تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٣

الشيخ أمين حبيب آل درويش

تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أمين حبيب آل درويش


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥١
  الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣

الأولى ـ وتمثل أحلام القلق ؛ وهي تدل على أنّ الشخص الذي يحلم بها يعاني من القلق وغير واثق من نفسه ، ويبحث دائماً عن سبب ـ ربما يكون وهمياً ـ يلقي عليه قلقه.

الثانية ـ وهي أحلام تؤدي دور التعويض عن أمور خاسرة في الحياة .. وهي تدل على أنّ الشخص الذي يحلم بها غير راضٍ عن نفسه.

الثالثة ـ وهي أحلام العدوان .. والغريب أنّ الشخص الذي يحلم بها في حياته الواقعية يبدو هادئاً خجولاً ، يحرص على شعور غيره ، في حين أنّه في الحقيقة يخفي تحت هذا المظهر الهادئ شخصية أخرى مختلفة تماماً عما يبدو عليه.

الرابعة ـ وهي الأحلام المتكررة ؛ حيث يتكرر نفس الحلم أكثر من ليلة ، وقد يتحقق ، ولم يستطع العلماء تفسير هذه الظاهرة ، ولكنهم يحذرون منها إذا كانت لها دلالة معينة لصاحبها.

هذا وتعد الأحلام وتفسيرها مجالاً واسعاً خاض فيه العلماء بالبحث والدراسة المستضيفة ، وبرغم هذا فما زال عالم الأحلام عالماً خفياً يحتاج إلى كثير من البحوث والدراسات العلملية» (٢٧٤).

٢ ـ دلت الأبحاث العلمية الحديثة في فيزيولوجيا النوم والأحلام على أنّ هناك نوعين من الأحلام ، وعلى أنّ الأحلام لا تنجم فقط عن مشاعر وأحاسيس وأفكار في العقل الباطن ، وإنما يكون الكثير منها نتيجة لتفكير عقلي ومنطقي ناجم عن أعمال القشرة المخية نفسها ، وقد أظهرت الإكتشافات الحديثة أنّ الأحلام لا تقتصر على فترة النوم الحالم ، بل تحدث أيضاً في

__________________

(٢٧٤) ـ عبد الصمد ، محمد كامل : ثبت علمياً ، ج ٣ / ٤١.

٢٢١

فترة النوم الهادئ. ويقول الدكتور الجلبي : في الحقيقة هناك نوعان من الأحلام :

النوع الأول ـ يحدث في فترة النوم الهادئ ، وتتصف هذه الأحلام بكونها ذات علاقة مباشرة بالحياة ، وبصورة منطقية وعقلية سليمة. وقد تكون نتائج هذه الأحلام في بعض الأحيان إيجاد معدلة حسابية أو إكتشاف علمي أو حل معضلة إجتماعية.

ويتصف هذا النوع من الأحلام بأنّه نتائج أفعال ونشاط القشرة المخية في مقدمة الدماغ.

النوع الثاني ـ ويحدث في فترة النوم الحالم. ويكون نتيجة فعالية شديدة في منطقة تقع في الجزء الخلفي من المخ ، وتسمى بتشكيلة الشبكية ، ونوايا المنطقة الذيلية من البونس (في جذع الدماغ) أو تكون نتيجة نشاط الجزء الخلفي من المخ.

وتتصف هذه الأحلام بكونها نتيجة لرغبات وأفكار وعوامل مكبوتة في اللاشعور.

وهكذا نجد أنّ النوع الأول من الأحكام أكثر منطقية ، وأقل تشويهاً ، ويتصف بقلة الخيالات الوهمية ، ويتعلق أساساً بواقع الحياة ومنطقها ، ويتصل إتصالاً مباشراً بالتجربة العملية التي يمر بها الشخص في تلك المرحلة ، ويخلو من العواطف والأحاسيس العميقة.

أما النوع الثاني من الأحلام ؛ فهو نوع عاطفي ، يتصف بالغرابة ، وإختلاط المرئيات والأسماع. ويجب الإنتباه إلى أنّه كثيراً ما يشترك هذان

٢٢٢

النوعان من الأحلام بالظهور في آن واحد ، وقد يختلط الأول بالآخر ، وليس من الضروري وجودهما كلاً على حده» (٢٧٥).

