نشر المحاسن اليمانيّة

ابن الديبع الشيباني الشافعي

نشر المحاسن اليمانيّة

المؤلف:

ابن الديبع الشيباني الشافعي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٢

جدهم فيهم مخائل النجدة والسؤدد ، فأحبهم وقال : أنا لا أعدل لولاية هذا البيت عن هؤلاء الأولاد ، ولكن لا يمكن ولايتهم لها إلا بعد أن أوليها أباهم قصيا ، فلما حضرته الوفاة جمع بنيه وأهل بيته ، وقال لهم : إن هذا بلد حرام ، وإن سفك الدماء فيه عظيم ، وقد رأيت أن أولي قصيّ بن كلاب حجابة هذا البيت لأنه شريف وصهر وغريب / بيننا ، وأجداده إسماعيل وإبراهيم الذي عمرها ، فلم يخالفه أحد من قومه ، فولّاه ثم مات.

فصل [في حجابة البيت لقصي وأولاده]

فلما مات أبت جماعة أن تسلم البيت وحجابتها (١٨) لقصي وأولاده ، فاستغاث قصي بأخيه رزاح (١٩) بن ربيعة بن حرام من ذرية الحافي بن قضاعة الحميري ، وهو أخوه لأمه ، فسار إليه في قضاعة الشام ، وقد اجتمعت خزاعة وكنانة (٢٠) وجرم وحوتكة (٢١) بن سود ، فحصل الغلب على خزاعة ومن معها وقتّلوا ،

__________________

(١٨) البيت وحجابتها : أي الكعبة وحجابتها.

(١٩) في الأصل : دادج ... بن حزام ، وما أثبت من (الجمهرة ٤١٩ ، ٤٢٠) ، وفيها هو رزاح بن ربيعة بن حرام بن ضنة بن عبد بن كبير بن عذرة بن سعد هذيم بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحافي بن قضاعة ، ومن (السيرة لابن هشام ١١٨) ، و (السيرة لابن كثير ١ / ٤٩) ، و (جداول العصبية القبلية للدكتور إحسان النص).

(٢٠) كنانة : هم بنو كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، ولهم بطون متعددة (الجمهرة ١٠ و٤٣٤) ، والمقصود هنا بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة الذين أخرجهم قصي من مكة ، كما في (السيرة النبوية لابن هشام ١ / ١١٨ و١٢٦) ، و (السيرة النبوية لابن كثير ١ / ٩٦).

(٢١) حوتكة بن سود : هم بنو حوتكة بن سود بن أسلم بن الحافي من قضاعة (الجمهرة ٤١٥).

١٦١

وأنزلوهم بحلي (٢٢) والسرى (٢٣) وتمكن قصي من مكة فقال هذه الأبيات : [الوافر]

أنا ابن كلاب ينميني (٢٤) لؤي

بمكة مولدي وبها ربيت

على بطحائها قد كان طلقي

ومنشأ أعظمي وبها رضيت

لما نحّلت حبّى من حليل (٢٥)

وحجبته فإني قد وليت

رزاح ناصري وبه أحامي (٢٦)

ولست أخاف ضيما ما بقيت

وقال محمد بن الحسن بن دريد الأزدي شعرا (٢٧) : [الطويل]

__________________

(٢٢) في الأصل : جلّى ، وما أثبته من أبيات عن المعركة في (سيرة ابن هشام ١٢٧) ، وفي (معجم البلدان ٢ / ٢٩٧) : حلي : مدينة باليمن على ساحل البحر ، بينها وبين السّرّين يوم واحد ، وبينها وبين مكة ثمانية أيام ، وفي (البلدان اليمانية ٩٥) :

حلي : هو حلي بن يعقوب ، مدينة على ساحل البحر الأحمر ، وذكرها الهمداني في (صفة جزيرة العرب ٢٥٩) فقال : وحلي هو مخلاف وقصبتها الصحارية ، موضع رؤساء بني حرام (بطن من كنانة).

(٢٣) في الأصل : والشريفين. وفي (معجم البلدان ٣ / ٢١٩) : السّرّين : بليد قريب من مكة على ساحل البحر ، بينها وبين مكة أربعة أيام أو خمسة قرب جدة. وفي أعمال صنعاء قرية يقال لها السّرّين.

(٢٤) ينميني : ينسبني. أي أنا من نسل.

(٢٥) في الأصل : لما؟؟؟ حتى من خليل ، وهو تحريف ، وتصحيف ، والمقصود هنا أنه لما تزوج قصي بن كلاب حبّى بنت حليل بن حبشية ، نال بذلك ما كان يعطي حليل ابنته من مفاتيح البيت حين كبر وضعف ، فكانت بيدها ، وكان قصي ربما أخذها في بعض الأحيان ففتح البيت للناس وأغلقه ، ولما هلك حليل أوصى بولاية البيت إلى قصي ، فأبت خزاعة وبنو بكر وهاجت الحرب بينهما ، فانتصر قصي وأجلاهم عن البيت ، واستقل هو بولايته (السيرة النبوية لابن هشام ١ / ١١٨) ، و (السيرة النبوية لابن كثير ١ / ٩٤).

(٢٦) أحامي : في (السيرة النبوية لابن هشام ١ / ٢٨) ، و (السيرة النبوية لابن كثير ١ / ١٠٠) : أسامي.

(٢٧) محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (٢٢٣ ـ ٣٢١ ه‍) ـ (٨٣٨ ـ ٩٣٣ م) ، من أزد عمان من قحطان ، أبو بكر ، من أئمة اللغة والأدب وهو أشعر العلماء وأعلم الشعراء صاحب الجمهرة وغيرها (الأعلام ٦ / ٨٠).

١٦٢

وما جعل الرحمن حجّاب بيته

وقوّامه إلا المضاض (٢٨) من الأول

فملّكه في سالف الدهر جرهما

وهم خير من زمّ المطايا ومن رحل (٢٩)

فلما تقضت مدة الملك عنهم

وكل أمور الناس تجري إلى أجل

أديلت (٣٠) بنو كعب عليهم فأمّروا

فكلّ بنى ملكا تكفّ به الدول

وكانوا ولاة البيت حقا أزالهم

قصيّ بحيّ من قضاعة فاشتمل

على ملكهم عند انقضاء أوانه

وأيّ نعيم خالط الدهر لم يزل

فلما صارت حجابة البيت إلى قصيّ وأولاده بعد موته ولدا بعد ولد ، وطالت مدتها ، تخربت من طول الإقامة ، فوصل أبيّ بن سالم الكلبي (٣١) حتى دخلها ، فلما رآها على تلك الحالة جمع قريشا وقال : بئس ما صنعتم في مجاورة هذا البيت ، أما تعمرونه؟ فقالوا : قعدت بنا الأيام ، فلم نقدر. فقال : أنا أشارككم في بنائه فأشركوني ، فأشركوه في الربع ، فبنى الركن اليماني من البيت واشترط أن ينسب إلى اليمن ، فسمي الركن اليماني فأقام فيه (٣٢) بنو قصي / حتى جاء الله تعالى بالإسلام. فبان لك بما ذكرنا أن ولاة حجابة البيت كلهم قحطانية.

__________________

(٢٨) المضاض : الخالص : ورجل مض الضرب موجعه.

(٢٩) خير من زمّ المطايا ومن رحل : زمّ المطايا أي خطم البعير ، ومن رحل أي حطّ على البعير الرحل.

