تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٣

الشيخ أمين حبيب آل درويش

تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أمين حبيب آل درويش


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥١
  الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣

٣ ـ صاحبة أول صالون أدبي في مصر :

هذه دعوى بلا دليل ، بل موضوعة على السيدة سكينة ، وما نسب إليها من كثرة الشعر ـ كما أخبر صاحب الأغاني ـ ، فغير صحيح ، إذ لو كان عندها كل ذلك لقالته في رثاء والدها ، بل المعروف أنّ لها أبياتاً قليلة في رثاء والدها :

لا تَعْذليه فهم قاطعٌ طُرُقه

فعينه بدموع دُرَّفٍ غدقه

إنّ الحسين غداة الطف يرشقه

ريب المنون فما أن يخطئ الحدقه

بكفّ شر عباد الله كلهم

نسل البغايا وجيش المرَّق الفسقة

يا أمة السوء هاتوا ما احتجاجكم

غداً وجلُّكم بالسيف قد صفقه

الويل حل بكم إلا بمن لحقه

صيرتموه لأرماح العدى درقه

يا عين فاحتفلي طول الحياة دماً

لا تبك ولداً ولا أهلاً ولا رفقه

لكن على ابن رسول الله فانسكبي

قيحاً ودمعاً وفي أثريهما العلقة (٣٥٨)

والكلمة الأخيرة في حق السيدة سكينة لوالدها الحسين : «أما سكينة ؛ فغالب عليها التوجه إلى الله تعالى. فنفهم من هذه الكلمة ، أنّ كل ما قيل : من لقاء الشعراء وبيت الضيافة غير صحيح .. وكل أملي للكاتب المحترم ، أنّ يتنبّه للحقائق التاريخية قبل كتابتها ، حتى يكون قد أنصف في كتابته ، ولا يعتمد على نقل الروايات فقط من دون تتحقيق ، والعصمة لله» (٣٥٩).

__________________

(٣٥٨) ـ شُبّر ، جواد : أدب الطف ، ج ١ / ١٥٨.

(٣٥٩) ـ المنهل ـ العدد ٤٩٢ ، جمادى الآخرة ١٤١٢ هـ / ١٨٠ ـ ١٨١. وهنا تصحيح للأخطاء المطبعية وذكر النواقص التي لم تذكر في هذا الععدد «المؤلف».

٢٨١

رؤياها في دمشق :

وبعد ذكر هذه الترجمة المختصرة للسيدة سكينة عليها السلام ، نذكر بعض الروايات التي ذكرت رؤياها في دمشق ، وهي كالتالي :

١ ـ ذكر السيد ابن طاووس في كتابه (اللهوف في قتلى الطفوف) : «قال الراوي : ووعد يزيد علي بن الحسين عليهما السلام في ذلك اليوم أنّه يقضي له ثلاث حاجات ، ثم أمر بهم إلى منزل لا يكنهم من حرٍ ولا برد ، فأقاموا به حتى تقشرت وجوههم ، وكانوا مدة إقامتهم في البلد المشار إليه ، ينوحون على الحسين عليه السلام. قالت سكينة : فلما كان في اليوم الرابع من مقامنا ؛ رأيت في المنام رؤيا ـ وذكرت مناماً طويلاً تقول في آخره ـ : رأيت إمرأة راكبة في هودج ويدها موضوعة على رأسها ، فسألت عنها فقيل لي : هذه فاطمة بنت محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أم أبيك صلوات الله عليه ، فقلت : والله لأنطلقن إليها ، ولأخبرنّها ما صنع بها ، فسعيتُ مبادرةً نحوها حتى لحقتُ بها ، فوقفتُ بين يديها أبكي وأقول : يا أمّاه ، جحدوا والله حَقّنا ، يا أمّاه ، بَدّدوا والله شملنا ، يا أمّاه ، إستباحوا والله حريمنا ، يا أمّاه ، قتلوا والله الحسين أبانا ، فقالت لي : كفّي صوتك يا سكينة ، فقد قطعت نياط قلبي ، هذا قميص أبيك الحسين لا يفارقني حتى ألقى الله به» (٣٦٠).

٢ ـ وذكر الشيخ ابن نما في كتابه (مثير الأحزان) : «ورأت سكينة في منامها وهي بدمشق ، كأنّ خمسة نجب من نور قد أقبلت ، وعلى كل نجيب شيخ والملائكة محدقة بهم ، ومعهم وصيف يمشي ، فمضى النجب وأقبل الوصيف إليّ وقرب مني وقال : يا سكينة ، إنّ جدّك يسلم عليك.

