تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٣

الشيخ أمين حبيب آل درويش

تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أمين حبيب آل درويش


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥١
  الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣

وليس هذا بمنافٍ للخبر الذي من قوله (من رآني فقد رآني) ؛ لأنّ معناه : فكأنما رآني» (٣٠٠).

٢ ـ ذهب الشيخ يوسف البحراني ، والشيخ فخر الدين الطريحي ، والسيد عبد الله شبّر ، إلى أنّها على نحو الحقيقة ، كما هو المستفاد من عبارة الشيخ البحراني والطريحي ، وكما هو المستفاد من عبارة السيد عبد الله شبّر التالية :

«في كون هذه الرؤيا هل هي على سبيل الحقيقة ـ بمعنى أنّ الرائي له في المنام مقل الرائي له في اليقظة ـ أم لا؟

ظاهر الأخبار ، وفي بعض أخبار العامة : (من رآني ؛ فقد رآني الحق) قال ابن الأثير في النهاية (٣٠١) : أي رؤيا صادقة ليست من أضغاث الأحلام. وقيل : فقد رآني حقيقة غير مشتبه» (٣٠٢).

وبعد ذكر آراء العلماء حول هذا الموضوع ، ينبغي ذكر ما إستدل به الشيخ البحراني من أدلة تنفع في هذا المجال ، وهي كالتالي :

قال في مناقشة للشيخ المفيد والمجلسي : «ولا يخفى بُعده :

أما أولاً ـ فلما رواه في كتاب (كمال الدين) (٣٠٣) ، من أنّه روى في الأخبار الصحيحة ، عن أئمتنا عليهم السلام : أنّ من رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أو أحداً من الأئمة ـ صلوات الله عليهم ـ قد دخل مدينة أو قرية في منامه ،

__________________

(٣٠٠) ـ الكراجكي ، الشيخ محمد بن علي بن عثمان : كنز الفوائد ، ج ٢ / ٦٤ ـ ٦٥.

(٣٠١) ـ ابن الأثير ، مجد الدين المبارك بن محمد : النهاية في غريب الحديث والأثر ، ج ١ / ٤١٣.

(٣٠٢) ـ شبر ، السيد عبد الله : مصابيح الأنوار ، ج ٢ / ١١ ـ ١٢.

(٣٠٣) ـ كمال الدين وتمام النعمة ، للشيخ الصدوق.

٢٤١

فإنّه أمن لأهل المدينة أو القرية ممّا يخافون ويحذرون ، وبلوغ لما يأملون ويرجون ، فإنّ ترتب هذه الأمور على مجرد وجود الصورة في الحسن المشترك ونحوه بعيد غاية البعد.

وأما ثانياً ـ فلما تقدم من أنّ الرؤيا الصادقة عبارة عما تراه الروح بعد خروجها من الجسد حال النوم وصعودها إلى الملكوت ، فكل ما رأته فهو حق ، وهذا القائل قد إعترف بذلك في الكتاب المشار إليه ، فما المانع من أن تتصل بأحد منهم ـ صلوات الله عليهم ـ وهم في ذلك العالم بلا ريب ، ولما ورد في الأخبار من أنهم ـ صلوات الله عليهم ـ ينتقلون بعد الدفن بأجسادهم الشريفة إلى السماء ، وأنّ الزائر إنما يزور مواضع قبورهم ، فهم أحياء في السماء منعّمون كما كانوا في الدنيا ، فأي مانع من إتصال الروح لهم هناك حينئذ؟

وأما ثالثاً ـ فلا ريب أنّ الأخبار قد إستفاضت بأنّه ما من ميت يموت في شرق الأرض ولا غربها إلا ويرى حال موته النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام وليست هذه الرؤية بحاسة البصر ؛ لشمول ذلك للأعمى ومن تعطّل بصره في تلك الحال ، بل الرؤية حال النوم على حسب تلك الرؤية حال الموت ، ولا أظن هذا القائل يلتزم التجوز في رؤيتهما ـ صلوات الله عليهما ـ حال الموت ، لإستفاضة الأخبار وصحتها وصراحتها بكون الرؤية حقيقة.

