تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٢

الشيخ أمين حبيب آل درويش

تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أمين حبيب آل درويش


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٤
  الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣

الجانب الإجتماعي للإسم

توطئة وتمهيد

إختيار الإسم الجميل

تبديل الأسماء المستقبحة

تأثير الإسم على شخصية الإنسان

تخليد أسماء العظماء

٤١
٤٢

توطئة وتمهيد :

لو ألقينا نظرة حول التسمية بشكل عام ؛ لوجدناها من سنن الله عَزّ وجَلّ ، وقد سار الناس على هذه السنّة ، ولكن تختلف التسمية عند البشر على مَرّ الأجيال والعصور على إختلاف لغاتها ، فقد توجد مناسبة بين الإسم والمسمى ولا توجد ، وقد يكون للإسم معنى في قاموس اللغة وقد لا يوجد ، بل هو إسم مخترع لا من مادة لغوية ؛ ولذا نجد العادة جارية في القبائل العربية قبل ظهور الإسلام بتسمية أولادهم بأسماء الوحوش والجوارح ، وقد جاء في رواية أحمد بن أشيم ، عن الإمام الرضا عليه السلام : (قلت له : لِمَ تسمي العرب أولادهم بكلب وفهد ونمر وما أشبه ذلك؟ قال : كانت العرب أصحاب حرب ، وكانت تهول على العدو بأسماء أولادهم ، ويسمون عبيدهم : فرج ، ومبارك ، وميمون وأشباه هذا يتيمنون بها) (٣٥). وبالرغم من أن تلك الأسماء كانت شايعة ومتداولة بينهم ، إلا إنّها كانت في بعض الأحيان ذريعة قوية للطعن والتحقير في أصحابها ، وعلى سبيل المثال : ما حصل لأحد رؤساء عشاير الشام ـ يسمى جارية بن قدامة ـ وكان رجلاً قوياً صريح اللهجة ، وكان يبطن لمعاوية حقداً وعداً ، وسمع معاوية بذلك فأراد أن يحتقره أمام ملأ من الناس ، ويتخذ إسمه وسيلة للإستهزاء والسخرية منه ، وصادف أن إلتقيا في بعض المجالس ، فقال له معاوية : «ما كان أهونك على قومك إذ سموك جارية؟! فقال له جارية : وما كان أهونك على قومك إذا سموك معاوية ؛ وهي الأنثى من الكلاب؟!» (٣٦).

__________________

(٣٥) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد حسن : وسائل الشيعة ، ج ٢١ / ٣٩٠ من أبواب أحكام الأولاد ـ الحديث ٥).

(٣٦) ـ الأبشيهي ، شهاب الدين محمد بن أحمد : المستطرف في كل فن مستطرف ، ج ١ / ٩١.

٤٣

إذن ، من المظاهر المهمة لدى كل إنسان إسمه وإسم عشيرته ، فكما أنّ صورة الشخص سبب لإستحضاره في أذهان الناس ، كذلك إسمه فإنه يعطي صورة عنه ، وكما أنّ الإنسان يلتذ من صورته الجميلة ويتألم منها إن كانت قبيحة ، كذل يَستَرّ من الإسم الجميل ، ويتأذى من الإسم القبيح له أو لعشيرته ؛ ولأهمية الإسم سنبحثه من الجوانب الآتية :

إختيار الإسم الجميل :

إعتني الإسلام بالتسمية وجعلها من حقوق الأولاد على الآباء ، وقد ورد الحث على هذا في الروايات التالية :

روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (من حق الولد على الوالد أن يحسن إسمه ويحسن أدبه) (٣٧).

وروي عن الإمام الكاظم عليه السلام : (إنّ أول ما يبَر الرجل ولده أن يسميه بإسم حسن ، فليحسن أحدكم إسم ولده) (٣٨).

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (إستحسنوا أسماءكم فإنكم تدعون بها يوم القيامة) (٣٩). وأحسن الأسماء أهل بيت العصمة عليهم السلام ، فقد ورد في الزيارة الجامعة : (فما أحلى أسماءكم ، وأكرم أنفسكم).

