مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣١
من الأشرار» (٣٤).
ومنهم العلامة في «تعريف الأحياء بفضائل الإحياء» المطبوع بهامش «إتحاف السادة المتّقين» للمرتضى ، هامش ص ٣٠ : «٢٣ ـ كتاب أخلاق الأبرار والنجاة من الأشرار».
ومنهم حاجي خليفة في «كشف الظنون» : أخلاق الأبرار والنجاة من الأشرار» للإمام أبي حامد محمد بن محمد الغزّالي ، المتوفّى سنة خمس وخمسمائة (٣٥).
٦ ـ عين الحياة : ذكره السيد جلال الدين همائي في عداد الكتب المقطوع بنسبتها إلى الغزّالي ، وقال في الهامش : «ورد اسم هذا الكتاب وما قبله ـ أي شجرة اليقين ـ في فهرست موريس بويج» (٣٦).
٧ ـ خزانة سرّ الهُدى والأمد الأقصى إلى سدرة المنتهى.
يمكن أن يكون المراد به ما ذكر في «هدية العارفين» تحت عنوان «سدرة المنتهى» (٣٧).
نعم يبقى : ١ ـ السلسبيل لأبناء السبيل ٢ ـ معايب المذاهب ٣ ـ نسيم التسنيم.
يمكن أن يعثر الباحثون على هذه الثلاثة أيضاً في خزائن المخطوطات الموجودة في أرجاء العالم ، كما اتّفق عدم عثور الباحثين في خلال سنين على كتاب ثم وجدت بعد ذلك نسخ متعدّدة منه في أماكن مختلفة ، لأنّ بعض خزائن المخطوطات إلى الآن غير مفتوحة للباحثين ، كخزائن المخطوطات في الصين و بعض المدن في الإتّحاد السوفيتي ، وغيرها من البلدان.
هذا ، و يجدر بنا أن نذكر أنّ مؤلّفات الغزالي قد اُحرقت في كثير من البلدان بأمر الاُمراء وفتوى الفقهاء ، من الحنابلة والأحناف والمالكية ، و أفتوا بحرمة مطالعتها لأسباب مختلفة.
يذكر السيد جلال الدين همائي قضية إحراق كتب الغزّالي وقتل أتباعه عن ابن خلّكان والسبكي في طبقات الشافعية وغيرها ، ونحن نكتفي بذكر خلاصة ما أورده
_____________________________
(٣٤) ريحانة الأدب ، ج ٤ ص ٢٣٨.
(٣٥) كشف الظنون ج ١ ص ٣٦.
(٣٦) غزالي نامه ص ٢٥٦.
(٣٧) هدية العارفين ، ج ٢ ، ص ٨٠.
عن ابن خلّكان في ذيل ترجمة يوسف تاشفين : «علي بن يوسف بن تاشفين ، المتولّد في ١١ رجب ٤٩٦ ، المتوفّى ٧ رجب سنة ٥٣٧ هجرية ، ملك المغرب ـ أي الأندلس ومراكش ـ كان شديد التعصّب في مذهب المالكي و مخالفاً للمنطق والفلسفة ، فأمر بجمع كتب الغزّالي ، و إحراقها ، وقتل أتباعه ومن يسلك سبيله» (٣٨).
فعلى هذا يمكن أن يقال : إنّ بعض هذه الكتب لم تصل إلينا لهذا السبب.
و ختاماً نشكر الباحث الفاضل الذي أتاح لنا هذه الفرصة ، فأنفقنا فيها سويعات في عالم التراث الممتع المدهش.
|
والله الموفّق. |
_____________________________
(٣٨) غزالي نامه ص ٤٤٢ ، طبع طهران سنة ١٣٨٢ هـ.
من التراث الادبي المنسي في الاحساء |
الشيخ جعفر الهلالي |
إنّ ممّا يؤسف له حقّاً : أنّ هذه الرقعة من الأرض والتي عرفت بـ (الأحساء) اليوم ، وقد كانت تعرف قديماً بـ (هجر) ، أو (هجر البحرين) ، والتي إليها يشير المثل المشهور «كناقل التمر الى هجر» قد أغفلها الدارسون والمتصدّون لكتابة التاريخ والآداب بالخصوص.
يقول أحد أبناء تلك المنطقة : «فأنت إذا جئت تبحث في صفحات التاريخ فلا تجد ما يبرّد ظماك ولا ما يبلّ صداك ، وليس حظّك من كتب التراجم والآداب بأحسن من حظّك من صفحات التاريخ».
نعم أغفل التاريخ هذه الرقعة ، ولكنّ الحقيقة لابدّ أن تظهر ولا بدّ أن تبرز ولا بدّ أن تأخذ محلّها الذي قدّر لها ، كما أخذت حقّها من الشمس المنيرة التي تشرق عليها في نهارها ، ومن القمر الذي يضيء عليها في ليلها ، و يسايرانها في ركب الزمن إلى أن يشاء الله سبحانه في انتهائه !
إنّ الحقيقة تقول : إنّ
هذه الرقعة مشى عليها بشر لهم عقولهم المفكرة التي منحهم الله إيّاها ، كما منح غيرهم من البشر ، فساهموا في الحركة العلمية بجميع
فنونها من فقه وغيره ، كما ساهموا في الحركة الأدبية بجميع فنونها من نثر و شعر ، ولم يتخلّف
ركبهم في ذلك عن ركب غيرهم من الاُمّة الإسلامية وغيرها ، فهم قد طبّقوا قوله صلّى الله
عليه وآله : «اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد» ، كما لزموا القول المأثور : إنّ من
الجهل أن يعيش الإنسان في الجهل ، كلّ هذا و إن تنكّرت كتب السيرة لكثير منهم ، ولم تتنكّر لمن
لا
يستحقّ الذكر.
