تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٢

الشيخ أمين حبيب آل درويش

تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أمين حبيب آل درويش


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٤
  الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣

دمائهم ، فتية من آل محمد يقتلون بهذه العرصة ، وتبكي عليهم السماء والأرض) (٣٩٧).

٢ ـ عن جابر الجعفي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (من بات عند قبر الحسين عليه السلام ليلة عاشوراء ؛ لقى الله يوم القيامة ملطخاً بدمه ، كأنما قتل معه في عرصة كربلاء) (٣٩٨).

١٤ ـ الغَائِط :

قال ابن منظور : «الغوط والغائط : المتسع من الأرض مع طمأنينة ، وجمعه أغواط وغوطه ـ وغياط وغيطان» (٣٩٩).

ونَصّ على هذا الإسم الحديث التالي :

عن أبي عبد الله الضبي قال : «دخلنا على هرثمة الضبي حين أقبل من صفين ـ وهو مع علي ـ وهو جالس على دكان له ، وله إمرأة يقال لها جرداء ؛ وهي أشد حباً لعلي وأشد لقوله تصديقاً ، فجاءت شاة له فبعرت فقال لها : لقد ذكرني بعر هذه الشاة حديثاً لعلي ، قالوا : وما عِلمٌ بهذا؟ قال : أقبلنا مرجعنا من صفين فنزلنا كربلاء فصلى بنا علي صلاة الفجر بين شجيرات ودوحات حرمل ، ثم أخذ كفاً من بعر الغزلان فشمّه ، ثم قال : أوه ، أوه ، يقتل بهذا الغائط قوم يدخلون الجنة بغير حساب» ، قال : قالت جرداء : وما تنكر من هذا؟ هو أعلم بما قال منك ، نادت بذلك وهي في جوف البيت) (٤٠٠).

__________________

(٣٩٧) ـ العسكري ، السيد مرتضى : معالم المدرسين ، ج ٣ / ٣٨.

(٣٩٨) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن : وسائل الشيعة ، ج ٤ / ٤٧٧ (باب ٥٥ من أبواب المزار ـ حديث ٣).

(٣٩٩) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ٧ / ٣٦٤.

(٤٠٠) ـ العسكري ، السيد مرتضى : معالم المدرستين ، ج ٣ / ٤١.

٢٠١
٢٠٢

البحث الثاني

نتائج البحث

١ ـ إهتمام النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بالتربة الحسينية

٢ ـ إهتمام الملائكة بالحسين عليه السلام وتربته

٣ ـ إهتمام الأنبياء بالحسين عليه السلام وتربته

٤ ـ تقديس التربة والتبرك بها

٥ ـ خصايص التربة الحسينية

٦ ـ المجاورة في كربلاء والأماكن المقدسة

٢٠٣
٢٠٤

بعد عرض الأسماء التي ذكرتها الروايات المتقدمة في الفصل السابق ؛ نخرج بالنتيجة التالية :

١ ـ إهتمام النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بالتربة الحسينية :

س / من أمعن النظر في الروايات المتقدمة ؛ علم أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تكرر منه الإخبار بمصرع سبطه سيد الشهداء عليه السلام ، والإتيان بتربة مصرعه في بيوت زوجاته ، وعلى ملأ من أصحابه ، فما هو الهدف من ذلك؟

ج / قال الشيخ الدربندي (قده) :

«لعلّ السّر في تعدد ذلك وتكرره ، هو أنّه كان في كل واحد واحد من تلك الأوقات والأزمنة ، تجديد العهد ، وتأكيد الميثاق من الله عَزّ وجَلّ ، بالنسبة إلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وآله المعصومين ، من الصبر الأوفى والتفويض الأكمل والتوكيل الأتم ، والأخذ بأزمّة المشيئة ، والرضا بما يشاء الله تعالى ويرضى به ، حيث يدعو الله تعالى في وقت من تلك الأوقات ، لأنْ يرد هذا البلاء عنهم ، ويدفع عنهم ذلك القضاء ، فإنّه يمحو ما يشاء ، ويثبت وعنده أم الكتاب» (٤٠١).

وقال الشيخ الأميني (قده) ـ وخلاصة مقاله ما يلي :

«فإن من المتسالم عليه لدى الأمة المسلمة ، نظراً إلى النبوة الخاتمة وشؤونها الخاصة ، الإذعان بعلم النبي الأقدس صلى الله عليه وآله وسلم بالملاحم والفتن ، وما جرى على أهل بيته وعترته وذي قرباه وذويه ، قُلّه وكثره من المصائب الهائلة ، وطوارق الدهر المدلهمة ، والنوازل الشديدة ، والنوائب الفادحة ، والقتل الذريع ، إلى جميع مادهمهم من العذاب والنكال والسوء والأسر والسباء ،

__________________

(٤٠١) ـ الدربندي ، الشيخ آغا بن عابد الشيرواني الحائري : إكسير العبادات في أسرار الشهادات ، ج ١ / ٣٣٣.

