نشر المحاسن اليمانيّة

ابن الديبع الشيباني الشافعي

نشر المحاسن اليمانيّة

المؤلف:

ابن الديبع الشيباني الشافعي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٢

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

سبحانك اللهم وبحمدك حمدا يوافي نعمك ويكافئ مزيدك ، وتبارك اسمك يا ذا الجلال والإكرام ، وتعالى جدك ، لا أحصي ثناء عليك كما أثنيت على نفسك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ، أنت المستعان ، وعليك البلاغ ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وأشهد أن محمدا عبدك وخاتم أنبيائك ورسلك ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ بعثته بالرسالة الخالدة للناس كافة ، رحمة للعالمين ، سيدا للخلق أجمعين ، اللهم صلّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وإخوانه الغر الميامين ، ومن اصطفيت من عبادك الصالحين ، ومن سار على نهجهم القويم إلى يوم الدين.

اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه نبيك محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأعوذ بك من شر ما استعاذك منه ، اللهم اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ، اللهم آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار. أما بعد :

فإن من حكمته تعالى في خلقه أن جعل الناس ينتشرون في الأرض أمما وشعوبا وقبائل مختلفي الألوان والألسنة والمساكن والطبائع والمواهب والطاقات.

وجعل لكل أمة خصائص في أفرادها وفي بلادها تختلف عن الأخرى ، منسكا وشرعة ومنهاجا ، ومزايا وخصائص وسجايا.

وطلب إلى الجميع أن يستبقوا الخيرات ، ويتفكروا في خلق السموات والأرض ، ويعبدوا الله تعالى حق عبادته ، لا فضل لأحد منهم على غيره إلا بالتقوى.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى ، وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا ، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات ٤٩ / ١٣].

٥

(وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) [الروم ٣٠ / ٢٢].

وفتح بينهم مجال السعي والتنافس ، فمن الأمم من أفلحت وفازت بنعيمي الدنيا والآخرة ، وصنعت الحضارة ، وسبقت إليه ، وتمتعت بها ، وحمت مكتسباتها في الحياة بكل ما تملكه من قوة وعلم ، فتفتح البلاد ، وتحكم بما أنزل الله ، فتنشر العدل والسلام ، وتصون الأرض والإنسان.

ومنها من فازت بنعيم الدنيا فحسب فأسهمت في بناء أمجادها فيها ، وتدمير غيرها بما تملك من أسباب العلم والقوة ، ووسائل الإرهاب والإيذاء ، أو انغمست بعد ذلك في ملذاتها وملاهيها وشهواتها ، فنسيت ربّها وأنفسها وما خلقت له ، فسلّط الله عليها من هو أقوى منها وأعتى ، لا يرحمها ، يستبد بها ، فيستعبد إنسانها ويستغل أراضيها مدّعيا تحضيرها تحت شعارات وأسماء شتى ، يخدع بها الناس كالوصاية والانتداب والحماية والدفاع المشترك والاستعمار ، فتخسر بذلك الدنيا والآخرة معا ، بدليل قوله تعالى :

(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ ، أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) [الحشر ٥٩ / ١٩].

ومنها من تخلفت عن أسباب الدنيا أو نامت ، وادعت العمل للآخرة وحدها ونسيان الدنيا ، فلم تظفر منهما بشيء ، واستغل أعداؤها نومها ، فاعتدوا عليها وانتهكوا حرماتها بانحرافها عن سنن الحياة التي أوصانا بها الله تعالى إذ يقول :

(وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا ، وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ ، وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ ، إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص ٢٨ / ٧٧].

والحياة لا تستقر على حال ، فقد ينام الصاحي ، ويصحو النائم ، ويضعف القوي ، ويقوى الضعيف أو يموت.

ويلجأ مفكرو الأمم في حال ضعفها خاصة إلى بعثها من جديد ، وتقويتها بتوحيدها ، وبثّ روح النهضة بين أبناء أمتهم ، مذكرين بخصائصها التي منحها الله تعالى إياها ، مفتخرين بماضيها ، إن كان لها ماض مجيد ، أو يدّعونه ، ليربطوا الحاضر بالماضي

٦

ويبنوا المستقبل المنشود لها ، فما أقبح من يهدم الماضي مدّعيا أن ما عنده من الحاضر يكفيه لحياة لا انفصال فيها بين ماض وحاضر ومستقبل.

وهذا ما صنعه الإمام المحدث المؤرخ وجيه الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الديبع الشيباني الشافعي في كتابه (نشر المحاسن اليمانية في خصائص اليمن ونسب القحطانية) ، فقد عاش في القرنين التاسع والعاشر للهجرة ، وبلاد العرب والإسلام تعيش في عصر مضطرب يمتلئ بالأحداث الجسام ، وتتصارع فيه الأفكار والأقوام.

فما العصر؟ ومن المؤلف؟ وما الكتاب؟

عصر المؤلف ابن الديبع ومجمل الأحداث فيه (١)

امتدت حياة المؤلف حوالي (٧٩) عاما هجريا من عام (٨٦٦ ـ ٩٤٤ م) ـ (١٤٦١ ـ ١٥٣٧ م) ، فشهد عصرا مضطربا تزاحمت فيه الأحداث العالمية ، سياسيّها وعسكريّها ومدنيّها واجتماعيّها ، على بلاد العرب والإسلام عامة ، وعلى بلاد اليمن خاصة ، وعلى الأسر الحاكمة في اليمن على الوجه الأخص.