وبعد عرض هذين النوعين ، ترتب على ذلك النتيجة التالية :

١ ـ الأحلام الإختراعية :

ساعدت الأحلام الكثير من المخترعين على إكتشافاتهم الفريدة ، التي أسهمت فيما بعد في تطوير الحياة الإجتماعية ، ومن الشواهد على ذلك ما يلي :

«فقد رأى (إلياس هاو) في القرن التاسع عشر في منامه أنّ الأهالي يرمون بالرماح وفي نهاية كل رمح ثقب على شكل العين. وعندما إستيقظ عرف على الفور أنّه حَلّ مشكلة موضع الثقب في إبرة ماكينة الخياطة التي إخترعها» (٢٧٦).

ومن تلك الأحلام الإختراعية ، حلم رآه (أوجست كيكولي) الذي كان يبحث طويلاً لمعرفة التركيب الكيميائي للبنزين. فقد أعلن أمام المؤتمر العلمي في جامعة غنت عام ١٨٩٠ م :

«أدركت الكرسي جهة النار ، وغلبني النعاس .. ومرة أخرى أخذت الذرات تتناثر أمام عيني ، وكانت جميعها تتواءم وتتلوى فيما يشبه حركة الثعبان ، ولكن انظر .. ما هذا؟

إنّ أحد الثعابين قد أمسك بذيله ، وبرزت الصيغة الكيميائية ساخرة أمام عيني ، واستيقظت في لمح البصر.

__________________

(٢٧٥) ـ باشا ، الدكتور حسان شمسي : النوم والأرق والأحلام بين الطب والقرآن / ١٤٠ ـ ١٤١.

(٢٧٦) ـ نفس المصدر / ١٤٤.

٢٢٣

لقد استطاع أستاذ الكيمياء (كيكولي) رؤية الثعبان يضع ذيله في فمه ، وأن يتحول ذلك إلى نظرية الحلقة التي وضعت أساس تركيب البنزين ، وهو إكتشاف أحدث فيما بعد ثورة في الكيمياء العضوية» (٢٧٧).

٢ ـ الأحلام التنبؤية :

ويتسائل سيد قطب عن طبيعة الأحلام التنبؤية قائلاً :

«تقول مدرسة التحليل النفسي : إنّها صور من الرغبات المكبوتة تتنفس بها الأحلام في غياب الوعي. وهذا يمثل جانباً من الأحلام ، ولكنه لا يمثلها كلها. و (فرويد) ذاته على كل تحكمه غير علمي وتحكمه في نظريته ـ يقرر أنّ هناك أحلاماً تنبؤية. فما طبيعة هذه الأحلام التنبؤية؟

إنّ حواجز الزمان والمكان هي التي تحول بين هذا المخلوق البشري وبين رؤية ما نسميه الماضي أو المستقبل .. وإن ما نسميه ماضياً أو مستقبلاً إنما يحجبه عنا عامل الزمان ... وإنّ حاسة ما في الإنسان لا نعرفه كنهها تستيقظ أو تقوى في بعض الأحيان فتتغلب على حاجز الزمان أو المكان.

ويقول : إننا ملزمون بالإعتقاد بأن بعض الرؤى تحمل نبؤات عن المستقبل القريب أو البعيد» ، وقد أورد سيد قطب قصة حدثت معه ، يقول : وأستطيع أن أكذب كل شيء قبل أن أكذب حادثاً وقع لي وأنا في أمريكا وأهلي في القاهرة ، وقد رأيت فيما يرى النائم ابن أخت لي شاباً ، وفي عينه دم يحجبها عن الرؤية ، فكتبت أستفسر عن عينه بالذات ، فجاءني الرد بأنّ عينه قد أصيبت بنزيف داخلي وأنّه يعالج. ويلاحظ أنّ النزيف الداخلي لا يرى من الخارج ،

__________________

(٢٧٧) ـ المصدر السابق / ١٤٥.

٢٢٤

فقد كان منظر عينه لمن يراها بالعين المجردة منظراً عادياً ، ولكنها كانت محجوبة عن الإبصار بالنزف الداخلي في قاعها.

