أقضية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم

محمّد بن فرج المالكي القرطبي

أقضية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم

المؤلف:

محمّد بن فرج المالكي القرطبي


المحقق: الشيخ طالب عوّاد
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ٠
ISBN: 9953-27-352-9
الصفحات: ١٤٤

كتاب البيوع

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في السلم والربا وبيع النخل إذا أبرت واختلاف المتبايعين والخيار

في البخاري ومسلم عن ابن عباس قال : قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة وهم يسلفون في البسر (١) السنتين والثلاث (٢). زاد في الدلائل الأصيلي : فنهاهم.

وفي مصنف أبي داود : سلف رجل إلى رجل في نخل فلم تخرج النخلة تلك السنة شيئا ، فاختصما إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «بم تستحل ماله؟» أردد عليه ماله ، ثم قال : «لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه» (٣).

قال في الكتابين والدلائل : «من أسلف فليسلف في كيل معلوم ، أو وزن معلوم إلى أجل معلوم» (٤).

وفي الكتابين عن ابن عمر قال : رأيت الناس يضربون على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا اشتروا الطعام خوفا أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم ، وفي كتاب النسائي مثله (٥).

وفي الموطأ والبخاري : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث عاملا له إلى خيبر هكذا فقال : لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تفعل بع الجميع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا». وفي البخاري وقال في الميزان مثل ذلك. وفي مسلم مثله وزاد في كتاب مسلم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هذا عين الربا» (٦).

وفي حديث آخر : «هذا الربا فردوه ، ثم بيعوا لنا تمرا واشتروا لنا من هذا» (٧).

وفي موطأ مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال : أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم السعدين أن يبيعا آنية من

__________________

(١) البسر : هو البلح قبل أن يرطب.

(٢) رواه البخاري (٢٢٣٩) ، ومسلم (١٦٠٤) ، وأبو داود (٣٤٦٣) من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

(٣) رواه أبو داود (٣٤٦٧) من حديث عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما. وإسناده ضعيف.

(٤) رواه البخاري (٢٢٤٠) ، ومسلم (١٦٠٤) و (١٢٧) من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

(٥) رواه البخاري (٢١٣١) ، ومسلم (١٥٢٦) و (٣٨) من حديث عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما.

(٦) رواه البخاري (٢٣٠١ و ٢٢٠٢) ، ومسلم (١٥٩٣) ، والموطأ (٢ / ٦٢٣).

(٧) رواه مسلم (١٥٩٣) و (٩٧) من حديث أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه.

٨١

المغانم من ذهب أو فضة ، فباعا كل ثلاثة عينا بأربعة عينا أو كل أربعة وزنا بثلاثة وزنا. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أربيتما فردّا (١).

وفي كتاب مسلم : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتي يوم خيبر بقلادة فيها خرز وذهب ـ وهي من المغانم تباع ـ فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ، ثم قال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الذهب بالذهب وزنا بوزن».

وفي كتاب أبي داود قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يباع حتى يفصل» (٢).

وفي الموطأ والبخاري ومسلم : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من باع نخلا قد أبر فثمرها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع ، ومن باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع» (٣).

وفي الدلائل للأصيلي عن ابن عمر : أن رجلا اشترى نخلا قد أبّرها (٤) صاحبها فخاصمه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الثمرة لصاحبها الذي أبرّها إلا أن يشترطها المشتري» (٥). وفي مصنف عبد الرزاق عن أنس : أن رجلا اشترى من رجل بعيرا واشترط الخيار أربعة أيام ، فأبطل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم البيع وقال : «الخيار ثلاثة أيام» (٦). وهذا رأى هشام بن يوسف وأبي حنيفة ، هكذا في المصنف.

وفي الدلائل للأصيلي قال الشافعي وأبو حنيفة : لا خيار فوق ثلاثة أيام.

وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن مثل قول مالك : أن الخيار إنما هو على ما جرت به العادة بين الناس ، والدليل على ذلك أنه ليس من اشترى قرية بعيدة الأقطار ، أو ألف بعير في مراعيها بمنزلة من اشترى شاة أو بعيرا أو ثوبا. وقال أبو برزة : قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أن المتبايعين بالخيار ما لم يفترقا». ووقع في الموطأ والبخاري ومسلم أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا إلا بيع الخيار» (٧). وقال ابن حبيب في الواضحة : الحديث

__________________

(١) رواه مالك في الموطأ (٢٥٦٣) في البيوع باب بيع الذهب بالفضة تبرا وعينا مرسلا.

(٢) رواه مسلم (١٥٩١) ، وأبو داود (٣٣٥٢) من حديث فضالة بن عبيد الله رضي‌الله‌عنه.

(٣) رواه البخاري (٢٣٧٩) ، ومسلم (١٥٤٣) ، والموطأ (٢ / ٦١٧) من حديث عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما.

(٤) أبّرها : أي قد لقّحها.

(٥) رواه أحمد في المسند (٢ / ٣٠) و (٤٨٥٢) ، والنسائي في الكبرى (٤٩٩٣) ، والبيهقي في السنن (٥ / ٣٢٥) من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما. وهو حديث صحيح. وإسناده منقطع. عكرمة بن خالد. لم يسمع من ابن عمر رضي‌الله‌عنه.

(٦) رواه عبد الرزاق في المصنف وفي إسناده أبان بن أبي عياش قال عبد الحق : لا يحتج بحديثه.

(٧) رواه البخاري (٢١٠٧ و ٢١٠٩) ، ومسلم (١٥٣١ و ١٣) ، وابن حبان (٤٩١٣) من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما.

٨٢

منسوخ بقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا اختلف البيعان فالقول قول البائع أو يترادان» (١).

وفي المدونة : «إذا اختلف المتبايعان استحلف البائع ثم المبتاع بالخيار إن شاء أخذ وإن شاء حلف وترك» (٢). وقال أشهب : وليس العمل على الحديث الذي جاء : «البيعان بالخيار ما لم يفترقا». ويروى ـ والله أعلم ـ أنه منسوخ لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «المسلمون عند شروطهم» (٣). ولقوله عليه‌السلام : «إذا اختلف البيعان استحلف البائع» (٤). رواه مالك مرسلا ، وهو في الدلائل مسند عن يحيى بن سعيد القطان ، عن ابن عجلان ، عن عون بن عبد الله ، عن ابن مسعود ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وعن سفيان الثوري ، عن معن بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بكر الصديق ، عن ابن مسعود ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الموطأ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل عن اشتراء التمر بالرطب فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أينقص الرطب إذا يبس؟» قالوا : نعم. فنهى عن ذلك (٥).

وقال أبو عمرو الإشبيلي وغيره : في هذا الحديث من الفقه : أن ترد الصناعات إلى أهلها لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد علم أن الرطب ينقص إذا يبس فرد ذلك إلى أهل المعرفة.

__________________

(١) رواه أحمد في المسند (١ / ٤٦٦) و (٤٤٤٤ و ٤٤٤٥) ، وابن أبي شيبة (٦ / ٢٢٧) ، والبيهقي في السنن (٥ / ٣٣٢) ، والترمذي (١٢٧٠) ، والشافعي في السنن (٥ / ٣٣٢) وقال : هذا حديث منقطع لا أعلم أحدا وصله عن ابن مسعود. وقد جاء من غير وجه ـ وقال الترمذي : هذا حديث مرسل عون بن عبد الله لم يدرك ابن مسعود.

(٢) رواه النسائي في المجتبى (٧ / ٣٠٣). وذكره الزيلعي في نصب الراية (٤ / ١٠٦) وإسناده حسن.