غاية الأمر أنّ في المقام إشكالاً مذكوراً في محله من أنّه : كيف يمكن القول بحضورهم عليهم السلام على جهة الحقيقة مع جواز أن يموت في ساعة واحدة ألوف من الناس في أطراف الأرض من شرقها وغربها وشمالها وجنوبها؟

٢٤٢

وهذا مجرد إستبعاد عقلي ، فإنّا لما قام لنا الدليل على ذلك ، وجب علينا القول به ، وبيان كيفية ذلك غير واجب علينا ، فإنّ ذواتهم المقدسة عليها مسحة من الذات الإلهية التي تاهت في بيداء معرفتها العقول ، وضلت في الوصول إلى حقيقتها ألباب الفحول ، ونورهم الذي خلقوا منه منشعب من نور ذاته السبحانية ، ومشتق من لوامع تلك البروق الصمدانية ، ولذا ورد في الخبر عنه صلى الله عليه وآله وسلم : (يا علي ، ما عرف الله إلا أنا وأنت ، ولا عرفني إلا الله وأنت ، ولا عرفك إلا الله وأنا) (٣٠٤) ، وهذه المعرفة جارية فيهما وفي أبنائهما المعصومين ، صلوات الله عليهم أجمعين. وحينئذ ، فلا مطمع للوقوف على كنه حقائقهم وذواتهم المقدسة كسائر الأنام ، وقياسهم على غيرهم من البشر في أمثال هذه الأحكام ، ومن نظر إلى عباداتهم وأذكارهم وتسبيحهم في عالم الأرواح ؛ علم أنّه لا مساح له عما ذكرنا ولا براح» (٣٠٥).

ثالثاً ـ حجية رؤيا المعصوم (عليهم السلام) :

إذا رؤي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أو أحد المعصومين عليهم السلام في عالم الرؤيا ، وأمر بأمر أو نهى عنه ، هل يجب الإلتزام به أم لا؟

قبل الإجابة على هذا السؤال ، ينبغي الإشارة إلى ما ذكره الشيخ المفيد فيما يرتبط بهذا البحث حيث قال : «فأما منامات الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ فلا تكون إلا صادقة ، وهي وحي في الحقيقة ، ومنامات الأئمة ـ عليهم

__________________

(٣٠٤) ـ النمازي ، الشيخ علي : مستدرك سفينة البحار ، ج ٧ / ١٨٢.

(٣٠٥) ـ البحراني ، الشيخ يوسف : الدرر النجفية ، ج ٢ / ٢٧٩ ـ ٢٨١.

٢٤٣

السلام ـ جارية مجرى الوحي وإن لم تُسمّ وحياً ، ولا تكون قط إلا حقاً وصدقا» (٣٠٦).

وبعد هذا التمهيد ، نعرض ما أجاب به علماء المسلمين ، وهو كالتالي :

عند علماء العامة :

١ ـ الصفدي :

«قد تكلم الفقهاء فيمن رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمره بأمر ، هل يلزمه العمل به أم لا؟

قالوا : إن أمره بما يوافق أمره يقظة ، ففيه خلاف ، وإنْ أمره ، بما يخالف أمره يقظة ، فإن قلت : إنّ من رآه صلى الله عليه وآله وسلم على الوجه المذكور من صفته ؛ فرؤياه حق ، فهذا من قبيل تعارض الدليلين والعمل بأرجحهما ، وما ثبت في اليقظة فهو أرجح ، فلا يلزمنا العمل بما أمره مما خالف أمره يقظة» (٣٠٧).

٢ ـ ابن حجر :

«من رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فأمره بحكم يخالف حكم الشرع المستقر ، في الظاهر أنّه لا يكون مشروعاً في حقه ولا حق غيره. فالرؤيا لا تحرم حلالاً ولا تحل حراماً ، وقد حكي أنّ رجلاً صالحاً فقيراً رأى رؤيا أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءه في نومه وقال له : إنّ في موضع كذا ركازاً ، إحفر وخُذهُ ، ولا تؤد خمسه ، فقام من نومه صباحاً ، فأخرج الركاز ثم ذهب إلى الشيخ عز الدين بن عبد السلام يستفتيه في عدم إعطاء خمسه لبيت المال ، حسب ما قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام ، فقال الشيخ عِزّ الدين : يجب عليك أن تؤدي خمسه لبيت المال

__________________

(٣٠٦) ـ الكراجكي ، الشيخ محمد بن علي : كنز الفوائد ، ج ٢ / ٦١.

(٣٠٧) ـ البهائي ، الشيخ محمد بن الشيخ حسين : الكشكول ، ج ٢ / ١٢٣.

٢٤٤

كما أفتانا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في يقظته ، وفتواه في اليقظة مقدمة على فتواه في المنام» (٣٠٨).

عند علماء الإمامية :

ذكر هذه المسألة مجموعة من العلماء نذكر منهم ما يلي :

١ ـ العلامة الحلي :

ذكر في أجوبة مسائل السيد مهنا بن سنان المدني ، حيث قال : «ما يقول سيدنا فيمن رأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أو بعض الأئمة عليهم السلام ، وهو يأمره بشيء أو ينهاه عن شيء؟

هل يجب عليه إمتثال ما أمر به أو إجتناب ما نهاه عنه أم لا يجب ذلك ، مع ما صَحّ عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : (من رآني في منامه ؛ فقد رآني ، فإنّ الشيطان لم يتمثل بيَّ) ، وغير ذلك من الأحاديث؟

وما قولكم ، لو كان ما أمر به أو نهى عنه على خلاف ما في أيدي الناس من ظاهر الشريعة ، هل بين الحالين فرق أم لا؟

أتنا في ذلك مبيّناً ، جعل الله كل صعب عليك هيّناً.