نعم لا اُغمض أنّ البعض دوّن عن بعضهم ولم يغفل أن يسجل اسمه في كتابه ، فكتب عن الشيخ فلان : وكان من أهل الفضيلة عالماً فاضلاً. وكتب عن آخر : الشيخ فلان من أعلام الشعر وله شعر كثير. ولكنه تناسى أن يكتب عن ذاك بذكر شيء من مؤلّفاته ، كما تناسى في هذا أن يذكر شيئاً من شعره.
(وعلى سنن من مضى درج من أتى بعده ، والحقيقة غير هذا ، فهناك العشرات ممّن ساهم في حمل الرسالة العلمية ، وهناك العشرات ممّن ساهم في الأدب وخلّد له الزمن من شعره مهما أغفله كتّاب العصر) (١).
و ممّا يؤيّد هذا الرأي أنّه صدر قبل فترة ديوان باسم «ديوان هجر» ، جمع فيه صاحبه أشعار جماعة من شعراء الأحساء ، وهي خطوة حسنة ، وكنت أظنّ أنّ هذا الديوان سيحتضن بين دفّتيه قصائد و أشعاراً لبعض هؤلاء الشعراء المنسيّين ـ على الأقل ـ ضمن من تصدّى لنشر شعرهم في هذا الديوان ، ولكن يظهر أنّ العامل المذهبي عند جامع الديوان كان قد أثّر عليه فأسقط من حسابه أن يعن بنشر شعر هؤلاء الشعراء ، أو ذكرهم ولو ببعض ما يدلّ على وجودهم كشعراء يعيشون في هذه المنطقة ، ولكنّ شيئاً من هذا لم يحصل.
وهذا العامل في إغفال هذا النوع من الشعراء كان قد تأثّر به غير واحدٍ من كتّاب الأدب و أصحاب المعاجم ، فالمعروف عن صاحب كتاب «نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب» أنّه أهمل الكثير من الشعراء الّذين عرفوا بموالاتهم لأهل البيت عليهم السلام ، وهكذا الحال بالنسبة لصاحب «الذخيرة» العماد الإصفهاني ، فقد أسقط هو الآخر من حسابه مجموعة من هؤلاء الشعراء ، وعلى هذه الوتيرة مضى الثعالبي في «اليتيمة» ، والميداني في «معجم الاُدباء» ، وسنتناول هذا الموضوع بالتفصيل في مقدّمة كتابنا «معجم شعراء الحسين عليه السلام».
والذي نحن بصدده الآن هو ضياع هذا الأدب لمدينة الأحساء ، و نسيانه.
و تتلخّص الأسباب بما يلي :
_____________________________
(١) مابين القوسين مقتبس من كلمة للعلّامة الشيخ باقر الهجري أحد علماء الأحساء ، كان قد صدّر به ديوان أحد شعراء الأحساء وهو الخطيب الشاعر الشيخ كاظم بن مطر.
١ ـ عدم تصدّي الدارسين للتأريخ والأدب ، وعدم التوجّه منهم ، و إغفالهم هذه المنطقة إلّا القليل النادر ، كما اُشير له سابقاً.
٢ ـ التأثّر بالعامل المذهبي لدى بعض من تصدّى لجمع شعر شعراء هذا القطر كما بيّنّا ذلك.
٣ ـ عامل الخوف الذي ساد رجال العلم والأدب في تلك البلاد ، وهذا ناتج عن الحملة الوهّابية في أول مجيئها ، فقد تعرّض الناس و أهل العلم والأدب ـ بالخصوص ـ الى الإمتهان والقتل أحياناً ، ممّا دعا البعض من رجال العلم والأدب أن يغادروا وطنهم و يهاجروا إلى سائر البلدان كإيران والعراق والبحرين وغيرها ، و اضطرّ الباقون إلى إخفاء مالديهم من تآليف علميّة أو دواوين شعريّة ، و ذلك بدفنها في الأرض.
و أما ما سلم من هذا التراث وانتقل إلى يد الورثة من أبناء العلماء والاُدباء ، فقد قام هؤلاء بسبب العامل نفسه بإتلاف ما ورثوه من تلك المأثورات العلميّة والأدبيّة وخصوصاً الشعر منها ، و إذا أحسنوا رموها بين سفوح الجبال أو وضعوها في المساجد مع نسخ القرآن الممزّقة.
٤ ـ جهل من انتقل إليهم ذلك التراث ، وحرص بعضهم حتى تلف كثير من تلك الكتب والدواوين ، ولعلّ الجهل والحرص لم يختصّا ببلاد دون اُخرى ، فهناك الكثير من التراث العلمي والأدبي قد ضاع في كثير من البلدان لهذا السبب أيضاً.
و بالرغم من كلّ هذا فقد وقفت في إحدى سفراتي الى بلاد الأحساء على مجموعة لا بأس بها من الآثار الأدبيّة والدواوين الشعريّة لبعض الشعراء هناك ، وقد نقلت كثيراً من القصائد والمقاطيع الشعريّة و بعض البنود ، وقد استنسخت بعض الدواوين بكاملها ، من ذلك ديوان الشيخ محمد البغلي من شعراء القرن الثالث عشر... و كثير من شعراء هذا القرن والقرن الذي قبله ، وممّن نقلت كثيراً من قصائده و تخاميسه و تشطيره الشيخ عبدالله الصايغ ، كما نقلت له ملحمة مطوّلة في المعصومين الأربعة عشر ، تبلغ ١٥٢٦ بيتاً حسب تعداد الشاعر لأبيات تلك الملحمة ، و إن كان الذي وقفت عليه من أبيات تلك الملحمة يربو على هذا العدد بمائة بيت تقريباً.