فقد شهد المؤلف في اليمن حكم الدولتين الظاهرية والناصرية ، ثم رأى تدخل العثمانيين في شؤون اليمن حتى صارت فيما بعد ، ولاية تابعة لهم معاكسة عنيدة.

ـ أ ـ

قامت الدولة الطاهرية بين عامي (٨٥٥ ـ ٩٢٣ ه‍) ـ (١٤٥١ ـ ١٥١٧ م) ، فترعرع المؤلف وشبّ في ظلّها ، ورأى نهايتها ، وكان قد أنشأها قبل ولادته بحوالي عقد من الزمن ، مؤسسها الأول طاهر بن معوضة ، الذي كان ينسب نفسه للأمويين من قريش ، ويحظى بحماية الملك الناصر أحمد الرسولي ويساعده في تثبيت ملكه كل من ولديه :

__________________

(١) ينظر للتوسع في هذا البحث : كتاب الدول الإسلامية لستانلي بول ، وحدائق الأنوار لابن الديبع الشيباني ، وبغية المستفيد بأخبار زبيد ، وذيله (الفضل المزيد) ، وقرة العيون بأخبار اليمن الميمون له أيضا.

٧

١ ـ الملك الظافر صلاح الدين عامر الأول بن طاهر بن معوضة (٨١١ ـ ٨٦٩ ه‍) ـ (١٤٠٨ ـ ١٤٦٤ م).

٢ ـ الملك المجاهد شمس الدين علي بن طاهر بن معوضة (٨٠٩ ـ ٨٨٣ ه‍) ـ (١٤٠٦ ـ ١٤٧٨ م). وكان أحب إلى أهل اليمن من أخيه عامر وأكبر منه سنا ، كريما فاضلا حازما شديدا على الباغين والظلمة والمفسدين.

وسيطر الأب وولداه على المدن الساحلية والقريبة من الساحل اليمني ، وتلقبوا بالسلاطين ، ثم اقتسم الولدان فيما بعد الملك والحكم ، فكان لعامر الأول زبيد وما جاورها ، من حيس إلى عدن ، وما يلحق ذلك كتعز وإب ، وضم إليها ذمارا ، ثم حاول الاستيلاء على صنعاء ، فهاجمها خمس مرات فامتنعت عليه ، ثم قتل على بابها في عام (٨٦٩ ه‍ ـ ١٤٦٤ م) أي بعد ولادة المؤلف بحوالي ثلاث سنوات.

وكان لعلي أرض تهامة من حرض إلى حيس ، مدنها وبنادرها وبرها وبحرها ، مع ما يتصل بذلك من جزائر فرسان وكمران.

ولما قتل أخوه عامر الأول ضم لنفسه ما كان يحكمه أخوه من بلاد اليمن ، فاتسع بذلك ملكه ، واشتهر بعدله وسهره على الإصلاح ، وفرضه الرسوم من أجل ذلك ، وحبه للعمران وبناء المساجد والربط ، والقيام بالأعمال الزراعية كغرس النخل وقصب السكر والأرز ، وله في كل من زبيد وعدن وتعز وغيرها آثار شاهدة على ذلك.

وفي عام (٨٧٧ ه‍ ـ ١٤٧٢ م) ولّى الملك المجاهد على بعض مقاليد الحكم ابن أخيه عبد الوهاب بن داوود بن طاهر بن معوضة (٨٦٦ ـ ٨٩٤ ه‍) ـ (١٤٦٢ ـ ١٤٨٩ م) ، وكان أهلا لذلك حليما ذا رأى وبأس.

ولما توفي الملك المجاهد عام (٨٨٣ ه‍ ـ ١٤٧٨ م) خلفه ابن أخيه ذاك بالسلطنة ، وتلقب بالملك المنصور تاج الدين عبد الوهاب ، فكانت له آثار فى اليمن ، وأقام في زيد ، وتوفي فيها عام (٨٩٤ ه‍ ـ ١٤٨٩ م).

وخلف الملك المنصور تاج الدين عبد الوهاب في السلطنة ولده الملك الظافر صلاح الدين عامر الثاني بن عبد الوهاب بن داوود بن طاهر بن معوضة سنة (٨٩٤ ه‍ ـ ١٤٨٩ م).

٨

وكان شديد الشكيمة بطاشا ، أقام في زبيد ، واستولى على صنعاء ففتك ببعض أعيانها ، وامتد سلطانه في جميع اليمن.

ومن مآثره عمارة الجامع الأعظم في زبيد ، وعمارة مدرستين ، وإجراء العين في تعز ، وبناء مدرسة عظيمة في عدن وكثير من المساجد والمدارس والصهاريج والآبار في أماكن مختلفة.

وعلى الرغم من قسوة الملك الظافر صلاح الدين عامر الثاني وبطشه وشدة فتكه بالناس ، فإنه لم يستطع الوقوف ضد تدهور الأحوال العامة في اليمن ، واستهتار بعض الناس بأمور الدين واستحلالهم المحارم ، وانحلال الأخلاق العامة وانتشار المفاسد ، وانهيار القيم والمثل الاجتماعية ، وسوء الحالة الصحية.