فأجاب ـ نوّر الله مرقد ه، وأعلى مقعده ـ : أما ما يخالف الظاهر فلا ينبغي المصير إليه ، وأما ما يوافق الظاهر ، فالأولى المتابعة من غير وجوب ؛ لأنّ رؤيته عليه السلام لا تعطي وجوب الإتباع في المنام» (٣٠٩).

__________________

(٣٠٨) ـ باشا ، الدكتور حسان شمسي : النوم والأرق والأحلام بين الطب والقرآن / ١٧١.

(٣٠٩) ـ الحلي ، العلامة الشيخ الحسن بن يوسف : أجوبة المسائل المنهائية : ٩٧ ـ ٩٨. (المسألة ١٥٩).

٢٤٥

٢ ـ الشيخ يوسف البحراني :

بعد أن ذكر جواب العلامة الحلي على سؤال مهنا بن سنان ، قال : «لا يخفى ما في كلام السائل والمسئول من التأييد لما قدمناه ، من كون الحس المشترك ، الذي هو عبارة عن مجرد تخليه وتصوره ؛ إذ مجرد التخيل والتصور لا يصح أن يترتب عليه حكم شرعي ، لا وجوباً ولا إستحباباً ، وحاصل جواب العلامة ـ رحمه الله ـ أنّه وإن كان قد رآه في المنام ، إلا أنّه لم يقم دليل على وجوب الإتباع في الرؤية النومية وهو جيد.

أما أولاً ـ فلأن الأدلة الدالة على وجوب متابعتهم وأخذ الأحكام منهم (عليهم السلام) إنما تحمل على ما هو المعروف المتكرر دائماً على الأفراد الشايعة التي ينصرف إليها الإطلاق دون النادرة.

وأما ثانياً ـ فلأنّ الرؤيا وإن كانت صادقة فإنّها قد تحتاج إلى تأويل وتفسير وهو لا يعرفه ، فالحكم بوجوب العمل بها والحال كذلك مشكل.

وأما ثالثاً ـ فلأنّ الأحكام الشرعية إنما بنيت على علوم الظاهرة ، لا على العلم بأي وجه إتفق ، ألا ترى أنهم عليهم السلام إنما يحكمون في الدعاوى بالبينات والأيمان وربما عرفوا المحقّ من المبطل واقعاً ، وربما عرفوا كفر المنافقين وفسق الفاسقين ، ونجاسة بعض الأشياء بعلومهم المختصة بهم؟ إلا أنّ الظاهر أنهم ليسوا مأمورين بالعمل بتلك العلوم في أحكام الشريعة ، وقد روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم : (إنّا نحكم بالظاهر ، والله المتولى للسرائر) (٣١٠).

__________________

(٣١٠) ـ فخر المحققين ، الشيد محمد بن الحسن : إيضاح الفوائد ، ج ٣ / ٤٨٦.

٢٤٦

وأما رابعاً ـ فلما ورد بأسانيد متعددة عن الصادق عليه السلام ، في أحاديث الأذان : (إنّ الله تبارك وتعالى ، أعَزّ من أن يرى في النوم) (٣١١) ...» (٣١٢) أقول : بعد ذكر ما تعرّض له العلماء من آراء حول الموضوع ، يتضح لنا أنّ إختلاف الرؤى والمنامات في تلقي الأحكام من المعصومين عليهم السلام ، أشكل الأمر على العلماء في الإعتماد على حجية الرؤيا وجعلها دليلاً شرعياً يجب العمل به ؛ إذ ليس له قاعدة كليه يجب إطرادها ، وذلك لأ نّ ما يرى في المنام قد يحتاج إلى تعبير وتأويل ، فلعلّ ما رآه مما له تعبير وهو لا يعرفه ، فكيف يمكن الإعتماد على ذلك في مقام التشريع؟ وبعد هذا البيان بقي في البحث العنوان التالي :

رؤيا المتخالفين في المذهب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :

إنّ المتخالفين في المذهب والمعتقد قد يرى كل منهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم ويخبر كل واحد منهما عنه صلى الله عليه وآله وسلم بضد ما يخبر به الآخر ، فكيف يكون رائياً له في الحقيقة مع هذه الإختلاف ، وقد ورد في الحديث المتقدم : (من رآني ؛ فقد رآني)؟

يتضح لنا جواب هذا السؤال من خلال ما ذكره العلماء حول هذا الموضوع ، ولعل أهم ذلك ما يلي :

الشيخ المفيد :

«إنّ من المنامات التي يتخيل للإنسان أنّه قد رأى فيها رسول الله والأئمة (صلوات الله عليهم) ، منها ما هو حق ومنها ما هو باطل ، أنك ترى المتخالفين

__________________

(٣١١) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ج ٧٩ / ٢٣٧.

