تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٢

الشيخ أمين حبيب آل درويش

تربة الحسين عليه السلام الإستشفاء والتبرّك بها ـ السجود عليها دراسة وتحليل - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أمين حبيب آل درويش


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٤
  الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣

الفصل الثاني

أسماء تاريخية

١ ـ أرض بابل

٢ ـ أرض العراق

٣ ـ شُفَيّة

٤ ـ العَقر

٥ ـ عَمُورَا

٦ ـ الغَاضِرِيّة

٧ ـ نِيْنَوَى

٨ ـ النواويس

٩ ـ المقدفان

١٦١
١٦٢

١ ـ أرض بابل :

منطقة تاريخية تقع بين نهري دجلة والفرات ـ بلاد ما بين النهرين ، ووادي الرافدين ـ إزدهرت فيها حضارات السومريين ، والآشوريين ، والبابليين ، فكربلاء تقع شرق مدينة بابل الأثرية ، وهي تابعة لأرض بابل. يقول الشيخ محممد باقر المدرس في كتابه (مدينة الحسين عليه السلام) : «لو أننا رجعنا إلى تاريخ هذه المدينة إلى عهد البابليين ؛ لوجدنا لها إسماً وأثراً ؛ لأنّه بناء على ما قاله المستشرق الفرنسي ماسينسيون في كتابه (خطط الكوفة ـ ترجمة تقي المصعبي ـ : إنّ كربلاء كانت معبد الكلدانيين الذين كانوا يقطنون في مدينة نينوى ، والصقر البابلي ، وكلاهما كان بقرب كور بابل» (٣٠٧).

ويقول الخليلي في (موسوعة العتبات المقدسة) : «نينوى : كورة كانت بأرض بابل ، منها كربلاء التي قتل فيها الحسين» (٣٠٨).

وقد ورد ذكر هذا الإسم في الرواية التالية :

روى ابن عساكر : (أنّ عمرة بنت عبد الرحمن (٣٠٩) ، كتبتب إلى الإمام عليه السلام تعظم عليه ما يريد أن يصنع من إجابة أهل الكوفة ، وتأمره بالطاعة ولزوم

__________________

(٣٠٧) ـ الطبسي ، الشيخ محمد جعفر : مع الركب الحسيني ، ج ٤ / ١٩.

(٣٠٨) ـ الخليلي ، جعفر : موسوعة العتبات المقدسة ، ج ١٣ / ١٥.

(٣٠٩) ـ عَمْرَة بنت عبد الرحمن ، بن أسعد ، بن زرارة الأنصارية النجارية (٢١ هـ ـ ٩٨ هـ) ، فقهية ، وهي تلميذة عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وربيت على يديها ، وكان أبوها وجدها من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال القاسم بن محمد ، لابن شهاب : يا غلام أراك تحرص على طلب العلم؟ أفلا أدلك على وعائه؟ فقال : بلى. قال عليك بعمرة ، فإنها كانت في حجر السيدة عائشة ، راجع الموسوعة العربية العالمية ، ج ١٦ / ٦٤٢ «بتصرف».

١٦٣

الجماعة ، وتخبره أنه إنما يُساق إلى مصرعه ، وتقول : أشهد لحدثتني عائشة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (يقتل حسين بأرض بابل) (٣١٠).

٢ ـ أرض العراق :

قال الشيخ الطريحي (ره) : «والعراق ، ككتاب ، بلاد تُذكّر وتونث. قيل : سميت بذلك في اللغة شاطئ النهر والبحر. وهي واقعة على شاطئ دجلة والفرات ... ، والعراقان : الكوفة والبصرة» (٣١١) ، وتسمى بـ(أرض السواد) : وهي الأرض العامرة قبل الفتح الإسلامي ؛ وسميت هذه الأرض سواداً ؛ لأنّ الجيش لما خرجوا من البادية ، ورأوا هذه الأرض وإلتفاف شجرها سموها السواد لذلك. ومن هذه الأرض كربلاء التي قتل فيها الحسين عليه السلام. وذكر هذا الإسم في الروايات التالية :

١ ـ عن سحيم (٣١٢) ، عن أنس بن الحارث (رض) قال : (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إنّ إبني هذا يقتل بأرض العراق ، فمن أدركه فلينصره) (٣١٣).