٢٠٥

وعلمه صلى الله عليه وآله وسلم هذا من شؤون ولايته الكبرى المطلقة العامة الشاملة على كافة البرية.

فالحالة هذه تقتضي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ناظراً طيلة حياته إلى كل تلكم الحوادث ، والرزايا والمصائب الحالة بساحة أهل بيته وأعزائه ، كأنّه كان نظر إليها من وراء ستر رقيق ، وكان مهما نظر على أحد منهم من كثب ، يتجسم بطبع الحال بين عينيه ما كان تحويه هواجسه ، فكان مدى حياته يبدو الحزن والكآبة في أساريره بحكم الطبيعة ، والشجو والأسى لا يفارقانه ، كان مُنَغّص العيش يُسرُّ الزفرة ، ويخفي الحسرة ، ويجرع الغصة ، ومهما وجد جُوّاً صافياً يعالج لوعة فؤاده ، ويطفي لهفة قلبه ، ويخمد نائرة الحزن ، بأن يضم أحداً من أهله على صدره ويشمه ويقبله ، وساكباً عبرته ، فتراه يضم الحسين السبط إليه ويشمه ويقبله ويقبل منه مواضع السيوف والرماح والطعون ، ويخص من جوارحه بالقبلة شفتيه ، علماً منه بأنها ستضربان بالقضيب. يقيم صلى الله عليه وآله وسلم على حسينه وريحانته مأتماً حيناً بعد حين ، في بيوت أمهات المؤمنين ، ومهما إشتد عليه حزنه ؛ يأخذ حسينه على حضنه ويأتي به إلى المسجد إلى مجتمع الصحابه وهو يبكي ، وعيونه تدمع ، ودموعه تسيل ، فيريهم الحسين الرضيع ، وتربة كربلائه في يده ويقول لهم : إنّ أمتي يقتلون هذا ، وهذه تربة كربلاء. أو يأخذ تربته : تربة كربلاء ويشمها ويبكي وفي لسانه ذكر مقتله ومصرعه ، وهو يقول : ريح كرب وبلاء. أو يقول : والذي نفسي بيده إنه ليحزنني ، فمن هذا يقتل حسيناً بعدي؟!

أو يأخذ حسيناً على حجره وفي يده تربته الحمراء وهو يبكي ويقول : يا ليت شعري من يقتلك بعدي؟! ولعل أول حفل تأبين أقيم للحسين الطهر

٢٠٦

الشهيد في الإسلام المقدس بدار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم تسمع أذن الدنيا قبل هذا ، أن ينعقد لمولود ـ غير وليد الزهراء الصديقة في بسيط الأرض ـ مأتم حين ولدته أمه بدلاً من حفل السرور والحبور والتباشير. ولم يقرع قط سمعاً نبأ وليد ينعى به منذ إستهلاله ، حين قدم مستوى الوجود ، بدل نشيد التهاني ، ويذكر من أول ساعة حياته حديث قتله ومقتله ومصرعه.

ولم ينبئ التاريخ من لدن آدم إلى الخاتم ، عن وليد يهدى إلى أبيه عوض هدايا الأفراح تربة مذبحه ، حتى يتمكن منه الحزن في أعماق قلبه وحبة فؤاده. فكأنّ يوم ولادة الحسين له شأن خاص لدى الله العلي العظيم ، ذلك تقدير العزيز العليم ، لم يقدره يوم سرور لآل الله ـ أهل البيت الطاهر ـ وكأنّ الأسى تاءمه في الولادة ، فكدّر صفو العيش ، ونَغّص طيب حياتهم ، واجتث من تلكم البيوت التي أذن الله أن ترفع ، ويذكر فيها اسمه أصول المسرة ، وجعلها لأهلها دار الحزن.

إنّ وفود الملائكة تهبط بإذن ربها يوماً بعد يوم ؛ ومرة بعد أخرى ، في وقت محيّن ، وميعاد معيّن ، وتنعى الحسين العزيز ، ويجدد تأبينه فلاً بعد حفل ، والمأتم ينعقد في بيوت أمهات المؤمنين ، وقد أبكى الله عيون نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه والصحابه الأولين على الحسين ، وتربة كربلاء تنتقل من يد إلى يد ، وأخذت في قارورة كرمز ناطق عن الشهيد المفدى ، في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بمشهد من الكل ومنظر» (٤٠٢).