أما الرؤيا فقد كشفت عن هذا الدم المحجوب في الداخل! ولا أذكر غير هذه لأنّها وحدها تكفي» (٢٧٨).

__________________

(٢٧٨) ـ سيد قطب : في ظلال القرآن ، ج ٤ / ١٩٧٢.

٢٢٥
٢٢٦

٣ ـ أهمية الرؤيا

أ ـ تاريخ الرؤى

ب ـ فوائد الرؤى

٢٢٧
٢٢٨

أ ـ تاريخ الرؤى :

يمكن تركيز البحث في تاريخ الرؤى وتفسيرها عند الإنسان فيما يلي :

«من أوائل الكتب التي كتبت في تفير الأحلام ما كتبه أرتيميدورس الروماني عام ١٥٠ م ، ولكن من تفسير الأحلام ما يرجع إلى ما قبل هذا التاريخ بعدة قرون. فألواح الصلصال التي كانت تضمها مكتبة الملك الآشوري (آشور بانيبال) ، تحمل مجموعة تفسيرات الأحلام وتشري إلى أنّها مستمدة من تراث أقدم ، بل إنّ أوراق البردي المصرية التي يعود تاريخها إلى عام ٣٠٠ قبل الميلاد كان تتضمن تفسيراً للعديد من الأحلام» (٢٧٩).

١ ـ الأحلام عند فلاسفة الإغريق :

«كان (أفلاطون) يعتقد أنّ الكبد هو مقر الأحلام ، وكان (جالينوس) يرى أنّ كل الأحلام تحذيرات صحية. لكن (أرسطو) كان يعتقد أنّها تأثيرات عقلية ناجمة عن أسباب جسمية. وكان (ديمقريطس) يعتقد أنّ سببها أشياء تسبح في الفضاء وتهاجم الروح أثناء النوم.

ويرى (بليني) أنّ أسبابها (فوق طبيعية Supernatural) ، ومن المحتمل أن يكون (أبو قراط) أقربهم إلى الحقيقة عندما قال : إنّ بعض الأحلام أساسه مقدس ، والبعض الآخر هو نتيجة مباشرة للجسم أو البدن» (٢٨٠).

٢ ـ موقف الكنيسة من الأحلام في العصور الوسطى في أوروبا :

«تقول الكاتبة (نيريس دي) : (بعد ملوك تيودور أصبحت الأحلام ملعونة من وجهة نظر الكنيسة. فقد تناسى الرسميون في نظام الكنيسة المسيحية

__________________

(٢٧٩) ـ باشا ، الدكتور حسان شمسي : النوم والأرق والأحلام بين الطب والقرآن / ١٥١ ـ ١٥٢.

(٢٨٠) ـ نفس المصدر.

٢٢٩

حقيقة أنّ الأحلام كانت في الماضي تحذِّر وتلهم ، ومن ثم صنّفت الأحلام مع غيرها من الفنون التي لها أسرارها ، على أنّها من عمل الشيطان» (٢٨١).

٣ ـ الأحلام في العصور الوسطى في اليابان :

«قبل هور البوذية كان الإمبراطور الياباني هو الذي يقوم بالحلم ، وكانت حضانة الأحلام جزءاً من واجباته الدينية ، وقد إحتوى قصره على قاعة خاصة بالأحلام مزودة بسرير خاص يعرف باسم كامودوكو ينام عليه ، كلما واجهت البلاد كارثة يريد حلاً لها» (٢٨٢).

ب ـ فوائد الرؤى :

س / هل توجد فوائد للرؤى أم لا؟

ج / قبل الإجابة على هذا السؤال ، ينبغي الإشارة إلى ما روي عن إمامنا الصادق عليه السلام : (فَكِّر يا مُفَضّل في الأحلام ، كيف دبّر الأمر فيها؟ فمزج صدقها بكاذبها ، فإنّها لو كانت تصدق ؛ لكان الناس كلهم أنبياء ، ولو كانت كلها تكذب ؛ لم يكن فيها منفعة ، بل كانت فضلاً لا معنى له ، فصارت تصدق أحياناً فينتفع بها الناس ، في مصلحة يهتدى لها ، أو مَضرّة يتحذر منها ، وتكذب كثيراً لئلا يعتمد عليها كل الإعتماد) (٢٨٣).