(٣) رواه الحاكم في المستدرك (٢ / ٤٩) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه. وصححه الحاكم. وقال الذهبي في التلخيص : كثير بن زيد ضعفه النسائي ، ومشاه غيره وله شاهد. وأبو داود و (٣٥٩٤) ورواه الحاكم في المستدرك (٢ / ٤٩) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها وصححه. وقال في التلخيص : إسناده واه. ورواه ابن ماجه (٢٣٥٣) من حديث عمرو بن عوف رضي‌الله‌عنه. وفي إسناده ضعف. وفي الباب عن رافع بن خديج رواه الطبراني ، وابن عدي. ومن حديث ابن عمر رواه العقيلي في الضعفاء ص (٣٧٥). وجملة القول إن الحديث بمجموع هذه الطرق يرتقي إلى درجة الحسن لغيره.

(٤) رواه الدارقطني في السنن (٣ / ١٨) من حديث عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه. وفي إسناده عبد الملك ابن عبيدة ـ قال الحافظ في التقريب : مجهول الحال. أقول : وفي الإسناد ابن لعبد الله لم يسم فهو مجهول.

(٥) رواه مالك في الموطأ (٢ / ٦٢٤) ، والترمذي (١٢٣٥) ، والنسائي (٧ / ٢٦٩) ، وابن ماجه (٢٣٦٤) وقال الترمذي : حديث حسن. وصححه ابن حبان. وابن خزيمة والحاكم (٢ / ٣٨ و ٣٩) وله شاهد مرسل جيد عند البيهقي في السنن (٥ / ٢٩٥) من حديث عبد الله بن أبي سلمة رضي‌الله‌عنه.

٨٣

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في التلقي والمصراة والرد بالعيب وإن الغلّة بالضمان

في مصنف ابن السكن أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يبيع بعضكم على بيع بعض إلا الغنائم والمواريث» (١).

وترجم البخاري بالنهي عن تلقي الركبان وبيعه مردود لأن صاحبه آثم عاص إذا كان به عالما وهو خداع في البيع والخداع لا يجوز.

وفي الموطأ والبخاري ومسلم والنسائي : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا تلقّوا الركبان للبيع ، ولا يبيع بعضكم على بيع بعض ، ولا تناجشوا (٢) ، ولا يبيع حاضر لباد ، ولا تصروا (٣) الإبل والغنم ، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر» (٤).

وفي مصنف أبي داود : «ردها ومعها مثل أو مثلي لبنها قمحا» (٥). وفي البخاري ومسلم في حديث آخر : «فمن ابتاعها فهو بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردّها وصاعا من تمر لا سمراء» (٦).

وفي كتاب النسائي قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تلقّوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى صاحبه السوق فهو بالخيار» (٧). وفيه : أن عائشة قالت : قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أن الخراج بالضمان» (٨). وأجمع المسلمون على الحكم بالغلة بالضمان ، واحتج بذلك أبو حنيفة في إبطال رد المصرّاة ولا يجوز له عند أبي حنيفة ردها دون لبنها ولا بيع لبنها ، ويرجع بقيمة العيب ، وخالف في ذلك قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحكمه في المصراة بقياسه على الحديث الذي فيه الخراج بالضمان.

__________________

(١) رواه البخاري (٢١٣٩) من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما دون الجملة الأخيرة فلم نجدها فيما لدينا من المصادر.

(٢) النجش ـ الزيادة في الثمن. وهو لا يريد شراءها.

(٣) تصروا : التصرية ـ ترك الحلب يوم أو يومين حتى يجتمع لها لبن.

(٤) رواه البخاري (٢١٥٠) ، والموطأ (٢ / ٦٨٣) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه.

(٥) رواه أبو داود (٣٤٤٦) من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما. وفي إسناده ضعف.

(٦) رواه البخاري (٢١٤٨) ، ومسلم (١٥٢٤ و ٢٥) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه.

(٧) رواه النسائي في المجتبى (٤٥٠١) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه. وهو حديث صحيح.

(٨) رواه النسائي (٧ / ٢٥٤ و ٢٥٥) و (٤٤٩٠) ، والترمذي (١٢٨٥) وصححه الترمذي ، وابن حبان ، وابن الجارود ، والحاكم.

٨٤

وفي مصنف أبي داود أن رجلا ابتاع غلاما فأقام عنده ما شاء الله ثم وجد به عيبا فخاصمه إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرده عليه ، فقال الرجل : يا رسول الله قد استغل غلامي ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الخراج بالضمان» (١). والصحيح ما اتفق عليه مالك والشافعي وغيرهم من الأئمة أن حكم المصرّاة حكم على حدة لا يعارض فيه ولا يقاس على غيره والدليل على ذلك : إجماع العلماء على الرد بالعيب ما لم يفت المعيب ، وليس حلاب الشاة المصرّاة تفويتا لها حتى يجب إمساكها والرجوع بقيمة العيب ، هذا غلط.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في التفليس وموت المبتاع قبل دفع الثمن ومن اشترى سرقة وهو لا يعلم

في الموطأ والبخاري ومسلم والنسائي أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أيما رجل أفلس فأدرك الرجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره» (٢).

وفي الموطأ لمالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه منه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به ، وإن مات الذي ابتاعه فصاحب المتاع أسوة الغرماء» (٣). وبهذا أخذ مالك ، وأخذ الشافعي برواية ابن أبي ذئب عن المعتمر عن عمر بن خالدة عن أبي هريرة أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قضى : «أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه». قال أحمد بن خالد في مسنده : ليس يعارض حديث الزهري بابن أبي ذئب. وقال النسائي : ابن أبي ذئب ضعيف. وفي دلائل الأصيلي عن عكرمة بن خالد أن أسيد بن حضير حدثه ، قال : كتب معاوية إلى مروان : إذا سرق الرجل ، فوجد سرقته فهو أحق بها حيث وجدها ، فكتب إلى مروان بذلك وأنا على اليمامة فكتبت إلى مروان أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قضى «إذا وجدت السرقة عند رجل وهو غير متهم ، فإن شاء سيدها أخذها بالثمن ، واتبع سارقه» ، ثم قضى بعده بذلك أبو بكر ، وعمر ، وعثمان. فبعث مروان بكتاب إلى معاوية ، فكتب معاوية إلى مروان : إنك لست أنت ولا ابن حضير تقضيان علي فيما وليت ، ولكني أقضي عليك فأنفذ ما أمرتك به. وتكرر الحديث وطال فبعث إلى مروان بكتاب معاوية ، فقلت : لا أقضي به ما وليت (٤). قال النيسابوري : وما أعلم

__________________

(١) رواه أبو داود (٣٥١٠) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها وإسناده ضعيف.

(٢) رواه البخاري (٢٤٠٢) ، ومسلم (١٥٥٩) ، ومالك (٢٦٨٧) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه.

(٣) رواه مالك في الموطأ (٢٦٨٦) عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن طريقه عبد الرزاق في المصنف (١٥١٥٨) ، وأبو داود (٣٥٢٠) هكذا مرسلا ووصله أبو داود (٣٥٢٢) ، والبيهقي (٦ / ٤٦). وصححه ابن خزيمة. وابن التركماني في الجوهر النقي (٦ / ٤٧) فهو كما قالا.

(٤) ذكره الهندي في كنز العمال (ج / ١٠) و (٣٠٣٧١) وقال : رواه أبو نعيم عن أسيد بن ظهير ورقم (٣٠٣٧٢). وقال : رواه الطبراني عن أسيد بن حضير رضي‌الله‌عنه.