وعن أبي جعفر صلى الله عليه وآله وسلم : (أصدق الأسماء ما يسمى بالعبودية ، وأفضلها أسماء الأنبياء) (٤٠).

__________________

(٣٧) ـ النوري ، ميرزا حسين الطبرسي : مستدرك الوسائل ، ج ١٥ / ١٢٨ ـ ١٢٩ (باب ١٥ من أبواب أحكام الأولاد ـ حديث ٢).

(٣٨) ـ الكليني ، الشيخ محمد يعقوب : الكافي ، ج ٦ / ١٨ (باب الأسماء والكنى ـ حديث ٣).

(٣٩) ـ نفس المصدر / ج ٦ / ١٩ (باب الأسماء والكنى ـ حديث ١٠).

(٤٠) ـ نفس المصدر / ج ٦ / ١٨ (باب الأسماء والكنى ـ حديث ١).

٤٤

تبديل الأسماء المستقبحة :

عندما نلقي نظرة عابرة على الأسماء المتداولة في المجتمعات التي تعيش في القرى أو المدن ؛ نجد فيها أسماء وألقاباً قبيحة قد يؤدي التصريح بها في المجالس إلى السأم والضجر بالنسبة إلى البعض ، ومن هذا المنطلق نرى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يغير الأسماء المستهجنة للأفراد والبلدان ، كما تشير الروايات الآتية :

١ ـ الإمام الصادق عليه السلام ، عن أبيه قال : (كان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يُغيِّر الأسماء القبيحة في الرجال والبلدان) (٤١).

٢ ـ عن أب يرافع : (إنّ زينب بنت أم سلمة كان إسمها برّة ، فقيل تزكي نفسها فسمّاها رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ زينب) (٤٢).

٣ ـ عن ابن عمر : (أنّ إبنة لعمر كان يقال لها عاصية ، فسَمّاها رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ جميلة) (٤٣).

وبعد إستعراض هذه النصوص ؛ نستفيد أنّ الإسلام يكره للمسلمين هذه الأسماء المستقبحة ، تنبيهاً على حفظ كرامة المسلم ، لكي لا يقع معرضاً لتحقير الآخرين وإهانتهم ، ومع هذا نهى الإسلام عن ذكر الناس بإسم أو لقب يشينهم ، ويكون سبباً لإهانتهم وتحقيرهم ، وما يؤدي ذلك إلى زرع البغضاء والحقد بين أفراد المجتمع ، وإلى هذا تشير بعض الروايات كالتالي :

محمد بن يحيى بن أبي عباد قال : حدثني عَمَّي قال : (سمعت الرضا عليه السلام يوماً سنشد ، وقليلاً ما كان ينشد شعراً :

__________________

(٤١) ـ الحميري ، أبي العباس عبد الله بن جعفر : قرب الإسناد / ٩٣ (حديث ٣١).

(٤٢) ـ مسلم ، مسلم بن الحجاج : صحيح مسلم ، ج ٦ / ١٧٣.

(٤٣) ـ نفس المصدر.

٤٥

كلّنا نأمل مداً في الأجل

والمنايا هنّ آفات الأمل

لا تغرنك أباطيل المنى

والزم القصد ودع عنك العلل

إنما الدنيا كظل زائل

حَلّ في راكب ثمّ رحل

فقلت : لمن هذا أعزّ الله الأمير؟ فقال : لعراقي لكم ، قلت أنشدنيه أبو العتاهية لنفسه ، فقال : هات إسمه ودع هذا ، إنّ الله سبحانه يقول : (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) (٤٤). ولعلّ الجل يكره هذا (٤٥) وفي الحديث : (حق المؤمن على أخيه أن يسميه بأحب أسمائه) (٤٦).