٢ ـ عن عبد الله بن وهب بن زمعه قال : أخبرتني أم سلمة (رضي الله عنها) : «إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إضطجع ذات ليلة للنوم فاستيقظ وهو خائر ، ثم إضطجع فرقد ثم استيقظ وهو خائر دون ما رأيت به المرة الأولى ، ثم إضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبلها فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله؟ قال : أخبرني جبريل (عليه الصلاة والسلام) : أنّ هذا يقتل بأرض

__________________

(٣١٠) ـ الطبسي ، الشيخ محمد جعفر : مع الركب الحسيني ، ج ٤ / ٢٧.

(٣١١) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٥ / ٢١٣ ـ ٢١٤.

(٣١٢) ـ وفي البحار / ج ٤٤ / ٢٤٧ (عن أنس بن أبي سحيم).

(٣١٣) ـ أبو نعيم ، أحمد بن عبد الله : دلائل النبوة ، ج ٢ / ٥٥٤ ـ حديث رقم ٤٩٣.

١٦٤

العراق ـ للحسين ـ. فقلت لجبريل : أرني تربة الأرض التي يقتل بها ، فهذه تربتها فقال : هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» (٣١٤).

٣ ـ «ووجدت في بعض الكتب أنه عليه السلام لما عزم على الخروج من المدينة أتته أمُّ سلمة (رضي الله عنها) فقال : يا بني ، لا تحزني بخروجك إلى العراق ، فإني سمعت جَدك يقول : يقتل ولدي الحسين بأرض العراق ، في أرض يقال لها كربلاء ، فقال لها : يا أماه ، وأنا والله أعلم ذلك وإني مقتول لا محالة ، وليس لي من هذا بدُّ ، وإني والله لأعرف اليوم الذي أقتل فيه ، وأعرف من يقتلني ، وأعرف البقعة التي أُدفن فيها ، واني أعرف من يُقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي ، وإن أردت يا أماه أريكِ حفرتي ومضجعي» (٣١٥).

٣ ـ شُفَيّة :

«وهي بئر حفرتها بنو أسد بالقرب من كربلاء ، وأنشأت بجانبها قرية» (٣١٦).

ويرى العلامة المظفر (ره) ـ وخلاصة ما حققه ـ ما يلي :

«ولم يضبط لفظها ضبطاً دقيقاً ، فإنّها وردت في حديث نزول الحسين عليه السلام بكربلاء ، وسَمّاها بعضهم السقبة بالسين المهملة ، والقاف المنقطة بنقطتين ، ثم الباء المنقطة بواحدة من تحت ، ومن هؤلاء الدينوري.

ومنهم من سماها الشفية بالشين المعجمة المنقطة بثلاث ثم فاء منقطة بواحدة ، ثم ياء منقطة باثنين ، ومن هؤلاء الطبري المؤرخ ، وهذا لفظة

__________________

(٣١٤) ـ الحاكم ، محمد بن عبد الله النيسابوري : مستدرك الصحيحين ، ج ٤ / ٣٩٨.

(٣١٥) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٤ / ٣٣١.

(٣١٦) ـ آل طعمة ، السيد سلمان هادي : تراث كربلاء / ٢٠ وأيضا النهاية في غريب الحديث ، ج ٢ / ٤٨٨ لإبن الأثير.

١٦٥

ص / ٢٣٣ ، ج ٦ : «وأخذ الحر بن يزيد القوم بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ، ولا قرية ، فقالوا : دعنا ننزل في هذه القرية ؛ يعنون نينوى ، أو هذه القرية ؛ يعنون الغاضرية ، أو هذه الأخرى ؛ يعنون شفية. فقال : لا والله لا أستطيع ذلك ، هذا رجل قد بعث عليناً عليّ ... إلخ). وهو بعينة لفظ الشيخ المفيد في الإرشاد ص / ٢٣٨. وتبعه الملا عبد الله في مقتل العوالم ص / ٧٤ ، والفاضل المجلسي في البحار ص / ١٩٨ ، ج ١٠ ، وعبد الرحيم اليزدي في مصائب المعصومين ص / ٢٣١ ، وجميع هؤلاء يُصرّح أنّ الحسين عليه السلام كان يمتنع على الحر مرة ويسايره أخرى ، حتى إنتهى إلى نينوى ، المكان الذي نزل به الحسين عليه السلام ، وهذا هو القول الصحيح ـ إلى أن قال ـ : وعلى كل فشفية من قوى كربلاء وإن أهملها أكثر أهل المقاتل وأهملها الحموي ، ولكن أثبتها من ذكرنا من أعيان العلماء ، وذكرها أيضا ابن الأثير في تاريخه ص / ٢٦ ، ج ٤ ، طبعة الأولى» (٣١٧).