٨٥

أحدا من الفقهاء قال بهذا الحديث إلا إسحاق بن راهواه. قيل لأحمد بن حنبل : حديث ابن أسيد تذهب إليه ، قال : لا قد اختلفوا فيه أذهب إلى حديث رواه هشيم عن موسى بن السائب عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ومن وجد ماله عند رجل فهو أحق به» (١).

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في الجوائح وما روي عنه فيها

في البخاري وكتاب مسلم والنسائي : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أرأيت إن منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟» وفي حديث آخر : «بم يستحل أحدكم مال أخيه؟» (٢) ورفعه مالك في الموطأ ، وذكره في الدلائل. وفي كتاب مسلم عن جابر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بوضع الجوائح (٣) بهذا الحديث. احتج مالك في وضع الجائحة إذا بلغت الثلث ، وقال الشافعي في أحد قوليه وأبو حنيفة والليث وسفيان الثوري : لا جائحة فيما اشترى من الثمار بعد بدوّ صلاحها بأي وجه كانت الجائحة ، واحتجوا بالحديث الثابت أن معاذ بن جبل أصيب على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تصدقوا عليه» فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك».

في قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وليس لكم إلا ذلك» ، دليل على أن لا شيء على معدوم ، وكان تفليس معاذ سنة تسع من الهجرة ، وخلصه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ماله لغرمائه ، وحصّل لهم خمسة أسباع حقوقهم. فقالوا : يا رسول الله بعه لنا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خلوا عنه ليس لكم إليه سبيل». وبعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليمن وقال له : «لعلّ الله أن يجبرك» ، وذلك في ربيع الآخر سنة تسع بعد أن غزا مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم غزوة تبوك ، وقدم بعد موت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في خلافة أبي بكر ومعه غنم ، فرآهم عمر ، فقال : ما هم؟ فقال : أصبتهم في وجهتي ، فقال عمر : من أي وجه؟ فقال : أهدوا إلي وأكرمت بهم. فقال عمر : اذكرهم لأبي بكر ، فقال معاذ : ما أذكر هذا لأبي بكر. ونام معاذ فرأى كأنه على شفير جهنم وعمر آخذ بحجزته من ورائه لئلا يقع في النار ، ففزع معاذ فذكرهم لأبي بكر كما أمر عمر فسوغه إياهم أبو بكر فقال : سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «لعل الله أن يجبرك» ، فقضى غرماءه بقية حقوقهم (٤) ، ذكره الطبري ، ليس في هذا الحديث حجة للشافعي

__________________

(١) رواه أحمد في المسند (٥ / ١٠) وأبو داود (٣٥٣١) ، والنسائي (٧ / ٣١٣ و ٣١٤) من حديث سمرة رضي‌الله‌عنه. والحسن لم يسمع من سمرة. إلا حديث العقيقة. وفيه أيضا قتادة بن دعامة السدوسي مدلس وقد عنعن.

(٢) رواه البخاري (٢١٩٨) ، ومسلم (١٥٥٥) ، ومالك (٢ / ٦١٨) من حديث أنس رضي‌الله‌عنه.

(٣) رواه مسلم (١٥٥٤) و (١٧) ، وأبو داود (٣٣٧٤) من حديث جابر رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه ابن ماجه (٢٣٥٧) مختصرا ، وابن سعد في طبقاته (ج / ٣ / ٤٤١) وقال : أخبرنا محمد بن عمر.

قال : حدثني عيسى بن النعمان عن معاذ بن رفاعة. عن جابر بن عبد الله رضي‌الله‌عنهما. وذكره ـ

٨٦

وأبي حنيفة في إسقاط الجائحة لأنها قد توضع عن المشتري ، ولا تسد له مسدا ويبقى عليه سائر الثمن بعد وضع الجائحة ولا يقدر عليه ، قاله الأصيلي. وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خمس من الحوائج : الريح ، والبرد والحريق ، والجراد ، والسيل» (١).

وفي البخاري عن زيد بن ثابت قال : كان الناس يتبايعون الثمار في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإذا حضر تقاضيهم قال المبتاع : أصاب الثمر الدّمان (٢) ، أصابه أمراض ، أصابه قشام (٣) وعاهات ، يحتجون بها فلما كثرت الخصومات عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أمّا الآن فلا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر» كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم عنده (٤).

والقول : قول الشافعي. وهو أول قوليه أن الجائحة في القليل والكثير ، وبذلك قال أحمد وأبو عبيد.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

فيمن يخدع في البيوع والعهدة والرهن في الطعام

إلى أجل وكتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شراه من العدّاء

في الموطأ والبخاري ومسلم : أن رجلا ذكر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه يخدع في البيوع ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا بعت فقل : لا خلابة». فكان الرجل إذا باع يقول : لا خلابة (٥). وفي غير الكتب المذكورة : «إذا بايعت فقل : لا خلابة وأنت بالخيار ثلاثا بعد بيعك» (٦) ، وهذا الرجل هو حبّان بن منقذ.

وفي المدونة عن عمر بن الخطاب ـ رضي‌الله‌عنه ـ أنه قال : نظرت في بيوعكم فلم أجد لكم شيئا مثل العهدة التي جعلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لحبان بن منقذ ، العهدة فيما اشترى ثلاثة أيام ، ثم قضى بذلك عبد الله بن الزبير.

__________________

بطوله. وفي إسناده عيسى بن النعمان لم نقف له على ترجمة. أقول : وله شواهد منها ما رواه مسلم (١٥٥٦) من حديث أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه.

(١) لم نجده بهذا اللفظ.

(٢) الدّمان : بفتح الميم والدال ـ فساد الطلع وتعفنه وسواده.

(٣) قشام ـ بفتح القاف ـ أن ينتقص قبل أن يصير بلحا.

(٤) رواه البخاري (٢١٩٣) معلقا : وقال الحافظ : لم أره موصولا من طريق الليث. وقد رواه سعيد بن منصور عن أبي الزناد عن أبيه نحو حديث الليث.

(٥) رواه البخاري (٢١١٧ و ٢٤٠٧ و ٢٤١٤) ، ومسلم (١٥٣٣) ، ومالك (٢ / ٦٨٥) من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما.

(٦) رواه الحاكم (٢ / ٢٢) ، والبيهقي (٥ / ٢٧٣) ، وابن حبان (٢٣٥٥) وصححه الحاكم. وقال في التلخيص : صحيح.

٨٧

وفي مصنف أبي داود : عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عهدة الرقيق ثلاثة أيام» (١).

وفي البخاري ويذكر عن العداء بن خالد قال : كتب لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هذا ما اشترى محمد رسول الله من العدّاء بن خالد بيع المسلم للمسلم لا داء ولا خبثة ولا غائلة» (٢). قال قتادة : الغائلة الزنا والسرقة والإباق. ومن غير البخاري ذكره الأصيلي في كتاب الفوائد مما روى عن شيوخه : أن العداء بن خالد هذا اشترى من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم غلاما ، وكتب عليه العهدة.

وذكر ابن الفخار في رده على ابن العطار : أن العداء بن خالد (٣) اشترى من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكتب له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هذا ما اشترى العدّاء بن خالد من محمد رسول الله : اشترى منه عبدا ، أو أمة ـ شك المحدث» (٤) وبدأ باسم العداء قبل اسمه ، وهذا كله خلاف ما ذكره البخاري.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم سبي أوطاس : «لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا حائل حتى تحيض» (٥).

وفي البخاري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «اشترى من يهودي طعاما إلى أجل ورهنه درعا له من حديد» (٦).

