نشر المحاسن اليمانيّة

ابن الديبع الشيباني الشافعي

نشر المحاسن اليمانيّة

المؤلف:

ابن الديبع الشيباني الشافعي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٢

والرؤية الواضحة للأمور ، وهذا ما توافر في السلطان سليمان ، إذ تولى الحكم وهو في السادسة والعشرين من عمره ، والدولة في أوج شبابها المتفتح ، فكان لقاء الشباب بين الإنسان والدولة.

شبّ السلطان سليمان ، وإسبانية تحتل المرتبة الأولى في العداء ضد المسلمين ، والمسلمون يلقون أشد أنواع التعذيب والإيذاء من محاكم التفتيش في الأندلس بجرائم ومجازر يندى لها وجه التاريخ ، ولم يكتف نصارى الأندلس بذلك بل انتقلوا إلى الهجوم على بلدان المغرب العربي الإسلامي ، فلما اعتلى السلطان سليمان سدة الحكم ، حاصر طائفة الإسبتارية أعدى أعداء الإسلام حينئذ ، وأشدهم تعرضا لسفن المسلمين في البحر ، فاضطرهم بعد معارك عنيفة ضارية إلى إخلاء جزيرة رودس والانسحاب منها إلى مالطة.

ثم وجه ضربة مؤلمة إلى ملك إسبانية شارلكان حين استجاب لطلب خصمه ملك فرنسة وحالفه ودعمه ضده.

وكذلك قاد بنفسه جيوشه في معركة وادي موهاكس (مهاج) في ٢٠ ذي القعدة سنة (٩٣٢ ه‍ ـ ١٥٢٦ م) ، وسحق جيش المجر ، وقتل ملكهم لويس ، ودخل (بودا) وحول كنيستها إلى مسجد ، ثم انتقل إلى (فيينا) واستولى عليها ، وأثبت أن كفاءته العسكرية لا تقل بحال من الأحوال عن كفاءته السياسية.

ثم وجه الأسطول الإسلامي بقيادة خير الدين بربروس ، فعمل على طرد الإسبانيين من الجزائر وتونس وحررهما ، ثم استولى على نيس سنة (٩٥٠ ه‍ ـ ١٥٤٣ م) ، وانتقل منها إلى طولون ، وأقام فيها حوالي ستة أشهر.

وبذلك أنقذ ديار الإسلام من غزو الفرنج ، وأظهر للإسلام والمسلمين من العزة والقوة ما كان عليه حالهم أيام الفتح الأولى ، فاتصل عهده بعهد السلف الصالح من الخلفاء الراشدين ومن سار على هديهم من الأمويين والعباسيين.

وتمسك بنهج كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فحارب المنحرفين عن ذلك في بلاد فارس وكانوا بقيادة طهماسب فأخضعهم وأعادهم للجادة.

٢١

وهكذا جاهد في سبيل الله تعالى في الداخل وفي الخارج ، واعتز بالله تعالى فأعزّه ، وأعزّ به المسلمين ، وكيف لا؟! والله تعالى يقول : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ، وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) [المنافقون ٦٣ / ٨].

وكان يستهل كتبه بالآية الكريمة : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [النمل ٢٧ / ٣٠].

وكان له من الآثار في كل عاصمة من عواصم الإسلام ما يفتخر به الدهر ، فقد بنى واحدا وثمانين جامعا كبيرا ، واثنين وخمسين مسجدا صغيرا ، وخمسا وخمسين مدرسة عامة ، وسبعة معاهد لدراسة القرآن الكريم ، وسبع عشرة تكية لإطعام الفقراء مجانا.

وغير ذلك كثير مما هو قائم حتى الآن ، ولا يستطيع إنكاره أي عدو حاقد أو متفرنج مهووس. ويحفظ التاريخ إلى الأبد لرجل التاريخ مواقفه المشرفة تلك (٢٥).

أما في اليمن فقد عزل السلطان سليمان الأمير إسكندر عن اليمن سنة (٩٢٧ ه‍ ـ ١٥٢٠ م) ، وقد تتابع على إمارتها في عهده رؤساء من الأتراك اللوند ، وهم بحارة الأسطول المجندون من الأناضول ، وكان أولهم (كمال بك) سنة (٩٢٧ ه‍ ـ ١٥٢١ م) الذي صرع على أيدي جنوده سنة (٩٣٠ ه‍ ـ ١٥٢٤ م) فخلفه (إسكندر) ، ثم تلاه (حسين بك) سنة (٩٣١ ه‍ ـ ١٥٢٤ م) ، ثم تبعه (الروملي مصطفى) سنة (٩٣٥ ه‍ ـ ١٥٢٩ م) ، ثم عقبه (سيد علي بك) لبضعة أشهر في سنة (٩٣٥ ه‍ ١٥٢٩ م) ، وجاء بعده آخر أمراء اللوند حكما في اليمن (إسكندر) من سنة (٩٣٧ ـ ٩٤٣ ه‍) ـ (١٥٣٠ ـ ١٥٣٦ م).

ثم أسند السلطان سليمان الأول حكم اليمن إلى ولاة من العثمانيين بدأهم ب (بهرام بك) سنة (٩٤٣ ه‍ ـ ١٥٣٦ م). ولم يكن حظ هؤلاء في اليمن أفضل من سابقيهم اللوند ، فقد عجزوا من جهة عن حسم الخلافات بين الجنود من الإنكشارية أنفسهم ، الذين وفدوا إلى اليمن من مصر في جيش السلطان سليم الأول ، وكذلك لم يتمكنوا من جهة أخرى من إطفاء الفتن التي كانت تشتعل في اليمن بين حين وآخر ، وهذا ما سبب الفشل الذريع لمعظم هؤلاء الولاة الأتراك ، حتى لو كانوا ممن عرفوا بحسن التدبير ، ففقد كل منهم مركزه ومكانته

__________________

(٢٥) رجال ومواقف تحت راية الإسلام ص ٢٧٤ ـ ٢٧٧

٢٢

واعتباره ، وهذا ما أتاح الفرصة للأئمة الزيديين ، فحصنوا معاقلهم وقلاعهم ، وسبّبوا للعثمانيين إزعاجات ، لم تمكنهم من تثبيت حكمهم في اليمن الذي كان ينتفض عليهم كثيرا كلما سنحت له الفرصة.