وقد أدرك ابن الديبع حكم عامر الثاني كله ، وتألم لما آلت إليه أحوال قومه من مفاسد سجلها في تاريخه (الفضل المزيد) في وقائع شهر صفر من سنة (٩٠٨ ه‍ ـ ١٥٠٢ م) وكتب يقول :

«ظهر في هذا الوقت في زبيد من الفسوق والفجور وشرب الخمور وشهادة الزور ، ما لم يكن يعهده مثله ، حتى لقد وجد جماعة في نهار رمضان يشربون الخمور ، وبنى بعضهم بزوجة أبيه ، وتظاهروا بصحبة الأحداث ، وحمل بعض الصبيان إلى الأماكن المظلمة للفحش ، وفشا في الناس الحبوب المعروفة بالنار الفارسي بسبب ذلك ، والله الواقي» (٢).

وفي سنة (٩١٤ ه‍ ـ ١٥٠٨ م) بدأ البرتغاليون بعبور البحر الأحمر ، ووصلت أساطيلهم البحرية إلى سواحل الهند ، وظهروا في بنادر أرض اليمن ، أي مرافئها البحرية ، متسللين إليها من المحيط الأطلسي من وراء جبال القمر حيث منابع ماء نهر النيل ، واعتدوا على أراضي الهند ، وعلى سلطان كجرات فيها السلطان (خليل شاه ـ مظفر شاه ـ ابن السلطان محمود شاه الكجراتي) ، وواصلوا أذاهم حتى بلغوا جزيرة العرب ومرافئ اليمن وموانئها.

__________________

(٢) غاية الأماني في أخبار القطر اليماني ٢ / ٦٣٢

٩

فاستنجد سلطان كجرات بملك مصر السلطان (قانصوه الغوري) المملوكي الجركسي ، وطلب إليه عونه لمقاتلة الفرنجة المعتدين ، فاستجاب (قانصوه الغوري) للنداء ، وأعلن الجهاد في سبيل الله لدفع الأذى عن المسلمين وبلادهم ، وسيّر أسطولا بحريا بقيادة أحد أمرائه (حسين الكردي) ، وجهز معه عسكرا من الترك المغاربة المعروفين ب (اللّوند) في نحو خمسين غرابا ، أي مركبا بحريا يجدّف بمئة وأربعين مجدافا ، فاتجه هذا الجيش إلى جدة أولا ، فتقوّى بالمال ، وتأثّل ، وجمع خزائن من كل صنف ، توجه بها إلى الهند في حدود سنة (٩٢١ ه‍ ـ ١٥١٥ م) ودخلها ، والتقى سلطان كجرات ، فأكرمه وعظمه وأنعم عليه إنعاما كبيرا.

فلما علم الفرنجة المعتدون بقدومه ، فرّواهاربين عن موانئ كجرات إلى مرافئ الدكن وتحصنوا بقلعة (غوّا) خائبين منهزمين (٣).

وعاد الأمن والسلام إلى الهند ، وانتهت مهمة حسين الكردي فيها ، وكان عليه أن يعود إلى مصر عن طريق جدة ، لكنه عرّج بأسطوله ، وهو في طريق العودة ، إلى شواطئ اليمن ، وطلب إلى السلطان عامر الثاني سنة (٩٢٢ ه‍ ـ ١٥١٦ م) إعانته بشىء من الميرة لخروجه لقتال الفرنجة البرتغاليين ، الذين كانوا يعتدون على بلاد المسلمين ، ويتخطفون مراكبهم ، فامتنع عامر ، ودارت الحرب بينهما في قلة من الجراكسة من جيش الكردي مزودين بالبنادق النارية التي لا عهد لليمنيين بها ، وكثرة من اليمنيين من أصحاب عامر ، فرّوا وانهزموا لما هاجمهم جنود الكردي بالبنادق فسمعت أصواتها ، وقتلوا كثيرا منهم ، وتتبعوهم ، واستولى القائد الكردي على زبيد سنة (٩٢٢ ه‍ ـ ١٥١٦ م) ، ونصب (برسباي) أخاه أو أحد مماليكه ، نائبا له فيها.

وأرسل من يطارد عامرا الثاني وأخاه عبد الملك حتى قتلا ، وهما يحاولان استعادة ملكهما من يد برسباي ، في جبل نقم قرب صنعاء في الثالث والعشرين من ربيع السنة من عام (٩٢٣ ه‍ ـ ١٥١٧ م) ، وبهذا انتهت دولة بني طاهر.

__________________

(٣) الدول الإسلامية ، وحدائق الأنوار.

١٠

وحزن ابن الديبع لمقتلهما حزنا شديدا ، ولا سيما أن من أمر بمطاردتهما وقتلهما هو الأمير الكردي الذي كان ظلوما غشوما سفاكا للدماء ، كرديا محبوبا من السلطان الغوري ، مكروها من أمراء الجراكسة الذين يعدونه دخيلا فيهم ، فأبعده السلطان الغوري بهذه الحملة عنهم حماية له منهم ، ورفعا لمنزلته إذا انتصر في حملته تلك.

وكذلك فإن الكردي لم يطلب المال من السلطان عامر للاستعانة به ضد الكفار ، وهو في طريقه إلى الحرب ، بل حين العودة منها ، وهذا ما عدّه عامر ابتزازا واستغلالا يأباه ، ولولا أن جنود عامر لم يألفوا البنادق النارية الحربية الجديدة لسحق حسين الكردي ومن معه في اليمن.

