ففزعت الصَبِيّة وصاحت ، فمرضت وتوفيت في أيامها بالشام» (٣٩٧).

٤ ـ مدفنها وحرمها الطاهر :

منذ وفاة هذه السيدة الجليلة في خرابة الشام ـ وقد ذكر العلامة البيرجندي (ره) في كتاب (وقائع الأيام والشهور) : أنّ طفلة صغيرة للإمام الحسين عليه السلام ، توفيت في الخامس من شهر صفر سنة ٦١ هـ ، عرفت عند أهل الشام ، ومن زارها بأنّها طفلة الحسين عليه السلام ، صاحبة المنزلة الجليلة عند الباري عَزّ وجَلّ ، لما لاحظوه وسمعوه من الكرامات المنسوبة إليها ، ولهذا كثر زوارها.

وقد مرت عمارة مشهدها الشريف بعدة أطوار من التوسعة والبناء كالتالي :

ذكر هاشم عثمان في كتابه (مشاهد ومزارات ، ومقامات آل البيت عليهم السلام في سورية) : «مسجد رقية : في محلة العمارة ، خلف باب الفراديس ، وعليه تابوت حديث ثمين من خشب الموزاييك المرصّع بالعاج ، وحوله قفص من النحاس المزخرف.

والقبر ضمن مسجد حسنٍ ، له باب حديث من الحجر الأسود المزي ، جدد سنة ١٣٢٣ هـ. وفي المسجد محراب ومنبر عاديان ، أما قبة الضريح ، فقديمة من طراز قباب المماليك ، ولكنّها مجددة ومدهونة.

من أشهر أئمة هذا المشهد ، شخص يُدعى مجد الدين ؛ هو الذي قام بسرقة رأس الملك الكامل ـ ناصر ا لدين محمد بن شهاب الدين غازي ـ عندما

__________________

(٣٩٧) ـ القمي ، الشيخ عباس : نفس المهموم / ٤١٥ ـ ٥١٦.

٣١٣

عَلّقه هولاكو على باب الفراديس بدمشق سنة (٦٥٧ هـ) ، فأخذه ودفنه في طاق إلى جانب محراب المسجد.

ويفهم مما ذكره الحصني ، أنّ مسجد رقية عليها السلام ، صار بيتاً في مرحلة من المراحل ، ثم أعيد مشهداً مرّة ثانية ، قال الحصني : دفنت رقية عليها السلام في مسجد الرأس عند بلاط معاوية في القباقبية ، داخل باب الفراديس ، وقبرها داخل الستر المحيط به وكان عليه قبة ، والآن صار بيتاً» (٣٩٨).

ويقول عبد الوهاب بن أحمد الشافعي المصري ، المشهور بالشعراني ، المتوفي عام ٩٧٣ هـ ، في كتاب (المنن) : «وأخبرني بعض الخواص : أنّ رقية بنت الحسين عليه السلام في المشهد القريب من جامع دار الخليفة .. ، وهو معروف الآن بجامع شجرة الدّر .. والمكان الذي فيه السيدة رقية عن يمينه ، ومكتوب على الحجر الذي ببابه هذا البيت :

بقعة شُرِّفَت بآل النبي

وبنت الحسين الشهيد رقية» (٣٩٩)

«وذكر المرحوم الحاج آية الله الميرزا هاشم الخراساني ، المتوفي عام (١٣٥٢ هـ) ، في كتابه (منتخب التواريخ) : قال لي العالم الجليل الشيخ محمد علي الشامي ـ وهو من جملة العلماء العاملين في النجف الأشرف ـ : أنّ جد أمي السيد ابراهيم الدمشقي ، الذي ينتهي نسبه إلى السيد المرتضى علم الهدى ، كان في زمانه قد تجاوز عمره التسعين ، ويُعد في عصره من الأشراف الأجلاء ، وكان عنده ثلاث بنات فقط وليس له أي ذكر.

__________________

(٣٩٨) ـ عثمان ، هاشم : مشاهد ومزارات ، ومقامات آل البيت (ع) في سورية / ٢٩.

(٣٩٩) ـ الخلخالي ، الشيخ علي الرباني : السيدة رقية / ١١.