(٣١٢) ـ البحراني ، الشيخ يوسف : الدرر النجفية ، ج ٢ / ٢٨٤.

٢٤٧

في المذهب ، يقول أحدهما : رأيت في المنام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في النوم وأمرني بكذا مما يوافق مذهبه. ويقول الآخر : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في النوم وأمرني بكذا ، مما يوافق مذهب الآخر. فتعلم لا محالة أنّ أحد المنامين حق والآخر باطل ، فأولى الأشياء أن يكون الحق منهما ما ثبت الدليل في اليقظة على صحة ما تضمنه ، والباطل ما أوضحت الحجة عن فساده وبطلانه وليس يمكن أحدهما أن يقول للآخر : إنك كذبت في قولك إنك رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنّه يقدر أن يقول له مثل هذا بعينه ، وقد شاهدنا بعض من إنتقل عن مذهبه وأخبرنا بأنّه يرى منامات بالضد مما كان يراه قبل ، فبان بذلك أنّ أحد المنامين باطل ، وأنّه من نتيجة حديث النفس أو وسوسة إبليس ونحو ذلك» (٣١٣).

الشيخ يوسف البحراني :

«... لابد من تخصيص الخبر المذكور برؤيا المؤمن خاصةً ، لما عرفت آنفاً من إشتراط صحة الخبر غالباً بالإيمان والصلاح والتقوى ، وإن فرضنا صدق رؤيا غيره ، فهو نادر ، فيحمل الخبر على ما هو الأكثر الغالب.

وأما الكافر والكاذب والمخلط وإن صدقت رؤياهم في بعض الأحيان ؛ فلأنّها لا تكون من الوحي ولا من النبوة ، إذ ليس كل من صدق في حديث عن غيب يكون خبره نبوة ، بدليل الكاهن والمنجم ، فإنّ أحدهم قد يحدث ويصدق ، لكن على الندرة ، وكذلك الكافر قد تصدق رؤياه ، كرؤيا العزيز سبع بقرات ، ورؤيا الفتيين في السجن ، ولكن ذلك قليل بالنسبة إلى مناماتهم المخلّطة الفاسدة» (٣١٤).

__________________

(٣١٣) ـ الأمين ، السيد محسن : معادن الجواهر ونزهة الخواطر ، ج ١ / ٣١٠ ـ ٣١١.

(٣١٤) ـ البحراني ، الشيخ يوسف : الدرر النجفية ، ج ٢ / ٢٨١ ـ ٢٨٢.

٢٤٨

السيد محسن الأمين :

«واعلم أنّ من علامات صحة المنام كونه منتظماً غير مشوش كأنّه مرئي في اليقظة ، ومن علامات عدم صحته كونه مشوشاً غير منتظم ، ومن إمارات كذب مدعي رؤية المنام ذكره أموراً مطوّلة ، وتفاصيل مرتبة منظمة قلّما يتفق مثلها في اليقظة ... ومن هذا القبيل ما أورده معاصرنا الشيخ يوسف النبهاني البيروتي في كتاب له أسماه (سعادة الدارين) مملوه بالمنامات ، ومما أورده فيه صفحة (١٥٨) : عن عمر بن نجا الساري أنّه قال ـ ما ملخصه على طوله ـ : دخلت المسجد الحرام وكان بيَّ نوعاً تكسر ودوران رأس ، ووقعت على جنبي الأيمن ؛ لئلا يأخذني النوم فتنتقض طهارتي ، فإذا رجل من أهل البدع جاء ونشر مصلاه وأخرج لويحاً من جيبه أظنه الحجر وعليه كتابه وصلى صلاة طويلة مرسلاً يديه فيها على عادتهم (وما الذي عابهُ من إرسال اليدين في الصلاة وهو مذهب الإمام مالك) ، وكان يسجد على ذلك اللوح ، وإذا فرغ من صلاته سجد عليه وأطال ، وكان يمرغ خديه ويتضرع في الدعاء ، فلما رأيت ذلك كرهت وقلت في نفسي : لئن كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيننا لنخبره بسوء صنيعهم من أرض مباركة ، والسجود على الأرض أفضل باتفاق المسلمين) ثم غلبني النوم فكنت بين اليقظة والمنام فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحاب المذاهب بيد كل منهم كتاب مجلد يريدون قراءة مذاهبهم واعتقادهم عليه والنبي على زي أهل التصوف (طبعاً لأنّ رائي المنام صوفي) ، فجاء الإمام الشافعي ، ثم الإمام أبو حنيفة وبيد كل كتاب فقرأ عليه مذهبه وإعتقاده وجلس بجنب صاحبه ، ثم جاء صاحب كل مذهب وكلهم يقرأ ويقعد بجنب الآخر. فلما فرغوا إذا واحد