وقد جارى فيها الشاعر
قصيدة الملّا كاظم الاُزري ، وقد أشار الشاعر المذكور و أشاد بأفضليّة السبق له عليه ، وقد نقلتها عن نسختين مخطوطتين موجودتين لدى بعض المؤمنين في الأحساء ، وقد شرحت بعض كلماتها اللغويّة ، وها أنا أغتنم هذه الفرصة
التي أتاحتها لنا نشرة «تراثنا» التي تصدرها مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، و اُقدّم للنشر جانباً من هذه القصيدة ليطلع عليها جمهورنا المسلم ، عسى أن تتهيّأ فرصة أكبر لنشرها بكاملها إن شاء الله ، فوفّق الله العاملين في هذا الحقل و بارك هذه المساعي إنّه سميع الدعاء.
|
الخطيب الشيخ جعفر الهلالي |
الشاعر :
هو الشيخ عبدالله بن علي بن عبدالله الوايل الأحسائي المعروف بـ «الصائغ».
ولد الشاعر في الهفوف عاصمة الأحساء ، في حدود النصف الأول أو بعده بقليل من القرن الثالث عشر ، ولم يحدّد بالضبط تأريخ ولادته ، غير أنّه كان حيّاً عام ١٢٨١ هـ ، وهو تأريخ الفراغ من نظم ملحمته الشعريّة ، كما أرّخها هو في آخر أبياتها.
والشاعر ، بالإضافة الى ملكته الشعريّة ، كان أحد العلماء المحصلين ، أخذ دراسته العلميّة في مدينة الأحساء على يد علمائها آنذاك ، ومنهم الشيخ محمد أبو خمسين (١) فقد أخذ عنه الفقه والحكمة ، ولا يدرى هل سافر الى النجف أم لا ؟
آثاره :
للشاعر المذكور من الآثار المخطوطة ما وقفت عليه في الأحساء عند بعض المعنيّين بجمع تراث الأحساء ـ وخصوصاً الأدبي منه ـ وهي كما يلي :
١ ـ ديوان شعر كبير يتألّف من ثلاثة أجزاء في مختلف الأغراض والمواضيع.
٢ ـ كشكول كبير في مجلّدين سقطت أكثر أوراقه أو تلفت.
٣ ـ نهج الاُزريّة ، وهي الملحمة التي سنقدم جزءاً منها للقارئ : تشتمل على أكثر من (١٥٠٠) بيت من الشعر ، كما توجد له ثلاثة بنود ، في التوحيد ، والنبوّة ، والإمامة.
وفاته :
توفّي الشاعر في قرية «سيهات» إحدى قرى مدينة القطيف ، وكانت وفاته سنة ١٣٠٥ هـ.
_____________________________
(١) اُسرة آل أبي خمسين من الاُسر العلميّة المعروفة في مدينة الهفوف بالأحساء ، أشهرهم الشيخ موسى أبو خمسين.
«قصيدة نهج الاُزرية»
الفصل الأول
في التشبيب والغزل
هذه رامةٌ (١) وهذي رباها |
|
فاحبسا الركب ساعةً في حماها |
و أنيخا بها المطايا وميلا |
|
للثرى وانشقا أريج (٢) شذاها (٣) |
وقفا بي ولو كلوث إزار |
|
علَّ نفسي تنال منها مناها |
و اُسائِلْ طلولَها عن ظعونٍ |
|
سار قلبي لسيرها وتلاها |
و اُؤدّي لها يسيرَ حقوقٍ |
|
من كثير و أين منّي أداها |
بمغانٍ (٤) حوت لحسنِ غوانٍ (٥) |
|
تتوارى الشموس تحت ضياها |
من ظباءٍ كوانسٍ (٦) بخدورٍ |
|
حجبتها ليوثها بضباها |
يا خليليَّ لا تلوما خليعاً |
|
خلعتْ نفسهُ غرامَ سواها |
واسعداني ـ سُعدتما ـ في غرامي |
|
إنّ خير الصحاب صحب صفاها |
(١٠) أو دعاني بها أبُثُّ شجوناً |
|
كَلَمت (٧) مهجتي كلوم (٨) مُداها (٩) |
أنا فيها متيمٌ (١٠) وغرامي |
|
شاهد أنّني قتيل هواها |
_____________________________
(١) رامة : اسم مكان تخيّله الشاعر مسكناً لأحبّائه الذين تغنّى بهم في مستهلّ قصيدته.
(٢) الأريج ، توهّج ريح الطيب ، تقول : أرج الطيب ، أي فاح.
(٣) الشذا : حدّة ذكاء الرائحة.
(٤) المغاني : جمع مغنى ، وهي المواضع التي كان بها أهلوها.
(٥) الغواني : جمع غانية ، وهي الجارية التي غنيت بحسنها وجمالها.
(٦) الكوانس : جمع كانِس ، وهو الظبي في (كناسِه) ، وهو موضعه في الشجر يكتنّ به و يستتر.
(٧) كَلَمت : أي جرحت.
(٨) الكُلوم : هي الجروح.
(٩) المُد : جمع مدية وهي الشفرة.
(١٠) يقال : تيّمه الحب : عبّده و ذلّله.