__________________

(٣٦٠) ـ ابن طاووس ، السيد علي الحسني الحسيني : اللهوف في قتلى الطفوف / ٧٩.

٢٨٢

فقلت : وعلى رسول الله السلام ، يا رسول ، رسول الله من أنت؟ قال وصيف من وصائف الجنة. فقلت : من هؤلاء المشيخة الذين جاؤوا على النجب؟

قال الأول آدم صفوة الله ، والثاني إبراهيم خليل الله ، والثالث موسى كليم الله ، والرابع عيسى روح الله. فقلت : من هذا القابض على لحيته يسقط مرة ويقوم أخرى؟ فقال : جدك رسول الله صلى الله عليه وآله.

فقلت : وأين هم قاصدون؟ قال : إلى أبيك الحسين عليه السلام. فأقبلت أسعى في طلبه لأعرفه ما صنع بنا الظالمون بعده. فبينا أنا كذلك إذ أقبلت خمسة هوادج من نور ، وفي كل هودج إمرأة. فقلت : من هذه النسوة المقبلات؟ قال : الأولى حواء أم البشر ، والثانية آسية بنت مزاحم ، والثالثة مريم بنت عمران ، والرابعة خديجة بنت خويلد ، والخامسة الواضعة يدها على رأسها تسقط مرة وتقوم أخرى ، جدتك فاطمة بنت محمد أم أبيك. فقلت : والله لأخبرنها ما صنع بنا ، فلحقتها ، فوقفت بين يديها أبكي ، وأقول : يا أمّاه جحدوا والله حقنا ، يا أمّاه بددوا والله شملنا ، يا أمّاه إستباحوا والله حريمنا ، يا أمّاه قتلوا والله الحسين أبانا. فقالت : كفي صوتك يا سكينة ، فقد أحرقت كبدي ، وقطعت نياط قلبي ، وحدثت به أهلي ، فشاع بين الناس» (٣٦١).

٣ ـ قال الراوي : «فلما سكن الروع ، قالت سكينة : إعلم يا يزيد ، أني البارحة كنتُ بين النوم واليقظة ؛ إذ رأيت قصراً شرفاته من الياقوت ، وإذا بباب قد فتح ، فخرج منه خمسة مشايخ قد عظم الله تعالى أجورهم ، وزاد في نورهم ، ويقدمهم وصيف فتقدمت إليه وقلت : يا فتى لمن هذا

__________________

(٣٦١) ـ ابن نما ، الشيخ محمد جعفر الحلي : مثير الأحزان / ١٠٤ ـ ١٠٥.

٢٨٣

القصر؟ فقال : لأبيك الحسين. فقلت : ومن هذه المشايخ؟ فقال : هذا آدم ، ونوح ، وابراهيم ، وموسى ، وعيسى ، فبينما هو يخاطبني إذ أقبل رجل قمري الوجه كأنه قد إجتمع عليه هَمّ الدنيا ، وهو قابض على لحيته ، فقلت : من هذا؟ فقال : جدك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فدنوت منه وقلت : يا جداه ، قد قتلت والله رجالنا ، وذبحت والله أطفالنا ، وهتكت والله حريمنا ، فإنحنى عليّ وضمني إلى صدره ، وبكى بكاء عالياً ، فأقبل إبراهيم ، وآدم ، ونوح ، وموسى ، وعيسى وقالوا : إخفضي من صوتك يا بنت الصفوة ، فقد أوجعت قلب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ثم أخذ الوصيف بيدي وأدخلني القصر. وإذا بخمس نسوة كالبدور الطالعة ، وبينهن إمرأة ناشرة شعرها ، قد صبغت أثوابها بالسواد ، وبين يديها قميص مضمخ بالدماء ، إن هي قامت قمن النساء مها ، وإن هي جلست جلسن معها ، وكانت تحثو التراب على رأسها بعد مرة ، وتعض الأكف غيضاً وحنقاً ، تكاد أن تذوب مهجتها ، قد إحترق قلبها حزناً لمصاب الحسين ، فقلت للوصيف فمن هؤلاء النسوة؟ فقال : هذه حواء ، ومريم ، وأم موسى ، وآسية ، وخديجة الكبىر ، وصاحبة القميص المضمّخ بالدم جدتك فاطمة الزهراء. فدنوت منها وقلت لها : يا جدتاه ، قتلوا والله أبي ، وأيتمت على صغر سني ، فضمنتني إلى صدرها وقالت : يعزّ والله عليّ ذلك ، وصارت صارخة وقالت : أحرقت قلبي يا سكينة ، من غسّل ابني؟ ... من كفّنه؟ ... من صلى عليه؟ ... من جهّزه؟ ... من سار بنعشه؟ ... من حفر له قبراً؟ ... من تحفّى له؟ ... من لحّده في لحده؟ .. من شرج له لبناً؟ .. من أهال التراب على وجه ولدي وقرّة عيني الحسين؟ .. من ذا كفل أيتامكم يا سكينة بعده؟ .. من حَنّ عليكم