وبعد الإشارة إلى هذا الحديث : نستعرض الفوائد التالية :

أولاً ـ إنّها الحوادث التي يستدل بها على وجود عالم قادر مختار ، ولشدّة لطافتها ، ودقة مأخذها ، وفسحة عالمها ، وكثرة العجايب المودعة فيها ، فإنّ

__________________

(٢٨١) ـ المصدر السابق.

(٢٨٢) ـ نفس المصدر.

(٢٨٣) ـ الخليلي ، محمد بن الشيخ صادق : من أمالي الإمام الصادق ، ج ١ / ٢٨١ ـ ٢٨٢.

٢٣٠

الحادث كلما كان أتم وأعجب وأتقن ؛ كان دلالته على ما ذكر أوضح وأحسن ، بل لكونها من عالم الغيب ـ ولا ريب في وجودها لأحد ؛ إذ ما من أحد إلا ورأى في عمره منامات كثيرة ـ صادقة ؛ فكانت من أحسن الطرق إلى تصديق الغايب عن جميع الحواس.

ثانياً ـ أنّها تدل على صدق الرسل المستلزم لثبوت مرسلها ، وعلى صدق ما أخبروا به من أحوال بعد الموت وأحواله المستلزمة لثبوت رسالتهم المستلزم له أيضاً ولعل إلى هذا يشير قوله تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ) [الروم / ٢٣] ، إن كان المراد بالمنام الرؤيا وهو أحد إطلاقاته كما في قوله عليه السلام : (لا يزال المنام طايراً حتى يُقصّ). ويُؤيّد بما رواه الحسن بن عبد الرحمن ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : (إنّ الأحلام لم تكن فيما مضى في أول الخلق ، وإنما حدثت. فقلت : وما العلة في ذلك؟ فقال : إنّ الله عَزّ ذكره بعث رسولاً إلى أهل زمانه فدعاه إلى عبادة الله وطاعته ، فقالوا : إن فعلنا ذلك فمالنا؟ فوالله ما أنت بأكثرنا مالاً ولا بأعزنا عشيرة. فقال : إن أطعتموني أدخلكم الله الجنة ، وإن عصيتموني أدخلكم الله النار ، فقالوا : وما الجنة والنار؟ فوصف لهم ذلك. فقالوا : متى نصير إلى ذلك؟ فقال : إذا متم. فقالوا : لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاماً ورفاتاً فازدادوا له تكذيباً وبه استخفافاً ، فأحدث الله عَزّ وجَلّ فيهم الأحلام ، فأتوا فأخبروه بما رأوا وما أنكروا من ذلك. فقال : إنّ الله عَزّ وجَلّ أراد أن يحتج عليكم بهذا ، هكذا تكون أرواحكم إذا متم وإن بليت أبدانكم تصير الأرواح إلى عقاب حتى تبعث الأبدان) (٢٨٤).

__________________

(٢٨٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : مرآة العقول ، ج ٢٥ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣.

٢٣١

ثالثاً ـ إنّها طريق لتلقي التكاليف الكلية ، والنواميس الإلهية التي بها تنظيم أمور العباد ، مما يتعلق بالمعاش والمعاد ، وهو مختص بمن إصطفاهم الله تعالى للإنباء ، وجعلهم وسايط ما ينزله من السماء ، وهذا ما يستفاد من الرويات التالية :

١ ـ ما ورد في حديث الزنديق مع أمير المؤمنين عليه السلام : (وكلام الله ليس بنحو واحد ، منه : ما كَلّم الله به الرسل ، ومنه : ما قذف في قلوبهم ، ومنه : رؤيا يراها الرسل ، ومنه وحي وتنزيل يتلى ويقرأ ، فهو كلام الله عزّ وجلّ) (٢٨٥).

٢ ـ ما روي عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : (وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا) (٢٨٦). أنّ النبي الذي يرى في منامه (٢٨٧). إلى غير ذلك من الروايات التي تؤكد على هذه الفائدة.

