مراتب النحويّين

عبدالواحد بن علي أبوالطيّب اللغوي

مراتب النحويّين

المؤلف:

عبدالواحد بن علي أبوالطيّب اللغوي


المحقق: محمّد أبوالفضل إبراهيم
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
ISBN: 9953-432-58-9
الصفحات: ١٢٨

ابن قتيبة

وكان أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوريّ (١) أخذ عن أبي حاتم والرياشيّ وعبد الرحمن ، ابن أخي الأصمعيّ ؛ وقد أخذ ابن دريد عن هؤلاء كلّهم وعن الأشناندانيّ ، إلا أن ابن قتيبة خلّط عليه بحكايات عن الكوفيين لم يكن أخذها عن ثقات ؛ وكان يتسرّع (٢) في أشياء لا يقوم بها ، نحو تعرّضه لتأليف كتابه في النحو ، وكتابه في «تعبير الرؤيا». وكتابه في «معجزات النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله» ، و «عيون الأخبار» و «المعارف» ، و «الشعراء» ، ونحو ذلك مما أزرى به عند العلماء ، وإن كان نفق بها عند العامة ومن لا بصيرة له.

فهذا جمهور ما مضى عليه علماء البصرة.

وفي خلال هؤلاء قوم علماء لم نذكرهم لأنّهم لم يشهروا ، ولم يؤخذ عنهم ، وإنما شهرة العالم بمصنّفاته والرواية عنه.

__________________

(١) ذكره الزبيدي في الطبقة السادسة من اللغويين البصريين ؛ وقال : إنه توفي سنة ٢٩٦ ؛ (الطبقات ٢٠٠).

(٢) بخط ابن نوبخت : «يسرع».

١٠١

الناشي

وكان ممّن أخذ عن سيبويه والأخفش رجل يعرف بالنّاشي (١) ، ووضع كتبا في النحو ، مات قبل أن يستتمّها وتؤخذ عنه ، فأخبرنا محمد بن يحيى قال : سمعت محمد بن يزيد يقول : لو خرج علم الناشي إلى الناس لما تقدّمه أحد.

__________________

(١) هو أبو العباس عبد الله بن محمد المكنى بابن محمد والمعروف بابن شرشير ؛ الناشي الكبير.

توفي بمصر سنة ٢٩٣ ؛ (ابن خلكان ١ / ٢٦٣).

١٠٢

كيسان

وكان ممّن أخذ عن أبي عبيدة كيسان ، وكان مغفّلا (١) فحدّثنا جعفر بن محمد قال : أخبرنا محمد بن محبوب الزعفرانيّ قال : سمعت كردين يقول : سمعت أبا عبيدة يقول : نسخ العلم على لسان كيسان ، لأنه يسمع مني غير ما أقول ، ويقول غير ما يسمع ، ويكتب في ألواحه غير ما يقول ، ويقرأ غير ما في الألواح.

وقد أخذ كيسان عن الخليل أيضا ، وقال الأصمعيّ : كيسان ثقة ليس بمتزيّد (٢).

__________________

(١) في حاشيته الأصل : «هو أبو سليمان المعروف : كيسان الهجيمي» قال أبو زيد كان ثقة».

(٢) ذكره الزبيدي في الطبقة الرابعة من النحويين البصريين. وفي حاشية الأصل : «وحكى الخشني عن أبي عثمان المازني قال : أنشد الأصمعي في مجلسه قول عنترة :

وآخر منهم أجررت رمحي

وفي البجليّ معبلة وقيع

فقال كيسان : صحفت ؛ قال : فكيف تقول يا أبا سليمان؟ فقال «البجلي» بسكون الجيم وهم بنو بجيلة ، حي من سليم. فأخذها عنه الأصمعي.