وقد روى ابن الديبع أخبار عامر وأخيه عبد الملك في كتابيه (بغية المستفيد بأخبار مدينة زبيد) و (قرة العيون بأخبار اليمن الميمون) ، وتأثر جدا لنهايتيهما ورثاهما بقوله :

أخلاي ، ضاع الدين من بعد عامر

وبعد أخيه أعدل الناس بالناس

فمذ فقدا ، والله ، والله ، إننا

من الأمن والإيناس في غاية الياس

ودخل الجراكسة صنعاء سنة (٩٢٣ ه‍ ـ ١٥١٧ م) ففعلوا أفاعيل منكرة.

ـ ب ـ

ولم يكن بنو طاهر وحدهم في اليمن ، فقد كان فيه عدة أمراء ، يحكم كل منهم جزءا منه صغيرا أو كبيرا.

وكان من الذين أدركه ابن الديبع منهم :

١ ـ المتوكل على الله (... ـ ٨٧٩ ه‍) ـ (... ـ ١٤٧٤ م) :

وهو المطهر بن محمد بن سليمان يحيى بن حمزة ، أبو محمد ، الملقب بالمتوكل على الله ، من أئمة الزيدية باليمن ، دعا إلى نفسه سنة (٨٤٠ ه‍) ، وقاومه الناصر الزيدي أحمد بن محمد المطهر بن يحيى من أئمة الزيدية باليمن أيضا ، المتوفى عام ٨٦٧ ه‍.

وما زالت صنعاء بينهما ، يملكها أحدهما وينتزعها منه الآخر إلى أن أسره الناصر

١١

فحبسه في حصن الربعة ، وفرّ من محبسه بعد مدة ، وتغلب على الناصر ، واعتقله سنة (٨٦٦ ه‍) وحبسه في كوكبان حتى مات في حبسه عام (٨٦٧ ه‍) ونقل إلى صنعاء.

وحسنت حال المتوكل بعدئذ واستقر ، إلى أن توفي بذمار (٤).

وقام من بعده :

٢ ـ الهادي إلى الحق (٨٤٥ ـ ٩٠٠ ه‍) ـ (١٤٤٢ ـ ١٤٩٥ م) :

وهو عز الدين بن الحسن بن علي المؤيد من أئمة الزيدية وعلمائهم باليمن ، ولد ونشأ في أعلى فللة ، وانتقل إلى صعدة ، ثم إلى تهامة ، وبرع فى علوم الدين ، ودعا إلى نفسه ، وتلقب بالهادي إلى الحق كجده ، فبايعه أهل فللة سنة ٨٧٩ ه‍ ، وأطاعته بلاد السودة وكحلان والشرفين والبلاد الشامية في اليمن. واستمرت إمامته إلى أن توفي بصنعاء. وكان قد أنشأ عدة مساجد ، وصنف كتبا منها المعراج في شرح المنهاج للعرشي ، والفتاوي وهو مجلد ضخم يعتمد عليه في مذهب الإمام زيد (٥).

وقام من بعده ابنه :

٣ ـ الناصر الزيدي (٨٦٢ ـ ٩٢٩ ه‍) ـ (١٤٥٨ ـ ١٥٢٣ م) :

وهو الحسن بن عز الدين الناصر للدين ، فكان من أئمة الزيدية باليمن ، دعا لنفسه في حصن كحلان ، بعد وفاة والده سنة (٩٠٠ ه‍ ـ ١٤٩٥ م) ، وخطب له بمدينة صعدة ، وناوأه خصوم له ، فلفقوا عليه قصة أوجبت حكم القضاء بفسخ إمامته ، فمال عنه الناس ، واستمر في قلة منهم ، وتوفي في مدينة فللة شمالي صنعاء ، وكان فقيها فاضلا ، له (القسطاس المقبول في شرح معيار العقول في الأصول) و (رسائل فيها أدب وبلاغة) (٦).

وفي خلال ذلك قام :

__________________

(٤) الأعلام ١ / ٢٢٩ ، ٢٣٠ و٧ / ٢٥٤

(٥) الأعلام ٤ / ٢٢٩

(٦) الأعلام ٢ / ١٩٩ ، وقد ورد خبره في بلوغ المرام في شرح مسك الختام ص ٤١٢ أنه تولى سنة ٨٨٣ ه‍ وتوفي سنة ٩٢٩ ه‍.

١٢

٤ ـ محمد بن الناصر (... ـ ٩٠٨ ه‍) (... ـ ١٥٠٣ م) :

وهو محمد بن الناصر بن محمد بن الناصر بن أحمد بن الإمام المطهر بن يحيى الحسني ، أمير يماني من أهل العلم بالحديث ، له كتاب فيه ، وتولى مدينة صنعاء وبلادها أربعين سنة ، وكان حسن السيرة محبوبا ، وفي أيامه أغار السلطان عامر بن عبد الوهاب على صنعاء ، وجرت بينهما حروب ، ومات بصنعاء (٧).