(٣٠) أديلت : نصرت ، من أدال الله من العدو ، أي جعله ينتصر عليه.

(٣١) أبي بن سالم الكلبي : في (معجم البلدان ٣ / ٦٤) : هو رجل من اليمن ، ذكر ابن قتيبة أنه بنى الركن اليماني من أركان الكعبة ، وأنشد لبعض أهل اليمن :

لنا الركن من بيت الحرام وراثة

بقية ما أبقى أبي بن سالم

(٣٢) فيه : في الأصل (فيها).

١٦٣

فصل [في كسوة البيت العتيق والتسمية بجياد والمطابخ وحفر بئر

الأبطح]

وأول من كسا البيت العتيق أسعد الكامل ، ثم كساه بعده ابنه عمرو بن حسان (٣٣) ، وهو تبع الأصغر.

قالوا : وما كان البيت في تسمية شعب جياد (٣٤) بجياد إلا لأنه ربطت فيه جياد تبع الحميري يعني خيله ، فسمي جيادا نسبة إلى الجياد ، وهي الخيل ، وكذلك المطابخ ما سميت بذلك إلا لأنه كانت فيه إقامة الجزارين والطباخين فسمي المطابخ نسبة إلى الطباخ ، لأن تبعا (٣٥) المذكور أقام في مكة سبعة أيام ينحر في كل يوم عشرة آلاف ناقة ، يشبع منها عسكره وجميع من بمكة وأعمالها والطيور والسباع ، فصارت الجملة سبعون ألفا وقد قال تبع في ذلك : [الخفيف]

ونحرنا في الشعب سبعين ألفا

فترى الطير حولهن ورودا

وخرجنا نؤمّ قصد سهيل

قد نصبنا لواءنا المعقودا

وكسونا البيت الذي عظّم الله

ملاء معصبا وبرودا (٣٦)

__________________

(٣٣) أسعد الكامل : هو تبان أسعد أبو كرب ، وتبان أسعد اسمان جعلا اسما واحدا ، كما هي الحال في معدي كرب ، وتبان من التبانة ، وهي الذكاء والفطنة ، وهو الذي قدم المدينة وساق الحبرين من يهود المدينة إلى اليمن ، وعمّر البيت الحرام وكساه ، وكان ملكه قبل ملك ربيعة بن نصر (سيرة ابن هشام ١٩ ـ ٢٠). وفي الحديث النبوي الشريف قال : «لا تسبوا أسعد الحميري فإنه أول من كسا الكعبة» (السيرة النبوية لابن كثير ١ / ٢٣).

أما ابنه عمرو بن حسان : فهو عمرو بن تبع الأصغر ابن حسان بن أسعد تبع الحميري (الجمهرة ٤١٠).

(٣٤) شعب أجياد : ويسمى أيضا شعب جياد : وهو موضع بمكة يلي الصفا ، وهما أجيادان : أجياد الكبير وأجياد الصغير ، ويراجع في تفصيل ذلك (معجم البلدان ١ / ١٠٤ ـ ١٠٥).

(٣٥) في الأصل : تبع ، وهو تبع الحميري.

(٣٦) ملاء معصبا وبرودا : الملاء : جمع ملاءة ، وهي نوع من الثياب غير ذات لفقين كلها نسج واحد وقطعة واحدة. ومعصبا : متوّجا. والبرود : جمع برد وهو الثوب المخطط وكساء يلتحف به.

١٦٤

ثم طفنا بالبيت سبعا بوتر

وجعلنا لبابه (٣٧) إقليدا (٣٨)

وأمرنا حجّابه الجرهميّين

وكانوا بحافتيه شهودا

يوم قلنا لا تقربوا منه مئلا

ة (٣٩) ولا ميتة ولا مفصودا

قالوا : والمئلاة هو الحائض والمفصود الذبيح.

وقال بعض شعرائهم : [الطويل]

ونحن عمرنا البيت أيام ملكنا

ونمنعه عمّن يروم وندفع

وما كان يبغي أن يلي ذاك غيرنا

ولم يك حيّ قبلنا عنه يمنع

وكنّا ملوكا في الدهور التي مضت

ونحن ملوك قبل يقدم تبّع

حمينا بها نجل الخليل وآله

ندافع عنه شرّ ما يتوقّع

__________________

(٣٧) في الأصل : لبابها ، وهو تحريف. فالباب للبيت ، ولعله قصد الكعبة هنا بالتأنيث.

(٣٨) إقليدا : المفتاح.

(٣٩) مئلاة : في الأصل : ميلاثا ، ولا معنى له ، وفي اللسان (ألى) : المئلاة بالهمز على وزن المعلاة ، خرقة تمسكها المرأة عند النوح والجمع مآلي ... المآلي جمع مئلاة بوزن سعلان وهي هاهنا خرقة الحائض أيضا ، وهذا هو المقصود في البيت وحده ، وما جاء في الأصل محض تحريف ، وقد ورد بعض أبيات النص في حاشية (السيرة النبوية لابن هشام ١ / ٢٥) بألفاظ مقاربة ، وبتقديم وتأخير بين الأبيات.

١٦٥

وحفر ميمون بن قحطان بن مالك بن عوف بن مالك الخزرجي البئر (٤٠) الذي في الأبطح (٤١) اهتماما بأمر مكة.

فصل [في رحلة تبع وموته فيها ، وتولي ابنه بعده وسيره إلى مكة

ثم كسوته البيت]

قال المؤرخون : وكان تبع المذكور وهو من ذرية حمير بن سبأ الأكبر صاحب همة علية وعزائم قوية ، وكان قد بلغه أن لريح الشمال غاية ينقطع عندها ضوء النهار ، وتكون الظلمة ، فحينئذ جد الطلب ، وعلق الهمة على المسير إلى هنا لك ، فسار حتى بلغ إلى الموضع الذي يكون فيه الليل في الخريف والشتاء وبعض الربيع ثمانية أشهر ليلا مطبقا بلا نهار ، والنهار أربعة أشهر مطبقا بلا ليل في زمان الصيف ، ولا نبات فيه ، ولا يتركب فيه روح ، فأدركته العلة في موضع فيه يسمى وادي الياقوت فمات ، وكان معه ولده صعب بن حسان (٤٢) ، فدفنه هناك ، ورجع إلى اليمن ، ثم ندم حيث لم يحمله ، ويدفنه في اليمن. ثم أنشد هذه الأبيات : [الكامل]

__________________

(٤٠) في معجم البلدان ١ / ٣٠٢ : بئر ميمون : بمكة منسوبة إلى ميمون بن خالد بن عامر بن الحضري ، كذا وجدته بخط الحافظ أبي الفضل بن ناصر على ظهر كتاب ، ووجدت في موضع آخر أن ميمونا صاحب البئر : هو أخو العلاء بن الحضرمي والي البحرين ، حفرها بأعلى مكة في الجاهلية ، وكان ميمون حليفا لحرب بن أمية بن عبد شمس. واسم الحضرمي عبد الله بن عماد ، قال الشاعر :

تأمل خليلي هل ترى قصر صالح

وهل تعرف الأطلال من شعب واضح؟

إلى بئر ميمون إلى العيرة التي

بها ازدحم الحجاج بين الأباطح

فتبين من هذا أن البئر هي بئر ميمون ، ولكن الاختلاف في اسم الذي حفرها.