كيف تهوى الملامَ نفسُ معنّىً |
|
كثرة اللوم في الهوى أغواها |
ما لِنفسي و للسلوّ وهذا |
|
دمعُها أهرقته سرب دماها (١١) |
صيّرته خضابها لا كُفٍّ |
|
وخدود قد صرت من قتلاها |
لست أنسى ـ وكيف أنسى ـ !؟ زماناً |
|
قد تجلّت أيّامه بصفاها |
وليالٍ قد أقمرت (١٢) بوصالِ العينِ (١٣) |
|
من غيدِها (١٤) و شطَّ نواها |
زمن أينعت ثمارُ الأماني |
|
ليَ فيه و أتحفتني جناها (١٥) |
حيث لم نلف واشياً ورقيباً |
|
نتّقي منهما وقوع جفاها |
فتولّى كأنّه ومضةٌ (١٦) من |
|
برقةٍ أو كخفقةٍ (١٧) من كراها (١٨) |
يا رعى الله تلك أوقات اُنسي |
|
تَمَّ حسنُ الزمان من حسناها (٢٠) |
كم به من لبانةٍ (١٩) أنعشتْنا |
|
باجتِنا صفوها بوصل مَهاها (٢٠) |
فقضينا به مناسكَ عشقٍ |
|
حيث إحرامنا بلبس هواها |
ثم قد ضمّنا معرَّسُ وصل |
|
فأفضنا به لورد لُماها (٢١) |
ثم حلّت نفوسنا مشعر الأمن ونالت من بعد ذاك مُناها |
||
فنحرنا هديَ الجوى (٢٢) وحَلقنا |
|
من وشاةٍ لنا شعور رجاها |
وقذفناهم برميِ جمار البعدِ عنّا فأحرقتهم لظاها (٢٣) |
_____________________________
(١١) الدُّمى : جمع دمية ، وهي الصنم والصورة من العاج.
(١٢) أقمرت : أضاءت ، يقال : ليلة قمراء أي مضيئة.
(١٣) العين جمع أعين : وهو واسع العين ، والمرأة عيناء.
(١٤) الغيد : جمع غادة : وهي المرأة أو الفتاة الناعمة الليّنة الأعطاف ، وكذلك الغيداء وهي بيّنة الغيد.
(١٥) الجنى : ما يجتنى من الشجر ، يقال : جنى الثمرة أي تناولها من شجرتها.
(١٦) يقال : ومض البرق اي لمع لمعاً خفيّاً ولم يعترض في نواحي الغيم.
(١٧) يقال : خفق الرجل أي حرّك رأسه وهو ناعس.
(١٨) الكرى : النعاس.
(١٩) اللبانة : الحاجة.
(٢٠) المها بالفتح : جمع مهاة ، وهي البقرة الوحشية.
(٢١) اللم : سمرة أو سواد في باطن الشفة يُستحسن.
(٢٢) الجوى : الحرقة و شدّة الوجل.
(٢٣) اللظى : النار ، ولظى أيضاً : إسم من أسماء النار معرفة لا ينصرف.
ثم طفنا بكعبةِ الحسنِ منها |
|
واعتكفنا بها بهجرِ سواها |
واستلمنا لأسودِ الخالِ منها |
|
و شِفاهٍ قد أنعشتنا شِفاها (٢٤) |
وسعينا بصفوِ عيشٍ هَنِيِّ |
|
مَرِءٍ (٢٥) لا بمروةٍ وصفاها |
(٣٠) فأراشت (٢٦) لنا الليالي سهاما |
|
من صروف النوى (٢٧) فجدَّ جفاها |
فتداعت إلى الفراق رفاقُ الاُنسِ منّا وَ نوَّهَت بدعاها |
||
وجرى ما جرى ولا تسألا عن |
|
حال أهل الهوى غداة نواها |
فلكم ثَمَّ من قلوب تهاوت |
|
مصعقات (٢٨) لفرط روعِ عراها |
وقلوب تطايرت لو شيك البَين (٢٩) منّا كأنَّ نافٍ نفاها |
||
لست أنسى على النقى (٣٠) وقفةَ التوديعِ والعينُ لا يكف بكاها |
||
ثم سارت مطيُّهم تذرع البيدَ ولكن قلوبنا تِلقاها |
||
وانثنينا بصفقةِ (٣١) الغُبْنِ (٣٢) ظُمياً |
|
للقاها و أين منّا لقاها |
وكذا عادة الزمان بأهلِ الفضلِ لازال مولعاً بجفاها |
||
فاسألاني به فإنّي خبير |
|
ذقتُ أحوالَهُ على استقصاها |
(٤٠) برقهُ خُلَّبٌ (٣٣) و سُحبُ أياديه جهامٌ (٣٤) لمن يروم استقاها (٣٥) |
||
لم يَهَبَ نعمةً بلا سلب اُخرى |
|
لبنيه ولا يدوم بقاها |
_____________________________
(٢٤) يقال : شافهه شفاهاً و مشافهةً ، أي خاطبه فاه إلى فيه.
(٢٥) يقال : مَرِءَ الطعام أي صار مريئاً.
(٢٦) أراش السهم : ألزقَ عليه الريش.
(٢٧) النوى : البُعد.
(٢٨) يقال : صعق الرجل أي غشي عليه.
(٢٩) البين : الفراق.
(٣٠) النقى : مقصور ، وهو كثيب الرمل.
(٣١) يقال : صفق له بالبيع والبيعة ، أي ضرب يده على يده ، و بابه ضرب ، و يقال : ربحت صفقتك للشراء ، وصفقة رابحة وصفقة خاسرة.
(٣٢) الغُبن : الخداع والغلبة ، يقال : غبنه في البيع أو الشراء ، أي خدعه وغلبه.