ولئن سالم بعض الأئمة اليمنيين الولاة الأتراك أحيانا ، فإن بعضهم الآخر قد أبى الخضوع لهم وقاومهم ما وسعته المقاومة (٢٦).

وفي عهد السلطان سليمان الأول عاود البرتغاليون الاعتداء على الهند واستولوا على بنادرها وأكثروا أذاهم لبنادر اليمن ، وحاولوا الاستيلاء على عدن ووصلوا إلى بندر جدة وبنادر السويس ، وعاثوا في البحر فسادا ، وأخذوا سفائن الحجاج والتجار غصبا ، وأعملوا في المسلمين وأموالهم أسرا وقتلا ونهبا ، وفتكوا بسلطان كجرات (السعيد الشهيد (بهادر شاه)) ، وقتلوه غدرا في ٣ رمضان (٩٤٤ ه‍ ـ ١٥٣٧ م) على ظهر سفينة برتغالية أمام (ديو) في الهند.

وكان هذا (بهادر شاه) الذي تسلطن على (كجرات) في ٢٤ شوال (٩٢٢ ه‍ ـ ١٥٢٦ م) ، وقد طلب العون من السلطان سليمان الأول لدفع البرتغاليين وأذاهم عن بلاده وغيرها من البلدان العربية والإسلامية ، فاستجاب له السلطان سليمان الأول ، ووجه من مصر أسطولا بحريا جرارا من السفن والرجال ، سار به إلى أرض الهند ، ليقطع دابر الكفار ، وينظف تلك الأقطار من الكفرة الفجار ، ففتح عدن ومسقط وجزيرة هرمز ، واستولى على أغلب الحصون التي أقامها البرتغاليون ما بين جنوب الجزيرة العربية وبلاد الهند (٢٧).

ولكن هذا الأسطول العثماني السليماني العتيد ، كان بقيادة (خادم سليمان الأرنؤوطي) المشهور بالظلم والغدر وعدم الوفاء ، فلما مرّ بالسواحل اليمنية فتح صاحب عدن الأمير (عامر بن داوود بن طاهر بن معوضة) له باب عدن ، وزيّن الأسواق بوصول العسكر المنصور السليماني ، وإذا بخادم سليمان ينزل قواته أمام باب عدن ، ويقبض بحيلة

__________________

(٢٦) حدائق الأنوار م / ٤٨ ـ م / ٤٩

(٢٧) حدائق الأنوار م / ٤٩ ، ورجال ومواقف تحت راية الإسلام ص ٢٧٧

٢٣

على (عامر بن داوود) ويفتك به ويصلبه على صاري السفينة سنة (٩٤٤ ه‍ ـ ١٥٣٧ م) تلك السنة التي توفي فيها المصنف ابن الديبع.

وكذلك فعل بالأمير (أحمد) صاحب زبيد الذي كان من جملة اللّوند الذين استولوا على تلك الديار ، فأعطاه (خادم سليمان) الأمان ، ثم طلبه إليه وقتله ، وولى موضعه أميرا ممن كان معه.

وهكذا دخل خادم سليمان اليمن ، ويعد دخوله أول فتح عثماني لليمن (٢٨).

وإذا كان لا بد للحرب من ضحايا لا يمكن تفاديها ، فإن ما حصل من الغدر في اليمن لم يكن بأمر أو رغبة من السلطان سليمان الذي نفى خادم سليمان ، وأمضى زهاء نصف قرن بحكم المسلمين ، فكانت سيرته أحسن سيرة ، وعهده عهد خير ويمن وبركة على المسلمين ، وعهد شدة وقوة على أعداء الإسلام والمسلمين ، وظل كذلك حتى توفي متأثرا بمرض النقرس في عام (٩٧٥ ه‍ ـ ١٥٦٦ م) (٢٩) ، رحمه الله واسعة ، وعوضنا عنه اليوم من يصون البلاد ويحرر العباد من الظلم الاستعماري القائم في كل مكان من هذه المعمورة التي نعيش فوقها.

ـ د ـ

ويتبين من كل ما ذكر آنفا ، أن ابن الديبع قد عاش في اليمن البلد العربي الإسلامي ، وشهد الأفراح والأتراح التي حدثت في عصره ، ورأى توزع اليمن إلى إمارات تتصارع على السلطة عليها صراعا قويا تلك الأسر اليمنية المتنازعة على حكم اليمن ، وما جرّ إليه ذلك من فتن واضطرابات قبلية وعصبية ومذهبية وغيرها.

ولئن كان المؤلف قد ولد بعد حوالي عقد من الزمن من فتح القسطنطينية ، ودك آخر معاقل الظلم والبغي والعدوان على أمته ، وأدرك عزة الإسلام على يد سليمان القانوني العثماني وقائده خير الدين بربروس ، اللذين طردا الإسبانيين من الجزائر وتونس ، فإنه أيضا قد شهد تسلل البرتغاليين المتتابع إلى السواحل اليمنية والهندية ، وكيف صدتها قوات

__________________

(٢٨) حدائق الأنوار م / ٥٠

(٢٩) رجال ومواقف تحت راية الإسلام ص ٢٧٧

٢٤

الأسطول المملوكي المصري بقيادة حسين الكردي أولا ، ثم قوات الأسطول العثماني بقيادة خادم سليمان ثانيا ، وما كان لذلك من أثر في نزول القوات المصرية المملوكية في اليمن ودخول الجراكسة إليها وسيطرتهم على بعض مدنها وحكمهم إياها ، ثم في دخول اليمن في التبعية للسلطان العثماني بعد زوال الحكم المملوكي في الشام ومصر ، مما أدى إلى قيام الأمراء اليمنيين المحليين والأئمة الزيديين بمقاومة الأمراء الجراكسة أولا ، ثم العثمانيين ثانيا الذين أخفق أمراؤهم المتتابعون في حكم اليمن ، واختلفوا فيما بينهم اختلافا شديدا.