٢٨٤

بعوائد اللطف؟ .. من تكفل أرامله؟ ثم قالت : وا ولداه ، وا مهجة قلباه ، وا ثمرة فؤاداه. فتناوحت النساء من حولها ، حتى ظننت أنّ القصر يريد أن ينطبق ، وهي من عبرتها تخنق ، فجعلت النساء يعزونها تعزية شديدة ، ويهدئنها ولم تكن تهدأ ولا تقنق ، كأنّها قد أخذت حزن أهل الدنيا على رأسها ، هذا والنساء يقلن لها : يا فاطمة (سلام الله عليكم) ، يحكم الله تعالى بينكم وبين يزيد (لع) وهو خير الحاكمين ، وودعتني وهي باكية ، فانتبهت وجلة قد زادني حزناً إلى حزني فراقها. قال : فعند ذلك ضحك يزيد (لع) مستهزءاً وقال : إنكم تسلون بالأحلام ولم يعبأ بكلام الطاهرة ، ولم يخف من ملالها» (٣٦٢).

نتيجة بحث رؤياها :

وبعد عرض هذه الروايات التي ذكرت رؤيا السيدة سكينة في دمشق ؛ نخرج بالنتيجة التالية :

أولاً ـ إنّ الروايات مختلفة من حيث الإجمال والتفصيل ، وإختلاف الألفاظ والفقرات والزيادة والنقصان ، ومع ذلك يمكن القول بوحدة القضية وكونها رواية واحدة ، ولعل ذلك يرجع إلى ما يلي :

١ ـ إنّ من دأب الرواة الزيادة والنقصان ، سواء من باب العمد أو السهو أو النسيان.

٢ ـ قد يرجع ذلك إلى النسّاخ في نقل الرواية من مصادرها الأساسية ، وهذا معروف عنهم.

__________________

(٣٦٢) ـ الدربندي ، الشيخ آغا بن عابد الشيرواني الحائري : أسرار الشهادة ، ج ٣ / ٦٢٢ ـ ٦٢٣.

٢٨٥

ثانياً ـ إنّ رواية الشيخ ابن نما الحلي تنصّ على أنّ سكينة لم تقص الرؤيا على يزيد (بع) ، بل أرادت إخفائها عنه ، فشاعت بين الناس ، وهذا هو الأقرب إلى الصحة ، وذلك لما يلي :

١ ـ إنّ بعض الروايات التي نصت على إخبارها ليزيد برؤياها ، تنص على أنّ يزيد تارة يسخر من كلامها ، وتارة أخرى يبكي ويقول : ما لي ولقتل الحسين. فهي متضاربة من حيث النتيجة من الإستهزاء تارة والبكاء تارة أخرى؟!

٢ ـ إنّ مخاطبة السيدة سكينة وقصّ رؤياها ليزيد (لع) مستبعدة ؛ وذلك لما هو الملاحظ من سيرته مع أهل البيت عليهم السلام من الشماتة والإستهزاء بهم ، وقد عَبّرت عنه هذه السيدة الجليلة بما روي عنها : (ما رَأيت أقسى قلباً من يزيد ، ولا رأيت كافراً ولا مشركاً شرّاً منه ، ولا أجفى منه) (٣٦٣).

ثالثاً ـ تنصّ بعض الروايات على أنّ يزيد (لع) كان يهزأ من رؤيا سكينة ، وبعضها تنصّ على أنّه بكى وقال : مالي ولقتل الحسين؟ وإن صح هذا ال قول المنسوب إليه ، فيدل على أنّه لما افتضح بين أهل الشام ، أراد أن يبرر موقفه بالندم تارة ، ونسبة القتل إلى ابن زياد تارة أخرى ، وهذا هو المعروف من سيرته مع أهل البيت عليهم السلام في دمشق. نذكر منها ما يلي :

أ ـ ذكر الشيخ عباس القمي (ره) : «وفي رواية أخرى ، أنّ هند زوجة يزيد بنت عبد الله بن عامر بن كريز ، كانت قبل ذلك تحت الحسين عليه السلام ، فلما دخلت على يزيد كان الملعون جالساً في مجلس عام ، فقالت : يا يزيد ، أرأس ابن افطمة بنت رسول الله مصلوب على فناء داري. فوثب إليها يزيد

__________________

(٣٦٣) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٥ / ١٥٥ ـ ١٥٦.