(٣٣) يقال : برق خُلَب وسحاب خُلّب الذي لامطر فيه كأنّه خادع ، ومنه قيل لمن يعدُ ولا ينجز : إنّما أنت كبرق خُلّب.
(٣٤) الجهام بالفتح : السحاب الذي لاماء فيه.
(٣٥) استقى استقاءاً : طلب ما يشربه.
من عذيري له !؟ وفي كلّ آنٍ |
|
تنتحيني صروفُه (٣٦) بعناها |
مستطيلاً بخفض (٣٧) قدري ولم يدرِ بأني من المعالي فتاها |
||
موقفي فوقَهن ناشٍ وطفلاً |
|
قد غذتني بَدرها ثدياها |
ولئن نابني بخفضِ مقامي |
|
بعيونٍ داعي الغو (٣٨) أغواها |
لايعاب الإكسير (٣٩) يوماً إذا ما |
|
جهلته من الورى جهلاها |
الفصل الثاني في التخلّص إلى المدح و يبدأ بمدح النبيّ صلّ الله عليه وآله
كيف لا تملك المعاليَ نفسٌ |
|
حبُّ طٰه بنوره زكّاها (٤٠) |
احمد المصطفى أجلّ نبيٍّ |
|
بعث الله للورى لهداها |
علّة النشأتين فيمن يرى الله ومولى وجودها وفناها |
||
ذات قدسٍ تذوقت كلُّ ذاتٍ |
|
من هيولى (٤١) هياكل حلّاها (٥٠) |
هو في الكائنات أوّل نفسٍ |
|
برأ الله كنهها فاجتباها (٤٢) |
وحباه (٤٣) من فضله بمعالٍ |
|
عرك (٤٤) النَيّراتِ أدنى علاها |
ما اصطفى في العباد شخصاً سواه |
|
للعبوديّة التي يرضاها |
ثم آتاه ما يشا من علوم الملكوتيّةِ (٤٥) التي أبداها |
_____________________________
(٣٦) إنتحى : بمعنى قصد ، يقال : انتحى الرجل أو الشيء : قصده و تنتحيني هنا بمعنى تقصدني.
(٣٧) خفض : ضد رفع.
(٣٨) الغوى : الضلال ، و اغوى بمعنى أضلّ.
(٣٩) الاكسير : ما يلقى على الفضة ونحوها فيحوّلها الى ذهب خالص ، والكلمة يونانية ، وقال في تاج العروس : الاكسير ـ بالكسر ـ : الكمياء.
(٤٠) زكّى : بمعنى طهّر و أصلح ، يقال : زكاه الله ، أي طهّره و أصلحه.
(٤١) الهيولى من المصطلحات الفلسفية ـ يونانية ـ جمع هيولات : المادة الأولى.
(٤٢) إجتباه : إختاره و اصطفاه.
(٤٣) يقالُ : حباه بكذا ، أي أعطاه إيّاه بلا جزاء ، ومنه الحُبوَة والحَبوة والحِبوة وهي العطية.
(٤٤) يُقال : عركَ عركاً الأديم : دلكَه ، والشيء : حكّه حتّى عفّاه.
(٤٥) الملكوت : يطلق على الملك العظيم ، العزّ والسلطان ، والسماويّ.
بل و أنهىٰ اليه خيرَ مزاياً |
|
كبرت رفعةً بأن تتناها |
عالَمٌ عالِمُ السرائرِ أسرى (٤٦) |
|
سرَّه في عوالمٍ أنشاها |
جاء للانبياءِ منها يسيرٌ |
|
فيه قد فُضِّلَتْ على من سواها |
جمع الله فيه كلَّ كمالٍ |
|
أخذت عنه كلُّ نفسٍ هداها |
أوّل السابقين في حلبةِ (٤٧) الفضلِ ومصباحُ أرضِها وسماها |
||
(٦٠) نَيِّرٌ أشرق الوجودُ بإشراقاتِ أنوار عزّةٍ جلّاها (٤٨) |
||
و به قرَّتِ القوابلُ طرّاً |
|
بقبولِ الوجودِ عند دعاها |
واستقامت به السمٰوات والأرضُ ومن فيهما بحسنِ استواها |
||
مَلِكٌ مُلكُه الممالكُ لا بل |
|
هو قيّومُها (٤٩) الذي يرعاها |
وهو ناموسُها (٥٠) العليمُ بما قد |
|
عملتْهُ بجهرِها و خفاها |
وهو الكِلْمَةُ التي انزجر العمقُ لها واستقام من جدواها |
||
عيلمٌ فاض للعوالمِ منه |
|
خيرُ فيضٍ حَوَتْ به نعماها |
كلُّ ما في الوجودِ من كائناتٍ |
|
ذوالمعالي لأجله سوّاها |
وكفاه على الخلائقِ طُرّاً |
|
أنّه كان في العُلىٰ مصطفاها |
وله اشتقَّ ذوالجلالة من أسمائِهِ اسماً سمت به حسناها |
||
(٧٠) فهو في خلقِهِ الحميدُ وهذا |
|
(أحمد) ياله عُلىً لا يُضاها |
سرّ فضلٍ لمّا يطقْ كتمهُ الغيبُ |
|
لأسرار حكمةٍ قد حواها |
لم يزل في عوالمٍ منه يجري |
|
في بحورٍ به اُفيضَ نداها |
_____________________________
(٤٦) أسرى إسراءاً : سار ليلاً ، و أسر به : سيّره ليلاً ، والكلمة هنا لا تدلّ على غرض الشاعر ، وهي كذا وردت في الأصل.