__________________

(٤٠٢) ـ الأميني ، الشيخ عبد الحسين أحمد ، سيرتنا وسنتنا / ٤٣ ـ ٤٨. (بتصرف).

٢٠٧

٢ ـ إهتمام الملائكة بالحسين عليه السلام وتربته :

إنّ للحسين عليه السلام مكانه ومنزلة عند الله عَزّ وجَلّ ، وهذا ما نراه واضحاً من غهتمام الملائكة ، ويمكن إيضاح ذلك في مايلي :

أولاً ـ عالم السماء بشكل عام :

إنّ عالم السماء المتمثل في الملائكة ، من المقربين وسكان سدرة المنتهى وغيرهم من أصناف الملائكة ، عرفوا الحسين عليه السلام حق المعرفة ، بعد إطلاعهم على مكانته ومنزلته عند الله عَزّ وجَلّ ، من خلال معرفتهم بوحيه جلّ اسمه ، وهذا ما نستفيده من الروايات التالية :

١ ـ عن الحسين بن علي عليه السلام قال : (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنده أُبي بن كعب ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : مرحباً بك يا أبا عبد الله ، يا زين السماوات والأرضين ، فقال أُبيّ : وكيف يكون يا رسول الله زين السماوات والأرضين غيرك؟ فقال : يا أُبيّ والذي بعثني بالحق نبيّاً (ذِكْرُ) الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض ، فإنّه لمكتوب عن يمين عرش الله : مصباح هدى وسفينة نجاة ... إلخ) (٤٠٣).

إنّ هذا الحديث واضح وجَلي على مزلة الحسين عليه السلام عند ربه ، وهذا الشعار المقدس ـ ذكر الحسين عليه السلام ـ لا ينمحي أبداً ؛ لأنّ يد القدرة هي التي كتبته ، فهو إعلام وشاهد صدق لا يعتريه الشك والريب ، على أنّ الحسين عليه السلام سار على مخطط إلهي في جهاده واستشهاده ؛ ولذا صار معروفاً عند الملأ الأعلى الملائكة.

__________________

(٤٠٣) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٣٦ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

٢٠٨

٢ ـ ورد في الزيارة عن إمامنا الصادق عليه السلام : (فاستقبل وجهك بوجهه ، وتجعل القبلة بين كتفيك ، ثم قل : السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره ، السلام عليك يا وتر الله الموتور في السماوات والأرض ، أشهد أنّ دمك سكن في الخلد ، واقشعرّت له أظلة العرش ، وبكى له جميع الخلائق ، وبكت له السماوات السبع والأرضون السبع ، وما فيهنّ وما بينهنّ ، ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا ، وما يرى وما لا يرى ... إلخ) (٤٠٤).

قال الشيخ المجلسي (قده) : «وقد يطلق الظلال على الأشخاص والأجسام اللطيفة والأرواح ، فيمكن أن يراد بها الأرواح المقدسة ، والملائكة الذين يسكنون العرش ويطيفون به» (٤٠٥).

وسيأتي زيادة إيضاح في بحث الرؤى ، من الجزء الثالث ، إن شاء الله.

ثانياً ـ إخبارهم بمصرع الحسين (عليه السلام) والإتيان بتربته :

سبق أن ذكرنا في الفصل السابق ، الروايات المتضمنة أنّ الملائكة أتت إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أفواجاً وفرادى حيناً بعد حين ، ومرة بعد أخرى ، ينعون الحسين عليه السلام ويأتون عليه بتربته الطاهرة ، وقد نَصّت بعض الروايات على أسماء بعض الملائكة ، الذين أخبروا الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم عن مصرع سيد الشهداء منهم : جبرئيل ، وملك البحار ، وملك القطر ، وملك المطر ، وملك إستأذن ربه ، وملك لم يدخل عليّ قط ، وعظيم من عظماء الملائكة. وبقيت بعض الروايات نذكر منها ما يلي :

__________________

(٤٠٤) ـ الكليني ، الشيخ محمد بن يعقوب : الكافي ، ج ٤ / ٥٧٦.

(٤٠٥) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : مرآة العقول ، ج ١٨ / ٢٩٩.

٢٠٩

١ ـ ذكر الخوارزمي في كتابه (مقتل الحسين) الرواية التي منها : (ولما أتى على الحسين من ولادته سنة كاملة ، هبط على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إثنا عشر ملكاً محمرة وجوههم ، قد نشروا أجنحتهم وهم يقولون : يا محمد ، سينزل بولدك الحسين ما نزل بهابيل من قابيل ، وسيعطى مثل أجر هابيل ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل. قال : ولم يبق في السماء ملك إلا ونزل على النبي يعزيه بالحسين ويخبره بثواب ما يعطى ويعرض عليه تربته ، والنبي يقول : اللهم أخذل من خذله ، واقتل من قتله ، ولا تمتعه بما طلبه ... إلخ) (٤٠٦).