تأثير الإسم على شخصية الإنسان :

إنّ للإسم واللقب والكنية تأثيراً على شخصية الإنسان رفعة وضعة ، فالأشخاص الذين يمتازون بأسماء جميلة ، أو ينتمون إلى عشيرة ذات إسم جميل ، يفتخرون بذلك ويذكرونه بكل إرتياح ، بل لربما تفأل به السامع ، ومن الشواهد على ذلك : «حينما جاءت حليمة السعدية إلى مكة تطلب طفلاً ترضعه ، سمعت عبد المطلب ينادي بأعلى صوته : (هل بقي من الرضّاع أحد؟ فإن عندي بُنيّاً لي يتيماً ، وما عند اليتيم من الخير ، إنما يلتمس كرامة الآباء ، قالت : فوقفت لعبد المطلب ـ وهو يومئذ كالنخلة طولاً ـ ، فقلت : أنعم صباحاً أيها الملك المنادي ، عندك رضيع أرضعه؟ فقال هَلمّي ، فدنوت منه فقال لي : من أين أنت؟ فقلت : إمرأة من بني سعد. فقال لي : إيه إيه كرم

__________________

(٤٤) ـ الحجرات / ١١.

(٤٥) ـ الصدوق ، الشيخ محمد بن علي : عيون أخبار الرضا ، ج ١ / ١٩٠.

(٤٦) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٤ / ٣٧.

٤٦

وزجر ، ثم قال لي : ما أسمك؟ فقلت حليمة فضحك وقال : بَخّ بخّ ، خلتان حَسَنَتان : سعد وحلم ، هاتان خلّتان فيها غنى الدهر ...) (٤٧).

أما الذين يحملون أسماء مستهجنة ، أو ينتمون إلى قبيلة ذات إسم قبيح ، فيحسون بالحقارة وضعف الشخصية وعدم الكفاءة وفقدان الإرادة ، وما أكثر الرجال من العلماء والمثقفين ، الذين كانت لهم الكفاءة لتسنّم مناصب عالية ، والحصول على مكانة شامخة في المجتمع ، لكنهم فقدوا جميع قيمهم الإجتماعية ، على أثر لقب قبيح أو شهرة سيئة ، ومن الشواهد على ذلك : «فقد كان إسحاق ابن إبراهيم ـ المعروف بابن النديم ـ من العلماء الذين قَلّ نظراؤهم في عصره ، وكان قد أجهد نفسه في علوم كثيرة : كالكلام والفقه والنحو والتاريخ واللغة والشعر ، وبرع في جميع ذلك براعة تامة ، وكان عملاقاً عظيماً في المناظرات العلمية ، وكثيراً ما كان يتغلب على فضلاء عصره ، وله في مختلف العلوم ما يقرب من أربعين مجلداً ، وآثاره المهمة باقية حتى اليوم. كان ابن النديم ذات صوت جميل ، ورغبة شديدة في الغناء ، وكثيراً ما يشترك في مجالس طرب الخلفاء ورجال الدولة ، ويؤنس الحاضرين بغنائه المطرب ، ويجذب قلوبهم نحوه ... ولإستمراره في هذا العمل ؛ ضؤلت قيمة ثقافته العلمية شيئاً فشيئاً بالنسبة إلى عنائه ، حتى عرف في المجتمع بهذه الصفة ، ولَقّبه الناس بـ(المغني والمطرب) ، لقد أوردت هذه الشهرة ضربة قاصمة على شخصيته ، ولم يتمكن فيما بعد أن يعدّ نفسه في المجتمع كرجل عالم مطلع ، وأن يظهر كفاءته العلمية ... وبالرغم من قربه لدى الخلفاء والشخصيات ، فإنهم لم

__________________

(٤٧) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ١٥ / ٣٨٨.

٤٧

يعهدوا إليه بمهمة أو عمل خطير في الدولة ، وذلك حذراً من اضطراب الرأي العام.

وبهذا الصدد كان المأمون العباسي يقول : لو لم يكن يشتهر ابن النديم بالطرب والغناء لوليته القضاء ؛ لأنّه يفوق جميع قضاة الدولة الموجودين من حيث الفضل والعلم ، وأكثرهم إستحقاقاً لهذا المنصب» (٤٨).

إذن ، نستنتج مما تقدم أنّ الاسم له تأثير على شخصية الإنسان ، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى تنغص الحياة عليه ، ومن هذا المنطلق على الآباء أن يختاروا لأولادهم الأسماء المناسبة الجميلة ، وألا يكونوا سبباً لشعورهم بالخسّة والضعة طيلة حياتهم.

