مراتب النحويّين

عبدالواحد بن علي أبوالطيّب اللغوي

مراتب النحويّين

المؤلف:

عبدالواحد بن علي أبوالطيّب اللغوي


المحقق: محمّد أبوالفضل إبراهيم
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
ISBN: 9953-432-58-9
الصفحات: ١٢٨

أخبرونا عن أبي حاتم ، قال : قلت للأصمعيّ : نقول : الرّبّة والرّبة : للجماعة من الناس. فلم يتكلم فيه ، لأن في القرآن : (رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ)(١) [آل عمران : ١٤٦] ، أي جماعيّون.

أخبرنا جعفر بن محمد ، قال : أخبرنا محمد بن الحسن (٢) الأزديّ قال : أخبرنا أبو حاتم قال : سمعت الأصمعيّ يقول : تسعة أعشار شعر الفرزدق سرقة ؛ وكان يكابر ، وأما جرير فله ثلاثمائة قصيدة ، ما علمته سرق شيئا إلا نصف بيت. قلت : ما هو؟ قال : هو هجاء ، وتحرّج أن يذكره.

فأما ما يحكيه العوامّ وسقّاط الناس من نوادر الأعراب ويقولون : هذا ممّا افتعله الأصمعيّ ، ويحكون : أن رجلا رأى عبد الرحمن (٣) ابن أخيه ، فقال : ما فعل عمّك؟ فقال : قاعد في الشمس يكذب على الأعراب ؛ فهذا باطل ما خلق الله منه شيئا ، ونعوذ بالله من معرّة جهل قائليه ، وسقوط الخائضين فيه. وكيف يقول ذلك عبد الرحمن ، ولو لا عمّه لم يكن شيئا! وكيف يكذّب عمّه وهو لا يروي شيئا إلا عنه! وأنّى يكون الأصمعيّ كما زعموا ولا يفتي إلا فيما أجمع عليه العلماء ، ويقف عمّا يتفرّدون به عنه ، ولا يجوّز (٤) إلا أفصح اللّغات ، ويلجّ في دفع ما سواه!.

أخبرنا جعفر بن محمد قال : أخبرنا عليّ بن سهيل الجنديسابوريّ قال : أخبرنا الزياديّ قال : ورد رجل من خراسان على الأصمعيّ ، فلما أنس به قال له يوما وهو في داره : أين كتبك؟ فأشار إلى شيء في زاوية البيت ، استقلّه الرّجل ، فقال له : ليس إلّا! قال : لا ، وإنّه من حقّ لكثير.

وكان أبو زيد وأبو عبيدة يخالفانه ويناوئانه كما يناوئهما ، فكلّهم كان يطعن على صاحبيه بأنه قليل الرّواية ، ولا يذكره بالتزيّد ، وكان أبو زيد أقلّهم طعنا على غيره. وكان أبو عبيدة يطعن على الأصمعيّ بالبخل وضيق العطن. وكان الأصمعيّ إذا ذكر أبا عبيدة قال : ذاك ابن الحائك.

أخبرنا جعفر بن محمد قال : أخبرونا عن أبي حاتم قال : أملى علينا

__________________

(١) سورة آل عمران ١٤٦ وفي نسخة ابن نوبخت بإسقاط : «كثير».

(٢) في الأصل : «الحسين» ، تصحيف.

(٣) اسمه عبد الرحمن بن عبد الله بن قريب ، يأتي ذكره وترجمته.

(٤) خ : «يجيز».

٦١

أبو عبيدة بيت عبد مناف بن ربعيّ (١) الهذليّ :

حتّى إذا أسلكوهم في قتائدة

شلّا ، كما تطرد الجمّالة الشردا (٢)

وقال : هذا كلام لم يجئ له خبر. وهذا البيت آخر قصيدة. قال : ومثله قول الله عز وجل : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) [الرعد : ٣١].

قال : فجئت إلى الأصمعيّ فأخبرته بذلك ، فقال : أخطأ ابن الحائك ، إنّما الخبر في قوله : «شلّا» ، كأنه قال : شلّوهم شلّا. قال : فجعلت أكتب ما يقول ، ففكّر ساعة ثم قال لي : اصبر ؛ فإني أظنّه كما قال ، لأن أبا الجوديّ الراجز أنشدني :

لو قد حداهنّ أبو الجوديّ (٣)

برجز مسحنفر الرويّ (٤)

مستويات كنوى البرنيّ (٥)

فهذا كلام لم يجئ له خبر.

فانظر إلى هذا الإنصاف بينهم (٦) ، مع شدّة المنافسة ، ثم لا يتّهم أحدهم صاحبه بالكذب ، ولا يقرفه بالتزيّد ، لأنهم يبعدون عن ذلك.

فأما حضور حفظه وذكاؤه فإنه كان في ذلك أعجوبة. أخبرنا محمد بن يحيى قال : أخبرنا القاسم بن إسماعيل قال : حدّثنا التوّزيّ قال : كنّا عند الأصمعيّ ، فوقف عليه أعرابيّ من بني أسد ، فقال له : ما معنى قول الشاعر :

لا مال إلا العطاف تؤزره

أمّ ثلاثين وابنة الجبل (٧)

__________________

(١) بخط ابن نوبخت : «ربع» ، بكسر الراء وسكون الباء.