٣١٤

وفي واحدة من الليالي ، رأت ابنته الكبيرة السيدة رقية عليها السلام في عالم الرؤيا ، وقد طلبت منها أن تخبر والدها : أنّ الماء قد تسَرّب إلى قبرها ولحدها ، مما تسبب في إحداث ضرراً في بدنها الشريف ، وطالبتها أن تقول له بضرورة إصلاح القبر طالباً ذلك من والي الشام ، فامتثلت الفتاة لذلك ، إلا أنّ السيد خشيَ من أهل السنة ، فلم يُبدِ إعتناء بهذا المنام.

وفي الليلة الثانية تكرر الأمر مع ابنته الوسطى ، وأخبرته بذلك أيضاً ، إلا أنّ السيد بقي متردداً وخائفاً. وفي الليلة الثالثة ؛ جاءت السيدة رقية عليها السلام لابنته الصغرى في عالم الرؤيا ، وجرى ما جرى سابقاً ، إلى أن رأى السيد نفسه السيدة رقية في المنام في الليلة الرابعة ، وهي تقول له معاتبة : لماذا لم تخبر الوالي؟!

وفي الصباح إنطلق السيد إلى والي الشام وحَدّثه بالرؤيا وما حصل معه ومع بناته ، فأمر الوالي علماء السنة والشيعة بالغسل وإرتداء أنظف ثيابهم ، ثم قال لهم : إنا سنعطي مفتاح القبر لكل واحد منكم ، وكلّ مَن فتح القفل بيده هو الذي ينزل إلى القبر ، ويخرج الجسد الطاهر ليتم إصلاحه ، وفعلاً قد إغتسلوا كلهم ولبسوا أنظف ثيابهم ، وذهبوا برفقة الوالي إلى القبر الطاهر ، وحينها لم يعمل المفتاح عمله إلا بيد سيد إبراهيم ، وحينما حاولوا نبش القبر وحفره لم تعمل الفؤوس إلا بيد سيد إبراهيم ، وفعلاً فقد حفروه بعد ما أخرجوا الناس من الحرم الشريف ، ثم شاهدوا جسد هذه الطاهرة طريّاً وهي مكفنة ، إلا أنّ الماء قد تجمّع في لحدها ، فحمل السيد الشريف هذه المخدّرة الطاهرة بيديه ، وحملها على ذراعيه وخرج بها ، وهكذا بقيت على ذراعيه وهو يهمل عليها الدموع الجاريات على ما نزل بهذه الماجدة الصغيرة ، فاستمر

٣١٥

الوضع ثلاثة أيام ، كان السيد خلالها لا يترك هذه السيدة العظيمة إلا في أوقات الصلاة ، فكان يضعها على شيء طاهر ونظيف ، ويؤدي صلاته ثم يعود ليحملها مرة أخرى ، ومن العجائب أنّ السيد طيلة هذه الفترة ما كان بحاجة إلى الأكل والشرب والوضوء ببركة السيدة رقية عليها السلام ، وهي إحدى كراماتها ، حتى إنتهوا من إصلاح القبر ، وقام السيد ليدفنها ، ولكنّه طلب من الله تعالى متوسلاً إليه بهذه السيدة الماجدة أن يرزقه ولداً ، فحقق الله له مرامه ورزقه ولداً ، سَمّاه السيد مصطفى. ثم قام الوالي بنقل هذه الإعجوبة إلى السطان عبد الحميد العثماني ، فأمر ال أخير بجعل تولية مرقد السيدة زينب عليها السلام ، ومرقد السيدة رقية عليها السلام ، ومرقد السيدة أم كلثوم عليها السلام ، ومرقد السيدة سكينة عليها السلام ، بيد السيد إبراهيم ، ومنه إنتقلت إلى ولده السيد مصطفى ، ومنه إلى ولده السيد عباس. قال ناقل هذه القصة ، آية الله الحاج الميرزا هاشم الخراساني : وقد كان تأريخ هذه الحادثة الجليلة في حدود عام (١٢٨٠ هـ)» (٤٠٠).