وليس لنا هنا أن ننكر أهمية جبال اليمن وطبيعة أرضها التي جعلتها معاقل منيعة ، تمتنع على الغزاة فتحافظ اليمن على استقلالها وحرية أبنائها.

وقد عاصر ابن الديبع كل هذه الأحداث وسجلها في كتبه وشعره فكان بحق قلم التاريخ الصادق المسجل لعصره ، والناطق باسمه إلى الأبد.

وبعد ، فهذا إيجاز عن عصر المؤلف ، فماذا عن المؤلف؟!!

المؤلف : ابن الديبع

اسمه ونسبه :

هو عبد الرحمن بن علي بن محمد بن عمر بن علي بن يوسف بن أحمد بن عمر وجيه الدين الشيباني العبدري الزبيدي الشافعي ، المعروف بابن الديبع (٨٦٦ ـ ٩٤٤ ه‍) ـ (١٤٦١ ـ ١٥٣٧ م).

والديبع (٣٠) لقب لجده الأعلى علي بن يوسف ، ومعناه بلغة النوبة في السودان : الأبيض.

وكنيته (أبو محمد) في شذرات الذهب (٣١) ، وتاريخ النور السافر (٣٢).

__________________

(٣٠) الديبع : بفتح الدال في البرق اليماني في الفتح العثماني لقطب الدين الحنفي ، وهو بكسر الدال بضبط محمد حامد الفقي في ترجمته لابن الديبع في مقدمة كتاب ابن الديبع تيسير الوصول إلى جامع الأصول.

(٣١) شذرات الذهب ٨ / ٢٥٥

(٣٢) تاريخ النور السافر ٢١٢

٢٥

و (أبو الفرج) في حدائق الأنوار ومطالع الأسرار (٣٣).

و (أبو عبد الله) في تاريخ آداب اللغة العربية (٣٤).

هذا وقد ترجم المؤلف لنفسه في آخر كتابه بغية المستفيد بأخبار زبيد (٣٥) عن الفترة التي عاشها حتى تاريخ إصداره الكتاب فقال :

مولده : كان مولدي بمدينة زبيد المحروسة في عصر يوم الخميس الرابع من شهر الله الحرام المحرم أول سنة ست وستين وثمان مئة بمنزل والدي منها.

نشأته : قال : وغاب والدي عن مدينة زبيد في آخر السنة التي ولدت فيها ، ولم تره عيني قط ، ونشأت في حجر جدي لأمي العلامة الصالح العارف بالله تعالى شرف الدين أبي المعروف إسماعيل بن محمد بن مبارز الشافعي رحمه الله. وانتفعت بدعائه لي في أوقات الإجابة وغيرها ، وهو الذي حدب علي [وتولى العناية الفائقة بي] وربّاني [التربية الصالحة] وأطعمني وسقاني وكساني وواساني وعلمني [العلم النافع المفيد] وأوصاني جزاه الله عني بالإحسان ، وقابله بالرحمة والرضوان.

وكان رحمه الله يؤثرني حتى على أولاده الذين لصلبه ، آثره الله بحبه وقربه ، ثم توفى الله تعالى والدي إلى رحمته ببندر الديو من بلاد الهند في أواخر سنة ست وسبعين ، [وليس لي من العمر سوى عشر سنين] ، ولم يحصل لي من ميراثه سوى ثمانية دنانير ذهبا ، وكان رحمه الله قد سافر إلى بلاد الهند في طلب الرزق ، وترك ابنه في زبيد طفلا صغيرا دون سن الفطام.

حجته الأولى : قال : ثم حججت إلى بيت الله الحرام في آخر سنة ثلاث وثمانين وثمان مئة ، وأنفقت الثمانية الدنانير التي ورثتها من والدي ـ رحمه الله ـ في تلك الحجة.

__________________

(٣٣) حدائق الأنوار م / ٥٥

(٣٤) تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان ٣ / ٣٣٥

(٣٥) بغية المستفيد في أخبار مدينة زبيد ، وينظر في ذلك أيضا ، الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة للشيخ نجم الدين الغزي ٢ / ١٥٨ ، وتاريخ النور السافر في أخبار القرن العاشر ، ص ٢١٢ ـ ٢٢١ ، والبدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ١ / ٣٣٥ ـ ٣٣٦

٢٦

موجز عن حياته بعد حجته الأولى : قال : ثم تقدمت بعد الحج إلى مدينة زبيد ، وقد توفي بها جدي المذكور في حال غيبتي ، وكانت وفاته ضحى يوم الأربعاء منتصف المحرم سنة أربع وثمانين وثمان مئة عن ثمانين سنة غير أربعة أشهر رحمه الله تعالى ، وكان قدومي يوم رابع موته.

فأقمت بزبيد في أطيب عيش وأتم سرور عند خالي وسيدي الفقيه جمال الدين أبي النجا محمد الطيب بن إسماعيل بن محمد بن مبارز [فأحسن تربيتي وتهذيبي ، وأتقن تعليمي واعتنى بي العناية المجدية] ، جزاه الله تعالى عني خيرا.

حجته الثانية : قال : ولم أزل عنده حتى ذهبت إلى الحجة الثانية في أواخر سنة خمس وثمانين وثمان مئة ، فرجعت إلى مدينة زبيد سالما غانما.

عودة إلى متابعة موجز حياته : قال : ثم منّ الله علي بصحبة شيخنا الإمام العلامة المحدث بقية أهل اليمن زين الدين أبي العباس أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الشرجي الزبيدي (٣٦) ، كان الله له ، وارتحلت في حياته بإشارته إلى بيت الفقيه ابن عجيل لزيارة الفقهاء بني جغمان.

حجته الثالثة وزيارة المسجد النبوي الشريف : قال : ثم حججت الحجة الثالثة في سنة ست وتسعين وثمان مئة ، وزرت بعد الحج مسجد سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أواخر ذي الحجة منها.