(٢) قتائدة : موضع ، والجمالة : أصحاب الجمال كالبغالة والحمارة ؛ وانتصاب «شلا» على المصدر ، ودل على فعل مضمر يحصل بظهوره جواب : «حتى إذا أسلكوهم» المنتظر ؛ وتلخيص اللام : حتى إذا أسلكوهم هذا الموضع شلوهم شلا. والبيت في ديوان الهذليين ٢ / ٤٢.

(٣) ويقال «الحوذي» والأبيات في اللسان (جود ـ حوذ) وديوان الهذليين ٢ / ٤٣.

(٤) المسحنفر : الممتد.

(٥) البرني : ضرب من التمر أصفر مدور ، وهو من أجود التمر ؛ واحدته برنية.

(٦) بخط ابن نوبخت «منهم».

(٧) الأبيات في أمالي المرتضى ١ / ٣٥٩ وهي في اللسان (عكف) ؛ وروي عن ثعلب أنها في وصف صعلوك. وبعد هذا البيت فيهما :

لا يرتقي النز في ذلاذله

ولا يعدي نعليه من بلل

والنز : الماء الذي يتحلب من الأرض. والذلاذل : أسافل القميص الطويل.

٦٢

فاندفع الأصمعيّ ينشد باقي الشعر :

عصرته نطفة تضنّنها

لصب تلقّى مواقع السّبل

أو وجبة من جناة أشكلة

إن لم يرغها بالقوس لم تنل

فعجب الأعرابيّ وقال : ما رأيت عضلة كاليوم!

وإنما وصف هذا الشاعر صائدا فأخبر أنه لا مال له ، إلا العطاف ، وهو السيف ، قال الشاعر :

رأيتكما يا بني عياذ غدوتما

على مال ألوى لا سنيد ولا ألف (١)

ولا مال لي إلا عطاف ومدرع

لكم طرف منه حديد ولي طرف (٢)

وقوله : «تؤزره» أي تعينه ، وأمّ ثلاثين : كنانة فيها ثلاثون نبلة. وابنة الجبل : قوس عملت من سدرة جبليّة. وقوله : «عصرته» ، أي ملجأه. والنطفة : الماء.واللّصب : نقرة في الجبل ، ويقال : شقّ في الجبل. والسّبل : المطر. والوجبة : الأكلة في اليوم والليلة. والأشكلة : سدرة تحمل لونين من النّبق بيضاء وحمراء ، وجناتها : ثمرتها. ويرغها : يلتمسها. والعضلة : الأمر العظيم.

أخبرنا أبو روق الهزّانيّ (٣) قال : حدّثنا الرياشيّ قال : كنّا عند الأصمعيّ فوقف عليه أعرابيّ ، فقال : أنت الأصمعيّ؟ قال : نعم. قال : أنت عالم أهل الحضر بكلام العرب؟ قال : كذلك يزعمون. قال : ما معنى قول الأوّل :

وما ذاك إلا الدّيك شارب خمرة

نديم الغراب لا يملّ الحوانيا

فلما استقلّ الصبح نادى بصوته :

ألا يا غراب ، هل رددت ردائيا

فقال الأصمعيّ : إنّ العرب كانت تزعم أنّ الدّيك في الزّمان الأول كان ذا جناح يطير به في الجوّ ، وأنّ الغراب كان ذا جناح كجناح الديك لا يطير به ، وأنّهما تنادما ذات ليلة في حانة يشربان ، فنفد شرابهما ، فقال الغراب للديك : لو أعرتني جناحك لأتيتك بشراب ، فأعاره جناحه ، فطار ولم يرجع ، فزعموا أن

__________________

(١) البيتان في جمهرة ابن دريد ١ / ١١٨ ، والثاني في اللسان (عطف) أيضا. والألوى : الشديد الخصومة. والسنيد : الدعي.

(٢) قال ابن دريد : «أراد هاهنا السيف ؛ يقول : لكم ظبته التي أضربكم بها ولي طرفه الذي أمسكه به».

(٣) الهزاني ، بكسر الهاء منسوب إلى هزان ، بطن من العتيك ، والعتيق في ربيعة. وأبو روق ذكره ابن الأثير في اللباب ، وقال : حدث هو وأبوه عن ميمون بن مهران الكاتب.

٦٣

الدّيك إنما يصيح عند الفجر استدعاء لجناحه من الغراب. فضحك الأعرابيّ وقال : ما أنت إلا شيطان!

وهذا الشعر لأميّة بن أبي الصّلت (١)!.

أخبرنا محمد بن يحيى قال : حدّثنا محمد بن العباس قال : حدّثني الخليل بن أسد ، قال : كنا عند الأصمعيّ فجاءه رجل فقال : زعم أبو زيد أن النّدى : ما كان في الأرض ، والسّدى : ما سقط من السماء. فغضب الأصمعيّ وقال : فما يصنع بقول الشاعر :

ولقد أتيت البيت يخشى أهله

بعد الهدوّ وبعد ما سقط النّدى

أفتراه سقط من الأرض إلى السماء (٢)!

أخبرنا محمد بن يحيى قال : أخبرنا محمد بن يزيد ؛ قال : حدّثنا عبد الصمد بن المعذّل (٣) قال : رأيت الأصمعيّ بمكة ؛ وقد جاءه الأحمر الكوفيّ (٤) فألقى عليه مسائل من الغريب ، فجعل يجيبه الأحمر كأنه مجنون من سؤاله وحركته.