(٤١) الأبطح : يضاف إلى مكة وإلى منى ، لأن المسافة بينه وبينهما واحدة ، وربما كان إلى منى أقرب وهو المحصّب ، وهو خيف بني كنانة (معجم البلدان ١ / ٧٤).

(٤٢) صعب بن حسان : هو تبع الأصغر صعب بن حسان بن تبان أسعد أبي كرب (تبع) بن قيس (علي كرب) (تبع الأكبر) ابن زيد (تبع الأقرن) ابن عمرو (شمر يرعش) ذي الأذعار بن

١٦٦

قد كان من رأيي وعزم رويّتي

نقل الهمام إلى بلاد يماني

أعنى ابن شمّر حين ودّع حميرا

زين الملوك وفارس الفرسان

ذاك الغريب بدار بعد ليتني

كنت المواسي حين كان دهاني

يا لهف نفسي حين ولّت حمير

يوم الرحيل بموت ذي التيجان

هلّا ثويت لديه حين أجنّه (٤٣)

تحت التراب وكان ذاك مكاني

فأقام بعد رجوعه ما شاء الله تعالى ثم مات.

قالوا : فلما صار الملك إلى ابن أبي كرب بن ملكيكرب بن الصعب (٤٤) دعته نفسه إلى المسير إلى حيث سار جده فسار ، فلما صار في أرض الروم أشار عليه الناس باتخاذ الأغذية الحارة والتحاف الدفيء والأدهان الحارة أيضا ، فاتخذها ومضى إلى المكان الذي وصل إليه جدّه ، فوجده ليلا كلّه. فلما سار في الظلمة ليلتين خاف أن يوغل فيتلف فتوقف ، وقال : ما ينبغي لنا أن نجاوز مبلغ من كان أكبر منا همة وأمضى عزمة ثم رجع.

وأما قول العوام : إنه دخل الظلمات يريد ماء الحياة ، فذلك مما لا يصح.

قالوا : فلما رجع من سفره نزل بيثرب ، ثم سار يريد مكة ، ومعه

__________________

أبرهة ذي المنار بن الرائش بن قيس بن صيفي بن سبأ الأصغر بن كعب بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن العرنجج (حمير) بن سبأ الأكبر بن يعرب بن يشجب بن قحطان (السيرة النبوية لابن هشام ١ / ١٩ ـ ٢٠) ، و (الجمهرة ٤١٠ ـ ٤١١).

(٤٣) أجنّه : أستره أي أدفنه.

(٤٤) في الأصل : ابن أبيه أبي كرب ملكيكرب بن الصعب ، وفيه تحريف ، وما أثبت يتفق مع ما في (السيرة النبوية لابن هشام ١ / ١٩) ، وابن أبي كرب هو حسان بن تبان أسعد أبي كرب بن ملكيكرب ، وهو في الجمهرة : كلي كرب ، ابن الصعب وهو زيد (تبع الأقرن).

١٦٧

حبران (٤٥) من كبار اليهود اسماهما بنيامين ومحبر ، فلقيه رجال من هذيل فقالوا : أيها الملك ، إن تحت هذا البيت الذي بمكة كنزا فلو هدمته أصبته فنوى ذلك ، وأحس نفسه تضطرب فتضيق ، فشكا ذلك الذي أصابه إلى حبري اليهود ، فقالا : هل نويت في البيت شيئا؟ قال : نعم. قالا : نعم. قالا : تب وانو غيره من الخير. فتاب فرفع الله تعالى عنه ذلك ؛ فأخذ الجماعة الهذليين / الذين أشاروا عليه بذلك فقطع أيديهم وأرجلهم وصلبهم بالأبطح ودخل مكة ونحر فيها وأطعم. وقال هذه الأبيات : [الكامل]

ثم انصرفت أريد مكة عامدا

لخرابها فعل امرئ لم يعبد

لما أتاني من هذيل أعبد

يتنصحون قبلت قول الأعبد

قالوا : بمكة بيت ملك وافر

وعقوده من لؤلؤ وزبرجد

فأردت أمرا حال ربي دونه

والله يدفع عن خراب المسجد

فرددت ما أمّلت فيه فيهم

وتركتهم مثلا لأهل المشهد

قلت : ويؤيد هذا القول ما روى في الحديث عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال : «إنما سمي البيت العتيق لأنه أعتق من الجبابرة ، فلم تنله يد جبار قط ، ولم يقدر عليه جبار (٤٦) قط» ورأيت في شرح الكلاعي أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم نهى عن سب تبع أسعد وقال : «إنه كان على الحنيفية» (٤٧).

__________________

(٤٥) في السيرة النبوية لابن هشام ١ / ٢١ : حبران من أحبار اليهود من بني قريظة بن الخزرج بن الصريح بن التوءمان بن السبط بن اليسع بن سعد بن لاوي بن خير بن يعقوب ، وهو إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٤٦) رواه الترمذي (تفسير سورة ٢٢ / ٣) بألفاظ مقاربة (الترمذي ١٢ / ١٣٠) ، و (منتخب كنز العمال ٥ / ٣٤٠).

(٤٧) وكذلك ورد في مسند أحمد ٥ / ٣٤٠ قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تسبّوا تبّعا فإنه قد كان أسلم» ، وفي (السيرة النبوية لابن كثير ١ / ٢٣) قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تسبّوا أسعد الحميري فإنه أول من كسا الكعبة».

١٦٨

فصل [في فضل مكة والبيت العتيق]

وأما فضل مكة والبيت العتيق فيكفي ما ذكره الله تعالى في كتابه العزيز ، وما جاء في ذلك من الأحاديث عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، فمنها قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : «إن الكعبة محفوفة بسبعين ألفا من الملائكة يستغفرون لمن طاف بها ويصلون عليه» (٤٨) وقال عليه الصلاة والسلام : «خير البقاع وأقربها إلى الله تعالى ما بين الركن والمقام» (٤٩) وقال عليه الصلاة والسلام : «الركن يمين الله في أرضه يصافح بها عباده كما يصافح أحدكم أخاه» (٥٠). وقال عليه الصلاة والسلام : «استلام الركن اليماني يحط الخطايا حطا» (٥١) وقال صلى الله تعالى عليه وسلم : «إذا وقف الناس يوم عرفة بالموقف ، فتح الله تعالى أبواب السماء ، فيباهي بهم الملائكة ، فيقول لهم : انظروا

__________________

(٤٨) لم أعثر على الحديث كما في المتن فيما رجعت إليه من كتب السنة ، ولكن أخرج الحاكم أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما انتهيت إلى الركن اليماني قط إلا وجدت جبريل عنده ، فقال : قل يا محمد ، قلت : وما أقول؟ قال : قل : اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفاقة ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة ، ثم قال جبريل : إن بينهما سبعون ألف ملك فإذا قال العبد هذا ، قالوا آمين» (الفتوحات الربانية ٤ / ٣٨٣).

(٤٩) لم أعثر على النص كما في المتن فيما رجعت إليه من كتب السنة ، وإنما عثرت في (منتخب كنز العمال ٥ / ٣٤٧) على قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بين الركن والمقام ملتزم ما يدعو به صاحب عاهة إلا برأ» الطبري عن ابن عباس.