١٠٣

محمد بن عبد الغفار الخزاعي

وممّن أخذ عن أبي عبيدة رجل يعرف بمحمد بن عبد الغفار الخزاعيّ ، فأخبرنا عليّ بن محمد الخداشي قال : أخبرنا محمد بن الحسن الأزدي قال : عمل محمد بن الغفار الخزاعيّ هذا كتاب «الخيل» ، فعزاه الناس إلى أبي عبيدة ، فهو في أيديهم إلى اليوم (١).

__________________

(١) لم أعثر على ترجمة أو ذكر فيما بين يدي من كتب اللغويين والنحويين والرواة.

١٠٤

علماء الكوفة بعد الكسائيّ

الفراء

وأما علماء الكوفيين بعد الكسائيّ فأعلمهم بالنحو أبو زكريا يحيى بن زياد الفرّاء ، وقد أخذ علمه عن الكسائي ، وهو عمدته ، ثم أخذ عن أعراب وثق بهم ؛ مثل أبي الجراح (١) وأبي ثروان (٢) وغيرهما ، وأخذ نبذا عن يونس. وأهل الكوفة يدّعون أنه استكثر منه ، وأهل البصرة يدفعون ذلك. وقد أخذ أيضا عن أبي زياد الكلابيّ (٣).

وكان الفرّاء متورّعا متديّنا على تيه فيه وتعظّم ، وكان زائد العصبية على سيبويه. فأخبرنا محمد بن عبد الواحد قال : أخبرنا ثعلب عن سلمة قال : مات الفرّاء وتحت رأسه كتاب سيبويه. قال أبو عمر محمد بن عبد الواحد : فقام الحامض (٤) أبو موسى إلى ثعلب ، فقال : إنما كان لا يفارقه ، لأنه كان يتتبّع خطأه ولكنته.

وكانت العصبية قد ذهبت بعقل الحامض ، فمن ذلك ما حدّثنا به محمد بن عبد الواحد قال : أخبرني ابن كيسان (٥) قال : رأيت في المنام الجنّ وهم يتناظرون

__________________

(١) ذكره ابن النديم في الفهرست ٤٧.

(٢) هو أبو ثروان العكلي ، من بني عكل ، أعرابي فصيح كان يعلم في البادية. الفهرست ٤٦.

(٣) أبو زياد الكلابي ؛ اسمه يزيد بن عبد الله بن الحر. أعرابي بدوي. قال دعبل : قدم بغداد أيام المهدي حين أصابت الناس المجاعة ، ونزل قطيعة العباس بن محمد فأقام بها أربعين سنة ، وبها مات. (الفهرست ٤٤).

(٤) هو سليمان بن محمد بن محمد بن أحمد أبو موسى الحامض ؛ قال الزبيدي : «كان بارعا في اللغة والنحو على مذهب الكوفيين ؛ وكان في اللغة أبرع ، وكان ضيق الصدر سيء الخلق».

وقال ابن خلكان : «وإنما قيل له الحامض ؛ لأنه كانت له أخلاق شرسة ؛ فلقب الحامض لذلك ، ولما احتضر أوصى بكتبه لأبي فاتك المقتدري ؛ بخلا بها أن تصير إلى أحد من أهل العلم».

توفي سنة ٣٠٥. (وانظر كبقات الزبيدي ١٧٠ ، وابن خلكان ١ / ٢١٤ ـ ٢١٥).

(٥) هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن كيسان. كان بصريا كوفيا ؛ يحفظ القولين ، ويعرف المذهبين ؛ وكان أخذ عن ثعلب والمبرد ؛ وكان ميله إلى البصريين أكثر. توفي سنة ٢٩٩ ؛ (طبقات الزبيدي ١٧٠ ـ ١٧١).

