نشر المحاسن اليمانيّة

ابن الديبع الشيباني الشافعي

نشر المحاسن اليمانيّة

المؤلف:

ابن الديبع الشيباني الشافعي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٢

ومتفقا مع سنة رسوله الكريم ، سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الذي أرسل إلى الناس كافة بدين الهدى والعلم ، فحضهم على الازدياد منه ، ليخرجهم من الظلمات إلى النور ، فجزاه الله عنا خير الجزاء ، وجعلنا ممن يشفع لهم يوم الدين ، إنه على ما يشاء قدير ، وبالإجابة جدير.

وآخر ما أدعو :

(أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)

دمشق الشام : الجمعة ٢٦ محرم الحرام ١٤١١ ه

١٧ آب ١٩٩٠ م

أحمد راتب حموش

مجاز في الحقوق ـ ما جستير في اللغة

العربية وآدابها

٦١
٦٢

٦٣
٦٤

[خطبة كتاب نشر المحاسن اليمانية]

[١] / بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أخرج الموجودات من العدم إلى الوجود ، وجعل منهم الحيوان والجماد يسبح بغير لسان موجود ، وفضّل جنس بني آدم على سائر المخلوقات فخصّهم بتركيب العقول لمعرفة المصالح والمضرات ، أحمده على ما أفضل وأنعم ، وأصلي على نبيه محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة صدق وإيمان ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المخصوص بكل برّ وإحسان ، صلى الله تعالى عليه وسلم ، وشرّف وعظّم وكرّم. أما بعد :

فإنه لما خصّ الله اليمن بالفضل والتكريم ، وجعل إقليمه أعدل الأقاليم ، وصار دار إقامة العرب. أرباب الفضل والأدب ، بدلالات الأحاديث النبوية والمقالات المرضية.

فمنها في فضل اليمن قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : «أتاكم أهل اليمن ، هم أرأف أفئدة وألين قلوبا» (١).

ومنها قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : «الإيمان يمان والحكمة يمانية» (٢).

__________________

(١) رواه أحمد عن عقبة بن عامر في مسنده ٤ / ١٥٤ ، كما رواه علي بن حسام الدين الشهير بالمتقي صاحب منتخب كنز العمال ٥ / ٣١٦ عن أبي هريرة من رواية البخاري ٣ / ٨١ ومسلم ١ / ٥٣ والترمذي ١٣ / ٢٨٦

(٢) رواه البخاري في المغازي ٧٤ والمناقب ١ وبدء الخلق ١٥ ، ومسلم في الإيمان ٨٢ ، ٨٤ ، ٨٦ ، ٨٨ ـ ٩٠ والترمذي في المناقب ٧١ والفتن ٦١ والدارمي في المقدمة ١٤ (١ / ٣٧) وأحمد ٢ / ٢٣٥ ، ٢٥٢ ، ٢٥٦ ، ٢٥٨ ، ٢٦٧ ، ٢٧٠ ، ٢٧٧ ، ٢٧٨ ، ٣٧٢ ، ٣٨٠ ، ٤٠٧ ، ٤٢٦ ، ٤٥٧ ، ٤٧٤ ، ٤٨٠ ، ٤٨٤ ، ٤٨٨ ، ٥٠٢ ، ٥٤١ و٣ / ٢٢٤

٦٥

ومنها قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : «اللهمّ بارك لنا في يمننا» (٣).

ومنها أنه نظر في اليمن فقال : «اللهم أقبل بقلوبهم» (٤).

وهذه أحاديث جليلة ، شاهدة لليمن بكل فضيلة.

ومن الأحاديث الشاهدة أيضا بفضل من سكن فيه من ولد قحطان قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم الحيّ الأزد ، والأشعريون لا يفرون في القتال ، ولا يغلون ، هم مني وأنا منهم» (٥).

وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم : «الأزد أسد الله في الأرض يريد الناس أن يضعوهم ويأبى الله إلا أن يرفعهم» (٦).

وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم : «حمير (٧) رأس العرب ونابها ، ومذحج (٨)

__________________

(٣) الحديث : «اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا» رواه البخاري استسقاء / ٢٧ وفتن / ١٦ والترمذي مناقب / ٧٣

(٤) رواه أحمد في مسنده ٣ / ٣٤٢ و٥ / ١٨٥ أي أقبل بهم ليدخلوا في الإسلام.

(٥) رواه أحمد في مسنده ٤ / ١٢٩ ، ١٦٤ ويغلون من الغلول وهو الخيانة واختلاس شيء من الغنيمة قبل عرضه على الأمير.

(٦) رواه الترمذي مناقب ١٣ / ٢٨٨ ورواه عن الترمذي أيضا صاحب منتخب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال في ٥ / ٣٠٥

(٧) حمير : قبيلة تنسب إلى حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان (جمهرة أنساب العرب ٤٠٦).

(٨) مذحج : قبيلة تنسب إلى مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ (جمهرة أنساب العرب ٣٨١).

٦٦

هامتها وغلصمتها ، والأزد كاهلها وجمجمتها ، وهمدان (٩) غاربها وذروتها (١٠)».

وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم : «رحم الله حميرا ، أفواههم سلام ، وأيديهم طعام ، وهم أهل أمن وإيمان» (١١).

وهؤلاء كلهم قحطانية وسكناهم باليمن.