(٥٠) في منتخب كنز العمال للمتقي ٥ / ٣٤٦ : «الحجر يمين الله في الأرض يصافح بها عباده» الخطيب في التاريخ ، وابن عساكر عن جابر ، وفي ابن ماجة الحديث ٢٩٥٧ : عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من فاوض [الركن الأسود] فإنما يفاوض يد الرحمن» وليس فيهما (كما يصافح أحدكم أخاه). وكذلك الرواية عن ابن عباس في (المنتخب للمتقي ٢ / ٣٥٤).

(٥١) في مسند أحمد ٢ / ٨٩ : عن ابن عمر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن مسح الركن اليماني والركن الأسود يحط الخطايا حطّا» وهو كذلك في (رواية في منتخب كنز العمال ٢ / ٣٥١) ، وفي (رواية للترمذي ٤ / ١٨١): «إن مسحهما كفارة للخطايا» ، وفي رواية في (حدائق الأنوار ٩١٧) : «إن استلام الحجر والركن اليماني يحط الخطايا».

١٦٩

إلى عبادي شعثا غبرا ، جاؤوني من كل فج عميق ، يرجون مغفرتي ، فقد غفرت لهم جميعا ، أفيضوا عبادي ، كلكم مغفور لكم ، مشفعون فيمن شفعتم ، ولو كانت ذنوبهم مثل أيام الدنيا ، أو زنة الجبال أو عدد الرمال ، غفرتها لكم» (٥٢). وقال صلى الله تعالى عليه وسلم : «إن آدم سأل ربه ، فقال : يا رب ، من حجّ البيت من ذريتي أسألك أن تلحقه بي في الجنة ، فقال الله تعالى : يا آدم ، من مات في الحرم من ذريتك وهو لا يشرك بي شيئا ، بعثته آمنا يوم القيامة» (٥٣).

هذا ما رأيت أن أذكره من الأحاديث الواردة في فضله ، وأما ذكر حدودها وصفتها ، وما جاء في محصلها وابتداء توجه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إليها ، فذلك يستدعي مجلدات لا يحتمله هذا المختصر.

قلت : ومن شرف هذا البيت أن الله تعالى فرض التوجه إليه على جميع الخلق من أهل الغرب والشرق ، وشرع لهم حجه ، وجعله أحد أركان الإسلام ، وأعطاهم بذلك الشرف والإكرام ، وجعل فيه سرا جالبا لقلوب العباد ، وألقى له شوقا ومحبة في كل فؤاد ؛ فترى الخلائق يسعون إليه رجالا وركبانا (٥٤) من جميع الأقطار ، وأشواق القلوب تتزايد ، ودمع العيون مدرار ، لا يستبعده بعيد الأوطان ، ولا يعوقه عنه الأهل والولدان ، بل كلما خطر بقلبه البعد ومشقة الارتحال أنشد لسان شوقه ، وقال : [الطويل]

بعيد على الكسلان أو ذي ملالة

فأما على المشتاق غير بعيد

__________________

(٥٢) لهذا الحديث كما في المتن روايات متعددة يكمل بعضها بعضا بألفاظ متقاربة ، فقد روى جزءا منه أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال : «صحيح على شرطهما ، ويراجع نص أحمد في (مسنده ٢ / ٢٢٤ ، و٢ / ٣٠٥) ، و (المستدرك ١ / ٤٦٤ ، ٤٦٥) ، و (حدائق الأنوار ٩١٦) ، كما تراجع تتمة أجزاء الحديث في (المنتخب للمتقي ٢ / ٣٢٨ و٣٥٤ و٣٥٨ و٣٥٩ و٣٦٠ و٣٦٥ و٣٦٦).

(٥٣) لم أعثر على الحديث كاملا فيما رجعت إليه من كتب السنة وفي (المنتخب للمتقي ٢ / ٣٩٢ و٥ / ٣٦١) عن جابر وعن عمرو عن حاطب وغيرهم : «من مات في أحد الحرمين بعث آمنا يوم القيامة».

(٥٤) رجالا وركبانا : مشاة وفرسانا.

١٧٠

القسم الثاني فيمن تولى أمر يثرب وسكنها

وهي مدينة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.

قال أهل التاريخ : كانت مدينة يثرب للعرب ، فخرج إليها قوم من بني إسرائيل في زمن موسى بن عمران عليه‌السلام ففتحوها من العرب العاربة ، وقتلوا ملكا لهم يسمى الأرقم (٥٥) ، وأقاموا فيها ما شاء الله تعالى حتى افترقت الأزد (٥٦) من مأرب ، فنزل الأوس (٥٧) يثرب على الإسرائيليين ، ولهم ملك يقال له الفطيون (٥٨) فقتلوه ، وكان قاتله سيد الحيين أعني الأوس والخزرج واسمه

__________________

(٥٥) الأرقم : هو ابن النعمان بن عمرو بن وهب بن ربيعة بن معاوية الأكرمين الكندي ، جد جاهلي ، بنوه بطن من كندة (الأعلام ١ / ٢٨٨).

(٥٦) الأزد : بطن قحطاني من أبناء الغوث بن النبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

(٥٧) الأوس : بطن قحطاني من أبناء حارثة بن ثعلبة العنقباء بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد.

(٥٨) في الأصل : القيطون ، وهو تحريف ، وما أثبته من (معجم البلدان ٥ / ٨٥) ، و (الأغاني ٣ / ٤٠ و٢٢ / ١١١ ـ ١١٦) ، و (الكامل لابن الأثير ط / ليدن ١٨٦٦ م ١ / ٤٩٢) ، وفيها جميعا أن الفطيون أو (الفيطوان) كان صاحبا لقبيلة زهرة ، ملكا على بني إسرائيل تدين له اليهود والأوس والخزرج وكان فاجرا لا تزف امرأة منهم إلى زوجها قبل أن تدخل عليه قبل الدخول على زوجها ، حتى جاء زفاف أخت مالك بن العجلان فاندس فيمن كان مع أخته من النساء ، وقتل الفطيون ، وهرب إلى الشام إلى ابن عمه أبي جبيلة عبيد بن سالم بن مالك الخزرجي الأثير عند ملوك غسان ، الذي أذل اليهود وجعل الغلبة للأوس والخزرج عليهم.

١٧١

مالك بن العجلان (٥٩) وهو ابن عم سالم بن عوف الخزرجي (٦٠) ، فلما قتل الملك وقعت الصيحة باليهود ، فقتلوهم أبرح القتل ، وأبقوا منهم قوما قليلا لعمارة الأراضي ، وملك الأوس والخزرج يثرب حتى بعث النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فهداهم لطاعته ، ولم يسلم قبلهم بطن من العرب ، فصارت تلك فضيلة فضلهم الله تعالى بها على كل أحد ، ثم خرجوا من يثرب مهاجرة إلى مكة ، وهم سبعون رجلا وامرأة واحدة ، فبايعوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على جمرة العقبة (٦١) جهرا. ثم قالوا : يا رسول الله ، قد اتبعناك تصديقا لقولك وإيمانا بخالقك فاشترط لربك ولنفسك. فقال : «أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، ولنفسي [أن تمنعوني] مما تمنعون منه نفوسكم وأبناءكم ونساءكم». قالوا : فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال : «الجنة». قالوا : رضينا ، فبايعوه بذلك على رؤوس الأشهاد ، وجميع الحيين من ربيعة ومضر حاضرون بمنى ، ثم قالوا : أتأمرنا يا رسول الله نميل بأسيافنا على من [في] هذه الشعاب؟ فقال صلى الله تعالى عليه وسلم : «ما أمرت بذلك» (٦٢).