١٠٥

في كل فنّ من العلوم ، فقلت لهم : إلى من تميلون في النحو؟ فقالوا : إلى سيبويه. قال محمد : فأخبرت بهذا الحديث ثعلبا بحضرة أبي موسى الحامض ، فغضب الحامض ثم قال : قد صدق ، إنما سيبويه دجّال شيطان ، فلذلك تميل إليه الجنّ. فأسكته أبو العباس ثعلب. قال أبو الطيّب : وقد رأيت أنا أجزاء كثيرة من كتاب سيبويه خمسين مرّة. وكان ابن كيسان مع هذا يختار أشياء من مذاهب الفراء يخالف فيها سيبويه.

أخبرنا محمد بن يحيى قال : كان ابن كيسان يسأل أبا العباس محمد بن يزيد المبرّد عن مسائل فيجيبه ، فيعارضها بقول الكوفيين ، فيقول : في هذا على من قاله كذا ، ويلزمه كذا. فإذا رضي قال له : قد بقي عليك شيء ، لم لا تقول كذا؟ فقال له يوما وقد لزم قولا للكوفيين ولجّ فيه : أنت كما قال جرير (١) :

أسلّيك عن زيد لتسلي وقد أرى

بعينيك من زيد قذى غير بارح

إذا ذكرت زيدا ترقرق دمعها

بمطروفة العينين شوساء طامح (٢)

تبكّي على زيد ولم تر مثله

براء من الحمّى صحيح الجوانح

فإن تقصدي فالقصد منك سجية

وإن تجمحي تلقي لجام الجوامح (٣)

وكان الفراء يخالف على الكسائيّ في كثير من مذاهبه ، فأمّا على مذاهب سيبويه فإن يتعمّد خلافه ؛ حتى ألقاب الإعراب وتسمية الحروف.

ومات الفرّاء في طريق مكّة سنة سبع ومائتين.

__________________

(١) ديوانه ١٠٥ مع اختلاف في الرواية وترتيب الأبيات. قال أبو عبيدة : كان جرير اشترى جارية من زيد بن النجار ؛ مولى لبني حنيفة ففركت جريرا ، وجعلت دمعتها لا ترفأ بكاء على زيد وحبّا له ، فقال جرير هذا الشعر.

(٢) الشوساء : رافعة الرأس ، والطامح : التي تبغي غير زوجها.

(٣) في شرح الديوان «قيل لجرير : ما لجام الجوامح؟ قال : هذاك ـ وأشار إلى سوط معلق.

١٠٦

أبو الحسن الأحمر

وعليّ بن حازم اللحياني

وممّن أخذ عن الكسائيّ أبو الحسن عليّ الأحمر (١) ، وأبو الحسن عليّ بن حازم اللّحياني (٢) ؛ من بني لحيان ، صاحب «النوادر».

حدّثنا محمد بن عبد الواحد قال : حدّثنا أبو عمرو بن الطوسي عن أبيه عن اللحياني ، قال محمد : وسمعت أبا العباس ثعلبا يقول : قال الأحمر : خرجت من عند الكسائيّ ذات يوم ، فإذا اللّحياني جالس ، فقال لي : ادخل فاشفع لي إلى الكسائيّ لأقرأ عليه هذه «النوادر». قال : فدخلت على الكسائيّ فقلت له ، فقال : هو بغيض ثقيل الروح ـ قال ثعلب : وكان اللّحياني ورعا ـ قال الأحمر : فقلت له : قال لي كذا وكذا ، فلم لا تنبسط معه؟ فقال : دعني وإياه. قال اللّحياني : فدخلت عليه فإذا هو قاعد على كرسيّ ملوكيّ وعليه مقتدريّة (٣) مشهّرة ، وعلى رأسه بطيخيّة ، وبيده كسرة سميذ يفتّها للحمام ـ قال ثعلب : وكان السلطان قد أفسده ـ قال : فقال : ما تقول في النبيذ؟ قلت : أنا؟ قال : نعم. قلت : أنا أحسوه ثم أفسوه. قال فضحك مني. وقال : أنت ظريف ، اكتم ما سمعت واقرأ ما شئت. فقرأت عليه وخرجت ، فإذا الحجارة تأخذ كعابي فالتفتّ أقول : من يرمينا؟ فإذا هو من منظر له يقول : من كنت تقرأ عليه حتى صدّعته منذ اليوم!.