عودة إلى متابعة موجز حياته : قال : ثم رجعت إلى مكة المشرفة في المحرم من سنة سبع وتسعين وثمان مئة ، فمنّ الله عليّ بلقاء الشيخ الإمام ، حافظ العصر ، مسند الدنيا ، فريد الوقت شمس الدين أبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي المصري

__________________

(٣٦) أحمد الشرجي الزبيدي : (٨١٢ ـ ٨٩٣ ه‍) ـ (١٤١٠ ـ ١٤٨٨ م) : محدث البلاد اليمنية في عصره ، نسبته إلى شرجة (حيس في جنوبي زبيد) ، واشتهر وتوفي في زبيد ، له : التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح ، وهو مختصر صحيح البخاري ، ويعرف بمختصر الزبيدي ، وطبقات الخواص في سير أولياء اليمن ، والفوائد ، ونزهة الأحباب ، وغيرها. (الأعلام ١ / ٩١).

٢٧

الشافعي (٣٧) فيها ، فصحبته وانتفعت به ، وكان يجلّني ويشير إليّ ويعظمني ويقدمني على سائر الطلبة ، ويؤثرني ، وأحسن إلىّ كثيرا جزاه الله عني خيرا.

ولما ألفت كتابي هذا بغية المستفيد في أخبار مدينة زبيد وقف عليه مولانا السلطان الملك الظافر عامر بن عبد الوهاب بن داوود طاهر ، جدّد الله سعوده ، ونصر جنده ، طلبني إلى مجلسه الشريف العالي المنيف واستجاده واستحسنه.

ثم اختصرت منه كتابي المسمى العقد الباهر في تاريخ دولة جديه بني طاهر ووالده ، ومآثرهم الحميدة ، ودولتهم المباركة الميمونة السعيدة ، فلما وقف عليه مولانا السلطان أضاف علي مواهب الجود والإحسان ، وأجازني من مواهبه الهنية بجائزة ميمونة سنية.

ثم حصل هذا التاريخ تحصيلا عظيما ، وتقدمت به إلى مولانا السلطان ، وهو إذ ذاك بمحروسته المقرانة مقيما ، وقدمت إليه فأثابني بثواب عليه ، وأفاض علي من مواهبه وكرمه ما يقصر صوب الغمام عن غزير ديمه ، ولم أزل عنده في روض أريض ، وجود فياض عريض ، حتى أذن لي في الرجوع إلى وطني ، وخلع علي خلعة نفيسة ، وأكرمني وتصدق علي بيتا منه سلطانية بمدينة زبيد للسكنى ، وأعطاني قطعة نخل بوادي زبيد ، وصيّرني لإحسانه قنّا ، وتلافاني بعد الضعف وتدارك ، وجعل لي قراءة الحديث بجامع زبيد على المنبر المبارك ، فرجعت مسرورا إلى الوطن في نعمة وافرة ، وحال حسن شاكرا لجوده وإحسانه ، معترفا بفضله وامتنانه ، سائلا الله تعالى أن يجمع الخلق على طاعته ، وأن يمد في أيام دولته ، وأن يعز بمتابعته كل صبار شكور ، ويذل بمخالفته كل ختال كفور ، ويجمع له بين نصره العزيز وفتحه المبين ، ويجعل كلمة الحق باقية فيه وفي عقبه إلى يوم الدين ، آمين :

آمين آمين لا أرضى بواحدة

حتى أضيف إليها ألف آمينا

__________________

(٣٧) محمد بن عبد الرحمن بن محمد شمس الدين السخاوي ، مؤرخ حجة ، وعالم بالحديث والتفسير والأدب ، أصله من (سخا) من قرى مصر ، ومولده في القاهرة ، ووفاته بالمدينة ، ساح في البلدان سياحة طويلة ، وصنف زهاء مئتي كتاب أشهرها (الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع) ، ترجم نفسه فيه بثلاثين صفحة ، وله كتب كثيرة غيره. (الأعلام ٦ / ١٩٤ ـ ١٩٥).

٢٨

ولما سقط السلطان عامر الثاني وأخوه عبد الملك في نقم قرب صنعاء في قتالهما قوات الأمير حسين الكردي الجركسية تأثّر ابن الديبع لمصرعهما فرثاهما حزينا متألما بقوله :

أخلاي ، ضاع الدين من بعد (عامر)

وبعد أخيه أعدل الناس بالناس

فمذ فقدا ، والله ، والله ، إننا

من الأمن والإيناس في غاية الياس

وفاته : ولم يزل ابن الديبع بعدهما على الإفادة وملازمة بيته ومسجده لتدريس الحديث والعبادة ، واشتغاله بخصوصيته عما لا يعنيه ، حتى كانت وفاته ، وانتقل إلى رحمته تعالى بمدينة زبيد في ضحى يوم الجمعة السادس والعشرين من شهر رجب سنة (٩٤٤ ه‍ ـ ١٥٣٧ م) ، وصلي عليه في جامع الأشاعرة ، ودفن بتربة (باب سهام) عند قبة (الشيخ إسماعيل الجبرتي) ، وخلفه ولده (علي) يقرأ الحديث عوضه في جامع زبيد الكبير رحمهما الله تعالى.

جهاده : عاصر ابن الديبع ما جرى في اليمن والعالمين العربي والإسلامي من وقائع ، ولا سيما غارات البرتغاليين على اليمن ، ومهاجمتهم للسفن اليمنية وركابها ونهبهم ما عليها من حمولة وأسرهم التجار ، واستعبادهم لأحرار المسلمين ، وقتلهم النفوس البريئة ولواذهم بالفرار ، فآلمه ذلك ، وثار حمية لدين الله تعالى ، ودعا للجهاد عزة للإسلام والمسلمين ، ويشهد على ذلك خطبته التي خاطب بها جماهير اليمنيين المؤمنين وهو يحضهم على الدفاع عن البلاد ، وفيها يقول :

«إخواني ، يا لها صفقة خطيرة في بيع هذه الأنفس الحقيرة ، المشتري فيها ربّ العالمين ، والواسطة فيها سيد المرسلين ، والثمن (جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران ٣ / ١٣٣] ، فأوجبوا رحمكم الله صفقة هذا البيع الرابح بالثمن الجزيل الراجح ، ف (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) [الصافات ٣٧ / ٦١] ، (وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) [المطففون ٨٣ / ٢٦].