٢٤٩

من المبتدعين الملقبة بالرافضة جاء (ولا شك أنّه جعفر بن محمد إمام الرافضة ، أو رجل من قبله جاء ليقرأ مذهبه على جده أسوة ببقية أئمة المذاهب ، وهو إنما أخذ مذهبه عن آبائه عن جده عن جبرئيل عن الله تعالى) وفي يداه كراريس غير مجلدة (والظاهر أنّ المجلد كان مشغولاً بتجليد كتب أئمة المذاهب ، فلم يتيسر للإمام جعفر الصادق أن يجلدها بجلد قماش فضلاً عن جلد أفرنجي) فيها ذكر عقائدهم الباطلة (ومن أين عرف بطلانها قبل قراءتها) وهمّ أن يدخل الحلفة ويقرأ فخرج واحد وزجره وأخذ الكراريس من يده ورمى بها وطرده وأهانه (والعجب كيف ساغ له طرده واهانته قبل إقامة الحجة عليه؟! وكيف مكنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك؟!) ، ثم قرأت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قواعد العقائد للغزالي إلى أن بلغت إلى صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فما رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر إستبشاراً بقراءة أحد مثلما كان بقراءتي وعليه (وهذا يقتضي أنّه أكرم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جميع أئمة المذاهب) ، ثم إنتبهت وعلى عيني أثر الدمع.

فانظر وأمل واعجب إلى أي حد يبلغ الجهل والعصب وإتباع الأهواء وحب نصرتها بالإنسان وقد فصلنا ما في هذا المنام المختلق من الطرائف في كتابنا (القول الصادق) ، وفي كتاب النبهاني من طرائف المنامات المضحكات المبكيات ما لا يتسع لنا المقام لذكره» (٣١٥).

خلاصة وإستنتاج :

وبعد باين ما ذكره العلماء من توجيه لحديث (من رآني) ، يمكن الخروج بالنتيجة التالي :

__________________

(٣١٥) ـ الأمين ، السيد محسن : معادن الجواهر ونزهة الخواطر ، ج ١ / ٣١٢ ـ ٣١٤. أقول : ما ذكر بين القوسين في هذا المنام ، هو من تعليق السيد محسن الأمين ، رداً على الشيخ النبهاني.

٢٥٠

أولاً ـ حينما يرى النائم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد المعصومين عليهم السلام لا يخلو من الحالات التالية :

الأولى ـ أن يراه ويخبره المعصوم عليه السلام بإسمه ، كأن يقول له (أنا الحسين) مثلاً ففي هذه الحالة لا مانع من إنطباق الحديث عليه ؛ لأنّ الشيطان لا يمثل بشخصية وصورة المعصوم عليهم السلام.

الثانية ـ أن يراه بصفات توافق ما ورد في الروايات ، وفي هذه الحالة قد يثولد الإطمئنان بانطباق الحديث على ذلك.

الثالثة ـ أن يرى شخصاً روحانياً ، يعتقد أنّه المعصوم عليهم السلام ، ففي هذه الحالة يصعب الجزم بانطباق الحديث على ذلك ، إذ قد يكون بسبب إفاضة الله تعالى في منامه ، إما بتوسط الملائكة ، أو بدونه ، كما يشير إلى ذلك حديث أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (إنّ رجلاً كان على أميال من المدينة ، فرأى في منامه ، فقيل له : إنطلق فصلّ على أبي جعفر ، فإنّ الملائكة تغسله في البقيع. فجاء الرجل فوجد أبا جعفر عليه السلام قد توفي) (٣١٦).

ثانياً ـ إنّ من ال مسائل التي قد يستبعدها الإنسان وقد لا يتعقلها ، هي حضور النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام عند الموتى حال الإحتضار ؛ إذ قد يموت في وقت واحد عدة أشخاص ، وكذلك بالنسبة إلى من يراهم في حال النوم ؛ إذ قد يراهم أكثر من شخص في وقت واحد فكيف يتم ذلك؟

__________________

(٣١٦) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٥٨ / ١٨٣.

٢٥١

يمكن الإجابة على هذا السؤال كما يلي :

١ ـ إنّ الإنسان الذي يعيش في عالم الماديات قد لا يتعقل ذلك ، أما حينما يؤمن بعالم ما وراء الطبيعة ، أو عالم الغيب ؛ فلا يستبعد ذلك ؛ لأنّ قدرة الله تعالى لا يمكن الإحاطة بها ، فليس على الله بعسير أن يحقق كل ذلك ، فالذي يؤمن بمعاجز الأنبياء وكرامات الأولياء ـ عبر العصور وإلى يومنا هذا ـ لا يستغرب من حضورهم عليهم السلام عند الموتى حال الإحتضار في وقت واحد أو رؤياهم كذلك ، «وفي الفتاوي الحديثية ، لابن حجر ص ٢١٣ ، عن ابن العربي : أنّ الأنبياء ترد إليهم أرواحهم في القبور ، ويؤذن لهم في الخروج والتصرف في الملكوت العلوي أو السفلي ، فلا مانع من أن يرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكثيرون ؛ لأنّه كالشمس» (٣١٧).