وذكر بعض أصحاب المقاتل ما يلي :

«وإنّ الضحاك بن عبد الله المشرفي ، عندما إشتد الأمر على الحسين عليه السلام يوم عاشوراء وبقي وحيداً ، إستأذن الحسين عليه السلام بالإنصراف لوعد كان بينهما ـ أنه ينصره متى كان كثير الأنصار ـ ، فاستوى على ظهر فرسه فوجهها نحو العسكر ، فأفرجوا وإخترق صفوفهم ، ثم تبعه منهم خمسة عشر فارساً حتى جاء شفية ، فالتجأ بها وسلم من القتل» (٣١٨).

__________________

(٣١٧) ـ المظفر ، الشيخ عبد الواحد : البطل العلقمي ، ج ٣ / ٣٧٤ ـ ٣٧٦. (بتصرف)

(٣١٨) ـ آل طعمة ، السيد سلمان هادي : تراث كربلاء / ٢٠ ـ ٢١.

١٦٦

٤ ـ العَقْر :

قال ياقوت الحموي : «العقر : بفتح أوله وسكون ثانية ، قال الخليل : سمعت أعرابياً من أهل الصَمّان يقول : كل فرجه تكون بين شيئين فهو عَقْرٌ لغتان. وقال غيره : العقر القصر على أي حال كان ، والعقر الغمام ، والعقر : عدة مواضع منها : عقر بابل قرب كربلاء من الكوفة. وقد روي : أنّ الحسين (رضي الله عنه) لما إنتهى إلى كربلاء وأحاطت به خيل عبيد الله من العقر قال : ما اسم تلك القرية؟ وأشار إلى العقر فقيل له : اسمها العقر. فقال : نعوذ بالله من العقر ، فما إسم هذه الأرض التي نحن فيها؟ قالوا : كربلاء ، قال أرض كرب وبلاء ، وأراد الخروج منها فمنع حتى كان ما كان. قتل عنده يزيد بن المهلب بن أبي صفرة في سنة ١٠٢ هـ ، وكان خلع طاعة بني مروان ودعا إلى نفسه ... إلخ» (٣١٩).

ولكن العلامة الشيخ عبد الواحد المظفر (ره) يرى خلاف ذلك ، وخلاصة ما ذهب إليه ما يلي :

«هنا قريتان : عقر كربلاء وعقر بابل أو عقر الملك ـ كما سَمّاها الطبري ـ واختلط على ياقوت الحموي ومقلديه ، فخلطوا بين العقرين ، وأنا أقوم إن شاء الله بإيضاح هذا الغلط وأقيم الأدلة كالتالي :

إنّ عقر بابل محاط بأنهار ومياه ، وعقر كربلاء محاط بمفازة وبيداء ، سوى نهر يمر بها يسقي بساتينها ، وللتفرقة بينهما أمور :

أحدها ـ كثرة المياه في الموضع الذي قتل فيه ابن المهلب ، لما ذكر في مقتله من كثرة الجسور ، ولو كان في البقعة التي استشهد عندها الحسين عليه السلام

__________________

(٣١٩) ـ الحموي ، شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت : معجم البلدان ، ج ٤ / ١٣٦.

١٦٧

جسور على أنهار ؛ لما عطش الحسين عليه السلام وإنما عطش ؛ لأنّ في كربلاء نهر واحد صغير نزل على ضفته الأعداء ، وأوثقوا الإستحكام على شرائعه ؛ وذلك لا يكون أكبر من نهر الحسينية بكثير ، ولو أحرق جسره أو قطع لا يعوق المنهزم لإمكان خوضه وسعة البادية في جانبيه ، بخلاف العقر الذي تحيط به أنهار كثيرة بحيث تمنع المنهزم بغزارة مائها وكثرتها ، أما جدول العلقمي وفروعه الصغيرة ، لا تصد منهزماً ، ولا تحول بينه وبين الفرا ، لسهولة خوضه واقتراب ضفتيه بعضها من بعض.