فلما انقضت المسائل تمثّل الأصمعيّ بقول ابن مقبل (٥) :

ما لك تجري إلينا غير ذي رسن

وقد تكون إذا نجريك تعنينا (٦)

وقد بريت قداحا أنت مرسلها

ونحن راموك فانظر كيف ترمينا

ثم سأله الأصمعيّ عن بيت فلم يجب ، فسأله عن ثان فلم يجب ، فسأله عن ثالث فلجلج ، فقال الأصمعيّ متمثّلا :

يلجلج مضغة فيها أنيض

أصلّت فهي تحت الكشح داء (٧)

غصصت بنيئها وبشمت عنها

وعندي لو طلبت لها شفاء (٨)

__________________

(١) البيتان في ديوان ٧١ ، ٧٢.

(٢) الخبر والبيت في اللسان (سدى).

(٣) هو عبد الصمد بن المعذل بن غيلان ؛ من شعراء الدولة العباسية ؛ بصري المولد والمنشأ ؛ وقد روى عنه كثير من اللغة والأخبار وقليل من الحديث. (وانظر ترجمته وأخباره في الأغاني ١٢ / ٥٤ ـ ٦٩).

(٤) هو عليّ بن الحسن صاحب الكسائي. بغية الوعاة : ٢ / ١٥٨.

(٥) من قصيدة له في ديوانه ٣٣٠ ، وجمهرة الأشعار : ٣٣١.

(٦) في الديوان : «تجزي» بالزاي. وتعنينا ، أي تكلفنا العناء.

(٧) البيتان لزهير ؛ ديوانه : ٨٢. والأنيض : فساد اللحم ، (اللسان ـ أنض).

(٨) في الديوان : «وعندك لو أردت لها دواء».

٦٤

فقال الأحمر : ما تعرّض لك في اللغة إلا مجنون.

أخبرنا عبد القدوس بن أحمد قال : أنبأنا المبرّد قال : أخبرنا الرياشيّ قال : رأيت في النوم كأني أسأل الأصمعيّ بعد ما مات : ما معنى قول الشاعر :

وكلّ جديدة فإلى بلاها

وكلّ جديدة فإلى جديد

فقال لي : إلى يوم جديد يأتي عليها ، أو إلى بلى جديد لا بد من ذاك.

قال الرياشيّ : حتى في النوم وبعد الموت أيضا لم يخطئ!.

أخبرنا محمد بن يحيى قال : أخبرنا محمد بن الرياشيّ قال : أخبرنا أبي قال : حدّثنا الأصمعيّ قال : تذاكرنا «أمّات وأمّهات» عند الرشيد. فقالوا : الأمّهات للآدميّين ، والأمّات للبهائم. فقلت : معاذ الله! ثم أنشدت في أمّات (١) الآدميين وأمهات البهائم ، حتى قال لي الرشيد : حسبك حسبك! قال الرياشيّ وأنشدنا :

قوّال معروف وفعّاله

عقّار مثنى أمّهات الرّباع (٢)

أخبرنا محمد قال : أخبرنا المبرّد قال : أخبرنا الرياشيّ قال : ذكر أبو عطاء السّنديّ (٣) عند الأصمعيّ ، فطعن رجل على شعره ، فقال الأصمعيّ : أخبرني أبو جندل بن الراعي (٤) قال : لما دفن يزيد بن عمر بن هبيرة (٥) قال أبو عطاء السّنديّ :

ألا إنّ عينا لم تجد يوم واسط

عليك بباقي دمعها لجمود (٦)

عشيّة راح الدافنون وضرّجت (٧)

جيوب بأيدي مأتم وخدود

__________________

(١) بخط ابن نوبخت : «ثم أنشدت في أمهات الآدميين وأمهات البهائم».

(٢) البيت في اللسان (أمم) ، ونسبه إلى السفاح اليربوعي.

(٣) اسمه مرزوق ؛ وكان مولى أسد بن خزيمة ، نشأ بالكوفة ، وكان شاعرا جيد الشعر حسن البديهة ، شديد العارضة ؛ إلا أنه كان أعجميا لا يفصح ؛ أدرك الدولتين ؛ وكان من شيعة بني أمية ، مات عقب أيام المنصور. (وانظر ترجمته وأخباره في الشعراء ٧٤٢ ـ ٧٤٦ والمرزباني ٨٠ ، والأغاني ١٦ / ٧٨ ـ ٨٤ ، واللآلي ٦٠٢ ـ ٦٠٣).

(٤) بخط ابن نوبخت : «أخبرني ابن جندل الراعي».

(٥) من قواد الدولة الأموية ؛ وأحد من جمعت له ولاية العراقين : وقتل بواسط سنة ١٣٢.

وانظر ترجمته وأخباره في ابن خلكان ٢ / ٢٧٨ ـ ٢٨١).

(٦) الأبيات في الشعر والشعراء ٧٤٥ ـ ٧٤٦ ، وتاريخ الطبري ٩ / ١٤٦ ؛ وابن خلكان ٢ / ٢٧٩ ؛ واللآلي ٦٠٢ ، والحماسة ٢ / ٢٩٥ ؛ ٢٩٧ (من غير عزو).

(٧) في الشعراء والحماسة :

عشيّة قام النائحات وشقّقت

٦٥

فإن تمس مهجور الفناء فطالما

أقام به بعد الوفود وفود

وإنّك لم تبعد على متعهّد

بلى ؛ إنّ من تحت التراب بعيد

أفيقال لهذا : لا يحسن!

وكان في الأصمعيّ لجاج وخلاف ، فقال الرجل : والله ما ظننت عطاء يحسن هذا ؛ وإذا كان الله قد علّمك من شعر كلّ شاعر أحسنه فما حيلتنا!