رابعاً ـ إنّها طريق إلى معرفة وجود عالم كبير واسع مشتمل على نظير جميع ما يوجد في هذا العالم.

خامساً ـ إنّها طريق إلى معرفة حال نفسه من السعادة والشقى ، ومقامه عند ربه في السخط والرضا ، وتصديق جزء الأعمال الحسنة والقبيحة ، ومن هذا قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس / ٦٣ ـ ٦٤]. والمشهور بين الإمامية وغيرهم الإتفاق على أنّ المقصود بالبشرى في الآية الرؤيا الصالحة ، يراها المؤمن في الدنيا ، ويؤيد ذلك الروايات التالية :

__________________

(٢٨٥) ـ الطبرسي ، احمد بن علي : الإحتجااج ، ج ١ / ٢٤٣.

(٢٨٦) ـ مريم / ٥١.

(٢٨٧) ـ الكليني ، الشيخ محمد بن يعقوب : الكافي ، ج ١ / ١٧٦.

٢٣٢

١ ـ عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : أتى رجل من أهل البادية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله ، أخبرني عن قول الله (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أما قوله (لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) ؛ فهي الرؤيا الحسنة تُرى للمؤمن فيبشر بها في دنياه. وأما قوله (وَفِي الْآخِرَةِ) فإنّها بشارة المؤمن عند الموت ، أنّ الله قد غفر لك ، ولمن يحملك إلى قبرك) (٢٨٨).

٢ ـ عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى : (لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ) قال : (هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له ، فهي بشراه في الحياة الدنيا ، وبشراه في الآخرة الجنة) (٢٨٩).

سادساً ـ إنّه مثال للموت والإنتباه بعده ، ومثال للبعث والنشور ، ونستفيد هذا من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (يا بني عبد المطلب ، إنّ الرايد لا يكذب أهله ، الذي بعثني بالحق لتمتن كما تنامون ، ولتبعثون كما تستيقظون ، وما بعد الموت دار ، إلا جنة أو نار) (٢٩٠). وإلى هذا يشير قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [الأنعام / ٦].

سابعاً ـ الرؤيا سبب لتجلي الأسرار ؛ لأنّ في نفس كل إنسان أموراً مكتومة يخفيها عن الآخرين تظهر وتتجلى بصورة ما في المنام ، بحيث يتعجب عندما يسمع بها على لسان الآخرين ، لشدة خفائها في مكنون نفسه ، ومن هذا الباب ما يلي :

__________________

(٢٨٨) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٥٨ / ١٩١ ـ ١٩٢.

(٢٨٩) ـ السيوطي ، عبد الرحمن بن ابي بطر : الدر المنثور ، ج ٣ / ٣١١.

(٢٩٠) ـ النوري ، ميرزا حسين الطبرسي : دار السلام ، ج ١ / ٢٤.

٢٣٣

«إنّ رجلاً جاء إلى ابن سيرين وقال ل : رأيت في المنام كأنْ أقشّر بيض الدجاج المسلوق ، فآكل بياضه وأرمي بصفاره. فقال له هل أنت رأيت ذلك؟ قال : نعم. قال ابن سيرين لمن حوله هذا هو سارق الأكفان. ولما تحققوا الأمر ؛ وجدوا أنّه كما أخبر ابن سيرين» (٢٩١).

ثامناً ـ تقول الكاتبة الشهيرة (نيريس دي) : «ولا شك في أنّ أحلام المشهورين ، وغير المشهورين عبر العصور قد ساعدت في عمل التاريخ ، وتشكيل حياتنا المعاصرة ، وأحلامهم على أية حال لا تختلف في جوهرها عن أحلامنا. فعندنا جميعاص أحلام تنبؤية وتحذيرية وإلهامية ، كما عندهم. ولكننا إذا لم نقبل هذه الأحلام كمصادر للقوة والفكر الأصيل ، وإذا لم نسلم بأننا نستطيع أن نحصل منها على كل المعلومات والحلول التي نحتاجها في حياتنا فإنّها ستقنع بالبقاء منزوية في الوراء كأصدقاء خجولين» (٢٩٢).

__________________

(٢٩١) ـ المطهري ، الشيخ مرتضى : التوحيد / ١٥٠.