(٤٧) يقال : هو «يركض في كلّ حلبة من حلبات الجد» أي في كلّ سباق المجد ، و أصل الحلبة تطلق على الدفعة من الخيل في الرهان خاصة ، والخيل تجمع للسباق.
(٤٨) جلّى الأمر : أظهره.
(٤٩) القيّوم والقيّام : الذي لابدء له والقائم بذاتِه ، وهما من أسمائه تعالى ، والشاعر أطلق الكلمة على النبي ـ صلّ الله عليه وآله ـ إطلاقاً مجازيّاً ، و ذلك لما أعطى الله نبيّه من قيمومة على الكائنات والخلائق.
(٥٠) الناموس : يقال ناموس الرجل صاحب سرّه ، الذي يطلعه على باطن أمره و يخصّه بما يستره عن غيره ، وعليه فمعنى الناموس هنا بقول الشاعر : أنّ الرسول ـ صلّ الله عليه وآله ـ هو الذي أطلعه الله على غيبه ، واختصّه بما لم يخصّ به غيره.
فأتى عالَم الشهادةِ هادٍ |
|
اُمماً قادها دواعي غَواها |
فبدا في سما الرسالةِ شمساً |
|
مشرقا فوقَ كلِّ شيءٍ ضِياها |
جاء منه لها ولم تَبْدُ آياتٌ عظامٌ بَهَرْنَ (٥١) مَن قَدْ رآها |
||
كتهاوي شُهبِ السَّما وهي تنبي |
|
أنّه للعِدى شهابُ رداها (٥٢) |
وانشقاق الإيوانِ يُنبئُ عنه |
|
أنّه بالهدى يشقُّ عصاها |
وانطِفا (٥٣) نارِ فارسٍ عنه مُنْبٍ |
|
أنّه آن من لظاها انطفاها |
واغتدت باسمه الهواتف تدعو |
|
معلناتٍ و فَوَّهت (٥٤) بنداها |
و أتتْ اُمَّهُ البشائرُ منها |
|
أنّه في الورى بشيرُ هداها (٨٠) |
ورأتْ من كرامةِ الله منه |
|
ما اُقِرَّتْ بنيلِهِ عيناها |
وتهاوى لدى ولادتهِ عن |
|
كعبةِ الله كلُّ جبتٍ (٥٥) علاها |
وسرى منه في فلاسفةِ الكهّان (٥٦) حتفٌ (٥٧) أبادها فاختلاها (٥٨) |
||
و به الماردون (٥٩) نالت دحوراً (٦٠) |
|
و ثبوراً (٦١) به تحسّت رداها |
ومن الحجب بالبشارةِ جبرائيلُ بأملاكِها الغُرِّ فاها |
_____________________________
(٥١) يقال بَهره بهراً : غلبه و فضله ، و بهر القمر : غلب ضوءهُ ضوء الكواكبِ و بهرت فلانةُ النساء : غَلَبتهنّ حسناً.
(٥٢) الرّدى : الهلاك.
(٥٣) يريد : وانطفاء ، فحذف الهمزة للضرورة الشعريّة.
(٥٤) يقال : فاه فوهاً بكذا : نطق به ، و تفوّه بكذا نطق به أيضاً ، ومنه الخطيب المفوّه : المنطيق البليغ الكلام.
(٥٥) الجبت : الصنم.
(٥٦) الكهّان جمع كاهن : وهو من يدّعي معرفة الأسرار أو أحوال الغيب.
(٥٧) الحتف جمعه حتوف : الموت.
(٥٨) يقال : اختليته أي قطعته.
(٥٩) الماردون جمع مارد : وهو ذو المرود العاتي ، كأنّه تجرّد من الخير ، ومراد الشاعر هم مردة الشياطين الّذين كانوا يصعدون في السماء يسترقون السمع فلمّا قارب زمن النّبوة عند ولادة النبي ـ صلّ الله عليه وآله ـ حيل بينهم و بين ذلك ورجموا بالشُّهب.
(٦٠) يُقال : دحره دَحْراً و دحوراً : طرده و أبعده.
(٦١) يقال : ثبره ثبوراً : أي أهلكه.
و به الأرض أشرقت واستطالت (٦٢) |
|
ـ إذ أتاها ـ على علوٍ سماها |
و به مكّةٌ على كلِّ شيءٍ |
|
فخرتْ إذ حواه منها فناها |
وحقيقٌ بها إذ افتخرت بالمصطفى أحمدٍ على من سواها |
||
قد حوت سؤدداً تودُّ دراري الشهبِ منه تكون من حصباها |
||
(٩٠) إذ حوت سيّدَ السمٰواتِ والأرضِ ومختارَ خالقٍ سوّاها |
||
كعبة الفاضلين في كلِّ فضلٍ |
|
بل وناموسها الذي ربّاها |
إن يكن جاء للنبيّين ختماً |
|
فلقد كان في الوجودِ أباها |
ما أتى آخراً سوى لمزاياً |
|
فيه ذوالعرش حكمة أخفاها |
إذ هو العالِمُ المفيضُ عليها |
|
كلَّ علمٍ أتى به أنبياها |
فهي عنه بكلِّ عصرٍ تؤدّي |
|
ما من الرشد للبرايا عناها |
فلذا ما حوته من مكرماتٍ |
|
وجلالٍ إليه يُعزىٰ انتهاها |
سل به آدماً فكم من أيادٍ |
|
من جلالٍ إليه قد أسداها |
و به تاب ذوالجلالِ عليه |
|
إذ جنى من خطيئةِ حوباها |
وله أسجدَ الملائك والأسماء طرّاً لحفظِهِ أملاها |
||
(١٠٠) وله نال بالسفينة نوحٍ |
|
خيرَ عقبى وفلكه نجّاها |
والخليلُ اغتدتْ له النارُ برداً |
|
وسلاماً به و أطفى لظاها |
و هو سرُّ العصا لموسىٰ فألقتْ |
|
عنده الساحرون سِلماً عصاها |
ولعيسى أعار سرّاً فأحيا |
|
من قبور دوارسٍ موتاها |
كم له في العلى سوابقُ فضلٍ |
|
مستحيلٌ على العِدادِ انتهاها |
يعجز العَدُّ عن مناقبِ نفسٍ |
|
ذو المعالي لأجله سوّاها |
فهي صنعٌ له وكلُّ البرايا |
|
احكمتْ صنعَها البديعَ يداها |
ظهرت باسمِه العظيم فكلٌّ |
|
خاضعٌ تحت مُجتلى كبرياها |
أنبأ الخلقَ سورةُ النور عنه |
|
نبأ كالشموس رادَ ضحاها |
تاه في وصفه الخلائقُ طرّاً |
|
وحقيقٌ بوصفه أن يتاها |
(١١٠) صاغة الله جوهراً وهيَ منه |
|
عرضاً منه كونُها قد أتاها |
_____________________________
(٦٢) استطال هنا : بمعنى طال ، وهو متعدٍّ ، و ـ سماها ـ مفعول لاستطالت.