٢٨٦

فغطاها وقال : نعم ، فأعولي عليه يا هند ، وأبكي على ابن بنت رسول الله وصريخة قريش ، عَجّل عليه ابن زياد لعنه الله فقتله ، قتله الله ، ثم إنّ يزيد أنزلهم في داره الخاصة ، فما كان يتغدى ولا يتعشى حتى يحضر علي بن الحسين (عليه السلام)» (٣٦٤).

ب ـ وذكر الشيخ عباس القمي أيضا : «وقيل لما وصل .. الحسين (عليه السلام) إلى يزيد حسنت حال ابن زياد عنده ، وزاده ووصله وسره ما فعل ، ثم لم يلبث إلا يسيراً حتى بلغه بغض الناس له ولعنهم وسبهم ، فندم على قتل الحسين (عليه السلام) ، فكان يقول : وما عليّ لو إحتملت الأذى وأنزلت الحسين معي في داري وحكمته فيما يريد ، وإن كان عليّ في ذلك وهن في سلطاني ، حفظاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ورعاية لحقه وقرابته ، لعن الله ابن مرجانة ، فإنّه إضطره وقد سأله أن يضع يده في يدي ، أو يلحق يثغر حتى يتوفاه الله ، فلم يجبه إلى ذلك فقتله فبغّضني بقتله إلى المسلمين ، وزرع في قلوبهم العداوة فأبغضني البر والفاجر بما استعظموه من قتل الحسين (عليه السلام) ، مالي ولابن مرجانة (لعنه الله وغضب عليه). ثم عَقّب الشيخ عباس القمي على ذلك بقوله : «يظهر لمن تأمل في أفعال يزيد وأقواله ، أنّه لما جيء برأس الحسين (عليه السلام) وأهل بيته سُرّ بذلك غاية السرور ، ففعل ما فعل مع الرأس الشريف ، وقال ما قال ، وحبس علياً بن ال حسين (عليه السلام) وسائر أهل بيته في محبس لا يكنّهم من حَرّ ولا قَرّ ، حتى تقشرت وجوههم ، فلما عرفهم الناس واطلعوا على جلالتهم وأنهم مظلومون ، ومن أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه

__________________

(٣٦٤) ـ القمي ، الشيخ عباس : نفس المهموم / ٤١٩ ـ ٤٢٠.

٢٨٧

وآله) كرهوا فعل يزيد ، بل لعنوه وسبوه وأقبلوا على أهل البيت ، فلما إطلع يزيد على ذلك أراد أن يفرغ ذمته من دم الحسين (عليه السلام) ، فنسب قتله إلى إبن زياد ولعنه بفعله ذلك ، وأظهر الندم على قتله (عليه السلام) ، وغَيّر حاله مع علي بن الحسين (عليه السلام) وسائر أهل بيته ، فأنزلهم في داره الخاصة ، حفظاً للملك والسلطنة ، وجلباً لقلوب العامة ، لا أنّه ندم على قتل الحسين ، وساءه ما فعل إبن زياد ، بحسب الواقع ونفس الأمر.

والذي يدل على هذا ، ما نقله السبط ابن الجوزي في التذكرة : أنّه إستدعى ابن زياد إليه واعطاه أموالاً كثيرة ، وتحفاً عظيمة ، وقَرّب مجلسه ، ورفع منزلته وأدخله على نسائه ، وجعله نديمه ، وسكر ليلة وقال للمغني : غَنِّ ، ثم قال يزيد بَدِيهاً :

إسقني شربة تروي مَشَاشِي

ثم مِل فاسقِ مثلها ابن زيادِ

صاحب السر والأمانة عندي

ولتسديد مغنمي وجهادي

قاتل الخارجي أعني حسيناً

ومبيد الأعداء والحساد» (٣٦٥)

رابعاً ـ في رواية السيد ابن طاووس في كتابه (اللهوف) : أنّ السكينة عليها السلام رأت جدها الزهراء عليها السلام وفي بعض الروايات أنّها رأت جدها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأولي العزم من الأنبياء.

وفي رواية الشيخ ابن نما الحلي ، رأت جدتها الزهراء عليها السلام وسيدات النساء المفضلات على العالمين ، وفي رواية المجلسي في كتابه (بحار الأنوار ج ٤٥ /

__________________

(٣٦٥) ـ المصدر السابق / ٤٢٠ ـ ٤٢١.