٢ ـ في عوالم العلوم : وقال أصحاب الحديث : (فلما أتت على الحسين عليه السلام سنة كاملة ؛ هبط على النبي صلى الله عليه وآله وسلم إثنا عشر ملكاً على صور مختلفة ، أحدهم على صورة بني آدم يُعزُّونه ويقولون : إنّه سينزل بولدك الحسين بن فاطمة ما نزل بهابيل من (قِبَلِ) قابيل ، وسيعطى مثل أجر هابيل ، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل ، ولم يبق ملك إلا نزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعزيه والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : اللهم أخذ خاذله ، واقتل من قاتله ولا تمتّعه بما طلبه) (٤٠٧).

ثالثاً ـ الملائكة الذين اسأتذنوا لنصرته :

ذكرت بعض الروايات أنّ الملائكة إستاذنته لنصرة سيد الشهداء عليه السلام نذكر منها التالي :

١ ـ عن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام : (إنّ أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن علي عليهما السلام ، فلم يؤذن لهم في القتال ،

__________________

(٤٠٦) ـ الخوارزمي ، أبو المؤيد الموفق بن أحمد : مقتل الحسين ، ج ١ / ١٦٣.

(٤٠٧) ـ البحراني ، الشيخ عبد الله بن نور الله الإصفهاني : عوالم العلوم ، ج ١٧ / ١١٦.

٢١٠

فرجعوا في الإستئذان ، وهبطوا وقد قتل الحسين عليه السلام ، فهم عند قبره شُعث غُبر يبكون إلى يوم القيامة ، ورئيسهم ملك يقال له منصور) (٤٠٨).

٢ ـ عن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : (هبط أربة آلاف ملك يريدون القتال مع الحسين بن علي عليه السلام ، فلم يؤذن لهم في القتال ، فرجعوا في الإستثمار وهبطوا وقد قتل الحسين عليه السلام رحمة الله عليه ولعن قاتله ومن أعان عليه ، ومن شرك في دمه ، فهم عند قبره شُعث غُبر يبكون إلى يوم القيامة ، ورئيسهم ملك يقال له منصور ، فلا يزوره زائر إلا استقبلوه ، ولا يودِّعه مُودِّع إلا شيعوه ، ولا يمرض إلا عادوه ، ولا يموت إلا صلّوا على جنازته ، واستغفروا له بعد موته ، فكلّ هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائم عليه السلام) (٤٠٩).

أقول : الذي يبدو أنّ هذين الحديثين حيث واحد ، وإن إختلفت الألفاظ فيهما.

رابعاً ـ الملائكة الحافِّين بقبره الشريف :

لا مانع عقلاً ولا شرعاً أن يكرم الباري عَزَ وجَلّ عباده الصالحين ، بأنواع الفضائل والمناقب ، وعلو الدرجات ، فقد أعطى نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الشفاعة العظمى يوم القيامة ، وكذلك جعل الملائكة في خدمته في الدنيا والآخرة ، وكذلك أهل بيته الأطهار ، ومنهم سيد الشهداء عليه السلام ، ومن الشواهد على ذلك ما ذكرته الروايات التي ذكرتها الطوائف الإسلامية ، في صحاحهم ومسانيدهم ، نذكر منها التالي :

__________________

(٤٠٨) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٥ / ٢٢٠.

(٤٠٩) ـ نفس المصدر ، ج ٤٥ / ٢٢٦.

٢١١

مرويات السنة :

١ ـ وبالإسناد عنهم عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (إن الله يخلق خلقاً كثيراً من الملائكة ، وأنّه ينزل من كل سماء في كل يوم سبعين ألف ملك ، يطوفون بالبيت ليلتهم حتى إذا طلع الفجر ينصرفون إلى قبر النبي فيسلمون عليه ، ثم يأتون قبر علي فيسلمون عليه ، ثم يعرجون إلىا لسماء قبل طلوع الفجر ، ثم ينزل عوضهم في النهار ، ثم يعرجون قبل مغيب الشمس ، والذي نفسي بيده إنّ حول قبر ولدي الحسين أربعة آلاف ملك شعثاً غبراً ، ويبكون عليه إلى يوم القيامة ورئيسهم ملك يقال له منصور ، وأنّ الملائكة عون لمن زاره فلا يزوره زاير إلا إستقبلوه ، ولا يودّعه مودّع إلا شيعوه ، ولا يمرض إلا عادوه ، ولا يموت إلا صلّوا عليه واستغفروا له بعد موته) (٤١٠).