فلما كان الأمر كذلك أحببت أن أشرح من فضل اليمن ما اتفق تحصيله ، وأذكر نسب من سكن فيه ، ممن ينبغي تفخيمه وتبجيله. فوضعت هذا الكتاب ، ورسمت مقاصده في سبعة أبواب وسميته : «نشر المحاسن اليمانية في خصائص اليمن ونسب القحطانية». ومن الله أستمد في تيسير التحصيل ، وعليه أعتمد وهو حسبي ونعم الوكيل.

الباب الأول : في شرح خصائص اليمن وما فيه من الخيرات.

__________________

(٩) همدان : قبيلة تنسب إلى همدان بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ (جمهرة أنساب العرب ٣٦٩).

(١٠) رواه صاحب منتخب كنز العمال في ٥ / ٣١٨ و٣١٩ خلال حديث طويل مطلعه : «الإيمان يمان والحكمة يمانية ، ورحى الإسلام دائرة فيما ولد قحطان ، والجفوة والقسوة فيما ولد عدنان ، حمير رأس العرب ... ـ (الحديث كما في المتن أعلاه) ـ والأنصار مني وأنا منهم ، اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ، اللهم أعز غسان أكرم العرب في الجاهلية ، وأفضل الناس في الإسلام بعثة ، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليلزم الأنصار ، وازروني ونصروني وحموني ، وهم شيعتي وأصحابي وأول من يدخل بحبوحة الجنة من أمتي» (الرامهرمزي في الأمثال والخطيب في تاريخه وابن عساكر في تاريخه والديلمي عن عثمان بن الضحاك).

وفي اللسان : الغلصمة الجماعة ، وهم أيضا السادة ، وإنه لفي غلصمة من قومه أي في شرف وعدد.

وناب القوم : سيدهم والهامة : الرأس والجمع ، وهامة القوم رئيسهم ، والكاهل : الذي يعتمدونه في أمورهم ، والجمجمة عظم الرأس المشتمل على الدماغ ، والغارب : ما بين السنام إلى العنق ، وذروة الشيء : أعلاه.

(١١) رواه الترمذي في المناقب ١٣ / ٢٩٢ وأحمد في مسنده ٢ / ٢٧٨

٦٧

الباب الثاني : في ذكر الآثار العلوية كالشمس والقمر والسماوات [والسحاب] والمطر والرعد والبرق والزلازل والرياح ، وذكر جهات هبوب الرياح الأربع وصفاتها وما يحمد منها وما يذم ، وما جاء في الجنوب المنسوبة إلى اليمن.

الباب الثالث : في ذكر القحطانية.

الباب الرابع : في ذكر بطون قحطان ومن انتقل منهم من اليمن إلى الشام وغيره من البلدان.

الباب الخامس : في ذكر من تولى أمر الحرمين الشريفين وهما مكة ويثرب ومن سكن فيهما من القحطانية.

الباب السادس : في ذكاء وفطن القحطانية وكرم طباعهم وملوكهم ووفائهم وشجاعتهم.

الباب السابع : في ذكر وصاب (١٢) ومن فيه من القبائل المعروفين والعلماء والصالحين ، وهو آخر الأبواب. وبتمامه يتم الكتاب.

__________________

(١٢) وصاب : اسم جبل يحاذي زبيد باليمن وفيه عدة بلاد وقرى وحصون ، وأهله عصاة لا طاعة عليهم لسلطان اليمن إلا عنوة معاناة من السلطان لذلك. وهو ناحية كبيرة كانت تعرف بجبلان العركبة ، وهي تتكون في عصرنا من ناحيتين : وصاب العالي ومركزها الدن ، ووصاب السافل ومركزها المصباح ، والعركبة مدينة خربة كانت حاضرة وصاب وكان يسكنها الملوك الشراحيون ملوك وصاب ، وتقع في أسفل مخلاف جعر من جهة الغرب (معجم البلدان ٥ / ٣٧٨ والبلدان اليمانية ٦٥ و٢٨٦).

٦٨

[٢] / الباب الأول

في شرح خصائص اليمن وفضائله [وما فيه من الخيرات]

اعلم أيها الناظر وفقك الله تعالى وألهم ، وعلمك ما لم تكن تعلم ، أن سرنديب من بلاد الهند هي الأرض التي هبط فيها آدم يوم خروجه من الجنة ، وهذه الأرض المذكورة هي قبة الفلك ، وموضع الاعتدال ، وأول الأقاليم (١) من ناحية اليمن ، شماليّها إقليم اليمن بإجماع أهل المعرفة بالفلك.

قالوا : ووسط هذا الإقليم (٢) مأرب ، وهي مدينة ملوك حمير بن سبأ الأكبر. ويكفي في فضلها ما أثنى الله تعالى عليها في كتابه العزيز بقوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ، جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ ، كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ، بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ)(٣).

قالوا : ويقابل هذه الأقاليم (٤) من جهة المشرق بلاد الصين وبلاد الهند

__________________

(١) أول الأقاليم : قسّم علماء الفلك الأرض إلى سبعة أقاليم اختلفوا في كيفيتها ، وإن للأمم في هيئة الأقاليم وصفاتها اصطلاحات أربعة ذكرها ياقوت في الباب الثاني من كتاب (معجم البلدان ١ / ٢٦) وقد أخذ المصنف هنا بالاصطلاح الرابع الذي يعتمد على قسمة المعمورة ، عرضا بحسب الاختلاف والتغيير على أقسام متوازية في طول الأرض ، ليتفق كل قسم في المشارق والمغارب على حال واحدة بالتقريب ، فجعل الحد الجنوبي وسط الإقليم الأول ثم الحد الشمالي وسط الإقليم السابع ، وسائر الأقاليم تتزايد نصف ساعة في النهار الأطول في أوساط الأقاليم السبعة المتفق على عددها.