تخليد أسماء العظماء :

إنّ إحياء وتخليد أسماء العظماء أمر يهتم به العقلاء في الشرق والغرب ، وهذا ما نراه واضحاً في حياتهم ، فالحكومات تقوم بتسمية المدن والجامعات والشوارع بأسماء عظمائها ، وبهذه الطريقة خلدوا أسماءهم.

ولو إستعرضنا نصوص أهل البيت عليهم السلام ؛ لوجدنا أنهم أوصوا أتباعهم بتسمية أولادهم بأسماء القادة الإلهيين كالنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام ، ومن بين تلك النصوص ما يلي :

١ ـ عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من ولد له أربعة فلم يسم بعضهم باسمي ، فقد جفاني) (٤٩).

__________________

(٤٨) ـ فلسفي ، الشيخ محمد تقي : الطفل بين الوراثة والتربية ، ج ٢ / ١٧٥ ـ ١٧٦.

(٤٩) ـ النوري ، ميرزا حسين الطبرسي : مستدرك الوسائل ، ج ١٥ / ١٣٠ (باب من أبواب أحكام الأولاد ـ حديث ١).

٤٨

٢ ـ عن أبي رافع قال : (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إذا سميتم محمداً فلا تقبحوه ولا تجبّهوه ولا تضربوه ، بورك بيت فيه محمد ، ومجلس فيه محمد ، ورفقة فيها محمد) (٥٠).

٣ ـ عن الباقر عليه السلام : (إنّ الشيطان إذا سمع منادياً ينادي يا محمد ، ذاب كما يذوب الرصاص ، حتى إذا سمع منادياً ينادي باسم عدو من أعدائنا ؛ إهتزّ وإختال) (٥١).

٤ ـ عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال : (لا يدخل الفقر بيتاً فيه إسم محمد ، أو أحمد ، أو علي ، أو الحسن ، أو الحسين ، أو جعفر ، أو طالب ، أو عبد الله ، أو فاطمة من النساء) (٥٢).

٥ ـ عن ربعي بن عبد الله قال : (قيل لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك ، إنّا لنسمي بأسمائكم وأسماء آبائكم فينفعنا ذلك؟ فقال : إي والله ، وهل الدّين إلا الحب والبغض! قال الله تعالى : (إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (٥٣)) (٥٤). وبعد هذه النصوص ؛ نخرج بالنتيجة التالية :

__________________

(٥٠) ـ المصدر السابق : (باب ١٦ ـ حديث ٢).

(٥١) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن : وسائل الشيعة ، ج ٢١ / ٣٩٣ (باب ٢٤ من أبواب أحكام الأولاد ـ حديث ٣).

(٥٢) ـ نفس المصدر / ٣٩٦ (باب ٢٦ من أبواب أحكام الأولاد ـ حديث ١).

(٥٣) ـ آل عمران / ٣١.

(٥٤) ـ النوري ، ميرزا حسين الطبرسي : مستدرك الوسائل ، ج ١٥ / ١٢٨ ـ ١٢٩ (باب ١٥ من أبواب أحكام الأولاد ـ حديث ١).

٤٩

إنّ الآباء والأمهات الذين سَمّوا أولادهم بأسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأهل بيته الكرام عليهم السلام ، قد حققوا أمرين مهمين :

أولاً ـ تخليد أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام ، وما يترتب على ذلك من إظهار الولاء والمحبة لهم ، لما في ذلك من الخير والبركة والأجر والمثوبة.

ثانياً ـ حفظوا أولادهم من الإحساس بالحقارة ؛ لأنّ أسماءهم عليهم السلام من أجمل وأفضل الأسماء ، التي إختارها لهم الباري عَزّ وجَلّ ، فهي محل فخر وإعتزاز لمن تَسَمّى بها.