ترجم البخاري على هذا الحديث ثلاثة أبواب بشراء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالنسيئة ، وأدخل الحديث. ثم ترجم الكفيل في السلم ، وأدخل الحديث. ثم ترجم الرهن في السلم ، وأدخل الحديث.

وفي البخاري أيضا عن عائشة أنها قالت : توفي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير أخذها لأهله (٧).

وفي مصنف ابن السكن : بوسق شعير أخذه لأهله.

وفي المدونة عن زيد بن أسلم : أن رجلا جاء إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتقاضاه فأغلظه ، فقال رجل

__________________

(١) رواه أبو داود (٣٥٠٦ و ٣٥٠٧) وإسناده منقطع. الحسن روايته عن عقبة لم يصح له سماع من عقبة بن عامر. وقد وقع فيه اضطراب.

(٢) رواه البخاري معلقا في البيوع باب رقم (١٩) إذا بين البائعان ولم يكتما ويبيحا ـ والترمذي (١٢١٦) ، وابن ماجه (٢٢٥١). وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب.

(٣) العداء بن خالد : بفتح العين وتشديد الدال آخره همزة صحابي قليل الحديث. أسلم بعد حنين وهو من أعراب البصرة. من بني ربيعة. وفد على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. روى عنه أبو رجاء العطاردي وعبد المجيد بن وهب وهو القائل قاتلنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم حنين.

(٤) رواه البيهقي في السنن (٥ / ٣٢٨) ، والدارقطني (٣ / ٧٧). وهو حديث صحيح.

(٥) رواه أبو داود (٢١٥٧) من حديث أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه وهو حديث صحيح.

(٦) رواه البخاري (٢٠٦٨) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

(٧) رواه البخاري (٢٩١٦) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

٨٨

من القوم : لا أراك تقول لرسول الله ما تقول إلا انتقمت منك. قال : «دعه فإنه طالب حق» ، ثم قال للرجل : «انطلق إلى فلان فليبعنا طعاما إلى أن يأتينا شيء» ، فأبى اليهودي ، فقال : لا أبيعه إلا بالرهن ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اذهب إليه بدرعي أما والله إني لأمين في السماء وأمين في الأرض» (١). وفي غير البخاري : إنما أخذ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الشعير لضيف طرقه ثم فداها أبو بكر رضي‌الله‌عنه.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

بالجمع بين الأم وولدها

وحكمه في بيع وشرط واستيجار دليل مشترك

في الحديث الثابت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا توله (٢) والدة عن ولدها» (٣). ويروى عنه عليه‌السلام أنه قال : «من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة» (٤). وفي المدونة عن جعفر بن محمد عن أبيه : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا قدم عليه السبي صفّهم وقام ينظر إليهم ، فإذا رأى امرأة تبكي قال لها : «ما يبكيك؟» فتقول : بيع ابني ، بيعت ابنتي. فيأمرهم فيرد إليها (٥).

وعن جعفر بن محمد عن أبيه : أن أبا أسيد الأنصاري قدم بسبي من البحرين على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقام ينظر إليهم وقد صفّهم فإذا امرأة تبكي فقال : «ما يبكيك؟» فقالت : بيع ابني في بني عبس. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي أسيد : «لتركبن فتلحق به» ، فركب أبو أسيد فجاء به (٦).

وعن يونس بن عبد الرحمن : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث علي بن أبي طالب على سرية فأصابوا شيئا فأصابتهم حاجة ومخمصة فأبتاع أباعير بوصيفة ولها أم ، فلما قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبره فقال له : «أفرّقت بينها وبين أمها يا علي؟» فاعتذر فلم يزل يردد عليه حتى قال : أنا أرجع فأستردها بما عزّ وهان قبل أن يمس رأسي ماء (٧).

__________________

(١) رواه البيهقي في السنن (٨ / ٥) من حديث أبي بكر رضي‌الله‌عنه. وإسناده ضعيف ورواه ابن عدي في الكامل (٦ / ٤١٨) من حديث أنس رضي‌الله‌عنه. وفي إسناده ميسر بن عبيد قال الدارقطني متروك وضعفه ابن معين وغيره.

(٢) الوله : الحزن.

(٣) رواه البيهقي في السنن (٨ / ٤) وفي نصب الراية للزيلعي (٣ / ٢٦٦ و ٢٦٩) وابن عدي في الكامل (٦ / ٤١٨) وفي إسناده ميسر بن عبيد القرشي متروك.

(٤) رواه الترمذي (١٢٨٣) من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي‌الله‌عنه. وإسناده حسن. وقال الترمذي :

هذا حديث حسن غريب.

(٥) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (٧ / ١٩٤). وهو حديث مرسل.

(٦) رواه الحاكم في المستدرك (٣ / ٥١٦) وسكت عليه وقال الذهبي في التلخيص : مرسل.

(٧) يونس بن عبد الرحمن لم نجد له ترجمة فهو مجهول. وليس هو ممن روى عن علي رضي‌الله‌عنه.

٨٩

وعن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن جدّه ضميرة : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مر بأم ضميرة وهي تبكي فقال : «ما يبكيك؟ أجائعة أنت ، أعارية أنت؟» فقالت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرّق بيني وبين ابني. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يفرّق بين الوالدة وولدها» ، ثم أرسل إلى الذي عنده ضميرة فدعاه فابتاعه منه ببكر. قال ابن أبي ذئب : ثم أقرأني كتابا عنده : بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي ضميرة وأهل بيته : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعتقهم وأنهم أهل بيت من العرب ، إن أحبوا أقاموا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإن أحبوا رجعوا إلى قومهم فلا يعرض لهم إلا بحق ، ومن لقيهم من المسلمين فليوص بهم خيرا. وكتبه أبي بن كعب (١).

وعن عروة بن الزبير : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين خرج هو وأبو بكر مهاجرا إلى المدينة مر براعي غنم ، فاشتريا منه شاة وشرطا له سلبها. وفي غير البخاري : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبا بكر استأجرا رجلا من بني الديل هاديا إذ خرجا ـ وهو على دين كفار قريش ـ فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال ، فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث (٢). وأدخل البخاري هذا الحديث في باب : إذا استأجر أجيرا ليعمل بعد ثلاثة أيام ، أو بعد شهر ، أو بعد سنة جاوزهما على شرطيهما إذا حل الأجل (٣). وليس العمل على ما قاله البخاري : أو بعد سنة إذا كان إلى سنة لم يجز لأنه غرر ، واسم الدليل أرقط وقيل أريقط.

وروى مالك : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اشترى من جابر بن عبد الله بعيرا له في سفر من أسفاره قريبا من المدينة ، وشرط له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ظهره إلى المدينة ، وفي حديث آخر فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ولك ظهره إلى المدينة» (٤).

وقال أبو الزبير عن جابر : «أفقرناك ظهره إلى المدينة». وقال الأعمش : عن سالم عن جابر : «تبلغ عليه إلى أهلك». وفي البخاري : ثم قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الثمن والجمل لك» ، وكان اشتراه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأوقية. قاله وهب وزيد بن أسلم. وقال عطاء : أربعة دنانير. وهو سواء على حساب الديا نار عشرة دراهم. وقال سالم : أوقية ذهب ، رواه عنه الأعمش ، ورواه سالم عن جابر بمائتي درهم ، وقال ابن مقسم عنه : أربع أواق. وقال أبو نضرة عن جابر : بعشرين دينارا. وقال البخاري : وقول الشعبي أوقية أكثر واشتراط الركوب أكثر وأصح (٥).