فالجهاد الجهاد ، أيها المؤمنون!! الجنة الجنة ، أيها الموقنون!! وقاتلوا دون أنفسكم وأموالكم أعداء الله الفجار ، وارفعوا عن أنفسكم شؤم العار والنار ، فقد جاؤوكم (يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) [المجادلة ٥٨ / ٥] بكفرهم ، ويستأصلون شأفة الإسلام والمسلمين بمكرهم ، و (قَدْ

٢٩

بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) [آل عمران ٣ / ١١٨] ، (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [التوبة ٩ / ٣٦](٣٨).

تعصبه لقومه وإخلاصه لهم : ابن الديبع مؤرخ محدث من أهل زبيد ، لا يتلكأ في تسخير نفسه وعلمه وقلمه وتآليفه وتصانيفه وشعره في سبيل اليمن ، وكرامة أبنائه ، ووفائه لهما معا ، فهو حين يصنف مثلا (حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ينتهز الفرصة ليعقد فصلا فيه ، يتحدث عن وفد أهل اليمن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفضائل أهلها (٣٩).

كما يقدم للقسم الثاني من كتابه هذا بخطبة في الحثّ على الجهاد في سبيل الله بالأنفس والأموال (٤٠) ، لأن اليمن آنئذ كان يتعرض لهجمات البرتغاليين عليه كما أسلفت.

بل إنه ليتجاوز هذا كثيرا حين يؤلف كتبا واسعة في تاريخ اليمن وفضائلها سآتي على ذكرها خلال الحديث عن كتبه ، إن شاء الله تعالى ، ولا سيما كتابه هذا الذي بين أيدينا (نشر المحاسن اليمنية) ، فهو على الرغم من أنه محدث كبير ، لا يورد الأخبار إلا بعد التحقق من وقوعها ، والتيقن من صحتها عقلا ونقلا ، شأنه في ذلك شأن المحدّثين ، القدامى والمعاصرين ، رضي الله تعالى عنهم أجمعين ، ويثور على المشعوذين والدجالين الذين ظهروا في اليمن ، وما يزالون يظهرون في كل مكان وحين ، ويحرض العلماء وذوي السلطان عليهم.

فهو على الرغم من ذلك كله لا يتقيد بهذا المنهج تقيدا دقيقا حين يأتى على بعض أخبار المتصوفة في اليمن ، أو حين يعود الأمر إلى الإشادة بمحاسن بلاد اليمن أو فضائل أهلها ، والمشهورين منهم ، منذ أقدم العصور إلى عصره الذي يعيش فيه ، فيغض طرفه قليلا ، أو يتغاضى عما لا يعجبه منهم.

__________________

(٣٨) حدائق الأنوار م / ٥٢ و٤٤٣ ـ ٤٤٨

(٣٩) حدائق الأنوار ص ٧١٤ ـ ٧١٦

(٤٠) حدائق الأنوار ص ٤٤٣ ـ ٤٤٨

٣٠

ومع هذا كله ، فهو أمين على التراث والدين والتاريخ كل الأمانة ، لا يعيبه فيها تعصبه ذاك ، ولا يطعن في إمامته في العلوم التي برز فيها عن جدارة كبيرة واستحقاق عظيم يحسد عليه.

شعره : كان لابن الديبع موهبة شعرية ، غير أن اشتغاله بعلوم الدين والتاريخ ، واجتهاده بالتأليف لم يترك له مجالا لنظم الشعر الفني الأدبي للأدب ذاته ، وإنما كانت نفسه تنطلق على سجيتها لتعبر عن شاعريتها بصورة صادقة لطيفة ، تعليقا على أمر ذي شأن ، أو تسجيلا لخاطر ذي بال ، أو دعوة لإقامة الحق ونصرة الدين ، أو في مسائل علمية.

ولذلك فإن ما وصل إلينا من شعره يعد من شعر العلماء ، ومنه الشعر الذي أورده في كتابه هذا (نشر المحاسن اليمانية) ومنه :

قصيدته التائية في سبب تأليفه كتاب نشر المحاسن ومطلعها :

كملت تتمته بسبعة أبوب

ألفتها وبها رسمت كتابي

وقصيدته التائية إلى يحيي بن عمر الذئابي ومطلعها :

بربك يا طرسي إذا جئت منبرا

بمدرسة الضنجوج دار الأحبة

وقصيدته الرائية التي يحرض فيها العلماء وذوي السلطان على مناصرة الدين ، وزجر البدعي المبتدع ابن الشيخ أحمد ، مدعي النبوة في سحير ، ومطلعها :

كتاب الخالق الملك الكبير

شفاء للملوك وللصدور

وقصيدته التي أرسلها إلى أحد المشعوذين مدعي الكرامة والولاية في قوّر ، فولّى هاربا حين وصلته تلك القصيدة فورا ، ومطلعها :

يا أيها الرجل العظيم الشان

يا واصلا من أبعد الأوطان

وفي هذا كله يراجع للاطلاع عليه مسرد الشعر في فهارس كتابنا هذا ، ويعاد إلى متنه لتعرف النصوص كلها ومناسباتها ، واستيفاء دراستها فيه.

٣١

ومن شعره ما أورده صاحب كتاب النور السافر (٤١) ، ومنه في اللغات التي نزل بها القرآن الكريم قوله :

نزل القران بلفظ سبع قبائل

وهم قريش مع خزاعة واليمن

وتميم ثم هذيل والسعدان سعد

هزيم مع سعد بن بكر فاعلمن

وله في مصنفات النووي :

أيها السالك نهج المصطفى

تابعا سنته في كل حين

غير كتب النووي لا تعتمد

وتنزه في رياض الصالحين

وله في الأربعين النووية :

أيها الطالبون علم حديث

هذه أربعون حقا صحيحه

كلها غير سبعة فحسان

فاعتمدها فإنها لصحيحه

وله في صحيحي البخاري ومسلم :

تنازع قوم في البخاري ومسلم

لديّ ، وقالوا : أي ذين يقدّم

فقلت : لقد فاق البخاري صحة

كما فاق في حسن الصناعة مسلم

وله أيضا فيهما :