٢ ـ لو تأملنا إلى ما توصل إليه العلم الحديث من إكتشافات علمية ، كما هو الحال بالنسبة إلى ما نراه عبر الشاشات التلفزيونية ، والقنوات الفضائية ، حينما تنقل لنا الأحداث اليومية على الهواء مباشرة ، فيشاهد الملايين من البشر الحدث المعيّن في وقت واحد ـ وما زال العلم يزودنا بالجديد من التقنية ـ ؛ لتعقلنا مثل هذه الأشياء المنسوبة إلى الأنبياء والأوصياء ، الذين لهم إرتباط بعالم الغيب.

__________________

(٣١٧) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ١٣٢.

٢٥٢

الفصل الأول

رؤى لها إرتباط بتربة الحسين (عليه السلام)

أولاً ـ رؤى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته.

١ ـ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)

٢ ـ أمير المؤمنين (عليه السلام)

٣ ـ الإمام الحسين (عليه السلام)

٤ ـ أم سلمة

٥ ـ عبد الله بن عباس

٦ ـ السيدة سكينة

٧ ـ السيدة رُقيّة

٨ ـ الرباب زوجة الحسين (عليه السلام)

٢٥٣
٢٥٤

١ ـ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) :

لا شك ولا ريب أنّ رؤى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحي ، وقد ذكر لنا التاريخ الكثير من رؤاه ، أما ما يخص بالحسين ؛ فمنها ما يلي :

أ ـ عن عبد الله بن وهيب بن زمغة قال : أخبرتني أم سلمة (رض) : (أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إضطجع ذات ليلة للنوم فإستيقظ وهو خائر ، ثم إضطجع فرقد ، ثم إستيقظ وهو خائر دون ما رأيت به المرة الأولى ، ثم إضطجع فإستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبلها ، فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله؟ قال : أخبرني جبرئيل عليه الصلاة والسلام : إنّ هذا يقتل بأرض العراق ـ للحسين ـ فقلت لجبرئيل : أرني تربة الأرض التي يقتل بها فههذ تربتها) (٣١٨).

ب ـ ذكر ابن عبد البر في كتاب (بهجة المجالس وأنس المجالس) : «أنّه قيل لجعفر الصادق عليه السلام ـ وهو أحد الأئمة الأثني عشر ـ : كم تتأخر الرؤيا؟ فقال : خمسين سنة ، لأنّ النبي صلى الله عليه وآله) رأى كأنّ كلباً أبقع ولغ في دمه ، فأوّله ؛ بأنّ رجلاً يقتل الحسين ابن بنته صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان الشّمِر بن ذي الجوشن قاتل الحسين صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان أبرص ؛ فتأخرت الرؤيا بعده خمسين سنة» (٣١٩).

ويُؤيِّد هذه الرواية ما ذكره الشيخ الطريحي (قده) ـ من حوار الإمام الحسين عليه السلام مع الشمر ـ : «فقال الحسين عليه السلام : الله أكبر ، صدق جدي رسول الله في رؤياه من قبل. فقال له الشمر : في أي شيء صدق جدك؟ فقال عليه السلام :

__________________

(٣١٨) ـ الحاكم النيسابوري ، محمد بن عبد الله : مستدرك الصحيحين ، ج ٤ / ٣٩٨.

(٣١٩) ـ الدّميري ، كمال الدين محمد بن موسى : حياة الحيوان الكبرى ، ج ٢ / ٢٢٩.

٢٥٥

قال جدي : رأيت في منامي كلباً أبقع يأكل من لحوم أهل بيتي ويلعق من دمائهم ، وأما أنا فإنّي رقدت الآن فرأيت في منامي كلاباً كثيرة تريد تنهش من لحمي وتشرب من دمي ، وكان فيهم كلب أبقعع وكان أشدهم عليّ جرأة ، وأكثرهم عليّ حنقاً ، وهو أنت يا شمر ، وكان الشمر لعنه الله أبقع الجسد ، قال : فغضب الشمر من كلام الحسين ، وإزداد حنقاً وبغضاً» (٣٢٠).

٢ ـ أمير المؤمنين (عليه السلام) :

عن ابن عباس قال : (كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام في خروجه إلى صفين ، فلما نزل بنينوى ـ وهو بشط الفرات ـ ، قال بأعلى صوته : يا ابن عباس ، أتعرف هذا الموضع؟ قلت له : ما أعرفه يا أمير المؤمنين ، فقال : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي. قال : فبكى طويلاً حتى إخضلت لحيته ، وسالت الدموع على صدره ، وبكينا معاً وهو يقول : أوه أوه ، مالي ولآل أبي سفيان؟! مالي ولآل حرب حزب الشيطان وأولياء الكفر (والطغيان)؟!