__________________

(١) رواه البزار (١٢٦٩) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٤ / ١٠٧) وقال : رواه البزار وفيه حسين بن عبد الله بن ضميرة. متروك كذاب.

(٢) رواه البيهقي في دلائل النبوة (٢ / ٤٧٥) وذكره من دون سند.

(٣) رواه البخاري (٢٢٦٤ و ٣٩٠٥) في الإجارة. من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

(٤) رواه الترمذي (١٢٥٣) من حديث جابر رضي‌الله‌عنه وقال الترمذي هذا حديث صحيح.

(٥) رواه البخاري معلقا بأثر الحديث (٢٧١٨). باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمّى جاز ووصله البيهقي (٥ / ٣٣٧) من طريق عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جابر وهو حديث صحيح.

٩٠

كتاب الأقضية

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في الحقوق بالظاهر وباليمين على المدعى عليه عند عدم البينة وفي المتداعيين

يقيم كل واحد منهما بينة ويتكافيان وكيف يحلف المسلم والكافر

في الموطأ والبخاري ومسلم : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنما أنا بشر مثلكم وأنكم نختصمون إلي ، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض» (١). وفي حديث آخر في البخاري : «إنما أنا بشر وأنه يأتي الخصمان فلعل بعضا أن يكون أبلغ من بعض أقضي له بذلك وأحسب أنه صادق ، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار» (٢). وقال في الحديث في البخاري : «فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليدعها (٣).

وفي مصنف أبي داود عن علي قال : بعثني النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليمن فقلت : يا رسول الله ترسلني وأنا حديث السن لا علم لي بالقضاء! فقال : «إن الله عزوجل سيهدي قلبك ، ويثبت لسانك. فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضينَّ حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول ، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء». قال : فما زلت قاضيا وما شككت في قضاء بعد (٤).

وفي البخاري عن عبد الله بن مسعود قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يحلف امرؤ على يمين صبرا يقتطع بها مالا وهو فيها فاجر إلا لقي الله وهو عليه غضبان» ، فأنزل الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً) [آل عمران : الآية ٧٧]. فجاء الأشعث وعبد الله يحدثهم قال : فيّ نزلت وفي رجل ، وفي حديث آخر : في ابن عم لي خاصمته في بئر كانت لي في أرضه. وروي أن الرجل كان يهوديا ـ الذي خاصم الأشعث ـ فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألك بينة؟» قلت : لا. قال : «فيحلف» ، فقلت : إذن يحلف ، زاد في كتاب مسلم : «ليس لك إلا ذلك» ، فنزلت : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً) [آل عمران : الآية ٧٧] (٥).

__________________

(١) رواه البخاري (٢٦٨٠) ، ومسلم (١٧١٣ و ٤).

(٢) رواه البخاري (٧١٦٩) في الأحكام من حديث أم سلمة رضي‌الله‌عنها.

(٣) رواه البخاري (٢٤٥٨) من حديث أم سلمة رضي‌الله‌عنها.

(٤) رواه أبو داود (٣٥٨٢) من حديث علي رضي‌الله‌عنه.

(٥) رواه البخاري (٧١٨٣ و ٧١٨٤) ، ومسلم (١٣٨) من حديث عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه وإسناده حسن.

٩١

وروى الأشعث أن رجلا من حضرموت ورجلا من كندة اختصما إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أرض باليمن فقال الحضرمي : أرضي اغتصبها أبو هذا ، فقال الكندي : يا رسول الله ، أرضي ورثتها من أبي. فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم للحضرمي : «هل لك بينة؟» فقال : لا ولكن يحلف بالله ما يعلم أنها أرضي غصبها لي أبوه ، فتهيأ الكندي لليمين فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يقتطع رجل مالا بيمين إلا لقي الله عزوجل وهو عليه غضبان». فتركها الكندي (١).

وفي مصنف عبد الرزاق ، والمدونة : أن رجلين تخاصما إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أرض فأقاما بينتين فتكافيا فقسمها نبيّ الله بينهما (٢).

وفي حديث آخر : ولم يثبت بعد إيمانهم.

وفي الدلائل : أن رجلين اختصما إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أمر فجاء كل واحد منهما بشهود عدول على عدة واحدة ، فأسهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهما وقال : «اللهم أنت تقضي بينهما» (٣). وفي حديث آخر : أن رجلين تنازعا في بيع وليست بينهما بينة فأمرهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يستهما على اليمين أحبا أو كرها.

وفي البخاري قال أبو هريرة : عرض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على قوم اليمين فأسرعوا فأمرهم أن يسهم بينهم أيهم يحلف (٤).

وفي الحديث الثابت أسنده مسلم وغيره : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قضى بشاهد ويمين (٥).

وذكر القاضي ابن زرب (٦) : أن أعرابيا أقر عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم حاد عن الإقرار ، وقال للرسول عليه‌السلام : أمام من أقررت عندك؟ فلم يعنّفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا سطا عليه حتى أتى خزيمة بن ثابت فقال : أنا سمعت منه يا رسول الله. فقبل منه شهادته عليه وقال : «إن شهادته كشهادتين عند الله» (٧). وذكر غيره أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل شهادته ، وسماه خزيمة ذا الشهادتين. وذكر

__________________

(١) رواه أبو داود (٣٢٤٤) من حديث الأشعث بن قيس رضي‌الله‌عنه. وهو حديث صحيح.

(٢) رواه عبد الرزاق (٨ / ٢٧٩) ، وأبو داود (٣٩٨) ورجاله ثقات. وهو مرسل.

(٣) رواه الطبراني (٣٩٨٥) ، والبيهقي (١٠ / ٢٥٩) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٤ / ٢٠٣) وقال : رواه الطبراني في الأوسط وفيه أسامة بن زيد القرشي ضعيف. ويشهد له ما قبله.

(٤) رواه البخاري (٢٦٧٤) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه.

(٥) رواه مسلم (١٧١٢) ، وأبو داود (٣٦٠٧) من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

(٦) ابن زرب ـ هو أبو بكر محمد بن يبقى بن زرب القرطبي المالكي صاحب التصانيف. وأحفظ أهل زمانه لمذهب مالك سمع قاسم بن أصبغ وجماعة. وولي القضاء سنة سبع وستين وثلاثمائة وإلى أن مات وكان المنصور بن أبي عامر يعظه ويجلسه معه توفي رحمه‌الله سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة.

(٧) لم نجده بهذا اللفظ. وهو حديث منقطع.

٩٢

أبو داود في المصنف خبر الفرس (١). قال الزهري : وقتل خزيمة يوم صفين مع علي بن أبي طالب ، والقضاء مع الشاهد عند مالك والشافعي في الأموال خاصة. زاد الشافعي : وفي العتق ، وكذلك قاله عمرو بن دينار في حديثه عن ابن عباس أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «قضى بشاهد ويمين». وقال أبو عمرو : وذلك في الأموال ، وأبو حنيفة رضي‌الله‌عنه لا يرى القضاء بشاهد ويمين في شيء.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في كيفية يمين الحالف

في مصنف أبي داود عن مسدد : حدثنا أبو الأحوص عن عطاء بن السائب ، عن أبي يحيى ، عن ابن عباس قال : بعثني النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لرجل أحلّفه : أحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما له عندك شيء. يعني للمدعي (٢). وبهذا أخذ مالك بن أنس ، وقال أبو حنيفة وأصحابه مثله ، إلا أن يتهمه القاضي فله أن يغلّظ عليه فيحلف بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية. وقال الشافعي وأصحابه : يحلف بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية ، وقالت طائفة : لا يلزمه إلا اليمين بالله فقط ، وحجتهم قول الله عزوجل في يمين المتلاعنين : (فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) [النّور : الآية ٦]. وثبت عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» (٣). وكذلك قضى عثمان على ابن عمر في العبد الذي باعه ابن عمر من رجل بالبراءة فقال المبتاع : بالعبد داء لم يسمه لي. فقضى أن يحلف ابن عمر بالله لقد باعه العبد وما به داء يعلمه فأبى من اليمين وارتجع العبد فباعه بأكثر مما كان باعه أولا (٤).