٢٨٨

١٩٥) : أنّها رأت زيادة على ذلك جدها أمير المؤمنين عليه السلام. هذا ما أردنا بيانه ، والله سبحانه العالم بحقائق الأمور.

٢٨٩
٢٩٠

٧ ـ السيدة رُقَية (عليها السلام)

أولاً ـ أخوات السيدة رقية

١ ـ السيدة فاطمة

ـ زوجها وأولادها

ـ منزلتها وعلوّ شأنها

ـ وفاتها ومدفنها

٢ ـ السيدة فاطمة الصغرى (العليلة)

٢٩١
٢٩٢

٧ ـ السيدة رُقيّة بنت الإمام الحسين (عليه السلام) :

قبل عرض ما ذكرته الروايات لرؤياها في الشام ، ينبغي التعرف على شخصيتها ، وبما أنّ هناك تكراراً لإسم فاطمة في بنات الإمام الحسين عليه السلام ، وأيضاً يضاف له الكبرى ، والصغرى ، والصغيرة ، لذا ينبغي البحث في عددها ، وإعطاء نبذة عنها ؛ كي يتضح لنا التَعرّف على السيدة رقية من خلال ذلك ، والبحث في ذلك يرتكز على التالي :

أولاً ـ اخوات السيدة رقية (عليها السلام) :

المستفاد من كلمات المؤرخين أنّ بنات الحسين عليه السلام أربع : فاطمة ، وسكينة ، وزينب ، ورقية ، وقد مضى الحديث عن السيدة سكينة عليها السلام ، وبقي الحديث عن أخواتها كالتالي :

١ ـ السيدة فاطمة (عليها السلام) :

السيدة فاطمة المعروفة بـ(فاطمة الكبرى ، وفاطمة الصغرى ، وزينب الصغرى).

قال السيد جعفر آل بحر العلوم (ره) : «وكانت تُلقّب بفاطمة الصغرى ، قبال فاطمة الصِدِّيقة الكبرى ، ويظهر من (الكافي) أنّها أكبر سناً من أختها سكينة بنت الحسين عليه السلام ؛ لأنّه عليه السلام في يوم الطف أوصى إليها لتوصل الوصية إلى السجاد عليه السلام» (٣٦٦).

__________________

(٣٦٦) ـ بحر العلوم ، السيد جعفر : تحفة العالم ، ج ١ / ٢٩٨.

٢٩٣

وذكر الشيخ الحائري (ره) في كتابه (معالي السبطين) : «وفاطمة الكبرى ، الملقبة بزينب الصغرى ، وقيل : أمها قضاعية ، فعلى هذا هي وجعفر بن الحسين عليه السلام من أم واحدة» (٣٦٧).

أقول : تبين لنا بعد عرض هذين النصين ، أنّ هذه السيدة تعرف بـ(فاطمة الكبرى) باعتبار أنّها أكبر بناته عليه السلام ، وفاطمة الصغرى باعتبار جدتها الصديقة الكبرى (فاطمة) ، ولعلّ من قال : بأنّ للحسين عليه السلام بنتاً إسمها (زينب) ، هي هذه السيدة ؛ لأنّها تعرف بـ(زينب الصغرى).

والدتها هي : أم إسحاق ، بنت طلحة ، بن عبيد الله التيمي ، كانت زوجة الإمام الحسن عليه السلام ، وولدت له طلحة ، وقد درج ولا عقب له ، ثم تزوجها الإمام الحسين عليه السلام بوصية منه ، فولدت له فاطمة.

وذكر الشيخ عباس القمي (ره) في كتابه (نفثة المصدور) : «قال ابو الفرج : وأمها ـ أي أم إسحاق ـ جرباء بنت قسامة ، بن رومان من طيء ، إنّما سميت جرباء لحسنها ، كانت لا تقف إلى جانبها إمرأة ـ وإن كانت جميلة ـ إلا إستقبح منظرها لجمالها ، وكانت النساء يتحامين أن يقفن إلى جانبها ، فشبهت بالناقة الجرباء التي تتوقاها الإبل مخافة أن تعديها ، وقد كانت أم إسحاق عند الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) ، قبل أخيه الحسين (عليه السلام) ، فلما حضرته الوفاة دعا بالحسين (عليه السلام) ، فقال : يا أخي ، إنّي أرضى هذه المرأة لك ، فلا تخرجن من بيوتكم ، فإذا إنقضت عدتها فتزوجها ،

__________________

(٣٦٧) ـ الحائري ، الشيخ محمد مهدي : معالي السبطين ، ج ٢ / ٢١٤.