__________________

(٥٩) مالك بن العجلان الخزرجي : سيد الخزرج والأوس في زمانه بالمدينة (يثرب) في الجاهلية ، اشتهر بحربه مع بني عمرو بن عوف ، وما كان بعدها ، وكان شاعرا وله قصيدة من المذهبات (الأعلام ٥ / ٢٦٣) ، و (الأغاني ٣ / ١٨ ـ ٤٠) ، و (جمهرة أشعار العرب ١٢٢).

(٦٠) سالم بن عوف الخزرجي : هو سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج ، جد جاهلي من بنيه عبادة بن الصامت أحد نقباء الأنصار ، وعدة من الصحابة ، وهو ابن عم مالك بن العجلان المترجم له في التعليق السابق (الأعلام ٣ / ٧٢) ، و (السيرة النبوية لابن هشام ١ / ٤٤٤ و٥١٤).

(٦١) جمرة العقبة : موضع رمي الجمار بمنى ، وسميت جمرة العقبة والجمرة الكبرى لأنه يرمى بها يوم النحر ، وهي في آخر منى مما يلي مكة (معجم البلدان ٢ / ١٦٢).

(٦٢) الحديث : بروايات متعددة وبالفاظ مقاربة في كتب السنة ، فكأن المصنف جمع هنا عدة أحاديث في رواية واحدة ، فبعضه في مسلم أو في (البخاري ١ / ١٢ و٢ / ٣٢٩) ، وكله قطع متفرقة في (مسند أحمد ٤ / ١١٩ ـ ١٢٠ و٣ / ٣٢٢ و٣٣٩ و٤٦١) و (حدائق الأنوار ٢ / ٣٩ ، ٤٠) و (السيرة النبوية لابن كثير عن الصحيحين ٢ / ١٧٩) و (السيرة النبوية لابن هشام ١ / ٤٣٣) و (تفسير ابن كثير ، سورة الممتحنة ، عن الصحيحين ٦ / ٦٣٥).

١٧٢

فلما رأت قريش ما كان من فعل الأوس والخزرج حاءت إليهم / بنو عمه الأقربون (٦٣) ، منهم أبو جهل (٦٤) وعتبة (٦٥) وأبو سفيان (٦٦) وشيبة (٦٧) وأبيّ (٦٨)

__________________

(٦٣) في الأصل : الأقربين ، ولم أعثر لهذا الخبر ولا للحديث بعده على أصل فيما رجعت إليه من مصادر ، والذي في كتب السيرة : أن العباس ، وكان على دين قومه صاحب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم للقاء الأنصار في العقبة ، وكان أول المتكلمين في الاستيثاق من العهود ، وأما الاجتماع الذي كان فيه أبو جهل ، فكان في دار الندوة ومعهم إبليس ، بزي الشيخ النجدي ، لقتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأما متابعة قريش للأوس والخزرج ، فكان للتأكد من مبايعتهم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونهيهم عن ذلك ، لا لضرب الأجل الذي أشار إليه المصنف هنا ، والله أعلم. (السيرة النبوية لابن كثير ٢ / ١٩٧ ـ ٢٠٨) و (السيرة النبوية لابن هشام ١ / ٤٤١ ـ ٤٥٢) و (حدائق الأنوار ١ / ٣٥٦ ـ ٣٥٩).

(٦٤) أبو جهل (... ـ ٢ ه‍) ـ (... ـ ٦٢٤ م) : هو عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي : أشد الناس عداوة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في صدر الإسلام ، وأحد سادات قريش وأبطالها ودهاتها في الجاهلية ، أدرك الإسلام ، وكان يقال له : (أبو الحكم) فدعاه المسلمون (أبو جهل). (الأعلام ٥ / ٨٧).

(٦٥) عتبة (... ـ ٢ ه‍) ـ (... ـ ٦٢٤ م) : هو عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، أبو الوليد ، كبير قريش ، وأحد ساداتها في الجاهلية ، كان موصوفا بالرأي والحلم والفضل ، خطيبا ، نافذ القول ، أدرك الإسلام وطغى ، فشهد بدرا مع المشركين ، وقاتل قتالا شديدا ، فأحاط به علي بن أبي طالب ، والحمزة ، وعبيدة بن الحارث ، فقتلوه (الأعلام ٤ / ٢٠٠).

(٦٦) أبو سفيان (٥٧ ق ه ـ ٣١ ه‍) ـ (٥٦٧ ـ ٦٥٢ م) : هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، صحابي ، من سادات قريش في الجاهلية ، وهو والد معاوية رأس الدولة الأموية ، كان من رؤساء المشركين في حرب الإسلام عند ظهوره ، قاد قريشا وكنانة يوم أحد ويوم الخندق لقتال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأسلم يوم فتح مكة سنة ٨ ه‍ ، وأبلى بعد إسلامه البلاء الحسن ، وشهد حنينا والطائف ، ففقئت عينه يوم الطائف ، ثم فقئت الأخرى يوم اليرموك ، وعمي ، وكان من الشجعان الأبطال. قال المسيب : فقدت الأصوات يوم اليرموك إلا صوت رجل يقول : يا نصر الله اقترب ، قال : فنظرت ، فإذا هو أبو سفيان ، تحت راية ابنه يزيد ، ولما توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان أبو سفيان عامله على نجران ، ثم أتى الشام ، وتوفي بالمدينة وقيل بالشام (الأعلام ٣ / ٢٠١).

(٦٧) شيبة (... ـ ٢ ه‍) ـ (... ـ ٦٢٤ م) : هو شيبة بن عبد شمس ، من زعماء قريش في الجاهلية ، أدرك الإسلام وقتل على الوثنية ، وهو أحد الذين نزلت فيهم الآية(كَما أَنْزَلْنا عَلَى

١٧٣

وأمية (٦٩) وسهيل (٧٠) ونبيه (٧١) ومنبه (٧٢) والنضر بن الحارث (٧٣) وعمرو بن

__________________

الْمُقْتَسِمِينَ) [الحجر ١٥ / ٩٠] وهم سبعة عشر رجلا ، من قريش ، اقتسموا عقبات مكة في بدء ظهور الإسلام ، وجعلوا دأبهم في أيام موسم الحج أن يصدوا الناس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولما كانت وقعة بدر ، حضرها شيبة مع مشركيهم ، ونحر تسع ذبائح لإطعام رجالهم ، وقتل فيها (الأعلام ٣ / ١٨١).

(٦٨) أبيّ : هو أبي بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح ، استغلظ من اليمين على عقبة بن معيط إلا أن يأتي النبي عليه الصلاة والسلام فيتفل في وجهه ، ففعل ذلك عدو الله عقبة ، فأنزل الله تعالى فيهما : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ ...)(وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً) [الفرقان ٢٥ / ٢٧ ـ ٢٩] وأبي بن خلف هو الذي سار بعظم بال إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا محمد ، أنت تزعم أن الله يبعث هذا بعد ما أرمّ ، ثم فتّه في يده ، ثم نفخه في الريح نحو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : نعم ، أنا أقول ذلك ، يبعثه الله وإياك بعد ما تكونان هكذا ، ثم يدخلك الله النار ، فأنزل الله تعالى فيه (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ : مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) [يس ٣٦ / ٧٨ ـ ٧٩] (سيرة ابن هشام ١ / ٣٦١ ـ ٣٦٢).