وفي الوقت نفسه ظهر :

٥ ـ المهدي العلوي (... ـ ٩٤٣ ه‍) (... ـ ١٥٣٦ م) :

وهو أحمد بن يحيى بن الفضل ، من سلالة الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين الحسني العلوي ، شمس الدين ، إمام زيدي من كبار القائمين في اليمن ، كان آباؤه يتوارثون الإمامة خفية في عهد الدولة الرسولية ، ولما ظهر ضعف الرسوليين جهر المهدي أحمد بن يحيى بدعوته ، فالتف حوله خلق كثير ، وجعل جبال صنعاء قاعدة لملكه واستمر إلى أن توفي عام (٩٤٣ ه‍ ـ ١٥٣٦ م) (٨).

وقام من بعده ابنه :

٦ ـ المتوكل الزيدي (٨٧٧ ـ ٩٦٥ ه‍) ـ (١٤٧٣ ـ ١٥٥٨ م) :

وهو يحيى شرف الدين بن شمس الدين بن الإمام المهدي أحمد بن يحيى الحسني العلوي ، المتوكل على الله من أئمة الزيدية في اليمن ، ومن فقهائهم وشعرائهم ، بويع له بالإمامة في جبال صنعاء بعد وفاة أبيه سنة (٩٤٣ ه‍ ـ ١٥٣٦ م) ، وعظم أمره ، فكانت له وقائع مع الترك ، وأطاعته قبائل كثيرة ، وشجر خلاف بينه وبين ابنه المطهر (محمد بن يحيى) أدى إلى استيلاء الأتراك على كثير من جهات اليمن ، ثم اتفقا على أن يحتفظ الأب بالإمامة ، ويتولى الابن سياسة البلاد فولي الأعمال وقاد الجيش ، وضربت السكة باسم

__________________

(٧) الأعلام ٧ / ١٢١

(٨) الأعلام ١ / ٢٧٠

١٣

المطهر في حياة أبيه ، واستقر المتوكل في كوكبان ، ثم انتقل إلى ظفير حجة وفقد بصره ، وتوفي بالظفير عام (٩٦٥ ه‍ ـ ١٥٥٨ م) (٩).

وقام من بعده ابنه هذا الإمام :

٧ ـ المطهر فخر الدين محمد بن يحيى الملقب بالناصر (٩٠٨ ـ ٩٨٠ ه‍) ـ (١٥٠٣ ـ ١٥٧٢ م) :

بويع له في جبل صنعاء بعد وفاة والده ، وعظم أمره ، فملك ملكا واسعا في أعالي اليمن ، وحاربه الأتراك العثمانيون حروبا طويلة ، انتهت بالصلح معه ، على أن تبقى له صعدة وكوكبان وأعمالها.

واستمر في ذلك إلى أن توفي عام (٩٨٠ ه‍ ـ ١٥٧٢ م) (١٠) فخلفه أبناؤه من بعده في مقاومة العثمانيين.

ـ ج ـ

ثم إن ابن الديبع قد عاصر من العثمانيين :

١ ـ السلطان الغازي محمد الثاني ـ الفاتح ـ (٨٣٣ ـ ٨٨٦ ه‍) ـ (١٤٢٩ ـ ١٤٨١ م) :

وهو سابع سلاطين بني عثمان الذي افتتح القسطنطينية في ٢٠ جمادى الأولى سنة ٨٥٧ ه‍ الموافق ل ٢٩ أيار ١٤٥٣ م أي قبل ولادة ابن الديبع بتسع سنوات تقريبا ، وبذلك حقق نبوءة النبي العربي الكريم سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما رواه عنه أحمد في مسنده إذ يقول :

عن عبد الله بن بشر الخثعمي عن أبيه أنه سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «لتفتحن القسطنطينية ، فلنعم الأمير أميرها ، ولنعم الجيش ذلك الجيش» (١١).

__________________

(٩) الأعلام ٨ / ١٥٠ ، والعقيق اليماني وفيه أن دعوته كانت بعد وفاة المنصور بالله محمد بن علي الوشلي سنة ٩١١ ه‍ وسماه يحيى بن شرف الدين بن شمس الدين.

(١٠) الأعلام ٧ / ١٤١ والمدارس الإسلامية في اليمن ٢٧٩ ـ ٢٨٠

(١١) مسند أحمد ٤ / ٣٣٥

١٤

وكذلك ورد : «عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال : بينما نحن حول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أي المدينتين تفتح أولا ، القسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : مدينة هرقل تفتح أولا ، يعني قسطنطينية» (١٢).

وقد فتحت القسطنطينية وتحققت فيها نبوءة الصادق المصدوق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا بدّ أن تتحقق في رومية بقية النبوءة. ولكنا لا نزال ننتظر صحوة المسلمين وعودتهم إلى كتاب الله وسنته ، لتتحقق على أيديهم تمام النبوءة بفتح رومية ، فيعود العدل والسلام إلى أرجاء عالمنا المضطرب المليء بالمظالم والحقد.

وقد حوّل السلطان محمد الفاتح اسم القسطنطينية إلى (إسلامبول) أي مدينة الإسلام أو تخت الإسلام ، وهي ما تسمى (الآستانة) أو (إستانبول).

وحفظ التاريخ للرجل موقفه هذا في الدفاع عن الإسلام وانتصاره على الروم ، الذي جاء بعد سنتين من تولّيه سدة الحكم سنة (٨٥٥ ه‍ ـ ١٤٥١ م) وهو ابن اثنين وعشرين عاما ، يضج عزما وشبابا.