قالوا : لمسلم سبق

قلت : البخاريّ جلّى

قالوا : تكرر فيه

قلت : المكرر أحلى

وقد بلغه من بعض فضلاء عصره أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم خضب لحيته ، فأنكر ذلك عليه وكتب بهذه الأبيات :

والله ما وقّر المختار من مضر

من ادعى أنه للشيب قد خضبا

لم يبلغ الخضب فيما قاله أنس

وهو الخبير به من دون من صحبا

إذ كان خادمه دهرا ملازمه

ليلا وصبحا مقيما عنده حقبا

قالوا له : احمرّ منه الشعر؟ قال : نعم

من كثرة الطيب تلك الحمرة اكتسبا

__________________

(٤١) كتاب النور السافر ٣١٨ ـ ٢٢٠

٣٢

ما شاب شيبا إلى فعل الخضاب دعا

بل كان يدخل تحت الحصر لو حسبا

إذا تدهّن وارى الدهن ذاك فلا

يرى له أثرا من رام أو طلبا

ومن يقل : قد أرتني أم سلمة مخضوبا

من الشعر ، أي من طيبه انخضبا

إذ لم يقل : إنها قالت له : خضب

النبي ، هذا مقال الحق قد وجبا

ومن روى صبغه بالصفرة اعتبروا

ما قال في ثوبه أو فعله أدبا

لا في الشعور ، وقس ما قيل فيه على

ما قيل : أن لرسول الله قد كتبا

ومن شعره في التوحيد :

كفاني من عجزي وفخري أنني

جبلت على التوحيد واخترته طبعا

وأني لم أشرك بربي غيره

وأني للرحمن عبد له أدعى

ومنه أيضا :

يا رب كم أنعمت من نعمة

علي مع عجزي وتقصيري

إن لم تقبّل عملي لم يكن

بنافعي جدي وتشميري

ومنه قوله :

أذنبت والرحمن ذو منّة

بالعفو والغفران للمذنبين

أوقعني في الذنب تقديره

وهو تعالى أرحم الراحمين

ومنه أيضا :

قالت لي النفس : أما تستحي؟!

فقلت : توفيقي على خالقي

قد أحسن الرحمن فيما مضى

لا بدّ أن يحسن فيما بقي

وله وقد اشترى جارية اسمها حرير :

حرير لعمري جنة لي وجنّة

بها الله أغناني وكنت فقيرا

صبرت فساق الله لي أحسن الجزا

على حسن صبري جنة وحريرا

وله في كتابه تيسير الوصول :

٣٣

كتابي (تيسير الوصول) الذي حوى

أصول الحديث الست عز نظيره

فمن بمعانيه اعتنى ودروسه

وتحصيله استغنى ودام سروره

وله في الدعاء للملك الظافر وعامر بن عبد الوهاب :

آمين آمين لا أرضى بواحدة

حتى أضيف إليها ألف آمينا

وله في رثائه وأخيه معا :

أخلاي ضاع الدين من بعد عامر

وبعد أخيه أعدل الناس بالناس

فمذ فقدا ، والله ، والله ، إننا

من الأمن والإيناس في غاية الياس

وله فيما أوله كاف من أعضاء الإنسان :

أعضاء ابن آدم فيها ما بأوله

كاف ، وعدتها عشر ، هي الكوع

كف وكتف وكبد كاهل وكلى

وكمرة كفل كعب وكرسوع

وله في الزبيب الرازقي :

يا أهل صنعا قد رزقتم جنة

أنهارها حفت بلطف الخالق

ورزقتم فيها زبيبا أبيضا

وبلا نوى فتنعموا بالرازقي

وله في مقامات الحريري :

أحب مقامات الحريري لأنها

لدى مسمعي أحلى من المن والسلوى

ولست بهذا القول أول قائل

برئت إلى الرحمن من كذب الدعوى

فقد قال قبلي ابن العجيل لصحبه

بغير تحاش : هذه طبق الحلوى

وكان إماما لا يجازف في الذي

يفوه به فوه ، وحاشاه أن يغوى

وقد أجاز لمن أدرك حياته أن يروي عنه فقال :

أجزت لمدركي وقتي وعصري

رواية ما تجوز روايتي له

من المقروء والمسموع طرا

وما ألفت من كتب قليله

وما لي من مجاز من شيوخي

من الكتب القصيرة والطويله

وأرجو الله يختم لي بخير

ويرحمني برحمته الجزيله

٣٤

مكانته العلمية :

جاء في مقدمة كتاب حدائق الأنوار أنه :

الشيخ الإمام العلامة ، الأوحد ، المحقق ، الفهامة ، محدث اليمن ، ومؤرخها ، ومحيي علوم الأثر بها (٤٢).

أما في تاريخ النور السافر (٤٣) فهو :

الشيخ الإمام الحافظ الحجة ، المتقن ، شيخ الإسلام ، علامة الأنام ، الجهبذ الإمام ، مسند الدنيا ، أمير المؤمنين في حديث سيد المرسلين ، خاتمة المحققين ، شيخ مشايخنا المبرزين ، وجيه الدين الشافعي العالم الفاضل ملحق الأواخر بالأوائل ، أخذ عمن لا يحصى ، وأخذ عنه الأكابر.

وقال عنه السخاوي أستاذه في الضوء اللامع (٤٤) :

قرأ علي بلوغ المرام وغيره ، وهو فاضل يقظ راغب في التحصيل والاستفادة ، نفع الله به آمين.

وقال فيه صاحب شذرات الذهب (٤٥) :

وكان ثقة صالحا حافظا للأخبار والآثار ، متواضعا ، انتهت إليه رئاسة الرحلة في علم الحديث ، وقصده الطلبة من نواحي الأرض ، وأجاز لمن أدرك حياته أن يروي عنه.

وقال فيه الشوكاني في البدر الطالع (٤٦) :

له شهرة في اليمن طائلة ، وجعل له السلطان عامر بن عبد الوهاب قراءة الحديث بمسجد زبيد.