وفي كتاب مسلم عن البراء بن عازب قال : مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيهودي محمم مجلود فدعاهم فقال : «هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟» قالوا : نعم ، فدعا رجلا من علمائهم فقال : «أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟» قال : لا ولو لا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك : حده الرجم ، ثم ذكر باقي الحديث (٥).

وفي مصنف أبي داود حدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن

__________________

(١) رواه أبو داود (٣٦٠٧) ، والنسائي (٧ / ٣٠٢) من حديث خزيمة بن الثابت رضي‌الله‌عنه وهو حديث صحيح.

(٢) رواه أبو داود (٣٦٢٠) وإسناده ضعيف من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

(٣) رواه البخاري (٦٦٤٦) ، والحميدي (٦٨٦) ، ومسلم (١٦٤٦) ، والترمذي (١٥٣٤) من حديث عبد الله ابن عمر رضي‌الله‌عنهما.

(٤) رواه البيهقي في السنن (٥ / ٣٢٨) ، وعبد الرزاق في المصنف (١٤٧٢١) و (١٤٧٢٢) وإسناده صحيح.

(٥) رواه مسلم (١٧٠٠) من حديث البراء رضي‌الله‌عنه.

٩٣

عكرمة أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لابن صوريا : «أذكركم الله عزوجل الذي أنجاكم ، وأقطعكم البحر وظلل عليكم الغمام ، وأنزل عليكم المن والسلوى ، وأنزل التوراة على موسى هل تجدون في كتابكم الرجم؟» فقال : ذكرتني بعظيم ولا ينبغي أن أكذب وساق الحديث (١). قال مالك وأصحابه : يحلف بالله الذي لا إله إلا هو حيث يعظم. وقال الشافعي وأبو حنيفة : يحلف اليهودي بالذي أنزل التوراة على موسى ، والنصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى ، والمجوسي بالله الذي خلق النار.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في إحياء الموات وقسمة الماء وضمان الطبيب

ومن كسر صحفة والحكم في عقد الخص

في الحديث الثابت وهو أيضا في مصنف أبي داود ، والبخاري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من أحيا أرضا ميتة ـ زاد في البخاري في غير حق مسلم. وفي حديث آخر : من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد فهي له ، وليس لعرق ظالم حق» (٢).

وفي كتاب أبي عبيد : قال صاحب الحديث : فلقد رأيت رجلين في بني بياضه يختصمان إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أرض لأحدهما غرس فيها الآخر نخلا ، وقضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله ، فلقد رأيته يضرب في أصولها بالفؤوس وأنها لنخل عام (٣). قال أبو عبيد : العام : التامة في طولها والتفافها وأحدها عميقة. قال مالك : العروق أربعة : عرقان ظاهران ، وعرقان باطنان. فالظاهران : البناء والغرس ، والباطنان : المياه والمعادن.

في الموطأ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في سيل مهزور ومذينب قال ابن حبيب : وهما واديان من أودية المدينة يمسك حتى الكعبين ، ثم يرسل الأعلى على الأسفل (٤).

وفي البخاري عن عروة بن الزبير قال : خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شراج من الحرة ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا زبير اسق ثم أرسل الماء إلى جارك». فقال الأنصاري : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن كان الزبير ابن عمتك. فتلوّن وجه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال : «اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى

__________________

(١) رواه أبو داود (٣٦٢٦) وهو حديث صحيح من حديث عكرمة رضي‌الله‌عنه.

(٢) رواه البخاري معلقا باب رقم (١٥) باب من أحيا أرضا مواتا. وقال : ويروى عن عمرو بن عوف عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال : من أحيا أرضا ميتة فهي له. وفي غير حق مسلم. وليس لعرق ظالم فيه حق. ورواه رقم (٢٣٣٥) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها موصولا بلفظ من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق.

(٣) رواه أبو داود (٣٠٧٤) ، وأبو عبيد في الأموال (٧٠٢) من حديث عروة بن الزبير رضي‌الله‌عنه وإسناده صحيح.

(٤) رواه مالك في الموطأ (٢ / ٧٤٤) و (٢٨٩٩) في الأقضية. باب القضاء في المياه بلاغا عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم.

٩٤

جارك». فقال الأنصاري : أن كان ابن عمتك ، فتلون وجه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال : «أسق يا زبير ثم أحبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ، ثم أرسل الماء إلى جارك». فاستوفى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري ، كأنه أشار إليه بأمر لهما فيه سعة. قال الزبير : ما أحسب هذه الآيات نزلت إلا فيّ ذلك : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) [النّساء : الآية ٦٥] (١). قال ابن شهاب : فقدر الأنصار والناس قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أسق يا زبير ثم أحبس حتى يرجع إلى الجدر» ، وكان ذلك إلى الكعبين.

في الموطأ يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن حرام بن سعيد بن محيصة أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدت فيه ، فقضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار ، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها (٢)

وفي الدلائل : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان عند بعض نسائه ، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم لها بقصعة فيها طعام فضربتها بيدها عائشة. وفي غير الكتابين : ضربتها بفهر ، وروي أنها جرت مرطها فحولتها فانكسرت القصعة ، فضمها وجعل فيها الطعام وقال : «غارت أمكم» (٣).

وفي كتاب أبي داود وروى حباب بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن أبي المتوكل : أن أم سلمة جاءت في يوم عائشة بصحفة فيها طعام فوضعتها بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ـ وهو في بيت عائشة ـ فالتحفت عائشة في كسائها ، ثم أقبلت فضربت القصعة فكسرتها فلقتين ، فجمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الفلقتين وجعل فيها الطعام وقال : «غارت أمكم» ، فأكلوا ثم جاءت عائشة بصحفتها فأكلوا ، ثم بعث بالصحفة المكسورة إلى عائشة وبالصحفة السليمة إلى أم سلمة. وفي البخاري فقال : «كلوا» وحبس الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم القصعة حتى أكلوا (٤).

وفي مصنف أبي داود قالت عائشة : ما رأيت أصنع لطعام من صفية صنعت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم طعاما ، فبعثت به فأخذني أفكل (٥) فكسرت الإناء ثم قالت : يا رسول الله ما كفارة ما صنعت؟ قال : «إناء مثل إناء وطعام مثل طعام» (٦).

__________________

(١) رواه البخاري (٢٣٥٩ و ٢٣٦٠) ، ومسلم (٢٣٥٧) ، وأبو داود (٣٦٣٧) من حديث عروة بن الزبير رضي‌الله‌عنه.

(٢) رواه مالك في الموطأ (٢٩٠٤) ، والبيهقي (٨ / ٣٤١) ، وأحمد (٥ / ٤٣٥) وهو حديث مرسل صحيح.

(٣) رواه النسائي (٧ / ٧٠ و ٧١) و (٣٩٥٦) ، والطحاوي في مشكل الآثار (٣٣٥٤) من حديث أم سلمة رضي‌الله‌عنها. وإسناده صحيح.