٢٩٤

فلما توفي (عليه السلام) ؛ تزوجها الحسين ، وقد كان ولدت من الحسن (عليه السلام) طلحة ، وقد درج ولا عقب له» (٣٦٨).

هل أم إسحاق والدة السيدة فاطمة؟

المشهور بين المؤرخين أنّ أمّها هي (أم إسحاق) ؛ إلا أنّ هذه الشهرة قابلة للنقاش والتحقيق ، وذلك كالتالي :

أولاً ـ أنّ (أم إسحاق) كانت زوجة للإمام الحسن عليه السلام ثم تزوجها من بعده الإمام الحسين عليه السلام.

والأقوال في تاريخ وفاة الامام الحسن هي :

(٥٠ هـ ، ٤٩ هـ ، ٥١ هـ ، ٤٤ هـ ، ٤٧ هـ ، ٥٨ هـ).

والأقوال في وفاة السيدة فاطمة عليها السلام مرددة بين عام (١١٧ هـ و ١١٠ هـ) ، وأن عمرها (٧٠ أو أكثر من ٧٠ ، أو قاربت التسعين) ، ويمكن الجمع بين هذه الأقوال بأنّ عمرها (٧٠ ـ ٨٠) ، فيكون تاريخ ولادتها كالتالي :

(١١٧ – ٧٠ = ٤٧ هـ ، فيكون عمرها يوم الطف (١٣ سنة)

(١١٧ – ٨٠ = ٣٧ هـ ، فيكون عمرها يوم الطف (٢٣ سنة)

(١١٠ – ٧٠ = ٤٠ هـ ، فيكون عمرها يوم الطف (٢٠ سنة)

(١١٠ – ٨٠ = ٣٠ هـ ، فيكون عمرها يوم الطف (٣٠ سنة)

وعلى كل هذه الفروض والإحتمالات ، فأقربها هو أنّ ولادتها عام (٤٧ هـ) ، ومع هذا فهو قابل للنقاش ؛ حيث أنّه أحد الأقوال الغير قوية في وفاة الإمام الحسن عليه السلام ، ومع هذا لا يقبل هذا الإحتمال ؛ إذ أنّها أكبر من أختها السيدة سكينة ، وقد عَبّر عنها الحسين عليه السلام بـ(يا خيرة النسوانِ) وعلى بعض

__________________

(٣٦٨) ـ القمي ، الشيخ عباس : نفثة المصدور / ٤٨٢.

٢٩٥

الأقوال أنّ عمرها يوم وفاتها (٧٥ سنة) ، وتاريخ وفاتها عام (١١٧ هـ) ، فتكون ولادتها عام (٤٢ هـ) ، وعمرها يوم الطف (١٨ سنة) ، فعلى هذا يُستبعد هذا الإحتمال.

ثانياً ـ قد يكون هناك خلط بين فاطمة بنت الإمام الحسن عليه السلام وفاطمة بنت الإمام الحسين عليه السلام ، فقد ذكر الشيخ المفيد (قده) في كتابه (الإرشاد) ـ في تعداد أولاد الإمام الحسن عليه السلام ـ : «والحسين بن الحسن الملقب بالأثرم ، وأخوه طلحة بن الحسن ، وأختهما فاطمة بنت الحسن ، أمهم أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيمي» (٣٦٩).

ثالثاً ـ وقد تكون أمّاً لغير فاطمة الكبرى من بنات الحسين عليه السلام ، فقد ذكر الشيخ الحائري (ره) في كتابه (معالي السبطين) : «وفاطمة الكبرى ، الملقبة بزينب الصغرى ، أمّها قضاعية ، فعلى هذا هي وجعفر بن الحسين عليه السلام من أم واحدة» (٣٧٠).

وقال أيضاً : «وفاطمة الصغرى ، وقال صاحب (الحدائق الوردية) وفاطمة الصغرى ، هي أخت عبد الله الرضيع من أمه ، وهو الذي ولد في الحرب وقت صلاة الظهر ، وقتل في حجر أبيه» (٣٧١).

وقال أيضاً : «وفاطمة الصغرى ؛ هي التي خلفها الحسين عليه السلام بالمدينة لمصلحة ، أو لأنّها مريضة ، وفي كتاب (مشارق الأنوار) ، نقلاً عن كتاب (درر الأصداف (: إنّ للحسين عليه السلام فاطمة صغرى ، وفاطمة كبرى ، ثم قال : وجاء

__________________

(٣٦٩) ـ المفيد ، الشيخ محمد بن محمد : الإرشاد ، ج ٢ / ٢٠.