٥٠

الفصل الأول

أسماء شرف وقداسة

١ ـ أرش الله المقدّسة

٢ ـ أطهر بقاع الأرض

٣ ـ أكرم أرض الله

٤ ـ البقعة الطيبة

٥ ـ بقعة كثيرة الخير

٦ ـ البقعة المباركة

٧ ـ بطحاء الجنة

٥١
٥٢

١ ـ أرض الله المقدّسة :

هذا الإسم نصّت عليه بعض الروايات كالتالي :

١ ـ عن صفوان الجمّال قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : (إن الله فَضّل الأرضين والمياه بعضها عن بعض ، فمنها ما تفاخرت ومنها ما بغت ، فما من أرض ولا ماء إلا عوقبت لترك التواضع لله ، حتى سَلّط الله على الكعبة المشركين ، وأرسل إلى زمزم ماءاً مالحاً فأفسد طعمه ، وأن كربلاء وماء الفرات ، أوّل أرض وأوّل ماء ، قَدّس الله وبارك عليه ، فقال لها : تكلمي بما فضلك الله ، فقالت : أنا أرض الله المقدّسة المباركة ، الشفاء في تربتي ومائي ولا فخر ، بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي ذلك ، ولا فخر على من دوني بل شكراً لله ، فأكرمها وزادها بتواضعها وشكرها لله بالحسين وأصحابه ، ثم قال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ : من تواضع لله رفعه ، ومن تَكبّر وضعه الله) (٥٥).

٢ ـ عن أبي الجارود قال : قال علي بن الحسين ـ عليهما السلام ـ : (إتخذ الله أرض كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق أرض الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام ، وأنها إذا بَدّل الأرضين رفعها كما هي برمتها نورانية صافيه ، فجعلت في أفضل روضة من رياض الجنة ، وأفضل مسكن في الجنة ، لا يسكنها إلا النبيون والمرسلون ـ أو قال : أولوا العزم من الرسل ـ ، وإنها لتزهر من رياض الجنة كما يزهر الكوكب الدّري لأهل الأرض ، يغشى

__________________

(٥٥) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد حسن : وسائل الشيعة ، ج ١٠ / ٤٠٤ (باب ٦٨ استحباب التبرك بكربلاء ـ حديث ٤).

٥٣

نورها نور أبصار أهل الجنة جميعاً ، وهي تنادي : أنا أرض الله المقدسة ، والطينة المباركة ، التي تضمنت سيد الشهداء وشبان الجنة) (٥٦).

بحث في تفضيل كربلاء على الكعبة :

يستفاد من الحديثين المذكورين تفضيل كربلاء على أرض الكعبة ، وقد تقدم البحث عن ذلك في الجزء الأول. والذي نريد بحثه ـ هنا ـ هو ما يلي :

الأول ـ الأعوام والسنون في الآيات والروايات :

س ١ / ما هو المراد بالأعوام والسنيين في هذا الحديث وفي غيره من الأحاديث؟

ج / يتضح الجواب بعد بيان المقدمة التالية :

أولاً ـ إنّ أفعال الله سبحانه مبنيّة على الحِكَم والمصالح ، وإنّ كمته إقتضت أن تكون أفعاله بالنسبة إلى مخلوقاته على قسمين :

١ ـ ما يصدر عنه على نحو السرعة وبدون توقفه على مادة أو مدة زمنية ، كما أشار إلى ذلك في قوله تعالى : (وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) [البقرة / ١١٧]. وهذا كناية عن نهاية السرعة في الخلق والإيجاد.

٢ ـ ما يصدر عنه بعد مدة زمنية وعلى نحو التدريج ، ومن هذا خلق السماوات والأرض ، كما في قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) [الأعراف / ٥٤]. أما كون الحكمة الداعية إلى إجراء عادته بخلق تلك الأشياء من موادها على نحو التدريج ، كخلق السموات والأرض من مادتها التي هي الماء ، بعد خصوص القدر المذكور ، والزمان المحدود ـ وهو ستة أيام ـ ؛

__________________

(٥٦) ـ النوري ، الشيخ ميرزا حسين الطبرسي : مستدرك الوسائل ، ج ١٠ / ٣٢٢ ـ ٣٢٣. (باب ٥١ ـ إستحباب التبرك بكربلاء ـ حديث ٣).