(٢) أي أول الأقاليم كما وضحت في التعليق السابق رقم (١).

(٣) سبأ ٣٤ / ١٥

(٤) ويقابل هذه الأقاليم : أي يقع في الإقليم الأول من هذه الأقاليم كما في معجم البلدان ١ / ٢٩

٦٩

وطرف بلاد السند (٥) ، ويقابله من جهة المغرب (٦) بلاد النّوبة (٧) والحبشة (٨) والبجاء (٩) ، وليس وراء عدن أبين (١٠) في اليمن ساكن.

فصارت هذه ثلاث فضائل ؛ الأولى أنه أول الأقاليم ، الثانية أنه أعدلها في الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة (١١) ، الثالثة أنه أقربها مجاورة لخط الاستواء ، وفلك الاستقامة.

قالوا : وفي هذا الإقليم من المدن اليمانية عدن أبين وظفار (١٢) وأرض عمان ، وحضرموت ، وبلاد مهرة (١٣) ، وصنعاء ، وجرش (١٤) ، وتبالة (١٥).

__________________

(٥) السند بلاد بين بلاد الهند وكرمان وسجستان (معجم البلدان ٣ / ٢٦٧).

(٦) ويقابله من جهة المغرب : أي يقع في الإقليم الأول من جهة المغرب كما في معجم البلدان ١ / ٢٩

(٧) النوبة : بلاد واسعة عريضة في جنوبي مصر ، أول بلادهم بعد أسوان (معجم البلدان ٥ / ٣٠٨).

(٨) الحبشة : بلاد السودان.

(٩) البجاء : أمم عظيمة بين العرب والحبش والنوبة (معجم البلدان ١ / ٣٣٩).

(١٠) عدن أبين : جزيرة باليمن أقام بها أبين ، وهو مخلاف في اليمن (معجم البلدان ١ / ٨٦).

(١١) اليبوسة : الجفاف وقلة الرطوبة في الجو.

(١٢) ظفار : مدينة باليمن في موضعين أحدهما قرب صنعاء وإليه ينسب الجزع الظفاري ، وآخر قرب مرباط ، وإليه ينسب القسط وهو العود الذي يتبخر به ، وهي مدينة بأقصى اليمن على ساحل بحر الهند قريبة من الشحر (تاج العروس : ظفر).

(١٣) مهرة : قبيلة وهو مهرة بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة تنسب إليهم الإبل المهرية وباليمن لهم مخلاف ، بينه وبين عمان نحو شهر وكذلك بينه وبين حضرموت (معجم البلدان ٥ / ٢٣٤) ومهرة صقع واسع في الشرق من حضرموت (البلدان اليمانية ٢٦٧).

(١٤) جرش من مخاليف اليمن من جهة مكة وهي مدينة عظيمة باليمن (معجم البلدان ٢ / ١٢٦) ، وجرش بلدة خاربة شمال نجران سمي باسمها مخلاف جرش ولا تزال أطلالها قائمة في أعلى وادي بيشة (البلدان اليمانية ص ٦٩).

(١٥) تبالة موضع ببلاد اليمن بينه وبين مكة اثنان وخمسون فرسخا نحو مسيرة ثمانية أيام ، وأسلم أهل تبالة وجرش من غير حرب في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتبالة بلدة عامرة كانت مركز ناحية خثعم من عسير وتقع إلى الغرب من بيشة (البلدان اليمانية ص ٥١).

٧٠

ثم يقطع البحر المنتهي إلى القلزم (١٦) فيمر ببلاد الحبشة والنوبة ، وفي تلك الجزيرة من المدن دنقلة (١٧) ، مدينة ملك النوبة ، ومعدن الذهب (١٨) مما يقطع نيل مصر ، ثم يمر ببلاد الزغاوة (١٩) وفزّان وكتم والتكرور (٢٠) حتى ينتهي إلى جزائر البحر الأعظم (٢١) في المغرب.

فصل [في إجماع أهل الفلك والعرب على نسبة

نصف البروج الاثني عشرية إلى اليمن]

ومن خصائصه أيضا أن أهل الفلك مجمعون وسائر العرب على نسبة نصف البروج الاثني عشرية إليه ويسمونها اليمانية والجنوبية ، وهي الميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت. وفيها من منازل القمر الثماني والعشرين (٢٢) / [٣]

__________________

(١٦) يقطع البحر ... أي يقطع الإقليم الأول البحر المتجه إلى القلزم ، والقلزم بلدة على ساحل بحر اليمن قرب أيلة والطور ومدين وإلى هذه المدينة ينسب هذا البحر أي بحر قلزم وهو البحر الأحمر (معجم البلدان ١ / ٣٤٤ و٤ / ٣٨٧).

(١٧) دنقلة أو دمقلة مدينة كبيرة في بلاد النوبة التي ينبت فيها الذهب (معجم البلدان ١ / ٢٩ ، و٢ / ٤٧٠ و٤٧٨ و٥ / ٣٠٩).