٢ ـ عن موسى بن علي الرضا بن جعفر قال : سئل جعفر بن محمد عن زيارة قبر الحسين؟ فقال : أخبرني أبي أنّ من زار قبر الحسين ـ عليه السلام ـ عارفاً بحقه ، كتب الله في عليين ، وقال : إنّ حول قبر الحسين سبعين ألف ملك شُعثاً غُبراً ، يبكون عليه إلى يوم القيامة) (٤١١). خَرّجه أبو الحسن العتيقي.

مرويات الإمامية :

١ ـ عن إسحاق بن عَمّار قال : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إني كنت بالحيرة ليلة عرفة وكنت أصلي ، وثَم نحو من خمسين ألفاً من الناس جميلة وجوههم ، طيبة أرواحهم ، وأقبلوا يصلون بالليل أجمع ، فلما طلع الفجر سجدت

__________________

(٤١٠) ـ ابن حسنويه ، الشيخ جمال الدين الموصلي : دربحر المناقب / ١٠٧ مخطوط ، عن إحقاق الحق ، ج ٧ / ٣٦٢.

(٤١١) ـ الطبري ، الحافظ محب الدين أحمد بن عبد الله : ذخائر العقبى / ١٥١.

٢١٢

فلما رفعت رأسي ؛ فلم أرَ منهم أحداً؟ فقال لي أبو عبد الله عليه السلام : إنّه مَرّ بالحسين بن علي خمسون ألف ملك وهو يقتل ، فعرجوا إلى السماء فأوحى الله إليهم : مررتم بابن حبيبي وهو يقتل فلم تنصروه؟ فاهبطوا إلى الأرض فاسكنوا عند قبره شُعثاً غُبراً إلى أن تقوم الساعة) (٤١٢).

٢ ـ عن الفضيل ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (ما لكم لا تأتونه ـ يعني قبر الحسين عليه السلام ـ فإنّ أربعة ألف ملك يبكون الحسين إلى يوم القيامة) (٤١٣).

٣ ـ عن يحيى بن معمر العطّار ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : (أربعة آلاف ملك شُعث غُبر يبكون الحسين إلى يوم القيامة ، فلا يأتيه أحد إلا استقبلوه ، ولا يمرض إلا عادوه ، ولا يموت أحد إلا شهدوه) (٤١٤).

٤ ـ عن الثمالي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (إنّ الله وكل بقبر الحسين أربعة آلاف ملك ثُعث غُبر ، يبكون من طلوع الفجر إلى زوال الشمس ، وإذا زالت الشمس ؛ هبط أربعة آلاف (ملك) ، فمل يزل يبكونه حتى يطلع الفجر) (٤١٥).

٥ ـ عن ربعي قال : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام بالمدينة : أين قبور الشهداء؟ فقال : أليس أفضل الشهداء عندكم؟ والذي نفسي بيده إنّ حوله أربعة آلاف ملك شُعث غبر ، يبكونه إلى يوم القيامة) (٤١٦).

هذه بعض الروايات المتعلقة بهذا البحث ، ومن أراد التوسع فعليه بمراجعة الكتب المطوّلة كالبحار ونحوه. والنتيجة التي توصلنا إليها : أنّ إعتناء

__________________

(٤١٢) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٥ / ٢٢٦.

(٤١٣) ـ نفس المصدر / ٢٢٢.

(٤١٤) ـ نفس المصدر / ٢٢٣.

(٤١٥) ـ نفس المصدر.

(٤١٦) ـ نفس المصدر.

٢١٣

الملائكة بهذه التربة الطاهرة ، التي سالت عليها دماء أبي عبد الله عليه السلام وأهله وصحبه ، منذ إخبارهم بمصرعه لجده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم عدة مرات ، وطلب نصرته من الباري عَزّ وجَلّ وإختلافهم على قبره ؛ لأعظم دليل على منزلة الحسين عليه السلام عند ربهم ؛ لأنّ الملائكة لا يتصرفون إلا بأوامر إلهية.

٣ ـ إهتمام الأنبياء بالحسين وتربته :

س / ذكرت بعض الروايات ، أن هناك علاقة بين الأنبياء وتربة مصرعه ، فما هي هذه الروايات؟

ج / يمكن الإستشهاد بالروايات التالية :

١ ـ روي مرسلاً : (أنّ آدم لما هبط إلى الأرض لم ير حَوّاء فصار يطوف الأرض في طلبها ، فمرّ بكربلاء فاغتمّ وضاق صدره من غير سبب ، وعثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين حتى سال الدّم من رجله ، فرفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي هل حدث مني ذنب آخر فعاقبتني به؟ فإني طفت جميع الأرض وما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض. فأوحى الله يا آدم ما حدث منك ذنب ، ولكن يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلماً فسال دمك موافقة لدمه ، فقال آدم : يا رب أيكون الحسين نبياً؟ قال : لا ، ولكنه سبط النبي محمد ، فقال : ومن القاتل له؟ قاتله يزيد لعين أهل السماوات والأرض. فقال آدم : فأي شيء أصنع يا جبرئيل؟ فقال : إلعنه يا آدم. فلعنه أربع مرات ، ومشى خطوات إلى جبل عرفات فوجد حوا هناك) (٤١٧).