وقد أخذ اللّحياني عن أبي زيد وأبي عبيدة والأصمعيّ ، إلا أن عمدته على الكسائيّ ، وكذلك أهل الكوفة كلّهم يأخذون عن البصريين ، ولكن أهل البصرة يمتنعون من الأخذ عنهم ، لأنهم لا يرون الأعراب الذين يحكون عنهم

__________________

(١) هو أبو الحسن عليّ بن المبارك الأحمر ؛ صاحب الكسائي ومؤدب الأمين ؛ توفي سنة ١٩٤ ؛ (إنباه الرواه ٢ / ٣١٧).

(٢) ذكره الزبيدي في الطبقة الثانية من اللغويين الكوفيين ؛ (الطبقات ٢١٣).

(٣) في الأصل : «مقدارية» تصحيف.

١٠٧

حجّة ، ويذكرون أن في الشعر الذي يروونه ما قد شرحناه فيما مضى ، ويحملون غيره عليه.

أخبرنا جعفر بن محمد قال : أخبرنا إبراهيم بن حميد قال : قال أبو حاتم : فإذا فسّرت حروف القرآن المختلف فيها ، أو حكيت عن العرب شيئا فإنما أحكيه عن الثقات عنهم ، مثل أبي زيد والأصمعيّ وأبي عبيدة ويونس وثقات من فصحاء الأعراب وحملة العلم ، ولا ألتفت إلى رواية الكسائيّ والأحمر (١) والأمويّ والفرّاء ونحوهم ، وأعوذ بالله من شرّهم.

__________________

(١) في الأصل : «الأحمري».

١٠٨

إنتقال العلم إلى بغداد

قال أبو الطّيّب اللغويّ : فلم يزل أهل المصرين على هذا حتى انتقل العلم إلى بغداد قريبا ، وغلب أهل الكوفة على بغداد ، وحدّثوا الملوك فقدّموهم ، ورغب الناس في الروايات الشاذّة ، وتفاخروا بالنوادر ، وتباهوا بالترخيصات وتركوا الأصول ، واعتمدوا على الفروع ، فاختلط العلم.

١٠٩

عبد الله بن سعيد الأموي

وطبقته

وكان من علمائهم في هذا العصر ـ أعني عصر الفرّاء ـ أبو محمد عبد الله بن سعيد الأموي (١) ، أخذ عن الأعراب وعن أبي زياد الكلابيّ وأبي جعفر الرؤاسي ونبذا عن الكسائي ، وله كتاب نوادر ، وليس علمه بالواسع.

وفي طبقته أبو الحسن عليّ بن المبارك الأخفش (٢) الكوفيّ.

وأبو عكرمة الضّبيّ ، صاحب كتاب «الخيل» (٣).

وأبو عدنان الراوية (٤) صاحب كتاب «القسيّ» (٥) ونعم الكتاب في معناه بعد كتاب أبي حاتم ؛ وقد روى أبو عدنان عن أبي زيد كتبه كلّها.

__________________

(١) ذكره الزبيدي في الطبقة الثانية من اللغويين الكوفيين.

(٢) كذا في الأصل وفيما نقله السيوطي في المزهر عن كتاب المراتب. وصوابه «الأحمر».

(٣) أبو عكرمة الضبي ، ورد ذكره عرضا في كتاب إنباه الرواة ٤ / ٥١ فيمن حدث عن يعقوب بن إسحاق بن السكيت صاحب كتاب إصلاح المنطق.

(٤) اسمه عبد الرحمن بن عبد الله الأعلى السلمي. ترجم له القفطي بكنيته في إنباه الرواة ٤ / ١٤٢.

(٥) في كتاب الإنباه : «كتاب القوس».