(٣٧٠) ـ الحائري ، الشيخ محمد مهدي : معالي السبطين ، ج ٢ / ٢١٤.

(٣٧١) ـ نفس المصدر.

٢٩٦

غراب وتمرّغ في دمه وطار حتى وقع بالمدينة على جدار فاطمة بنت الحسين عليه السلام وهي صغيرة» (٣٧٢).

فبعد هذا البيان ؛ إتضح لنا ، أنّ هناك فاطمة أخرى للحسين عليه السلام قد تكون أمها (أم إسحاق) ، وسيتضح لنا فيما بعد أنّها أم (لرقية وعلي الأصغر ، الرضيع المولود وقت صلاة الظهر يوم عاشوراء ، ولم يتضح لنا أنّها أمّاً لفاطمة الكبرى بنت الحسين عليه السلام ، بل أمّها قضاعية ، والله العالم بحقايق الأمور.

زوجها وأولادها :

تزوجت بابن عمها الحسن بن الحسن بن أمير المؤمنين عليه السلام ، كما ذكر ذلك الشيخ المفيد (قده) في كتابه (الإرشاد) : «وروي : أنّ الحسن بن الحسن ، خطب إلى عمِّه الحسين بن علي (عليهما السلام) إحدى إبنتيه ، فقال له الحسين ، إختر يا بُنيّ أحبهما إليك ، فاستحيا الحسن ولم يُحِرْ جواباً ، فقال الحسين (عليه السلام) : فإنّي قد إخترت لك ابنتي فاطمة ، وهي أكثرهما شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول الله (صلى اللع عليهما) ...» (٣٧٣) والمستفاد من نَصّ الشيخ المفيد (قده) ، جلالة وحسن حال هذا الرجل ، حيث قال : فأما الحسن بن الحسن ؛ فكان جليلاً رئيساً فاضلاً ورعاً ، وكان يلي صدقات أمير المؤمنين (عليه السلام) في وقته» (٣٧٤). وقال أيضاً : «وكان الحسن بن الحسن حضر مع عمه الحسين بن علي (عليهما السلام) الطف ، فلما قتل الحسين ، وأسر الباقون من أهله ؛ جاءه أسماء بن خارجة فانتزعه من بين الأسرى ، وقال : والله لا يوصل

__________________

(٣٧٢) ـ المصدر السابق.

(٣٧٣) ـ المفيد ، الشيخ محمد بن محمد : الإرشاد ، ج ٢ / ٢٣.

(٣٧٤) ـ نفس المصدر / ٢٥.

٢٩٧

إلى ابن خولة أبداً. فقال عمر بن سعد : دعوا لأبي حَسّان ابن أخته. ويقال : إنّه أسر وكان به جراح قد أشفي منها» (٣٧٥). وقال أيضاً : «ومضى الحسن بن الحسن ولم يَدّعِ الإمامة ، ولا إدّعَاها له مُدّعٍ ، كما وصفناه من حال أخيه زيد رحمة الله علهيما) (٣٧٦).

وأنجب من بنت عمه ثلاثة أولاد وبنتا واحدة كالتالي :

١ ـ عبد الله بن الحسن (المحض) (٣٧٧) :

«شيخ بني هاشم ، والمقدم فيهم وذا الكثير منهم فضلاً وعلماً وكرماً ، ولد في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد. وقتل في محبسه بالهاشمية ، وهو ابن خمس وسبعين ، سنة خمس وأربعين ومائة» (٣٧٨).

٢ ـ الحسن بن الحسن :

كان فاضلاً ورعاص ، توفي في محبسه بالهاشمية ، في ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائة ، وهو ابن ثمانٍ وستين سنة.

٣ ـ إبراهيم بن الحسن (الغمر) (٣٧٩) :

يكنى أبا الحسن ، كان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتوفي في محبسه بالهاشمية في شهر ربيع الأول سنة خمس وأربعين ومائة ، وهو أول من توفي منهم في السجن ، وهو ابن سبع وستين.

__________________

(٣٧٥) ـ المصدر السابق.

(٣٧٦) ـ نفس المصدر / ٢٦.

(٣٧٧) ـ سمي بـ(المحض) ؛ لأنّ أباه ال حسن بن الحسن ، وأمه فاطمة بنت الحسين (ع) ، وكان يشبه برسول الله (ص).

(٣٧٨) ـ الإصفهاني ، ابو فرج ، علي بن الحسين : مقاتل الطالبيين / ١٨٠ ـ ١٨٤.