صبراً يا أبا عبد الله فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم. ثم دعا بماء فتوضأ وضوء الصلاة فصلى ما شاء الله يصلي ؛ ثم ذكر نحو كلامه الأول إلا أنّه نعس عند إنقضاء صلاته وكلامه ساعة ، ثم إنتبه فقال : يا ابن عباس فقلت : ها أنا ذا. فقال : ألا أحدّثك بما رأيت في منامي آنفاً عند رقدتي ، فقلت : نامت عيناك ورأيت خيراً يا أمير المؤمنين. قال : رأيت كأنّي برجال نزلوا من السماء معهم أعلام بيض قد تقلدوا سيوفهم وهي بيض تلمع ، وقد خطوا حول هذه الأرض خطة ، ثم رأيت كأنّ هذه النخيل قد ضربت بأغصانها

__________________

(٣٢٠) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : المنتخب. ج ٢ ، (المجلس السابع ـ الباب الثالث) / ٣٧٩ ـ ٣٨٠.

٢٥٦

الأرض تضطرب بدم عبيط ، وكأنّي بالحسين عليه السلام سخلي وفرخي ومضغتي ومخي قد غرق فيه يستغيث فلا يغاث ، وكأنّ الرجال البيض قد نزلوا من السماء ينادونه ويقولون : صبراً آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإنّكم تقتلون على أيدي شرار الناس ، وهذه الجنة يا أبا عبد الله إليك مشتاقة ، ثم يعزونني ويقولون : يا أبا الحسن أبشر فقد أقرّ الله عينيك (يوم القيامة) ، يوم يقوم الناس لرب العالمين. ثم إنتبهت هكذا ، والذي نفس علي بيده ، لقد حدثني الصادق المصدّق ، أبو القاسم أني سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا ، وهذه أرض كربلاء يدفن فيها الحسين عليه السلام ، وسبعة عشر رجلاً من ولدي وولد فاطمة عليها السلام ، وإنّها لفي السماوات معروفة تذكر أرض كرب وبلاء ، كما تذكر بقعة الحرمين ، وبقعة بيت المقدس) (٣٢١).

٣ ـ الإمام الحسين (عليه السلام) :

إنّ نهضة الحسين عليه السلام مرتبطة بأوامر إلهية ، سواء عن طريق إخبارات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حياته ، أو من خلال الرؤى التي رآها سبطه سيد الشهداء عليه السلام ، في المدينة أو مكة ، أو في أثناء طريقه إلى كربلاء ، أو في كربلاء ، فكلها رؤى صدق ، مفادها العناية بتلك النهضة التي أحيت الدين الحنيف ، نذكر منها ما يلي :

ـ عند قبر النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) :

«وقال محمد بن أبي طالب الموسوي ـ في سياق خروجه عليه السلام من المدينة ـ : (فلما كانت الليلة الثانية ، خرج إلى القبر أيضاً وصلى ركعات ، فلما فرغ من صلاته ؛ جعل يقول : (اللهم هذا قبر نبيك محمد ، وأنا ابن بنت نبيك ، وقد

__________________

(٣٢١) ـ الصدوق ، الشيخ محمد بن علي بن بابويه : أمالي الصدوق / ٤٧٨ (مجلس ٨٧ ـ حديث ٥).

٢٥٧

حضرني من الأمر ما قد علمت ، اللهم إني أحب المعروف وأنكر المنكر ، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام ، بحقِّ القبر ومن فيه إلا إخترت لي ما هو لك رضى ، ولرسولك رضى.

قال : ثم جعل يبكي عند القبر حتى إذا كان قريباً من الصبح ؛ وضع رأسه على القبر فأغفى ، فإذا هو برسول الله قد أقبل في كتيبة من الملائكة ، عن يمينه وعن شماله وبين يديه ، حتى ضَمّ الحسين إلى صدره ، وقَبّل بين عينيه وقال : حبيبي يا حسين ، كأنّي أراك عن قريب مرملاً بدمائك ، مذبوحاً بأرض كرب وبلاء من عصابة من أمتي ، وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى ، ظمآن لا تروى ، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة ، حبيبي يا حسين ، إنّ أباك وأمك وأخاك ، قدموا عليّ وه مشتاقون إليك ، وإنّ لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلا بالشهادة.