وظن ملك الروم قسطنطين التاسع أن باستطاعته التحكم بأمر هذا الشاب وفرض الهيمنة عليه ، فأرسل إليه يتهدده ، ويطالبه بمضاعفة مبلغ الجزية السنوية التي كانت تدفع له ، فكان الردّ عليه بفتح القسطنطينية ، أبلغ ردّ وأقواه.

وخلف السلطان محمدا الفاتح من بعده السلطان بايزيد الثاني (١٣).

٢ ـ السلطان بايزيد الثاني (... ـ ٩١٨ ه‍) ـ (... ـ ١٥١٢ م) :

وقد أدرك ابن الديبع فترة حكمه كلها التي استمرت بين عامي (٨٨٦ ـ ٩١٨ ه‍) ـ (١٤٨١ ـ ١٥١٢ م) ، وهو ثامن سلاطين بني عثمان الذين حكموا قبله حسب الترتيب التالي :

١ ـ عثمان الأول (٦٧٩ ـ ٧٢٥ ه‍) ـ (١٢٨١ ـ ١٣٢٤ م).

٢ ـ أورخان (٧٢٥ ـ ٧٦١ ه‍) ـ (١٣٢٤ ـ ١٣٦٠ م).

__________________

(١٢) مسند أحمد ٤ / ١٧٦

(١٣) رجال ومواقف تحت راية الإسلام لبسام العسلي ص ٢٦٩ ـ ٢٧٣ ، دار الفكر بدمشق ١٤٠٣ ه‍ ـ ١٩٨٣ م. ويراجع في أزمنة حكم سلاطين بني عثمان قبل السلطان بايزيد الثاني (الأطلس التاريخي لشوقي أبي خليل ص ٦٧).

١٥

٣ ـ مراد الأول (٧٦٠ ـ ٧٩١ ه‍) ـ (١٣٥٩ ـ ١٣٨٨ م).

٤ ـ بايزيد الأول (الصاعقة) (٧٩١ ـ ٨٠٥ ه‍ ـ (١٣٨٨ ـ ١٤٠٣ م) ، وهو قد عاش من (٧٦١ ـ ٨٠٥ ه‍) ـ (١٣٦٠ ـ ١٤٠٣ م) ، وجابه حملة الصليبيين في نيقوبوليس وهزمهم فيها شر هزيمة في ٢٣ ذي القعدة ٧٩٨ ه‍ ـ ٢٧ أيلول ١٣٩٦ م (١٤).

٥ ـ محمد الأول (٨٠٥ ـ ٨٢٤ ه‍) ـ (١٤٠٣ ـ ١٤٢١ م).

٦ ـ مراد الثاني (٨٢٤ ـ ٨٥٥ ه‍) (١٤٢١ ـ ١٤٥١ م).

٧ ـ محمد الثاني الفاتح (٨٥٥ ـ ٨٨٦ ه‍) ـ (١٤٥١ ـ ١٤٨١ م).

٨ ـ بايزيد الثاني (٨٨٦ ـ ٩١٨ ه‍) ـ (١٤٨١ ـ ١٥١٢ م).

وقد جاء بعده ابنه السلطان سليم الأول الذي أدرك ابن الديبع فترة حكمه كلها ، وهو :

٣ ـ السلطان سليم الأول (٨٨٥ ـ ٩٢٦ ه‍) ـ (١٤٨٠ ـ ١٥١٩ م) :

وهو سليم الأول (ياووز) بن بايزيد ، تاسع سلاطين بني عثمان ، وقد افتتح الشام ودخل حلب ودمشق ودان له الحجاز ولقب باسم حامي الحرمين الشريفين ، وخطب له على المنابر باسم (سلطان البرين وخاقان البحرين) (١٥) ، ودام حكمه من عام (٩١٨ ـ ٩٢٦ ه‍) ـ (١٥١٢ ـ ١٥٢٠ م).

وكذلك دخل السلطان سليم مصر ، وقتل سلطانها قانصوه الغوري في معركة مرج دابق بتاريخ ٢٥ رجب الخير سنة ٩٢٢ ه‍ الموافق ل ٢٤ آب ١٥١٦ م (١٦) ، وأسر الأمير طومان باي الذي خلف قانصوه في سلطنة مصر بتاريخ ٢١ ربيع الأول سنة ٩٢٣ ه‍ الموافق ١٣ نيسان سنة ١٥١٧ م ، وصلبه في القاهرة (١٧).

__________________

(١٤) رجال ومواقف تحت راية الإسلام ص ٢٦٤ ـ ٢٦٨

(١٥) حدائق الأنوار ص ١١٥٩

(١٦) حدائق الأنوار ص م / ٤٧

(١٧) الدول الإسلامية ص ١٧٠

١٦

كما أسهم السلطان سليم في دعم خير الدين بربروس المجاهد في البحر في الدفاع عن الجزائر وإنقاذ مسلمي الأندلس ، فقد أمده بإرسال أربعة عشر سفينة محملة بالمقاتلين الأشداء والإمدادات ضد الإسبان خاصة ، وضد الفرنج عامة ، فهاجم الإسبان الذين كانوا قد بسطوا نفوذهم على الجزائر ، فما زال بهم حتى أخرجهم منها سنة (٩٢٢ ه‍ ـ ١٥١٦ م) ، وارتاع الإسبان لظهور هذه القوة الجديدة التي لم يحسبوا لها حسابها ، فأخذوا في الإعداد للرد عليها ، وقام الكاردينال (خميني أو خمينيس) بتجهيز حملة جديدة ضد الجزائر ضمت ٣٥ سفينة تحمل ثمانية آلاف رجل أبحرت إلى الجزائر فاصطدمت في ٣٠ أيلول سنة ١٥١٦ م ـ ٩٢٢ ه‍ بالمقاومة المنظمة الضارية بقيادة بربروس ، وفشلت الحملة وخسر الإسبانيون نصف قوتهم ، وما زال بهم حتى حرر الجزائر منهم.