__________________

(٤١٧) ـ المصدر السابق ، ج ٤٤ / ٢٤٢.

٢١٤

٢ ـ روي : (أنّ نوحاً لما ركب في السفينة طافت به جميع الدُّنيا ، فلما مرّت بكربلاء أخذته الأرض وخاف نوح الغرق ، فدعا ربه وقال : إلهي طفت جميع الدنيا وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض ، فنزل جبرئيل وقال : يا نوح في هذا الموضع يقتل الحسين ، سبط النبي محمد خاتم الأنبياء ، وابن خاتم الأوصياء ، فقال : ومن القاتل له يا جبرئيل؟ قال قائله لعين أهل سبع سماوات وسبع أرضين ، فلعنه نوح أربع مرات ، فسارت السفينة حتى بلغت الجوديّ واستقرت عليه) (٤١٨).

٣ ـ وروي : (أنّ ابراهيم عليه السلام مَرّ في أرض كربلاء وهو راكب فرساً فعثرت به ، وسقط إبراهيم وشجّ رأسه وسال دمه ، فاخذ في الإستغفار وقال : إلهي أي شيء حدث مني؟ فنزل إليه جبرئيل وقال : يا إبراهيم عليه السلام ما حدث منك ذنب ، ولكن هنا يقتل سبط خاتم الأنبياء وابن خاتم الأوصياء ، فسال دمك موافقة لدمه.

قال : يا جبرئيل ، ومن يكون قاتله؟ قال : لعين اهل السماوات والأرضين ، والقلم جرى على اللوح بلعنه بغير إذن ربه ، فأوحى الله تعالى إلى القلم : إنك استحققت الثناء بهذا اللعن.

فرفع إبراهيم عليه السلام يديه ولعن يزيد لعناً كثيراً ، وأمّن فرسه بلسان فصيح ، فقال ابراهيم لفرسه :أي شيء عرفت حتى تؤمن على دعائي؟ فقال : يا إبراهيم ، أنا أفتخر بركوبك عليّ ، فلما عثرت وسقطت عن ظهري ؛ عظمت خجلتي وكان سبب ذلك من يزيد لعنه الله تعالى) (٤١٩).

__________________

(٤١٨) ـ المصدر السابق ، ج / ٤٤ ، ٢٤٣.

(٤١٩) ـ نفس المصدر.

٢١٥

وبعد ذكر هذه الرواية ، نطرح السؤال التالي :

س / جاء في الرواية : (والقلم جرى على اللوح بلعنه بغير إذن ربه ، فأوحى الله تعالى إلى القلم : إنك استحققت الثناء بهذا اللعن). فما معنى هذه العبارة ، وكيف يجري القلم بغير إذن ربه؟

أجاب السيد صادق الروحاني (دام ظله) بما يلي :

«اللوح كتاب الله كتب فيه ما يكون إلى يوم القيامة ، والقلم هو الشيء الذي أحدث الله به الكتاب في اللوح ، وجعل اللوح أصلاً لتعرف الملائكة ما يكون ، فإذا أراد الله تعالى أن يطلع الملائكة على غيب له ، أو يرسلهم إلى الإنباء بذلك ، أمرهم بالإطلاع في اللوح فحفظوا منه ما يؤدونه إلى من أرسلوا إليه ، وعرفوا منه ما يعملون. وأفاد الشيخ المفيد أنّه جائت بذلك آثار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وعن الأئمة (عليهم السلام) ، وذلك القلم ذو شعور وإرادة ، ولذا ذهب جماعة إلى أنّ اللوح والقلم ملكان ، فالمراد م جريان اللعنة على اللوح بغير إذنه ، الإذن التشريعي لا التكويني ، فألهم القلم باللعنة ؛ ولذا استحق الثناء» (٤٢٠).