أخبرنا جعفر بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن غياث النحويّ قال : حدّثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ عن عمه ، قال (١) : كنت عند الرشيد ، فدخل العباس بن الأحنف ، فقال : يا أمير المؤمنين ؛ قد عملت شعرا لم يسبقني إلى معناه أحد ، فقال : هات ؛ فأنشد :

إذا ما شئت أن تبص

ر شيئا يعجب الناسا (٢)

فصوّر هاهنا «فوزا»

وصوّر ثمّ «عبّاسا»

ودع بينهما شبرا

فإن زاد (٣) فلا باسا

فإن لم يدنوا حتّى

ترى رأسيهما راسا

فكذّبه وكذّبها

بما قاست وما قاسى (٤)

قال : فنظر إليّ الرشيد ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، قد سبق إليه ، فقال : هات ؛ فأنشدته :

لو أنّ صورة من أهوى ممثّلة

وصورتي لاجتمعنا في الجدار معا

إذا تأملتنا ألفيتنا عجبا

إلفان ما افترقا يوما ولا اجتمعا

قال : فأعرض عنه الرشيد. فقال : والله يا أمير المؤمنين ، وحقّ رأسك ما سمعت بهذين البيتين ، وجعل يتنصّل والرشيد ساكت ، فلما خشيت أن يحرمه قلت : صدّق والله يا أمير المؤمنين ، أنا عملت البيتين الساعة. فأمر له بجائرة ، ولي بضعفها.

__________________

(١) الخبر في إنباه الرواة ١ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥ ، مع زيادة في الرواية.

(٢) الأبيات في ديوانه ٩٤ (الجوائب) مطبعة دار الكتب ١٦٤ ، وبعده في الديوان :

وتدري كيف معشوق

تحسّى في الهوى كاسا

(٣) في الديوان : فإن زدت».

(٤) رواية الديوان :

فكذّبها بما قاست

وكذّبه بما قاسى

٦٦

أخبرنا جعفر بن محمد قال : أخبرنا محمد بن الحسن الأزديّ قال : أخبرنا أبو حاتم قال : كان الأصمعيّ أروى الناس للرّجز ، سمعت مرة بحرانيا (١) كان قد طاف بنواحي خراسان يسأله : فقال له : أخبرني فلان بالريّ أنك تروي اثني عشر ألف أرجوزة. فقال : نعم ، أروي أربعة عشر ألف أرجوزة. فعجبت ، فقال لي : أكثرها قصار ؛ فقلت : اجعلها بيتا بيتا ، أربعة عشر ألف بيت!

وأما من رواية الرياشيّ فيما كتب إليّ به أبو روق الهزّانيّ قال : سمعت الرياشيّ يقول ؛ سمعت الأصمعيّ يقول ؛ أحفظ اثني عشر ألف أرجوزة ؛ فقال له رجل : منها البيت والبيتان ؛ فقال : ومنها المائة والمائتان.

حدّثنا جعفر بن محمد قال : أخبرنا عليّ بن ذكوان عن المازنيّ قال : قلت للأصمعيّ : إنّك لتحفظ من الرجز ما لا يحفظه أحد. فقال : إنه كان همّنا وسدمنا. ـ قال اللغويّ : والسدم هاهنا الحرص ـ

حدّثنا جعفر بن محمد ، حدّثنا محمد بن الحسن الأزديّ قال : حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعيّ قال : كنت عند شعبة بن الحجّاج ، فروى حديثا قال فيه : «فيسمعون جرش طير الجنّة» (بالشين المعجمة) ، فقلت «جرس» (بالسين غير معجمة) ، فالتفت يتبصّرني ، فلما رآني قال : خذوها عنه ، فإنه أعلم بهذا منّا (٢).

والجرس : الصوت.

أخبرنا محمد بن يحيى قال : أخبرنا القاسم بن إسماعيل قال : حدّثنا محمد بن سلّام الجمحيّ قال : حدّثني بعض كتبة الفضل بن الربيع قال : كنّا عند الفضل بن الربيع (٣) وعنده أبو عبيدة ، فسأله عن قول عمر بن الخطاب للمؤذّن ـ وهو أبو محذورة (٤) : أما خشيت أن ينشقّ مريطاؤك؟ أيقصر أم يمدّ ؛ فقال ـ أبو عبيدة : يمدّ ، فقال عليّ الأحمر (٥) ـ وكان حاضرا : بل يقصر ؛ فقال له أبو عبيدة : وما يدريك يا مذبذب! ودخل الأصمعيّ ، فسأله عن ذلك ، فقال مثل قول أبي

__________________

(١) بحراني ، بفتح الباء وسكون الحاء : منسوب إلى البحر أو إلى الجزائر أو استدامة ركوب البحار.

اللباب.

(٢) الخبر في النهاية لابن الأثير ١ / ٢٦.

(٣) هو الفضل بن الربيع بن يونس ؛ ولي للرشيد الوزارة بعد نكبة البرامكة إلى أن مات الرشيد ، واستخلف الأمين فأقره في وزارته ، وعمل على مقاومة المأمون فلما ظفر المأمون بأخيه استتر الفضل زمانا ، ثم عفا عنه المأمون وأهمله بقية حياته ، وتوفي بطوس سنة ٢٠٨. (ابن خلكان ١ / ٤١٢).