(١٨) ومعدن الذهب : أي ومدينة معدن الذهب.

(١٩) الزغاوة : مملكة عظيمة من ممالك السودان في حد المشرق منها مملكة النوبة (معجم البلدان ٣ / ١٤٢).

(٢٠) فزّان وكتم والتكرور : بلاد سودانية ، وكتم : اسم بلد (معجم البلدان ٤ / ٤٣٦) ، والتكرور :

تنسب إلى قبيل من السودان في أقصى جنوب المغرب وأهلها أشبه الناس بالزنوج (معجم البلدان ٢ / ٣٨).

(٢١) البحر الأعظم هو البحر المحيط الهندي (معجم البلدان ١ / ٣٤٥).

(٢٢) في الأصل : الثمانية والعشرون.

٧١

أيضا أربع عشرة (٢٣) منزلة ، وهي الغفر (٢٤) والزباني (٢٥) والإكليل (٢٦) والقلب (٢٧) والشّولة (٢٨) والنعائم والبلدة (٢٩) وسعد الذابح وسعد بلع وسعد السعود وسعد الأخبية ومقدم الدلو ومؤخر الدلو والرّشاء (٣٠) فهذه كلها يمانية.

ثم النجوم المشهورة نصفها شمالي ونصفها يماني ، ومن اليماني سهيل ، وهو نجم مشهور ، أنور النجوم ، كثير التوقد ، كأنه يضطرب لشدة شعاعه وفيه يقول الشاعر : [الطويل]

أراقب لوحا من سهيل كأنه

إذا ما بدا في ظلمة الليل يطرف (٣١)

وقال فيه أيضا عمر بن أبي ربيعة (٣٢) يمثل برجل اسمه سهيل تزوج امرأة اسمها الثريا هذين البيتين : [الخفيف]

__________________

(٢٣) في الأصل : وأربعة عشر.

(٢٤) الغفر : منزل للقمر ثلاثة أنجم صغار (القاموس).

(٢٥) الزباني : زبانيا العقرب : كوكبان نيران في قرني العقرب (القاموس).

(٢٦) الإكليل : منزل للقمر أربعة أنجم مصطفة (القاموس).

(٢٧) القلب : قلب العقرب : منزل من منازل القمر وهو كوكب نيّر وبجانبيه كوكبان ، ...

والقلوب أربعة : قلب الأسد ، وقلب الثور وهو الدبران ، وقلب الحوت وهو الرشاء (تاج العروس).

(٢٨) الشولة : كوكبان نيران ينزلهما القمر ، يقال لهما : حمة العقرب (القاموس).

(٢٩) البلدة : رقعة من السماء لا كوكب بها ، بين النعائم وسعد الذابح ينزلها القمر وربما عدل فنزل بالقلادة ، وهي ستة كواكب مستديرة تشبه القوس (القاموس).

(٣٠) الرشاء : في الأصل (الرشا) وما أثبته من القاموس.

(٣١) لوحا : فوقها في الأصل (لمحا). وفي ظلمة : فوقها في الأصل (في آخر). ويطرف : كتبت في الأصل فوق كلمة مشطوبة هي (يبرق).

(٣٢) في الأصل : عمر بن ربيعة ، والصواب ما أثبته ، وعمر بن أبي ربيعة المخزومي القرشي شاعر أموي من طبقة جرير والفرزدق ، وهو أرق شعراء عصره ، ولم يكن في قريش أشعر منه ، ولد ليلة الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وهي الليلة التي توفي بها عمر بن الخطاب فسمي باسمه ، وكان يفد على عبد الملك بن مروان فيكرمه ويقربه ، ورفع إلى عمر بن عبد العزيز أنه يتعرض لنساء الحاج ويشبب بهن ، فنفاه إلى دهلك ، ثم غزا في البحر

٧٢

أيّها المنكح الثريّا سهيلا

عمرك الله كيف يلتقيان

هي شاميّة إذا ما استقلت

وسهيل إذا استقل يماني (٣٣)

فائدة : قال الفقيه الإمام الفاضل عفيف الدين عبد الله بن أسعد اليافعي (٣٤) في تحديد القبلة ، قبلة اليمن : تهامتها (٣٥) إلى عدن ، ونجدها إلى

__________________

فاحترقت السفينة به وبمن معه ، فمات فيها غريقا وكانت حياته بين عامي (٢٣ ـ ٩٣ ه‍) (٦٤٤ ـ ٧١٢ م). له ديوان شعر مطبوع.

(٣٣) ويروى البيت الثاني (هي غورية) نسبة إلى غور الأردن بالشام بين بيت المقدس ودمشق ، وبين الثريا وسهيل تورية لطيفة ، فإن (الثريا) يحتمل الثريا بنت عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر ابن عبد شمس بن عبد مناف الأموية وقتيلة بنت النضر جدتها ، لأنها كانت تحت الحارث بن أمية ، وعبد الله ولدها هو والد الثريا ، تزوجها سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري رضي الله عنه ونقلها إلى مصر ، فقال عمر هذا الشعر يضرب المثل بالثريا وسهيل النجمين المعروفين ، وعليه فإن الثريا يحتمل المرأة المذكورة ، وهو المعنى البعيد المورّى عنه وهو المراد ، ويحتمل ثريا السماء وهو المعنى القريب المورّى به ، وسهيل يحتمل الرجل المذكور وهو المعنى البعيد المورّى عنه وهو المراد ، ويحتمل النجم المعروف بسهيل. فتمكن للشاعر أن ورّى بالنجمين عن الشخصين ليبلغ من الإنكار على من جمع بينهما ما أراد. وهذه أحسن تورية وقعت في شعر المتقدمين. وقد كانت الثريا مشهورة في زمانها بالحسن والجمال ، وكان سهيل قبيح المنظر ، وهذا مراده بقوله : عمرك الله كيف يلتقيان؟ أي كيف يلتقيان مع ما بينهما في الحسن والقبح ، وعمرك الله يريد الشاعر بها : سألت الله أن يطيل عمرك.