ثانيهما ـ إنّ مسير ابن المهلب كان من واسط أو قضاء الحي الحالي إلى العقر ، على الطريق الذي يوصل إلى الحلة من طريق عفك ، والدغارة ، فالديوانية ، فأراضي الشافعية ، فعقر بابل.

ثالثهما ـ الحرس الذي أقامه بنو أمية في النخيلة (جسر العباسيات) يمنع أهل الكوفة من نجدة ابن المهلب يُعيِّن أن مقتله في عقر الشامية ؛ لأن طريق من أنجده من أهل الكوفة النخيلة ، ولو كانت عقر كربلاء لتركوا طريق النخيلة وتسربوا إلى نجدته من الظهر ـ ظهر الكوفة ـ النجف الأشرف على موضع خان الحماد ، أو خان جضعان فذاك مسلك فسيح ، وطريق واسع لا تتسلط عليه قوة الحرس الذي بالنخيلة.

رابعها ـ أنّ العباس ابن الوليد أحد قواد جيش بني أمية نزل بسورا ، وسورا هي الهاشمية أو الجربوعية الحالية ، وفراتها يسمى لذلك نهر سورا ، وتطلق سورا على كافة أراضي العذار ، فإذا كان جيش بني أمية في الهاشمية فابن المهلب في عقر الهاشمية ، وما أبعد ما بين الجربوعية وكربلاء في جيشين ملتحمين في الحرب.

١٦٨

خامسها ـ إنّ قائد القوات الأموية الأول مسلمة بن عبد الملك المرواني بعد ظفره بابن المهلب ، عاد فنزل الحيرة والطريق من الشامية إلى الحيرة أو الجعارة على أبي صخير معروف ، ولو كان من كربلاء لما تجاوز الكوفة.

سادسها ـ إنّ قواد بني أمية ، لما أقبلوا لحرب ابن المهلب ، أقبلوا على خط الفرات من هيت ، وعانة ، فالرمادي ، إلى الأنبار فعقدوا الجسر وعبروا منه إلى الجزيرة ، ولو كان مركز ابن المهلب في كربلاء ، ما احتاجوا إلى عقد جسر ، وساروا على ضفاف الفرات الغربي ، حتى يصلوا إلى كربلاء ، فأي فائدة في هذا العناء بعقد جسر ليعبروا منه ، ثم يعقدوا مرة أخرى جسراً يعبروا به إلى ملاقات عدوهم ، كل هذه المرجحات يستبين منها جلياً ، أنّ عقر التي قتل عندها ابن المهلب ؛ هي عقر المهناوية لا عقر الطفوف ، وهذا اسمها إلى اليوم عقر (عكر) ، وهي مشهورة بغزارة المياه ، وجودة الأرز ، وكثرة الصيد من أسماك وطيور ، وهي تابعة لقضاء الشامية ، لواء الديوانية ، وهي كثيرة المياه صالحة لأن تعقد عليها جسور كثيرة» (٣٢٠).

والروايات التي ذكرت (العقر) منها ما يلي :

«وفي رواية : قال زهير : سر بنا إلى هذه القرية حتى ننزلها فإنّها حصينة ، وهي على شاطئ الفرات ، فإن منعونا قاتلناهم فقتالهم أهون علينا من قتال من يجي بعدهم ، فقال عليه السلام : وما هي؟ قالوا : هي العقر. فقال : اللهم إني أعوذ بك من العقر» (٣٢١).

__________________

(٣٢٠) ـ المظفر ، الشيخ عبد الواحد : البطل العلقمي ، ج ٣ / ٣٦٢ ـ ٣٦٤.

(٣٢١) ـ إعداد لجنة الحديث ، معهد تحقيقات باقر العلوم : موسوعة كلمات الإمام الحسين (ع) / ٣٧٤.

١٦٩

٥ ـ عَمُورَا :

لعل سبب تسميتها بهذا الإسم يرجع إلى ما يلي :

١ ـ أن تكون راجعة إلى العِمَارة) ، فهذه البقعة من الأرض مرت بحضارة ما بين النهرين ، فهي عامرة من قديم الزمان ، بل كانت مقبرة للبابليين ؛ ولذا أطلق عليها النواويس ، وفي حديث أمير المؤمنين عليه السلام ، لما مَرّ بـ(المقدفان) قال : (... قتل فيها مائتا نبي ، ومائتا سيط كلهم شهداء) ، إذن أرض كربلاء عامرة منذ قديم الزمان ؛ ولذا سميت بـ(عمورا).