(٤) أبو محذورة : مؤذن النبي صلّى الله عليه وسلّم ؛ وهو أوس بن معير ، أحد بني جمح. (اللسان).

(٥) هو عليّ بن الحسن الكوفي المعروف بالأحمر ، صاحب الكسائي ، ذكره في بغية الوعاة ٢ / ١٥٨.

٦٧

عبيدة ؛ فقال الأحمر : بل يقصر ؛ فقال له الفضل بن الربيع : اسكت ، فإنك لا تكوّن مع إجماع هذين خلافا!

قال أبو الطيّب اللغويّ : والمريطاء : الجلدة الرقيقة ما بين السّرّة والعانة حيث تمرّط (١) الشعر ، وتفضي إلى الرّفغين (٢) ، وبعضهم يقول : المريطاء : جلدة رقيقة من داخل هذا الموضع ، وهي مؤنّثة ، ولا نعلمه عن علمائنا البصريّين إلا بالمدّ.

وقد ذكر الأحمر أنها المريطا ، مقصورة.

وقال أبو عمرو الشيبانيّ : المريطاء تمدّ وتقصر ، قال : وهي كلمة لا يتكلّم بها إلا بالتصغير ؛ ولها نظائر في كلام العرب مثل الثريا. وحميّا الكاس : سورتها. والقصيراء من الأضلاع. والسّكيت من الخيل ، وهو الذي يجيء آخر الخيل في الرّهان. والكميت (٣). فمن مدّ المريطاء ثنّاها المريطا وان وجمعها المريطاوات ؛ ومن قصرها ثنّاها المريطين وجمعها المريطيات.

وقال الفرّاء : المريطاء : جانبا العانة ، ممدودة.

وبلغنا أن التوّزيّ سئل عن المريطاء فقال : المريطاوان : جانبا الشّفة ، اللذان يجتمع فيهما الرّيق. ولم يسمع بذلك عن غيره ، وإنما اسم الموضعين اللذين ذكر الصّماغان (٤).

أخبرنا محمد بن يحيى قال : حدّثني محمد بن موسى البربريّ قال : حدّثنا حمّاد بن إسحاق بن إبراهيم الموصليّ قال : كنت عند أبي يوما وبين يديه جارية تغنّي بشعر ابن الأحنف :

أما عجب أنّ جيراننا

أعدّوا لوقت الغروب الغروبا! (٥)

فلو كنت بالشمس ذا طاقة

لطال على الشمس حتى تغيبا

قال : وكان أبي يفضّل العباس بن الأحنف على نظرائه ، وكذلك جديّ إبراهيم ، فلذلك أكثرا الغناء في شعره ؛ فقال : يا بنيّ عجائب الدنيا معروفة ، معدودة ، ومنها الأصمعيّ ، وهو مما لا يعرفه الناس ، اجتمعنا عند جعفر بن يحيى

__________________

(١) بخط ابن نوبخت «حيث يمرط الشعر ويفضى».

(٢) الرفغان : أصول الفخذين.

(٣) الكمتة : لون بين السواد والحمرة يكون في الخيل والإبل.

(٤) الصماغان : جانبا الفم.

(٥) ديوان ٣١ (الجوائب) مطبعة دار الكتب ٥١ ، ورواية الديوان :

كفى حسرة أنّ جيراننا

أعدّوا لوقت الرّحيل الغروبا

٦٨

يوما ، فجرى ذكر هذين البيتين لابن الأحنف إما لإنشاد وإما لغناء ؛ فقلت أنا كالعابث : لست أشكّ أن أبا سعيد يعرف أصل هذا الفرع ، فإنه معنى مليح ؛ فنظر إليّ نظر تمقّت ولم يجبني ؛ فقال له جعفر : ألهذا أوّل قبل العباس؟ فقال : أوّله عندي قول النابغة :

لا مرحبا بغد ولا أهلا به

إن كان تفريق الأحبّة في غد (١)

وآخر من أتى به أبو إسحاق يعقوب بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله التّيميّ (٢) وكان متهتّكا في حداثته حتى لقّب فرّوج الزّنا ، ثم نسك وأناب ـ فقال له جعفر : فماذا قال؟ : فأنشد له :

نجمت نجومي أمس ، طالعها

سعد ، ونجمي اليوم ذو نحس

يا ليت ربّي مدّ أمس لنا

أبدا ، وكان اليوم ذا حبس!

هذاك جمّعنا وفرّق ذا

شتّان بين اليوم والأمس!

بينا تراني في نعميم هوى

أرجو تأخّر غيبة الشمس

عجل المساء له ففارقني

فيه أعزّ عليّ من نفسي

قال : فأمر له جعفر بألف دينار ، وخرج الأصمعيّ ، فقال لي جعفر : يا إسحاق ، أفي المنام ترى (٣) ما جرى! أظننت أن مثل الأصمعيّ يكون في الدنيا! ثم حدّث الرشيد بذلك ، فوصله بألف دينار ، فأخذ بكلمتين ألفي دينار.

ولم يحك الأصمعيّ ولا صاحباه عن الخليل شيئا من اللّغة ، لأنه لم يكن فيها مثلهم ، ولكنّ الأصمعيّ قد حكى عنه حكايات ؛ وكان الخليل أسنّ منه.

فممّا حكى الأصمعيّ عن الخليل ما حدّثنا به عبد العزيز بن سلامة قال : أخبرنا محمد بن الرياشيّ قال : حدّثنا أبي عن الأصمعيّ قال : سمعت الخليل يقول : إذا أردت أن تعرف خطأ معلمك فجالس غيره.