٥٤

فهو من أسرار القضاء والقدر التي لا يمكن أن يحيط بها عقل البشر ؛ ولذا ما ورد من الأعداد الموجودة في بعض الآيات والروايات ، قد يطلق ويراد بها الكثرة لا خصوص العدد ، وقد يراعى في ذلك عقول المخاطبين وأفهامهم.

ثانياً ـ إنّ التعبير بقدر وزمان معين في الآيات والروايات ؛ للتفهيم والتقريب. وذلك كتقدير الفلك بالبروج والمنازل والدرجات ، وتقدير الزمان بالسنين والشهور والأيام والساعات ، وعلى هلا لا يُعد في أنّ الحكمة الإلهية إقتضت أن تقدر للزمان المتقدم على زمان الدنيا ، بل للزمان المتأخر عن زمانها أيضاً ، بأمثال ما قدّره لزمانها من السنين إلى الساعات ، لكن مع رعاية مناسبة لهذا الإجراء إلى المقدّر بها ، فكما أنّ المناسب لزمان الدنيا أن يكون كل يوم منه بقدر دورش للشمس ، فكذلك يجوز أن يكون المناسب للزمان المتقدم ، أن يكون لكل يوم منه بألف سنة من أيام الدنيا ، كما جاء في قوله تعالى : (وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ) [الحج / ٤٧] ، وفي قوله تعالى : (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) [المعارج / ٤]. فيكون المناسب للزمان المتقدم أن يكون كل يوم منه بمقدار ألف سنة من زمان الدنيا ، وللزمان المتأخر مساوياً لخمسين ألف سنة منه ، ويؤيد ذلك ما ذكر في الروايات التالية :

١ ـ عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل وفيه قال : (إذا قام عليه السلام سار إلى الكوفة فهدم أربعة مساجد ـ إلى أن قال : ـ فمكث على ذلك سبع سنين ، مقدار كل سنة عشر سنين من سنينكم ، ثم يفعل ما يشاء. قال : قلت : جعلت فداك فكيف تطول السنون؟ قال : يأمر الله تعالى الفلك باللبوث وقلة الحركة ، فتطول الأيام لذلك والسنون. قال له : إنهم يقولون : إن تغير فسد؟

٥٥

قال : ذلك قول الزنادقة ، فأما المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك ، وقد شَقّ الله القمر لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، ورَدّ الشمس من قبله ليوشع بن نون ، وأخبر بطول يوم القيامة وأنه كألف سنة مما تعدون) (٥٧).

٢ ـ عن أبي عبد الله عليه السلام ـ في حديث طويل قال فيه ـ : (فإن في يوم القيامة خمسين موقفاً ، كل موقف مثل ألف سنة مما تعدون ، ثم تلا هذه الآية : (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) [المعارج / ١٤] ... (٥٨). وبعد هذا البيان لا يستبعد ما أشارت إليه الروايات من أنّه تعالى قَدّر للزمان المتقدم أسابيع ، وسَمّى الأول من أيامها بالأحد ، والثاني بالإثنين وهكذا إلى السبت ، وكذلك قَدّر له شهوراً تامة كل منها ثلاثون يوماً ، سمى أولها بالمحرم ، أو رمضان ـ على إختلاف الروايات ـ في أول شهور السنة ، وثانيها بصفر أو شوال ، وهكذا إلى ذي الحجة أو شعبان ، وعلى كل تقدير كان المجموع سنة كاملة موافقة لثلاثمائة وستين يوماً ، ثم جعل أيام أسابيعنا وشهورنا موافقة لأيام تلك الأسابيع والشهور ، في المبدأ والعِدّة والتسمية ، وقد يستشهد له بما جاء في قوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) [التوبة / ٣٦].

وعلى هذا لا إشكال في ما ذكرته بعض الروايات : من خلق السماء وجَنّاتها والملائكة يوم الخميس ، وخلق الأرض في يوم الأحد ، وخلق دواب البحر يوم الإثنين ، وخلق الشجر ونبات الأرض وأنهارها وما فيها من الهوام في

__________________

(٥٧) ـ المفيد ، الشيخ محمد بن محمد النعمان : الإرشاد ، ج ٢ / ٣٨٥.