سيّدٌ واجبُ الوجودِ (٦٣) إليه |
|
كلُّ فضلٍ وحكمةٍ أنهاها |
ظهرت منه حكمة الله للخلق عياناً لأنّه مجتلاها |
||
مَن دعا البدرَ لانشقاقٍ فأهوى |
|
عن سماهُ و خرَّ في بطحاها !؟ |
كيف يعصيه وهو منه تحلّى |
|
حلية النورِ واكتسى أسناها |
فهو لو يدعُ جملةَ الشهبِ طرّاً |
|
من سماها لحطَّها عن سماها |
أوَ تعصيهِ ! وهي منه استنارت |
|
و استقامت به على مجراها |
حيث قد كان للوجوداتِ قطباً |
|
وعلى مجدِهِ استدارت رحاها |
ومن الوحش كلّمته اُسود |
|
ثم طُلْسٌ (٦٤) و أعربت عن ثناها |
والظّبا (٦٥) سلّمت عليه ولا غرْوَ بأن سلّمتْ عليه ظِباها |
||
و لِتلقى هواه حنّت نياقٌ |
|
وعلى مثلهِ حقيقٌ هواها (١٢٠) |
والنَّباتاتُ كلّمته و أحيا |
|
باسقاتٍ (٦٦) و أينعتْ بجناها |
والعصا أورقت لديه ولا غروَ بأن أورقَتْ لديهِ عَصاها |
||
وله الجذعُ حنَّ شوقاً كثكلى |
|
فارط (٦٧) الحزن مَضَّها وشجاها |
ومن الصخرِكم أسال عيوناً |
|
بمعينٍ تعبّ (٦٨) في مجراها |
والحصا سبّحت بكفّيه جهراً |
|
وكثيرٌ من الورى قد وعاها |
و إذا سار في الظهيرة أرخت |
|
أذيلُ السُّحْبِ فوقَه أفياها (٦٩) |
_____________________________
(٦٣) المراد بواجب الوجود : هو الله سبحانه ، وهو مصطلح أطلقه الفلاسفة الإلٰهيّون في تقسيمهم للوجود إلى ثلاثة أقسام : واجب ومستحيل وممكن ، اُنظر شرح ذلك في كتب الكلام والفلسفة الإلٰهية.
(٦٤) طُلْس جمع اطلس : وهو من أسماء الذئب ، يقال : ذئب أطلس وهو الذي في لونه غبرة إلى السواد.
(٦٥) الظِّباء جمع ظبي : الغزال للذكر والاُنثى.
(٦٦) الباسقات : النخيل ، يقال بسق النخل : طال ، ومنه قوله تعالى : « وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ » آية ١٠ : ق.
(٦٧) يقال : أفرط من الأمر ، أي جاوز فيه الحدّ ، والاسم : الفَرْط.
(٦٨) يقال : عَبّ عباباً البحرُ : كثر موجه و ارتفع ، والعُبُب : المياه المتدفقة ، والعُباب معظم السيل ، أو ارتفاع السيل.
(٦٩) الأفياء جمع فيء : ما كان شمساً فينسخه الظلّ ، وهو من الزوال الى الغروب ، وقد سمّي الظلّ فيئاً لرجوعه من جانب إلى جانب.