١١٠

أبو عمرو الشيباني

ومن روى عنه

ومن أعلمهم باللّغة وأحفظهم وأكثرهم أخذا عن ثقات الأعراب أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيبانيّ ، وهو من أهل الرّمادة (١) بالكوفة ، وإنما جاور بني شيبان فنسب إليهم ، وهو صاحب كتاب «الجيم (٢)» ، وكتاب «النوادر» ، وهما كتابان جليلان.

فأما «النوادر» فقد قرئ عليه ، وأخذناه رواية عنه. أخبرنا به أبو عمر محمد بن عبد الواحد قال : أخبرنا ثعلب عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني ، عن أبيه.

وأما كتاب «الجيم» فلا رواية له ، لأن أبا عمرو بخل به على الناس فلم يقرأه عليه أحد.

وقد روى عنه أبو الحسن الطوسيّ (٣) ، وأبو سعيد الضرير (٤) ، وأبو سعيد الحسن بن الحسين السكريّ (٥).

وأجلّ من روى عنه أبو نصر الباهليّ ، وأبو الحسن اللحياني ، ثم يعقوب بن السكيت.

فأما الطوسيّ والسكريّ فإنهما راويان ، وليسا إمامين ، وقد رويا عن أبي حاتم والريّاشي وغيرهما من علماء البصريين والكوفيين ، وكان السكريّ كثير الشكوك.

__________________

(١) تطلق الرمادة على عدة مواضع.

(٢) كتاب الجيم منه نسخة مخطوطة بمكتبة الأوسكوريال وعنها نسخة مصورة بمكتبة مجمع اللغة العربية بمصر.

(٣) ذكره صاحب نزهة الألباه ص ٨١ ؛ وقال عنه : «أخذ عن مشايخ الكوفيين والبصريين وأكثر أخذه عن ابن الأعرابي».

(٤) هو أحمد بن خالد أبو سعيد الضرير ؛ لقي ابن الأعرابي وأبا عمرو الشيباني ، واستقدمه طاهر بن عبد الله من بغداد إلى نيسابور ؛ وأقام بها مدة ؛ وأملى كثيرا من الكتب في معاني الشعر والنوادر. (وانظر إنباه الرواة ١ / ٤١).

(٥) توفي سنة ٢٧٥. (وانظر ترجمته في تاريخ بغداد ٧ / ٢٩٦ ـ ٢٩٧).

١١١

ابن الأعرابيّ

وأما أبو عبد الله محمد بن زياد الأعرابيّ (١) فإنه أخذ العلم عن المفضّل الضّبي ، وكان ربيبه ؛ ومحمد أحفظ الكوفيين للغة ، وقد أخذ علم البصريين وعلم أبي زيد خاصة من غير أن يسمعه منه ، وأخذ عن أبي زيد وجماعة من الأعراب ، مثل الصّقيل (٢) وعجرمة ، وأبي المكارم ، وقوم لا يثق بأكثرهم البصريون. وكان ينحرف عن الأصمعيّ ولا يقول في أبي زيد إلا خيرا.

وكان أبو نصر الباهليّ يتعنّت ابن الأعرابي ويكذّبه ويدّعي عليه التزيّد ويزيّفه. وابن الأعرابي أكثر حفظا للنوادر منه ، وأبو نصر أشد تثبّتا وأمانة وأوثق.

__________________

(١) ذكره الزبيدي في الطبقة الثانية من اللغويين الكوفيين ، وقال أنه توفي سنة ٢٣١. (الطبقات ٢١٥).

(٢) ذكره القفطي في الإنباه ٤ / ١١٥ ، قال : ويكنى أبا الكميت العقيلي.

١١٢

أبو عبيد القاسم بن سلام

وأما أبو عبيد القاسم بن سلّام فإنه مصنّف حسن التأليف ، إلا أنه قليل الرواية يقطعه عن اللغة علوم افتنّ فيها.