(٦٩) أمية (... ـ ٢ ه‍) ـ (... ـ ٦٢٤ م) : هو أمية بن خلف بن وهب ، من بني لؤي ، أحد جبابرة قريش في الجاهلية ، ومن ساداتهم ، أدرك الإسلام ، ولم يسلم ، وهو الذي عذب بلالا الحبشي في بدء ظهور الإسلام ، أسره عبد الرحمن بن عوف يوم بدر ، فرآه بلال فصاح بالناس يحرضهم على قتله فقتلوه (الأعلام ٢ / ٢٢).

(٧٠) سهيل (... ـ ١٨ ه‍) ـ (... ـ ٦٣٩ م) : هو سهيل بن عمرو بن عبد شمس القرشي العامري من لؤي ، خطيب قريش ، وأحد ساداتها في الجاهلية ، أسره المسلمون يوم بدر ، وافتدي فأقام على دينه إلى يوم الفتح ، بمكة ، فأسلم ، وسكنها ثم سكن المدينة. وهو الذي تولى أمر الصلح بالحديبية ، وجاء في مقدمة كتاب الصلح : (باسمك اللهم ، هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو) وكان عمر بن الخطاب يخشى مواقفه في الخطابة ، مات بالطاعون في الشام. (الأعلام ٣ / ١٤٤).

(٧١) نبيه (... ـ ٢ ه‍) ـ (... ـ ٦٢٤ م) : هو نبيه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة السعدي السهمي القرشي ، أبو الرزام ، شاعر ، من ذوي الوجاهة في قريش قبل الإسلام ، كان نديما للنضر بن الحارث ، ثم كان هو وأخوه منبه من المقتسمين ، وهم سبعة عشر رجلا من قريش اقتسموا أعقاب مكة يصدون الناس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفيهم نزلت الآية : (كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ) [الحجر ١٥ / ٩٠] وقتل مع أخيه مشركين في وقعة بدر بين مكة والمدينة (الأعلام ٨ / ٩).

١٧٤

العاص (٧٤) ، فقالوا لهم : يا أهل يثرب ، إنا أولى منكم لأنا صلته ولحمته. فقال لهم الأوس والخزرج : بل نحن أولى به منكم لأنا وإياه نعبد ربا واحدا.

فلما رأت قريش منهم صدق الهمة وقوة العزم خافوا حدوث الشر ، فدافعوهم بالتي هي أحسن وقالوا : خلّوا بيننا وبينه على أن له الأمان والذمام

__________________

(٧٢) منبه (... ـ ٢ ه‍) ـ (... ـ ٦٢٤ م) : هو منبه بن الحجاج السهمي ، نديم جاهلي ، من أشراف قريش في الجاهلية وزنادقتها ، قال ابن حبيب : تعلموا الزندقة من نصارى الحيرة ، وكان منبه نديما لطعيمة بن عدي ، وحضر معه وقعة بدر ، ونحر منبه عشرا من الإبل ، وقتله أبو قيس الأنصاري في تلك الوقعة. وكان له أخ اسمه (نبيه) شهد بدرا معه ، وقتله المسلمون أيضا (الأعلام ٧ / ٢٨٩ ـ ٢٩٠).

(٧٣) النضر بن الحارث (... ـ ٢ ه‍) ـ (... ـ ٦٢٤ م) : هو ابن علقمة بن كلدة بن عبد مناف من بني عبد الدار ، من قريش ، صاحب لواء المشركين ببدر. كان من شجعان قريش ، ووجوهها ومن شياطينها ، له اطلاع على كتب الفرس وغيرهم ، وقرأ تاريخهم في الحيرة ، وهو أول من غنى على العود بألحان الفرس ، وهو ابن خالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولما ظهر الإسلام استمر على عقيدة الجاهلية وآذى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كثيرا ، وكان إذا جلس النبي مجلسا للتذكير بالله والتحذير من مثل ما أصاب الأمم الخالية من نقمة الله ، جلس النضر بعده فحدث قريشا بأخبار ملوك فارس ورستم وإسفنديار ، ويقول : أنا أحسن منه حديثا!! إنما يأتيكم محمد بأساطير الأولين!! وشهد وقعة بدر مع مشركي قريش ، فأسره المسلمون ، وقتلوه بالأثيل ، قرب المدينة ، بعد انصرافهم من الوقعة ، وقيل : إن النضر لم يقتل صبرا ، وإنما أصابته جراحة فامتنع عن الطعام والشراب مادام في أيدي المسلمين ، فمات. (الأعلام ٨ / ٣٣).

(٧٤) عمرو بن العاص (٥٠ ق ه ـ ٤٣ ه‍) ـ (٥٧٤ ـ ٦٦٤ م) : هو ابن وائل السهمي القرشي ، أبو عبد الله ، فاتح مصر وأحد عظماء العرب ودهاتهم وأولي الرأي والحزم والمكيدة فيهم ، كان في الجاهلية من الأشداء على الإسلام ، وأسلم في هدنة الحديبية ، وولاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إمرة جيش ذات السلاسل ، وأمدّه بأبي بكر وعمر ، ثم استعمله على عمان ، ثم كان من أمراء الجيوش في الجهاد بالشام في زمن عمر ، وهو الذي افتتح قنسرين ، وصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكة ، وولاه عمر فلسطين ، ثم مصر فافتتحها ، وعزله عثمان ، ولما كانت الفتنة بين علي ومعاوية كان عمرو مع معاوية ، فولاه معاوية على مصر سنة ٣٨ ه‍ ، وأطلق له خراجها ست سنين ، فجمع أموالا طائلة ، وتوفي بالقاهرة (الأعلام ٥ / ٧٩).

١٧٥

فلا يعرض له إلا الخير ، ولا لمن تبعه ، ومن أحب منهم أن يلحق بكم لم نمنعه ، يريدون بذلك المهاجرين ، فكرهت الأوس والخزرج.

فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : «أجيبوهم يا معشر الأوس والخزرج ، فإن الله بالغ أمره ومنجز وعده» ، فقالوا : تطيب عن نفسك يا رسول الله أن نفعل ذلك؟ قال : «نعم» ، قالوا : فالسمع والطاعة ، وضربوا بينهم أجلا أربعة أشهر ، ثم رجعوا إلى يثرب (٧٥).

فلما افترقوا همت قريش بالغدر فكفى الله تعالى نبيه شرهم ، وخرج من مكة بالوحي الذي أنزل عليه ، خائفا يترقب حتى ورد المدينة عن أمر الله له بذلك. فهذه فضيلة [ثانية].

فلما وصل إليهم صلى الله تعالى عليه وسلم هو وأصحابه المهاجرون معه سمحوا له ولجميع من وصل معه بمشاطرة الأموال ، ومن كان له زوجتان من الأوس والخزرج طلق إحداهما وزوجها بعض المهاجرين (٧٦) ، فأثنى الله تعالى عليهم بذلك فقال : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ)(٧٧)(وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر ٥٩ / ٩]. وهذه فضيلة ثالثة.

__________________

(٧٥) يراجع في بيعة العقبة هذه (سيرة ابن هشام ١ / ٤٣٨ ـ ٤٦٧) ، و (السيرة النبوية لابن كثير ٢ / ١٩٢ ـ ٢١٢) و (حدائق الأنوار ومطالع الأسرار ١ / ٣٥٦ ـ ٣٥٩) و (البخاري ١ / ٣٢٨ باب وفود الأنصار إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة وبيعة العقبة).