٤ ـ عن خالد الرِّبعي قال : حدثني من سمع كعباً يقول : (أوّل من لعن قاتل الحسين لن علي عليهما السلام إبراهيم خليل الرحمن ، وأمر ولده بذلك وأخذ عليهم العهد والميثاق ، ثم لعنه موسى بن عمران وأمر أمته بذلك ، ثم لعنه داود وأمر بني إسرائيل بذلك ، ثم لعنه عيسى وأكثر أن قال : يا بني إسرائيل إلعنوا قاتله ، وإن أدركتم أيامه فلا تجلسوها عنه ، فإنّ الشهيد معه كالشهيد مع الأنبياء مقبل غير مدبر ، وكأني أنظر إلى بقعته ، وما من نبي

__________________

(٤٢٠) ـ جواب إستفتاء خطي ـ المؤلف.

٢١٦

إلا وقد زار كربلاء ، ووقف عليها وقال : إنك لبقعة كثيرة الخير ، فيك يُدفن القمر الأزهر) (٤٢١).

لعلّ القارئ الكريم يتسائل ويقول : الرواية ذكرت (أول من لعن قاتل الحسين بن علي عليه السلام ، إبراهيم خليل الرحمن) ، مع العلم أنّ هذا يخالف الروايات السابقة التي ذكرت آدم ونوحاً (عليهما السلام) ، فكيف يكون ذلك؟

لعلّ المستفاد من الرواية أنّ إبراهيم عليه السلام أوّل باعتبار التأكيد والوصية لولده من بعده بلعن يزيد ، وهذا لم يكن للأنبياء الذين سبقوه ، كما هو المستفاد من الروايات.

٥ ـ وروي : (أنّ إسماعيل كانت أغنامه ترعى بشط الفرات ، فأخبره الراعي أنها لا تشرب الماء من هذه المشرعة منذ كذا يوماً ، فسأل عن سبب ذلك؟ فنزل جبرئيل وقال : يا إسماعيل ، سَلْ غنمك فإنّها تجيبك عن سبب ذلك؟ فقال لها : لم لا تشربين من هذا الماء؟ فقالت بلسان فصيح : قد بلغنا أنّ ولدك الحسين عليه السلام سبط محمد يقتل هنا عطشاناً ، فنحن لا نشرب من هذه المشرعة حزنا عليه ، فسألها عن قاتله فقالت : يقتله لعين أهل السماوات والأرضين والخلائق أجمعين. فقال إسماعيل : اللهم إلعن قاتل الحسين عليه السلام) (٤٢٢).

س / لعلّ القارئ الكريم يتساءل ويقول : حينما سأل إسماعيل عليه السلام ربه عن سبب إمتناع الأغنام عن شرب الماء ، ونزل جبرئيل عليه السلام وقال له : سل غنمك؟ لماذا أحال الجواب على الغنم؟

__________________

(٤٢١) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٤ / ٣٠١.

(٤٢٢) ـ نفس المصدر ، ج ٤٤ / ٢٤٣ ـ ٢٤٤.

٢١٧

يمكن أن يجاب عن هذا التساؤل بما يلي :

اولاً ـ إنّ النبي إسماعيل عليه السلام سأل ربه أن يعلمه سبب إمتناع الأغنام من شرب الماء ، فأخبره الوحي : (سل غنمك). فإحالة الجواب للأغنام مع العلم بأنّها بهيمة لا تنطق بفصيح الكلام محل إستغراب وتعجب ، وهذا ما يجعل النبي إسماعيل عليه السلام ومن معه في حالة تأهب واهتمام بما يقال!.

ثانياً ـ إنّ نطق الأغنام بلسان فصيح معجزة لنبيه إسماعيل عليه السلام ، وهذا من الأمور المعروفة في حياة الأنبياء عليهم السلام ، فقد تكلمت الحيوانات للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام عليهم السلام كما هو واضح في تاريخهم ، وهذا النوع من الإعجاز له تأثير على سامعيه.

٦ ـ وروي : (أنّ موسى كان ذات يوم سائراً ومعه يوشع بن نون ، فلما جاء إلى أرض كربلاء إنخرق نعله ، وانقطع شراكه ، ودخل الحَسَك في رجليه وسال دمه ، فقال : إلهي أي شيء حدث مني؟ فأوحى إليه : أنّ هنا يقتل الحسين عليه السلام ، وهنا يسفك دمه ، فسال دمك موافقة لدمه ، فقال : ربِّ ومن يكون الحسين؟ فقيل له : هو سبط محمد المصطفى ، وابن علي المرتضى ، فقال : ومن يكون قاتله؟ فقيل : هو لعين السّمك في البحار ، والوحوش في القفار ، والطير في الهواء ، فرفع موسى يديه ولعن يزيد ودعا عليه ، وأمّن يوشع بن نون على دعائه ومضى لشأنه) (٤٢٣).