(٤) رواه أبو داود (٣٥٦٧) من حديث أنس رضي‌الله‌عنه. وليس من حديث أم سلمة رضي‌الله‌عنها كما أشار المؤلف. والبخاري (٢٤٨١ و ٥٢٢٥) ، والترمذي (١٣٥٩). من حديث أنس رضي‌الله‌عنه.

(٥) أفكل : الرعدة من البرد والخوف.

(٦) رواه أبو داود (٣٥٦٨) ، والنسائي (٨ / ٧١) وإسناده حسن حسنه الحافظ في الفتح (٥ / ٩٠) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

٩٥

وفي كتاب ابن شعبان : أن قوما اختصموا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في خص ، وذكر النسائي في كتاب الأسماء والكنى : اختصم رجلان باليمامة في حائط فبعث حذيفة بن اليماني يقضي بينهم فقضى للذي يليه القمط فرجع إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره الخبر فقال : «أحسنت». زاد النسائي : «وأصبت» (١). والقمط : العقد.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في الشفعة

في الموطأ وغيره : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «قضى بالشفعة فيما لم يقسم بين الشركاء فإذا وقعت الحدود بينهم ، وصرفت الطرق» (٢) في البخاري : «فلا شفعة فيما فيه الحدود من أرض ، أو نخل ، أو عقار» (٣).

وذكر أبو عبيد : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «قضى أن لا شفعة في فناء ولا طريق ولا متعبة ولا ركح ولا رهو» (٤). قال أبو عبيد : المتعبة : الطريق الضيق يكون بين الدارين لا يمكن أن يسلكه أحد ، والركح : ناحية البيت من ورائه وربما كان فضاء لا بناء فيه ، والرهو : الحومة تكون في محلة القوم يسيل فيها ماء المطر وغيره. ومنه الحديث الأخير أنه قال : «لا يباع نقع البئر ولا رهو الماء» (٥). فمعنى الحديث في الشفعة أن من كان شريكا في هذه المواضع الخمسة وليس شريكا في الدار نفسها فإنه لا يستحق بشيء منها شفعة. وهذا قول أهل المدينة أنهم لا يقضون إلا للشريك المخالط ، وأما أهل العراق فإنهم يرونها لكل جار ملاصق وإن لم يكن شريكا. وفي كتاب أبي عبيد : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «قضى بالشفعة للجار» (٦). وتكرر الحديث عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الجار أحق بسقبه».

__________________

(١) ذكره النسائي في كتاب الأسماء والكنى.

(٢) رواه مالك في الموطأ (٢ / ٧١٨) في الشفعة باب ما تقع فيه الشفعة. عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة ابن عبد الرحمن رحمهما‌الله. والنسائي (٧ / ٣٢٦) في البيوع عن أبي سلمى وحده مرسلا. ورجاله ثقات وقال الحافظ في الفتح (٤ / ٣٦٠). اختلف على الزهري في هذا الإسناد. فقال مالك عنه عن أبي سلمة وابن المسيب كما رواه الشافعي وغيره. ورواه أبو عاصم والماجشون عنه فوصله بذكر أبي هريرة أخرجه البيهقي.

(٣) رواه البخاري (٢٢٥٧) ، ومسلم (١٦٠٨) من حديث جابر رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال.

(٥) ذكره الهروي في فوائده (٣ / ١٢٢) بدون سند.

(٦) رواه النسائي في السنن (٧ / ٣٢١) من حديث جابر رضي‌الله‌عنه بلفظ (قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم) بالشفعة والجوار. وهو حديث صحيح ورواه الترمذي (١٣٧٠) بلفظ (الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا) وفي أخرى للترمذي بلفظ (جار الدار أحق بالدار) وهو حديث صحيح.

٩٦

وفي كتاب النسائي أن رجلا قال : يا رسول الله أرضي ليس فيها شريك ولا قسم إلا الجوار فقال : «الجار أحق بسقبه» (١)

وفي كتاب مسلم «قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط ، ولا يحل له أن يبيعه حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به» (٢).

(٢) القسمة والمزارعة

في الأحكام لإسماعيل القاضي قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لرجلين تنازعا في مواريث : «عدّلا وأسهما». قال إسماعيل : هذه القسمة التي تجب بين الشركاء إذا كانت لهم دار أو أرض فعليهم أن يعدلوا ذلك بالقسمة ثم يستهموا ويصير لكل واحد منهم ما وقع بالقرعة ، ويجمع لكل واحد منهم ما كان له من الملك مشاعا في الأرض كلها.

وفي غير الأحكام قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تعضية في القسمة» (٣) ، والتعضية : التفرقة. ومنه قوله عزوجل : (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) [الحجر : الآية ٩١]. يعني : فرقوه وقسموه. قال بعضهم : كاهن.

وفي البخاري أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا اختلفتم في الطريق جعل عرضه سبعة أذرع». وفي حديث آخر : «إذا تشاجروا في الطريق» (٤).

وفي البخاري ومسلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر ، فكان يعطي أزواجه مائة وسق : ثمانين وسقا تمرا ، وعشرين وسقا شعيرا (٥).

وفي الواضحة أن نفرا أربعة اشتركوا في أرض احترثوها على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال أحدهم : من قبلي الأرض ، وقال الآخر : من قبلي البذر ، وقال الآخر : من قبلي الفدّان يعني : زوج البقر ، وقال الآخر : من قبلي العمل. فلما بلغ الزرع واستحصد أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتفاتون ، فألغى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأرض فلم يجعل لها شيئا ، لصاحب الفدان أجرا مسمى ، وجعل لصاحب العمل درهما في كل يوم ، وسلّم الزرع لصاحب البذر. قال ابن حبيب : وإنما ألغى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأرض لأنها لم يكن لها كراء. وفي المدونة قلت لابن القاسم : فإن كان البذر

__________________

(١) رواه النسائي (٧ / ٣٢٠) وإسناده صحيح من حديث الشديد رضي‌الله‌عنه.

(٢) رواه مسلم (١٦٠٨) من حديث جابر رضي‌الله‌عنه.

(٣) رواه الدارقطني (٤ / ٢١٩) ، والبيهقي (١٠ / ١٣٣) من حديث أبي بكر رضي‌الله‌عنه. وفي إسناده صديق ابن موسى بن عبد الله بن الزبير. ليس بحجة.

(٤) رواه البخاري (٢٤٧٣) ، ومسلم (١٦١٣) ، والترمذي (١٣٥٦) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه.

(٥) رواه البخاري (٢٣٢٨ و ٢٣٢٩) ، ومسلم (١٥٥١) من حديث عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما.

٩٧

من عند رجلين؟ ومن عند الآخر الأرض وجميع العمل قال : لا خير في هذا ، قلت : فلمن الزرع؟ قال : لصاحب الأرض والعمل ويعطى هذان بذرهما قلت : وهذا قول مالك. قال : هذا رأيي. وقال ابن حبيب وابن غانم عن مالك : إن الزرع لصاحبي الزريعة ويكون عليهما كراء الأرض والعمل ، وذكر نحو هذا عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «الزرع لصاحب الزريعة وللآخرين أجر مثلهم» (١).

وفي مصنف أبي داود عن رافع بن خديج : أنه زرع أرضا فمر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يسقيها فسأله : «لمن الزرع ولمن الأرض؟» فقال : زرعي ببذري وعملي لي الشطر ، ولبني فلان أصحاب الأرض الشطر. قال : «أذنبت فرد الأرض على أهلها وخذ نفقتك» (٢).

وفي كتاب ابن شعبان : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الرهن من مرتهنه له غنمه ، وعليه غرمه» (٣) ، وقد تقدم أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي (٤).