وذكر الشيخ علي الرباني في كتابه (السيدة رقية) : «وقبل التعمير الأخير الذي حصل في السنين الأخيرة ، عُمِّرَ المرقد الشريف على يد الميرزا علي أصغر خان أتابك ، أمين السلطان الأعظم الصدر الأعظم لإيران سنة (١٣٢٣ هـ) ، وقد نظم السيد محسن الأمين العاملي المتوفى عام (١٣٧١ هـ) أشعاراً ذكرها في كتابه القيّم (أعيان الشيعة) ، منها هذين البيتين واللذين ذكر فيهما تاريخ تعمير المرقد الشريف ، عِلْمَاً أنّ البيتين مكتوبين على باب الحرم الشريف ، وهما :

__________________

(٤٠٠) ـ الخلخالي ، الشيخ علي الرباني : السيدة رقية بنت الإمام الحسين / ٩ ـ ١٠.

٣١٦

له ذو ال رتبة العليا عليّ

وزير الصدر في ايران جدّد

وقد أرّختها تزهو بناءً

بقبر رقيّة من آل أحمد» (٤٠١)

وفي السنين الأخيرة تصدى الشيخ نصر الله الخلخالي (ره) لتوسعة الحرم الشريف ، وبمساعدة العديد من الخيرين ، وُفِّقَ لشراء البيوت المجاورة للحرم الشريف. بدأ في هذا المشروع من عام (١٣٩٩ هـ) ، ولكن بعض أصحاب البيوت إمتنعوا عن إخلاء منازلهم ، بسبب عسبيات قائمة على الجهل وأطماع ، ولهذا إستمر إخلاء البيوت المحيطة وهدمها بصورة تامة سنين ، وفي عام (١٤٠٤ هـ) بدأ البناء وأكمل عام (١٤١٠ هـ). تَمّ هذا البناء على أرض تبلغ مساحتها (٦٠٠٠ م ٢) ، من قبل مهندسين ومعماريين إيرانيين ، تَمّ إيفادهم من قم وإصفهان. وبلغت مساحة البناء (٤٥٠٠ م ٢) ، وشمل المكان الواقع أسفل القبة ، وباحة ومسجداً ومكاناً للارحة ، ومكاناً للتوضؤ وحماماً. وفي الجزء الجنوبي لبناية الحرم ، بُنِيَ مسجد تبلغ مساحته (٨٠٠ م ٢) ، وتبلغ مساحة الحرم وباحاته في البناء الجديد (٢٦٠٠ م ٢). والضريح الجديد للسيدة رقية الذي يبلغ وزنه (٥ أطنان) ، هو حصيلة (٤ سنوات) من الجهود المستمرة التي قام بها أربعون فناناً إصفهانياً ، وقد صنع بصورة جميلة ، ووضعت على الضريح مزهرية ذهبية ، يبلغ إرتفاعها أكثر من متر ، ووضعت مزهريات على الزوايا الأربع العليا للضريح. وتَمّ تزيين زوايا الضريح المطهر بأربعة أعمدة فضية مُتَعرِّجَة ، يبغلغ إرتفاع كل منها (٢٨٥ سم) ، وقد إتصلت به أوراق زهور الذهب ، كما كتبت على جدران الضريح آيات من القرآن المجيد ، وأسماء

__________________

(٤٠١) ـ المصدر السابق / ١٧٦.

٣١٧

شريفة. فقد تَمّ نقل هذا الضريح إلى دمشق عام ١٤١٤ هـ. وقد قدرت كلفة بناء المقام بما يقارب الخمسين مليون دولاراً ، غير نفقات الضريح الجديد ، ويظل هذا المعلم الخالد شاهداً على مظلومية طفلة الحسين عليه السلام ، بل على مظلومية الحسين عليه السلام وأهل بيته الكرام عليهم السلام.

٣١٨

٨ ـ الرّبَاب (زوجة الإمام الحسين عليه السلام)

١ ـ نسبها

٢ ـ قصة زواجها من الإمام الحسين (عليه السلام)

٣ ـ مناقشة القصة

٤ ـ أولادها

٥ ـ علاقتها بالإمام الحسين (عليه السلام)

٦ ـ وفاتها ومدفنها

٧ ـ رؤياها

٣١٩
٣٢٠