واستقلت : ارتفعت. والبيتان في ملحقات ديوان عمر بن أبي ربيعة ٤٩٥ وخزانة الأدب ١ / ٢٣٨ ووفيات الأعيان ١ / ٥٣٨ والأغاني ١ / ١٢٧ و٢٤٢ ـ ٢٤٣ وجمهرة ابن حزم ٦٩ والمقتضب ٢ / ٣٢٩ وأمالي المرتضى ١ / ٣٤٨ وأمالي ابن الشجري ١ / ٣٤٩ وشرح المفصل لابن يعيش ٩ / ٩١ والأعلام ٥ / ٥٢

(٣٤) عبد الله بن أسعد بن علي اليافعي ، عفيف الدين (٦٩٨ ـ ٧٦٨ ه‍) ـ (١٢٩٨ ـ ١٣٦٧ م) : مؤرخ باحث متصوف من شافعية اليمن ، نسبته إلى يافع من حمير ، ومولده ومنشؤه في عدن.

حجّ سنة ٧١٢ ه‍ ، وعاد إلى اليمن ، ثم رجع إلى مكة سنة ٧١٨ فأقام وتوفي بها. ومن كتبه (مرآة الجنان ، وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان) وغيره (الأعلام ٤ / ٧٢) وفي غربال الزمان ص ٧ أن وفاته كانت في جمادى الآخرة سنة ٧٦٨ ه‍.

(٣٥) تهامتها ، أي تهامة اليمن.

٧٣

صنعاء إلى حضرموت إلى ما حاذى ذلك من الجهات. من جعل سهيلا إذا طلع خلف أذنه اليمنى فقد استقبل القبلة.

ومن النجوم الشهيرة اليمانية أيضا الشّعرى العبور (٣٦) واسمها عندنا الباجس ، وقد وقفت على كلام لبعض العلماء في طلوع هذين النجمين ، فنظمت في معناه هذين البيتين وهما : [الطويل]

إذا ما مضى خمس وعشرون ليلة

بشهر حزيران طلوع لباجس

ويطلع سهيل يوم سابع عشره

بتموز مهما طاب تمر المغارس (٣٧)

ومن النجوم اليمانية الذراع (٣٨) ومنها السماك (٣٩) ، وهذا سر من الأسرار الغريبة ، ومن العجائب العجيبة لكون اليمن جزءا يسيرا بالنسبة إلى جميع الأرض ، ونصف النجوم المشهورة منسوبة إليه.

__________________

(٣٦) الشعرى : كوكب نيّر يقال له : المرزم ، يطلع بعد الجوزاء ، وطلوعه في شدة الحر ، تقول العرب : إذا طلعت الشعرى جعل صاحب النحل يرى ، وهما الشعريان : العبور التي في الجوزاء ، والشعرى الغميصاء التي في الذراع ، تزعم العرب أنهما أختا سهيل. وعبد الشعرى العبور طائفة من العرب في الجاهلية ويقال : إنها عبرت السماء عرضا ، ولم يعبرها عرضا غيرها ، فأنزل الله تعالى : (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) وسميت الأخرى الغميصاء ؛ لأن العرب قالت في حديثها : إنها بكت على إثر العبور حتى غمصت أي سال غمصها ، والغمص وسخ يجتمع في طرف العين.

(٣٧) (ويطلع) هكذا ، سكّن الآخر لضرورة الشعر.

(٣٨) الذراع : منزل للقمر وهو ذراع الأسد المبسوطة ، وللأسد ذراعان مبسوطة ومقبوضة وهي التي تلي الشام والقمر ينزل بها ، والمبسوطة تلي اليمن وهو أرفع في السماء وأمد من الأخرى وربما عدل القمر فنزل بها ، تطلع لأربع يخلون من تموز وتسقط لأربع يخلون من كانون الأول (القاموس).

(٣٩) السماك : الأعزل والرامح نجمان نيّران أو هما رجلا الأسد (القاموس).