(٥٨) ـ المفيد ، الشيخ محمد النعمان : الأمالي / ٢٧٤ ـ ٢٧٥ (الماجلس ٣٣ ـ حديث ١).

٥٦

يوم الثلاثاء (٥٩). وكذلك ما روي أن دحو الأرض كان في ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة. هذا ما استفدته من بعض الأعلام (٦٠) ، وبعد بيان هذه المقدمة ؛ نذكر آراء بعض الأعلام كالتالي :

١ ـ الفيض الكاشاني :

«لعلّ المراد بالقبلية القبلية بالشّرف ، وبالأعوام الدّرجات ، فإنّ ما لأجله الشيء يكون أقدم من ذلك الشيء بالرتبة» (٦١).

٢ ـ الشيخ أحمد آل طوق القطيفي :

«لعلّ المراد بالأعوام ـ هنا ـ غيب الأعوام المعهودة وعللها ؛ وهي رتب الوجود المتحركة على نقطة ، وهي سِنِّي الشهور الإثني عشر التي عند الله ، وسني الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض ، وذكر مثل هذه السنين متكرر في الأخبار جداً» (٦٢).

٣ ـ السيد صادق الروحاني :

«المراد من خلق أرض كربلاء في تلكم الروايات هو الخلق في عالم الأنوار ، لا الخلق في هذا العالم ، وتكون الروايات نظير ما ورد عن خلق نور الرسول (صلى الله عليه وآله) ، والإمام أمير المؤمنين (عليه آلاف التحية والثناء) ، قبل خلق آدم بآلاف السنني ، مع أنهما في هذا العالم من أولاد آدم» (٦٣).

__________________

(٥٩) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٥٤ / ٧١.

(٦٠) ـ نفس المصدر / ٢١٦ ـ ٢١٩. (بتصرف)

(٦١) ـ آل طوق ، الشيخ أحمد بن الشيخ صالح : رسائل آل طوق القطيفي ، ج ٣ / ٩٩.

(٦٢) ـ جواب إستفتاء خطي.

٥٧

٤ ـ إستنتاج المؤلف :

بعد عرض آراء الأعلام نخرج بالنتيجة التالية :

أولاً ـ المستفاد من الروايات المصرِّحة بأنّ خلق أرض كربلاء من قبل خلق الكعبة يمكن تلخيصها فيما يلي :

أ ـ التصريح بعدد معين من الأعوام ، كما في رواية أبي الجارود ، عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال : (إتخذ الله أرض كربلاء حرماً آمنا مباركاً قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام) (٦٤). وأيضاً ما رواه عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : (خلق الله أرض كربلاء قبل أن يخلق أرض الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام ، وقدّسها وبارك عليها) (٦٥).

ب ـ عدم التصريح بعدد معين من الأعوام ، كما في رواية أبي يعفور ، عن الصادق عليه السلام قال : (إنّ الله أتخذ [بفضل قبره] كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يتخذ مكة حرماً) (٦٦).

ج ـ التصريح بإختيارها يوم دحور الأرض ، كما في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام : (لما سار أبو عبد الله من المدينة ؛ أنته أفواج مسلمي الجن ـ إلى أن قال ـ : قال عليه السلام لهم : فإذا أقمت في مكاني فبماذا يبتلى هذا الخلق المتعوس ، وبماذا يختبرون؟ ومن ذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء؟ وقد إختارها الله لي يوم دحا الأرض ، وجعلها معقلاً لشيعتنا ، وتكون أماناً

__________________

(٦٤) ـ النوري ، ميرزا حسين الطبرسي : مستدرك الوسائل ، ج ١٠ / ٣٢٢ (باب ٥١ من أبواب المزار ـ حديث ٣).

(٦٥) ـ نفس المصدر / ٣٢٢ (حديث ٢).

(٦٦) ـ نفس المصدر / ٣٢٤ (حديث ٧).