وأخبرنا محمد بن يحيى قال : أخبرنا محمد بن يزيد قال : حدّثنا قعنب بن محرّر عن الأصمعيّ قال : سألت الخليل بن أحمد عن اللؤلؤ في النوم ـ وكان

__________________

(١) ديوان ٢٨.

(٢) ذكره المرزبان في المعجم ٥٠٤ وقال : «قدم بغداد ومدح المهدي».

(٣) خ : «يا إسحاق ، في المنام ترى».

٦٩

الخليل من أعبر من رأيت للرؤيا ـ فقال : حدّثني هشام بن حسان (١) عن محمد بن سيرين (٢) أن اللؤلؤ القرآن.

وأخبرنا محمد بن يحيى قال : حدّثنا محمد بن يزيد قال : حدّثنا المازنيّ عن الأصمعيّ قال : قال الخليل بن أحمد : وضعت كتاب التصغير على دينار ودرهم وفلس ، فقلت : دنينير ودريهم وفليس ، «فعيعيل وفعيعل وفعيل».

وأخبرنا محمد بن يحيى قال : حدّثنا أحمد بن حاتم السورجيّ قال : حدّثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي (٣) قال : حدّثنا بن أحمد قال : ذكر عثمان الفتنة فقال :من تعلّق بأدناها جذبته إلى أقصاها. ومثّل ذلك أن رجلين مرّا بنهر فتلطّخ أحدهما بشيء منه وسلم الآخر ، ثم جازا فعرض لهما نهر آخر ، فقال المتلطّخ : على أي شيء أبقي! فانغمس فيه. وقال الآخر : لعلّ الله أن ينجيني ، فنجا.

وأخبرنا محمد بن يحيى قال : حدّثنا محمد بن سعيد قال : حدّثنا نصر بن عليّ عن الأصمعيّ قال : حدّثنا الخليل بن أحمد قال : قلت لابن فضا : لا أراك تردّ شيئا من العبارة حتى لو قيل لك : إن جرادة مرّت تطير ، فتعلّق بها قصر أبي رجاء لعبّرتها! قال : لو كان ذاك لكانت عندي عبارته.

وأخبرنا محمد قال : أخبرنا أبو العيناء (٤) قال : حدّثنا الأصمعيّ قال : سمعت الخليل يقول : مرّ بنا الفرزدق ونحن صبيان نلعب ، وقد انصرف من المهالبة وهو على بغلته ، وكان قبيح الوجه قصيرا ، فجعلنا ننظر إليه فوقف وقال :

نظروا إليك بأعين محمرّة

نظر التّيوس إلى مدى القصّاب

فقال له بعضنا : نظرنا إليك لأنك مليح ، كما ينظر إلى القرد لأنه مليح. فضرب وجه بغلته وانصرف.

__________________

(١) هو أبو عبد الله هشام بن حسان الأزدي البصري ، من كبار الحفاظ وأحد الرواة عن الحسن البصري. توفي سنة ١٤٦. (تذكرة الحفاظ ١ / ١٥٤).

(٢) هو أبو بكر محمد بن سيرين الأنصاري ؛ كان ثقة صدوقا وورعا ؛ اشتهر بتعبير الرؤيا ؛ توفي سنة ١١٠ ؛ (ابن خلكان ١ / ٤٥٣).

(٣) هو إسماعيل بن إسحاق البصري الفقيه المالكي ؛ كان إماما في العربية ؛ قال المبرد : هو أعلم بالتصريف مني. توفي سنة ٢٨٢. (شذرات الذهب ٢ / ١٧٧).

(٤) هو محمد بن القاسم بن خلاد ، المعروف بأبي العينا ؛ نشأ بالبصرة ، وسمع من أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد ؛ وكان من أحفظ الناس وأفصحهم لسانا ، وأحضرهم جوابا. توفي سنة ٢٨٣. (ابن خلكان ١ / ٥٠٥).

٧٠

قال أبو العيناء : الخليل قال له هذا وهو صبيّ ، ولكنه لم يحبّ أن يحكيه عن نفسه.

وحدّثنا عليّ بن محمد الخداشيّ قال : حدّثنا عبيد الله بن محمد اليزيديّ (١) قال : حدّثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ عن الأصمعيّ قال : حدّثني الخليل بن أحمد قال : قلت لأعرابي : أمؤمن أنت؟ فقال : تبارك الله ، أزكّي نفسي!

وأخبرنا محمد بن يحيى قال : أخبرنا محمد بن موسى قال : حدّثنا عبد الرحمن بن عبد الله قال : حدّثنا الأصمعيّ قال : سألت الخليل عن هذا البيت :

اليوم أعلم ما يجيء به

ومضى بفضل قضائه أمس (٢)

لم خفض «أمس»؟ فقال : هو مبنيّ كحذام وقطام ، لأنه لم يتمكّن تمكّن الأسماء.

وحدّثنا عبد القدوس بن أحمد قال : حدّثنا أحمد بن يحيى قال : حدّثني جماعة ، عن الأصمعيّ ، عن الخليل ، قال : رأيت أعرابيا يسأل أعرابيا عن البلصوص ما هو؟ فقال : طائر ؛ قال : فكيف تجمعه؟ قال : البلنصى ، قال الخليل : فلو ألغز رجل فقال :

فما البلصوص يتّبع البلنصى (٣)

كان لغزا.