٧٤

[٤] / فصل [في أجزاء اليمن وما فيها من المنافع والفضائل والخير]

ذكر الشيخ أبو الحسن الكلاعي (٤٠) من الخصائص : أنّ أرض اليمن مقسومة ثلاثة أجزاء : جزء برار (٤١) سهلة ، وجزء جبال وعرة ، وجزء بحر. فعد من البراري السهلة مواضع شرقية ومواضع غربية. فمن الشرقية مأرب ، ونجران ، وحضرموت ، وجوف همدان (٤٢) ، والشّحر (٤٣) ، وبيحان (٤٤). وعدّ من الغربية ،

__________________

(٤٠) الشيخ أبو الحسن الكلاعي : كنت ضائعا عنه فأرشدني إليه الأستاذ المحقق حسين سليم أسد الداراني جزاه الله خيرا ، وهو محمد بن الحسن بن محمد بن عبد الله بن محمد الكلاعي الحميري اليمني الفقيه النحوي الإخباري النسابة ، ناظم من آثاره : قصيدة الدامغة في أنساب حمير ، والقاصمة المشهورة بقصيدة الكلاعي في التاريخ ، كان سنة ٤٠٤ ه‍ / ١٠١٣ م ويراجع فيه : (إيضاح المكنون للبغدادي ١ / ٤٤٢ وهدية العارفين ٢ / ٥٩ ومعجم المؤلفين ٩ / ٢١٦).

(٤١) برار : في الأصل براري.

(٤٢) جوف همدان : الجوف جوف المحورة ببلاد همدان (معجم البلدان ٢ / ١٨٨).

(٤٣) الشحر : الشحرة : الشط الضيق. والشحر : الشط وهو صقع على ساحل بحر الهند من ناحية اليمن ، وهو بين عدن وعمان (معجم البلدان ٣ / ٣٢٧) وهو يمتد من موقع الشحر ، ومدينة الشحر الآن تسمى الأسعاء [البلدان اليمانية ١٥٢].

(٤٤) بيحان : مخلاف جنوب شرق مأرب وفيه تقع (خربة تمنع) عاصمة الدولة القتبانية ، وبيحان أيضا حصن جنوب بغرب من التربة مركز الحجرية (البلدان اليمانية ٤٦).

٧٥

زبيد وغلافقة (٤٥) ، وعسير ، وسردد (٤٦) ، ومور (٤٧) وأرض حكم وهي المنيفة (٤٨) إلى صليّ (٤٩).

قال : وفي هذه البراري والسهول من المنافع والفضائل والخير الكامل ما لا يحصى له عدد ولا يبلغ له أمد.

وعدّ من جزء الجبال ، جبال اليمن المشهورة بالشموخ والسعة والخصب والمنعة

__________________

(٤٥) غلافقة : بلد على ساحل بحر اليمن مقابل زبيد وهي مرسى زبيد ، وبينهما خمسة عشر ميلا ، ترفأ إليها سفن البحر القاصدة لزبيد (معجم البلدان ٤ / ٢٠٨) وتعرف اليوم بغليفقة ، وهي مرفأ قديم يقع شمال مدينة زبيد (البلدان اليمانية ٢٠٨).

(٤٦) سردد : ولاية قصبتها المهجم من أرض زبيد (معجم البلدان ٣ / ٢٠٩) وهو واد مشهور بين وادي مور شمالا ووادي سهام جنوبا (البلدان اليمانية ١٣٧).

(٤٧) مور : ساحل لقرى اليمن شمالي زبيد ، وهو أحد مشارف اليمن الكبار ، وهو من رأس تهامة الأعظم ويتلوه في العظم وبعد المأتى زبيد ، وإليه يصب أكثر أودية اليمن (معجم البلدان ٥ / ٢٢٠) ، ومور واد مشهور في تهامة ينتهي إلى البحر بجوار اللحية (البلدان اليمانية ٢٦٦).

(٤٨) أرض حكم : مخلاف باليمن ، سمي بالحكم بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد (معجم البلدان ٢ / ٢٨٠) ، وأما المنيفة فهي ماء لتميم على فلج بين نجد واليمامة ، وفي حواشي الأصل : المنيف حصن في جبل صبر من أعمال تعز في اليمن. وكلاهما في (معجم البلدان ٥ / ٢١٧).

(٤٩) صلي : ناحية قرب زبيد باليمن قال شاعرهم :

فعجت عناني للحصيب وأهله

ومور ويمّمت الصّليّ وسرددا

وصليّ قرية تحت جبل برع كانت طريق القوافل تمر بها (معجم البلدان ٣ / ٤٢٢) و (البلدان اليمانية ١٦٤).

٧٦

والجناب والرفعة وهي صبر (٥٠) ومخلاف جعفر (٥١) وزحر (٥٢) وبعدان (٥٣)

__________________

(٥٠) صبر : جبل شامخ عظيم مطل على قلعة تعز فيه عدة حصون وقرى باليمن (معجم البلدان ٣ / ٣٩٢) ، وصبر جبل مشهور تقع في سفحه الشمالي مدينة تعز بما في ذلك قلعة تعز (البلدان اليمانية ١٦١).

(٥١) مخلاف جعفر : باليمن ، وجعفر مولى زياد الذي اختط مدينة زبيد ، وتقلد جعفر جبل اليمن واختط به مدينة اسمها المذيخرة ذات أنهار ورياض واسعة ، والبلاد التي كانت لجعفر تسمى مخلاف جعفر ، والمخلاف عند أهل اليمن عبارة عن قطر واسع (معجم البلدان ٥ / ٧٠ و٩٠) ، ولكن محقق البلدان اليمانية يرد على ياقوت صاحب معجم البلدان فيقول في ص ٢٥٣ : «هو جعفر بن إبراهيم المناخي الذي قتله علي بن الفضل في وادي نخلة سنة ٢٩١ ه‍ ، وليس جعفر مولى زياد كما ذكر ياقوت اعتمادا على عمارة اليمني في تاريخه».