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في المساقاة والصلح والمرفق وحريم النخل

في موطأ مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ليهود خيبر حين افتتحها : «أقركم ما أقركم الله على أن الثمر بيننا وبينكم» ، فكان يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص بينه وبينهم ثم يقول : «إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي ، فكانوا يأخذونه» (٥).

وفي مصنف أبي داود : خرصها ابن رواحة أربعين ألف وسق (٦) ، واختاروا الثمر على أن يكون عليهم عشرون ألف وسق (٧) ، وهذه الزيادة من مصنف عبد الرزاق وغيره. وفي كتاب مسلم : «أقركم فيها ما شئنا» (٨) ، في حديث ابن عمر ، في حديث آخر عن ابن عمر : على أن يعتملوها من أموالهم ولرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم النصف (٩).

__________________

(١) ذكره الصنعائي في سبل السلام (٣ / ٦٠) وقال : باطل لا أصل له. وقال الشوكاني في نيل الأوطار (٥ / ٢٧٢) : لم أقف عليه. فلينظر فيه.

(٢) رواه أبو داود (٣٤٠٢) من حديث رافع بن خديج رضي‌الله‌عنه. وإسناده ضعيف.

(٣) ذكره ابن عبد البر في التمهيد (٦ / ٤٣٠) بدون سند.

(٤) تقدم تخريجه.

(٥) رواه مالك في الموطأ (٢ / ٧٣) وإسناده صحيح. لكنه مرسل.

(٦) الوسق : ستون صاعا.

(٧) رواه أبو داود رقم (٣٠٠٦) في الخراج. من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنه وهو حديث صحيح.

(٨) رواه مسلم (١٥٥١ و ٦) من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما.

(٩) رواه مسلم (١٥٥١ و ٥) من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما.

٩٨

وفي قوله : «على أن يعتملوها من أموالهم» دليل على أن لا يعين رب الأرض العامل ولا يجعل زريعة للبياض.

وقال مالك : المساقاة جائزة في كل أصل له ثمرة مثل : النخيل ، والأعناب ، والتين ، والزيتون ، والرمان ، والفرسك ، والجوز ، واللوز ، والورد ، وشبه ذلك. وعلى ما اتفقا من الجزء. قال الشافعي : لا تجوز المساقاة إلا في النخيل ، والكرم خاصة على النصف لأن في ذلك الخرص. وللشافعي قول آخر : أنها تجوز المساقاة في كل أصل ثابت.

وقال أبو حنيفة : لا تجوز المساقاة أصلا لأنها أجرة مجهولة. وخالف في ذلك فعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبي بكر ، وعمر في خيبر ، واحتج بأن أهل خيبر حين افتتحت كانوا كالعبيد ، ويجوز بين السيد وعبده ما لا يجوز بينه وبين الأجنبي ، والحجة أيضا على أبي حنيفة أنهم لم يكونوا عبيدا لأنهم أقروا على المساقاة حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبي بكر ، وصدرا من أيام عمر ، حتى أجلاهم. ولم يباعوا ، ولا عتقوا ، ولم يرو أحد من أهل الحديث أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ من أهل خيبر جزية أم لا ، إلا أن نزول براءة كان بعد خيبر ، فيدل ذلك أنه أخذ منهم الجزية والله وأعلم.

والحجة على الشافعي في منعه المساقاة إلا في النخل والكرم مساقاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل خيبر على نصف ما يخرج منها : من زرع أو ثمر. فمنع الشافعي المساقاة في الزرع لأن الأرض تكرى بما يخرج منها ، وفيه النص ، وأجازها في الكرم ولا نص فيه قياسا على النخل وجمهور العلماء على خلافه. في كتاب مسلم : ومن خيبر كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعطي أزواجه كل سنة مائة وسق : ثمانين من تمر وعشرين من شعير (١).

قال مالك : وكان بياض خيبر يسيرا بين أضعاف السواد. قال مالك في الواضحة : وهو يسير إلى اليوم. قال مالك في المدونة وغيرها : أحب إليّ أن يلغي البياض للعامل ، وهو أحله. فإن قال قائل : لم قال مالك إلغاء البياض للعامل أحل. وقد ثبت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ من أهل خيبر النصف من الثمر ومن الزرع؟ قيل له : إنما ذلك لنهي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن المخابرة وهي : اكتراء الأرض بالحنطة ، فخشي مالك أن يكون هذا النهي بعد قصة خيبر : وإنما يؤخذ من فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالأحدث فالأحدث ، فإذا ألغي البياض للعامل ارتفع الإشكال وإن كان البياض بينهما فهو جائز على ما فعله بخيبر. قاله محمد بن دحون عن الأصيلي : حدثني بذلك أبو عمرو وابن القطان ـ رحمهم‌الله ـ جميعهم.

وفي البخاري ومسلم : أن كعب بن مالك تقاضى من عبد الله بن أبي حدرد دينا كان له عليه في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المسجد ، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو في بيته ـ فخرج إليهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى كشف سجف حجرته ونادى كعب بن مالك فقال :

__________________

(١) رواه مسلم (١٥٥١ و ٢) من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما.

٩٩

لبيك يا رسول الله ، فأشار إليه بيده : أن ضع الشطر من دينك فقال : قد فعلت يا رسول الله ، قال : «قم فاقضه» (١).

وفي حديث آخر : أشار بيده كأنه يقول النصف (٢).

وفي كتاب ابن شعبان : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من اقتضى حقا فليقتضه في كفاف وعفاف واف أو غير واف».

وثبت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث سرية إلى قوم من قوم خثعم ، فاعتصموا بالسجود فقتلوا ، فأمر فيهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنصف الدية (٣). قال بعض أهل العلم بالقرآن : إنما أمر بذلك لأنه قد يمكن أن يكون سجودهم إسلاما فتكون فيهم الدية ، وقد لا يكون إسلاما فلا يكون لهم دية.

وفي مصنف أبي داود عن سمرة بن جندب : أنه كان له نخل في حائط رجل من الأنصار ، ومع الرجل أهله فكان سمرة بن جندب يدخل إلى النخل فيتأذى به الرجل ، ويشق عليه ، فطلب إليه أن يبيعها منه فأبى ، فطلب أن يناقله فأبى ، فأتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكر له ذلك ، فطلب إليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يبيعه منه فأبى ، فطلب إليه أن يناقله فأبى ، قال : فهبها لي ولك كذا وكذا مزرعة فأبى ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنت مضار» ، ثم قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم للأنصاري : «اذهب فاقلع نخله» (٤).

وعن أبي سعيد الخدري قال : اختصم إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلان في حريم نخلة فأمر بها فذرعت فوجدت سبعة أذرع. وفي حديث آخر خمسة أذرع فقضى بذلك (٥). قال عبد العزيز : أمر بجريدة من جرايدها فذرعت.

__________________

(١) رواه البخاري (٢٧١٠) ، ومسلم (١٥٥٨) ، وأبو داود (٣٥٩٥) من حديث كعب بن مالك رضي‌الله‌عنه.

(٢) رواه البخاري (٢٤٢٤) من حديث كعب بن مالك رضي‌الله‌عنه.

(٣) رواه أبو داود (٢٦٤٥) من حديث جرير بن عبد الله رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه أبو داود (٣٦٣٦) من حديث أبي جعفر الباقر محمد بن علي عن سمرة. وفيه انقطاع فإن أبا جعفر لم يسمع من سمرة رضي‌الله‌عنه.

(٥) رواه أبو داود (٣٦٤٠) من حديث أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه وإسناده صحيح.

١٠٠