__________________

(٤٢) حدائق الأنوار ص م / ٥٥

(٤٣) تاريخ النور السافر ٢١٢

(٤٤) الضوء اللامع ٤ / ١٠٥

(٤٥) شذرات الذهب ٨ / ٢٥٥

(٤٦) البدر الطالع ١ / ٣٣٦

٣٥

أساتذته :

يعرض ابن الديبع في كتابه بغية المستفيد مراحل تعليمه ويخبرنا بأساتذته الذين كان لهم فضل عليه ، وهم (٤٧) :

١ ـ شرف الدين أبو المعروف إسماعيل بن عمر بن مبارز الشافعي (... ـ ٨٨٤ ه‍) ـ (... ـ ١٤٧٩ م):

وهو جد ابن الديبع نفسه ، وقد نشأ في حجره ، وترعرع في كنفه وفيه يقول :

وكان على قدم في عبادة الله عز وجل ، محافظا على قيام الليل وإحياء ما بين العشاءين ، وملازمة الجماعة في الصلوات المفروضات ، تاليا لكتاب الله تعالى ، عارفا بسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أخذ العلم عن غير واحد من أشياخ قطره وغيرهم ، كالعلامة نور الدين الفخري ، والخطيب كمال الدين الضجاعي ، والنفيس العلوي ، والشيخ أبي الفتح المارفي ، والمقري شمس الدين الجزري ، والقاضي زين الدين مكي وغيرهم ، رحمة الله عليهم ، وصحب الشيخ الصالح شرف الدين أبا المعروف ، وإسماعيل بن أبي بكر الجبرتي الصوفي ، وقرأ كتب القوم وحفظها ، وكانت له اليد الطولى في فتح مغلقها.

٢ ـ نور الدين علي بن أبي بكر خطاب وفيه يقول :

ثم إني تعلمت القرآن الكريم عند سيدي الفقيه نور الدين علي بن أبي بكر خطاب ، كان الله له ، حتى بلغت سورة (يس) وانتفعت به كثيرا ، فظهرت نجابتي عنده.

٣ ـ جمال الدين أبو النجا محمد الطيب بن إسماعيل بن مبارز

، الفقيه فرضي زبيد ، خال ابن الديبع نفسه ، وفيه يقول :

ثم انتقلت إلى سيدي وخالي الفقيه جمال الدين ... جزاه الله تعالى عني خيرا ، فلما رأى نجابتي أمرني بنقل القرآن العظيم ، من أول سورة البقرة إلى آخره ، فقرأته عنده شرفا واحدا حتى ختمته ، وحفظته بذلك الشرف عن ظهر القلب وأنا ابن عشر سنين ولله الحمد.

__________________

(٤٧) ترجمة المؤلف لنفسه في كتاب بغية المستفيد وتاريخ النور السافر ٢١٢ ـ ٢٢١

٣٦

ثم أخذت بعد ختم القرآن الكريم على خالي المذكور في علم القراءات السبع فنقلت الشاطبية ، ثم قرأت القراءات عنده مفردة ومجموعة ، وتم لي ذلك بحمد الله وعونه ، ثم أخذت في علم العربية ، وبعض البهجة على خالي المذكور ، وعلى غيره ، وأخذت عليه خصوصا في علم الحساب والجبر والمقابلة والمساحة (الهندسة) والفرائض والفقه حتى انتفعت في كل علم منها.

٤ ـ عمر بن محمد الفتى بن معيبد الأشعري ويقول فيه :

ثم قرأت كتاب الزبد في الفقه للإمام شرف الدين البارزي قراءة بحث وتحقيق وفهم وتدقيق في سنة (٨٨٣ ه‍ ـ ١٤٧٨ م) على شيخنا الإمام العلامة الصالح المعمر تقي الدين مفتي المسلمين أبي حفص عمر بن محمد الفتى بن معيبد الأشعري رحمه الله في سنة ثلاث وثمانين وثمان مئة.

٥ ـ زين الدين أبو العباس أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الشرجي ويقول فيه :

ثم منّ الله علي بصحبة شيخنا الإمام العلامة المحدث بقية أهل اليمن ، زين الدين أبي العباس ... كان الله له ، فأخذت عليه في علم حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان هو المرشد إلى ذلك ، جزاه الله عني أحسن الجزاء ، فقرأت عنده صحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داوود والترمذي والنسائي وموطأ الإمام مالك ، والشفاء للقاضي عياض ، وعمل اليوم والليلة لابن السني ، والشمائل للترمذي ، والرسالة للقشيري ، وجميع مؤلفاته ومصنفاته ، وما لا يحصى من الأجزاء والكتب اللطيفة ، وبه تخرجت وانتفعت ، وألفت في حياته كتابي المسمى بغاية المطلوب وأعظم المنة فيما يغفر الله به الذنوب ويوجب به الجنة ، وهو الذي تعلمت منه صنعة التأليف والتصنيف ، وارتحلت في حياته بإشارته إلى بيت الفقيه ابن عجيل لزيارة الفقهاء بني جغمان.

٦ ـ جمال الدين أبو أحمد محمد الطاهر بن أحمد عمر بن جغمان ، وفيه يقول :

فأخذت الفقه بها (ببيت الفقيه ابن عجيل) على شيخنا الإمام الصالح المقري ، وليّ الله تعالى ، جمال الدين أبي أحمد محمد ... فقرأت عليه منهاج الطالبين للنووي جميعه ، ومن الحاوي الصغير وتيسيره للبارزي ، ونظمه لابن الوردي ، إلى ثلث كل كتاب منها.

٣٧

٧ ـ برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن أبي القاسم بن جغمان ، وفيه يقول :

وأخذت في الحديث بها (بيت الفقيه ابن عجيل) على شيخنا الإمام الأوحد الصالح ذي الفنون العديدة ، والمآثر الحميدة ، برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن أبي القاسم بن جغمان ، فقرأت عليه كتاب الأذكار للإمام النووي ، والشمائل للترمذي ، وعدة الحصن الحصين للجزري ، وغير ذلك ، وسمعت عنده بقراءة غيري مجالس من صحيح البخاري ومسلم ، وبعضا من كتاب الإرشاد مختصر الحاوي للعلامة شرف الدين ابن المقري وغير ذلك.