(٧٦) الصحيح في هذا الخبر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم آخى بين سعد بن الربيع الأنصاري وعبد الرحمن بن عوف الزهري من المهاجرين ، فعرض عليه ابن الربيع أن يناصفه أهله وماله ، فقال عبد الرحمن : بارك الله لك في أهلك ومالك ، دلني على السوق. والخبر مروي في (البخاري : باب كيف آخى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين أصحابه ، وفي مواضع أخر) ، كما رواه مسلم وأحمد ويراجع فيه (السيرة النبوية لابن كثير ٢ / ٣٢٧).

(٧٧) خصاصة : حاجة إلى ما يؤثرون به غيرهم على أنفسهم ، وقد صانوا أنفسهم عن شحها أي حرصها على المال وبخلها به فأفلحوا.

١٧٦

ثم نصروا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في جميع المواطن ، ولم يكن لهم عسكر حتى صار بينهم فسماهم الأنصار ، فصار ذلك ألزم لهم من النسب والاسم.

فهذه فضائل خصهم الله تعالى بها ثم جرى له (٧٨) ولهم صلى الله تعالى عليه وسلم من غزوات المشركين وجهاد الكافرين ما هو مشهور ومذكور في سيرة ابن هشام وغيرهما من كتب المبعث ، مما لا يحتمل بسطه بهذا المختصر ، وقام بينهم صلى الله تعالى عليه وسلم حتى توفي بالمدينة ، وهي دار الأوس والخزرج ، وهم أكثر الناس بها عددا وأعلاهم فيها يدا.

فصل [في البيعة بالخلافة لأبي بكر الصديق]

فلما توفي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أصاب الناس ما أصابهم من الفزع ، وبقي العقلاء منهم يفكرون في أمر الخلافة ، وكانت بنو هاشم ترى أنها لا تنازع في هذا (٧٩) المقام حتى إن العباس بن عبد المطلب (٨٠) قال لعلي بن

__________________

(٧٨) في الأصل : جزاله.

(٧٩) في الأصل : هذه.

(٨٠) العباس بن عبد المطلب (٥١ ق ه ـ ٣٢ ه‍) ـ (٥٧٣ ـ ٦٥٣ م) : هو العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو الفضل ، من أكابر قريش في الجاهلية والإسلام ، وجدّ الخلفاء العباسيين ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في وصفه : «أجود قريش كفا وأوصلها ، هذا بقية آبائي» ، وهو عمه ، وكان محسنا لقومه ، سديد الرأي واسع العقل ، مولعا بإعتاق العبيد ، كارها للرق ، اشترى سبعين عبدا وأعتقهم ، وكانت له سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام (وهي ألا يدع أحدا يسبّ أحدا في المسجد ولا يقول فيه هجرا) ، وشهد بيعة العقبة بصحبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان على دين قومه ، أسلم قبل الهجرة ، وكتم إسلامه وأقام بمكة يكتب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبار المشركين ، ثم هاجر إلى المدينة ، وشهد وقعة حنين ، فكان ممن ثبت حين انهزم الناس ، وشهد فتح مكة ، وعمي في آخر عمره ، وكان إذا مرّ بعمر وعثمان في أيام خلافتهما ترجّلا إجلالا له ، وأحصي ولده في سنة (٢٠٠ ه‍) فبلغوا (٣٣٠٠٠) وكانت وفاته في المدينة عن عشرة أولاد ذكور سوى الإناث ، وله في كتب الحديث (٣٥) حديثا.

١٧٧

أبي طالب (٨١) : يا بن أخي إني أرى في وجه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما كنت أراه في وجوه / بني عبد المطلب عند الموت ، فلو سألناه إن كان هذا الأمر فينا عرفناه وعرف الناس ذلك ، وإن كان في غيرنا وصّى بنا فقال علي كرم الله تعالى وجهه : ومن ينازعنا يا عم في هذا الأمر؟ واعتقد عليّ قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عند رواحه من حجة الوداع التي مات بعدها بشهرين وأيام ، وذلك أنه قال : «من كنت مولاه فعلي مولاه» (٨٢) أنه لا ينازعه أحد مع قرابته وفضله وسابقته ، وكان على هذا الرأي الزبير بن العوام (٨٣)

__________________

(٨١) علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي ، أبو الحسن (٢٣ ق ه ـ ٤٠ ه‍) ـ (٦٠٠ ـ ٦٦١ م) : أمير المؤمنين رابع الخلفاء الراشدين ، وأحد العشرة المبشرين بالجنة ، وابن عم النبي وصهره ، وأحد الشجعان الأبطال ، ومن أكابر الخطباء والعلماء بالقضاء ، وأول الناس إسلاما بعد خديجة ، ولد بمكة ، وربي في حجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يفارقه. وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد ، ولما آخى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين أصحابه قال له : «أنت أخي». وولي الخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان سنة ٣٥ ه‍ ، فقام بعض أكابر الصحابة يطلبون القبض على قتلة عثمان وقتلهم ، وتوقّى علي الفتنة ، فتريّث ، فغضبت عائشة ، وكانت وقعة الجمل سنة ٣٦ ه‍. وعزل عليّ معاوية من ولاية الشام يوم ولي الخلافة فعصاه معاوية ، وكانت موقعة صفين سنة ٣٧ ه‍ ، وافترق المسلمون ثلاثة أقسام : الأول بايع لمعاوية وهم أهل الشام ، والثاني حافظ على بيعته لعلي وهم أهل الكوفة ، والثالث اعتزلهما ونقم على علي رضاه بالتحكيم ، وكفّروا عليا فحاربهم في وقعة النهروان سنة ٣٨ ه‍ فقتلوا كلهم. وأقام علي بالكوفة دار خلافته إلى أن قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي غيلة في مؤامرة ١٧ رمضان المشهورة سنة ٤٠ ه‍ ، وروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ٥٨٦ حديثا ، وكان نقش خاتمه (الله الملك). (الأعلام ٤ / ٢٩٥).

(٨٢) رواه (الترمذي في المناقب ١٩) و (ابن ماجة في المقدمة ١١) و (أحمد بن حنبل في مسنده ١ / ٨٤ ، ١١٨ ، ١١٩ ، ١٢٢ ، ٣٣١ ، و٤ / ٢٨١ ، ٣٦٨ ، ٣٧٠ ، ٣٧٢ و٥ / ٣٤٧ ، ٣٦٦ ، ٤١٩).

(٨٣) الزبير بن العوام (٢٨ ق ه ـ ٣٦ ه‍) ـ (٥٩٤ ـ ٦٥٦ م) : الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي القرشي أبو عبد الله ، الصحابي الشجاع ، أحد العشرة المبشرين بالجنة ، وأول من سل سيفه في الإسلام ، وهو ابن عمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أسلم وله ١٢ سنة ، وشهد بدرا وأحدا وغيرهما.

وكان على بعض الكراديس في اليرموك ، وشهد الجابية مع عمر بن الخطاب. وكان في صدره أمثال العيون من الطعن والرمي ، وجعله عمر فيمن يصلح للخلافة بعده ، وكان موسرا ، كثير

١٧٨

وعمار بن ياسر (٨٤) وبريدة الأسلمي (٨٥) والمقداد بن الأسود البهراني (٨٦) وسلمان الفارسي (٨٧) وأبو ذر الغفاري (٨٨).