حدّثنا جعفر بن محمد قال : قرأت بخط المبرّد : حدّثني المازنيّ عن الأصمعيّ قال : قلت للخليل : ما حملك على أن جئت في العروض ببيت محدث :

إنّما الذّلفاء ياقوتة

أخرجت من كيس دهقان (٤)

__________________

(١) هو أبو القاسم عبيد الله بن يحيى اليزيدي ؛ ذكره القفطي فيمن روي عن إبن أخي الأصمعي.

توفي سنة ٢٨٤. (إنباه الرواة ٢ / ١٥٣).

(٢) من أبيات نسبها القالي في الذيل ٢٠ ، ٣٠ إلى روح بن زنباع. ونسبها الجاحظ في الحيوان ٣ / ٨٨ إلى أسقف نجران ؛ وروايتها فيه :

منع البقاء تصرّف الشمس

وطلوعها من حيث لا تمسي

وطلوعها بيضاء صافية

وغروبها صفراء كالورس

اليوم أعلم ما يجيء به

ومضى بفصل قضائه أمس

(٣) رواية اللسان (بلص) :

كالبلصوص يتّبع البلنصى

(٤) البيت من بحر المديد ؛ أورده الخليل شاهدا على العروض المحذوفة (فاعلن). والضرب الأبتر ـ ـ (فعلن) ، بإسكان العين. وانظر شرح الخزرجية للدماميني ١٤٢ ، وهو أيضا في اللسان بتر ـ قطع).

٧١

أنا كنت أعطيك (١) أبياتا من الشعر القديم على هذا الوزن ، فقال : لو اتّزن لي بالحجارة لأرحتك.

أخبرنا محمد بن يحيى قال : حدّثنا محمد بن خلف قال : حدّثنا أبو العيناء عن الأصمعيّ قال : سمعت الخليل ـ وذكر رجلا غثّا تزهّد ـ فقال سمعته يقول : أظنّ ، أحسب ، فيما أرى ؛ ولعله إن شاء الله.

وأخبرنا محمد بن يحيى قال : حدّثنا البربريّ قال : حدّثنا طائع عن الأصمعيّ ، قال : نظر الخليل في فقه لأبي حنيفة ، فقيل له : كيف تراه؟ فقال : أرى جدّا وطريق جدّ ، ونحن في هزل وطريق هزل.

وأخبرنا محمد قال : حدّثنا محمد بن القاسم قال : حدّثنا الأصمعيّ قال : سمعت الخليل يقول : الدنيا أضداد متجاورة ، وأشباه متباينة ، وأقارب متباعدة ، وأباعد متقاربة.

وأنشدنا جعفر بن محمد قال : أنشدونا عن أبي العيناء عن الأصمعيّ قال : أنشدني الخليل لنفسه :

اعمل بعلمي وإن قصّرت في عملي

ينفعك علمي ، ولا يضررك تقصيري

وكان عليّ بن أصمع جدّ أبي الأصمعي يتولّى محو المصاحف المخالفة لمصحف عثمان من قبل الحجّاج ، وإياه عنى الشاعر بقوله :

وإلا رسوم الدار قفرا كأنه

كتاب محاه الباهليّ ابن أصمعا

__________________

(١) بخط ابن نوبخت : «أعطيتك».

٧٢

سيبويه

وأخذ النحو عن الخليل جماعة لم يكن فيهم ولا في غيرهم من الناس مثل سيبويه. وهو عمرو بن قنبر ، وهو أعلم الناس بالنّحو بعد الخليل ، وألّف كتابه الذي سمّاه الناس قرآن النّحو ، وعقد أبوابه بلفظه ولفظ الخليل ؛ وكان يكنى أبا بشر وأبا الحسين (١) ، ويقال أبو عثمان. وأثبتها أبو بشر.

وقال أبو حاتم : هو عمرو بن عثمان بن قنبر ، وهو من موالي بني الحارث بن كعب ، من أهل فارس ، وقبره بشيراز قصبة فارس (٢).

__________________

(١) بخط ابن نوبخت : «الحسن».

(٢) توفي سيبويه سنة ١٦١ ، (معجم الأدباء ١٦ / ١١٥).

٧٣

حمّاد بن سلمة

وأخذ أيضا عن الخليل بن أحمد حمّاد بن سلمة بن دينار ، مولى بني تميم ، على أنه كان قد أخذ عن عيسى بن عمر قبله (١).

أخبرنا محمد بن يحيى قال : أخبرنا محمد بن يزيد قال : حدّثنا إسماعيل بن إسحاق قال : كان الخليل يجلس في مسجد بني الجلندي ، فيجيئه حمّاد بن زيد (٢) ، وجرير بن حازم (٣) ، وعبّاد بن عبّاد (٤) ، وحمّاد بن سلمة. فكان حمّاد بن زيد إذا أخذ نعله للقيام قال القوم : قد ضرب بالطبل ؛ فلا يجلسون بعده.

__________________

(١) توفي حمّاد بن سلمة سنة ١٦٩ ، (وانظر نزهة الألباء ٤٠ ـ ٤٢).

(٢) هو حمّاد بن زيد بن درهم الأزدي ؛ روى عن أنس وابن سيرين عاصم بن بهدلة وغيرهما وروى عنه الثوري غيره. توفي سنة ١٩٧. (خلاصة الخزرجي ٧٨).

(٣) هو جرير بن حازم الأزدي أبو النضر البصري ، روى عن الحسن وابن سيرين ، وروى عنه ابن عون. توفي سنة ١٧٠. (خلاصة الخزرجي ٥٢).