٧ ـ وروي : (أنّ سليمان كان يجلس على بساطه ويسير في الهواء ، فمرَّ ذات يوم وهو سائر في أرض كربلاء ، فأدارت الريح بساطه ثلاث دورات ، حتى خاف السقوط فسكنت الرِّيح ، ونزل البساط في أرض كربلاء. فقال

__________________

(٤٢٣) ـ المصدر السابق ، ج ٤٤ / ٢٤٤.

٢١٨

سليمان للريح : لم سكنتي؟ فقالت : إنّ هنا يقتل الحسين عليه السلام فقال : ومن يكون الحسين؟ فقالت : هو سبط محمد المختار ، وابن علي الكرّار ، فقال : ومن قاتله؟ قالت : لعين أهل السماوات والأرض يزيد ، فرفع سليمان يديه ولعنه ودعا عليه ، وأمّن على دعائه الإنس والجن ، فهبت الريح وسار البساط) (٤٢٤).

٨ ـ وروي : (أن عيسى كان سائحاً في البراري ومعه الحواريون فمروا بكربلاء ، فرأوا أسداً قد أخذ الطريق ، فتقدم عيسى إلى الأسد فقال له : لم جلست في هذا الطريق؟ وقال : لا تدعنا نَمرّ فيه؟ فقال الأسد بلسان فصيح : إني لم أدع لكم الطريق حتى تلعنوا يزيد قاتل الحسين عليه السلام ، فقال عيسى عليه السلام : ومن يكون الحسين؟ قال : هو سبط محمد النبي الأمي ، وابن علي الولي ، قال : ومن قاتله؟ قال : قاتله لعين الوحوش والذُباب والسباع أجمع ، خصوصاً أيام عاشوراء ، فرفع عيسى يديه ولعن يزيد ودعا عليه ، وأمّن الحواريون على دعائه ، فتنحى الأسد عن طريقهم ومضوا لشأنهم) (٤٢٥).

٩ ـ عن بريد بن معاوية العِجْلي ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : (يا ابن رسول الله ، أخبرني عن إسماعيل الذي ذكره الله في كتابه ، حيث يقول : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا) (٤٢٦) أكان إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام ، فإنّ الناس يزعمون أنّه إسماعيل بن إبراهيم

__________________

(٤٢٤) ـ المصدر السابق.

(٤٢٥) ـ نفس المصدر.

(٤٢٦) ـ مريم / ٥٤.

٢١٩

عليه السلام؟ فقال عليه السلام : إسماعيل مات قبل إبراهيم ، وإنّ إبراهيم كان حُجّة لله قائماً صاحب شريعة ، فإلى من أرسل إسماعيل إذن؟

فقلت : جعلت فداك ، فمن كان؟ فقال عليه السلام : ذاك إسماعيل بن حزقيل النبي ، بعثه الله إلى قومه ، فكذبوه وقتلوه وسلخوا وجهه ، فغضب الله عليهم ، فوجّه إليه اسطاطائيل ملك العذاب ، فقال له : يا إسماعيل ، أنا اسطاطائيل ملك العذاب ، وجّهني إليك ربّ العِزّة لأعذب قومك بأنواع العذاب إن شئت. فقال له إسماعيل : لا حاجة لي في ذلك يا اسطاطائيل فأوحى الله إليه : فما حاجتك يا إسماعيل؟ فقال إسماعيل : يا ربّ ، إنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية ، ولمحمد بالنبوة ، ولوصيه بالولاية ، وأخبرت خَيْر خلقك بما تفعل أمته بالحسين بن علي عليهما السلام بعد نبيها ، وإنّك وعدت الحسين عليه السلام أن تَكُرَّهُ إلى الدنيا ، حتى ينتقم بنفسه ممن فعل ذلك به ، فحاجتي إليك ـ يا ربّ ـ أن تكرّني إلى الدنيا ، حتى أنتقم ممن فعل ذلك بي كما تُكرُّ الحسين عليه السلام ، فوعد الله إسماعيل بن حَزْقيل ذلك ، فهو يكُرّ مع الحسين بن علي صلوات الله عليهما (٤٢٧).

أقول : يستفاد من قوله : (أن تَكرّه إلى الدنيا) الرجعة ، وإلى هذا يشير العلامة الأكبر السيد عبد الله شبر (ره) بقوله : «فيجب الإيمان بأصل الرجعة إجمالاً ، وأنّ بعض المؤمنين ، وبعض الكافرين يرجعون إلى الدنيا ، وإيكال تفاصيلها إليهم عليه السلام ، والأحاديث في رجعة أمير المؤمنين والحسين عليهما السلام متواترة

__________________

(٤٢٧) ـ بن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد القمي : كامل الزيارات / ١٣٨ ـ (باب ١٩ ـ حديث ٣).

٢٢٠