(٣٧٩) ـ سمي بـ(الغمر) ؛ لجوده وكرمه.

٢٩٨

٤ ـ زينب (أم جعفر) :

لم نعرف عن تاريخها شيئاً.

مناقشة تعدد أزواجها :

وزوج السيدة فاطمة عليها السلام الوحيد هو ابن عمها ، ولم تتزوج بغيره ، كما هو المعروف عند الإمامية ، وأما إدّعَاء ابو الفرج الإصفهاني ، نقلاً عن الزبير بن بكار : «وقد كانت فاطمة تزوجت بعد الحسن ، عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ـ وهو عَم الشاعر الذي يقال له : العَرْجِي ـ ، فولدت له أولاداً ، منهم المقتول مع أخيه عبد الله بن الحسن ، ويقال له : الدِيببَاج ، والقاسم والرقية ، بنو عبد الله بن عمرو» (٣٨٠). فيمكن مناقشة ذلك بما يلي :

أولاً ـ لم يذكر ذلك علماء الشيعة ورجال التاريخ ، مع ما عرفوا به من الإطلاع والتحقيق ، أمثال الشيخ المفيد ، والسيد المرتضى ، وابن شهر آشوب ، وغيرهم من أعلام البحث والتحقيق.

ثانياً ـ ما ذكره أبو الفرج الإصفهاني في روايته عن الزبير بن بكار ، عن عمه مصعب ؛ مقدوح فيه ، لإنحرافهما عن أهل البيت عليهم السلام وعداوتهما الواضحة ، فقد ألصقا التهم وكثرة الأزواج بأختها السيدة سكينة كذلك ، وهذا واضح لكل من قرأ ما ذكره أبو الفرج الإصفهاني من المهازل والأساطير ، بالنسبة للأزواج المدّعَاة للسيدة فاطمة بنت الحسين عليهما السلام.

ثالثاً ـ ما ذكره الشيخ المفيد (قده) : «ولما مات الحسن بن الحسن ـ رحمة الله عليه ـ ضربت زوجته فاطمة بنت الحسين على قبره فسطاطاً ، وكانت

__________________

(٣٨٠) ـ الإصفهاني ، ابو الفجر ، علي بن الحسين : مقاتل الطالبيين / ١٨٠.

٢٩٩

تقوم الليل وتصوم النهار ، وكانت تُشبّه بالحور العين لجمالها ، فلما كان رأس السنة ؛ قالت لمواليها : إذا أظلم الليل ؛ فقوِّضوا هذا الفسطاط. فلما أظلم الليل ، سمعت قائلاً يقول : هل وجدوا ما فقدوا؟ فأجابه آخر : بل يئسوا فانقلبوا» (٣٨١).

وبعد هذا نقول : هل مثل هذه المرأة التي ضربت المثل في الحب والوفاء لزوجها ، تُفكِّر في الزواج من غيره؟!

منزلتها وعلو شأنها :

كانت السيدة فاطمة عليها السلام جليلة القدر ، عظيمة المنزلة ، ويكفيها شرفاً وفخراً أنّها تربت في بيت الطهر والقداسة والشرف ، وإليك ـ أيها القارئ الكريم ـ بعض النماذج من سيرتها الطاهرة ، ففي العبادة عَبّر عنها والدها سيد الشهداء عليه السلام : «.. (أما في الدين ؛ فتقوم الليل كله وتصوم النهار) وفي علو المنزلة ما رواه الشيخ الكليني بسنده عن الإمام الباقر عليه السلام قال : (إنّ الحسين بن علي عليهما السلام لما حضره الذي حضره ، دعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين عليهما السلام ، فدفع إليها كتاباً ملفوفاً ، ووصية ظاهرة ، وكان علي بن الحسين عليهما السلام مبطوناً معهم لا يرون إلا أنّه لما به ، فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين عليهما السلام ، ثم صار والله ذلك الكتاب إلينا يا زياد. قال : قلت : ما في ذلك الكتاب جعلني الله فداك؟ قال : فيه والله ما يحتاج إليه ولد آدم منذ خلق الله آدم إلى أن تفنى الدنيا ، والله إنّ فيه الحدود ، حتى أنّ فيه أرش الخدش» (٣٨٢).

__________________

(٣٨١) ـ المفيد ، الشيخ محمد بن محمد : الإرشاد ، ج ٢ / ٢٦.

(٣٨٢) ـ الكليني ، الشيخ محمد بن يعقوب ، الكافي ، ج ١ / ٣٠٣.

٣٠٠