(٢٩٢) ـ باشا ، الدكتور حسّان شمسي : النوم والأرق والأحلام بين الطب والقرآن / ١٥٤.

٢٣٤

٤ ـ نتيجة البحث

أولاً ـ توجيه العلماء لحديث (من رآني).

ثانياً ـ بيان حقيقة رؤيا النبي وأهل بيته (عليهم السلام).

ثالثاً ـ حجية رؤيا المعصوم (عليهم السلام).

٢٣٥
٢٣٦

بعد عرض ما تقدم من أبحاث الرؤى والمنامات ؛ تبين لنا أنّ هناك أبحاثاً لا ينبغي إهمالها ، ولعلّ من أهمها ما يلي :

أولاً ـ توجيه العلماء لحديث (من رآني) :

هذا الحديث رواه الحسين بن علي بن فضال ، عن الرضا عليه السلام : (أنّه قال له رجل من أهل خراسان : يا ابن رسول الله ، رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام كأنّه يقول لي : كيف أنتم إذا دفن في أرضكم بضعتي ، واستحفظتم وديعتي ، وغُيِّب في ثراكم نجمي. فقال الرضا عليه السلام : أنا المدفون في أرضكم ، وأنا بضعة من نبيكم ، وأنا الوديعة والنجم ، ولقد حدثني أبي عن جدي ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام) أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : من رآني في منامه ؛ فقد رآني ؛ لأنّ الشيطان لا يتمثل في صورتي ، ولا في صورة أحد من أوصيائي ، ولا في صورة أحد من شيعتهم ، وإنّ الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزء من النبوة) (٢٩٣).

وقد أوضحه العلماء بالوجوه التالية :

١ ـ الشيخ المفيد :

«فأما الخبر الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله : (من رآني فقد رآني ، فإّ الشيطان لا يتشبه بي). فإنّه إذا كان المراد بن المنام ، يحمل على التخصيص دون أن يكون في كل حال ، ويكون المراد به القسم الأول من الثلاثة أقسام ـ أي المحتمل فيه الصحة والبطلان ـ ؛ لأنّ الشيطان لا يتشبّه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في شيء من الحق والطاعات» (٢٩٤).

__________________

(٢٩٣) ـ الصدق ، الشيخ محمد بن علي ابن بابويه القمي : عيون أخبار الرضا ج ١ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨.

(٢٩٤) ـ الكراجكي ، الشيخ محمد بن علي بن عثمان : كنز الفوائد ، ج ٢ / ٦٣.

٢٣٧

٢ ـ السيد المرتضى :

«.. هذا خبر واحد ضعيف من أضعف أخبار الآحاد ، ولا مُعَوّل على مثل ذلك ، على أنّه يمكن مع تسليم صحته أن يكون المراد به : من رآني في اليقظة ؛ فقد رآني على الحقيقة ؛ لأنّ الشيطان لا يتمثل بي لليقظان ؛ فقد قيل : إنّ الشياطين ربّما تمثلت بصورة البشر ؛ وهذا أشبه بظاهر ألفاظ الخبر ؛ لأنّه قال : (من رآني ؛ فقد رآني) فأثبت غيره رائياً له ، ونفسه مرئية ، وفي النوم لا رائي في الحقيقة ولا مرئيّ ، وإنّما ذلك في اليقظة. ولو حملناه على النوم ؛ لكان تقدير الكلام : من إعتقد أنّه يراني في منامه وإن كان غيره راءٍ لي على الحقيقة ، فهو في الحكم كأنّه قد رآني ، وهذا عدول عن ظاهر لفظ الخبر وتبديل لصيغته» (٢٩٥).

٣ ـ الشيخ المجلسي :

«والظاهر أنّها ليست رؤية بالحقيقة ، وإنما هو بحصول الصورة في الحس المشترك أو غيره بقدرة الله تعالى. والغرض من هذه العبارة ، كأنّه يقول رجل : من أراد أن يراني ؛ فليرَ فلان ، أو من رأى فلان ؛ فقد رآني ، أو من وصل فلان ؛ فقد وصلني. فإنّ كل هذه محمولة على التجوز والمبالغة ، ولم يرد بها معناها حقيقة» (٢٩٦).