٢ ـ أن تكون راجعة إلى (الإعمار) ؛ أي الزيارة ، فهي محل للزيارة والتقديس من قديم الزمان ، فالمستفاد من الروايات أن الأنبياء مروا على هذه البقعة الطاهرة ، وأخبروا من قبل الوحي بما سيحل على الحسين عليه السلام في هذه البقعة ولعنوا قاتليه ، وإلى هذا تشير رواية خالد الربعي قال : حدثني مع سمع كعباً يقول : (أوّل من لعن قاتل الحسين بن علي عليه السلام إبراهيم خليل الرحمن ، وأمر ولده بذلك ، وأخذ عليهم العهد والميثاق ، ثم لعنه موسى بن عمران ، وأمر أمته بذلك ، ثم لعنه داود ، وأمر بني إسرائيل بذلك ، ثم لعنه عيسى وأكثر أن قال : يا بني إسرائيل إلعنوا قاتله ، وإن أدركتم أيامه فلا تجلسوا عنه ، فإن الشهيد معه كالشهيد مع الأنبياء ، مقبلٍ غير مُدبر ، كأني أنظر إلى بقعته ، ما من نبي إلا وقد زار كربلاء ، ووقف عليها ، وقال : إنك لبقعة كثيرة الخير ، فيك يدفن القمر الأزهر) (٣٢٢).

وبعد مقتل الحسين عليه السلام أضحت مزاراً للملائكة ولسائر البشر ، وقد ذكر هذا الإسم في الرواية التالية :

__________________

(٣٢٢) ـ المصدر السابق / ٣٠١ (حديث ـ ١٠).

١٧٠

عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال الحسين عليه السلام لأصحابه قبل أن يقتل : (إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي : يا بني ، إنك ستساق إلى العراق ، وهي أرض قد إلتقى بها النبيون وأوصياء النبيين ، وهي أرض تدعى عمورا ، وأنك تستشهد بها ، ويشتهد معك جماعة من أصحابك ، لا يجدون ألم مسّ الحديد ، وتلا : (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ) (٣٢٣) يكون الحرب برداً وسلاماً عليك وعليهم ، فأبشروا فوالله لئن قتلونا فإنّا نرد على نبينا) (٣٢٤).

٦ ـ الغَاضِريّة :

من القرى العامرة عند نزول الحسين عليه السلام بكربلاء ومن أقربها إلى محل نزوله بعد نينوى ، وينبغي بحثها من ناحيتين :

الأولى ـ في أقوال الباحثين :

قال ياقوت الحموي : «الغاضرية : بعد الألف ضاد معجمة ، منسوبة إلى غاضرة من بني أسد : وهي قرية من نواحي الكوفة قريبة من كربلاء» (٣٢٥).

وقال الدكتور سلمان آل طعمة : «وجاء في (مدينة الحسين) : الغاضريات نسبة إلى غاضرة ، وكلمة غاضرة هي اسم لامرأة من بني عامر ، وهي بطن من بني أسد ، كانوا يسكنون هذه الأراضي التي تقع اليوم شمال الهيابي ، التي فيها مصانع للآجر ، وتبعد عن كربلاء ، أقل من نصف كيلومتر. وكانت قرية عامرة كبيرة تمتد على ضفة الفرات ، في شمال كربلاء إلى شمالها الشرقي ، أي على طريق بغداد القديم» (٣٢٦).

__________________

(٣٢٣) ـ الأنبياء / ٦٩.

(٣٢٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٥ / ٨٠ ـ ٨١.

(٣٢٥) ـ الحموي ، شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت : معجم البلدان ، ج ٤ / ١٨٣.

(٣٢٦) ـ آل طعمة ، السيد سلمان هادي : تراث كربلاء / ٢٠ ـ ٢١.