(٥٢) زحر : من قرى مشرق جهران باليمن (معجم البلدان ٣ / ١٣٤) وهي قرية عامرة في مخلاف زراجة بالقرب من العرقوب من ناحية الحدا (البلدان اليمانية ١٣٠).

(٥٣) بعدان : مخلاف باليمن يقال له البعدانية من مخلاف السحول (معجم البلدان ١ / ٤٥٢) ، وبعدان مخلاف كبير شرق مدينة إبّ مباشرة ، وقد تحول من سنة (١٣٦٧ ه‍ / ١٩٤٨ م) إلى ناحية مركزها العزلة ، وهو مشهور بكثرة مزارعه وقراه ، ويعتبر من أجمل مناطق اليمن الأسفل (البلدان اليمانية ٤١).

٧٧

ووصاب (٥٤) وعتم (٥٥) وريمة (٥٦) وبرع (٥٧) وحفاش (٥٨) وملحان (٥٩) وحضور (٦٠)

__________________

(٥٤) وصاب : اسم جبل يحاذي زبيد باليمن وفيه عدة بلاد وقرى وحصون (معجم البلدان ٥ / ٣٧٨) ، وهو ناحية كبيرة كانت تعرف بجبلان العركبة ، وهي تتكون في عصرنا من ناحيتين : وصاب العالي ومركزها الدن ، ووصاب السافل ومركزها المصباح (البلدان اليمانية ٢٨٦).

(٥٥) عتم : حصن في جبل وضرة باليمن (معجم البلدان ٤ / ٨٢) ، وجبل وضرة من أعمال حجة (البلدان اليمانية ٢٨٦).

(٥٦) ريمة : في الأصل (واريمة) وما أثبت من معجم البلدان ٣ / ١١٥ (والبلدان اليمانية ١٢٧) ، وهي ريمة الأشباط ، وفيها جبال شاهقة مطلة على تهامة ، أو ريمة حميد أو ريمة المناخي.

(٥٧) برع : جبل بناحية زبيد باليمن فيه قلعة يقال لها حلبة ، وهي قرب سهام ، ويسكنه الصنابر من حمير ، وله سوق ، وتفرق بين برع وبين ضلع ريمة ، وهو بفتح الباء حصن من حصون ذمار باليمن (معجم البلدان ١ / ٣٨٥) ، وبرع جبل كبير فيه قرى كثيرة منها عدد من العزل التي تتكون منها ناحية برع ومركزها الرقاب وفي هذا الجبل مزارع كثيرة يزرع فيه البن (البلدان اليمانية ٣٩).

(٥٨) حفاش : جبل باليمن في بلاد حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة (معجم البلدان ٢ / ٢٧٤) ، وهو جبل منيع بجوار جبل ملحان وكلاهما شامخان مطلان على تهامة فوق وادي سردد والمهجم (البلدان اليمانية ٩٤).

(٥٩) ملحان : مخلاف باليمن ، وقال ابن الحائك : وملحان بن عوف بن مالك بن يزيد بن سدد بن حمير ، وإليه ينسب جبل ملحان المطل على تهامة والمهجم ، واسم الجبل ريشان فيما أحسب (معجم البلدان ٥ / ١٩٠).

وملحان جبل مشهور وكان يدعى ريشان ، ويقع فوق وادي سردد والمهجم من تهامة ، وريشان في مخلاف جنب من بني مطر وأعمال صنعاء (البلدان اليمانية ١٢٦ و٢٦٣).

(٦٠) حضور : بلدة باليمن من أعمال زبيد ، سميت بحضور بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد بن حمير بن سبأ ، ويروى بالألف الممدودة : حضوراء (معجم البلدان ٢ / ٢٧٢).

وقد ردّه محقق البلدان اليمانية على صاحب معجم البلدان فقال في ص ٩٣ منه : «وقد وهم ياقوت حينما عدّ حضورا من أعمال زبيد فبينهما أكثر من ثلاث مئة كيلومتر تقديرا.

وحضور جبل مشهور في الغرب من صنعاء على مسافة ثلاثين كيلومتر ويعرف أيضا بجبل النبي شعيب ، وهو أرفع جبال اليمن إذ يرتفع عن مستوى البحر بسبع مئة وثلاثة آلاف متر وينزل على رأسه الثلج في كثير من السنين ، وقد أطلق اسمه على ناحية حضور التي يقع فيها وهي من بني مطر.

وحضور هذا غير حضور الشيخ ، وهو أيضا جبل مرتفع كان يعرف بحضور بني أزد ، ويقع في المصانع من أعمال ثلا».

٧٨

وبيش (٦١) ومسور (٦٢) والشرف (٦٣) وجبل هنوم (٦٤).

وذكر أن فيها من الخيرات والفضائل ما لا يخفى إلّا على جاهل أو متجاهل.

وصحيح ما قال ، فكم في هذه الجبال من البساتين والعيون الجاريات والفواكه

__________________

(٦١) بيش : من مخاليف اليمن فيه عدة معادن ، وهو واد فيه مدينة يقال لها (أبو تراب) سميت بذلك لكثرة الرياح والشوافي فيها ، وهي ملك للشرفاء بني سليمان الحسنيين ، وبيش : من بلاد اليمن قرب دهلك (معجم البلدان ١ / ٥٢٨) ، أما في (البلدان اليمانية ٤٩) فبيش : واد من أودية تهامة ، مآتيه من سراة جنب ، وفيه قرية تدعى (بيش) كانت قصبة المخلاف ، وقد صارت قاعدته أم الخشب.