٥٨

لهم في الدنيا والآخرة) (٦٧). وبعد عرض هذه الروايات ؛ نطرح السؤال التالي :

س / ما المراد بلفظة (خَلَقَ) في الروايات المتقدمة :

ج / المستفاد من كلمات الأعلام (٦٨) ما يلي :

إنّ للفظة (خلق) عدة إستعمالات وأهمها التالي :

١ ـ الإبداع : وهو إيجاد شيء من غير أصل ، ومنه قوله تعالى : (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) [الأنعام / ١]. أي أبدعها بدلالة قوله تعالى : (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [البقرة / ١١٧] ، ولا يكون الخلق بهذا المعنى إلا الله تعالى ؛ ولهذا قال عَزّ وجَلّ للفصل بينه وبين عباده : (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) [النحل / ١٧].

٢ ـ إيجاد شيء من شيء ، كما في قوله تعالى : (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) [النساء / ١].

٣ ـ التقدير : عَبّر عنه الإمام الرضا عليه السلام في جوابه ليونس بن عبد الرحمن : (فنعلم ما القدر؟ فقال يونس : قلت لا؟ قال عليه السلام هي الهندسة ووضع الحدود من ا لبقاء والفناء) (٦٩). وعَرّفه الشيخ الطريحي (قده) بقوله : «ومعنى خلق التقدير : نقوش في اللوح المحفوظ» (٧٠) ، أي علوم غيبية.

٤ ـ التكوين : وجودات خارجية ؛ من سماء وأرض وبشر وملائكة وحيوانات ونحو ذلك.

__________________

(٦٧) ـ المصدر السابق / ٣٢٥ (حديث ٧).

(٦٨) ـ راجع البحار ٩١ / ٢٥٠ ، والمفردات في غريب القرآن ج ١ / ٢٠٩.

(٦٩) ـ الكليني ، الشيخ محمد بن يعقوب : الأصول من الكافي ، ج ١ / ١٥٨.

(٧٠) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ج ٥ / ١٥٩.

٥٩

وبعد معرفة هذه الإستعمالات للفظة (خَلَقَ) ؛ يظهر معنى الرواية التي عليها مدار البحث في التقدير ، والأعوام الغيبية المعلومة عند الله عَزّ وجَلّ ، ويتفق هذا الوجه مع ما ذهب إليه الشيخ أحمد آل طوق القطيفي. كما يظهر معنى الرواية القائلة : (وقد إختارها الله تعالى لي يوم دعا الأرض) في الخلق التكويني.

ثانياً ـ جاء في رواية بَيّاع السابري ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : (إنّ أرض مكة قالت : من مثلي؟ وقد جعل بيت الله على ظهري ، يأتيني الناس من كل فَجّ عميق ، وجعلت حرم الله وأمنه. فأوحى الله إليها : أن كُفّي وقرِّي فوعزتي ما فَضْلٌ فُضّلتِ به فيما أعطيت كربلاء ، إلا بمنزلة أبرة غمست في البحر فحملت من ماء البحر ، ولولا تربة كربلاء ما فًضّلتِ ، ولولا من تضمنت أرض كربلاء ما خلقتك ، ولا خلقت البيت الذي به إفتخرتِ) (٧١).

نستفيد من هذه الرواية ، أنّ أرض مكة تفتخر بالبيت الحرام ، الذي هو أول بيت وضع للعبادة ، وجعله الله سبحانه وتعالى هدىً للعالمين ، كما في قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) [آل عمران / ٩٦]. ولكن كربلاء تفتخر بالحسين عليه السلام ، كما في حديث الإمام السجاد عليه السلام : (أنا أرض الله المقدّسة ، والطينة المباركة ، التي تضمنت سيد الشهداء) ، وسيد الشهداء عليه السلام أفضل من الكعبة والبيت الحرام ؛ لأنّه عليه السلام من أهل بيت آل محمد عليهم السلام ، الذين هم أول بيت وضع للمخلوقات من الأنبياء والأوصياء والملائكة ، ويمكن الإستشهاد لذلك بما يلي :

__________________

(٧١) ـ النوري ، ميرزا حسين الطبرسي : مستدرك الوسائل ، ج ١٠ / ٣٢٢ (باب ٥١ من أبواب المزار ـ حديث ١).

٦٠