١٧١

وقال العلامة الشيخ عبد الواحد المظفر (ره) : «وقد يراها بعض المحققين أنها أراضي الحسينية ، أو على مقربة من خان العطيشي ، مركز ناحية الحسينية الحالي. ويَعرِّفها البَحّاتة الشهرستاني بأراضي الحسينية ؛ يعني بها المقاربة لخان العطيشي. لكني أجزم أنّها الأراضي الجنقنة فما دونها إلى بلدة كربلاء ، وقد صَرّح لي أبو حنيفة أحمد ابن ثابت الدينوري ـ وهو من علماء الدغرافية ـ أنّها بمقدار غلوة من منزل الحسين عليه السلام ، والغلوة ـ في لسان العرب ـ رمية سهم ... ، فإن كانت الغلوة رمية سهم أو ثلثمائة ذراع ؛ فهي لا شك باب البلدة المعروفة بباب الحسينية ، قرب مرقد سيدنا العباس بن أمير المؤمنين عليه السلام ، واعتراض خيل ابن سعد لهم في الطريق لا يتفق مع هذا ، وعلى هذا فيمكن الجمع بأن يقال ، أقرب حدود أراضي الغاضرية إلى منزل الحسين عليه السلام هو الغلوة ، وأقصاها ما يقارب خان العطيشي ، فمن المسنات مرقد العباس عليه السلام ، إلى القنطرة البيضاء ، إلى خان العطيشي ، ومركز القرية الأعظم يكون في وسط هذه الأراضي ، وإليه قصد حبيب بن مظاهر ، لما دعاهم لنصرة الحسين عليه السلام ...» (٣٢٧).

الثانية ـ في الروايات :

وبعد التعريف والوصف التاريخي لها ، نذكر بعض الروايات التي نصّت عليها كالتالي :

١ ـ قال أبو جعفر عليه السلام : (الغاضرية : هي البقعة التي كَلّم الله فيها موسى بن عمران ، وناجى نوحاً فيها ، وهي أكرم أرض الله عليه ، ولولا ذلك ما استودع الله فيها أولياءه وأنبياءه ، فزوروا قبورنا بالغاضرية) (٣٢٨).

__________________

(٣٢٧) ـ المظفر ، الشيخ عبد الواحد : البطل العلقمي ، ج ٣ / ٣٥٠ ـ ٣٥١.

(٣٢٨) ـ النوري ، ميرزا حسين الطبرسي ، مستدرك الوسائل ، ج ١٠ / ٣٢٤. (باب ٥١ من أبواب المزار ـ حديث ٥).

١٧٢

٢ ـ وقال أبو عبد الله عليه السلام : (الغاضرية من تربة بيت المقدس) (٣٢٩).

٣ ـ عن أبي حمزة الثمالي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (إذا أردت الوداع بعد فراغك من الزيارات فأكثر منها ما استطعت ، وليكن مقامك بالنينوى أو الغاضرية) (٣٣٠).

٤ ـ في الإرشاد : «وأخذهم الحرّ بالنزول في ذلك على غير ماء ولا قرية ، فقال له الحسين عليه السلام دعنا ـ ويحك ـ ننزل في هذه القرية أو هذه ؛ يعني نينوى أو الغاضرية ، أو هذه ؛ يعني شِفْتَة قال : لا والله ما استطيع ذلك ، هذا رجل قد بعث إليّ عيناً عليّ» (٣٣١).

٧ ـ نِيْنَوَى :

من الأسماء القديمة للبقعة الطاهرة (نينوى) ، وهي قرية من قرى كربلاء ، وكانت عامرة وقت نزول الحسين عليه السلام ، وقد إعتنى بها الباحثون كالتالي :

قال ياقوت الحموي : «نِيْنوى : بكسر أوله وسكون ثانية وفتح النون والواو بوزن طِيطَوى : وهي قرية يونس بن متى عليه السلام بالموصل ؛ وبسواد الكوفة ناحية يقال لها نِينَوى ، منها كربلاء التي قتل بها الحسين ، رضي الله عنه» (٣٣٢).

وقال الدكتور سمان آل طعمة : «نينوى : تقع شرقي كربلاء ؛ وهي سلسلة تلول أثرية تمتد من جنوب سدة الهندية حتى مصب نهر العلقمي في الأهوار ، وتعرف بتلول نينوى ، وكانت إذا قرية عامرة ززاهرة بالعلوم والمعارف في عهد الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، ومن أبرز علمائها

__________________

(٣٢٩) ـ المصدر السابق.

(٣٣٠) ـ ابن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٤٣٧ ، (باب ٨٤ ـ حديث ٢).

(٣٣١) ـ المفيد ، الشيخ محمد بن محمد النعمان : الإرشاد ، ج ٢ / ٨٤.