وأما كتابه المترجم «بالغريب المصنف» فإنه اعتمد فيه على كتاب عمله رجل من بني هاشم جمعه لنفسه ، فأخذ كتب الأصمعيّ فبوّب ما فيها وأضاف إليه شيئا من علم أبي زيد ، وروايات عن الكوفيين.

وأما كتابه في «غريب الحديث» فإنه اعتمد فيه على كتاب أبي عبيدة بن المثنّى في «غريب الحديث» ، وكذلك كتابه في «غريب القرآن» منتزع من كتاب أبي عبيدة ، وكان مع هذا ثقة ورعا لا بأس به ؛ وقد روى عن الأصمعيّ وأبي عبيدة ، ولعلّه سمع من أبي زيد شيئا ؛ وسمع من الفراء ، والأمويّ وأبي عمرو والأحمر.

وذكر أهل البصرة أن أكثر ما يحكيه عن علمائهم غير سماع ، إنما هو من الكتب ؛ وقد أخذت عليه مواضع في كتابه «الغريب المصنّف».

وكان ناقص العلم بالإعراب ، أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال : أخبرنا المعبديّ ، قال أبو عبيد : جمعت كتاب «الغريب المصنف» في ثلاثين سنة ، وجئت به إلى محمد بن عبد الله بن طاهر ، فأمر بألف دينار.

وكان أبو عبيد يسبق بمصنّفاته إلى الملوك ، فيجيزونه عليها ؛ فلذلك كثرت مصنّفاته. وهو مولىّ للأزد من أبناء أهل خراسان ، وكان مؤدّبا ، ثم ولي قضاء طرطوس أيام ثابت بن نصر بن مالك ، ولم يزل معه ومع ولده ؛ وحجّ بعد قدومه بغداد ، وبعد أن صنّف ما صنّف من كتبه. وتوفّي بمكّة سنة أربع وعشرين ومائتين.

١١٣

ابن نجدة

وأبو الحسن الأثرم

وكان في هذا العصر من الرواة ابن نجدة وأبو الحسن الأثرم (١). فكان ابن نجدة يختص بعلم أبي زيد وروايته ؛ وكان الأثرم يختص بعلم أبي عبيدة وروايته.

__________________

(١) هو عليّ بن المغيرة ؛ أبو الحسن الأثرم ؛ توفي سنة ٣٢١ (إنباه الرواة ٣١٩ ـ ٣٢١).

١١٤

سلمة بن عاصم

وكان أبو محمد سلمة (١) بن عاصم راوية الفّراء ، وكان مختصا به ، متعصّبا للكوفيين ، على ورع كان فيه شديد ، وتألّه عظيم. فحدّثنا أبو عبد الرحمن عبد القدوس بن أحمد قال : حدّثنا أبو سعيد الغاضريّ قال : قلت لأبي محمد سلمة : على أيّ الرجلين أقرأ؟ الكسائيّ أم عاصم؟ قال : الكسائي ؛ قلت له : هاه! كالمتعجب ؛ قال : فأين التعصّب؟ قال : وكانت فيه دعابة ، فسألته يوما عن شيء ، فقال : على السّقيط خبرت ، وهو يضحك ، يريد : «على الخبير سقطت».

وأخبرونا عن أبي عليّ محمد بن عيسى الهاشميّ قال : كان سلمة جارنا ؛ وكانت لنا جارية يقال لها سرور ، فكنّا نوجّهها إليه تخدمه ، فكانت تخبرنا أنه يصلّي الغداة على طهر العتمة.

وما رئي سلمة قط في طريق إلا متأبّطا إزاره ، ميلا إلى أن يحمل نفسه فلا يعرف.