٨ ـ شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي المصري الشافعي ، ويقول فيه :

ثم رجعت إلى مكة المشرفة في المحرم من سنة سبع وتسعين وثمان مئة فمنّ الله عليّ بلقاء الشيخ الإمام ، حافظ العصر ، مسند الدنيا ، فريد الوقت ، شمس الدين أبي الخير ...

فيها ، فصحبته وانتفعت به ، وأخذت عليه في علم الحديث النبوي ، وسمعت عنده كثيرا من صحيحي البخاري ومسلم ، ومن كتاب مشكاة المصابيح للتبريزي ، وجملة من ألفية الحديث ، وقرأت عليه كتاب بلوغ المرام من أدلة الأحكام للحافظ أبي الفضل بن حجر ، وبعضا من كتاب سيرة ابن سيد الناس اليعمري ، المسماة بعيون الأثر ، وبعضا من كتاب رياض الصالحين للنووي ، وثلاثيات البخاري ، وما لا يحصى من الأجزاء والمسلسلات ، وكان يجلني ويؤثرني ، وأحسن إليّ كثيرا جزاه الله عني خيرا.

٩ ـ محمد بن عبد السلام الناشري وفيه يقول :

أخبرني شيخنا القاضي العلامة العدل الفقيه محمد بن عبد السلام الناشري ، كان الله له ، وزاد فضله ... إلخ.

١٠ ـ حسن بن عثمان المنبهي وفيه يقول في الباب السابع من كتابنا هذا (نشر المحاسن) (٤٨) :

__________________

(٤٨) كتاب نشر المحاسن اليمنية هذا الفصل السابع.

٣٨

الفقيه الضابط العالم المرابط بدر الدين ، عمدة العلماء المفتين ، شيخنا وإمامنا وقدوتنا ، بدر الدين حسن بن عثمان المنبهي ، وكانت إقامته في الدوحاء ، وكانت له سيرة محمودة وفضائل مشهودة ، تفقه عليه جماعة من طلبة العلم ، وقرأت عليه عدة كتب من مسموعات الفقه والفرائض ، واستفدت من مذاكرته فوائد جمة ، فجزاه الله عني خيرا ، وعامله باللطف والرحمن آمين آمين.

ثم إنه يقول في كتابه بغية المستفيد : وقد انتفعت بدعاء كل من مشايخي المذكورين ومحبتهم لي ، رحم الله جميعهم وشكر صنعهم (٤٩).

تلامذته :

قال العيدروس (٥٠) صاحب تاريخ النور السافر في أعيان القرن العاشر :

أخذ عن [ابن الديبع] الأكابر مثل :

١ ـ العلامة ابن زياد :

[وهو عبد الرحمن بن عبد الكريم بن إبراهيم بن علي بن زياد الغيثي المقصري الزبيدي (٥١) ، والمقصري نسبة إلى المقاصرة من بطون عك بن عدنان أبو الضياء (٩٠٠ ـ ٩٧٥ ه‍) ـ (١٤٩٤ ـ ١٥٦٨ م). وهو فقيه شافعي من أهل زبيد مولدا ووفاة ، تفقه وأفتى واشتهر ، وكفّ بصره سنة ٩٦٤ ه‍ فاستمر على عادته في التدريس والإفتاء والتصنيف (٥٢)].

٢ ـ والسيد الحافظ الطاهر بن حسين الأهدل.

٣ ـ والشيخ أحمد بن علي المزجاجي (٥٣).

__________________

(٤٩) تاريخ النور السافر ص ٢١٤

(٥٠) العيدروس : هو شمس الشموس محيي الدين عبد القادر بن شيخ بن عبد الله العيدروس.

(٥١) المدارس الإسلامية في اليمن ص ١٥١

(٥٢) الأعلام ٣ / ٣١١

(٥٣) وانظر في هؤلاء الثلاثة أيضا شذرات الذهب ٨ / ٢٥٥

٣٩

٤ ـ وشيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس ، وهو والد مؤلف كتاب تاريخ النور السافر وفيه يقول (٥٤) :

واجتمع به (بابن الديبع) سيدي الوالد بزبيد سنة اثنتين وأربعين وتسع مئة وأخذ عنه ، [وهو فقيه يماني ، ولد في تريم من بلاد حضرموت ، ودخل الهند سنة (٩٥٨ ه‍) فأقام بها ، وتوفي في أحمد آباد بالهند ، ومن كتبه العقد النبوي والسر المصطفوي وغيره](٥٥).

٥ ـ أبو السعادات الفاكهي المكي (٥٦).

وغيرهم كثير ، رحمهم الله أجمعين.

وقد أجاز ابن الديبع لكل من أدرك حياته أن يروي عنه.

مؤلفاته :

تدل مؤلفات ابن الديبع على غزارة علمه وسيولة قلمه ، وقد سخرهما ابتغاء مرضاة الله تعالى في الذبّ عن دينه ، والجهاد في سبيله ، والاعتصام بكتاب الله تعالى ، والسنة النبوية الشريفة ، فبرع في علوم القرآن الكريم والحديث الشريف وأصوله ، والتحقيق فيه ، والتصنيف في التاريخ وفنونه ، ولا سيما التاريخ اليمني ، وقد اشتهر ذكره وبعد صيته ، وصنف التصانيف الكثيرة التي لم يصل منها إلينا إلا القليل.

ـ أ ـ

ومنها في أمور الدين وفي الحديث النبوي الشريف الذي بلغ فيه ما يدل على تعمقه في علوم الحديث وتبصره فيه ومنها :

١ ـ تيسير الوصول إلى جامع الأصول من أحاديث الرسول :

وقد بلغ فيه القمة في المعرفة وحسن الاختيار والتقدير ، وقد اختار فيه روائع الأحاديث التي ضمها كتاب جامع الأصول لابن الأثير الجزري ، الحاوي لأحاديث الكتب

__________________

(٥٤) تاريخ النور السافر ص ٢٢١

(٥٥) الأعلام ٣ / ١٨٢

(٥٦) تاريخ النور السافر ص ٢١٧

٤٠