__________________

المتاجر ، خلف أملاكا بيعت بنحو أربعين مليون درهم ، قتله ابن جرموز غيلة يوم الجمل بوادي السباع على ٧ فراسخ من البصرة ، له ٣٨ حديثا. (الأعلام ٣ / ٤٣).

(٨٤) عمار بن ياسر بن عامر الكناني المذحجي العنسي القحطاني ، أبو اليقظان (٥٧ ق ه ـ ٣٧ ه‍) ـ (٥٦٧ ـ ٦٥٧ م) : صحابي ، من الولاة الشجعان ذوي الرأي ، وهو أحد السابقين إلى الإسلام والجهر به ، هاجر إلى المدينة ، وشهد بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يلقبه (الطيب المطيب) وفي الحديث : «ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما» ، وهو أول من بنى مسجدا في الإسلام (بناه في المدينة وسماه قباء) وولاه عمر الكوفة ، فأقام زمنا وعزله عنها ، وشهد الجمل وصفين مع علي. وقتل في صفين وعمره ٩٣ سنة ، له ٦٢ حديثا (الأعلام ٥ / ٣٦).

(٨٥) بريدة الأسلمي (... ـ ٦٣ ه‍) ـ (... ـ ٦٨٣ م) : بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي ، من أكابر الصحابة ، أسلم قبل بدر ، ولم يشهدها ، وشهد خيبر وفتح مكة ، واستعمله النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على صدقات قومه وسكن المدينة وانتقل إلى البصرة ، ثم إلى مرو فمات بها ، له ١٦٧ حديثا (الأعلام ٢ / ٥٠).

(٨٦) المقداد بن الأسود البهراني (٣٧ ق ه ـ ٣٣ ه‍) ـ (٥٨٧ ـ ٦٥٣ م) : هو المقداد بن عمرو ، ويعرف بابن الأسود ، الكندي البهراني الحضرمي ، أبو معبد ، أو أبو عمرو ، صحابي من الأبطال. هو أحد السبعة الذين كانوا أول من أظهر الإسلام ، وهو أول من قاتل على فرس في سبيل الله. وفي الحديث : «إن الله عز وجل أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم : علي ، والمقداد ، وأبو ذر ، وسلمان». وكان في الجاهلية من سكان حضرموت ، واسم أبيه عمرو بن ثعلبة البهراني الكندي. وشهد بدرا وغيرها وسكن المدينة ، وتوفي على مقربة منها ، فحمل إليها ودفن فيها ، له ٤٨ حديثا. (الأعلام ٧ / ٢٨٢).

(٨٧) سلمان الفارسي (... ـ ٣٦ ه‍) ـ (... ـ ٦٥٦ م) : صحابي من مقدميهم ، كان يسمي نفسه سلمان الإسلام. أصله من مجوس أصبهان. عاش عمرا طويلا ، واختلفوا فيما كان يسمى به في بلاده ، وقالوا : نشأ في قرية جيان ، ورحل إلى الشام ، فالموصل ، فنصيبين ، فعمورية ، وقرأ كتب الفرس والروم واليهود ، وقصد بلاد العرب ، فلقيه ركب من بني كلب فاستخدموه ، ثم استعبدوه وباعوه فاشتراه رجل من قريظة فجاء به إلى المدينة. وعلم سلمان بخبر الإسلام ، فقصد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقباء وسمع كلامه ، ولازمه أياما ، وأبى أن (يتحرر) بالإسلام ، فأعانه المسلمون على شراء نفسه من صاحبه ، فأظهر إسلامه ، وكان قوي الجسم ، صحيح الرأي ، عالما

١٧٩

وكان أبو بكر الصديق (٨٩) وعمر بن الخطاب (٩٠) وأبو عبيدة بن الجراح (٩١)

__________________

بالشرائع وغيرها ، وهو الذي دلّ المسلمين على حفر الخندق في غزوة الأحزاب حتى اختلف عليه المهاجرون والأنصار ، كلاهما يقول : سلمان منا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سلمان منا أهل البيت» ، وجعل أميرا على المدائن فأقام فيها إلى أن توفي ، وكان إذا خرج عطاؤه تصدق به ، ينسج الخوص ، ويأكل خبز الشعير من كسب يده ، له في كتب الحديث ٦٠ حديثا (الأعلام ٣ / ١١٢).

(٨٨) أبو ذر الغفاري (... ـ ٣٢ ه‍) ـ (... ـ ٦٥٢ م) : جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد ، من بني غفار من كنانة بن خزيمة ، صحابي ، من كبارهم ، قديم الإسلام ، يقال : أسلم بعد أربعة وكان خامسا ، يضرب به المثل في الصدق ، وهو أول من حيّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتحية الإسلام. هاجر بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بادية الشام ، فأقام إلى أن توفي أبو بكر وعمر وولي عثمان ، فسكن دمشق ، فاستقدمه عثمان إلى المدينة لشكوى معاوية والي الشام منه ، ثم أمره بالرحلة إلى الربذة من قرى المدينة ، فسكنها إلى أن مات. وكان كريما لا يخزن من المال قليلا ولا كثيرا ، ولما مات لم يكن في داره ما يكفن به ، روى له البخاري ومسلم (٢٨١ حديثا) ، وفي اسمه واسم أبيه خلاف. (الأعلام ٢ / ١٤٠).

(٨٩) أبو بكر الصديق (٥١ ق ه ـ ١٣ ه‍) ـ (٥٧٣ ـ ٦٣٤ م) : عبد الله بن أبي قحافة بن عامر بن كعب التيمي القرشي ، أول الخلفاء الراشدين ، وأول من آمن برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الرجال وأحد أعاظم العرب ، ولد بمكة ، ونشأ سيدا من سادات قريش ، وغنيا من كبار موسريهم ، وعالما بأنساب القبائل وأخبارها وسياستها ، وكانت العرب تلقبه بعالم قريش ، وحرم على نفسه الخمر في الجاهلية فلم يشربها. ثم كانت له في عصر النبوة مواقف كبيرة ، فشهد الحروب ، واحتمل الشدائد ، وبذل الأموال. وبويع بالخلافة يوم وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سنة ١١ ه‍ ، فحارب المرتدين والممتنعين عن دفع الزكاة ، وافتتحت في أيامه بلاد الشام وقسم كبير من العراق. وكان موصوفا بالحلم والرأفة بالعامة ، خطيبا لسنا وشجاعا بطلا ، مدة خلافته سنتان وثلاثة أشهر ونصف شهر ، وتوفي في المدينة ، له في كتب الحديث ١٤٢ حديثا. قيل : كان لقبه (الصديق) في الجاهلية وقيل : في الإسلام لتصديقه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في خبر الإسراء.

(الأعلام ٤ / ١٠٢).

(٩٠) عمر بن الخطاب (٤٠ ق ه ـ ٢٣ ه‍) ـ (٥٨٤ ـ ٦٤٤ م) : عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي ، أبو حفص ، ثاني الخلفاء الراشدين ، وأول من لقب بأمير المؤمنين ، الصحابي الجليل الشجاع الحازم ، صاحب الفتوحات يضرب بعدله المثل ، كان في الجاهلية من أبطال قريش وأشرافهم ، وله السفارة فيهم ، ينافر عنهم وينذر من أرادوا إنذاره ، وهو أحد العمرين اللذين

١٨٠