وحدّثنا عبد القدوس بن أحمد قال : حدّثنا أبو عبد الله بن الطيالسيّ قال : حدّثنا أبو العباس بن واصل المقرئ قال : دخلنا على سلمة نعوده ، فانكشفت ركبته ، فرأيناها كركبة الجمل من طول القعود عليها في الصلاة.

__________________

(١) ذكره الزبيدي في الطبقة الرابعة من النحويين الكوفيين. وقال ابن الجزري إنه : «توفي بعد السبعين ومائتين فيما أحسب».

١١٥

ابن السّكيت

وأحمد بن يحيى ثعلب

وانتهى علم الكوفيين إلى أبي يوسف يعقوب بن إسحاق السكّيت (١) وأبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب الشيبانيّ (٢) ، مولى لبني شيبان ؛ وكانا ثقتين أمينين ، ويعقوب أسنّ وأقدم موتا ؛ وكان أحسن الرجلين تأليفا ، وكان ثعلب أعلمهما بالنحو ، وكان يعقوب يضعّف فيه.

فحدّثنا عبد القدوس بن أحمد قال : أخبرنا ثعلب قال : كنت عند يعقوب يوما فسألني عن شيء ، فصحت ـ وكان ثعلب شديد الحدّة ـ قال فقال لي ـ لا تصح ، فو الله ما سألتك إلا مستفهما.

وأخبرنا محمد بن يحيى قال : أخبرنا ثعلب قال : كنت عند يعقوب يوما فجاءه رجل من غلمان المازنيّ من أهل البصرة ، فقال : أخبرني ما وزن «نكتل» من الفعل؟ فقال يعقوب : «نفعل» ، فقلت له : إنه يقول لك «نفتعل» فلقّنها يعقوب ، وفطن ثم التفتّ إلى البصريّ فقلت له : كيف تقول : أحوج ما أنت إليه النحو»؟ فقال : أحوج ما أنت إليه النحو. قلت : أخطأت ، إنما الكلام : أحوج ما أنت إليه محتاج النحو. قال : فخرس.

وكان يعقوب أخذ عن أبي عمرو والفراء ، وكان يحكي عن الأصمعي وأبي عبيدة وأبي زيد من غير سماع إلا ممّن سمع منهم ؛ نحو الأثرم وابن نجدة وأبي نصر. وكان ربما حكى عن أعراب ثقات عنده. وقد أخذ عن ابن الأعرابي شيئا يسيرا.

وكان أبو العبّاس ثعلب يعتمد على ابن الأعرابيّ في اللغة ، وعلى سلمة في النحو ؛ وكان يروي عن ابن نجدة كتب أبي زيد ، وعن الأثرم كتب أبي عبيدة ، وعن أبي نصر كتب أبيه ؛ وكان ثقة ، وقد أخذ عمّن أخذ عنه ، وليس فيمن لقينا من أخذ عن يعقوب لتقدّم موته.

__________________

(١) توفي ابن السكيت سنة ٢٤٤. (طبقات الزبيدي ٢٢٣).

(٢) توفي ثعلب سنة ٢٩١. (طبقات الزبيدي).

١١٦

محمد بن حبيب

فأما أبو جعفر محمد بن حبيب (١) فإنه صاحب أخبار ، وليس في اللّغة هناك. وحبيب اسم أمّه ـ فلذلك لا يصرف.

أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال : أخبرنا ثعلب قال : مررت بمجلس ابن حبيب في الجامع ، فملت إليه ، فجلست عنده ـ وكان يملي ـ فلما جلست إليه قطع الإملاء فقلت : خذ فيما كنت فيه ، فقال : وأنت حاضر! لا والله لا أفعل.

__________________

(١) ذكره الزبيدي في الطبقة الرابعة من طبقات النحويين الكوفيين ؛ ولم يذكر تاريخ وفاته. (الطبقات ١٥٣ ـ ١٥٤).