(٦٢) مسور : حصن من أعمال صنعاء اليمن ، قال شاعر يمني :

ولم نتقدم في تهام ويأزل

وبيش ولم نفتح مشارا ومسورا

(معجم البلدان ٥ / ١٣٠).

وقد علق على ذلك محقق البلدان اليمانية ص ٢٥٨ بقوله :

ومسور : بفتح الميم وهو مسور المنتاب أو جبل تخلى ويعرف اليوم بمسور حجة ، وهو من الجبال المشهورة ويقع على بعد ثمانين كيلومترا من صنعاء ، في الغرب بشمال منها ، ومسور أيضا واد في خولان الطيال (العالية) مشهور بزراعة الأعناب وغيرها من الفواكه.

ومشار هو بالسين المهملة وليس بالشين المعجمة ، وهو جبل حصين في حراز ومنه دعا علي بن محمد الصليحي بالملك لنفسه.

(٦٣) الشرف : قلعة حصينة باليمن قرب زبيد بين جبال لا يوصل إليها إلا في مضيق لا يسع إلا رجلا واحدا مسيرة يوم وبعض الآخر ، ودونه حراج وغياض ، وهذا الحصن لبني حيوان من خولان ، يقال له شرف قلحاح ، والشرف الأعلى : جبل أيضا قرب زبيد ، وشرف البياض : من بلاد خولان من جهة صعدة باليمن ، وشرف قلحاح والشرف : جبلان دون زبيد من أرض اليمن (معجم البلدان ٣ / ١٣٦) ، والشرف : هو المعروف اليوم بالمصنعة في عزلة القاعدة من مخلاف بني مسلم وأعمال وصاب ، وهو غير شرف قلحاح ، وغير الشرف الأعلى المعروفين من أعمال حجة ، وبينهما وبين شرف وصاب أكثر من ثلاث مئة كيلومتر (البلدان اليمانية ١٥٥).

(٦٤) جبل هنوم : يقع بمنطقة هنوم من محافظة حجة شمالي غرب صنعاء وعلى رأسه مسجد يعرف بمسجد رأس هنوم ، وأهله الأهنوم من همدان (الإكليل ٢ / ٢٨٩ ، ٨ / ٨٦) ، و (صفة جزيرة العرب ٦٩ ، ٧٢ ، ١٢٥) ، و (اليمن الكبرى ١٠٧) ، و (تاريخ مدينة صنعاء للرازي ٢٣١ ، وفهارسه المحققة ٦٢٣) ، و (معالم الآثار اليمنية ١٢٤) ، و (معجم ما استعجم).

٧٩

والروعات والأشجار والثمرات والمعاقل المنيعات والحصون القاهرات ، مما لا يوجد مثله ولا يوصف شكله.

وعدّ أيضا جزء البحر وما يخرج منه إلى اليمن فقال : يخرج منه الدر والمرجان والعنبر الذكي. قال : خرج في وقته قطعة عنبر من ساحل غلافقة أتى وزنها بهارا وهو ثلاث مئة رطل بالبغدادي حملت إلى الأمير أبي الفتح (٦٥) إلى زبيد.

قال : وأما الدر فقد رأيته أخرج من مغاص العارة (٦٦) حبات مثمنة حسنة.

قال : وأما الذي يصل إلى اليمن في البحر من البلدان البعيدة فيصل من أرض الهند الياقوت واللؤلؤ وأصناف من المسك والكافور والعود الرطب / [٥] والعطر والحديد والفلفل. ويصل من الصين الحرير والقصبات ويصل من عمان وأرض فارس تحف كثيرة يطول ذكرها.

فصل [في معادن اليمن]

قال : ومن خصائص اليمن أيضا أن فيه كثيرا من المعادن ، منها معدن عتم ومعدن ضنكان (٦٧) وهما معدنا ذهب جليلان ، ومعدن القفاعة (٦٨) من أرض حكم

__________________

(٦٥) الأمير أبو الفتح : لعله أبو الفتح الديلمي (... ـ ٤٤٤ ه‍ ـ ... ـ ١٠٥٢ م) الناصر بن الحسين بن محمد بن عيسى الحسني الطالبي ، وهو من أئمة الزيدية وشجعانهم ، مفسر ، وفي اسمه ونسبه وتاريخ دخوله اليمن وعام وفاته خلاف (الأعلام ٧ / ٣٤٧) و (الدول الإسلامية ٢٠٩).

(٦٦) مغاص العارة : وهو على الساحل بين العميرة وغلافقة على ساحل زبيد (معجم البلدان ٥ / ٤٤٨).

(٦٧) معدن عتم ومعدن ضنكان : أي المعدن في كل من عتم ، وقد شرحنا موضعها سابقا ، وضنكان : وهو واد في أسفل جبل السراة يصب إلى البحر وسمي به مخلاف ضنكان من مخاليف اليمن (معجم البلدان ٣ / ٤٦٤) ، و (البلدان اليمانية ١٧٥).

(٦٨) القفاعة من نواحي صعدة ثم أرض خولان باليمن ، يسكنها بنو معمر بن زرارة بن خولان ، بها معدن ذهب (معجم البلدان ٤ / ٣٨٠).

٨٠