(٤) هو عباد بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة العتكي. توفي سنة ١٨١. (خلاصة الخزرجي ١٥٨).

٧٤

النضر بن شميل

وأخذ عن الخليل أيضا اللغة والنحو النضر بن شميل المازنيّ ، وهو من أهل مرو ، وهو ثقة ثبت ، صاحب غريب وشعر ونحو وحديث وفقه ومعرفة بأيام الناس. وزعموا أنه كان من أهل البصرة ، فانتقل إلى مرو ، ومات بخراسان سنة ثلاث ومائتين.

٧٥

أبو محمد اليزيدي

وأبو محمد اليزيديّ (١) ، وقد أخذ قبله أيضا عن أبي عمرو العربية والقراءة ، وهو ثقة.

__________________

(١) هو أبو محمد اليزيدي يحيى بن المبارك ، قيل له اليزيدي لأنه أدب أولاد يزيد بن منصور الحميري. توفي سنة ٢٠٢. (طبقات الزبيدي ٦٠ ـ ٦٤).

٧٦

المؤرج السدوسي ،

وعليّ بن نصر الجهضمي

وممّن أخذ عن الخليل أيضا المؤرّج السّدوسيّ ، وهو مؤرّج بن عمرو ، يكنى أبا فيد ، ومات سنة خمس وتسعين ومائة.

وعليّ بن نصر الجهضميّ (١) ، إلّا أن النحو انتهى إلى سيبويه.

__________________

(١) ذكر السيوطي أنه توفي سنة ١٨٧. (بغية الوعاة ٢ / ٢١١).

٧٧

قطرب

وأخذ عن يونس بن حبيب ممّن اختص به دون غيره محمد بن المستنير قطرب ، وكان حافظا للّغة ، كثير النوادر والغريب (١).

__________________

(١) توفي محمد بن المستنير سنة ٢٠٦. (بغية الوعاة ١ / ٢٤٢).

٧٨

محمد بن سلام

وأخذ عنه أيضا وعن خلف الأحمر أبو عبد الله محمد بن سلّام الجمحيّ صاحب كتاب «طبقات الشعراء» ، وهو ثقة جليل ، روى عنه أبو حاتم ، والرياشيّ ، والمازنيّ ، والزياديّ ، وأكابر الناس.

أخبرنا الحسين بن أبي صالح قال : أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحيّ ـ وكان ابن أخت أبي عبد الله محمد بن سلّام ـ قال : كان الرياشيّ يختلف إلى أبي عبد الله يستعير منه كتابه في الطبقات ، فكنت أخرج إليه منه جزءا جزءا ، فقيل للرياشيّ في ذلك فقال : لو عاش يومين لسمعه منه (١).

__________________

(١) توفي ابن سلام سنة ٢٣١. (إنباه الرواة ٣ / ١٤٥).

٧٩

أبو الحسن الأخفش

وأخذ النحو عن سيبويه جماعة ، برع منهم أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش المجاشعيّ من أهل بلخ ، وكان أجلع ، فيما أخبرنا به مشايخنا عن أبي حاتم. والأجلع : الذي لا تنطبق شفته (١).

وكان يقول بالعدل ، أخبرنا محمد بن يحيى قال : حدّثنا محمد بن يزيد قال : أخبرنا المازنيّ قال : كان الأخفش أعلم الناس بالكلام ، وأحذقهم بالجدل ؛ وكان غلام أبي شمر (٢) وعلى مذهبه.

وكان الأخفش أسنّ من سيبويه ؛ أخبرنا عبد القدوس بن أحمد قال : أخبرنا المبرّد قال : كان الأخفش أسنّ من سيبويه ، ولكن لم يأخذ عن الخليل ، وهو الذي تكلّم على كتاب سيبويه وشرحه وبيّنه ، وهو معظّم في النحو عند البصريّين والكوفيّين.

أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال : أخبرنا ثعلب عن سلمة عن الفراء عن الكسائي قال : لم يكن في القوم ـ يعني البصريين ـ أعلم من الأخفش ، نبّههم على عوار (٣) الكتاب وتركهم.

يعني كتاب سيبويه.

ولم يكن الأخفش ناقصا في اللّغة أيضا ؛ وله فيها كتب مستحسنة.

وكان أخذ عن أبي مالك النّميريّ. أخبرنا جعفر بن محمد قال : أخبرونا عن المبّرد عن المازنيّ قال : قال الأخفش : سألت أبا مالك عن قول أمية بن أبي الصّلت :

سلامك ربّنا في كلّ فجر

بريئا ما تغنّثك الذموم (٤)

__________________

(١) بخط ابن نوبخت : «شفتاه».

(٢) أبو شمر ؛ ضبطه السمعاني في الأنساب وابن الأثير في اللباب وصاحب تاج العروس بالكسر ثم السكون ؛ وهو أحد أئمة القدرية المرجئة ، وآراؤه مبسوطة في كتاب الفرق بين الفرق ١٩٠ ـ ١٩١.

(٣) بخط ابن نوبخت : «عوار» بفتح العين ، وكلاهما في اللغة ؛ وأصله العيب في الثوب.

(٤) البيت في ديوانه ٥٤ واللسان (غنث ، ذمم) ، والذموم : العيوب. وفي الأصل : ما تعنتك وهو تحريف صوابه من اللسان (غنث) وغنثت نفسه غنثا إذا لقست.

٨٠