لقد عرف خير الدين أنه لا سبيل له لمقاومة الهجوم الصليبي الشامل إلا بدفاع إسلامي شامل ، وأنه لا بد للوصول إلى هذه الغاية من تحرير كل ما تبقى من المغرب العربي الإسلامي ، وانتزاعه من قبضة الإسبان.

وفي إحدى المعارك القاسية ضد الإسبان خسر خير الدين أخاه القائد (عروج) نصيره وساعده ، فكانت صدمة ، اضطرت معها شيوخ الجزائر وأصحاب الرأي فيها إلى الاتصال بالسلطان سليم ، وعرضهم عليه أن تكون دولتهم الفتية جزءا من الدولة العثمانية ـ الإسلامية ، فوافق السلطان وعين خير الدين حاكما لها.

وأرسل السلطان سليم قوة لدعم الجزائر ضمت أربعة آلاف مجاهد مع كميات ضخمة من الإمدادات.

ونظم شارلكان حملة قوية ضمت قوات من كل أوربة ، سارت إلى الجزائر سنة (٩٢٥ ه‍ ـ ١٥١٩ م) ، فتصدى لها خير الدين ومن معه من أهل الجزائر والجنود العثمانيين ، ودمروا الأسطول الفرنجي كله في مياه الجزائر ، وغنم أبناء الجزائر ما حمله الصليبيون من مدافع وذخائر وإمدادات ، كما خسر الإسبان في البحر أربعة آلاف قتيل من المقاتلين ، وأسر المسلمون منهم ثلاثة آلاف مقاتل.

وهذا ما يفسر حقد كل الغربيين المر على العثمانيين وتشويههم سمعتهم ما وسعهم ذلك

١٧

ليفرقوا بين أبناء الأمة الإسلامية الواحدة بقوله تعالى : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً ، وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء ٢١ / ٩٢]. وقوله أيضا : (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً ، وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [المؤمنون ٢٣ / ٥٢] ، فهل نعي ذلك أو نكفر به؟؟!!

أعاد خير الدين تنظيم الجزائر وتحصينها والجهاد في سبيل الله في البحر ضد الفرنج ، فتصاعدت حملة محاكم التفتيش ضد بقايا مسلمي الأندلس الذين قاموا بثورة فشلت سنة (٩٣٧ ه‍ ـ ١٥٣١ م) ، واحتشد الثوار المسلمون على ساحل البحر ، فأسرع خير الدين لإنقاذهم ومعه ٣٦ سفينة ، نقل فيها إلى الجزائر على سبع مرات متتالية سبعين ألفا من المسلمين.

وأعدّ شارلكان حملة ضخمة ضد الجزائر سنة (٩٤١ ه‍ ـ ١٥٣٥ م) ، لم تحقق من هدفها إلا الاستيلاء على تونس وذبح أهلها من المسلمين.

وعاد شارلكان بحملة جديدة ضد الجزائر سنة (٩٤٧ ه‍ ـ ١٥٤١ م) ضمت أفضل نبلاء أوربة ، وبلغت قوتها ٢٤ ألف مقاتل ، و٤٥٠ سفينة ضخمة ، و٦٥ سفينة حربية ، غير أن الحملة فشلت ومات شارلكان مقهورا ، وعاش بربروس ظافرا ، وبقيت رايات المسلمين خفاقة عالية.

وعينت الدولة العثمانية بربروس وزيرا للحربية فيها. وكان الكتاب الغربيون قد وصفوه في أشعارهم وكتبهم بالقرصان وبكل أوصاف الرعب ، وما هو بالقرصان ، وإنما هو المجاهد في سبيل الله الذى اختار البحر ميدانا لجهاده ، فارتبط الجهاد في البحر باسمه زمنا طويلا (١٨) ، وكانوا هم المعتدين الغادرين دوما وأبدا حتى يومنا هذا ، فهلّا من بربروس صنديد ، يعيد لنا من جديد مجدنا وعزتنا ، والتاريخ يعيد نفسه باستمرار!!!

أما في اليمن فكان السلطان سليم قد اعترف بإمارة حسين الكردي على اليمن ، لكن الشكاوى الثقيلة التي قدمت إليه من ظلمه ، وما بدر منه من حركات مشبوهة ، أسفرت عن إعدامه عام (٩٢٣ ه‍ ـ ١٥١٧ م) بأمر من السلطان سليم إلى أمير مكة الشريف بركات ،

__________________

(١٨) رجال ومواقف تحت راية الإسلام ص ٢٧٨ ـ ٢٨٢

١٨

الذي أخذه مقيدا إلى جدة ، وربطه بحجر كبير وأغرقه في بحرها ، فأكلته الأسماك بعد ما قتل ما شاء الله من العباد (١٩).