__________________

(٢٩٥) ـ المرتضى ، علي بن الحسين الموسوي : أمالي المرتضى ، ج ٢ / ٣٩٤ ـ ٣٩٥.

(٢٩٦) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٥٨ / ٢٣٧.

٢٣٨

٤ ـ الشيخ فخر الدين الطريحي :

«وفي الخبر : (من رآني ؛ فقد رآني) ؛ يعني أنّ رؤيته صلى الله عليه وآله وسلم ليست أضغاث أحلام ، ولا تخيلات شيطان ، والرؤية بخلق الله لا يشترط فيها مواجهة ولا مقابلة. إن قيل : بالجزاء هو الشرط؟

أجيب بإرادة الزمه ؛ أي فليستبشر فإنّه رآني) (٢٩٧).

أقول : هذا الرأي قال به الكرماني في شرح البخاري : «(فقد رآني) ؛ أي رؤيته ليست أضغاث ولا تخيلات الشيطان ، كما روي : (فقد رآني الحق). ثم الرؤية بخلق الله لا يشترط فيها مواجهة ولا مقابلة. فإن قيل : كثيراً ما يرى على خلاف صفته ، ويراه شخصان في حالة في مكانين.

قلت : ذلك ظن الرائي أنّه كذلك ، وقد يظن الظان بعض الخيالات مرئياً لكونه مرتبطاً بما يراه عادة ، فذاته الشريفة هي مرئية قطعاً لا خيال فيه ولا ظن. فإن قلت : الجزاء هو الشرط؟ قلت : أراد لازمه ، أي فليستبشر فإنّه رآني. وقال الطيبي : إيجاد الشرط والجزاء يدل على المبالغة ؛ أي رأى حقيقتي على كمالها)» (٢٩٨).

أولاً ـ إنّ لفظ (من رآني) ، هو الشرط. ولفظ (فقد رآني) ، هو الجزاء.

ثانياً ـ لعلّ ما ذكره الشيخ الطريحي هو أساساً للكرماني ، وإقتصر على ما وافقه عليه ، وسيأتي زيادة إيضاح ورَدّ بالنسبة إلى ما ذهب إليه من إنكار رؤيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصفات مختلفة أو يراه شخصان.

__________________

(٢٩٧) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ١ / ١٦٨.

(٢٩٨) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٥٨ / ٢٣٧.

٢٣٩

٥ ـ الشيخ يوسف البحراني :

«ظاهر الأخبار ذلك ؛ لأنّ قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (من رأني فقد رآني) معناه في حال نومه ، فقد رآني حقيقة ، ما أنا عليه في اليقظظة. قال في النهاية : الحق ضد الباطل ، ومنه الحديث : (من رآني ؛ فقد رآني الحق) ؛ أي رؤيا صادقة ، ليست من أضغاث الأحلام. وقيل : فقد رآني حقيقة غير مُشَبِّه» (٢٩٩).

هذه أهم الأقوال في توجيه الحديث المذكور.

ثانياً ـ بيان حقيقة رؤيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليه السلام :

إختلف العلماء في أنّ رؤيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأهل بيته الأطهار عليهم السلام في صدورهم الحقيقة ، أو بأي صورة كانت؟

يمكن تلخيص ما ذهبوا إليه فيما يلي :

١ ـ ذهب الشيخ المفيد ، والسيد المرتضى ، والشيخ المجلسي إلى أنّها ليست على نحو الحقيقة ، كما هو المستفاد من عباراتهم السابقة ، وكما هو نَصّ الشيخ المفيد الصريح التالي :

قال الشيخ المفيد : «وقولنا في المنام الصحيح : إنّ الإنسان إذا رأى في نومه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

إنّما معنا : أنّه كان قد رآه ، وليس المراد به التحقيق في إتصال شعاع بصره بجسد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأي بصر يدرك به في حال نومه؟ وإنّما هي معانٍ تصورت في نفسه يخيل له فيها أمر لطف الله تعالى له به ، قام مقام العلم ،

__________________

(٢٩٩) ـ البحراني ، الشيخ يوسف : الدرر النجفية : ج ٢ / ٢٧٨.

٢٤٠