(٣٣٢) ـ الحموي ، شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت : معجم البلدان ، ج ٥ / ٣٣٩.

١٧٣

الفطاحل أبو القاسم حميد بن زياد النينوي ، وكان اسم كربلاء يطلق على نينوى ، واسم هذه على تلك على حد سواء. ويروي الطبري ، وابن الأثير عن نزول الحسين عليه السلام أرض كربلاء فقالا : فلما أصبح ـ أي الحسين عليه السلام ـ نزل فصلّى الغداة ، ثم عَجّل بالركوب ، وأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرقهم ، فيأتيه الحر بن يزيد فيردهم فيرده ، فجعل إذا رَدّهم إلى الكوفة رداً شديداً امتنعوا عليه فارتفعوا ، فلم يزالوا يتياسرون ، حتى انتهوا إلى نينوى ، المكان الذي نزل به الحسين» (٣٣٣).

وقد أشارت الروايات إلى هذا الاسم كما يلي :

١ ـ عن ابن عباس قال : (كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام في خرجته إلى صفين ، فلما نزل بنينوى ـ وهو بشط الفرات ـ قال بأعلى صوته : يا ابن عباس ، أتعرف هذا الموضع؟ قلت له : ما أعرفه يا أمير المؤمنين. فقال عليه السلام لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي ... إلخ) (٣٣٤).

٢ ـ روي : (أنّ الحسين عليه السلام إشترى النواحي التي فيها قبره من أهل نينوى ، والغاضرية بستين ألف درهم ، وتصدّق عليهم ، وشرط أن يرشدوا إلى قبره ، ويضيِّفوا من زاره ثلاثة أيام) وذكر السيد رضي الدين ابن طاووس : «أنها إنما صارت حلالاً بعد الصدقة ؛ لأنهم لم يفوا بالشرط ، قال : وقد روى محمد بن داود عدم وفائهم بالشرط في باب نوادر الزيارات» (٣٣٥).

__________________

(٣٣٣) ـ آل طعمة ، السيد سلمان هادي : تاريخ مرقد الحسين والعباس / ٢٢ ـ ٢٣.

(٣٣٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٤ / ٢٥٢.

(٣٣٥) ـ النوري ، ميرزا حسين الطبرسي ، مستدرك الوسائل ، ج ١٠ / ٣٢١ ، (باب ٥٠ من أبواب المزار ـ حديث ٧).

١٧٤

٣ ـ وعن عبد الله بن يحيى قال : (دخلنا مع علي إلى صفين ، فلما حاذى نينوى ؛ نادى صبراً يا أبا عبد الله ، فقال : دخلت على رسول الله وعيناه تفيضان فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما لعينيك تفيضان؟ أغضبك أحد؟ قال : لا ، بل كان عندي جبرئيل فأخبرني أنّ الحسين يقتل بشاطئ الفرات ، وقال : هل لك أن أشمّك من تربته؟ قلت : نعم ، فمدّ يده فأخذ قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عيني أن فاضتا ... إلخ) (٣٣٦).

٨ ـ النواويس :

من الأسماء القديمة لهذه البقعة الطاهرة «النواويس» ، وقد اهتم به المؤرخون والباحثون كما يلي :

قال الدكتور سلمان آل طعمة : «النواويس : وهي الآن مقابر ، مفردها ناووس على وزن فاعول ، واللفظة من الدخيل. وهذه القطعة واقعة شرقي كربلاء ، مما يلي بحيرة السليمانية ، في محل يقال له (براز علي) وزن ذهاب ، وتتصل بنهر الحسينية ، وتوجد في هذه القطعة الآثار المؤيدة بصحة موقعها ووجودها ؛ كالتلال والروابي والمرتفعات ، ويستخرج منها أحياناً توابيت الخزف ، وفي داخلها طريق ضيق للغاية ، ويجد في قصره تراب أصفر اللون ، يرميه العرب في النار فتفوح منه رائحة كريهة ، يشمها الإنسان من مكان بعيد ، وهذا ما يقوي إستدلالنا على وجود هذه البلدة أو القرية في عهد علي عليه السلام ، ولعل الرائحة التي تشم من ذلك التراب حين رميه بالنار ، تنبئنا بأنها أجساد بالية قديمة» (٣٣٧).