حُقَّ لو ظَلّلتْهُ فهو كريمٌ |
|
منه نالت حياتَها وحياها (٧٠) |
لا تَخَلْ ذا من النبيّ عجيباً |
|
فهو من آيِ فضله أدناها |
لم يَزلْ في البلادِ ينشرُ آياً |
|
ضاق منهنَّ ـ كثرَةً ـ قطراها |
(١٣٠) فدعاه اليه ذوالعرش ليلاً |
|
ليريه من آيِهِ كبراها |
ثم أسرتْ به إليه براقٌ |
|
بعروجٍ سبحان من أسراها |
وخطا عالَمَ الجوازِ ولمّا |
|
يبقَ في الكونِ ذرةً ما وطاها |
في قليلٍ أقلَّ من لمحِ طرفٍ |
|
سُبُحات الجلال قد جلّاها |
فدنا من مليكِهِ فتدلّى |
|
بفنا حضرةٍ تناهى علاها |
لم يكن بينه سوى قابِ قوسين وذات الجليل جلّ ثناها |
||
ثم ناجاه ما هناك بما شاءَ يؤدّيه للبرايا شفاها |
||
وعلى كتفِهِ امرَّ يداً قد |
|
أثلج القلب منه بردُ رواها |
وحباه من الكراماتِ مالم |
|
يحوِها غيرهُ ولا من سواها |
و إليه مفاتِحَ الغيبِ ألقى |
|
و أراه كنوزَها فاحتواها |
(١٤٠) لا رعى الله من قريشٍ بغاة |
|
ما رَعَتْهُ ولم يزلْ يرعاها |
ظاهرته ببغضِها و تولّتْ |
|
عن هداه و تابعت طغواها |
قد أراها معاجزاً ما رأتها |
|
من نبيّ ولا الزمانُ رآها |
بذلت جهدَها لاطفاءِ نورٍ |
|
منه لازال بالهدى يغشاها |
فأباه الإلٰهُ إلّا تماماً |
|
في علاه و نقصِها وانتفاها |
* * *
_____________________________
(٧٠) الحيا مقصور : المطر ، والخِصب ، والمراد هنا الأوّل.
تفسير سورة الاخلاص |
الشيخ جعفر عباس الحائري |
حياة المؤلّف
|
إقتبسنا ترجمة المؤلّف من كتاب «نقباء البشر في القرن الرابع عشر» من طبقات أعلام الشيعة ، تأليف الحجّة الشيخ آقا بزرك الطهراني ، صديق المؤلف وزميله في مجال العلم والتأليف ، وقد علّقنا عليها ما رأيناه ضروريّاً.
|
الشيخ محمد علي الاُردوبادي (١) (١٣١٢ ـ ١٣٨٠)
هو الشيخ محمد علي بن الميرزا أبي القاسم (٢) بن محمد تقي بن محمد قاسم الاُردوبادي التبريزي النجفي ، عالم متضلّع ، فقيه بارع ، و أديب كبير.
و نسبته إلى اُردوباد ، مدينة تقع على الحدود بين آذربايجان والقفقاز ، قرب نهر أرس.
و كانت ولادته في تبريز في ٢١ رجب سنة ١٣١٢ هجرية.
و أتى به والده إلىٰ النجف بعد عودته إليها في حدود سنة ١٣١٥ (٣) فنشأ عليه و وجّهه خير توجيه.
قرأ مقدّمات العلوم على لفيف من رجال الفضل والعلم ، وحضر في الفقه والاُصول على والده ، وشيخ الشريعة الإصفهاني ـ وقد أخذ عنه الحديث والرجال أيضاً ـ والسيّد ميرزا علي ابن المجدّد الشيرازي ، وفي الفلسفة على الشيخ محمد حسين الإصفهاني ، وفي الكلام والتفسير على الشيخ محمد جواد البلاغي ، ولازم حلقات دروس مشايخه الثلاثة المتأخّرين أكثر من عشرين سنة.
وشهد له بالإجتهاد كلّ من اُستاذه الشيرازي ، والميرزا حسين النائيني والشيخ عبدالكريم الحائري ، والشيخ محمد رضا ـ أبي المجد ـ الإصفهاني والسيد حسن الصدر ، والشيخ محمد باقر البيرجندي ، وعدد غيرهم.
كما أجازه في رواية الحديث أكثر من ستّين عالماً من أجلّاء العراق و إيران و سوريا ولبنان وغيرها.
والاُردوبادي عالم ضخم ، وشخصيّة فذّة ، و رجل دين مثالي ، وقد لا نكون مبالغين إذا ما وصفناه بالعبقرية ، فقد ساعده ذكاؤه المفرط واستعداده الفطري على النبوغ في كلّ المراحل الدراسيّة والعلوم الإسلامية ، حيث برع في الشعر والأدب حتى تفوّق على كثير من فضلاء العرب ، و وهب اُسلوباً ضخماً غبطه عليه الكثيرون و تضلّع في التاريخ والسير و أيّام العرب و وقائعها ، و أصبح حجّة في علوم الأدب واللغة والفقه و اُصوله والحديث والرجال والتفسير والكلام والحكمة وغيرها ، و نبغ في كلٍّ منها نبوغ المتخصّص مما لفت اليه أنظار الأجلّاء والأعلام ، و أحلّه بينهم مركزاً مرموقاً.
أضف إلى ذلك كمالاته النفسيّة ، ومزاياه الفاضلة ، فقد كان طاهر الذيل ، نقيّ الضمير ، حسن الأخلاق ، جمّ التواضع ، يفيض قلبه إيماناً وثقة بالله ، و يقطر نبلاً و شرفاً ، وكان حديثه يعرب عمّا يغمر قلبه من صفاء ونقاء ، و يحلّي نفسه من طهر وقدسيّة ، وهو ممّن يمثّل السلف الصالح خير تمثيل ، فسيرته الشخصيّة ، و إخلاصه اللامتناهي في كلّ الأعمال ، ولا سيّما العلميّة ، و نكرانه لذاته ، و زهده في حطام الدنيا ، و إعراضه عن زخارف الحياة ومظاهرها الخداعة ، وابتعاده عن طلب الشهرة والضوضاء ، صورة طبق الأصل ممّا كان عليه مشايخنا الماضون رضوان الله عليهم ، فقد قنع من الدنيا بالحق ، وتحزّب له ، وجاهد من أجله ، ولم تأخذه فيه لومة لائم ، فلم تبدّله الأحداث ، ولم تغيّره تقلّبات الظروف ، بل ظلّ والإستقامة أبرز مزاياه ، حتى اختار الله له دار الإقامة.