قال : فجعل الحسين عليه السلام في منامه ينظر إلى جده ويقول : يا جداه لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا ، فخذني اليك وأدخلني معك في قبرك ، فقال له رسول الله : لا بد لك من الرجوع إلى الدنيا حتى ترزق الشهادة ، وما كتب الله لك فيها من الثواب العظيم ، فإنّك وأباك وأخاك ، وعم أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتى تدخلوا الجنة ، قال : فانتبه الحسين عليه السلام من نومه فزعاً ، فقَصّ رؤياه على أهل بيته وبني عبد المطلب ، فلم يكن ذلك في مشرق ولا مغرب ؛ قوم أشدّ غماً من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا أكثر باك ولا باكية منهم» (٣٢٢).

__________________

(٣٢٢) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٤ / ٣٢٨.

٢٥٨

ـ في مكة المكرمة :

«فلمّا كان السحر ، إرتحل الحسين عليه السلام فبلغ ذلك ابن الحنفية ، فأتاه فأخذ بزمام ناقته ـ وقد ركبها ـ فقال : يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك؟ قال : بلى. قال : فما حداك على الخروج عاجلاً؟ قال : أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعدما فارقتك فقال : يا حسين اخرج فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلاً. فقال محمد ابن الحنفية. إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك ، وأنت تخرج على مثل هذا الحال؟

قال : فقال لي صلى الله عليه وآله وسلم : إنّ الله قد شاء أن يراهنّ سبايا ، فسلّم عليه ومضى» (٣٢٣).

ـ في الثعلبية (٣٢٤) :

قال الخوارزمي : «وسار الحسين حتى نزل : الثعلبية وذلك في وقت الظهيرة ، ونزل أصحابه فوضع رأسه فأغفى ، ثم انتبه باكياً من نومه ، فقال له ابنه (علي بن الحسين) : ما يبكيك يا أبت لا أبكى الله عينيك؟

فقال له : يا بني هذه ساعة لا تكذب فيها الرؤيا ، فأعلمك أنّي خفقت برأسي خفقة ، فرأيت فارساً على فرس وقف عليّ وقال : يا حسين ، إنكم تسرعون والمنايا تسرع بكم إلى الجنة ، فعلمت أنّ أنفسنا نعيت إلينا ، فقال ابنه علي : يا أبت أفلسنا على الحق؟

__________________

(٣٢٣) ـ المصدر السابق ، ج ٤٤ / ٣٦٤.

(٣٢٤) ـ من منازل طريق مكة من الكوفة بعد الشُّقوق ، وقبل الخزيمية وهي ثلثا الطريق ، وأسفل منها ما ء يقال له الضُّويجعة على ميل منها مشرف. معجم البلدان ، ج ٢ / ٧٨.

٢٥٩

قال : بلى ، يا بني والذي إليه مرجع العباد. فقال إبنه علي : إذن لا نبالي بالموت. فقال له الحسين : جزاك الله يا بني ما جزى به ولداً عن والده» (٣٢٥).

ـ في عقبة البطن (٣٢٦) :

عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال : «لما صعد الحسين بن علي عليهما السلام عقبة البطن قال لأصحابه : ما أراني إلا مقتولاً. قالوا : وما ذاك يا أبا عبد الله؟ قال : رؤيا رأيتها في المنام. قالوا : وما هي؟

قال : رأيت كلاباً تنهشني ، أشدّها عليّ كلب أبقع» (٣٢٧).

ـ في عُذيب الهجانات (٣٢٨) :

«ثم سار حتى نزل العُذيب ، فقال فيها قائلة الظهيرة ، ثم انتبه من نومه باكياً فقال له ابنه : ما يبكيك يا أبه؟ فقال : يا بني إنّها ساعة لا تكذب الرؤيا فيها ، وإنّه عرض لي في منامي عارض ، فقال : أتسرعون السير والمنايا تسير بكم إلى الجنة» (٣٢٩).

__________________

(٣٢٥) ـ الخوارزمي ، الموفق بن احمد المكي : مقتل الحسين ، ج ١ / ٣٢٤.

(٣٢٦) ـ أو بطن العقبة : منزل في طريق بعد واقصة وقبل القاع لمن يريد مكة من الكوفة ، وفي هذا المكان ماء لبني عكرمة ، من بكر بن وائل. معجم البلدان ، ج ٤ / ١٣٤.

(٣٢٧) ـ بن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ١٥٧ (باب ٢٣ ـ حديث ١٩).

(٣٢٨) ـ العذيب : تصغير العذب ـ وهو الماء الطيب ـ وهو ما بين القادسية والمغيثة ، بينه وبين القادسية أربعة أميال ، وإلى المغيثة إثنان وثلاثون ميلاً. وقيل هو وادٍ لبني تميم ، وهو من منازل حاج الكوفة. راجع معجم البلدان ، ج ٤ / ٩٢.

(٣٢٩) ـ البحراني ، الشيخ عبد الله بن نور الله : عوالم العلوم ، ج ١٧ / ١٦٢ ـ ١٦٣.

٢٦٠