١١٧

المفضل بن سلمة

وقد أخذ عن سلمة ابنه أبو طالب المفضل (١) إلا أنه لم يتقن عن أبيه. تعلّم بعده من يعقوب وأحمد بن يحيى ، وكان مخالفا لطريقة أبيه في التواضع ؛ وقد نظرت في كتبه فوجدته مخلطا متعصّبا ، ورد شيئا كثيرا من كتاب «العين» ، أكثره غير مردود ؛ واختار اختيارات في اللغة والنحو ومعاني القرآن ، غيرها المختار.

__________________

(١) ذكر ابن قاضي شهبة أنه توفي سنة ٣٠٠ ؛ (طبقات ابن قاضي شهبة ١ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥).

١١٨

القاسم الأنباري

ومن روى عنه

فأما القاسم الأنباري (١) ومن روى عنه مثل أحمد بن عبيد (٢) الملقّب أبا عصيدة ؛ فإن هؤلاء رواة أصحاب أشعار ، لا يذكرون مع من ذكرنا.

وجملة الأمر أنّ العلم انتهى إلى من ذكرنا من أهل العراقين على الترتيب الذي رتّبنا ؛ وهؤلاء أصحاب الكتب والرجوع إليهم في علم العرب ، وما أخللنا بذكر أحد ، إلا لسبب ، إما لأنه ليس بإمام ولا معوّل عليه ، وإما لأنه لم يخرج من تلامذته أحد يحيي ذكره ، ولا من تأليفه شيء يلزم الناس نشره ؛ كإمساكنا عن ذكر اليزيديين (٣) وهم بيت علم ؛ وكلّهم يرجعون إلى جدهم أبي محمد يحيى بن المبارك اليزيدي ، وهو في طبقة أبي زيد والأصمعي وأبي عبيدة والكسائي ، وعلمه عن أبي عمرو وعيسى بن عمر ويونس وأبي الخطاب الأكبر. وقد روى عن أبي عمر القراءة المشهورة في أيدي الناس ؛ إلا أن علمه قليل في أيدي الرواة ، إلا في أهل بيته وذريته ، وهو ثقة أمين مقدّم مكين.

__________________

(١) هو القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن الأنباري ، والد أبي بكر ، توفي ببغداد سنة ٣٠٤.

(طبقات الزبيدي ١٧١).

(٢) هو أبو جعفر أحمد بن عبيد بن ناصح بن بلنجر المعروف بأبي عصيدة ؛ من نحاة الكوفة ، توفي سنة ٢٧٣ ، (معجم الأدباء ٣ / ٢٢٨ ـ ٢٣٢).

(٣) اليزيديون : منسوبون إلى يزيد بن منصور بن عبد الله بن يزيد الحميري ، خال المهدي العباسي ، وكان يحيى بن المبارك جدهم منقطعا إليه مؤدبا لأولاده ، فنسب إليه. وتوفي سنة ٢٠٢ ؛ كما في طبقات الزبيدي ٦٤. وجماعة اليزيديين هم يحيى وأولاده : محمد (وهو المقدم منهم) وإبراهيم وإسماعيل وعبد الله : وهؤلاء الأربعة برعوا في اللغة العربية ، ويعقوب وإسحاق ، وهذان زهدا وتعلّما الحديث. ثم أولاد محمد بن يحيى المذكور ؛ وعددهم إثنا عشر : أحمد والعباس والحسن وجعفر والفضل وسليمان وعبيد الله (وهؤلاء برعوا) وعبد الله وعليّ وعيسى ويوسف والحسين. وانظر الفهرست. والأنساب ٦٠٠ ، وبغية الوعاة ص ٢ / ٣٤٠. وطبقات الزبيدي ٦٥.

١١٩

ولا علم للعرب إلا في هاتين المدينتين.

فأما مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فلا نعلم بها إماما في العربية.

قال الأصمعيّ : أقمت بالمدينة زمانا ما رأيت بها قصيدة واحدة صحيحة إلا مصحّفة أو مصنوعة.

١٢٠