وكان يرافق حسين الكردي بأسطوله الذي أقلع به من مصر إلى الهند ، وعرّج به إلى اليمن أعداد كثيرة من الجراكسة ، تمكنوا من إنشاء إمارة صغيرة في زبيد ، ودخلوا صنعاء عام (٩٢٣ ه‍ ـ ١٥١٧ م) ، واستولى برسباي على تعز في ٦ صفر ٩٢٣ ه‍ ـ ١٥١٧ م ، واستمر يحكمها حتى مات بزبيد في جمادى الآخرة سنة ٩٢٣ ه‍ ـ ١٥١٧ م ، وخلفه أمير جركسي آخر اسمه إسكندر (٢٠).

وكان هؤلاء الجراكسة في اليمن قد قصدوا المتوكل على الله شرف الدين يحيى بن شمس الدين ابن الإمام المهدي أحمد بن يحيى الآنف الذكر ، فوقع الصلح على بقاء الجراكسة في صنعاء ، والإمام في حصن ثلا ، واشترط الجراكسة ملاقاة الإمام الذي استشار أصحابه فأشير عليه بعدم ذلك ، لما جبل عليه أولئك الجراكسة من المكر والغدر ففعل ، فلما علم الجراكسة ذلك عادوا إلى القتال فلم يظفروا بطائل.

ولما علموا باستيلاء السلطان سليم على مصر عرض زعماؤهم الطاعة للسلطان وذكروا اسمه في الخطبة ، وكفوا عن مقاتلة الإمام المتوكل ، ورجعوا عما كانوا فيه من القتال بعد عبثهم باليمن ، وقتلهم النفوس البريئة ، وهتكهم الحرم ونهبهم الأموال.

وانفرد الإمام المتوكل بالحكم فدانت له صنعاء وبلادها ، وصعدة وما بينهما من المدن ، ثم وسع حدوده بعد مقتل عامر الثانى ، فافتتح من بلاد بني طاهر التعكر وقاهرة تعز وحراز (٢١).

وكذلك فإن أكثر الانكشارية الذين رافقوا السلطان سليما إلى مصر ، قصدوا اليمن ، فمنهم من أنشأ هناك حكما خاصا به ، ومنهم من اتفق مع الجراكسة في الحكم ، وكانوا بصورة متلاحقة في صراع فيما بينهم وبين الأئمة المحليين.

__________________

(١٩) الدول الإسلامية ٢١٣ ، وحدائق الأنوار م / ٤٨

(٢٠) حدائق الأنوار م / ٤٨

(٢١) حدائق الأنوار م / ٤٧

١٩

وقد أدرجت التواريخ أسماء المتقدمين من هؤلاء الأتراك الذين عرفوا بتسمية (روملو لوندلر ـ اللوند الأروام) ، وهم من الجند الأتراك ، بحارة الأسطول المجندين من الأناضول (٢٢).

واستمر السلطان سليم في الحكم حتى وفاته في ٨ شوال سنة ٩٢٦ ه‍ الموافق ل ٢٢ أيلول ١٥٢٠ م ، وهو في طريقه إلى (أدرنة) ، وخلفه ابنه سليمان خان الأول القانوني (٢٣).

٤ ـ السلطان الغازي سليمان خان الأول القانوني (٩٠٠ ـ ٩٧٤ ه‍) ـ (١٤٩٥ ـ ١٥٦٦ م) :

وهو سليمان الأول ابن سليم الأول ، عاشر سلاطين بني عثمان ، وهو يمثل العصر الذهبي للأتراك العثمانيين ، فسمي لذلك في المصادر الغربية ب (سليمان الفاخر) ، ولقب بالقانوني لكثرة ما سنّ من التشريعات الإصلاحية وجعلها دستورا للحكم.

وبعد وفاة والده السلطان سليم تولى مقاليد السلطة بتاريخ ١٦ شوال ٩٢٦ ه‍ الموافق ل ٣٠ أيلول ١٥٢٠ م ، ودام حكمه نصف قرن ، وكان قد ورث إمبراطورية امتدت من حدود النمسا غربا حتى مشارف إيران شرقا ، وهذا ما جعل الحرب وسيلة لا بديل عنها للاحتفاظ بهذا الميراث ، وقد تعددت في عهده جبهات القتال برا وبحرا ، كما تعددت الدول التي وقفت موقف العداء للسلطان والدولة الإسلامية.

وفي عهده قامت سياسة البرتغال في حربها مع الدولة العثمانية على تخريب الاقتصاد العثماني بتحويل تجارة الشرق عن طريقي السويس والخليج العربي والهند وإفريقية الشمالية حتى مدخل البحر الأحمر والمحيط الهندي ، فكان ذلك سببا في العناية التي أولاها السلطان سليمان للأسطول العثماني في البحر الأحمر والمحيط الهندي بتكليف الوالي (سليمان باشا الخادم) تجهيز نواة هذا الأسطول في السويس (٢٤).

ومع اتساع الدولة الكبير كانت الإدارة القوية الحازمة والقدرة التنظيمية العالية ،

__________________

(٢٢) الدول الإسلامية ٢١٣

(٢٣) حدائق الأنوار ١١٥٩ وم / ٤٨

(٢٤) حدائق الأنوار ١١٦١ ، والقاموس الإسلامي ٣ / ٤٦٤

٢٠