__________________

(٣٣٦) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٤ / ٢٤٧ ـ ٢٤٨.

(٣٣٧) ـ آل طعمة ، السيد سلمان هادي : تاريخ مرقد الحسين والعباس / ٢٣ ـ ٢٤.

١٧٥

وقال أيضاً : «وكانت مقبرة عامة قبل الفتح الإسلامي ، وتقع في أراضي ناحية الحسينية قرب نينوى. أما الأطلال الكائنة في شمال غربي كربلاء ؛ تعرف بـ(كربلاء القديمة) ، يستخرج منها أحياناً بعض الحباب الخزفية ، وكان البابليون يدفنون موتاهم فيها» (٣٣٨).

وقال العلامة الشيخ عبد الواحد المظفر (ره) : «هي مقبرة الحر الشهيد الرياحي وفيها مرقده ، وكانت مقبرة قديمة ، وفي دفن هذا البطل المجاهد إلى هذا الموضع النائي عن مرقد الشهداء أقوال :

١ ـ قول أنه سقط هناك فلم يحمل إلى خيمة القتلى من الشهداء ، لحيلولة القوم بينهم وبينه ، مع إشتغالهم بالحرب.

٢ ـ وقول أنّ عمر بن سعد لما أمر بقطع رؤوس الرؤساء من أنصار الحسين عليه السلام ، أبت بنو تميم أن يقطع راس الحر ، فحملوه ودفنوه هناك.

٣ ـ ويقال : إنما حملوه ؛ لأنّ عمر بن سعد أمر بوطئ جثت القتلى إمتثالاً لأمر ابن زياد ، فقامت بنو تميم وحامت عنه ومنعت منه ، ثم حملته إلى هذا الموضع ، ومنعت كل قبيلة من وطئ جثت رجالها ، لكنهم لم يحملوهم ولم يدفنوهم. وهذا ضعيف ؛ لأنّ المأمور به ابن سعد ، وطئ جسد الحسين عليه السلام خاصة ، فوطئته الخيل دون سائر الشهداء من العلويين وغيرهم ، كما صَرّحت بذلك الكتب والمقاتل.

__________________

(٣٣٨) ـ آل طعمة ، السيد سلمان هادي : تراث كربلاء / ٢٠.

١٧٦

٤ ـ وهناك قول آخر يعد رابعاً : أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام ، أمر بني أسد بنقله إلى هناك ، وهذا بعيد جداً. وكيف كان الأمر ، فموضع قبر الحر كان مقبرة للأنباط والمسيحيين قديمة قبل الفتح الإسلام بكثير» (٣٣٩).

وقد ذكر هذا الإسم سيد الشهداء عليه السلام في خطبته بمكة : «كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات ، بين النواويس وكربلاء ... إلخ» (٣٤٠).

٩ ـ المقدفان :

ذكر هذا الاسم في الرواية التالية :

وقال الباقر عليه السلام : (خرج علي يسير بالناس ، حتى إذا كان بكربلاء على ميلين أو ميل ؛ تقدم بين أيديهم حتى طاف بمكان يقال له : المقدفان ، فقال : قتل فيها مائتا نبي ، ومائتا سبط كلهم شهداء ، ومناخ ركاب ومصارع عُشّاق شهداء ، لا يسبقهم من كان قبلهم ، ولا يلحقهم من بعدهم) (٣٤١).

__________________

(٣٣٩) ـ المظفر ، الشيخ عبد الواحد : البطل العلقمي ، ج ٣ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩.

(٣٤٠) ـ ابن طاووس ، علي بن موسى بن محمد : اللهوف في قتلى الطفوف / ٢٥.

(٣٤١) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار / ج ٤١ / ٢٩٥.

١٧٧
١٧٨

الفصل الثالث

أسماء طبيعية

١ ـ أرض غربة

٢ ـ أرض فَلَاة

٣ ـ بَطْحاء

٤ ـ التربة أو تربة

٥ ـ تربة بيضاء

٦ ـ تربة حمراء

٧ ـ تَلّ أعْفَر

٨ ـ شاطئ أو شط الفرات

٩ ـ الطين أو الطينة

١٠ ـ طين أحمر

١١ ـ طين القبر

١٢ ـ الطف أو الطفوف

١٣ ـ عَرْصَة

١٤ ـ الغَائِط

١٧٩
١٨٠